رواية ترانيم في درب الهوى الفصل العاشر
وقف سلطان أمام باب المشفى بسيارته، منتظراً خروج ترنيم من الداخل. دقائق معدودة تمر، تدور خلالها أفكاره في زواريب قلبه، ثم يراها تطل عليه بابتسامة محببة إلى قلبه، كأنها شعاع من ضوء الشمس يضيء عتمة يومه. ترجل من السيارة، وتحرك نحوها ليقبل وجنتيها بحب، وتلمس يداه نعومة بشرتها، كأنه يستمد منها القوة والطمأنينة، ثم فتح لها باب السيارة بلطف، حيث جلست على المقعد وفراش الأمل يحيط بها، وأغلق الباب برفق، كأنما يدعمهما شعور من الارتباط العميق. انتقل إلى مقعده أمام المقود، ونظر إليها بعشق، إذ اتسعت عينيه بفرح عميق، وكأنما فاز في سباق الحياة، قائلاً باستفسار:
"عملتي أيه النهاردة في يومك يا قلب سلطان؟"
تكلمت بحماس زائد وسعادة لا توصف، وكأنها نجمة تتلألأ في سماء أحلامها، وعبّر صوتها عن فخر عميق يشع من أعماقها:
"أنا فرحانه أوي يا سلطان النهاردة أول مرّة أدخل أوضة العمليات وساعدت دكتور عصام فيها. كنت ناوية أعملها لوحدي، بس فرقع لوز نطلي في آخر لحظة!"
ابتسم سلطان لكلماتها، وأمسك يدها ليقبلها بحب، وكأنه يعلن للعالم بأسره عن حبه واعتزازه بها، وقال بسعادة:
"شطورة يا بنت قلبي! هي دي تربيت سلطان. متأكد إنك هترفعي راسي في أي مكان تشتغلي فيه. أنا فخور بيك."
كانت تشرح بيدها العدد المهول من السيارات والناس الذين أتى مع الرجل، وتعلو نبرتها بحماس، كأنها تحكي قصة مثيرة، وواصلت حديثها:
"بس يا سلطان، لو شوفت كمية العربيات والناس اللي كانوا جايين مع الراجل ده، كنت هتتخض. ولا البودي جارد اللي معاهم، منفوخين نفخة، شكله حد كبير في البلد. وكنت هسوح دكتور عصام لو مكانش تدخل في الوقت المناسب، حسيت أني في فيلم أكشن والله!"
ضرب رأسها بخفة، مع ابتسامة مرحة تتحدث عن الأمان الذي يشعر به بجانبها، قائلاً:
"لسانك ده هيوديكي في ستين داهية يا مصيبة."
تعالت ضحكاتها على كلماته، وأمسكت بذراعه، وضعت رأسها على صدره الذي يعتبر ملاذها في كل الأوقات، وتكلمت بأرهاق، وفي عينيها بريق الحماس الذي لا ينطفئ:
"أنا تعبانه أوي يا سلطان، وعايزة أنام."
قبل رأسها بحب، وكأنه يستمد القوة من خفقان قلبها، وقال:
“هروحك تتعشي الأول وتاخدي علاجك، وبعد كده نامي يا قلب سلطان براحتك.”
أومات برأسها بالطاعة وأغلقت عينيها داخل أحضان سلطان، حيث شعرت بأن كل هموم العالم تتلاشى وتذوب في دفء عناقه. كانت الرائحة المألوفة لعطره تجلب لها شعورًا بالأمان والراحة التامة. تنهد بحب، وعيناه تلمعان بالحنان، وأدار السيارة بحذر، متحركًا بها تجاه الحارة. كانت الشوارع تضيء بأضواء خافتة، تفكر في تلك اللحظات البسيطة التي تملأ حياتهم بالفرح، رغم كل التحديات التي يواجهونها. كانت تعيش في عالم خاص بهم، حيث لا توجد حدود للعواطف ولا مكان للقلق، فقط سلطان، الحُب، والأحلام التي يشعران معًا بأنهما قادران على تحقيقها. كانت الحياة تدور من حولهم، لكن في تلك اللحظة، شعرت بأنها قادرة على مواجهة أي شيء، طالما كان سلطان بجانبها.
************************
في صباح يوم جديد، استيقظت ترنيم من نومها وقد أمسكت الهاتف الخاص بها، تعبث به بحماس حتى وقعت عيناها على ما حدث بين سلطان والمعلم حافظ. اتسعت عيناها بصدمة، ونهضت سريعاً من سريرها. خرجت تركض من غرفتها، متجهة نحو شقة صباح. فتحت الباب وتحركت بسرعة كالسهم إلى غرفة سلطان، حيث فتحت الباب ونظرت إليه بغضب. توجهت نحوه وصفعته على ظهره العاري، متكلمة بصوت غاضب:
"اصحى يا بيه، ازاي جالك قلب تنام بعد اللي عملته في الراجل ده؟"
انتفض سلطان في مكانه، ونظر إليها عينيه المملوءتين بالنعاس، وتكلم بصوت محشرج من النوم:
"فيه أيه يا زفتة الطين، انتي فيه حد يصحي حد كده؟"
وضعت الشاشه أمام عينيه، مُظهرة مقطع الفيديو مع المعلم حافظ، وتحدثت بلهجة غاضبة:
"أنت ازاي تعمل كده في الرجل قدام مراته وأولاده؟ إيه يا سلطان، قلبك ده مفهوش رحمة؟"
نظر إلى الشاشة بعدم اهتمام، وكأنه ينظر إلى مشهد مضحك، ثم أجاب بعدم أهتمام:
"أمم... ومن أمته وانتي بتدخلي في شغلي يا ترنيم؟ حاجه متخصكيش."
ردت عليه بصوت غاضب:
"لا يخصني يا سلطان، زي ما انت بتدخل في شغلي وحياتي، أنا كمان ليا الحق اتدخل في شغلك وحياتك. ولما أشوفك بتظلم حد بالشكل ده، لازم أتدخل وأمنعك تكمل في الطريق ده. مش عايزة أخاف منك يا سلطان، أنا أول مرة أحس بالخوف لما شوفتك في الفيديو ده."
احتضنها بقوة، متحدثًا بصوت مختنق:
"حقك على قلبي يا بنت قلبي، بس صدقيني هو يستاهل والله، أنا مبظلمش حد، مش عايز أشوف نظرة اللوم ولا الخوف اللي في عيونك مني دي يا ترنيم."
ثم أبعدها عن حضنه، وكوب وجهها بين يديه، ونظر في عينيها قائلاً بصوت مختنق:
"الزفت اللي موت نفسه ده يستاهل اللي حصل فيه، واكتر. هو كان سبب قهرة أبويا وموته، اللي عملته فيه امبارح ده ميجيش حاجة جنب اللي عمله فيه."
ثم أخذ نفساً عميقاً وأخرجه بهدوء، ليخرج ما يختزن داخله من سنين، وقال:
"في يوم، جه حافظ ده لأبويا، وكان لسه شاب صغير، وطلب منه يساعده في بداية طريقه. ولأن أبويا كان محبوب بين الناس، كلم واحد صاحبه يشغله عنده. وبعد فترة، جه وعمل حوار، وقاله إنه معاه كام حتة وعايز يتصرف فيهم."
نظرت إليه بعدم فهم، وسألته:
"حتة إيه مش فاهمة؟"
أجابها بتوضيح:
"حتة سلاح، وإحنا طول عمرنا ملناش في السكة دي. طبعًا رفض يساعده فيها، واتضح بعد كده أنه كان سارقها من صاحب أبويا اللي اتوسط ليه عنده ووقتها بلغه ورجع الكام حته دول لصاحبهم. المهم، اتغاط من أبويا ازاي ميرضاش يساعده في بيعها وكمان أخدهم منه. حط ليه منشط في العصير، ولما بدأ يعمل مفعول معاه، بعت ليه واحدة شمال، وللأسف أبويا ضعف بسبب الحباية دي. ولما البنت دي قلعت أبويا هدومه خالص، دخل حافظ ده، هو وشوية شباب، وخرجوه قصاد الحارة كلها بشكله ده. الناس اتفرجت على أبويا وهو في حالته دي، مستحملش كسرة النفس. طب ساكت، قعد كذا يوم في المستشفى وبعد كده مات. وقتها كنت أنا في إعدادي صغير، ومقدرتش أساعده ولا أجيب حقه. كبرت شوية ودخلت الجامعة، وبعد كده استلمت الشغل مكانه، وفرضت سيطرتي على الحارة، والكل بقى يعمل ليا ألف حساب. ومع ذلك، فضلت أجل انتقامي منه، بس طبعًا كنت بضرب شغله من تحت لتحت، لأنه كان شغال في تجارة السلاح. وأمبارح شكله عرف إني أنا اللي بضربه في شغله، فهجم على الحارة وأنا بوصلك لشغل، كسر كل حاجة في مكتبي، وضرب الرجالة بتاعتي، وكان عايز يتهجم على أهل بيتي. علشان كده قررت إنه يكون ده وقت الحساب، ودفعته التمن. وزي ما فضح أبويا وموته بقهرته، أنا عملت فيه وخليته يكون عبرة لكل وخلص على نفسه بنفسه."
عندما انتهى وأخرج ما في جبعته وما يكنه في قلبه من وجع، تنهد بحزن ونظر إليها يتابع ردة فعلها. وما على ترنيم غير أنها احتضنته لتبث له حبها، وتشعره بقلبها الذي ينبض باسمه. ربتت على ظهره بحنو، وقالت بأسف:
"أنا آسفة يا سلطان، علشان ظلمتك. يستاهل اللي حصل فيه، وأهو أخد جزائه. أهم حاجة أنت متزعلش نفسك."
تمسك بها ليستمد منها قوته، وتكلم بنبرة همسة:
"طول ما انتي جنبي، عمري ما هزعل يا بنت قلبي. انتي فرحتي وسعادتي."
ابتعدت عن حضنه، ونظرت إليه بابتسامة جميلة، وقالت:
"بس إيه الجمدان ده؟ كنت هيرو لا سوبر هيرو. انت عارف لو كنت موجودة، كنت خزقت عيون كل ست وبنت بصتلك بإعجاب!"
تعالت ضحكات سلطان، وتكلم بحب:
"لو ستات العالم كلها قصادي، مش هشوفهم علشان انتي ملياة عيني وقلبي يا روح وعمر سلطان."
ثم انتبه لما ترتديه، وجحظت عيناه بصدمه، وتكلم بغضب:
"نهار اللي جابوكي مش فايت، إيه اللي انتي لابساه ده؟ وازاي خرجتي بي من أوضك؟"
انتبهت أنها ترتدي كاش قطني قصير، اتسعت عيناها بصدمه، وقالت بتلعثم:
"أقسم بالله ما أخدت بالي، أنا لما شفت الفيديو اتعصبت وجيت على هنا على طول."
ضغط على أسنانه بغضب شديد، وتكلم بتحذير:
"قسماً عظماً، لو خرجتي بالمنظر ده تاني، لكون مكسر عضمك."
أومأت برأسها بالطاعة، وقالت:
"حاضر يا سلطان."
نظر إلى جسدها، وابتلع ريقه بصعوبة، وقال:
"الله يحرقك يا شيخة. على الصبح الواحد بينهار بسببك. أنا بحاول التزم بأقصى حاجة في ضبط النفس، ربنا يهون الكام أسبوع دول بدل ما أتجنن وأخليكي مراتي، واللي يحصل يحصل."
احمرت وجنتاها بخجل، وقالت:
"سلطان، اتلم، انت ساعات تبقى قليل الأدب وساعات تبقى محترم، وأنا مبقتش فاهمة أنت إنه شخصية فيهم."
اقترب من وجنتها، وتكلم بصوت هامس:
"أنا عاشق مجنون، هيموت على كل حتة فيكي، بس بيحاول يحافظ على حبيبته، علشان يقطف منها أول قطفة في بيته."
ابتلعت ريقها بصعوبة، واستقامت سريعًا بجسدها، وتكلمت بتلعثم:
"أنا رايحة أوضي."
أنهت كلامها، وركضت نحو الباب، لكنها توقفت فجأة عندما سمعت صوت سلطان الغاضب:
"استني عندك يا مصيبة!"
استقام بجسده، واتجه إلى خزانة ملابسه، وأخرج العباءة الخاصة به التي يرتديها عندما يكون في اجتماع لمعلمين الحارات المجاورة. اقترب منها، وضعها على جسدها، وقال:
"خليها عليكي لحد ما تدخلي أوضتك وتقفلي بابك عليكي، فاهمه؟"
أومأت برأسها بالطاعة، وضعت قبلة على وجينته، وركضت سريعًا إلى الخارج، واتجهت إلى شقتهم مباشرةً.
نظر إلى أثرها بحب، ثم اتجه إلى المرحاض وبدأ يجهز ليوم جديد.
**************************
في الشركة، بدأت سميه التركيز على عملها مع حسام، محاطة بجو من التوتر المتصاعد بينهما. بينما كانوا مشغولين في المهام، يبدو أن الشغف المتبادل بينهما يكاد يضيء الغرفة، لكن الكلمات لم تتخذ الشكل بعد. تحدث حسام بصوت هامس، مختارًا كلماته بعناية:
"هو انتي مش ناوية تخلصي فترة العقاب وتفتحي الشباك بقى؟"
انتبهت سميه لكلامه، وابتلعت ريقها بتوتر، وكأن كلمات حسام كانت تحمل ثقلًا لا يمكن تجاهله. لذا، قالت:
"ها... ق قصدك ايه؟"
والقلق يتجلى في ملامح وجهها ويدها التي تتلاعب بأطراف الورقة على المكتب.
زفر بضيق، محاولاً انتشال نفسه من حالة الضيق المستعصية، وتحدث بصوت مختنق:
"سميه، أنا مش عجبني طريقة إنكار الحب دي. أنتي بتحبيني، وأنا بحبك، ومن زمان أوي. وقوف الشباك مبقاش ينفع، خلاص! ده بقى شغل مراهقين. إحنا بقينا أكبر من كده بكتير.”
تأمل حسام كيف أن تصرفات سميه قد تؤثر على علاقتهما، وكيف أن قلقه حول مشاعرهما تطفو على السطح. وأضاف: “زعلت منك لما هنتي رجولتي، بس لما قعد مع نفسي حسيت أني قسيت عليكي في الكلام، وده كان رد فعل طبيعي منك معايا. بس أنا عايزك في الحلال، ويبقى فيه حاجة ما بينا رسمي."
احمرت وجنتيها بخجل، وكأن الكلمات التي كانت تحتفظ بها طويلاً قد بدأت تجد طريقها إلى السطح. تعثر الكلام في حلقها، وقالت بصعوبة:
"ع على فكرة بقى، أ انت صريح زيادة عن اللزوم."
كانت هذه النقطة نقطة تحول، إذ أدركت سميه أنها لم تكن قادرة على إخفاء مشاعرها بشكل أكبر، حتى لو كانت تخشى التعبير عنها.
ابتسم عندما سمع كلماتها، وكأن الضوء قد انقضى على ظلمات صراعاتهما، وقال:
"سميه، أنا مش بحب اللف والدوران. بحب واحد زائد واحد اتنين. شغل الملوعة ده مش عندي. أنا حبيتك سبع سنين، ومكانش عندي الشجاعة اللي أجي أقولك بيها مشاعري. بس أنتي دلوقتي معايا، بنتكلم سوا كل يوم، ومشاعري بتكبر ليكي. لو فضلت محتفظ بالمشاعر دي جوايا، هتخدني لسكه أنا مش حببها، ولو مكنتش متأكد من مشاعرك ليا، مكنتش هعترف ليكي بحبي."
ابتلعت ريقها بصعوبة، عابرة عن مشاعرها المتضاربة بتلعثم:
"ب بص أ أعمل اللي انت عايزه، وأنا معاك.” كانت تشعر بأنها تقف على حافة قرار يُحتمل أن يغير كل شيء بينهما.
حرك رأسه بعدم فهم، وكأنما كان يسعى لاستيعاب ما تقوله، وقال بتساءل:
"مش فاهم قصدك ايه؟"
كان صوته يعكس خيبة أمله وفضوله المتزايد حول مشاعرها الحقيقية.
تنحنحت بخجل، وخطت نحو نقطة جديدة في حديثهما، وقالت بصوت مرتبك:
"ي يعني قصدي ش شوف لو حابب تكمل، كلم سلطان. لو مش حابب، مش هغصبك."
كان قلبها ينبض بشدة، تخشى أن تكون هذه الكلمات هي المفتاح الذي سيفتح الباب أمام مستقبل مشترك.
أغلق عينيه حتى يتحكم في أعصابه، محاولاً إيجاد الثبات في هذه اللحظة الحاسمة، وقال بنفاذ صبر:
"سميه، انتي كنتي مركزي في كلامي. فهمتي قصدي ايه؟"
أومأت برأسها بالتأكيد، لكن مشاعر الاضطراب كانت واضحة على ملامح وجهها. تكلم بغضب، وقال بنفاذ صبر:
"لا، بجد انتي مستفزة. أنا عمال أقولك بحبك، وعايز يبقى فيه حاجة ما بينا رسمية، وانتي تقوليلي لو مش حابب تكمل براحتك. أنا أوقات كتير بتوه منك، مش بفهمك بجد."
نظرت له بضيق، وتكلمت بغضب:
"هي دي المشكلة يا حسام، عصبيتك بتخوفني منك. أنا كنت شيفاك غير كده خالص. كنت شايفة حسام جارنا الهادي الطيب، كان حلمي أن أقابلك ولو لمرة صدفة، وأسمع صوتك. لكن دلوقتي، لما جيت في الشركة وأشتغلت معاك، اتفاجئت بطريقتك وأسلوبك. لقيتَك عكس ما كنت متوقعة خالص، عصبي بشكل مبالغ فيه، وده خلاني مترددة في الموضوع ده."
تنهد بضيق، وتحدث بنبرة مختنقة:
"سميه، أنا مش هدافع عن نفسي لأن أنا فعلاً عصبي، ودي حاجة مش بأيدي. ومش معني إني عصبي يبقى مش بعرف أحب. بالعكس، أنا رومانسي جداً، بس طبعاً بالحلال وبشكل رسمي، يعني بالأصول. وافقي، وصدقيني مش هتندمي. هتلاقيني أوقات عصبي وأوقات هادي ورومانسي، مش عايزك تخافي مني، لأن عمري ما هأذيكي. حبي أكبر حامي ليكي مني."
نظرت له بتوتر، وقالت:
"بص، أنا من رأي نصبر شويه. أنا خايفة أوافق، أخسرك."
نظر لها بضيق، وتحدث بصوت مختنق:
"تمام، براحتك، خلينا نشوف شغلنا."
تكلمت سريعاً، وقالت بتوضيح:
"افهمني يا حسام، أنا مش برفضك. أنا بس بقول نصبر شويه لحد ما نتعود على طبع بعض."
تكلم بصوت مختنق، وقال:
"خلصنا يا سميه، كفاية كلام بقى بعيد عن الشغل."
حركت رأسها بضيق، وشعرت بأن قلبها مثقل بالهموم، وبدأت تتابع معه الشغل بعيداً عن حياتهم الشخصية. لكن خلف تلك الواجهة المهنية، كانت تدور في مخيلتها أفكار عديدة حول كيف يمكن أن تتغير الأمور بينهما، وما إذا كان بإمكانهما تجاوز هذه العقبات في طريقهما نحو شيء أكبر.
**************************
وصلت ترنيم إلى المشفى بكل حماس وعيونها تتلألأ بالأمل. كانت تشعر بالمسؤولية تجاه المرضى، وآمالهم تتعلق بإمكانياتها كطبيبة. بدلت ملابسها بسرعة، متجنبة كل ما يمكن أن يعيقها عن الانطلاق، وأخذت معداتها الطبية بحرص، وهي تفكر في الحالة التي تنتظرها. بدأت تتحرك في الأروقة المزدحمة، حيث كانت الوجوه مختلفة بين القلق والأمل والألم، وتفاصيل اللحظات الحياتية المعتادة تملؤها الحيوية، مما زاد من تصميمها على أداء واجبها. توقفت أمام غرفة الشاب المصاب الذي كان قد وصل في اليوم السابق، وقلقها المدروس عن حالته كان يمثل شغفها المهني، إذ كانت تعرف أن كل دقيقة تهم.
فجأة، اعترضها أحد أفراد الحراسة، حيث جاء صوته الغليظ كصوت صخرة في طريقها، مما جعل قلبها يتوقف لبرهة:
"رايحه فين؟ هاتي إثبات إنك شغالة في المستشفى هنا."
نظرت إليه بضيق، وكادت أن تشعل الغضب بداخلها حتى شعرت بالنار تشتعل في صدرها:
"أنت عبيط، يالا، شايفني لابسة البالطو الأبيض ومكتوب عليه 'دكتور ترنيم'. ابقى شغالة هنا، إيه كمسري؟"
شعر الرجل بنزعة الغضب تشتعل داخله، وضغط على أسنانه كما لو كان على وشك الانفجار. فهذا النوع من التساؤلات كان يزعجه بشكل كبير، وكان يظن أنه يحمي النظام:
"لمي لسانك بدل ما أقطعهولك، واخلصي، هاتي إثبات الشخصية بتاعتك."
جاءت كلماتها كالسيف، الخطورة توشك على الانفجار في تلك اللحظة. كانت متمسكة بمكانتها كطبيبة، ورفضت أن تترك أي أحد يحط من كرامتها:
"ابعد من وشي أحسنلك، خليني أشوف شغلي. أنا دكتورة هنا، مش بلعب."
ظهر الدكتور عصام فجأة، يتحدث بنبرة متوترة، وهو يعرف تمامًا ما يدور حوله. كان دخوله كالأمل الذي يضيء ظلمة الموقف المتوتر:
"متقلقش، حضرتك، دي دكتور ترنيم. شغالة في المستشفى هنا، وهي اللي ساعدتني في عملية الباشا."
تجاهل الحارس كلامه وابتعد عن الباب، معلنًا السماح لها بالدخول، كأن كلامه لم يكن له تأثير. في تلك اللحظة، كانت تشتعل في داخل ترنيم مشاعر القلق والترقب. تحركت نحو الداخل بغضب، تضع نفسها في حالة من التركيز التام. كانت تعليماتها واضحة: يجب أن تحافظ على هدوئها تحت أي ظرف.
اقتربت ترنيم من الحارس، وقد قالت بصوت هامس تغلفه الشجاعة، لكن بدا وكأن الكلمات تتصاعد من أعماقها، محملة بتحدٍ داخلي:
"متعقدش أني هخاف من شوية النفخ دول. داهية تخدكم، محسسني أنه ابن الرئيس، أو كأنه يملك العالم كله."
تجاهلها لكن نظراته كانت تحتوي على عاصفة من الغضب والجنون.
ابتلع دكتور عصام ريقه بصعوبه وتكلم بأسف:
"ا احنا اسفين يا باشا دكتور ترنيم متقصدش الاهانه هي متعرفش انتوا مين."
بدأت ترنيم تفحص المريض، تدرك تمامًا أنه بحاجة إلى المساعدة، لكن فجأة، انقضت يده، تمسك بيدها وتضغط عليها بقوة، كأنها شعلة من الغضب. شعرت بالألم يمتد عبر ذراعها، لكن عزمها جعلها تحاول التحدث معه بهدوء:
"اهدا لو سمحت، أنا لازم أكشف عليك علشان أطمن على كل حاجة، أنها طبيعية."
ضغط بقوة أكثر، وأخرج كلمات غاضبة من بين أسنانه، وكأنها زلزال يقوي التعبير عن غضبه:
"أيدك متتمدش عليا، غوري من هنا، مشوفش وشك، فاهمة؟"
أغلقت عينيها بألم وصرخت، معبرة عن كل الخوف الذي كان يتصاعد بداخلها:
"أنت أتجننت! سيب إيدي، يا حيوان!"
لكن الشاب اعتدل على السرير بعنف، غير مبالٍ بجراحه أو الألم الناتج عن حركته، وضغط على عنقها بقبضة يده، متحدثًا بنبرة مخيفة، كأنه يحاول ترويض روحها المنكسرة:
"هطولي معايا أكتر من كده، هدفنّك في مكانك، فاهمة؟"
حاولت أن تبعد يده عنها، مشددة على كلماتها بصوت مختنق، بينما كانت تعاني من شدة قبضته:
"سيبني، يا حيوان! هموت! انت كده بتأذيني وبتأذي نفسك!"
نظر إليها بغضب متزايد، ثم دفعها بعيدًا بقوة، وهددها بصوت يبعث على الرعب، يفتح أمامها باب الخطر:
"لو مخرجتيش من هنا حالا وبعتي الدكتور عصام، هكون مفرغ سلاحي ده في قلبك. مش عايز أسمع صوتك مرة تانية."
أنهى كلامه وهو يوجه سلاحه الناري لها.
أخذت أنفاسها بصعوبة، محاطة بألم فوري، ثم تكلمت بأنفاس متقطعة، وهي تحاول استعادة توازنها:
"انت شكلك مجنون مش طبيعي، أنا هعرفك ازاي تمد إيدك عليا بالشكل ده، بني آدم مختل!"
خرجت بسرعة من الغرفة، مكتفية بهذه التجربة المروعة، واتجهت إلى مكتب الدكتور عصام، حيث كانت بحاجة ماسة إلى التحدث معه حول هذه الشخصيه الغريبه. فتحت الباب واندفعت إلى الداخل بغضب، متسائلة:
"البني آدم المجنون ده كان هيموتني وأنا بكشف عليه! مين ده وليه عمل كده معايا مع أني مكلمتهوش أصلاً؟"
كان قلبها ينبض بسرعة بينما تتذكر كيف كانت نظرته مخيفة، كما لو كان من عالم آخر.
نظر لها الدكتور عصام بنفاذ صبر، مدافعًا عن الموقف:
"ده يبقى غريب ضرغام! العالم كله بيخاف منه وبيعمل ليه ألف حساب. أمه مصرية وأبوه من تركيا. أمه تبقى بنت مستشار كبير في الدولة، وأبوه من أخطر الناس اللي موجودة في تركيا. وجود غريب ضرغام هنا معناه أن فيه مصيبة هتحصل لأنه من أخطر القناصين في العالم. عايش في تركيا والمكان اللي بيروح ليه، الدنيا بتتقلب في لحظه عرفتي انتي بتتعاملي مع مين؟"
كان صوته يحمل وزنًا أكبر من مجرد كلمات، بل كان ينقل معها شعورًا من القلق والترقب، كما لو كان ينبهها إلى الطوفان الذي قد يضرب حياتها إذا لم تتخذ حذرها.
رغم الرهبة التي انتابتها، لم تمشي على خطاه:
"ايه يعني، حصلنا الرعب! المفروض يحترم نفسه معانا. احنا اللي أنقذنا حياته. أنا لو أعرف أن ده مجرم خطير، كنت سيبته يموت ومكنتش أنقذته. و خليته يكمل مسيرته الإجرامية ويأذي الناس."
كان صوتها يهتز بين اليأس والاحتجاج، وكأنها تبحث في التفاصيل عن معنى أكبر. هل كانت حقًا قد ألقت بنفسها في عاصفة لم تكن مستعدة لها؟
وضع يده على وجهه بنفاذ صبر، وهو يرفع صوته بغضب:
"دكتور ترنيم! علشان خاطر المعلم سلطان، أطلعي أنتي من الموضوع خالص. علاجه أنا اللي مسؤول عنه لحد ما يمشي من هنا بخير وسلامة. أنا مش مستغني عن المستشفى بتاعتي."
كانت لهجته شديدة، لكن تحت السطح كان هناك مخاوف لم تُعبر بعد، مخاوف من المصير المجهول الذي ينتظرهم جميعًا حالما يخرج "غريب ضرغام" من بين أيديهم.
نظرت له بعدم اقتناع، وغادرت مكتب الدكتور عصام بغضب. حرك رأسه بضيق، متحدثًا بغضب:
"كانت مستخبية ليا فين دي، ياربي! بلوة ابتليت بيها. منك لله يا معلم سلطان."
كانت كلماته تنبعث من قلب يفيض بالقلق والخوف من عواقب الأمور، وكأن المصير يتآمر عليهم جميعًا، بينما كان يفكر في كيف سيكون مستقبلهم بعد هذه الليلة المثيرة للجدل