رواية تؤام روح الفصل الحادى عشر 11 بقلم يارا سمير

 

رواية تؤام روح الفصل الحادى عشر بقلم يارا سمير

بالفعل تحرك زين متجهه الى السوبر ماركت  وجلست مريم على الكرسي امام العمارة .. واثناء جلوسها رأت سيارة تقف امام العمارة .. نظرت نحوها للحظات حتى شاهدت فتاة تغادرها وكانت تشبه على ملامحها .. توجهت الفتاة الاتجاه الاخر ونزل السائق كرسي متحرك وبمساعدته اجلس سيدة مسنة كانت معاها .. ركزت مريم فى السيدة المسنة والفتاة وعيناها تفتحا من المفاجاة وقالت :
_ ملك .. معقول .

 تحركت من مكانها اتجاه ملك ووالدتها وبنبرة سعادة :
_ ملوووكه .. انا مش مصدقة 
 نظرت اليها ملك للحظات  وابتسمت وقالت :
_ ميما ..
تبادلا الاحضان  وقالت مريم :
_ بجد ايه المفاجاة الجميلة دي 
 ابتسمت ملك وقالت :
_ وحشتيني يا ميما  كلكم وحشتوني .
نظرت مريم الى والدة ملك :
_  عاملة ايه يا طنط .
_ اجابتها :
_ الحمدلله يا حبيببتي .. انتى عامله ايه وماما وبابا ومحمود وسوسن وكريم والواد الشقي زين .
 اجابتها مريم ب ابتسامة :
_ كلهم بخير .. هيفرحوا جدًا انكم هنا  .. زين جاى هناك اهو .
 زين عائد الى المنزل يحمل في يده حقيبة الحلويات ويتمتم قائلًا :
_ كل دي نقنقة فعلًا فيل صغير عايش معانا 
لوح بنظرة اتجاه مدخل البناية لمريم  شاهدها تقف مع اشخاص غير واضح معالمهم من ظهرهم.. تقدم بخطوات سريعة  وكلما اقترب اتضح ملامحهم وقال بصوت متفاجئ :
_ ملك... معقولة 
 التفت ملك لصوت زين وابتسمت وقالت :
_ زيزو.. ازيك ؟
_ الحمدلله  حمدلله على السلامة ( نظر الى والدتها ) حمدلله على السلامة يا طنط نورتوا اسكندرية بجد .
 اجابت والدة ملك:
_ منوره ب اصحابها يا حبيبي .
غادرت السيارة  وحمل  زين ومريم الحقائب لداخل البناية وساعد ملك في تحريك الكرسي المتحرك بوالدتها للداخل .. فتحت ملك باب الشقة ببطء.. اندفعت رائحة الغبار  فكانت مغلقة لسنوات .. الظلام ملأ أركان الشقة والاثاث مغطى بالملاءات البيضاء والارضية كانت مغطاة بطبقة سميكة من التراب .. وقفت ملك فى وسط الشقة تنظر حولها بشعور من الحنين والرهبة .. تحدث مريم :
_  الشقة محتاجة تتنضف  اوي ..هتقعدوا ازاى فيها كدا .
 قالت ملك:
_ هنتصرف .. هنضف اوضة وهبقى اعمل الشقة على مهلي واحدة واحدة .
_ ولغاية ما تعمليها هتفضلي انتى وطنط قاعده فيها ؟
 ابتسمت ملك:
_ اكيد يعني هروح فين ؟
 قالت ب اصرار :
_ انتوا تيجوا عندنا  لغاية ما انا وزيزو هنخلصها بسرعة وتتهوى من التراب .
 قالت والدة ملك:
_ يا حبيببتي بلاش ازعاج لكم .
 تحدث زين :
_ لا مفيش ازعاج ولا حاجة .. انا هروح اقول لعم حسن  هو ومراته يعملوها معنا وانتم تقعدوا مع بعض سناء وسوسن هيفرحوا اوي ومنها تفتكروا الذكريات مع بعض .
 الح زين ومريم ورضخت ملك ووالدتها وبالفعل توجها الى منزل سناء .. رحبت سناء بهم بحرارة .. توجهت مريم مباشرة الى الحمام وفتحت الخزانة واخرجت أدوات التنضيف واحدة تلو الاخرى   دلو..ممسحة..قطع قماش.. منظفات معطرة وتعطيها لزين الذي يقف بجانبها .. حملوها بعناية وتوجها الى منزل ملك حيث كانت تنظرهم ومعها زوجة حارس البناية .. دخلوا جميعًا المنزل وهم يشمرون عن سواعدهم وبدأت ملك بفتح النوافذ لتهوية بينما قام زين بكنس الارض المغطاة بالغبار وبعده تقوم مريم برش المعطر والمنظفات وتمسح الارضيات مع زوجة حارس البناية .. كانوا يتحركون بنشاط كل منهم مشغول بمهمة مختلفة وعلى وجوههم مزيج من الجدية والضحك الخفيف .. استمرا فى تنظيف المنزل قرابة 6 ساعات متواصلة  .. تم تحويل المكان من مهجور ومظلم الى شقة بدأت تدب فيها الحياة من جديد ..

بعد ساعات من التنظيف المتواصل ظهرت عليهم التعب على وجوههم .. كانت ملابسهم مبللة ببقع الماء والغبار وايديهم مرهقة من العمل .. جلسوا فى منتصف الشقة على الأرض ينتظروا الطعام من الخارج.. عاد زين ويحمل في يديه علب الطعام من الخارج وتفوح منها رائحة ساخنة لذيزة .. فتحوا العب بشهية وبدأوا يتناولوا الطعام ببطء ورغم التعب والارهاق لم يمنعهم من الحديث وتبادل الضحكات بينهم ..تحدثت ملك:
_ بجد مش عارفه اقولكم ايه.. شكرا على تعبكم معايا .
 تحدثت مريم :
_ متقوليش كدا يا ملك احنا اخوات ولا ايه ؟
_ اكيد طبعًا .
 تحدث زين:
_ بس لو كنتى كلمتينا وعرفتينا انكم جايين كنا نظفنا الشقة وكانت هتكون فى انتظاركم فله .
 تحدثت ملك بنصف ابتسامة :
_ مكناش مخططين نرجع هنا بصراحة لكن ظروف حصلت ملقناش غير هنا نرجع .
قالت مريم:
_ المرادي بقى تقعدوا كتير انتم بقالكم 5 سنين مجتوش بقولك اهو مش أسبوع وتطيروا .
قالت ملك بتنهيدة :
_ لا المرادي اقامة مش زيارة ..
_ يعني مش هترجعى القاهرة خلاص .
_ لا خلاص شقتنا هناك بيعناها  وصحة ماما الدكاتره نصحونا تغير جو واكتر مكان بتحبه الشقة دى لانها بتفكرها بذكرياتها مع بابا واول ايام جوازها .. يعني خلاص هبقى في وشكم ليل نهار .
 قالت بمزاح ولكن ملامح وجهها كانت تقول شئ أخر .. تحدثت مريم :
_ دا احلى خبر سمعته انهاردة بجد .. العمارة هيبقى فيها حس كدا 
_  تحدث زين مازحًا :
_ الحمدلله يارب .. اخيرًا حد هيشيل عني برشطة مريم شويا .
 نظرت اليه مريم بغيظ:
_  تقصد ايه ..ها تقصد ايه ؟
_ اقصد ان ملك جتلى طوق انقاذ الحمدلله يارب .
 خبطته فى كتفه:
_ على قلبك متحاولش .
 ضحكت ملك:
- لسه زي ماانتم ناقر ونقير .
 زين:
_  زي مااحنا وميما زي ماهي اهو شايفة الزلومة .
 خبطتة مريم وضحكت ملك :
- ميما دي قمر متقولش عليها كدا 
 _ الله .. هتتحدوا ضدي عشان انتم بنات .. ماشي ماشي عمومًا انا مش لوحدي بقولكم اهو .
 قالت مريم:
_ هيكون مين معاك يعني محمود وكرم .
_ لا دول  الجيل الذهبي ..انا معايا اللى يقدر يصد لكم .. كيمو الغالي .
 تبدلت ملامح ملك للحظات  وشعر زين بالتسرع فى الحديث ورمقته مريم بنظرة غضب .. قبل ان يتحدث قالت ملك:
_ شكرا على الاكل يا زيزو .. لك عندى اكله حلوة من ايدي 
_ ايوه كدا دلعينييييي .
قالت ملك :
_ مش لوحدك 
 اخرجت مريم لسانك لاغاظته :
_ متحاولش مش هعتقك .
  رغم الارهاق والتعب كانت الاجواء دافئة بينهم يغلفها الشعور بالحنين . 

بعد ما انهوا تناول الطعام صعد مريم وزين أولًا الى منزلهم معًا بهدوء وبينما يسيران وابتعدا عن منزل ملك مدت مريم يدها وضربت ضربة خفيفة على رأس زين .. توقف زين فجأة متفاجئ :
_ فى ايه ؟
_ انت متخلف .. بتجيب سيرة كريم ليه دى مكملتش يوم ع رجوعها ؟
_ يعني هو انا كنت اقصد.. سيرته جت فى الكلام وبعدين انتى محسساني انها اسرار حرب ، كدا كدا هيتقابلوا هي رجعت وهو انا متاكد لما يعرف انها رجعت نهائي هيلبد هنا .
_ سيبها لظروفها بلاش  تكون رخم .
_ تحبي انزل اعتذرلها .. انزل ؟
 امسكته من ياقته :
_ عشان تنيلها اكتر يلا قدامي يلا ..

  لحقت بهم ملك الى منزل مريم  ورافقت والدتها لمنزلهم، ساعدها زين ونزلوا معًا  وظل معها حتى تاكد من وصولها لداخل المنزل بأمان..  انصرف زين بهدوء وبدأت ملك تعتنى بوالدتها وساعدتها لدخول غرفتها واعطتها الدواء ثم نيمتها على السرير وغطتها جيدًا .. كانت والدتها تنظر اليها بعينين مليئتين بالحب  وقالت :
_ شكرًا يا ملك ..
_ تشكريني ع ايه يا ست الكل .. المهم انتى مرتاحة ..محتاجة حاجة ؟
_ لا يا حبيببتي انا كويسة .. انتى روحي ارتاحي تعبتي معايا وسفر وتنضيف الشقة .
_ بصراحة ملك وزين وصفية ساعدوني متعبتش اوي  كتر خيرهم .
_ ربنا يوقفلك دايما ولاد الحلال يا حبيببتي .
_ تسلميلي يا ست الكل .. لو احتاجتي حاجة اندهي هكون عندك على طول .. تصبحي ع خير .
 قبل ان تنصرف قالت والدتها بصوت حزين :
_ متزعليش من اخوكي يا ملك .
 تبدلت ملامح ملك ووقفت مكانها لثوانٍ في صمت ثم استدارات نظرت الى والدتها التى كانت ملامحها حزينة  واستكملت والدتها الحديث :
_ صدقيني أشرف مش وحش ، الدنيا لاهياه لكن جواه طيب  .
 حاولت تتمالك ملك وقالت :
_ لو محتاجة حاجة اندهيلي يا ماما ..
_ عاوزاكي متزعليش منه يا ملك دا طلبي الوحيد . 
 حاولت ان تستمر ملك فى صمتها ولكن اصرار والدتها جعلها تتحدث بغضب :
_ انتى بتبرريله ايه يا ماما .. انتى بتتكلمي عن حد تاني اكيد صح .. بتقولي الدنيا لاهياه ودا سبب تغيره ؟ هل في سبب فى الدنيا يغير أبن ع امه ولا اخته .. الدنيا لاهياه وهو عارف ان مفيش ليهم حد فى الدنيا بعد ما بابا مات هو .. ازاى تكوني بتعملي عملية وااكد عليه قبلها يكون معايا ويومها يسيبني لوحدى عشت خوف وتوتر وقلق كان ممكن يموتني .. ازاى صاحب العمارة اللى كنا فيها يفضل يضايق فينا ويقطع المايه ويعمل تصرفات مقرفة عشان  يجبرني اوافق اتجوزه وابنك اللى هو اخويا يقولي وافقي  والراجل اد ابويا  وانا كنت فاكره ان معايا راجل  اعتمد عليه طلعت فى الدنيا اعتمد على ربنا ونفسي  واجبرنا نبيع الشقة ومسابش حقه اخده  وقال كفاية شقة الاسكندرية .. رغم كل حاجة بيعملها ولا مرة بتتكلمي معاه يا ماما ولا مرة .. بيجي ياكل ويشرب  ويمشي لا بيسألنا عاملين ايه ولا عايشين ازاى .. بتقوليلي اسامحه ومزعلش .. ازاى قوليلي ازاى ؟
_ ملك يا حبيببتي .. ربنا مش مخلينا محتاجين لحد ربنا معانا وساترنا .
_ الحمدلله .. طول الوقت بقول الحمد لله .. لكن يكون عندى اخ زي قلته بالعكس حمل علينا  ..دا حتى اولاده بتتحايلي عليه يجيبهم تشوفيهم .. ماما انا بالنسبالي معنديش اخ  لاني مش محتاجاه  .
 بتنهمر دموع والدتها وقالت :
_ متقوليش كدا يا ملك انتم ملكمش غير بعض .
_ لو انتى راضية بمكالمة التليفون اللى مبتتعداش دقيقتين مرة فى الاسبوع  انتى حره  لكن دوره فى حياتي كراجل واخ اعتمد عليه مش موجود  ومن حقي  احدد مين يكون موجود ومين لا فى حياتي .. انا قايمة بدور الراجل في حياتنا يا ماما ..
 صمتت والدتها واستكملت ملك  حديثها :
_ عارفه يا ماما .. انتى ربيتي أشرف كويس لكن مربتهوش صح .. وفي فرق كبير بين الاتنين .. كنتى زي اى ام اهتمت بالاكل والشرب والتعليم وبس .. لكن معلمتهوش الفرق بين الصح والغلط.. انه يكون اد المسئولية.. يكون راجل قوام بمعنى الكلمة .. يحافظ على اهل بيته ويحتويهم ويحافظ عليهم .. ميحسسش اهل بيته بالجوع لاهتمام .. انتى طلعتيه اناني مبيفكرش غير في نفسه وبس .. وبس يا ماما .
 انهمرت دموع ملك ايضا وهي تتحدث عن مدى الوجع والالم الذي تشعر به اتجاه اخيها .. ازالت دموعها وقالت :
_ انا اسفة لو كلامي ضايقك بس مفيش مجال ولا فرصة اسامح أشرف يا ماما بعد اللى عيشته وهو كان قادر ميعيشنيش لحظة منه بعد بابا .. عاوز يجيلك اهلا وسهلا  واجبه هياخده لكن قرارت فى حياتي في حياتنا مش هسمح .
 ذهبت الى والدتها طبعت قبلة اعلى راسها وودعتها وذهبت الى غرفتها  .. دخلت ملك الى غرفتها بخطوات بطيئة وكأنها تحمل ثل العالم على كتفيها .. جلست على طرف السرير وعيناها مليئتان بالحزن ونظرت الى المرآة أمامها ..انعكس وجهها المتعب وعيناها اللامعتان بالدموع .. فلم تستطيع حبس دموعها اكثر ف انهمرت بصمت .. رفعت يدها الى صدرها شعرت بوخز داخلى مؤلم كأن الحزن قد سكن قلبها ..ظلت هكذا للحظات ثم وقفت بهدوء بدلت ملابسها واغلقت النور وتمددت على السرير  واغمضت عيناها ولكن الدموع لا تزال تنساب على خدها تسقط بصمت على الوسادة .. وكأن الحزن كان رفيقها فى نومها أيضا . 

عاد زين الى منزله وكان محمود ينتظره مع سوسن :
_ انتوا لسه منمتوش..العصافير اللى زيكم زمانهم نايمين من بدري 
 ضحكت سوسن وقال محمود مازحًا:
_ ننام ازاى والزغلول الصغير صاحي .
_  الزغلول هيدخل يرمي نفسه فى السرير مش هقوم غير بعد أسبوع.. 
تحدثت سوسن:
_ اكيد من هدت الحيل فى شقة ملك، ياريتها كلمتنا كنا نضفناها من بدري 
_ قولتلها كدا قالت مكنتش مرتبة حصل بسرعة 
_ ايه اللى حصل بسرعة ؟
 قالتها سوسن بفضول وقال زين:
_ هي مقالتش غير كدا واعتقد مدام مقالتش على طول يبقى مش عاوزة تقول  فمتنحتش بصراحة .
 تحدث محمود:
_ صح كدا .. لو عاوزة تتكلم هتتكلم .
 تحدثت سوسن:
_ انتوا عارفين اكتر حاجة شاغله دماغي اول ما شوفتها وعرفت من امها انهم خلاص هيستقروا هنا .. كريم .
 تحدث محمود :
_ ماله كريم ؟
_ يعني هي هنا وكريم .. يعني اللى كان زمان بينهم وكدا .
 تحدث محمود بحزم:
_ مفيش مجال اللى حصل زمان يتكرر يا سوسن.. ملك زي مريم بالنسبالنا  وكريم هيحترم  حدوده معاها لاني انا اللى هقفله لو فكر يضايقيها .
 تحدث زين :
_ معتقدش ان كريم هيضايقها يا بابا  بالعكس ممكن وجودها يفرح كريم  لانه منسهاش وكلنا عارفين .
 تحدث محمود بحزم:
_ لكن ممكن هي تكون نسيته وحقها بعد اللى عمله معاها .. 
_ بس هي متجوزتش لو كانت نسيت كانت  اتجوزت .. مقالتش حاجة يا زين ؟
_ يا ماما هو انا اول ما اشوفها هقررها .. اللى عاوزة تعرفهولنا هتعرفهولنا  لوحدها .
 تحدث محمود:
_ بالظبط كدا ..عمومًا مش هنسبق الاحداث واحنا معاها هي ومامتها واحنا ولاد انهاردة سامعاني يا سوسن .
_ حاضر يا محمود .
كانت ملك تقضي أغلب وقتها بجوار والدتها ولا تتركها الا نادرًا تحاول دائما ان تحمل عنها بعضًا من الالم بالعناية والحب .. في احدى المرات جاءت مريم لزيارتها كعادتها وجلست معها وتحدثتا طويلًا ثم نظرت مريم اليها بلطف وقالت :
_ ملوكه بقولك ايه ؟
_ ها ..
_ تعالي نطلع السطح شويا .. طنط اخدت العلاج ونايمة ومش هأخرك .
 ترددت ملك قليلًا لكنها وافقت فى النهاية بعد أصرار والحاح مريم .. صعدت السلم بهدوء وعندما فتح باب السطح وعيناها انسعت بدهشة .. كان السطح قد تحول الى مساحة جميلة ، الزرع الاخضر يزين الزوايا والطاولة فى المنتصف والانوار الخافتة منحت المكان دفئًا وراحة .. نسمة هواء لطيفة لامست وجهها ف ابتسمت لا اراديًا .. قالت مريم :
_ تعالي نقعد تعالي ..
 جلسا وقالت مريم وملك تحوم بعيناها فى المكان وع وجهها ابتسامة :
_ قولتلك كذا مرة تعالى نطلع السطح  هتتفاجئ وتنبسطي من المكان  وانتى مبترضيش .
- مش بعرف اسيب ماما لوحدها خالص  وانتى شايفة وضعها .
_ ربنا يشفيها ويعينك بجد ..
_ بس بجد  مكنتش اتخيل انه بقى بالجمال دا  بجد برافوا عليكي .
_ لا هو برافوا علينا انا وزين.. حطينا عينا ع المكان وفضلنا وراه لغاية مااخدناه وضع يد .
 ضحكت ملك واستكملت مريم:
_ اجرنا الاوضة دي  زي ما قولت مرسم ليا  واستأذنا صاحب العمارة اننا نوضب السطح كدا ووافق .
_ بس السكان بيطلعوا هنا ؟
_ اول ما عملناه كان مولد  لكن زين  قفش عليهم وحط قوانين اللى هيقعد يقعد ب احترام وأدب غير كدا ممنوع فبقى مش الكل بيطلع الاحسن بيخرجوا لكن احنا لبدين هنا طول الوقت .
_ بجد جميل ماشاء الله عليكم .
_ ماما قالت زمان كنتى عاوزة تعملى كدا فى السطح انه مكان السكان يقعدوا فيه بروقان وكدا .
_  ايوه فعلًا .. حماس الشباب بقى 
 قالتها وضحكت وتحدثت مريم:
_ ليه  بتقوليها محسسانى انك جده 
_ مش هنهرب من الحقيقة انا كبرت .
_ انتى لسه شباب يا ملوكة وزي القمر 
_ انتى اللى زي القمر يا ميما وحقيقي انا مبسوطة عشانك اوي .. حددتى عاوزة ايه وسعيتي واجتهدتى وماشية كويس اوي ماشاء الله .
- بصراحة مكنتش هقدر اعمل نص اللى عملته من غير زين معايا .. دعمه ليا فى كل خطوة ومهما اعمل هو في ضهري يمكن اكتر حاجة قوتي وخلتني اقدر اكمل .. احساس حلو لما تحسي ان عندك ضهر في اى لحظة هيسندك ودايما بيطمنك .
_ ايوه فعلًا .. قوليلي لسه زى ماانتم خانقين بعض في علاقاتكم .
 ضحكت مريم:
_ لا غيرنا اتفاقنا وسمحنا لكل واحد فينا بمساحة شخصية بعيد عن التاني  بدل ما نقعد فى ارابيز بعض .
ضحكت مريم:
_ يعني بقى مسموح زين يعرف بنات وانتى كمان ؟
_ ايوه..  وزين ما صدق تقولي كنت حبساه .. مبيعتقش بنت تصادفه غير ما يرتبط بيها  وياريته بيكمل بينفصل ويشوف غيرها اللى بعده .
_مش معقول زين بجد ..
_ جدا ..
_  وانتى  ايه مفيش حد كدا ولا كدا .. زميل ..معجب ؟
_ اكلمك بصراحة ..
_ ها قولي ؟
_ رغم لهفتي اعيش قصة حب واتحب لكن مفيش ولا مرة حد قدر يستهويني واقول هو دا.
_ خالص ..
_ انا حاسة مش محتاجة حد فى حياتي ، يعني شخص فى حياتي هيعمل ليا ايه .. حب واهتمام واحتواء وحنيه انا غرقانة فيهم سواء من بابا ومحمود وزين .. زين مش مديني فرصة ابص بره زي ما بيقولوا .. ف انا مبيستهونيش الكلام الجميل واللطيف .. واغلب اللى صادفوني بيدخلوا من هنا وللاسف لم ينجح احد فمش عارفه هل كدا عندي مشكلة .
 ابتسمت ملك وقالت :
_ مريم بصي .. العلاقات 3 أنواع .. الجعان والشبعان .. الجعان حب وأهتمام  وحنيه سهل اوي يكون فريسة لاي كلمة جميلة واهتمام بسيط يخليه يدخل فى علاقات كتير بسهولة وللاسف النتيجة مش بتكون فى صالحة بيأذي نفسه أذي بيعيش معاه .. النوع التاني الشبعان  دا شخص شبعان حب واحتواء وحنية واهتمام  كل حاجة عنده موجودة مش محتاج يدور عليها برا  .. فاللي عاوز يرتبط بالشخص دا مش بسهولة لانه مطلوب منه يقدم حاجة اكبر تخليه يلفت انتباه  ودا مش سهل خالص ..
_ والنوع التالت ايه ؟
_ الهربان .. مشاعر بتمتلكه  بقوة وبتحاوطه وهو بيهرب منها طول الوقت يا مش فاهمها يا خايف انها تضعفه وفي الحالتين بيهرب ... ف انتى معندكيش مشكلة اللى هيفكر يرتبط بيكي هو عنده مشكلة انه يفتكرك زي غيرك ولو عاوزك فعلًا محتاج يلتف انتباهك  يبهرك مثلًا وتحسيه مميز زي ماانتى مميزة .. فعدم تسرعك في الارتباط دا شئ جميل جدًا بدل ما تدخلى علاقة  تستنزف احلامك ومشاعرك وطاقتك وتطفى احلى مافيكي . انتى صح .
 كان زين يقف بالقرب منهم يستمع الى حديثهم وشرد للحظات ثم انتبه واقترب نحوهم وقال بمزاح:
_ الدليفري وصل يا ناس يا عسل 
 التفتت مريم وملك  نحوه .. اقترب نحوهم ووضع علب الطعام امامهم وقالت ملك :
_ ايه دا ؟
 قال زين :
_ دا احتفال بسيط ع ادنا كدا بزيارتك الاولي لسطحنا العزيز.
 قالت مريم:
_ اوعي تكون نسيت حاجة ؟
_ هو انا لقي رجلي فى كيس قلبز عشان انزل السلم دا كله وارجع .. البضاعة كلها معانا .
ضحكت ملك:
_ لدرجة دي ؟
 قال زين:
_ واكتر .. انا بعاني في صمت ومحدش حاسس بيا يا ناس .
 رمقته مريم بغضب :
_ نعم .. مين اللى بيعاني ؟
_  الراجل اللى جيبت منه الشيبسي قعدني جنبه يحكيلي معاناته .
_ الله يكون فى عونه .
_ يارب .. يارب .. يلا يا ملوكه البيتزا مبتتاكلش غير سخنة .
_ بجد يا جماعة ملوش لازمة كل دا .
 قال زين:
_ دا اول ما مريم بعتتلي انكم طالعين قولت لا نحتفل جمعااء وعارف انك بتحبي البيتزا جمبري  مش ناسي .
_ كمان..
 قالت مريم:
_ وهو احنا عندنا كام ملوكه ..
ابتسمت ملك وقال زين:
_ اعملي حسابك بقى هتحضري حفلة المطعم بعد بكرة مفيش اعذار .
_ بجد مش عارفه مقدرش اوعدكم .
 تحدثت مريم:
_ لا مفيش اعذار .. حفلة ذكري افتتاح المطعم كل حبايبنا بيكونوا معانا ولازم تكوني معانا .
_ ماانتى عارفه ماما هسيبها لوحدها ازاى ؟
تحدث زين:
_ عربية مخصوص هتكون فى انتظاركم هتاخدك انتى وطنط اامطعم وهترجعك فى الوقت اللى تحبيه .. معندكيش عذر اهو .
_ انا ..
قاطعها زين:
_ انتى هتيجي وهتفرحي معانا وبالمرة تشوفي مريم وهي بتخدم على الزباين .
 خبطته فى كتفه :
_ ايه بخدم دي ؟
_ فى مرة كتفي دا هيتخلع وانتى السبب .. 
_ فدايا ..
_ طبعا طبعا .. 
_ عارفه اللى بيتكلم دا .. شوفيه فى المطبخ هناك وهو واقف على الحوض  
تحدث زين:
_ السيديهات ابتدت تطلع والتشريد على النور  .. انا بقول ناكل احسن ايه رايكم .. يلا يا ملك كلى  لان اللى جنبك دي لو خلصت بيتزا قدامها ولمحت بتيزا اللى قدامك بزلومتها هتفترسها ومش هتسيبلنا فتفوته .
 اثناء حديثه امسكت مريم كيس الكاتشب وافرغت البعض منه على وجهه زين وصمت للحظة ونظر اليها وقالت :
_ عشان قولتلك خف كلمة زلومة دي .
 _ بصي يا ملك انا كنت ساكت عشانك لكن ..
 تحرك من مكانه وركضت ملك وهو ركض خلفها وفي يده الكاتشب ليضعه ع وجهها وملك تنظر اليهم وتضحك على تصرفاتهم الطفولية .. 

في المطعم كانت الاجواء مفعمة بالحيوية والنشاط .. الجميع يعملون بجد استعدادًا لحفل الحفلة الذكرى افتتاح المطعم .. الزينة تعلق على الجدران والاضواء الملونة توزع بعناية فى اركان المكان .. الطاولات ترتب والمفارش تفرد بنطام وأناقة والزهور تتوزع في فازات صغيرة تضيف بهجة للمكان .. 

مريم كانت تتدقق في التفاصيل .. ترتب الطاولات وتنسق الزينة وتتابع ترتيب الاطباق الخاصة بالحفلة .. كانت تتحرك بخفة يعلو وجهها ابتسامة سعادة .. اما زين فكان يتنقل بين اعدادات الصوت وتنسيق أماكن الجلوس ومساعدة باقي الفريق وكان لا يكف عن القاء تعليقات مرحة تشجع الجميع وتزيد من حماسهم .. كانت لحظات تعاون جميلة بين الجميع واهتمامهم بتفاصيل الحفلة  يملؤها الحماس والفرحة فهم لا يحتفلون فقط بنجاح المطعم ولكن بذكرياتهم التي بنيت بين جدرانه .

بالفعل كان توجد سيارة فى انتظار ملك ووالدتها امام المنزل و رافقتهم للمطعم وكانت مريم مجهزة طاولة خاصة لهم فى مكان مميز يطل على البحر لمعرفتها لحب ملك الجلوس بجواره .. كان زين قام بدعوة اصدقائه المقربين وايضا مريم ..

بدأت الحفلة بأجواء مليئة بالفرح والضحكات تملأ المكان والموسيقى في خلفية ضحكاتهم .. ولكن وسط الحماس كان محمود ملامحه غاضبة  لتغيب كريم .. اقترب زين :
_ كلمته وقال فى الطريق 
 قال محمود بغضب:
_ يعني يوم مهم زي دا يكون اخر واحد موجود ينفع 
 قال كرم:
_ متعرفش ظروفه ايه يا محمود اكيد شغله اخره 
_ انا قايله من بدري ياخده اجازة مجاش ع يوم يعني .. الناس بتسأل عليه وعاوزين نبدء تقطيع الكيك .
 لاحظ زين غضب والده :
_ هكلمه استعجله ..
_ قوله لو فى خلال ربع ساعة مجاش هنبدء من غيره وحسابه معايا 

بدأ الجميع يلاحظ غياب كريم وهو من أكثر من يهتم بالحفلات ..مما أثار قلقهم واستغرابهم  لسؤال الضيوف عنه ..كانت اللحظة المرتقبة هي دخول كيكة الاحتفال حيث خفضوا الاضاءة وبدأ الجميع فى التصفيق استعدادًا للمفاجأة .. وفجأء ظهر كريم من خلف الستار وهو يحمل كيكة بنفسه ..كان يبتسم بفخر وسعادة والكيكة مزينة بشكل مميز وتحمل تصميمًا مرتبطًا بتاريخ المطعم .. تفاجأ الجميع وصفقوا بحراره وذهب نحوه زين :
_ ايه الدماغ دي ؟
_ اى خدمة ..
 اقترب محمود وقبل ان يتحدث  تحدث كريم :
_ قبل ما تقول حاجة.. انا اللى اخرني التورته دي طلبتها مخصوص وقعدت لغاية ما خلصت وجيبتها ..انا مقدرش افوت لحظة ويوم زي دا اكون معاكم يا حودا .
 تبادلا الاحضان واعجب الجميع بالكيكة .. كانت عيونهم مليئة بالفرحة لتواجدهم جميعًا سويًا فى ذكري تجمعهم .. 

بعد ما انتهوا من تقطيع الكيكة وبدأ الجميع يتجمعوا فى احاديث جانبية .. كان كريم يقف يتحدث مع زين وهو يضحك :
_ بس لحقت نفسك انت بتصميم الكيكة لا استاذ بتلحق نفسك فى اللحظات الاخيرة .
_ انا عارف محمود قلبه طيب بيترضي بسرعة وحبييت افرحه هو وكرم بالتصميم.. انت عارف ان دا تصميم  الاول للمطعم قبل التجديد والتغير اللى حصل .
_ ايوه نفس اللى في الصور .. وكلنا فرحنا بصراحة .
_ يلا عدوا جمايل ..
_ هو محمود مقالش حاجة لك لما كلمته ولا سوسن ؟
_ هو في حاجة  غير الحفلة .
_ واضح انه مقالش وانت متعرفش ؟
_ مقالش ايه ومعرفش ايه ؟
_ ملك .. رجعت بقالها اسبوع .
 تفاجئ كريم :
_ ملك.. رجعت اجازة ؟
_ لا اقامة دائمة .. وع فكرة هي هنا ومامتها .
 تبدلت ملامح كريم :
_ فين ؟
_ هناك .. روح سلم عليهم .
اشار زين بهدوء اتجاه طاولة قريبة .. لف كريم براسه وهناك كانت المفاجأة .. ملك جالسه بهدوء بجانب والدتها .. ملامحها كما هي المعتاد عليها .. نفس النظرة الهادئه ونفس الوقار وابتسامتها الجميلة تعلو ملامح وجهها  .. تزايدت نبضات قلبه  وابتسم لا اراديًا لرؤيتها بذلك القرب  ولكن الابتسامة كانت محملة بذكريات وحنين وألم دفين .. وقف يراقبها  من بعد .. رغم فرحته ولكنها فيها غصة .. شوق او ندم لا يعلم ايهما يحمل لها .. ظل يقف مكانه يحدق نحو الطاولة التي تجلس عليها ملك مع والدتها .. كان كل شئ حوله يتحرك الزبائن يضحكون والموسيقى تعزف .. بعد دقائق من التردد اخذ كريم نفسًا عميقًا وتوجه نحو الطاولة .. خطواته كانت بطيئه ولكن قلبه يسبقها .. ملك لم تنتبه له فى البداية لكنها حين رفعت عينيها ورأته امامها اتسعت عيناها بدهشة خفيفة وملامحها كانت ساكنه .. اقترب نحو والدتها :
_ ازيك يا طنط ..
_ اهلا يا كريم يا حبيبي .. عامل ايه ؟
_ الحمدلله بخير .. ايه المفاجاة الجميلة دي انا مكنتش مصدق لما زين قالي انكم هنا فى الحفلة .
_ مريم وزين صمموا وقولنا تغيير من قاعدة البيت وملك اصلا مبتخرجش ففرصه .
 نظر نحوها :
_ ازيك يا ملك .
 اجابته وملامحها ثابته ونبرة صوت ثابته :
_ الحمد لله .. انت عامل ايه ؟
_ تمام .. كله تمام .
_ تمام ..
 تحدثت والدتها :
_ انت اخبارك ايه يا كريم .. مراتك عامله ايه وعندك ولاد ؟
_ انا الحمدلله بخير  فتحت مكتبة محاسبة انا واصحابي فى القاهرة وشغال الحمدلله .
_ ربنا يكرمك يا حبيبي .. ومراتك وعيالك ؟
_  معنديش اولاد لسه ومراتي اعتقد انها بخير .
ضحكت:
_ تعتقد ازاى فى حد ميعرفش مراته عامله ايه ؟
_ ايوه .. لما متكنش مراته .. احنا اطلقنا وكل واحد عايش حياته بعيد عن التاني .
_ ليه كدا ؟
_ النصيب .. دايما القرارات المتسرعة دي نتيجتها 
_ ربنا يكرمك ويرزقك ببنت الحلال .
_ امين ..
 كانت ملك تنظر الاتجاه الاخر متجاهله حديثهم ، عاد للحديث مع والدتها قليلًا ثم انصرف وابتعد .. اقتربت نحوه مريم  وزين :
_ قالتلك ايه ؟
 نظر نحو مريم :
_ مين ؟
_ يعني هيكون مين.. ملك.. قالتلك ايه فرحت لما شافتك وكدا ؟
تحدث زين :
_ ناقص تقوليله اخدتك بالحضن ولا لا ؟
_ اسكت انت يا فاقد المشاعر والاحساس .
_ ماشي هسكت يا ملكة الرومانسية ..
_ رد عليا يا كيمو فكك منه .. قالتلك ايه وايه احساس اول لحظة ؟
 نظر اليهم بملامح ثابته بدون ابتسامة :
_ مقالتش حاجة .. ومش عارف .
تحدث زين :
_  بص لا المكان ولا الوقت مناسب لاى احاسيس  فعادي ماشي .
_ انتوا مقولتوليش ليه لما كنا بنتكلم ؟
 تحدث زين :
_ كنت عاوز اقولك بس مريم قالتلي لا .
 نظر الى مريم وقالت :
_ بصراحة كنت حابه افاجئك .. ايه رايك فى المفاجأة ؟
صمت للحظة :
_ مش عارف ..
 تحدث زين :
_ اجلوا اى رغي لبعدين .. الكل بيبص علينا  بعد حفلتنا نبقى نتكلم .. يلا قدامي يا ميما .
تركوا كريم  وتحرك بخطوات بسيطة ووقف فى ركن من أركان المطعم ينظر اليها .. كانت عيونه تراقبها كل نظرة وكل تصرف مع والدتها .. رغم ملامحها الساكنة لكن كان يشعر انها ستار مخفي لمشاعر اخري ..  استمر ينظر اليها بصمت  حتى تحركت من مكانها برفقة والدتها ودعت محمود وكرم وسناء وسوسن مغادرين .. وقف امام باب المطعم ينظر اليها شعر بشئ يشبه الحنين مختلط بغصه صغيرة فى القلب .. كانت فرحته برؤيتها واضحة لكن لم تكن خالصة كان هناك وجع مخفي وقلق لا يعرف ان كان سيقترب منها من جديد ام قد فقد الفرصة للابد .. 

في اليوم التالي  فى شقة ملك كانت تجلس ملك برفقة والدتها يشاهدان التلفاز، رن جرس الباب وفتحت ملك الباب اعتقادًا انها مريم او زين ولكنها تفاجئت ب كريم امامها :
_ مساء الخير ..
_ مساء الخير ..
_ انا كنت طالع قولت امر اطمن عليكم وع طنط يعني لو محتاجة حاجة .
 قبل ان تجيب ملك سمعت صوت والدتها :
_ مين يا ملك ؟
  دخل كريم:
_ انا يا طنط ..
_ كريم.. اتفضل يا حبيبي .
 جلس كريم واحضرت ملك كوب عصير ووضعته امامه .. وقال :
_ انا كنت راجع من برا قولت اشوفكم لو محتاجين حاجة من برا ولا اى حاجة .
 تحدثت والدة ملك :
- تسلم يا حبيبي .. بجد تعبينكم معانا انت وزين ومحمود وكرم .. كل يوم بيمروا يسألوا علينا .
- احنا اكتر من جيران يا طنط ودى حاجة بسيطة .
_ ربنا يخليكوا ويبارك فى صحتكم .
_ صحتك عامله ايه ؟ محتاجة تروحي لدكتور ولا حاجة عرفيني ؟
_ تسلم يا حبيبي ..ملك مش مقصرة معايا فى جزء الدكاتره دا .
_ عمومًا انا موجود ( اخرج بطاقة عمله ) ودا الكارت فيه كل ارقامي  اى وقت  كلموني .
_ تسلم يا حبيبي .. اشرب العصير .
_ حاضر .
كانت ملك تجلس صامتة وعيناها لم تلتقيا بعينيه مباشرة بل كانت تركز على  التلفاز تشعر بنوع من الضيق والارتباك لوجوده امامها  ولكن لا تعرف كيف تعبر عن هذا الصمت المتراكم داخلها لم ترغب ان ترد عليه كانت تفضل أن تبقى هادئه لتجنب التحدث معه  .. لاحظ كريم تعبيرات وجه ملك الصارمة رغم محادثته اللطيفة مع والدتها الا انه شعر بشئ غريب فى الجو كما لو أن الكلمات التى ينطق بها لا تجد صدى فى مكانه .. لم يكن متأكدًا تمامًا ولكنه شعر أن ملك بعيدة عنه أكثر مما كان يتوقع كأن هناك حاجز غير مرئي بينهما ..  الشعور بينهما كان مزيجًا من الحيرة والبعد .. كل واحد يحاول أن يتعامل مع اللحظة بطرق مختلفة وكأن الكلمات أصبحت بعيدة عنهم تمامًا . 

 في الصباح مريم فى غرفتها تتحرك بسرعة غير معتادة ، ترتب اوراقها وتبحث فى حقيبتها بقلق ظاهر وحماس مفرط .. شعرها نصف مرفوع وتبدو كانها على عجل من أمرها .. وضعت اخر شئ في حقيبتها واغلقتها بحركة سريعة .. خرجت من الغرفة كان زين ينتظرها يجلس برفقة سناء يتناول الفطار ويضحكان وبتحدثان ..:
_ يلا يا زيزو انا جاهزة .
 تحدثت سناء :
_ افطري الاول طيب هتنزلي كدا  ازاي ؟
_ مش جعانه يا ماما .. يلا يا زيزو ولا انزل انا .
 استغرب زين من استعجالها وخاصه انها لم تكن من النوع الذي يخرج دون تناول الافطار :
_ انتى متسربعة كدا ليه .. لا في امتحانات ولا سكاشن بدري .. اهدى براحة .
_ انهاردة من اهم الايام فى حياتي 
_ ياااه كل دا عشان ايهاب توفيق اول محاضرة له انهاردة عندكم .
_ يا ظريف .. اسمه دكتور ايهاب فهمي  وبعدين  مهما اتكلمت مش هتفهمني .. محدش هيفهم مدي احساسي بالسعادة ان انهاردة يوم مميز فى حياتي . 
 تحدثت سناء:
_ تعرف انها منمتش طول الليل نور اوضتها منور وكل ما اقلق القيها قاعدة يا بتقلب فى اللابتوب يا بترسم .
_ ودا من ايه كنتى بتحضريه ؟
 ضحكت سناء وخبطته مريم على كتفه :
_ يا عسل .. انا نازلة خليك .
 توجهت بالفعل بخطواتها اتجاه باب الشقة وفتحت الباب وغادرت ولحق بها زين مسرع فى خطواته ليلحق بها ..  وصلت مريم الى الجامعة بخطوات سريعة وقلبها يخفق بحماس غير معتاد، كانت ابتسامتها واضحة وهي تلتقي باصدقائها .. دخلوا معًا المدرج الكبير حيث سيلتقوا ب ايهاب  مختار به لاول مرة ..  الطلاب يتوافدون تباعًا بينما عينا مريم تتحركان بين الساعة وباب القاعة .. جلست على احد المقاعد الامامية لكنها بالكاد كانت تستقر فى مكانها .. كانت تترقب الباب كل دقيقة وكأن قلبها معلق عليه فى عييها لهفة ولمعان .. تذكرت احلامها القديمة والخيال الذي كانت ترسمه فى راسها عن تلك اللحظة والان هي على وشك أن تعيشه .. فجأة انفتح الباب  ودخل ايهاب مختار .. توقفت مريم عن الحركة لثوانٍ وكأن الوقت تجمد ..  امسك الميكرفون :
_ مساء الخير .. معاكم ايهاب مختار ،  احد ابناء كلية فنون جميلة هنا ، وليا الشرف  اكون جزء من هيئة التدريس فيها ولو فترة صغيرة .. هنقضي مع بعض 3 شهور اتمنى وجودي يكون خفيف عليكم ونقضي وقت جميل مع بعض .
حدقت مريم فيه وهو يتحدث بذهول وسعادة كأنها لاتصدق أن الشخصية التى طالما قرأت عنها وسمعت عنها أصبحت الان امامها حقيقية وسوف يدرس لها وسيكون اليها اقرب .. غمرها إحساس بالفخر وكأن شيئًا كانت تحلم به منذ زمن طويل تحقق أخيرًا .. كانت تبتسم فى صمت .. تتنفس ببطء محاولة أن تظبط انفعالاتها ولكنها فى داخلها كانت طفلة تقفز من الفرحة .
عادت مريم من الجامعة  بمفردها بدلت ملابسها وتوجهت الى السطح .. كانت تجلس امام لوحة امامها ترسم وبجانبها صورة للوحة مصغرة  تنظر اليها بعينين ممتلئتين بالانبهار .. ابتسامتها لم تفارق وجهها  تغني وهي تلوح بيدها احيانًا مع الموسيقى وكأنها فى عرض مسرحي لا جمهور فيه الا اللوحة وصورة ايهاب مختار .. 

صعد زين الى السطح بخطوات هادئة وما ان فتح الباب حتى باغتته نغمات فيروز تملأ المكان بدفء موسيقى عذب ..كان الصوت مرتفعًا ممزوجًا بصوت مريم التي تغني بانسجام واضح وكأنها تركت كل مافي الدنيا  وجلست هناك فى عالمها الخاص .. وقف زين يتأملها فى صمت ودهشة ..لم ير مريم بهذا الشغف من قبل .. ملامحها تنطق بسعادة حقيقية .. ابتهاج طفولي نابع من الاعماق .. كان ينظر اليها وقلبه امتلأ بالحيرة ما سبب كل تلك السعادة التي تعيشها .. ظل يراقبها فى صمت حتى التفتت نحوه ورأته .. اوقفت الغناء والموسيقى :
_ انت هنا من امتى ؟
_ من وقت انا لحبيبي وحبيبي الى .. 
- طيب كنت اعمل اى حاجة ..ماخدتش بالي انك موجود 
_ اكيد دا انتى مسافره  لكوكب الزمردة .. واضح انه مفيش شبكة هناك كلمتك فوق ال10 مرات مردتيش ولا شوفتي رسالة الواتس ..
 امسكت الهاتف :
_ اوووبس .. عاملاه سيلنت ومحستش .. سوري 
 تركها و واتجه جلس امام طاولة  .. لحقت به مريم وجلست :
_ متزعلش بقى  بجد مسمعتش التليفون .
_ حصل خير ..
_ بس قولي انت هنا ليه مش كنت قايالى عندك موعد بعد الكلية ؟
_  ما انا رايح قولت قبل ما انزل اشوف اخبارك ايه  لقيتك عامله حفلة اوبرا ع الضيق ..ممكن تفهيمني كل السعادة دي عشان ايه ؟
_ انهاردة حصلت حاجة كنت بحلم بيها سنين وكنت هحلم سنين قدام عشان تحصل .
_ كل دا عشان ايهاب توفيق 
_ تاني ..
_ ايهاب مختار انبسطتى كدا ؟
_ هل انا بتحشر فى حبك للكورة  ولاعيبه الكورة .. لا .. اعتبره زي لاعيب كوره تحلم تقابله .
_ ماشي .. بس مش لدرجة دي  انتى مش شايفه نفسك .
- لما تتحط فى موقفي هتعرف ..  بس حقيقي السنه هتختم ب حاجة حلوة كدا انا متاكدة .
_ ياتري بقى اد ايه  ايهاب مختار زي الصورة كدا  اكيد اكبر  لان الصورة دي قديمة .. تلاقيه شعر ابيض ومركب طقم اسنان .
 فتحت هاتفها واخرجت صوره التقطتها له اثناء حديث معهم :
_ اهو ..
 امسك زين الهاتف وتفاجئ لملامحه الصغيرة ووسامته  وملابسه الانيقة .. :
_ هو دا .. ازاي ؟
_ شوفت . .. تحسه قدنا كدا مفيش فرق عمر بينا وطريقته لطيفة فى الكلام .. مهتم بنفسه هما الفنانين كدا بيقدروا كل حاجة جميلة .
_ تقصدي ايه مش فاهم .
_ الجيم اللى بطلت تروحه .
_ ماهو انتى بطلتي وانا كنت بتشجع بيكي بصراحة
_ روح لوحدك ؟
_ مش هينفع لازم تكوني قدامي 
_ يا سلام ليه ؟
_ عشان لما اشوفك  اتحمس اكتر واتمرن عشان ميطلعليش زلومة زيك 
 قامت بركله فى قدمه :
_ يابنت اللذينه 
_ وجعتك.. تستاهل .
 عادت النظر الى الصورة وابتسمت وتملك زين الغيرة :
_ بس ع فكرة عادي يعني ميستهلش كل الفرح اللى عملتيه مدرس هيدرسلك وهيرجع مكان ما عايش .
_ مالك مضايق ليه ؟
_ لا وهضايق ليه  انا بس بشدك للواقع بدل كوكب الزمردة اللى انتى روحتيه دا .. دا  هيدرسلك وبس  علاقتك معاه جوه سور الكلية وبس ..
_ لا بجد شكرًا ع التوضيح مكنتش اعرف هو مين ..  مش قولتلك انت دايما فصيل  بتفصلني .. عندهم حق اللى بيرتبطوا بك ميعمروش معاك .. فاقد الاحساس والمشاعر .
_ سيبتهولك انتى وايهاب توفيق .
_ مختار مختار .. بص يلا روح موعدك متخليهاش تستناك كتير كدا .
_ انتى ليه شايله هم اى واحده بقابلها هما بنات خالتك .
 _ لاني بحط نفسي مكانهم يا ظريف .
_ كذا مرة اقولك متشبهيش نفسك بولا واحده اعرفها .. هما حاجة وانتى حاجة ايه ايهاب مختار لغبطلك الاساسيات ولا ايه .
 ابتسمت مريم :
_  يلا قومي هتتأخر .
_ بتوزعيني .
_ قوم يلا بطل رخامه .
_ تيجي مروحش واجيب اكل وحلويات ونشغل فيلم ع اللاب  .
_ لا طبعًا .
_ لا وطبعًا .. ايه القلب الجاحد دا .
_ لو مكنش عندك موعد كنت وافقت لكن لا متلغيش مواعيدك عشاني .. يلا قوم 
_ متأكد عاوزاني انزل .
_ قوم بقى وبطل رخامة .. خلص موعدك وانا هكون هنا هاتلي حاجة حلوة وابقى احكيلي .
_ ماشي ..
رغم الحاح مريم لذهاب زين  ولكنها كانت بالفعل تتمنى الا يغادر ويبقى معها  كما كان هو يتمنى أن يبقى معها لمدة اطول .. نهض من مكانه  ببطء وبخطوات بطيئة كأن قدميه تتثاقل فى الابتعاد عنها .. مريم تابعت حركته بعينين حزينتين  ونظرة طويلة فيها ألف كلمة لم تقال .. وقف زين عند باب الخروج استدار لينظر اليها مرة أخيرة  فوجد عينيها عليه .. ابتسمت له بخفة لتشجعه ان يكمل طريقه رغم الضيق الذي تشعر به لمغادرته ومعرفتها مع من .. كتنت نظراته معلقة بها وكأنه يريد أن يحفظ ملامحها لترافقه طريقه .. ابتسم لها هو أيضا  ثم أستدار مرة اخري وتنهد تنهيدة عميقه  كأن قلبه يعترض ان يغادر  ولكنه اكمل طريقه وغادر بالفعل ..  جلست للحظات فى شرود ثم تنفست نفس عميق ونظرت حولها  وعادت الى المرسم جلست امام اللوحات وعادت تشغيل أغاني فيروز بصوت أعلى كانت الالحان تملأ السطح  كانت محاولة منها لإسكات صوت أفكارها وضجيج داخلها  ارادت بشدة ان تشتت افكارها  في تلك اللحظة .. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1