رواية نص قلب كامله جميع الفصول بقلم ايه جمعه
“نور، أنا آسفة لو الرسالة دي هتضايقك، بس محمود كان معايا زمان. كنتِ لازم تعرفي. لو عايزة نتقابل، أنا موجودة.”
نور كانت قاعدة في ركن كافيه في الزمالك، بتبص للنيل اللي كان بيتلألأ تحت ضوء القمر. الموسيقى الهادية في الكافيه كانت بتحاول تهديها، لكن قلبها كان زي طبل بيضرب بسرعة. ماسكة موبايلها، بتقرأ الرسالة من فاطمة للمرة المليون
نور زمت شفايفها، وحست إن المكان ضاق بيها. فاطمة ياسر، البنت اللي كانت دايمًا محط الأنظار في كلية تجارة بضحكتها وثقتها؟ إزاي تعرف محمود؟ وإزاي تقول كده دلوقتي، قبل الخطوبة الرسمية بشهر؟
“إيه، يا نور، شكلك شايفة عفريت؟” صوت ياسمين، زميلتها الجديدة في الشغل، قطع أفكارها. ياسمين كانت قاعدة قصادها، ماسكة كوباية لاتيه وبتبص لنور بعينيها الواسعة اللي دايمًا مليانة فضول. “إحكيلي، مالك؟”
نور تنهدت، وبعد تردد حكت لياسمين عن الرسالة. “فاطمة ياسر بعتتلي دي، بتقول إن محمود كان بيحبها. أنا مش عارفة أصدق ولا لأ.”
ياسمين فتحت بقها شوية، وبعدين قالت: “فاطمة ياسر؟ المصورة؟ أيوه، أعرفها! كنت معاها في كورس تصوير من كام سنة. بنت شيك، بس سمعت إنها اتوجعت في قصة حب. طب إنتِ ليه بتصدقي كده من غير ما تسألي محمود؟ يمكن تكون بس عايزة تلعب بدماغك.”
“مش عارفة، يا ياسمين,” ردت نور وهي بتلعب في خاتم الفضة في إيدها. “محمود دايمًا بيقول إنه بيحبني، بس لما بحاول أسأله عن ماضيه، بيغير الموضوع. ودلوقتي الرسالة دي… حساها جات في وقت غلط.”
ياسمين حطت الكوباية على الترابيزة واتعدلت في قعدتها. “طب أنا رأيي تروحي لفاطمة وتواجهيها. لو هي بتكدب، هتبان. ولو بتتكلم بجد، يبقى لازم تعرفي الحقيقة قبل ما تخطبي. إنتِ مش عايزة تتجوزي واحد وإنتِ شاكة فيه، صح؟”
نور بصت للنيل، وحست إن قلبها زي الموج اللي بيضرب في الصخور. كانت عايزة تصدق محمود، بس الشك كان زي السم، بيتسرب في كل حاجة. “طب لو فعلاً كان بيحبها؟ أعمل إيه؟”
ياسمين غمزت بخفة. “لو كان بيحبها وخلّص، يبقى ده ماضي وخلاص. لكن لو لسه فيه حاجة، يبقى محمود ده مش ليكي. إنتِ تستاهلي واحد يخلّيكي مطمنة، يا نور.”
نور ابتسمت ابتسامة باهتة. كلام ياسمين كان منطقي، بس قلبها كان لسه تايه.
في بيت عيلة نور في مدينة نصر
الصالة كانت مليانة ضحك وهمهمات. نادية، خالة نور، كانت قاعدة مع ريهام ونور، وبيشربوا شاي بالنعناع في كوبايات زجاج قديمة عليها رسومات ورد. ريحة الملوخية اللي لسه معمولة كانت مالية البيت. كريم، ابن نادية، كان لسه راجع من الإمارات من أسبوع، قاعد على الكنبة التانية، بيبص لنور بابتسامة هادية. كان وسيم، بعيون بني فاتح وبشرة برونزية من شمس دبي، لكن عينيه كانوا مخبيين حاجة.
“يا نور، مش هتفرحيني وتقوليلي إنك هتعملي الخطوبة قريب؟” قالت نادية وهي بتعدل حجابها الأزرق. “محمود ده شكله ابن ناس ومحترم. والله أنا شايفاه يناسبك.”
نور ابتسمت ابتسامة متكلفة. “إن شاء الله، يا خالتو. بس لسه بنظبط التفاصيل.”
ريهام، اللي كانت بتتفرج على فيديو لولادها على الموبايل، رفعت عينيها. “تفاصيل إيه؟ يا بنتي، الراجل ده زي الدهب. لو مش عاجبك، قولي، وهنلاقيلك غيره. إحنا مش عايزينك تفضلي كده من غير جواز.”
كريم ضحك بخفة، بس ضحكته كانت مضغوطة. “إهدي عليها، يا ريهام. نور عارفة مصلحتها.” بس وهو بيقول كده، عينيه كانت على نور، وكأنه بيحاول يقرأ أفكارها.
نور حسّت بنظرته، وحست بالذنب من غير ما تعرف ليه. كريم كان دايمًا جزء من حياتها، من أيام ما كانوا بيلعبوا في بيت جدتها وهما صغيرين. لما سافر الإمارات بعد التخرج، افتقدته، بس ماكانتش تعرف إنه كان بيفكر فيها بطريقة أكبر من إخوات. لما رجع الأسبوع اللي فات، كانت مستغربة إنه سأل عنها على طول، وكأنه كان عايز يتأكد إنها بخير.
“كريم، إنت هتفضل هنا قد إيه؟” سألت نور عشان تغير الموضوع.
“مش عارف,” رد كريم وهو بيعدل نفسه على الكنبة. “يمكن أستقر هنا لو لقيت سبب يخلّيني أفضل.” كلامه كان عادي، بس نبرته خلّت نور تحس إن فيه معنى تاني.
نادية ابتسمت بحنية. “كريم كان دايمًا بيقول إن القاهرة فيها حاجة مميزة. مش كده، يا حبيبي؟”
كريم بص لنور، وابتسم. “أيوه، فيها حاجات ملهاش بديل.”
نور حسّت إن وشها احمر، فبصت في كوباية الشاي بسرعة. الرسالة من فاطمة لسه كانت في دماغها، ودلوقتي كريم بيزود التوتر بطريقته. حست إنها عايزة تهرب من كل ده.
في مكتب محمود في المهندسين
محمود كان واقف عند الشباك، بيبص لعربيات المحور وهي مزدحمة زي عادة الخميس بالليل. كان لسه مخلّص مكالمة مع فاطمة، وصوتها لسه بيرن في ودانه.
“أنا مش عايزة أخرب حياتك، يا محمود,” قالت فاطمة بصوت هادي، بس فيه نبرة حزن. “بس لما سمعت إنك هتخطب، حسيت إني لازم أتكلم. إنت متأكد إنك نسيتني؟”
محمود كان رد عليها بسرعة: “فاطمة، إحنا خلّصنا من سنتين. أنا بحب نور، ودي حياتي دلوقتي.” بس لما قفل الخط، حس إن فيه حاجة تقيلة قاعدة على صدره. كان بيحب نور بجد، بس ماضيه مع فاطمة كان زي شبح بيطلع في أسوأ الأوقات.
“محمود، عندك دقيقة؟” شيرين دخلت المكتب من غير ما تخبط، زي عادتها. كانت لابسة فستان أسود أنيق، وابتسامتها فيها نوع من الجرأة. “فيه حملة جديدة عايزين نناقشها، بس لو مشغول، أرجّلها.”
“لا، لا، خلينا نناقشها دلوقتي,” رد محمود وهو بيحاول يركز. بس شيرين كانت بتبصله بطريقة خلّته يحس إنها شايفة حاجة فيه مخبيها. “إيه، فيه حاجة؟”
شيرين ضحكت بخفة. “مفيش، بس شكلك مش في المود. مشكلة في الخطوبة؟”
محمود هز راسه. “لا، كل حاجة تمام. يلا، وريني أفكار الحملة.”
بس وهو بيقول كده، لمح صورة على مكتبه ليه هو ونور من خروجهم الأخير في وسط البلد. كانوا بيضحكوا، وهي كانت ماسكة بوظة وبتحكيله عن يومها. الصورة دي خلّته يحس إنه لازم يحمي العلاقة دي، مهما كان الثمن.
في شقة فاطمة في مدينة نصر
فاطمة كانت قاعدة على الأرض، حواليها صور فوتوغرافية مبعثرة من مشاريعها القديمة. كانت بتحاول تركز على شغلها، بس عينيها كل شوية بتروح لصورة قديمة ليها هي ومحمود في مهرجان تصوير في الإسكندرية. كانوا بيضحكوا، وهو كان بيحكيلها نكتة سخيفة عن البحر.
“إنتِ لسه هنا؟” مي دخلت الأوضة وهي ماسكة عصير مانجو. “يا بنتي، إنتِ قولتيلي إنك بعتي الرسالة لنور عشان تخلّصي من الموضوع ده. إزاي لسه قاعدة بتبصي للصور؟”
فاطمة تنهدت وهي بتعدل شعرها. “أنا مش عايزة أرجع لمحمود، يا مي. بس… يعني، لما سمعت إنه هيخطب، حسيت إني لازم أتأكد إنه فعلاً خلّص مني. نور بنت كويسة، ومش عايزاها تتأذي.”
مي رمت نفسها على الكنبة. “طب قوليلي بصراحة، إنتِ بعتي الرسالة دي عشان نور، ولا عشان نفسك؟”
فاطمة سكتت، وبصت للصورة تاني. الحقيقة إنها مكانتش عارفة الإجابة. كانت بتحس إنها لازم تواجه محمود، أو تواجه نفسها، بس مش عارفة إزاي.
في نفس الليلة، على كورنيش النيل
نور قررت تمشي شوية على الكورنيش عشان تهدي أعصابها. كانت لابسة جاكيت خفيف، والهوا البارد كان بيخبط وشها. ريحة الكشري من العربية اللي جنب الكورنيش كانت بتفكرها بأيام الجامعة لما كانت بتخرج مع كريم وأصحابهم. فجأة، سمعت صوت مألوف وراها.
“نور؟ إنتِ هنا لوحدك؟” كان كريم، لابس سويت شيرت رمادي وماسك كوباية قهوة من أوبر. كان شكله مرتاح، بس عينيه كانوا قلقانين.
“كريم!” نور ابتسمت غصب عنها. “إنت بتعمل إيه هنا؟”
“كنت بتمشى، زهقت من البيت,” رد كريم وهو بيقرب منها. “بس إنتِ شكلك مضايقة. إيه اللي حصل؟”
نور ترددت، بس حست إنها عايزة تتكلم مع حد تثق فيه. “فيه حاجة غريبة حصلت. واحدة بعتتلي رسالة عن محمود، بتقول إنه كان بيحبها زمان. وأنا… مش عارفة أصدق ولا لأ.”
كريم سكت لحظة، وبعدين قال: “نور، إنتِ تعرفي محمود أحسن من أي حد. لو شاكة فيه، يبقى لازم تسأليه. بس لو عايزة نصيحتي، أي راجل يخلّيكي تشكي كده، يمكن ميستاهلش قلبك.”
نور بصتله، وحست إن كلامه فيه حاجة أعمق من مجرد نصيحة. “إنت ليه دايمًا عارف تقول إيه، يا كريم؟”
كريم ابتسم، بس ابتسامته كانت حزينة. “عشان أنا أعرفك من زمان، يا نور. وأعرف إنك تستاهلي تكوني مبسوطة.”
نور حسّت إن قلبها اتقبض. كريم كان دايمًا جنبها، بس دلوقتي، ولأول مرة، حسّت إن فيه حاجة بينهم أكبر من مجرد قرابة. بصت للنيل، وحست إن الدنيا بتتعقد أكتر من اللازم.
في بيت أمينة، أم محمود
أمينة كانت قاعدة في الصالة بتاعتها في فيلا في التجمع، ماسكة كوباية شاي بالياسمين. حسن، جوزها، كان قاعد قصادها، بيقرأ الجورنال. الصالة كانت مليانة أنتيكات وستاير تقيلة، علامة على فلوسهم ومكانتهم.
“محمود لسه هيخطب البنت دي؟” قالت أمينة فجأة، ونبرتها فيها نوع من الاستهزاء. “نور دي شكلها بنت ناس، بس أنا مش مطمنة. إحنا عايزين واحدة تناسب مستوانا،كان مالها سلمى بنت خالته جمال وتعليم وكفاية متربية على إيدى”
حسن زهق وطوى الجورنال. “يا أمينة، خلّي الولد يعيش حياته. نور بنت محترمة، ومحمود بيحبها. إنتِ ليه دايمًا عايزة تتحكمي في كل حاجة؟”
أمينة زمت شفايفها. “أنا عايزة مصلحته، ومحمود لازم يتجوز واحدة تقدر تحافظ على اسم العيلة. وكمان، لازم يخلّف بسرعة ويجيب لينا ولد يورث دا كله دا كفاية إنه ابننا الوحيد.”
حسن هز راسه بنفاذ صبر. “خلّيهم يتجوزوا الأول، وبعدين نفكر في الموضوع ده.” بس أمينة كانت بتبص بعيد، وفي عينيها نظرة بتقول إنها عندها خطة.
في القلب موجة من الشك تحاصرني،
وأيامي تضيع بين يقينٍ وحنين.