رواية عشق لا يضاهي الفصل الثامن و التسعون
حين استعادت سيرين وعيها كان الصمت قد ابتلع ظافر تماما كما تبتلع الرمال المتحركة خطوات العابرين إذ لم يعد هناك صوت سوى أنفاسه المتقطعة المتعثرة كأنها صدى بعيد لرجل يصارع شبحا.
انحنت فوقه كمن يبحث عن الحياة في جسد يوشك أن يتحلل تحت وطأة الألم ومن ثم وضعت يدها فوق جبينه تستشعر حرارته التي تشتعل كجمرة لا تنطفئ... حرارة كانت تحترق به وربما لأجلها.
قامت بخفة تسابقها خطواتها نحو خزانة الإسعافات كأنها تركض في سباق ضد المۏت.
فتحتها لكنها لم تجد سوى قناني غطاها الغبار وأدوية شاخت كما يشيخ الندم في القلب الطاغي إذ قد انتهت صلاحيتها منذ زمن مثلها مثل كل شيء أهمله ظافر الذي على ما يبدو أنه لم يعد يعول هم الحياة لتستمر.
بلا تردد اتجهت إلى المطبخ واستخرجت بعض الثلج من المبرد ولفته بقطعة قماش ناعمة وبدأت تخفف عنه اشتعال الحمى تلامسه كأنها تلامس جمرة قلبها لا جبينه ثم أسرعت تطلب الأدوية عبر الإنترنت وبصوت مرتجف من القلق توسلت للتوصيل الفوري كما يلتمس العاشق لقاءا لا يحتمل التأجيل.
وعندما عادت إليه وجدته كما تركته مستسلما بجسد فقد الروح فاقتربت منه وبلطف ممزوج بالإصرار حاولت أن تسقيه الدواء لكنه أغلق فمه بعناد طفولي بعينين مغلقتين لا تريد أن ترى العالم ولا حتى وجهها.
تنهدت بعمق ثم خطرت لها فكرته القديمة... العسل.
سكبت القليل منه داخل الجرعة المرة فأصبحت ألذ كأنها قبلة محلاة على شفاه الۏجع واقتربت منه من جديد فاستجاب وفتح فمه أخيرا...
وابتلع الدواء.
ابتسمت رغما عنها وهي تتذكر كم كان متناقضا هذا الرجل... ذلك الذي يرعب خصومه في قاعات الاجتماعات ويخضع الأسواق لأهوائه يذوب أمام قطعة سكر كما يذوب الشمع تحت لهب صغير.
أرادت أن تعيده إلى الأريكة لكن جسده كان أثقل من إرادتها ومن قلبها المنهك... حاولت أن تحركه لكن يديها المرتجفتين كانتا كريشتين تحاولان رفع صخرة فاستسلمت... وتركته مستلقيا كما هو ممددا على الأرض كملك جرد من تاجه.
خفضت من حرارة المكيف وغطته ببطانية خفيفة كأنها تحاول أن تقنع الليل بألا يبرد قلبه أكثر وجلست على الأريكة تتتابعه كمن يراقب حلما بين النوم واليقظة... ثم غلبها التعب وأغلق النعاس جفونها.
عندما داعب ضوء الغروب وجهه تسللت أشعة الشمس كالوشم إلى وجنته فارتعشت أجفانه شيئا فشيئا حتى انفرجت عن عينيه المثقلتين.
فتح ظافر مقلتيه على عالم بدا غريبا ومشوشا كأنما استيقظ من حلم طاحن لا يعرف أكان فيه حيا أم محموما إذ وجد نفسه مستلقيا على الأرض ظهره يئن من قسۏة البلاط وجبينه يلفظ آخر بقايا الحمى.
رفع يده إلى رأسه يفركه كمن يحاول إخراج الكوابيس من خلاياه.
وعندها رآها...
سيرين.
إنها ممددة على الأريكة بجانبه تنام بسلام يشبه غفوة طائر بعد طيران طويل.
وجهها الهادئ كان مغطى بنور الغروب الشاحب
وكأن الشمس أرادت أن تقبلها قبل أن تغادر السماء.
ولمرأها فزع لوهلة وقفز قلبه في صدره كفرس جامح ثم نظر حوله ليجد تلك البطانية التي تلف جسده ومنشفة رطبة بجواره وزجاجات دواء مصطفة كأنها حراس على عتبة عافيته.
أزاح البطانية عنه بتأن وما إن وقف حتى هاجمته دوامة من الدوار تمايل معها كشمعة تواجه الريح.
متى متى أصبح هشا هكذا جسده الذي كان يوما صلبا كجدار من فولاذ بات الآن يتداعى بسهولة!!
وقبل أن يفيق تماما من صډمته جاءه صوتها ناعما كأنغام النايات في جوف ليل ساكن
لقد استيقظت أخيرا...
فتحت سيرين عينيها بتثاقل وما إن رأت وجهه متجهما أمامها وقد استعادت ملامحه شيئا من الصحو غافلة عمن عض على شفتيه يحاول تحجيم مشاعره التي اضطربت جراء سماع صوتها الأنثوي المتحشرج إثر النوم حتى انتقلت مباشرة إلى قلب المعركة دون مقدمات ولا عذر تقول
بما أنني اعتنيت بك اليوم فدع كوثر تذهب لقد فعلت كل شيء من أجلي... وأنا أعتذر بالنيابة عنها فصديقتك دينا لا تستحق الإساءة وأنا آسفة. قالت الأخيرة بتهكم.
بينما كان ظافر يرمش ببطء كأن كلمتها اصطدمت بجدران عقله المرتبك.
كوثر دينا اعتناء
هو بالكاد تذكر اسمه.
تأمل وجهها وهو ما يزال مغمورا بذلك الضوء الغارب وكأن بين شفتيها ڼارا وماء وبين كلماتها صراع لا يفهمه...
ثم تمتم بصوت مبحوح
كوثر...
زفرت سيرين وأوضحت بعينين تلمعان بما يشبه التوسل المستتر
كوثر صديقتي هي من كشفت سړقة دينا الأدبية على الإنترنت وأنا آسفة إن كانت قد أساءت إليها... أرجوك كن رحيما سأحذف المقال.
عندها فقط بدا أن ذاكرة ظافر بدأت تتفتح كزهرة تأخرت في الربيع فقد تذكر دينا واتصالها المتوتر صباح هذا اليوم حينما طلبت مساعدته وكأن سکينا مصوبا إلى رقبتها.
قالت سيرين بصوت متهدج حاولت أن تجعل نبرته ثابتة لكن حلقها كان يضيق شيئا فشيئا كمن يختنق بالكلمات
إن لم يكن هذا كافيا... يمكنني أن أقدم اعتذارا علنيا.
كان صمته طعڼة بلا ډم ونظراته وكأنها سکين باردة تنقب عن خفايا نواياها فأكملت بقلة حيلة تشبه استغاثة عصفور جريح
أنا لا أعتذر لأنها شوهت سمعتها بل... لأنك أنت من أمرت بحجز كوثر وإن لم تكن مستعدا للتساهل فلا بأس... طالما أن ضميرك مرتاح هكذا.
قالتها واستدارت لتغادر تبحث بعقلها المنهك عن خطة بديلة عن نافذة أخرى تطل بها على الخلاص لكن فجأة امتدت يد حارة كالجمر وأمسكت بمعصمها.
كان ظافر قد قاوم دورانه اللعېن ووقف كمن ينتزع نفسه من رماد المۏت يتشبث بها ثم قال بصوت أجش
متى قلت إنني لن أساعدك سيرين
ارتجفت وهي تشعر بحړقة تسري في حلقها ناظرة إليه بصمت يحتوي كل الإجابات التي لم تنطق وكل الخيبات التي لم تكتب.
لمح ظافر الحزن بعينيها فشعر بضيق في صدره وكأن الهواء ثقيل لا يطاق.
صړخ بعينيه قبل صوته واشټعل الڠضب تحت
جلده ليس منها بل من حاله ومن تلك القميئة دينا
لم أكن أعلم أنها صديقتك سأتواصل مع القسم القانوني فورا.
ثم شد على يدها كأنها حبل نجاته أو كمن يلتمس الجواب عن كل الأسئلة التي تدور كالدومات برأسه
لكن... هل لهذا السبب فقط أتيت
تجمدت الكلمات في حلقها إذ كانت تشعر كأنها عالقة بين صخرتين وتسائلت بينها وبين حالها
لماذا أتت هل من أجل كوثر أم من أجله أم من أجل شيء لم تعد قادرة على تسميته
ضحك ظافر ضحكة جافة كأنها ارتطام زجاج على أرض صلبة وتمتم بصوت غير مسموع وبنبرة تفيض مرارة
كنت أظن... أنك أخيرا قد استيقظت من غفلتك وأن قلبك عاد ليبحث عن ابنه ظننتك بقيت لأنك شعرت بي حين مرضت.
سحبت يدها كأنها تقطع آخر خيط يربطها به وقالت بنبرة باردة تخفي عاصفة
يرجى التواصل مع القسم القانوني سأغادر.
لكن صوته... ذاك الصوت المتعب المكسور في حافاته جاءها فجأة كصڤعة ناعمة
هل هكذا... تطلبين المساعدة من الناس
سؤال سكن في أذنيها أكثر مما سكن في قلبها لكنها لم تجب...
لأن الجواب الوحيد كان دمعا مكبوتا خلف جفون يابسة من الألم.
انحنت فوقه كمن يبحث عن الحياة في جسد يوشك أن يتحلل تحت وطأة الألم ومن ثم وضعت يدها فوق جبينه تستشعر حرارته التي تشتعل كجمرة لا تنطفئ... حرارة كانت تحترق به وربما لأجلها.
قامت بخفة تسابقها خطواتها نحو خزانة الإسعافات كأنها تركض في سباق ضد المۏت.
فتحتها لكنها لم تجد سوى قناني غطاها الغبار وأدوية شاخت كما يشيخ الندم في القلب الطاغي إذ قد انتهت صلاحيتها منذ زمن مثلها مثل كل شيء أهمله ظافر الذي على ما يبدو أنه لم يعد يعول هم الحياة لتستمر.
بلا تردد اتجهت إلى المطبخ واستخرجت بعض الثلج من المبرد ولفته بقطعة قماش ناعمة وبدأت تخفف عنه اشتعال الحمى تلامسه كأنها تلامس جمرة قلبها لا جبينه ثم أسرعت تطلب الأدوية عبر الإنترنت وبصوت مرتجف من القلق توسلت للتوصيل الفوري كما يلتمس العاشق لقاءا لا يحتمل التأجيل.
وعندما عادت إليه وجدته كما تركته مستسلما بجسد فقد الروح فاقتربت منه وبلطف ممزوج بالإصرار حاولت أن تسقيه الدواء لكنه أغلق فمه بعناد طفولي بعينين مغلقتين لا تريد أن ترى العالم ولا حتى وجهها.
تنهدت بعمق ثم خطرت لها فكرته القديمة... العسل.
سكبت القليل منه داخل الجرعة المرة فأصبحت ألذ كأنها قبلة محلاة على شفاه الۏجع واقتربت منه من جديد فاستجاب وفتح فمه أخيرا...
وابتلع الدواء.
ابتسمت رغما عنها وهي تتذكر كم كان متناقضا هذا الرجل... ذلك الذي يرعب خصومه في قاعات الاجتماعات ويخضع الأسواق لأهوائه يذوب أمام قطعة سكر كما يذوب الشمع تحت لهب صغير.
أرادت أن تعيده إلى الأريكة لكن جسده كان أثقل من إرادتها ومن قلبها المنهك... حاولت أن تحركه لكن يديها المرتجفتين كانتا كريشتين تحاولان رفع صخرة فاستسلمت... وتركته مستلقيا كما هو ممددا على الأرض كملك جرد من تاجه.
خفضت من حرارة المكيف وغطته ببطانية خفيفة كأنها تحاول أن تقنع الليل بألا يبرد قلبه أكثر وجلست على الأريكة تتتابعه كمن يراقب حلما بين النوم واليقظة... ثم غلبها التعب وأغلق النعاس جفونها.
عندما داعب ضوء الغروب وجهه تسللت أشعة الشمس كالوشم إلى وجنته فارتعشت أجفانه شيئا فشيئا حتى انفرجت عن عينيه المثقلتين.
فتح ظافر مقلتيه على عالم بدا غريبا ومشوشا كأنما استيقظ من حلم طاحن لا يعرف أكان فيه حيا أم محموما إذ وجد نفسه مستلقيا على الأرض ظهره يئن من قسۏة البلاط وجبينه يلفظ آخر بقايا الحمى.
رفع يده إلى رأسه يفركه كمن يحاول إخراج الكوابيس من خلاياه.
وعندها رآها...
سيرين.
إنها ممددة على الأريكة بجانبه تنام بسلام يشبه غفوة طائر بعد طيران طويل.
وجهها الهادئ كان مغطى بنور الغروب الشاحب
وكأن الشمس أرادت أن تقبلها قبل أن تغادر السماء.
ولمرأها فزع لوهلة وقفز قلبه في صدره كفرس جامح ثم نظر حوله ليجد تلك البطانية التي تلف جسده ومنشفة رطبة بجواره وزجاجات دواء مصطفة كأنها حراس على عتبة عافيته.
أزاح البطانية عنه بتأن وما إن وقف حتى هاجمته دوامة من الدوار تمايل معها كشمعة تواجه الريح.
متى متى أصبح هشا هكذا جسده الذي كان يوما صلبا كجدار من فولاذ بات الآن يتداعى بسهولة!!
وقبل أن يفيق تماما من صډمته جاءه صوتها ناعما كأنغام النايات في جوف ليل ساكن
لقد استيقظت أخيرا...
فتحت سيرين عينيها بتثاقل وما إن رأت وجهه متجهما أمامها وقد استعادت ملامحه شيئا من الصحو غافلة عمن عض على شفتيه يحاول تحجيم مشاعره التي اضطربت جراء سماع صوتها الأنثوي المتحشرج إثر النوم حتى انتقلت مباشرة إلى قلب المعركة دون مقدمات ولا عذر تقول
بما أنني اعتنيت بك اليوم فدع كوثر تذهب لقد فعلت كل شيء من أجلي... وأنا أعتذر بالنيابة عنها فصديقتك دينا لا تستحق الإساءة وأنا آسفة. قالت الأخيرة بتهكم.
بينما كان ظافر يرمش ببطء كأن كلمتها اصطدمت بجدران عقله المرتبك.
كوثر دينا اعتناء
هو بالكاد تذكر اسمه.
تأمل وجهها وهو ما يزال مغمورا بذلك الضوء الغارب وكأن بين شفتيها ڼارا وماء وبين كلماتها صراع لا يفهمه...
ثم تمتم بصوت مبحوح
كوثر...
زفرت سيرين وأوضحت بعينين تلمعان بما يشبه التوسل المستتر
كوثر صديقتي هي من كشفت سړقة دينا الأدبية على الإنترنت وأنا آسفة إن كانت قد أساءت إليها... أرجوك كن رحيما سأحذف المقال.
عندها فقط بدا أن ذاكرة ظافر بدأت تتفتح كزهرة تأخرت في الربيع فقد تذكر دينا واتصالها المتوتر صباح هذا اليوم حينما طلبت مساعدته وكأن سکينا مصوبا إلى رقبتها.
قالت سيرين بصوت متهدج حاولت أن تجعل نبرته ثابتة لكن حلقها كان يضيق شيئا فشيئا كمن يختنق بالكلمات
إن لم يكن هذا كافيا... يمكنني أن أقدم اعتذارا علنيا.
كان صمته طعڼة بلا ډم ونظراته وكأنها سکين باردة تنقب عن خفايا نواياها فأكملت بقلة حيلة تشبه استغاثة عصفور جريح
أنا لا أعتذر لأنها شوهت سمعتها بل... لأنك أنت من أمرت بحجز كوثر وإن لم تكن مستعدا للتساهل فلا بأس... طالما أن ضميرك مرتاح هكذا.
قالتها واستدارت لتغادر تبحث بعقلها المنهك عن خطة بديلة عن نافذة أخرى تطل بها على الخلاص لكن فجأة امتدت يد حارة كالجمر وأمسكت بمعصمها.
كان ظافر قد قاوم دورانه اللعېن ووقف كمن ينتزع نفسه من رماد المۏت يتشبث بها ثم قال بصوت أجش
متى قلت إنني لن أساعدك سيرين
ارتجفت وهي تشعر بحړقة تسري في حلقها ناظرة إليه بصمت يحتوي كل الإجابات التي لم تنطق وكل الخيبات التي لم تكتب.
لمح ظافر الحزن بعينيها فشعر بضيق في صدره وكأن الهواء ثقيل لا يطاق.
صړخ بعينيه قبل صوته واشټعل الڠضب تحت
جلده ليس منها بل من حاله ومن تلك القميئة دينا
لم أكن أعلم أنها صديقتك سأتواصل مع القسم القانوني فورا.
ثم شد على يدها كأنها حبل نجاته أو كمن يلتمس الجواب عن كل الأسئلة التي تدور كالدومات برأسه
لكن... هل لهذا السبب فقط أتيت
تجمدت الكلمات في حلقها إذ كانت تشعر كأنها عالقة بين صخرتين وتسائلت بينها وبين حالها
لماذا أتت هل من أجل كوثر أم من أجله أم من أجل شيء لم تعد قادرة على تسميته
ضحك ظافر ضحكة جافة كأنها ارتطام زجاج على أرض صلبة وتمتم بصوت غير مسموع وبنبرة تفيض مرارة
كنت أظن... أنك أخيرا قد استيقظت من غفلتك وأن قلبك عاد ليبحث عن ابنه ظننتك بقيت لأنك شعرت بي حين مرضت.
سحبت يدها كأنها تقطع آخر خيط يربطها به وقالت بنبرة باردة تخفي عاصفة
يرجى التواصل مع القسم القانوني سأغادر.
لكن صوته... ذاك الصوت المتعب المكسور في حافاته جاءها فجأة كصڤعة ناعمة
هل هكذا... تطلبين المساعدة من الناس
سؤال سكن في أذنيها أكثر مما سكن في قلبها لكنها لم تجب...
لأن الجواب الوحيد كان دمعا مكبوتا خلف جفون يابسة من الألم.