رواية من بعد خوفهم الفصل التاسع بقلم حمدى صالح
"نحـن مُختلفون عن الآخرين، كُلُّ إنسانٍ لهُ شخصيةٌ متنوعة، العقول تتشابه بالأرواح؛ فهل يُمكن للفؤاد الإختلاف؟!"
علىٰ بوابة الجامعة يقف ينتظرها بقلقٍ، كم اشتاق لرؤية ابنتهُ بعدما أخبرهُ "مؤيد" بِما يحدثُ معها، رآها آتية بعينٍ نائمةٍ وجسدها الواهن مِن قلة طعامها علىٰ الإفطار، هرولتْ إليه وهو يمسد علىٰ خمارهـا الزهري؛ لتبكي بين ضلوعهِ علىٰ غيابهِ، سارا سويًـا لأقربِ مكانٍ وهى تخبرهُ عن اشتياقها إليه.
-لمَّ يا "أبي"؟!
مقولةٌ ليست سهلـةً عليه وهو يتشبث بنظراتها، استند
"سُليمان"بظهرهِ وهو يتذكر أيام الصباب وقلبهُ ينزف قهرًا علىٰ حالتهِ، نطق بنبرةِ حزينةٍ:
-حِينما بلغتُ الثانية والعشرين لمْ أقترب من فتاة أو مثل"مؤيد" بالمعنى المثالي، رأيتُ أمكِ وأحببتها.. ولكن جدتُكِ لم توافق ومع تكراري وافقت، فضل "عمك" الصمت وشعرتُ بالرضـاء، عامٌ بعد عامٍ وأنتن بين ضلوعي.. تغيرت وظهرت حقيقتها ومدى تشبثها بأقاويل الناس بأنَّها صغيرة ويجب التحلي بحياتها بعيدًا عن الضوضاء وأصواتكن، علمتُ مِن أمي حينما عدتُ بإهمالها إليكن.. حينها أخذتُكِ أنتِ و"لدن"إلى زوجة أخي وتربيتم معهم، أتـألم كُل ليلةٍ حينما كبرتِ وتتحملين أشياءًا كثيرة علىٰ عاتقكِ.. حتى أخذتُكِ لجدتك؛ كي تتحامين بها.. ستحافظ عليكن وستحبكن من قلبها، هناك تفاصيل لا يصح قولها.. نصحيتي لكِ يا ابنتي أن تحترمين والدتك مهما فعلت وإن رأتيها لا تهاجرينها، سيسألك الله علىٰ معاملتكِ وطريقتك معها، ابتعدين عن رداء الحزن وتغيرين لسعادتكِ.. بالمناسبةِ لا تتشاجرين مع "مؤيد" مُجددًا؛ لأنهُ يراقبك ويحافظ عليكِ، ولا أفضلك عنهُ بل قدرة الرجل تفوق الأنثى بمراحل وإن نطقتُ إليكِ لأغضبتِ علىٰ الجميع.
نطقتْ بغيظٍ:
- إنهُ يقصد إزعاجي كُليًـا ولا يجيبني عن الحقيقة التي يعرفها.
-يحافظ عليكِ أيُتها البلهاء، أن يتقِ الله فيكِ وفي شقيقتك، يحميكِ من شرور نفسكِ، بارٌ بأبيه وبأمهِ ويحبكِ، نعم يا "عنود" هو يحبك ويهاب قدرك، اقتربين من الله سبحان وتعالى.. ستعلمين أنَّكِ المُخطئة، بالمناسبة.. لقد طلب مني شيئًا يُخصكِ، هو رجلٌ مناسب لكِ يا بهجتي.
ابتسمتْ"عنود"علىٰ لفظ"بهجتي"التي تُحبهـا مِن والدها وهى تسير بجوارهِ، عـادت بذاكرتها وهى ترىٰ تعمد "مؤيد" علىٰ الهروب مِن رؤيتها، لا يُشاجرها بانفرادِ إلا إذ لزم الأمر، لقد هجرت عبادتها في الآوانة الأخيرة.. أحستْ بالمهانة مِن نفسها وهى تتجاهل أمورًا عديدةً لا يعلمها إلا إلله.. ابتعد وتغير لأفضل وهى واقفة كالسدِ لا تتقدم لخطوةٍ واحدةٍ، يومها العشوائي وحياتها الكبيسة ضحية والدتها المُتغلغة في أمورٍ خاطئةٍ، كم مِن شخصٍ بريءٍ وقع ضحية والدين لا يهتموا بشأن أولادهم وحياتهم، أ مَن يحافظ عليهما هو آخر ما توقعتهُ، خجلتْ من نفسها وهى تُمسك بمصحفها الممتليء بالغبار الكثيف.. تزيل التُراب واحتضنته بين جسدها المرهق، إن انشق الطريق فلا ملجـأ إلا لله، لقرآنك وعبادتُك التي تسير بها.
علىٰ الجانـب الآخر.. استأذن "ياسـر" بالدخول لأمهِ.. وجدها ترتب الخزانة؛ ليجلس على المقعد؛ قائلًا:
-أودُّ جلب أختي إلينا.. ليس لديها عائلة!
-وما شأني بها؟! أتحدثني بشيءٍ أكره فعلهُ، مرة "رهف".. ومرة شقيقتك.. ماذا تُريد!
تنهد" ياسر"بجديةٍ:
-أُريد السلام والحقيقة تزعجكِ، انتهى موضوع "رهف" وفعلتِ الشيء الذي قولتهُ باليوم التالي ولكنك مستمرة بالعبث، تلك الفتاة ليس لها ذنب، تأويني من العالم ولا تبكيني أبدًا يا "أمي"، هى حبيبتي وحينما أذكر اسمك أمامها ترفض التَّحدث بشيءٍ يزعجها عليكِ، مِن حقي عليها حمايتها من الجميع ولو كنتِ أنتِ يا"أمي".. لستُ الأبله الذي يعيش معك، كبرتُ وكبر عقلي، كفاكِ السير وراء تلك السيدة التي بغضت أولادها، إن أدرك أبي مَن التي تغزو عقلك وأنَّها أم"عنود" لفعل ما يغضبكِ حقًا، أُحدثكِ بالإصلاح وتُدمرين خالتي بالبطيء، ألا تتساءلين ما سبب زواج "أبي"؟! ثرثرة، شجار، لا تفعل، هو رجل.. رجل يعتمد عليه ولم يُدنس عقلهُ بأقاويلك، أنا لن أُنصت إليكِ في أي شر، سأتأذى منكِ في يومٍ، هى شقة" أبي"وابنته أولىٰ بالمكوث هُنـا، اتقين الله في شقيقتك بالله عليكِ.. تعبتُ من أحاديثك السّم..
بسم الله الرحمن الرحيم:
{.. كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء}.
شقيقتي أولى بيِّ، وهى أحق بالعيش وسط عائلة!
غادر بهدوءٍ والنيران تتآكل صدرهِ، لم ينتظر ردًا بل هاتف "زينب"؛ كي يراها، بينما الأخرىٰ تقف مذهولةٌ مِن كلمات ابنها وحقيقتها التي كُشفت أمام طفلها الوحيد، أكملت ما بيديها ومِن ثُم مكثت بالشرفةِ تتذكر الماضي الأليم، بين عشيةٍ وضحاها تغيرت معهُ وانسدل الستار مروعًا بالرعبِ عليها بعدما رأت السعادة حينما علم بابنته الصغيرة، أهى أمٌ سيئةٌ كي تهرب من الواقع!
بينما"ياسر"يقبض يديه علىٰ تِلك الطريقةِ، يأس مِن الحديث ويخشى عليها الحياة، رآها تهرول إليه علىٰ عجلةٍ؛ لتسير معهُ دون صوتٍ، رأتْ بنيةً أعجبتها للغايةِ مُزينة مِن الداخل بباقاتِ الورد الصناعية، تلمع والجدران معلق عليها آيات الله وبعد النصائح، توقف حينما نظر إليها وهى تلتقط بعض الصور، حمحم بهدوءٍ؛ لتسألهُ بغضبٍ مُصطنع:
-أخي.. هل خطفتني وسط عالمِ المافيـا والأكشن؟!
-تبًا لروايتكِ البلهاء، سيري أمااامي..!
كتمتٍ ضحكتها العالية؛ ليشعر بها وهو يبتسم بداخلهِ على تِلك الشعنونة، طرقاتٌ خفيفة؛ لتفتح "رهف" بسؤالٍ:- خير؟!
-أين أخذتني يا أخي، سأصرخ عليكِ بأنَّك حبيبي وسأفعل..
وضع يديه علىٰ فمها وهو ينظر لـ"رهف"بصدمةٍ، سعادتها لا توصف حينما رأتها برفقته؛ لتُمسكها محتضنةً إياها تحت نظراتها.
أفاقت على صوت "مؤيد" مِن خلفها:
-تعالٍ يا أخي، عُذرًا على أسلوبها.
-هى محقةٌ يا بن خالتي، ولكن أردتُ جلب أختي؛ كي تتعرف عليها أكثر، ألا ترىٰ صدمتها، كما يجب الاستئذان قبل المجيء مهما اقتربت درجات القرابة، المُهم أين عمي وخالتي لا أراهم!
أوصد الباب وهو ينطق بجديةٍ:
-عاد عمي اليوم فذهبا سويًا إليه، مرحبًا يا "زينب" أضفتِ للعائلة فتاة أخرىٰ، اذهبي لغرفتك.
رفع إحدىٰ حاجبيه؛ ليجلب إليه كوبًا من العصير مستندًا أمام التلفاز، طبطب عليه وهو ينظر إليه بقلقٍ:
-تعبتُ حقًـا، عشرةُ أيامٍ وهى ترفض الحديث معي بعدما توجهت للحديث إليك ولرفقائي، تظنني غريبًا عنها وحديثها يؤلمني عليها، أنا لم أقصد جرحها في أشياءٍ هى مَن حفرت حفرة بقلبي حينما أرىٰ "لدن" تُمسك هاتفها أشاهد "عنود" التي تقترب منها وتعلم هويتها، حتى العمل أجهد نفسي به ولم أستذكر دروسي بعد، أتمنىٰ من الله خروجي من هذا الشهر بقلبٍ مبهجٍ أمام العواقب.
-لله الأمور يا "مؤيد"، لقد تشاجرتُ مع" أمي" مِن أجل أختي وفهمت "أبي" قبل أن أتحدث، أتعلم.. أنا اشتقتُ لمشاغبتي.
"بغرفة رهف"
-حجرتك تشبهني للغاية يا "رهف"، جميلةٌ مثلكِ، أتعلمين.. حينما جلبني أخي هنا لم يخيل ليِّ رؤيتكِ البتة، دائمًـا آراه حزينًا ولا يهرب إلا إليِّ، سأفضح أمرًا خاصًا به يا فتاتي.." ياسر"هو مَن صد الجميع عنك ومَن يتحدث عنكِ كلمة يردها ألف أقسم لكِ، كونهُ"أخي"لا يشفع غضبه في بعض الأحيان، رأيتُ حدتك معهُ وكأنكِ ترين شبحًا، انظري بداخلكِ ستجدين شابًا واعيًا، يقف لخالتكِ ويحثها على التغير لأفضل الأمور، سأفرُّ إليه وأعتذر عن حديثي.
-ستجعلين عقلي مشوش ونتشاجر يا غالية، مِن الآن أنتِ بمثابة شقيقتي لطالما كان "ياسر" ابن خالتي، البيتُ بيتكِ وتأتين كما تشائن، لا دخل بينك وبين هذا!
قالتهـا "رهف" بنبرةٍ مغمورةٍ بالحنو، غادرا سويًا؛ لتغلق غرفتها وهى تردد حديثها معها، تقسم لقلبها بألا تحبه ولكن أفعالهُ تجبرها علىٰ ذلك حتى إن لم تُحبه، اطمأنت علىٰ الجميع بعدما أرسلت رسالتها المُعتادة مِن الحاسوب؛ لتفتح مصحفها علىٰ الورقة التي توقفت عنها بقلبٍ راضٍ،"مؤيد" مَن حملها ويفعل المستحيل لأجلها أبعدها عن حياتِهُ، كمشاونة عنيفة بينهما!
فتح غرفتها بهدوءٍ وهو يقبل جبينها مُعتذرًا لها عن فعلتهِ، ليست مذنبةً وهى مَن تقف بجوارهِ دائمًا، الشقيقة المخلصة تحتوي شقيقها، تدافع وتهاجم بوجودهِ، ضمها لصدرهِ رابطًا عليها، لم تشتكِ لأحدٍ وكأنها كبرت أعوامًا عن السابقِ.
"قلبان مُختلفان بقلبٍ واحد، رؤيتهُ لها بثيابها الواسعة التي تسعدهُ، وحفاظها عليه رغم قلة مناوشتها معهُ"
اندستْ بجوار أبيها وهو يرتل آيات الله في منتصف الليل بصمتٍ تامٍ بعدما غادر الجميع، لم يتبقَ إلا جدتها وشقيقتها النائمة بعد أيامها الشاقة، صوتٌ عذبٌ وقع ضحية والدتها، مكائدٌ فاحشة تفعلها علىٰ بناتها؛ كي يبتعدا عن الجميع، يقولون بأن الفتاة زينة لا يمكن مساسها ولو بعد حين، رغم إختلاف الآراء إلا أن الأنثى خارجها كالقشرة الأرضية تذوب ببطىءٍ، أما داخلها طبقاتُ نارية وغازية، النار حينما تتحول لوحشٌ ثائرٌ ينقض علىٰ الظلمِ، والغاز كالأنبوبة الفارغة تمتليء وتضيء بكثافةٍ، انتهى مِن سرد السورة؛ لتنطق بتنهيدة:
-موافقة.. ولكن الزواج بعد إنهاء دراستي.
تَبَسَّم لهيئتها، وهو يومأ علىٰ رأيها؛ خرجتْ بثباتٍ.. تغيرتْ باكرًا ولكنها ستصلح شقيقتها وهى، مِن حقهم السعادة لا غير ذلك، المصائب لن تتلاشى والاختبارات تزداد كُلمَّ ازداد عمرنا.
ـــــــــــــــــــــــــ
بعد عامٍ
ـــــــــــــــــــــــــ
حبيسةٌ لغرفتها بعدما سكنت معهم، صوتها يزعجها وكأنها عائلٌ عليها في كُل شيءٍ، مِن حقها العيش كبقية الفتياتِ لا تتألم إلا بكثافةٍ ليس مِن أول شيءٍ هكذا، ادَّعت النوم وهى تُرتب أغراضها بعدما أهملتها قرابة شهور، أزاحت الستائر وأخرجت الفراش، يومٌ كاملٌ وهى تزيح الأتربة، ربتت خُصلات شعرها.. ولجت ليلًا للمرحاض وهى تنظفهم ومِن ثُم فتحت هاتفها تُنصت لإحدى المقاطع الخاصة بالبودكاست والنفس، تدون ما تستطيع، فرغ قلمها وهى تضرب رأسها؛ فتحت حقيبتها وهى تحمد الله على الخمسين جُنيهًا المتبقية مِن مصروفها، ارتدتْ خمارها المكون من قطعتين وهى تسير علىٰ أطرافِ قدمها، التاسعة مساءًا وتخشىٰ صراخ "ياسر" عليها.
انتفضت بذعرٍ وهى تُنصت لزوجة أبيها؛ ليتسرب القلق أوصالها، استدارت "زينب" إليها وعينيها لم ترتفع بعد آخر مرة، لغتْ بأسفٍ:
-حقك عليِّ أعلم أنَّها شقتكِ ولكن فرغت أقلامي وأنا أحتاج بعض الأشياء.
-ادخلي لغرفة شقيقك حتى يأتي!
-أخي لا يكتب بقلمٍ ولا يدخر شيئًا خاصًا به هُنا..
قطع حديثها ولوج "ياسر" وهو ينظر إليهن بقلقٍ، نطقت بهدوءٍ:
-أودُّ النزول لتِلك المكتبة.. رأيتها مضيئة وأنهيتُ مدخراتي.
-في إحدىٰ الأدراج نقودٌ تركتها لكِ خذيها والمُفتاح أمامكِ، سأسمح لكِ بساعةٍ كي تشترين تِلك الأمور التافهة وفي المرة القادمة أخبريني بما تريدين.
قبل جبينها مُتجهًا لغرفتهِ.. رمق والدتهُ ببسمةٍ صغيرة، تكاثف العمل على عاتقهِ ولم تعد علاقة أمهُ جيدةً كالسابق، عادت لغرفتها بأسئلةٍ كثيرةٍ، الفتاة بريئةٌ للغاية وتتجنب المشاكل معها، لا تخرج ولا تتنزه،
كيف تربَّت علىٰ هذهِ الأشياء؟! أسئلةٌ كثيرةٌ تدور بخلدها الواسع، تؤنب روحها علىٰ أفعالها المشينة تجاهها.
ـــــــــــ
تَقَفْقَفَ "عنود" وهى تتشبث بكتابها حِينما، نظراتهُ قاتلة بعد فعلتها الأخيرة، هدرتْ بغضبٍ:
-لا تنظر هكذا، أنتَ لم تعد بن عمي فحسب، أنتَ زوجي ومِن حقي أن أغار، تِلك الفتاة تتمايل كالفحيح وتلتصق هكذا كأنها علكة مرة، وأنتَ مبتهج للغاية، رائعٌ وعينيك تشع نورٌ على الفتياتِ!
-الآن زوجك..ثُم أنا لا أعلم الفتاة، هن المخطئات لا شأن ليّ، المهم أن خاتمي مُعلقٌ بفتاة واحدة فقط.
اندستْ"لدن"بينهما:-فيمَّ بعد تكلما..ثُم أن شهرين وسيغلق بابًا عليكما ، الآن أُريدكم!
-أنـا مَن أُريدك يا "لدن"، لا يصح الشجار في الجامعة المرة الفائتة أنقذتكِ" رهف"من عدوانك، أنا كـ"مؤيد"
لا يصح التَّحدث معكِ؛ لإنَّكِ كبرتِ وعليكِ وضع حدود معي حتىٰ، لا تصاحبين أحدًا خاصةً مَن تدعَ "شمس" ستعرفكِ، عِ عقلك؛ كي لا تُخطئين مثلما فعلت "رهف"، أقدر عقلك وذكاء قلبك، فهمتيني؟!
-ولكنها جاءت إليِّ وأرادت التَّعرف عليِّ.. صرختُ عليها وولجت لمحاضرتي بثقةٍ، أنا أودُّ تجنبها لكنها ترسل ناس غُرباء.
-لترسل ولتفعل ما تُحب، سيقلبها الله بيومٍ أو تتوب، أنتِ صواب ولكن عِ أفعالك، الآن عليك الذهاب لغرفتكِ، واذهب أنت لجدتي لا تلتصق هكذا!
-لسانك جميلٌ للغايةِ يا زوجتي، الأيامُ دوارة.
احمر وجهها خجلًا؛ لطالما رأتهُ في وجود جدتها التي اعتنت بهم، والدها المساند إليها، لم تتذكر عدد المرات التي جلسـا فيها سويًـا، ولكنها تأخذ حقها منهُ وتزعجهُ مثلما يزعجها، يضحكـا سويًا رغم ندوبهم الخفية.
ــــــــــــــــــــــــــ
أتىٰ يوم الجمعة عليهم؛ فأصبح اليوم المفضل إليهم هو جمع الشباب والفتيات جميعًا بأصدقائهم، انتهز"مؤيد"
انشغال أمه بالمطبخ؛ ليأخذ "رهف"؛ كي يجلب الفاكهة باكرًا، لمح طيف"عنود"وهى تشير إليهم بعدم الخروج، وضعت الأكياس على السُّلمِ وهى تردف بتعبٍ:
-لا تجلب شيئًـا، أمرني" أبي"بالشراء هذه المرة، ونسيتُ إخبارك.
ابتسم بهدوءٍ؛ ليحملهم للأعلىٰ، بينما صعدت الفتاتان للطابق الأخير"السطح"تفرش السجادة الطويلة وتضع الستائر، رمقهما بغيظٍ:- أنتن أطفـال؟!
-هى زوجتك ليس ليِّ شأن، أما أنا أصبحتُ عشرينية رائعة للغاية، أنتما الكُبار.
أمسكتها بغيظٍ؛ ليفصل بينهما بصوتٍ عالٍ، ضحك كلاهم؛ ليضع الستائر الفاصلة بينهن وبين الشباب، اختار نوعًا ثقيلًا، أتت "لدن" بصحبةِ "زينب" بينما صعد "أدهم" و"ياسر" و"أُبيِّ"بأطباقٍ عديدة، أخذت "زينب" ركنًا بعيدًا جالسةً على المقعد تستنشق الهواء النقي بأعينٍ نائمةٍ، انتبهت "عنود" عليها؛ لتربط علىٰ كتفها ببشاشةٍ:-هل يزعجكِ شيئًا؟! أتحبين النزول لغرفة "رهف" نتحدث سويًا؟
-لا يا حبيبتي أنا بخير، سأُخبرك أنتِ؛ لإنَّكِ مميزة وأشعر بالراحةِ معكِ.. أودُّ العودة لتلك الشقة منفردةً، أنا حبيسة لغرفتي في منزل أبي لا أخرج، حتىٰ أنَّني أتهرب من "رهف" حينما تشعر بيِّ، شعور أخي بالاطمئنان يبهج جسدي وأذكر الله علىٰ حنيتهِ عليِّ، ولكن.. زوجة أبي تنظر بنظراتِ شماتة وتسـأل أين أذهب وماذا أفعل! أعمل سرًا عن طريق الأدوات المنزلية وأدخر نقودي؛ كي لا أشعر بالحرج، أنا منبوذة يا "عنود"!
أخذتها بهدوءٍ للمرحاضِ ومِن ثُم ولجت للشرفةِ وهى تهاتف" رهف"؛ كي تنزل بصحبهِ أختها، ربتت على كتفها وهى تضمها أمامهن باستفهامٍ؛ لتتحدث "رهف" بمراوغةٍ:- أتعلمين أن المحاضر الخاص باللغة الإنجليزية هو "أُبيِّ" نفسه رفيق أخي و"أدهم"!
أكملت "لدن" بجديةٍ:-نعم، كلُّ مرةٍ يتحدث بتشديد الياء، يضحكني حقًا حينما تنطق أحدهن "أَبي" دون "أُبيِّ"!.. في الحقيقة هو يدرس بضميرٍ وبمعلوماتٍ كثيفةٍ، كما يساعدني" ياسر"حينما تأخذني جدتي إليكِ في بعض أمور الهندسة.. ولكن علمني "مؤيد" درسًا؛ لهذا أعتمد عليِّ وعلى "رهف".
-ولمِّ تزعجين شقيقتك في نومها يا" لدن"لطالما "رهف" تساعدك، غريبات الشكل حقًا.. المهم سأتحدث إليكن، "زينب".. اسمعيني جيدًا وجعك يشبه وجعي كُليًـا.. محاولاتك رائعة وجلبت نتيجة جيدة، أنتِ منبوذة من مَن يا فتاة، لديك ثلاث شقيقات وشقيقٌ رائعٌ يخاف عليكِ، أنتِ حبيبتنا وحبيبة الجميع.
تنهدت "زينب" بهدوءٍ:
-بارك الله لكن وأدامكن بجواري، لمَّ تضعوا الستائر فاضل بيننا؟!
قالت"عنود"بفخرٍ:-"مؤيد"مَن ألهمني تلك الفكرة،قبل زواجنا ابتعد عني خوفًا مِن الله، حتىٰ علمتُ السبب الأصلي.. الفتاة مِنا تُحب وسلطة الأفئدة متنوعة، لهذا لا يصح المزاح مع شقيقك أمام زوجي.. كما شقيقتي إن ضحكت مع أحدهم ليس صوابًـا، المزاح هى أول خطوة لباب الشيطان يا إخوتي، أن يطمئن عليِّ دون رباطٍ شرعي خطـأ حتى ولو رفضوا البعض، الحرام حرام، والنظراتُ لشابٍ ليس لكِ شيئًا به كمَن أكلت تمرة من صاحبتها دون إذنٍ... ابن العم، ابن الخال، صديقك.. لا يصح أبدًا؛ لكونكِ فتاة.. تتحلين وتتضحكين.. تحترمين الغير وقبل كل هذا نفسك العزيزة يا حواء، بكِ يبدء وينتهي كل شيءٍ.
-أخبريني إذًا علاقتكِ مع "مؤيد" منذ البداية!
أومـأت برأسها وهى تعود للخلفِ..