رواية سر الحارة القديمة ( جميع فصول الرواية كاملة ) بقلم ميسرة محمد


رواية سر الحارة القديمة الفصل الاول بقلم ميسرة محمد


كانت الساعة معدّية نص الليل، والدنيا ساكتة كأنها نايمة ، والهوى بيعدّي في الحارة زي لص بيسرق النوم من عين الناس. 
في حارة "الشيخ عبدو" – الحارة اللي فيها البيوت لازقة في بعضها زي الأخوات اللي اتربّوا على لقمة واحدة – كانت "رُقيّة." قاعدة على عتبة بيتهم، بتبص للسما اللي ما فيهاش ولا نجمة، وسرحانة كأنها بتدور عن حاجة ضايعة.

رُقيّة. كانت بنت حارة، بس دماغها مش زي البنات اللي حواليها. دايمًا ساكتة، بتفكر كتير، وعنيها فيها حزن مش مفهوم، كأنها شايلة جواها وجع عمره ما اتقال. شعرها مفكوك على ضهرها، ونسمة الهوى في الحارة بتلعب فيه على خفيف، زي حضن أمّ خافت على بنتها.

من يوم ما أبوها مات وهي عندها سبع سنين، والدنيا ما عادتش زي ما كانت. أمها، "الحاجة سعاد"، اشتغلت في كل شغلانة تتخيليها، غسالة، طباخة، حتى بيّاعة ورد على نصيّة السوق.
وأخوها "منصور" طلع شبه أبوهم في العصبية، بس ما طلعش زيه في الحنية. دايمًا غايب، يا إما في الشغل، يا إما مع صحاب السوق.

البيت اللي قاعدين فيه كان قديم، حيطانه مشققة، والسقف بيصوّت أول ما الهوا يدخل، بس رُقيّة كانت بتحبه… بتحس إنه حافظ على روح أبوها.

الليلة دي، كانت حاسة إن في حاجة غريبة… مش بس في الجو، لكن في قلبها كمان.
ريحة الهوى فيها حاجة مش طبيعية، كأنها ريحة زمن قديم، مليان أسرار مدفونة.

وفجأة…

خبطــة.

خبطة واحدة… تقيلة…
صوتها هزّ قلبها قبل ما يهز الباب.

قامت بسرعة، سابت كباية الشاي اللي كانت خلصت، ومسحت إيدها في طرف جلابيتها، وقربت من الباب بحذر.

رُقيّة.: "مين؟"

مفيش صوت.

قلبها بيخبط… مش بس من الخوف، لكن من ألف سؤال بدأ يزنّ في ودانها.

فتحت الباب على مهل… لقيت الحارة فاضية، والهوى بيعدّي كأنه بيهمس لها بحاجة.

بصّت على الأرض، لقت ظرف بُني واقع على أول العتبة.

ركعت، شالته بإيد بتترعش.
كان مكتوب عليه بخط قديم، مش منتظم، كأن اللي كاتبه كان بيرتعش:
"إفتحي السر، بس خلي بالك… الحكاية لسه ما بدأتش."

قعدت على العتبة تاني، قلبها مش ثابت، وإيدها بتفتّح الظرف بحذر.

جواه كانت ورقة واحدة… الورقة ريحتها غريبة، فيها ريحة زى الدواليب القديمة، ومكتوب فيها:

"رُقيّة بنت عبد الحليم، لو عايزة تعرفي الحقيقة، روحي الساقية القديمة بعد نص الليل… لوحدك. وما تقوليش لحد."

الساقية؟
ده المكان اللي الكبار في الحارة بيخافوا حتى يفتكروه.
مكان مقفول بقاله سنين، من يوم ما حصلت حريقة كبيرة هناك، ومات فيها واحد كان الناس بتقول عليه مجنون… بس برضه كانوا بيخافوا منه.

رُقيّة حسّت بجسمها بيتسحب لسكة الساقية من قبل ما تقوم. كأن الرسالة فتحت جواها باب كانت ناسيه.
باب للأسئلة اللي كانت دايمًا بتتوه منها:

ليه أبوها مات بعد ما اتكلم عن الساقية دي؟
وليه أمها عمرها ما حبت تتكلم عن زمان؟
وليه دايمًا بتحس إنها مراقبة؟

الأسئلة دي كلها كانت زي الدبابيس في دماغها… وكل دبوس بيوجع أكتر من اللي قبله.

رجعت الورقة في الظرف، وضبّطته تحت هدومها، وقعدت تبص في آخر الحارة.
اللمبة الصفرا اللي دايمًا بترعش كانت سابتة الليلة دي، كأنها بتستناها تروح في السكة اللي مكتوبة عليها.

وفعلاً، لما الساعة عدّت اتناشر، كانت "رُقيّة." لابسة جاكيت قديم لأبوها، وخرجت ماشية في الحارة، من غير ما تبص وراها.

بس وهي بتعدي أول ناصية…
سمعت صوت خفيف، همس ورا ودنها:

؟؟؟: "رُقيّة… ما تروحيش… ده طريق مالوش رجعة."

بصّت حواليها بسرعة… ماكانش فيه حد.

لكن هي كانت عارفة…

السر ابتدى.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1