رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الحادي عشر
عاد سلطان إلى المنزل عندما أرسل السائق يحضر ترنيم لعدم استطاعته الذهاب لاحضارها بسبب تراكم العمل عليه.
تجمعت عائلة سلطان حول مائدة الطعام كالمعتاد، حيث كانت الأطباق تتلألأ بكل ما لذ وطاب من الأطعمة الشهية. لكن، وسط هذا الجو العائلي الدافئ، كان وجه سلطان شاحباً وعينيه تبحثان عن ملاذته في الحياة، كانت هناك خيوط من القلق تتسلل إلى قلبه، نظر إلى شقيقته، وتحدث بتساؤل محمَّل بالقلق:
"هي ترنيم فين؟"
توقف الطعام في فمها، ورجفت عيناها بتوتر، كأنما كانت تحاول استعادة بعض الشجاعة، لكن شبح الخوف كان يسيطر عليها، وشحب لون وجهها وهي تجيبه بصوت خافت:
"ها...ا اه نايمه."
كانت الكلمات كأنها قد خرجت بصعوبة من حنجرتها، وكأن شيئاً ما كان يمسك بها.
رفع حاجبيه إلى الأعلى حيث شعر بشيء غير طبيعي يعتري الموقف، وكأن هناك سحابة من الشك تسد سماء المائدة. احتفظ بوجهه المعتاد، لكنه لم يستطع أن يخفي الصدمة من الموقف. قال من دون تردد:
"نايمه!! ومن أمتة المصيبة دي بتنام بدري كدة؟ سميه اتكلمي بسرعه وقولي الزفتة دي فييين؟"
كانت لهجته مختلطة بالقلق الحاد والغضب المكنون.
أغلقت عينيها بصعوبة، ثم قالت بصوت متقطع وهو يتكسر تحت وطأة الخوف:
"ت ترنيم فى اوضتها، بس ابوس ايدك بلاش تدخلها."
كانت كلماتها بمثابة طلب غريب، يملأ الأجواء بتوتر غير مألوف، وكأنها كانت تخشى أن يحدث شيء ما لو اقتحم عالمها الداخلي. كانت تخشى على ترنيم مثلما تخاف من عواقب الأمور المخفية.
استقام بجسده سريعاً، وكأنما استشعر ضرورة التصرف قبل أن يتفاقم الموقف. تحرك باتجاه باب الشقة، ودفعه بيديه بعزم، وكأنما كان يأمل أن يكشف عن الحقيقة دفعة واحدة. وصل إلى باب الشقة المجاور، وطرق عليه بقوة، يشعر بالقلق يتسرب إلى قلبه مع كل ضربة على الباب. فجأة، فتحت له وفاء، لتظهر ملامح القلق على وجهها، كأنما كانت قد قرأت مخاوفه قبل أن يتحدث، وقالت:
"س سلطان فيه حاجه يا ابني؟"
كانت الكلمات تفيض بالاهتمام، وأجواء الخوف كانت تتصاعد بينما تطلعت إلى عينيه، منتظرة أن يخبرها بما يجري بالفعل.
أومأ برأسه مؤكداً وأجاب:
"مجتيش تاكلي ليه يا فوفه؟ وفين مقصوفة الرقبة مستخبيه فى اوضتها ليه هببة أيه وخايفه مني؟"
نظرت له بترجي، وطلبت:
"سلطان يا ابن أختي بترجاك براحه عليها انت عارف انها مجنونة وطايشه."
كانت عيونها تلمع بالخوف والتوسل.
تراقصت الأفكار في رأسه، فدفع وفاء بعيداً عنه وتحرك نحو غرفة ترنيم. كانت خطواته مترددة، ومع كل خطوة، كان يتساءل في داخله عن حالة ترنيم. وضع يده على مقبض الباب، لكنه تفاجأ بأنه مغلق من الداخل، مما زاد من توتره. طرق على الباب بغضب، قائلاً:
"افتحي يا ترنيم احسنلك."
حاول أن يضبط نفسه، ولكن غليان مشاعره كان يضغط عليه بشدة.
جاء صوتها المرتعش من خلف الباب:
"ل لا ا أنا عايزة انام."
كان صوتها يفضح هشاشتها، مما زاد من حيرة سلطان. لم يكن مجرد رفض للدخول، بل كان هناك شيء أعمق، شيء ينبئ بأنه يجب عليه الانتباه أكثر لما يجري خلف هذا الباب.
رد بغضب شديد:
"أقسم بالله لو الباب ده متفتحش دلوقتي لكون مكسرة فوق دماغك، افتحي بقولك."
ابتلعت ريقها بصعوبة وفتحت الباب ببطء شديد، ثم ركضت مسرعة نحو السرير، وقالت بغضب:
"ا انت عارف لو قربت مني هموتك."
اتسعت عيناه بصدمة عندما وجد شفتيها منتفختين، ولم يستطع كبح مشاعره، فقال بهدوء حذر:
"أيه ده؟" كانت الصدمة واضحة على وجهه، وكأنما ارتجف قلبه حين أدرك التغييرات التي طرأت على ملامحها.
وضعت يدها على شفتيها، وتلعثمت، وكأن الكلمات تخونها في تلك اللحظة الحساسة:
"ف فلير."
لم تكن تعرف كيف ستبرر له قرارها الذي اتخذته في لحظة اندفاع؛ شعور بالإثارة والجرأة، لكن الآن، مع نظراته المستغربة، بدأت تشعر بالخوف من ردة فعله.
أخرج صوتاً من حنجرته وتكلم بغضب، مما جعلها تشعر برعشة في جسدها:
"نعم يا روح امك! ف أيه وانتي جيتي كده فى الحارة والناس شافتك بالمنظر ده؟"
نظرت له بخوف وأومأت برأسها مؤكدة:
"ا ايوه وفيها أيه يا سلطان كان نفسي اعمل كده من زمان، بذمتك مش شكله حلو."
ضغط على شفتيه بغضب شديد، ورد بوقاحة، وكأن الكلمات تقفز من بين شفتيه:
"حلو ايه وخرا على دماغك انتي مشيتي بشفايفك دي اللي اخده وضع البوس في الحارة وحياة امك لموتك نفسك يكبروا قوليلي وانا كنت كبرتهم بطريقتي."
تكلمت بضيق، سئمت من حلولها السريعة:
"سلطان اتلم وبطل قلة ادب، و وبعدين ما البنات كلها بتعمل كده ايه المشكله وانا قولت اعمله قبل فرحنا، علشان يبقى شكلي حلو، محصلش حاجه يعني؟"
لكن في أعماقها، كانت تدرك أنها تثير غضبه أكثر، وأنها تجرأَت على ما لم يكن يُفَكِّر في فعله أحد قبلها.
اقترب منها بهدوء حذر، محاولاً السيطرة على أعصابه المتوترة، وقال:
"المشكله انك مش شبه البنات دي، انتي حبيبة سلطان وخطيبته وحظك الاسود بقى انك حبيبتي."
أنهى كلامه بالهجوم عليها، وأمسك بشعرها بعزم، ورغم عنفوانه، أرغمها أن تنزل من فوق السرير، وقال:
"بقى يا بت الطلبجي رايحه تنفخي شفايفك ده أنا هنفخك."
وفي تلك اللحظة، لم يكن لديها سوى الشعور بالإهانة والخوف من ردة فعله العنيفة، على الرغم من معرفتها إنه يهتم بها بطرق قد لا تُظهرها تصرفاته.
تكلمت بألم ونبرة غاضبة، وقد تأججت مشاعرها:
"ااه سيب شعري يا سلطان ومليون مره اقولك متقولش الاسم ده بيغيظني، وبعدين أنا عايزه أعمل كل اللي نفسي فيه أنا صغيره وعايزه أعيش سني."
شعرت بأنها تُشعل النيران بينهما، لكن كان قلبها ملؤه الشجاعة للتعبير عن رغباتها وإرادتها.
اشتعلت نيران الغضب داخله، وضغط أكثر على شعرها، وتكلم بنفاد صبر، وكأن صبره قد نفد:
"بت أنتي اتلمي احسن ما انتي عارفه أنا ممكن اعمل فيكي أيه، ومتغاظه من الاسم ده ليه مش اسم أهل ابوكي؟"
تجمعت الدموع في عينيها، وبصوت مختنق تحمل نبرة من الألم المعقد، قالت:
"وانت عارف أنا بكرهم قد ايه ومش بحب حد يجيب سيرتهم يا سلطان."
وجع قلبه عليها، فأرخى قبضة يده عن شعرها وتحدث بنبرة هادئة، تلك النبرة التي اعتادت عليها في الأوقات العصيبة:
"اهدي طيب انتي عارفة مبحبش أشوف دموعك، حقك على قلبي يا بنت قلبي، ولا بتعملي كدة علشان أضعف قصادك وانسي المصيبة اللي هببتيها دي."
كان يعرف كم كان ما مرّت به مؤلمًا، ولكنه أيضًا شعر بضيق من تصرفاتها، وكأنها تستفزه لتظهر له ضعفها وتستجدي عطفه، مما كان يتركه في حيرة من أمره.
نظرت له بضيق، وقد ارتسمت على وجهها ملامح الاحتجاج والنفور:
"يا سلام وانت يعني مغلطش لما كل شوية تقولي الاسم ده؟"
كانت تحتدّ في كلماتها، لأن الأمر أصبح وكأنه نوع من أنواع الضغط النفسي، وتجديد للذكريات الموجعة.
أحاط خصرها بذراعيه بأسلوب كان يهدف إلى تهدئتها، بالرغم من المشاعر المتناقضة التي كانت تقبع في داخله:
"لا مغلطش، برضاكي ولا غصب عنك الاسم ده موجود فى بطاقتك، قوليلي بقى أعمل فى أمك أيه على اللي انتي عملاه فى شفايفك ده."
كان يمزج بين الحدة والمزاح، ولكن في عقله كانت هناك رغبة ملحة لفهم ما يدور داخلها، واستعادة هدوء الأمور.
حركت شفتيها بطريقة مثيرة، وأجابت بدلع، محاولة كسر جو التوتر:
"طيب بذمتك مش شكلهم حلو."
نظر إليهما بتوتر، وارتفعت أصوات أنفاسه بينما كانت عليه مواجهة الانفعالات المتضاربة:
"اتهدي احسنلك، انا ماسك نفسي عنك بالعافية، وأعملي حسابك مافيش نزول الشارع بمنظرك ده فاهمه."
كلمات بالكاد جاءت بعد العديد من المحاولات للحفاظ على الهدوء، ولكن في داخله كان يشعر بعدم القدرة على السيطرة أكثر بعد كل ما حدث.
دفعته بعيداً عنها وتذمرت بطفوليه، غير قادرة على كبح عنادها:
"يا سلام هفضل محبوسة هنا علشان أوامر جنابك، أنا لازم أنزل الشغل."
أومأ برأسه تأكيداً، وقال بنبرة صارمة كأنما كان يدافع عن قناعاته:
"اه هتنفذي اوامري ورجلك فوق رقبتك وحسك عينك تخطي باب الشقه بمنظرك ده."
أنهى كلامه وخرج من الغرفه، وأغلق الباب خلفه، لكنه تفاجأ بشيء يُلقى على الباب، وصرخة غاضبة خرجت من ترنيم، كأنها استحقت بوضوح أن تُسمع كل آلامها.
"بارد وغلس يا سلطان، بكررهك."
ابتسم على طريقة غضبها ونظر إلى وفاء وقال بأمر:
"بنتك متخرجش من البيت يا فوفه، علشان مكسرش رجليها مفهوم."
اومات رأسها بالموافقه وقالت:
"مفهوم يا أبن اختي."
عاد سلطان مرة أخرى إلى شقتهم، ونظر إلى الطعام أمامه بنفاد شهية، ثم تحرك ببطء نحو غرفته، احتجاجاً على الوضع القائم.
نظرت سميه بملل إلى الوجبة المتروكة، وحركت شفتيها بنفاد صبر قائلة:
"ترنيم، مش ناوية تجيبها لبر؟ أنا حاسة إن أخويا سلطان في مرة هيموتها بسبب تصرفاتها الطائشة دي."
ثم استقامت بجسدها، وكأنها اتخذت قراراً جديداً، وقالت:
"هروح أشوفها، زمانها عاملة مناحة دلوقتي."
انطلقت مسرعة نحو شقة وفاء، ودلفت إلى الداخل وقالت بتساءل:
"طمنيني يا فوفه، قتلها ولا لسه؟"
ابتسمت وفاء على كلماتها، وقالت:
"لا، عمل فيها اللي أشد من القتل، منع نزولها الشارع بشكلها ده."
تعالت ضحكات سميه، وهي تستوقفها قائلة:
"وانتي تفتكري المجنونة دي هتقبل بكده؟"
حركت كتفيها بعدم معرفة، ثم أضافت:
"الله أعلم، مع ترنيم وسلطان مافيش أي حاجة مستبعدة، ربنا يهديهم، ادخلي ليها."
تحركت سميه نحو غرفة ترنيم، طرقت على الباب ودلفت إلى الداخل، وأغلقت الباب خلفها. وجدت ترنيم تجلس على السرير وتحرك قدميها بغضب. جلست بجوارها، واستهلت حديثها قائلة:
"يعني استفدتي إيه لما نكدتي عليه وعلى نفسك؟ وعايزة أقولك بقى، والله العظيم، ما حلو عليكي، شكله وحش أوي، مافيش أحسن من خلقة ربنا."
نظرت لها ترنيم بضيق، وردت:
"يا ستي أنا بحب التغيير، قولت أجرب، وشكله عجبني، أنا حرة."
ردت عليها سميه بنفاد صبر، قائلة:
"طيب، يا حلوه، خلي عنادك ودماغك الناشفة تنفعك، وشوفي هتعرفي تنزلي شغلك إزاي؟"
نظرت ترنيم أمامها بتحدٍ، وقالت:
"هنزل، مبقاش أنا ترنيم الدسوقي لو مكنتش نزلت الشغل من تاني."
ظلت سميه تنظر لها بصمت، ليس لديها كلام تقوله، فترنيم تعدت مراحل الجنون والعناد بشكل غير مسبوق.
تكلمت ترنيم بسؤال مُحَير:
"عاملة إيه مع سي حسحس ابن نوجة؟ سمعت إنك زعلتي."
ابتسمت سميه بضيق، وقالت:
"حسحس والله طلع غير ما أنا كنت متخيلة خالص. طلع عصبي أوي ومعندوش طولت بال. أنا بقيت أخاف منه من كتر ما كل حاجة يزعق عليها. أقولك على حاجة، أنا حاسة إني مصدومة فيه، سبع سنين وأكثر بحب فيه، وفي الآخر يطلع غير ما أنا متخيلة، حاسة إني حبيت حد تاني خالص، وندمانة على كل لحظة فكرت فيه."
اتسعت عين ترنيم بصدمه، وقالت:
"لااا، مش مصدقة نفسي، معقولة بعد السنين دي كلها بتقولي كده؟ ده إنتي صدعتيني به من صغرنا، ورجلك كانت بتورم من الوقفة وراه الشباك، تبصي عليه وهو واقف، كل ده بح! وبعدين استني، إنتي عايزة إيه؟ يكون خيخة كده وبارد؟ بالعكس، ده كبر في عيني أوي، بحب الراجل الجامد الحمش، مش الطري ومنحنح."
ابتسمت سميه بتهكم، وقالت بصوت مختنق:
"أمم... زي أخويا سلطان كده اللي مطلعه عينه معاكي، صح؟"
تنهدت ترنيم بحب، وقالت بنظرة عاشقة:
"سلطان ده مش مجرد راجل وخلاص، لا، سلطان ده العالم بتاعي. لو بعد عنه، أموت. هو في عيني أجمل وأحسن راجل في الدنيا كلها. بثق فيه لدرجة لو قالي غمضي عيونك وارمي نفسك من فوق أعلى برج، هنفذ كلامه، وأنا متأكدة إنه هينقذني وهيخدني في حضنه. عارفة ومتأكدة إنه بيحبني ومستحيل يبص لواحدة تانية غيري، لأن باختصار، أنا ماليه عينه وقلبه. أنا بنت قلبه زي ما بيقولي على طول."
استقامت بجسدها وتكلمت بمزاح:
"ماليش في المحن ده يا أختي، أنا هروح أوضي أنام، تصبحي على خير."
تكلمت ترنيم سريعاً بتساؤل:
"هو أنتي لسه مش بتفتحي الشباك بتاعك؟"
نظرت لها سميه وحركت رأسها بالرفض، وقالت:
"لسه، ومش هفتحه تاني، كفاية اللي جالي من وراه فتحته."
تحركت نحو الباب، لكنها استدارت مرة أخرى عندما سمعت ترنيم تقول لها:
"سمية، ادي حسام فرصة. ممكن تكون عصبيته دي في الشغل بس من الضغط. إنما ممكن تلاقيه شخص تاني خالص بعيد عن الشغل."
ابتسمت سميه لها بحب وأومأت برأسها بتفهم، ثم أرسلت لها قبلة في الهواء وخرجت، وأغلقت وراءها الباب.
نظرت ترنيم أمامها بضيق، وتحدثت بتوعد:
"ماشي يا سلطان، أنا هوريك."
ثم تذكرت ذلك الشاب، ونظرت إلى الأثر الذي تركه على يدها بعد أن ضغط عليها بقبضته. زفرت بضيق، وتمددت على فراشها حتى غلبها النوم.
***************************
باليوم التالي...
بعد أن نزل سلطان ليقوم بعمله وقفت ترنيم بالشرفه تنظر بضيق على سلطان وتتابع المارة بالحارة بملل حتى وجدت سيارة تقف أمام مكتب سلطان نظرت بأستغراب واتسعت عيناها بصدمه عندما وجدتها فتاة جميله ترتدي ملابس ذو مستوى عالي ويظهر عليها الثراء ارتفعت الدماء برأسها وهي ترسم بمخيلتها لقاء سلطان معها ونظراته التى ستلتهمها تحركت سريعا إلى الداخل بدلت ملابسها وركضت إلى الدرج وهبطت إلى الاسفل توجهت عند مكتب سلطان ووقفت خلف الباب الزجاجي تتابع ما يحدث بينهما بالداخل وشعرت بغضب شديد عندما وجدت هذه الفتاة تحاول لفت انتباه سلطان لها وكيف تجلس وتضع قدم فوق الأخرى حتى يرى ساقيها العرياتين دفعت الباب بغضب وتحركت إلي الداخل
وقفت امامهم تشتعل بغضب من الغيرة، واقتربت بخطوات متثاقلة من الفتاة الجالسة على المقعد المقابل لمقعد سلطان. حركت يدها على شعرها برفق، لكن صوتها كان مليئًا بالتحدي وهي تتحدث بهدوء حذر: "عجبك؟"
نظرت الفتاة لها بحيرة، مشدوهة من السؤال، وتكلمت بتساؤل:
"هو مين ده؟"
أمسكت ترنيم بشعرها بغضب، وكأنها تعبر عن قلقها الداخلي، وقالت:
"سلطان يا روح أمك."
صرخت الفتاة بألم شديد، وكلماتها تحمل عواطف مختلطة من الاستغراب والغضب:
"أنتي بتعملي أيه يا مجنونة، سيبي شعري!"
ضغطت ترنيم على أسنانها بغضب شديد، وملامح وجهها تشتعل بالتحذير:
"سلطان ده خط أحمر، يا حيلتها. شغل المياصة بتاعتك دي مش هتيجي معاه، عشان عيونه مش شايفة غيري أنا وبس."
أغلق سلطان عينيه بغضب، وفي صوته الجهوري كان هناك أمر ملح:
"ترررنيم، كفايه كده، وأتفضلي امشي."
لكن ترنيم لم تتزحزح. ضغطت بقوة على شعر الفتاة، وكلماتها كانت مليئة بالتحدي:
"مش هتحرك من هنا غير لما البت دي تغور من هنا."
طرق سلطان بيده على سطح المكتب بإحباط، صوته أرتفع بغضب:
"قولتلك سبيها وامشي، أحسنلك."
أمسكت ترنيم الفتاة من ذراعها رغم صراخها، وأرغمتها على النهوض. وتحدثت بصرامة:
"لا، ما هو شكل الكلام مش هيجي بفايدة."
انهت حديثها بينما أرغمتها على التحرك معها إلى الخارج.
نظرت الفتاة له بصدمه، ولكن سلطان نهض سريعًا من مقعده وركض خلفهم. أمسك بترنيم من يدها، وأرغمها على ترك ذراع الفتاة، متحدثًا بنفاذ صبر:
"أنتي عايزة ايه بالظبط؟ لا الحنية نافعة معاكي، ولا الشدة جايبه معاكي سكة. قوليلي أعمل في أمك أيه؟"
تكلمت ترنيم بألم من مسكت يده، وصوتها المختنق كاد يكسر قلوب الحاضرين:
"سيب دراعي يا سلطان."
نظر إليها بعينين مشتعل الغضب، وأفصحت مشاعره المتنامية:
"أنا تعبت وزهقت من عمايلك المجنونة دي. طول الوقت مدلعة وسايقة الدلال، وأنا علشان بحبك مستحمل، بس خلاص جبت أخري. مبقتش قادر أستحمل عمايلك دي."
تجمعت الدموع في عينيها، وكانت كلماتها مثل همسات الرياح:
"سيب دراعي يا سلطان، ومدام زهقت مني كده، سيبني، وأنا أوعدك هريحك مني خالص، وهقبل بأي عريس يتقدم ليا."
كلماتها أشعلت الفتيل داخله، فانفجرت براكين الغضب في قلبه. أخرج صوتًا من حنجرته وتكلم بصوت جهوري:
"عند أمك يا روح أمك، طيب خلي حد يقرب منك، وأنا هخليه مرا زيك. انجري على فوق، وحسّك عينك المح طيفك في الشارع، فااااهمه؟"
انتفضت الفتاة خوفًا من صوته، لكن التحدي في عيني ترنيم لم يتزعزع.
"ما هو عند أمي فعلاً، وأمه كلمتها، وأنا هوافق. وأعلى ما في خيلك اركبه يا سوسو."
أنهت كلامها، وأمسكت بشعر الفتاة، وأسقطتها على الأرض. ركضت سريعًا إلى داخل البناية الخاصة بهم.
نظر سلطان أمامه بصدمه، عاجزًا عن معرفة ما يجب عليه فعله في هذا الابتلاء. أخذ نفسًا عميقًا، وساعد الفتاة على النهوض من على الأرض، وكلماته كانت محملة بالإحراج:
"أنا مش عارف أقولك أيه بس حقك علينا يا ست البنات، دي خطيبتي بس مجنونة شويتين وبتغير عليا."
نظرت الفتاة له بضيق، كأنها تحمل عبئًا ثقيلاً في قلبها، وقالت بغضب:
"دي مش طبيعية بجد، روح شوف ليها مستشفى مجانين وارميها فيها."
انتفضت عندما سمعت صوت سلطان الغاضب، وكلماته تحمل معاني التهديد:
"عندك يا ست البنات، أقطعلك لسانك لو نطق بحرف واحد على خطيبة سلطان وحبيبته. وقسما عظما، لولا أنك مرا كنت عرفتك مقامك. أعتبري الشغل اللي ما بينا ناهي، اتفضلي امشي."
نظرت له بغضب، وتحركت سريعًا من أمامه. صعدت سيارتها وغادرت المكان.
نظر إلى أثرها بغضب، ثم نظر أعلى ليجد ترنيم تنظر له بابتسامة شامتة، وكلماتها كانت كالصاعقة:
"تعيش وتاخد غيرها يا سيد المعلمين."
ضغط على شفتيه بغضب شديد، وحرك أصابعه بتحذير:
"أقسم بالله لو مدخلتيش من البلكونة دي دلوقتي حالا، لكون طالعلك يا ترنيم."
تعالت ضحكاتها الشامتة، و ركضت إلى الداخل.
زفر سلطان بضيق، وكان صوته يحمل عبء الصبر:
"يارب أديني الصبر على بلوة حياتي دي."
جلست ترنيم على سريرها، تشعر بضيق يتسلل إلى أعماقها كالشعور بالاختناق كلما تذكرت نظرة تلك الفتاة لحبيبها سلطان. كيف يمكن لتلك النظرة أن تتلاعب بمشاعرها بهذه الطريقة؟ أمسكَت بهاتفها المحمول، أصابعها ترتجف قليلاً، واستغرقت في التفكير قبل أن تجري اتصالاً به، منتظرة بفارغ الصبر رده، وكأن قلبها يتسابق مع عقارب الساعة. بعد لحظات، جاء صوتُه الغاضب، يشبه جوف عاصفة تتراكم فيه السحب:
"أفندم عايزه أيه؟"
حاولت أن تتحدث بصوت مختنق، يملأه الحزن والانكسار:
"كانت عجباك أوي صح؟"
لم تتمكن من إخفاء الغيرة التي تلهب عروقها، كما لم تستطع أن تمنع دمعة من التسلل إلى عينيها. التفكير بأن هناك من قد يحتل مكانتها في قلبه كان بمثابة طعنة في قلبها. كانت تخشى أن تكون تلك الفتاة هي التي تقطع الخيط الذي يربطها بسلطان، وما كان يبدو كعلاقة متميزة بينهم جميعًا قد يبدأ في التآكل تحت وطأة الشكوك.
زفر سلطان بضيق، ثم أجاﺏ بصوت يعكس نفاد صبره والتوتر المتزايد في أجواء المحادثة:
"ترنيم، أرجوكي، ارحمي أمي. أنتي عارفة ومتأكدة أن عيوني مش شايفة غيرك. لسه قايلك كده إمبارح. أمتى هتعقلي وتبطلي شغل الأطفال ده؟ أنا فيا اللي مكفيني يا ترنيم."
زفراتُها حاولت أن تعبر عن مشاعرها؛ فاجتاحت نبرات صوتها بين شهقاتها، كأن قلبها يتشقق من الغيرة:
"بحبك وبغير عليك لما بشوفك بتتكلم مع واحدة غيري. نار بتقييد في قلبي مش بأيدي، يا سلطان. أنت ملكي أنا وبس، ومستحيل أقبل بأي واحدة تشاركني فيك، حتى لو بنظرة واحدة."
كانت تلك الكلمات تخرج منها كأنها صرخات من أعماق روحها، وحلمها بنهاية سعيدة يتلاشى مع كل ظل مر بجواره.
صمت سلطان، لكن دقات قلبه كادت تخترق صدره مثل طبول الحرب. كلماتها أشعلت خوفاً داخله، ذلك الفزع الذي كان يختبئ في زوايا قلبه. تامل عوالمه وكأنها تنهار من حوله؛ ماذا سيحدث إذا علمت بموضوع زواجه من فريدة؟ هل ستتركه وتتجه نحو حياة أخرى، من دون أن تلتفت إلى ذكرياتهم الجميلة؟ هل سيأتي اليوم الذي يبتعد فيه عنها، بكل ما تحمله من عشق وهوس؟ تجمعت تلك الأفكار كالعواصف في رأسه، تكاد تعصف به، حتى سمع صوتها يسأله بقلق:
"أنت سكت ليه يا سلطان؟ أوعى تكون بتفكر في واحدة غيري؟"
ابتلع ريقه بصعوبة، كمن يحاول تجاوز عقبة كبيرة، وتحدث بتلعثم واضح:
"ب بلاش جنان يا ترنيم وشغل عيال. أنتي عارفة أني بحبك أنتي، ومستحوذة على كل حاجة فيا حتى تفكيري."
ردت عليه بسرعة، وارتسمت في صوتها نغمة العاشقة، تحمل معها شغفاً وغيرة:
"وأنا مجنونة بيك يا سلطان! مش متخيل أنا ممكن أعمل إيه في أي واحدة تفكر بس تبصلك بصة زي البت الصفرا اللي كانت معاك من شويه. كنت ناوية أديها علقه، بس لما زعقتلي قدامها وجرحتني، سبتها".
ابتسم بغلب، لكن صوته كان مختنقاً، كمن ينفذ من الماء:
"وبسبب جنانك خسرت عميلة مهمة عندي، وده هيأثر على شغلي. بس أعمل إيه، بحبك يا غلب سلطان."
ثم تذكر ما قالته، فتحدث بغضب:
"بقى عايزاني أسيبك وكمان تقوليلي هيحصل وأمه قاعدة مع أمك وهتوافقي عليه؟ ده أنا هطلع ميتين أمك لما أشوفك."
ضحكاتها تعالت، وكأنها تمنح الحياة لبرودة الوضع:
"خليك رويح يا أبا رشدي. يعني، أنت عارف أنا مقدرش أعيش من غيرك. ده أنت كل الحياة يا سوسو! أنا قولت كده عشان استفزك لما زعقتلي قدام البت الصفرا دي."
ضغط على أسنانه بغضب:
"بطلي كلمة سوسو اللي بتقوليها ليا دي، بقى معلم، طول بعرض الناس كلها بتخاف منه يتقاله سوسو."
تحدثت بلهجة مازحة، وكأنها تتلاعب بمشاعره:
"أجمد معلم فيكي يا مجراه، بس معايا أنا قلبي وعيوني وكل ما ليا."
تنهد تنهيدة حارة، ثم تحدث بنفاذ صبر:
"يا بت، اتهدي الله يحرقك! أنا بنهار بسببك، مش قادر أتحمل دلعك ده."
تنحنحت بتوتر، ثم قالت بصوت مرتعش:
"طيب، وحياتي عندك يا سلطان، خليني أنزل الشغل. أنا عندي مرضى بتابعهم، متحطنيش في أول الطريق ولما امشي أول خطوة تمنعني من أن أكمله. بالله عليك، خليني أروح الشغل."
ضغط على أسنانه بغضب:
"وحياة أمك، ولما أنتي خايفة على شغلك كده وعايزة تنزليه، مفكرتيش فيه ليه لما عملتي اللي في شفايفك ده؟"
ردت بترجي:
"أنا لا أول واحدة تعمله ولا آخر واحدة. وشكله حلو وعجبني، مش ملفت زي ما أنت بتقول. لأن الناس متعودة تشوفه عادي، طيب ما البت الصفرا اللي كانت قاعدة معاك، شوفت عاملة في نفسها إيه، دي نفخة في كل حتة، والفيلر مخلي شفايفها مدلدلة، ومع ذلك كنت هتاكلها بعينيك."
كانت كلماتها تتدفق بوضوح، كما لو كانت تُدافع عن قرارها بكل ما تملك من قوة، تود أن تُظهر له أنها ليست وحدها في هذه التجربة، وأن النساء يمّرون بمثل هذه القرارات باستمرار، لكن عواطفها كانت أكثر عمقاً مما أدركه.
صرخة غاضبة خرجت منه، ثم قال بنفاذ صبر:
"اقفلي يا ترنيم، بدل ما أجي أكسر التليفون فوق دماغك. ربنا يصبرني عليكي."
نظرت إلى الهاتف بضيق، وقذفته بجوارها، وظلت تحرك قدميها بغيظ، وكأنها لا تستطيع أن تحمل هذا الضغط المتزايد. كانت تحاول جاهدة أن تتماسك، ولكن الضغوط اليومية والقرارات التي تعاني من عواقبها أحبطتها. في عمقها، كانت تسعى للبحث عن حل، شيء يساعدها على فهمه وفهم ذاتها في هذه اللحظة العصيبة.
***************************
مر يومين وظلت علاقة سلطان وترنيم متوترة، وكأن شبح الخلاف يحيط بهما في كل مكان. رغم اجتماعهما على نفس الطاولة في تلك الغرفة الضيقة التي احتوت على ذكريات جميلة، إلا أنهم لم يتحدثوا إطلاقاً مع بعض، مما جعل السكوت يثقل الأجواء. كانت نظرات الآخرين تنتقل بينهما، وكأنهم مشاهدون في عرض مسرحي ينتظرون النهاية، متوقعين ماذا سينتج من هذا الصمت السائد الذي يشي بحجم التوتر بينهما.
تكلمت وفاء بتساؤل وكأنها تحاول كسر الجمود الذي ساد:
“على ما أعتقد كده فيه فرح كمان أسبوعين، وإحنا ما شاء الله علينا، ولا جهزنا أي حاجة.”
فرغم الأجواء المتوترة، كانت وفاء دائماً تلك المراه التي تسعى لتخفيف الأجواء المتوترة بينهما، ودعمتها بعبارات تحمل الأمل في أن يتجاوزا خلافاتهما. بينما كانت تنظر إلى كليهما، بدا عليها القلق من أن تتأثر الأجواء بمزيد من الخلافات.
رد سلطان وهو يضع الطعام بفمه دون أن يلتفت، مما زاد من توتر اللحظة:
“أنا جهزت كل حاجة يا فوفة. خدي بنتك وانزلوا اختاروا فرش الشقة، والعمال هيشتغلوا في الشقة من بكرة.”
كانت كلماته تحمل بعض السلطة، وكأنه يحاول أن يفرض الأمر الواقع على الجميع، لكنه لم يكن يدرك أن هذا الأسلوب قد يزيد من عمق الفجوة بينه وبين ترنيم.
نظرت ترنيم له بضيق، وكأن أسئلة كثيرة تدور في ذهنها حول السبب وراء عدم اشتراكه معهم في هذه التجهيزات المهمة، وقالت بتساءل:
“وانت مش هتيجي معانا؟”
لم يكن هذا السؤال مجرد استفسار، بل كان تعبيراً عن رغبتها في أن يشعر أنها جزء من هذه الحياة الجديدة، وأنه يشاركها في كل خطوة.
رد عليها دون أن ينظر لها، وكانت كلماته مختصرة وصعبة، تحمل معها قسوة الواقع: “لا.”
تكلمت بتذمر، صوتها مختنق بالضغوطات: “وأنا كمان مش رايحة، ابقوا اختاروا انتوا لينا فرش شقتنا.”
كانت تلك الكلمات تحمل تحديًا داخلها، وكأنها تريد أن تثبت لنفسها أولاً، ثم له، أنها ليست مضطرة لقبول الوضع الحالي أو الاستسلام له. فکرها كان مشغولاً في طريقة للخروج من هذا المأزق، حتى لو كان ذلك يعني قطع السبل بينهما لفترة أطول.
نظر لها سلطان بغضب، مشاعر متشابكة تتلاعب داخل صدره، وقال:
“هو، إيه اللي مش رايحة؟ مش شقتك دي وفرشك؟ أنا إيه اللي يفهمني في شغل الحريم ده؟ أنا جهزت كل حاجة للفرح، وأنتي عليكي الشقة.”
كانت عباراته تنبض بالإحباط، وكأنه يحمل وزن العالم على كتفيه، بينما كانت ترنيم تنظر إليه بعيون متسائلة، باحثة عن مبررات أكثر من مجرد الكلمات الجافة التي قالها.
ردت عليه بغضب يشتعل:
“وأشمعنا هتسمحلي أنزل دلوقتي؟ أنت مش قولت رجلي متخطيش بره عتبة الباب؟”
كان صوتها يعلو، وحاجباها يلتقيان في تجاعيد توتر، حاولت جاهدة أن تفهم كيف يحق له أن يملي عليها ما تفعل بينما يتجاهل مشاعرها كلياً، وكأن يوم الفرح كان يتعلق به وحده، وليس بمشاعرها وأفكارها.
أغلق عينيه بغضب وطرق على الطاولة، صدى الضرب كان كالعاصفة التي تعصف برأسها، قائلاً بنفاذ صبر:
“بت أنتي بلاش عنادك ده. بدل ما أكسِر رقبتك، هتتزفتي وتروحي تختاري فرش شقتك معاهم، وهبعتلك الخياطة علشان تختاري فستانك وتاخد المقاسات، بس قسماً عظماً لو اخترتي حاجة مفتوحة ولا عريانة، لكون مطربق الفرح فوق دماغك. وعموماً، أنا كده كده موصي الخياطة توريكي فساتين مقفولة ومحترمة.”
وقفت بغضب شديد، قلبها يدق بشدة، وتكلمت بتذمر طفولي:
“بارد وغلس، وأنا بكرهك.”
كانت كلماتها تتدفق كالنهر الغاضب، بينما اتجهت إلى شقتهم، دافعة الأبواب بشيء من القوة، وكأنها تحتاج إلى مساحة للتنفيس عن إحباطها وتصميمها على عدم السماح له بالتحكم في اختياراتها.
رفعت وفاء عينيها بملل، وقد صارت شاهد عيان على هذه الجولة المحتدمة، وقالت:
“مش هنخلص من جنانكم انتوا الاتنين ده ولا إيه؟ أنتوا جيبتوا ليا المرارة والضغط، ما تزفتوا على دماغكم واتصالحوا بدل ما تسوحك يوم الفرح يا ابن أختي.”
إشارة منها إلى أن مثل هذه النزاعات لن تؤدي إلا إلى المزيد من التوتر، بينما كان سلطان ينفث ضحكة قصيرة، محاولاً أن يجد بعض المتعة في دراما عائلته.
ابتسم سلطان على كلمات وفاء، ضحكة مريرة تخرج من قلبه، وتكلم وهو يمضغ الطعام:
“لا متقلقيش يا فوفة، بنتك هتتجوز دكر، هعرف أنسيها زعلها.”
لكن في أعماقه، كان يعلم أن هذا لن يكون سهلاً، وأنه يحتاج إلى طريقة أكثر تعاطفاً لتخفيف حدة التوتر الذي تشهده العائلة.
ألقت الملعقة عليه، غير قادرة على تحمل تصرفاته، وقالت بنفاذ صبر:
“اسفوخس عليك قليل الأدب ووقح منك لله، يا صباح، يا أختي، معرفتيش تربية.”
تكلمت صباح بابتسامة:
“حاولت أربيه بس معرفتش.”
نظر لها بصدمة، معبراً عن عدم تصديقه لقولها، وقال بمزاح:
“حتى انتي يا صبوحة، المفروض تدافعي عن ابنك مش تيجي عليه.”
ردت عليه صباح بابتسامة مريحة:
“عايزني أكدب يا ابني، وأنا في السن ده!”
في هذه اللحظة، اختفت حدة التوتر وظهرت خيوط من الضحك.
تعالت ضحكات سميه في الغرفة، التي كانت تعج بالحب والمرح، وقالت بمرح:
“ماما جات تكحلها عمتها، كده اتنين واحد لماما وفوفة يا سلطان.”
استقام بجسده، وأخذ نفسًا عميقًا وتكلم بابتسامة عريضة:
“وادي آخرت اللي يعيش في بيت مع شوية مزز زيكم، يتاكلوا أكل.”
كان حضوره لطيفًا، مفعمًا بالنكات والحكايات، والحقيقة أنه كان يشعر بالفخر بوجوده وسط هذا الخليط من الشخصيات. وحده الإطار العائلي كان يجعل الأمور تسير بسلاسة، وكأنهم يجلسون في مسرح للعب، حيث كل واحد يلعب دوره بمهارة وإتقان.
ثم نظر إلى وفاء بطرف عينه، وأخذه شعور من الدفء يملأ قلبه، وقال:
“وبالذات بنتك يا فوفة.”
كان يشير إلى تصرفاتها المرحة والمجنونة التي دائمًا ما تجلب البهجة للحياة الأسرية. كانت وفاء تعبر بابتسامة عن فخرها، فقد كانت تدرك أن ابنتها تمتلك قدرة فريدة على إدخال البهجة إلى قلوب الجميع.
أنهى كلامه وتحرك سريعاً من أمامهم، متجهاً إلى غرفته، حيث امتلأت الغرفة بصدى ضحكاته التي تلاشت في الأفق. كان عالمه الخاص ممتلئا بالأفكار والأحلام، وهو يبحث عن كيفية التعامل مع مشاعره المتضاربة.
نظرت وفاء إلى أثر سلطان، تلك الشخصية المحبوبة في العائلة، وقالت بنبرة حنون:
“ربنا يفرح قلبك يا سلطان يا ابن أختي، ويهدي سركم إنت والمجنونة بنتي.”
كان دعاؤها بمثابة الأمل لتحقيق التناغم والسعادة للجميع. كانت تعلم أن الحب هو الذي يجعل كل شيء ممكنًا.
جلس سلطان على سريره وأمسك الهاتف الخاص به، محاطًا بالصمت الذي خيم على المكان، وأجرى اتصالاً، منتظراً الرد. وبعد عدة ثوانٍ مرت كالعمر، سمع صوت ترنيم الغاضب تقول:
“أفندم، عايز إيه؟”
تكلم بنبرة هادئة، محاولاً كبح نفسه:
“تعالي اوضي، عايزك.”
كانت عباراته تحمل مزيجًا من الصرامة والمودة، في محاولة لاستدعاء روح التعاون.
ردت عليه بضيق:
“لا مش جاية، وملكش دعوة بيا.”
كانت تشعر بالخذلان والغضب، وكأنها ترفض الاستجابة لما يعتبره دعوة ملحة للمساعدة.
زفر بضيق، مشبعًا بنفاد صبره، وقال بصوت مختنق:
“ترنيم، اسمعي الكلام وبلاش عناد، تعالي عايزك.”
كانت كلماته تتسم بالنغمة التي تحتوي على القلق، محاولًا إقناعها بأن هناك شيئًا مهمًا يحتاج لمشاركتها. كان يعرف أن كل تصرفاتها قد تؤدي إلى تصاعد المشاعر.
أغلق الخط وجلس ينتظرها، وبالفعل ظهرت أمامه بوجه متجهم، بدت كأنها مرت على حقل من الألغام، حيث عقدت ذراعيها على صدرها، وتكلمت بصوت مختنق:
“نعم، عايز إيه؟”
كانت عاصفة من المشاعر في عينيها.
رد عليها بنبرة هادئة، محاولًا تهدئة الأجواء وخلق مساحة للتفاهم:
“اقفلي الباب وتعالي.”
أغلقت الباب بحذر، وتحركت نحو السرير وجلست بضيق، وظلت صامتة وكأنها تحاول تنظيم أفكارها. احتضنها بقوة، يريد أن يوصل إليها الشعور بالحب والاهتمام، وتكلم بأسف:
“حقك على قلبي يا بنت قلبي، ميهونش عليا زعلك، بس انتي اللي بتخليني اتعصب وأفقد أعصابي، من عمايلك المجنونة والطقة اللي بتعمليها دي.”
كانت كلماته تتنقل بينها وبين أحاسيسه، حيث يُظهر حساسية الموقف لمشاعرها.
تكلمت بصوت مختنق، وكأن الكلمات تنفجر من محبسها:
“يا سلطان أنا بحب التجارب، بحب أجدد، وعملت حاجة كانت في نفسي، أنت اللي كبرت الموضوع ومنعتني أنزل الشغل ومخاصمني من وقتها.”
في عينيها طيف من الحماس الذي خفت بسبب القيود التي فرضها عليها. كانت تصارع بين رغبتها في التواصل ورغبتها في الحرية، مستغلة كل فرصة لشرح موقفها.
زفر بضيق وحرك أصابعها على شفتيها وتكلم بنبرة مغوية:
“طب قوليلي، هستحمل حد يشوف دول كده ازاي؟ ده أنا مانع نفسي عنهم بالعافية، ولو حد فكر يبصلك بصة صغيرة، حتى أمحيه من على وش الأرض.”
كانت كلماته تخرج بلهجة مُختلطة من الغضب والغيرة، مما جعل قلبها ينبض أسرع. في كل مرة يتحدث فيها عنها، كانت تشعر كما لو أنه يحتمي بها، يمتلكها في عالمه الخاص، ويمنع الآخرين من الاقتراب.
تكلمت بتلعثم بعدما آثارها حركات أصابعه على شفتيها:
“ص صدقني، م محدش يقدر يبصلي، ده أنا تربيتك أنت يا سلطان، ويوم ما ده يحصل، أخزق عيونهم.”
كانت تعبيراتها مليئة بالثقة، وكأنها تتحدى أي شخص يجرؤ على الاقتراب منها. كانت تعرف جيدًا أن سلطان هو الحارس الذي يحميها، وبدون أدنى شك، سيقاتل من أجلها مهما كانت العواقب. تلك اللحظة كانت تحوي سحرًا خاصًا، كأنه اجتمع فيهما كل مشاعر الحب والغيرة والإنتماء.
تنهد بمشاعر مختلطة وتكلم بأنفاس متقطعة:
“عموماً، دكتور عصام كلمني النهاردة وكان زعلان علشان لتاني مرة تنقطعي عن العمل، وقال كده فيه مسألة قانونية عليكي، بس مش هيعمل كده علشان خاطري، وأنا فهمته أن المرادي الغلط عندي، ووعده أن هنزلك الشغل تاني من بكرة.”
كان يدرك أنه يجب أن يكون أكثر حرصًا في المستقبل، وأن يحمي روحها بأكثر الطرق فعالية. في ذات الوقت، كان يشعر بتلك المسؤولية التي تُثقل كاهله؛ لأنه كان يعرف أنها كانت قد خذلتها ظروفها، ووجوده بجانبها مطلب ضروري.
استقامت بجسدها وقفزت بفرحة مثل الأطفال:
“الله عليك يا أحلى سلطان في الدنيا.”
كان فرحها كفيلًا بإزالة تلك الغمامة من قلوبهم، ومع كل قفزة، كانت تتراقص أمامه سعادة وكأنها تُمسك بحلم قد تحقق. هذه اللحظة كانت بمثابة وعد جديد، وعد بحياة مشتركة ملؤها التحديات، لكن أيضًا بالأمل والحب الذي لا يموت.
أمسك يدها برفق لكنه أرغمها على الجلوس أمامه، عينيه تحرقهما مشاعر القلق والغضب، والكلمات خرجت من بين شفتيه وكأنها طلقات من بندقية محملة:
“بس لو عملتي أي حاجة مجنونة وطقة من ورايا ومن غير ما تقوليلي، هقصف عمرك، فاااهمة؟”
كانت جملته تحمل في طياتها قلقه العميق على سلامتها، وحاجته الملحة لحمايتها، وكأن هؤلاء الكلمات كانت تحذيراً يتعلق بحياتها وحياته معاً.
اقتربت منه بحذر، ووضعت رأسها على صدرة بإحساس عاشق محتاج للراحة، شعرت بمدى توتره، وتحدثت بنبرة تحمل أسراً لا يفهمه سواه:
“فاهمة يا قلب وروح وعمر ترنيم.”
أردات أن تُهدِّئ من روعه، تملكها شعور ساحر بأنها الصوت الذي يُعيد صدى قلبه المشتعل.
تعالت أنفاسه، وكأنه مختنق بكثير من المشاعر، وتكلم بنبرة متلعثمة، كمن يحاول السير فوق حافة الهاوية:
“خ خلاص بقى، روحي يلا أوضك، أنا حبيت أصلحك وأقولك خبر رجوعك للشغل من تاني.”
كان هذا الخبر لوهلةً يوازي عالمًا من الفرح بالنسبة لها، ولكنه حمل أيضاً عبئًا من المخاوف التي تجلبها الحياة العملية.
رفعت رأسها إلى الأعلى ونظرت له بأعين عاشقة مليئة بالشوق:
“خليني قاعدة معاك شوية، أنت وحشتني أوي يا سلطان. يومين بحالهم مش بتكلمني ولا بتقعد معايا، أنا كنت هتجنن، كان نفسي أجري عليك وأترمي في حضنك وأمسك فيك وأقولك قد إيه أنت وحشتني.”
في تلك اللحظة، اشتعلت المشاعر ورجعت ذكرى كل لحظة فرح وعدد من المهمات الصغيرة التي كانت تجمعهما، مما زاد من عمق الصلة بينهما.
ابتلع ريقه بصعوبة وهو ينظر إلى شفتيها، وتكلم بكلمات متقطعة، كمن يكشف عن أسرار خفية:
“ترنيم، روحي أوضك دلوقتي، هقعد معاكي بعدين، مينفعش دلوقتي خالص.”
اعتدلت في جلستها وتكلمت باستغراب، صوتها يمسح جدران الحزن في قلبه:
“ليه يا سلطان مش دلوقتي؟ بقولك واحشني.”
كلماتها كانت كحبات مطر في صيف جاف، تشعره بالحاجة الملحة إلى التفكير في ما هو أبعد من اللحظة التي يعيشها.
نظر إلى الاتجاه الآخر وكلمات اعتذاره كانت تعلو صوت تلعثمه:
“ك كده يا ترنيم، روحي بقى.”
أخذ نفسًا عميقًا، لكن قلبه كان يتلاشى تحت وطأة شعوره من أن وجودها بجانبه قد يكون خطرًا عليها، في ظل ظلال مشاعر غامضة تسيطر عليه.
وضعت رأسها على صدره مرة أخرى، وتشبثت به كأنها تبحث عن الأمان وسط الفوضى:
“بس أنا مش جيلي نوم. وعلى فكرة، بقى لو مكنتش أنت اتصلت بيا علشان أجي، كنت هجيلك لوحدي، وبعدين أنا عايزة أتكلم معاك في حاجات تخص فرحنا.”
أمسكها من ذراعها بنبرة متوترة:
“يا ترنيم، افهمي، أنا دلوقتي في حالة ضعف. وجودك دلوقتي معايا خطر عليكي. مش عارف إيه السبب، بس حاسس بحاجة غريبة بتحصل ليا.”
كلماته كانت كنداء استغاثة، تعكس عبء الحاجة إلى الحماية، ولكن أيضًا الحاجة الملحة للاحتفاظ بها بالقرب.
نظرت له بنظرات عدم الفهم، وكأنها تبحث عن إجابات لألغاز لا تعرف كيف تحلها:
“أنا مش فاهمة حاجة يا سلطان، أنت تقصد إيه؟”
نهض بغضب وأمسكها من ذراعها، وفتح الباب وألقاها إلى الخارج، ثم أغلقه سريعاً، كأنه يحبس كل مشاعره المتناقضة خلف ذلك الباب. كان قلبه ينفجر من الغضب والإحباط، والسبب كان أكثر تعقيداً مما يبدو. نزع ملابسه بسرعة، وكأنه يحاول أن يتخلص من تلك الطبقات التي تعيق عنه رؤية الحقيقة. دلف إلى المرحاض، ووقف تحت الماء البارد، محاولاً أن يهدئ النار المتاججة داخله. لكن تلك النار بدت أقوى من أي وقت مضى، تأكل في أنفاسه وتردده في الكلمات. خرج بعد فترة، ارتدى ملابسه بشكل غير مبالٍ، وخرج مسرعاً من غرفته، وكأن الساعات المتلاحقة تلاحقه بلا رحمة.
هبط إلى الشارع، عينيه ترقبان السيارات وهي تسير بجانبه. صعد سيارته وتحرك بها مسرعاً، خلال خيالاته التي تقفز بين واقع مرير وطموحات كانت موجودة ذات يوم. بعد وقت، وقف أسفل العقار المتواجد به شقة فريدة، محاولاً ترويض أفكاره المتقلبة. صعد إلى الأعلى، دلف إلى الداخل، وكانت من حسن الحظ أن ابنته نائمة بغرفتها، وذلك أعطى له بعض الهدوء، كأنه يشعر بأن هناك شيئاً ما لا زال يستحق الحماية. وجد فريدة متمددة على فراشها، تعبث بهاتفها بدون اهتمام، وكأنها تحاول الهرب من شيء. وعندما رأته أمامها، انتفضت مكانها ونظرت له بعدم فهم، كان وجهها مليئاً بالقلق:
“سلطان!! أنت مالك، شكلك عامل كده؟”
نزع ملابسه، ودون أن يتكلم معها، اقترب منها وكأن الكلمات لم تعد تجدي نفعاً. بعد وقت، جلس على حافة سريره، يضع رأسه بين يديه، محاولاً فهم ما حدث له، وكأن حالته النفسية كانت متاهة لا نهاية لها. تذكر أنه تناول قهوته، ثم صعد لتناول الطعام، وبعد ذلك شعر بتلك النشوة. كان تلك النشوة حلاً مؤقتاً لشعور الفقد والضعف الذي يعتريه، ثم نظر أمامه، حيث لمعت ذاكرتُه بصورة أحد الشباب له بكراهية شديدة، والآن فهم الأمر بوضوح. لقد وضع له منشط مما جعله في تلك الحالة الراكضة بين العواطف المتضاربة. لكنه حمد ربه أنه استطاع حماية ترنيم من تلك المشاعر التي اجتاحته ولم يؤذيها، وكأنها كانت الملاذ الوحيد الذي منع انهياره.
سمع صوت شهقات خلفه. استدار لفريدة ونظر لها باستغراب، وكأن ألمها كان ينفجر بصمت في قلبه، وقال بتساؤل:
“مالك، بتعيطي ليه؟”
تكلمت من بين شهقاتها وبصوت مختنق: “هو خلاص انا بقيت بالنسبالك كده وبس واحدة رخيصة. وقت ما يهفك الشوق لكده تيجي تخلص وتمشي من غير ما حتى تعبرني بكلمة. ده أنت من آخر مرة كنت عندي واتصلوا بيك ومشيت، مهنش عليك ترفع سماعة التليفون تسأل على بنتك وعليا. أنا تعبت من العيشة دي يا سلطان.”
تنهد بضيق ونظر لها بتوتر، عينيه تتفحص وجهها الذي يسكنه التعب والألم، وكأن كل كلمة ينطق بها قد تسهم في تفاقم جراحها:
“فريدة، أنا مش هقدر أبعد عن ترنيم. فرحنا في ميعاده، ولا أنا ولا هي هنقدر نبعد عن بعض.”
كانت هذه الكلمات بمثابة قنبلة موقوتة، جوهرها المعقد يعكس الصراعات الإنسانية الداخلية التي يعيشها. كان يشعر بالضياع بين التزاماته وعواطفه، ولكنه لم يستطع رؤية مدى تأثير تلك الكلمات عليها.
تعالت شهقاتها، صوتها مختنق وكأنها تحاول تقبل حقيقة مرعبة:
“طيب وأنا وبنتك هيكون إيه وضعنا؟”
كان السؤال ينضح بالألم والخيبة، وكأن ما تبقى من آمالها يتفكك أمام نظرها. كيف يمكن للمرء أن يكون ضحية لخيارات غير عادلة، وأن يتقبل واقعاً يفرض عليه العيش في الظل بينما يمضي الآخر في حياته الطبيعية؟ ساد الصمت لحظة، ولكن صدى السؤال استمر في التحرك بين جدران الغرفة.
أجابها بتوضيح، لكن صوته افتقد العاطفة:
“زي ما إحنا يا فريدة. احنا بقالنا سبع سنين متجوزين، بجيلك على أن أنا مسافر، وهيكون ده نفس النظام بعد جوازي من ترنيم.”
تشتتت أفكاره، وبدت كلماته كأنها تدور في حلقة مفرغة من التبريرات، بينما كانت هي تضع حياتها بكاملها تحت المجهر. كيف يمكن أن تُفهم العلاقة على أنها تعاقد بلا مشاعر، خالية من الالتزام الحقيقي؟ لم تستطع أن تتقبل فكرة وجودها كظلال تتبع الضوء دون أن تكون لها قيمة.
حركت رأسها بالرفض، ودموعها تنهمر كالسيل، لتكون دليلاً على الخذلان:
“أنت أناني أوي يا سلطان. عايز كل حاجة ليك ومتخسرش حاجة، أما الباقي مش مهم. إيه إحساسه، آخر همك شعور الناس، المهم ترضي نفسك وغرورك.”
كانت تسكب شعورها بالخيبة، وكأن كل كلمة تخرج من فمها كانت تصرخ: أريد أن أكون مرئية، أريد أن أحظى بالتقدير.
تكلم بغضب، بدت له الكلمات كرماح مصوبة إلى قلبه:
“بلاش تعيشي دور الضحية يا فريدة. من أول لحظة، وأنتى عارفة أن قلبي مش ليكي. ومع ذلك، قبلتي بكده، واخديني منها.”
كل كلمة كانت كالصاعقة، تعكس فشله في إدراك مشاعرها. لكنه أيضاً كان يسعى لتخليص نفسه من الشعور بالذنب. كيف يمكن له أن يتحمل عبءِ هاتين المرأتين، بينما هو يتسم بقدر من الضعف؟
تكلمت بصراخ، صوتها يعكس أعماق جروحها:
“علشان بحبك، قبلت بالذل، وأن واحده تشاركني فيك. علشان بحبك وكان حلم حياتي أبقى مراتك وأفضل جنبك. ضحية بحاجات كتير أوي علشان خاطرك. وأنت للأسف مقدمتش ليا ولا حاجة، عايش علشان تاخد وبس. وكل ما أتكلم، تقولي الكلمتين دول كأنك بتعايرني بحبي ليك. بلاش تيجي على قلبي وتدوس عليه أكتر من كده، علشان صدقني كتر الوجع بيخرج أسوأ ما في الإنسان يا سلطان.”
كانت كلماتها تتدفق وكأنها نهر من الألم، يحكي قصة حب لم تكتمل بسبب أنانية غير مبررة. كانت تمنح نفسها للآخر، بينما هي تجني الحسرات.
استقام بجسده، وبدت له الكلمات كأنها تأتي من عالم آخر، ولكنه كان في معزل عن مشاعرها، نظر لها بعدم اهتمام:
“وأنا مش بتهددت يا فريدة ولا هخاف منك. واللي عندي قولته ليكي، أنا هتجوز ترنيم. قابلة بالوضع ده، أهلا وسهلا، مش قابلة الباب يفوت جمل. بس بنتك، تنسيها بنت سلطان الدسوقي، متبعدش عن حضنه، فاااهمة.”
كانت لهجته قاسية، تعكس تحديًا مغلفًا بعدم الاكتراث بالمشاعر المتضاربة التي تعج بها تلك اللحظة. ولكن هل كان ذلك هو ما أراده حقًا؟ أم كان يحاول فقط الهروب من مواجهة الحقيقة الآسرة؟
ابتسمت بتهكم وقالت بصوت مختنق:
“ده على أساس أنها في حضنك دلوقتي. بلاش تعيش الدور يا سلطان.”
كانت تنظر إليه بعينين مليئتين بالاستنكار، وكأنها تُريد أن تقنع نفسها بأنه ليس لديه سيطرة على مشاعره.
“وشكراً على الليلة الجميلة اللي قضيتها معايا. صحيح كانت مفاجأة، بس أحسن من مافيش خالص.”
نظر لها بعدم اهتمام، كأنه قد ارتدى عباءة الصمود، واتجه إلى المرحاض. لكن عينيها لم تخفتي؛ نظرت إلى أثره بتوعد وقالت:
“أنت اللي اخترت، استحمل بقي يا سلطان.”
الكلمات خرجت من فمها كالسيوف، تعكس قوة مشاعرها الواضحة. لم يكن الأمر مجرد تهديد، بل كانت تعبيرًا عن إرادتها القوية، وكلامها كان بمثابة إعلان عن الاستعداد لمواجهة عواقب خياراتهما. كانت تريد أن يكون واضحًا أمامها أنه لن يمتلك ترف تجاهل ما يحدث، لأنه هو من اختار أن يكون في تلك اللعبة المعقدة بينهم.
باليوم التالي...
خرج سلطان من غرفته وجلس على الأريكة بجوار والدته، وعيناه تتخبطان بين القلق والغضب. نظر إلى سميه، وأخرج الكلمات بصوت مختنق كان يحمل الكثير من المشاعر:
"روحي قولي لترنيم تجهز علشان أوصلها الشغل."
تنحنحت بتوتر، رافقت نظرتها بقلق إلى والدتها، وكأنها كانت تستمد منها القوة، ثم قالت بصوت خافت:
"ت ترنيم نزلت اصلا يا سلطان."
انقبضت عينا سلطان بغضب وكلماته خرجت من بين أسنانه كالرصاص:
"اااه البت دي ناويه تجيب اجلي، أعمل فى أمها أيه دلوقتي؟"
كانت نبرته تشير إلى اضطراب عميق في داخله، كأنه كان يتوقع الأسوأ ويأسف على ما قد يحدث بينهما. في خضم القلق الذي يرافقه، تخيل كيف أن تصرفاتها قد تدفعه إلى اتخاذ قرارات متهورة.
تحدثت صباح بسرعة، وكأنها تحاول تهدئة العاصفة:
"اهدا يا ابنى وطول بالك ما أنت عارف ترنيم دمغها طقه، بكره تتجوزوا وربنا يرزقكم بحتة عيل وتبقى ام وتعقل."
بكلماتها كانت ترغب في توضيح الأمور لسلطان، محذرة إياه من الاندفاع، حيث كان السعي نحو الاستقرار يمثل أحد أحلامهم المشتركة.
وضع سلطان يده على وجهه، وصوته كان مختنقاً بالتوتر:
"هي عارفه أن بحبها ومقدرش اقسى عليها علشان كده سايقه فيها."
أمضى بضع لحظات في التفكير في ما كان يجمعهم، مشاعر الحب المتبادلة والتحديات التي فرضها الواقع، كأنه يشعر بأن كل شيء كان على المحك.
استقام بجسده فجأة، عازماً على الخروج:
"هنزل اشوف شغلي، وحسابها معايا لما ترجع."
كانت لهجة قراره تعبر عن الحاجة القوية لأخذ زمام الأمور، كأنه كان يسعى إلى وضع حد لهذه الفوضى التي يواجهها في حياته، معتقدًا أن انشغاله بالعمل قد يساعده على تبديد مشاعر القلق والشعور بالنجاح في شيء آخر.
اتجه إلى الباب وخرج منه، وهبط إلى الأسفل بسرعة. دخل المقهى ورفع صوته الجهوري:
"ولا شلاطه تعالى عندي بسرعه."
كانت دقات قلبه تتسارع، وفي تلك اللحظة، كان تركيزه على معرفة الحقيقة يسيطر عليه تماما.
جاء يركض نحوه، وعلى وجهه مزيج من الفضول والخوف:
"أومر يا سيد المعلمين."
أمسكه سلطان من تلابيبه بعنف، وصوته كان كالرعد:
"كان محطوط ايه امبارح في القهوة."
أجاب الشاب بخوف شديد وبتلعثم، كأنه يواجه مصيراً لا يعرف عواقبه:
"ها...و والله ما كان فيها حاجه يا معلم سلطان، أنا عملتها ليك زي ما بعملها على طول."
كان يتحدث وكأنه يحاول إقناع سلطان بأن كل شيء كان على ما يرام، وللخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه.
ضغط سلطان على أسنانه، وعيناه تتألقان بنبرة حذرة:
"القهوة كان محطوط فيها حاجه امبارح، انطق لطلع روحك بأيدي."
كانت هذه الكلمات بمثابة تهديد واضح ومباشر، خاف منه الشاب، محاولا التفكير في كيفية إنقاذ نفسه.
تكلم الشاب بتوتر:
"والله العظيم ما حطيت حاجه بس حصل موقف امبارح معرفش ليه علاقة ولا لا؟ واحد شاب كده دخل وطلب مني ازازة ميه. ولما اديته واحده من التلاجه، قالي لا، عايزها باردة. جيت اديلوا من الموجودين بره، رفض وقالي عايز من اللي في المخزن علشان تكون مضمونه وكده. نفذت طلبه وسيبت القهوة محطوطه مكانها وروحت اجيب ليه اللي عايزه، بس لما رجعت مكانش واقف، جبت القهوة ليك يا سيد المعلمين ورجعت اشوف شغلي."
كان يتحدث بسرعة، كأنه يريد أن يحرر نفسه من أي شبهة بشأن ما حدث.
دفعه سلطان بقوة بعيد عنه، وصوته غاضباً كأنه لا يفقه سوى الحقيقة:
"الكاميرا جابته."
حرك الشاب رأسه بالنفي، وكأن النفي هو ملاذه:
"لا يا معلم الكاميرا في الصيانه بقالها يومين."
لديه رغبة ملحة في إقناع سلطان أنه لا يوجد أي دليل يدينه، بينما كان يزداد إحساسه بالخوف.
أومأ سلطان برأسه ببطء، وعقله يدور حول الوصول إلى الحقيقة:
"غور من وشي وهاتلي الشيشيه والقهوة بتاعتي."
كان صوته يحمل نبرة من الحسم، وكأنه يدرك أن الحقائق الغامضة التي تسكن في ظلال القهوة ستظهر قريباً.
أنهى كلامه، ونظر أمامه بتوعد واضح لمعرفة الحقيقة.
************************
بعدما وصلت ترنيم إلى المشفى وبدلت ملابسها، اتجهت لأداء عملها بجد، لكن عقلها كان مشغولًا بما فعله سلطان معها بالأمس. ذكريات تلك اللحظة تجلّت أمام عينيها. زفرت بضيق، واتجهت نحو غرفة غريب ضرغام، لكن الحرس أوقفها. بدت مستاءة بعض الشيء لأن حياتها العملية ستتعطل بسبب حواجز غير متوقعة. رفعت عينيها بملل وتحدثت بنفاذ صبر،
"يا ابني، أنت حافظ مش فاهم ما قالك دكتور عصام إن أنا دكتورة هنا وساعدته في عملية المختل اللي جوه ده."
اتسعت عين الحارس بصدمة كما لو أنه لم يتوقع أن تتحدث بهذه الثقة، فأخرج سلاحه وتحدث بنفاذ صبر،
"أنتي عارفة لو ممشتيش من هنا حالاً على طولة لسانك دي هفرغ سلاحي فيكي."
كلمات الحارس كانت كالرصاصة، إلا أن ترنيم أبدت شجاعة قوية في مواجهته.
عقدت ذراعيها على صدرها وقالت بعدم مبالاة،
"ولا تقدر، وبلاش الشويتين دول علشان أنت كده بتتعرض لموظف أثناء تأدية عمله. مش فاهمة معناها إيه بس بسمعهم بيقولوا كده في الأفلام والمسلسلات، فقلت أقولها لك يمكن تنفع في موقفنا ده."
وضع يده على وجهه وتحدث من بين أسنانه،
"أنتي عبيطة يا بت، أنا شاكك إنك مش دكتورة والله."
ردت عليه بتهكم،
"لا، مش دكتورة، شغالة بلقط رزقي في المكان ده! يا عم وسع بقى، ده أنت رخم شبه اللي شغال عنده."
كان الحوار يتصاعد بمشاعر متناقضة، من استهتار إلى غضب، وكأنهما يلعبان لعبة خطر.
ابتسم بنفاذ صبر وقال،
"مش عارف أعمل فيكي إيه. أموتك ولا أكتفك وأكتم بؤق اللي مش بيفصل ده، ولا أعمل إيه بالظبط؟"
حركت رأسها بالنفي وقالت،
"لا ده ولا ده. توسع من قدام الباب وتخليني أدخل أشوف شغلي، سَهلة أهي، مش محتاجة."
الغريب أنه ابتسم على كلماتها وقال،
"فعلاً، شكلك مشكله. عموماً، اتفضلي، كده كده فيه دكتور جوه زميلك بيكشف عليه."
ابتسمت له وقالت:
"تشكر يا ذوق يا محترم، ربنا ينفخهم عندك كمان وكمان."
كانت تعبر بتلقائية عن امتنانها، وفي عينيها لمعة من التحدي والجرأة. انتهت من كلامها وفتحت الباب، لكنها تفاجأت برؤية أحدهم يضع شيئًا في المحلول الطبي. نظرت له باستغراب، وقالت بتساءل:
"حضرتك بتعمل إيه؟ أنت دكتور شغال معانا هنا."
ارتبك الرجل وهو يضع الكمامة على نصف وجهه وأومأ برأسه لها بطريقة تجعلها تشعر بأن هناك شيئًا غير عادي يحدث.
شعرت بشيء غريب يتسلل إلى قلبها، كأن هناك خيوط مشدودة تكاد تنقطع. اقتربت منه وأمسكت ما يضعه، وعندما نظرت إلى المادة التي كان يسكبها بصدمة قالت:
"المادة دي مميتة، أنت مين؟ انطق."
كان الهواء في الغرفة ثقيلًا، وأخذ الرجل يضع سلاحًا من جيبه ووجهه نحو ترنيم، في لحظة عابرة بينما كان الخطر يلوح في الأفق. وقبل أن يصيبها، نهض غريب من على سريره، وأمسك به، محاولًا إنقاذ الموقف. لكن الرجل دفعه بقوة، مما تسبب في نزيف.جرحه، وصرخ في ألم. خرجت ترنيم سريعًا، وعقلها يتسابق، وأبلغت الحرس، الذين جاءوا مسرعين وأمسكوا بهذا الرجل الغريب بينما كانت تنظر بادئ الأمر بكثير من القلق.
اقتربت ترنيم منه ونظرت إلى الجروح، وجدتها تنزف بلا هوادة، وكأن كل عرق في جسده كان يشكو من شدة الوجع. ساعدته على النهوض من الأرض، وأحست بقلق متزايد يلف قلبها، وضعته على السرير وبدأت تضمد جرحه مرة أخرى، محاطة بجو من التوتر المتصاعد.
نظر في الاتجاه الآخر وتحدث بصوت جاد: "كفاية، تقدري تخرجي من الأوضة."
لم تستطع كبح كلماتها، وتكلمت بنفاذ صبر:
"أهي مقوحتك دي كانت هتوديك في أبو بلاش. لو مكنتش دخلت في الوقت المناسب، كان زمانك مفلسع."
نظر لها باستغراب من طريقة كلامها، وكأن هذه الكلمات كانت بمثابة لغز بالنسبة له، وقال:
"أنتي بتقولي إيه، أنا مش فاهم منك ولا كلمة."
ردت عليه بمزاح، تحاول تخفيف حدة الموقف،
"ولا أنا، وحياتك، المشكلة مش فيك ولا فيا، يا أبو رحاب، المشكلة في جيل بحاله."
ظل ينظر لها باستغراب وهو يشعر بتيه بين الكلام والحدث الدرامي. تكلم بتساءل:
"أنتي بتتكلمي كلام زينا عادي كده؟"
حركت رأسها بالرفض وقالت:
"لا، بتكلم لغة السح الدح أمبو."
فتح فمه باستغراب وقال:
"نعم!"
تعالت ضحكاتها كأنها تتأمل عدم فهمه الفكاهي في خضم التوتر، وقالت:
"خليك رويح يا أبا رشدي، بهزر معاك."
حرك رأسه بغضب، لكن بداخله شيء من التسلية، وقال:
"اطلعي بره."
تنحنحت بإحراج، لكن لم تنجح في كبت الابتسامة، وقالت:
"دي إيه الكسافة دي! عموماً أنا خلصت وصلحتك، لو فيه أي عطل، اتصل على زيرو تلت سبعات."
أنهت كلامها وخرجت من عنده، مغادرة المكان بسرعة لكنها لم تفوت الفرصة لإلقاء نظرة خاطفة على الحارس الذي كان يقف عند الباب. نظرت إليه بحدّة وقالت:
"واقف ونافخ ليا عضلاتك وعمال تتخن عليا صوتك وأنت اتغفلت، أحسن تغفيلة، شوف شغلك كويس بقى، هعلم فيكم لحد إمتى."
أضافت هذه الكلمات بنبرة حادة، مع ابتسامة مشاكسة على وجهها، مظهرةً مزيجاً من الفخر والجرأة. خرجت من المكان وهي تشعر بأنها قد تركت انطباعاً لن يُنسى. برغم من لهجتها الحادة، كانت تعتقد أنها ستعيد ترتيب الأمور في ذلك المكان الشاسع. تعالت ضحكات الحرس على كلماتها، بينما تبادلوا نظرات فيما بينهم، وكان الضحك يعكس مزيجاً من الإعجاب والدهشة بجرأتها. وقفوا يتابعون أعمالهم بينما استمر الحديث بينهم، يتبادلون القصص عن مواقف هذا الفتاة المليئة بالطاقة، كانت روحها المغامرة تجذب الانتباه، فلم يفكر أحد في إهانتها أو التقليل من شأن قدرتها على السيطرة على المواقف.