رواية تؤام روح الفصل الثانى عشر بقلم يارا سمير
مريم في غرفتها تقف امام المرآة بعينين لامعتين من الحماس ، قلبها يخفق بشدة وكأنه يسبقها للذهاب الى الجامعة .. كل حركة تتحركها فيها مزيج من التوتر والحماس .. اليوم ستحضر أول سيكشن مع الدكتور إيهاب مختار الاسم الذي طالما سمعت عنه الكثير وتمنت لقائه .. تجهزت ومستعدة لمغادرة الغرفة ب ابتسامة فتحت الباب وتمضي بخطى خفيفة تتمتم بكلمات غير مفهومة من فرحتها .. كان ينتظرها زين ليرافقها ويذهبان معًا الى الجامعة .. رفع نظره اليها وقال بنبرة تعجب :
_ ايه الحماس المفرط دا .. فكرتيني بأول يوم جامعة ؟
قالت ب ابتسامة :
_ انهاردة يوم مميز جدا جدا .
_ ليه هيوزعوا عليكم زلومات .
خبطته فى كتفه :
_ يا رخم ..
_ لا بجد في ايه ؟
ابتسمت وقالت :
_ انهاردة اول سيكشن لايهاب مختار.. وبعدين انا قولتلك .
_ ودا يستدعي الحماس والبهجة المفرطة دي .. وبعدين المره اللى فاتت كان ايه ؟
_ المره اللى فاتت كان بيعرفنا بنفسه وانه هيدرسلنا لكن انهاردة اول يوم فعلى لسيكشن، يومين فى الاسبوع وانهاردة اول يوم .
_ بجد انا مستغربك حماس اوفر .
_ تصدق انك فعلًا فصيل .. بص انا مش عاوزة اتقفل وانا صاحية مبسوطة .. هتنزل ولا هتكمل اكل ؟
_ انا لسه بأدئ .. وانتى كمان افطري .
_ انا حاسة انى شبعانة .. بص خليك كمل وانا هروح ..مش عاوزة اتأخر .
_ استني هنا .. اقعدي افطري اى حاجة ..مش مستعد اكون فى جامعتي وفى المحاضرة ويتصلوا بيا يقولولى تعالى الحق مريم وقعت من طولها ..
_ عيني في عينك كدا المحاضرة برضه .
_ ايوه محاضرة فى العلاقات .. ايش فهمك انتى .. مش وقت لماضه اقعدى افطري يلا
امسكها من يدها واجلسها وبدء بوضع الطعام امامها واجبرت على تناول الافطار برفقته .. انهيا تناول الطعام وتحركا مغادرين الى الجامعة .. كانت مريم تسير بخطوات متعجبة ، كل بضع ثوانِ ترفع يدها وتنظر الى الساعة بقلق وملامح وجهها توحي بأنها تسعر بالتوتر وذلك لتأخيرها عن موعد السيكشن ..كان زين يسير بجانبها يتابعها ويراقب خطواتها وحين لاحظ اندفاعها فى خطواتها امسك يدها واوقفها :
_ بشويش .. هتقعي كدا .
بملامح قلق وتوتر :
_ اتاخرت يا زين .. الله يسامحك انت السبب .
_ انا السبب ؟ عشان بهتم انك تكوني كويسة وميحصلكيش حاجة بقى غلطتي .
_ انا قولتك هأكل اى حاجة لما اجاى .
_ مش هتاكلى ..الحماس المفرط اللى عندك دا هيشبعك.
وصلوا الى البوابة .. تحركت مريم بخطوات مسرعة الى الداخل ووقف زين يراقبها بعينيه وهي تبتعد مسرعة ، يراها تخترق الزحام بخطى ثابتة وكل شئ فيها ينبض بالاندفاع .. وقف مكانه يتابعها بصمت متعجب من طريقتها حتى اختفت من رؤيته وذهب الى جامعته ..
وقفت مريم امام باب السيكشن تتردد، انفاسها متسارعة من القلق والتوتر .. نظرت الى الساعة مرة اخيرة واغمضت عينيها للحظة وأخذت نفسًا عميقًا تحاول أن تهدأ وتستعد لسماع كلمات التأنيب عن تأخيرها .. رفعت يدها وطرقت على الباب بخفة ثم دخلت بخطى حذرة وعيناها تبحثان عن وجه دكتور ايهاب مختار .. قالت بصوت خافت :
_ انا اسف على التأخير .. اسفه جدا .
كان الرد لم يكن كما توقعت ، رفع ايهاب راسه اليها وابتسم بهدوء. تلك الابتسامة التى رسمت غمازته الخفيفة في خده الايسر وقال بنبرة هادئه ومطمئنة :
_ ولا يهمك .. اتفضلي ادخلى مع زملائك .
اتسعت عيناها من المفأجأة ثم تورد خديها بخجل وارتياح في آن واحد.. شكرته بهمسة وجلست فى مكانها بجانب اصدقائها ولا تزال الابتسامة تزال مرسومة على وجهها وكأنها بدأت يومها بحلم صغير تحقق على غير توقع .. تحدث ايهاب بابتسامته الدائمة :
_ طبعا مش محتاجين اعرفكم بنفسي ، انا ايهاب مختار من ابناء فنون جميلة، وليا الشرف ادرسلكم التيرم دا.. مبدأئيا كدا اعتبروني طالب معاكم زيكم يعني انا ايهاب مختار وبس مش دكتور ايهاب مختار( ابتسم الجميع وتمتوا بكلمات تعجب استكمل حديثه) متستغربوش انا حابب علاقتنا تكون قريبة ومريحة من غير حواجز .. احنا هنقضي مع بعض 3 شهور انتم هتتخرجوا وانا هرجع ايطاليا تاني لحياتي .. ف احنا الاتنين ننتهز الفرصة دي ونعتبر ال 3 شهور مساحة لراحة من غير ضغوط من غير توتر .. ايه رايكم ؟
اسعد الجميع ب اقتراحه وقال :
_ انتم 5 مجموعات انا قسمتكم ل5 عشان منبقاش زحمة ، انتم تاني مجموعة اتشرف بمعرفتها وبما اننا هنبدء صفحة جديدة بتعامل جديد.. حابب اتعرف عليكم وهبدء بالليدر .. مين الليدر ممكن يتفضل يقف ويعرفني بنفسه .
فى اللحظة التى طلب فيها ايهاب التعرف على قائد المجموعة ، ترددت مريم للحظات لشعورها بالاحراج ،نهضت من مكانها ببطء وقد اعترى وجهها شئ من الارتباك ، فليس من السهل أن تكون هذة اول مره يتعرف عليها كقائدة للمجموعة بتلك الطريقة وياخد انبطاع بعدم التزامها بالمواعيد .. وقفت وقالت بصوت خافت :
_ انا .. مريم كريم ليدر الجروب .
رفع ايهاب راسه نحوها وابتسم تلك الابتسامة الهادئة التي بددت توترها وظهر اثر الغمازة التي ميزته دومًا وقال بنبرة لطيفة :
_ اهلا يا مريم .. كنت متوقع شاب من الشباب بصراحة مفاجئة إن الليدر بنت والجروب يعتبركله شباب هل دا خوف منها ولا ايه ؟
ضحك وضحك الجميع وقال احد الشباب :
_ لا طبعًا احنا بينا كلنا كل الاحترام بس احنا بينا وبين بعض اتفقنا إن الليدر يكون أكتر شخص شاطر ودايما تقديراته مرتفعه وميما دايما من المتفوقين .
نظر اليها وقال :
_ تقديراتك ايه ؟
_ سنه 1 و2 جيد جدًا و3 امتياز ..
_ و4 ناويه امتياز ؟
_ إن شاء الله ..
_ حابه تدرسي هنا تكوني معيدة .
تحدثت احدى صديقاتها :
_ ميما حلمها تسافر برا وتعمل معرض خاص بيها زي حضرتك
شعرت مريم بالاحراج وتحدث ايها بلطف :
_ انا متأكد ان معرضها هيكون من انجح المعارض انا من دلواقتي حجزت دعوة اتفقنا .
قالت مريم بخجل:
_ لسه بدري ع الخطوة دي .
_ كل حاجة بتبدء بحلم.. انا كنت بحلم اسافر وسافرت ويكون ليا معرضي الخاص واتحقق ومن اهم احلامي كان ارجع الكلية هنا وادرس فيها واتحقق اهو .. الاحلام مبتتنتهيش السعي والمثابرة نتائجهم مبهرة.. وانا واثق ان مريم هتكون فنانه اسمها له سيط كبير فى الوسط .
_ ميرسي يا دكتور .
_ دكتور ايه ؟ احنا اتفقنا ع ايه ؟
ابتسمت وقالت :
_ ميرسي يا ايهاب ..
نظر اليها مبتسمًا :
_ ايوة كدا ..اتشرفت بيكي يا مريم .. واجهزي هنتكلم كتير مع بعض استعدي للصداع وبعتذرلك مقدمًا ( ضحك وضحك الجميع وقال لها ) اتفضلي اقعدي .
كان لكلماته وقع مريح فى قلبها ونظراته المتفهمه قللت من شعورها بالحرج ..جلست مجددًا والابتسامة تملأ وجهها وكأن هذا الموقف رغم بساطته أعاد ترتيب يومها على نحو مختلف .. بدء ايهاب يتعرف على اسماء المجموعة وتقديراتهم واحلامهم وطموحاتهم والحديث كان أكثر ألفة بينهم كأصدقاء .. وقف ايهاب وقال :
_ بعد ما اتعرفنا .. مش هكرر لكم اى حد محتاج سؤال استفسار مساعدة ميتأخرش ولا يتردد انا موجود دايما لكم ، وعشان الترم دا يكون مميز وذو أثر معاكم بجانب التدريس هعمل مسابقة صغيرة بين المجموعات كلها .. المسابقة مدتها مدة التدريس 3 شهور لان خلال 3 شهور هيكون فى تصفيات لغاية ما نوصل لنهائي لافضل 5 والجائزة هتكون لوحة من لوحاتي المميزة وعليها توقيعي للفائز ..
تحمس الجميع للفكرة واستكمل حديثه وقال :
_ هعرفكم التفاصيل وعاوزكم تشدوا عزيمتكم وانا متوقعة هتطلعوا احلى شغل .. بالتوفيق للجميع .
حين علمت مريم بالجائزة اشتعل الحماس فى عينيها كشرارة مفاجئة كأنها تلقت تحديًا تنتظره منذ زمن ، لم يكن مجرد حافز عابر بل إحساس قوي بأنها قادرة وأن هذة فرصتها لتثبت نفسها رددت هامسة ( انا اللى هاخد اللوحة ) كان بداخلها يقين لا يتزعزع وإصرار كمن رأت الهدف امامها بوضوح ..كانت متحمسة مليئة بالطاقة مستعدة لبذل أقصى ما تملك من مجهود للحصول على اللوحة .
فى طريق عودة مريم وزين الى المنزل بعد الجامعة ، كانت مريم تسير بجانب زين بخطوات خفيفة تكاد من الحماس تلامس الارض .. كانت تتكلم بسرعة وتعبر بعينيها ويديها وكأن الكلمات لا تكفي لوصف ما تعيشه .. تتكلم عن محادثة الودية مع ايهاب فهمي و المسابقة والجائزة .. عن اللوحة التى سترسمها وتفاصيلها وزين ينظر لها مبتسمًا ويهز رأسه بين الحين والاخر مؤكدًا لها بفوزها بالجائزة .. كان يستمع بانصات حقيقي بدون مقاطعة ، يرد بلطف ويشجعها ..كان واضح إنه فخور بيها وسعيد بحماسها ويشعر بالاستمتاع بسماع صوتها وهي تتحدث عن شئ تحبه ..كانت لحظات ولكنها مليئة دفء وسند من زين .
استمر كريم فى زيارة منزل ملك والجلوس مع والدتها ويتبادل معها اطراف الحديث وملك ملتزمة الصمت والتجاهل اتجاهه .. تركتهم ودخلت للمطبخ وتحدث كريم :
_ مبتزهقوش يا طنط من قاعدة البيت كدا .
_ انا عادي متعودة خرجت زي لا ، لكن ملك اللى ربطت نفسها جنبي .
_ هي مفكرتش تشتغل .. اهو يعني تسلي نفسك وتشغل وقتها وتخرج من البيت .
_ كانت شغاله فى القاهرة لكن لما تعبت اوي وعملت العملية سابت الشغل عشاني، كذا مرة اقولها شوفي شغل وانزلي انا بخير لكن هي بترفض .
صمت لحظة وقال :
_ طيب ايه رايك يا طنط فى شغل مواعيده كويسه ومكانه قريب من هنا ، يعني اى وقت تحب ترجع البيت فى اقل من 10 دقائق هتكون هنا يعني مش هتحسي بغيابها .
_ بجد.. فين دا ؟
_ معايا ..
_ معاك فين.. انت مش شغلك فى القاهرة ؟
_ ايوه شغلى فى القاهرة لكن هنفتح مقر تاني هنا فى الاسكندرية واكيد مفيش احسن من ملك تكون معانا يعني .
اثناء مغادرة ملك المطبخ سمعت كلمات كريم وتبدلت ملامحها ، وضعت الاكواب على الطاولة بصمت وجلست تستمع دون تعليق .. نظرت اليها والدتها قائلة :
_ كريم عاوزك تشتغلى معاه فى شركته يا ملك هنا ايه رايك .
_ اه.. جميل .. بس احنا مش عاوزين نتعب كريم ونكون حمل عليه .
تحدث كريم بحماس :
_ لا خالص .. بالعكس دا هيكون مكان جامعنا كلنا ..ماهو زين قرب يتخرج وهيكون معايا .. ايه رايك ..؟
_ هفكر وارد عليك .
_ وانا منتظر ردك وبالمرتب اللى عاوزاه .
_ ان شاء الله .
استأذن كريم مغادر ورافقته ملك للخارج وقبل ان يصعد السلم استوقفته ملك:
_ كريم .
التفت اليها مسرعًا :
_ ايوه ..
_ عرضك للشغل مرفوض ..
_ ليه ؟
_ انا ليا اسبابي الخاصة مش لازم اقولهالك ، بعد أذنك متفتحش الموضوع تاني مع ماما ممكن ؟
وقف كريم للحظة فى صمت واستكملت ملك حديثها بملامحها الحادة وقالت :
_ زياراتك الكتير لينا دي لو عشان ماما لاننا جيران وكدا تنور فى اى وقت لكن لو نيتك حاجة تانية ف اتمنى تقطعها .
_ ملك .. انا بحاول اتكلم معاكي، انا بعترف انى غلطت في حقك زمان واللى عملته مش سهل يتنسي لكن انا عاوزك تعرفي ..
قاطعت حديثه:
_ انا لا عاوزة اعرف ولا اسمع يا كريم .. انا قفلت ع الماضي بكل اللى فيه معنديش استعداد افتح الباب تاني ، شغل .. انا اروح اغسل اطباق وامسح لكن متجمعش معاك فى مكان واحد يا كريم .. اعتقد الرسالة وصلت والباب اتقفل .
صدم كريم من كلماتها .. استأذنت واغلقت الباب .. كانت لحظة قصيرة ولكنها مشحونة بكل ما لم يقال من قبل ، رفض للعودة وللذكريات وللمحاولات .
وقف كريم متجمد فى مكانه كأن الصدمة شلت حركته وعيناه غارقتان فى شرود غريب .. لم ينطق كلمة فقط أستدار ببطء وصعد درجات السلم المؤدي الى السطح وكأنه يهرب من ضيق يعتصر قلبه .. كان السطح هادئًا نوعًا ما ينساب منه نغمات موسيقى .. اقترب الى الداخل كانت مريم فى غرفة المرسم ترسم وهي تستمع الى الموسيقى تركز في لوحتها .. أصابعها ملطخة بالالوان وعيناها تتابعان الفرشاة بانسجام تام غافله عما يدور خارج الغرفة .. زين كان يجلس امام الطاولة فتح اللابتوب وعيناه مثبتتان على الشاشة ويدندن مع الموسيقى ..
تحرك كريم بخطوات هادئة دون أصدار صوت ووقف خلف السور ينظر الى الشارع اسفله .. أخرج سيجاره وأشعلها بصمت ثم وقف ينفث الدخان ببطء كأنه يحاول أن يخرج ما يؤلمه مع كل نفس .. ما إن صعد كريم حتى شعر زين بشئ مختلف ، ملامح كريم كانت متغيرة .. اغلق اللابتوب بهدوء وأقترب دون أن يقول ووقف بجانبه :
_ ايه يا كيمو داخل كدا لا سلام ولا مسا ولا كلمة كويسة .
استمر كريم في صمته وتعجب زين :
_ فى حاجة حصلت ولا ايه ؟ فى ايه ؟
_ مفيش حاجة عشان تحصل .
_ باين الموضوع كبير .. شككلها ملك صح ؟
صمت كريم وتأكد زين :
_ يبقى ملك.. حصل ايه ؟
اطلق كريم تنهيدة فى الهواء وقال :
_ مكنتش متوقع بعد السنين دى ظهوري هيضايقها بالشكل دا ؟
_ واضح انها قالتلك كلمتين مش لطاف .. بس ارجع واقول اللى عملته معاها مش سهل تنساه كريم انت سيبتها واتجوزت فاهم الموقف ..
_ فاهم يا زين.. فهمت بعد ما عملت كدا انى اتسرعت وكنت مغيب وطايش ورجعت ندمان وبحاول اصلح بس مفيش فايدة باين..
_ بص يا كريم ..سيبها للوقت .. رغم السنين دي وهي زي ماهي بس محدش عارف ممكن مع الوقت حاجات تتغير .. اوقات كتير بيداوي .
ضحك كريم بسخرية :
_ الوقت .. الوقت بيموتنا مش بيشفينا يا زين .. الانتظار مميت أنت بتكون مش عارف هتشفى جروحك ولا مع مرور الايام هتتوجع أكتر .. الوقت خنجر بيحفر فى حياتنا وعمرنا واحنا مستسلمين متوهمين بالعلاج وبنتوهم اننا نسينا وصدفة واحدة صدفة واحدة الجرح بيفتح تاني وأعمق .
_ انا مقولتش هينسي .. الوقت ممكن يساعدك تتأقلم مبتنساش .. لكن رغم كدا فى جروح مع الوقت بتتداوى وبيتحول لذكرى مبتأثرش .
_ لما تكون مجروح مش جارح يا زين ..
_ مش فاهم ؟
_ جرح انت السبب فيه ودا الجرح الوحيد اللى الوقت مش علاجه لان مهما مرت السنين وتهيألك ان الشخص اللى أذيته عاش حياته وطبيعي كلمة واحدة تتقال قصاده تفتح الجرح فى لحظة .. الشخص اللى اذيته دا بيكون عايش روح مجروحه بتنزف طول الوقت مبيحسش بيها حد غيره وملهاش علاج عارف ليه ؟
_ ليه ؟
_ لانه معالجش الجرح فى الاول هو تجاهله بدون علاج عشان كدا فى لحظة بيرجع للحياة كأنه لسه حصل حالًا .. الوقت .. الوقت مهمته ان المجروح يستجمع فيه شجاعته ويواجهه جراحه ويعالجها واللى جرحه يعالج لكن لو المجروح رفض الجرح بيفضل عايش مبينتهيش فبيكون فى اتنين موجوعين المجروح واللى جرحه ودا بيبقى العذاب الابدي .
_ تقصد ايه ؟
_ اقصد أن ملك موجوعة مني لانها هانت عليا فى أكتر وقت كانت محتاجاني فيه معاها وسيبتها بسهولة واتجوزت وعيشت حياتي وانا مش فاهم اني سببت لها فى جرح هيعيش معاها العمر كله .. كنت متوقع هتنسي وهتكمل حياتها لكن هي كملت حياتها مش ناسيه . محاولاتي لأصلاح الجرح دا بتفشل ودا مسببلي وجع هنا ( اشار الى صدره) بتعذب بجرح انا سببه يا زين .
_ عشان كدا مرتبطتش بواحدة بعدها .
_ انا محبتش حد زيها يا زين .. اى واحدة عرفتها كانت محاولة لتشتيت لا أكثر عن شوقي ليها .. كل واحدة بكون معاها فى كل لحظة بتمنى تكون ملك اللى معايا ( شرد زين للحظات والتفت ونظر الى مريم وهى ترسم ومندمجه وانتبه لحديث كريم ) انت فاكر انا محاولتش اتواصل معاها .. حاولت كتير لكن هى طلبت مني مظهرش قدامها تاني وانا احترمت طلبها ومكنتش اتوقع انها فى يوم هترجع هنا .. حسيت ان القدر بعتلي فرصة وانها مستعدة تسامح وبحاول استغل كل الفرص اكون قريب منها لدرجة انى طلبت منها تشتغل معايا فى الشركة اللى هفتحها هنا عارف ردت قالت ايه ؟
_ قالت ايه ؟
_ قالت انها تغسل اطباق وتمسح لكن متشتغلش معايا فى مكان واحد ..
صدم زين :
_ يااااه لدرجة دي ؟
_ انك توجع الشخص الوحيد اللى قلبك قفل عليه .. الوجع بيكون مناصفه بينك وبينه وضعف لانك السبب ..عشان كدا بقولك اياك وانك تكون سبب وجع حد بتحبه يا زين .. اياك .
فى تلك اللحظات سمعا صوت خلفهم :
_ بتنموا من غيري ولا ايه ؟
التفتوا الى مريم وكانت ملامحهم متغيرة وزين حدق بمريم للحظات وقالت :
_ ايه دا هو الموضوع حيوي اوي كدا .. فى ايه ؟
طفى كريم السيجارة وقال :
_ زيزو يحكيلك لانى نازل انام .
بالفعل تحرك كريم للاسفل وجلس زين وجلست مريم بجواره :
_ فى ايه ؟ كدا متقوليش ان فى نم ورغي وتندهلي اقف معاكم واسمع ؟
_ ماهو انتى عايشه فى كوكب زمردة مع ايهاب توفيق ولوحاته .
_ يا غلس ..انت عارف انا مركزة كدا ليه عشان المسابقة .
_ يارب تخلص ونخلص ويرجع مكان ما جيه ونخلص من الحكاية دي .
_ ماهو انا هروحله كدا كدا .
نظر اليها بغضب :
_ هتروحي لمين وفين ؟
_ فى ايه مالك.. مش حنا قولنا هخلص وهنسافر ايطاليا ونحضر معرض له هناك .
_ خلصي الاول ويحلها ربنا ..
_ قولي طيب ايه حصل ؟
تنهد زين :
_ كريم حاول يتكلم مع ملك وصدته بطريقة صعبة اوي .
_ بتتكلم بجد ..
_ يعني هحور عليكي.. فاتحها فى انها تشتغل فى مقر الشركة اللى هيفتحه هنا وهي رفضت رفض نهائي .
_ وهيعمل ايه دا كان متحمس للشركة دي اوي كدا خلاص .
_ خلاص ايه.. انا شريك معاه بعد ما اخلص هنزل معاه ودا سبب انه يفتح مقر هنا بدل ما اروح القاهرة .
_ انت خايف تخرج من الاسكندرية توه ولا ايه .. ايوه القاهرة كبيرة بس مش لدرجة يعني .
_ يا عسل .. ايه السكر دا .. انا لو بعدت عن الاسكندرية انتى اللى هتوهي .
_ بصراحة ايوه ..مش هنكر .
_ عشان كدا عملت جميلة فيكي تفتكريها باقي عمرك انا ضحيت انى اروح القاهره معاه هناك وزنيت عليه يفتح مقر تاني هنا واكون معاه عشان مبعدش عنك وتكوني تحت عيني رايحه جايه كدا يعني .
_ بتفكرني بشخصية الست ام نظاره اللى مرقباك وهرقبك دي .
ضحكا وقال :
_ بالظبط كدا .. القلق منك تغدري بيا .
_ انا خالص هروح فين .. انا هنا مش هتحرك
تنهدت مريم:
_ بس كريم صعبان عليا اوي .. انا افتكرت ان رجوعها فرصة ذهيبة وهيتقربوا لبعض وكدا .
_ هو كمان افتكر كدا وبناء عليه تعامل لكن النتيجة مش في صالحه خالص .
_ واضح انها منسيتش خالص ..
نظر زين الى مريم وقال :
_ اوعدك يا مريم انك مش هتتوجعي انا مش هسمح انك تتوجعي اصلًا .
تفاجئت مريم من كلماته وصمتت واستكمل حديثه:
_ خليكي معايا انتى في الامان لغاية ما اوصلك لابن الحلال اللى اكون متأكد انه يستاهلك .
ضحكت مريم :
_ حاضر ..
نظر اليها لثوان وانتبه وقال :
_ ها .. ايه الدنيا هترجعي لصومعتك مع لوحات دافنشي ايهاب توفيق .
خبطته فى كتفه:
_ بجد مش عارفه من غير خفه دمك دي هنعيش ازاى .
_ يلا عيدوا جمايل .
_ يا عسل .. بقولك ايه انا جعانة وانت ؟
_ لو مش جعان هتجوعيني .. يلا ننزل سوسن عامله شوية محشي نسخن وناكل .
_ لا مش عاوزة محشي انا ..
_ ايوه انا فهمت النظرة دي ..
_ فهمت ايه ؟
_ اكسترا تشيز حجم كبير صح وطبعا الفريزسخنه وحاجة ساقعة مشبرة
_ يا سلام عليك يا زيزو وانت قاريني .. يلا بقى اطلب .
_ وهناكل ع الناشف كدا ؟
_ لا ازاى ... نشغل فيلم ونفصل عن العالم .
_ اشطاه جدًا .
طلب زين الطعام وجلسوا على الاريكة والبيتزا امامهم تفوح منها رائحة شهية يشاهدان فيلم كوميدي ، ضحاتهما تتعالي بين الحين والأخر تملأ المكان دفئًا وحياة وكأنهما وحدهما في هذا العالم .. لا شئ يهم سوى اللحظة التى تجمعهما عيونهما تلتقى أحيانًا وسط الضحك تلمع بسعادة اللحظة .
في يوم ملك عائدة الى البيت تحمل اكياسًا مليئة بالمشتريات ، خطواتها سريعة بعض الشئ حتى للا تتأخر عن والدتها .. ما إن فتحت باب البيت حتى تباطأت فجأة .. رأت والدتها جالسة فى الصالة تبتسم وتتكلم بود مع جارتهم .. الجو كان هادئًا وأكواب الشاى لا تزال على الطاولة.. اقتربت اليهم :
_ السلام عليكم .
ابتسمت جارتها :
_ وعليكم السلام .. ازيك يا ملك .
_ الحمدلله يا طنط ..
نظرت الى والدتها :
_ طيب انا هستأذن ياام أشرف وهبقى اجيلك تاني تقوليلي ايه الاخبار ..
انصرفت جارتهم مغادرة وعادت ملك وجلست الى جوار والدتها ك
_ هو في حاجة ولا ايه ؟
_ ارتاحي طيب الاول وبعدين نتكلم .
_ انا مرتاحة .. فى ايه ؟
صمتت للحظات وكانت ملامحها مترددة :
_ في عريس ليكي .
تفاجأت ملك :
_ عريس ..
_ ايوه ابن اختها راجع من السفر وبيدور على عروسة وهي شافتك مناسبة له واتكلمت معايا .
_ وبعدين .
_ ملك يا حبيببتي .. انا نفسي اطمن عليكي .. اتجوزي يا حبيببتي وعيشي وكوني عيلة واطفال .
_ هو انا اشتكتلك يا ماما .
_ انا نفسي اطمن عليكي وهو هياخدك لبرا مصر هو عايش فى الكويت شغال هناك هياخدك وتبعدي عن كل حاجة وهترتاحي .
_ ومين قال ان انا هرتاح .. ماما ارجوكي دا قراري واختياري ومتقلقيش عليا.
_ ملك
قاطعت حديثها :
- خلاص يا ماما الموضوع خلص وبلغي طنط ان العريس مرفوض ... انا هدخل المطبخ اعمل الغدا قبل ما أشرف يجي ويضايق ان الغدا مخلصش .
توجهت الى المطبخ لاعداد الطعام .. بعد مرور ساعات وصل أشرف اخيها ، جلس مع والدتها فى الصالة وكالعادة جاء بمفرده .. تجمع الجميع حول مائدة الطعام ..كانت ملك صامته اغلب الوقت وظل اخيها اشرف يتحدث مع والدتها .. بعد الغداء قامت اعداد الشاي ، خرجت من المطبخ تقترب الى الصالة وقفت فجأة حينما سمعت حديث أشرف ووالدتها حينما قال :
_ الحمد الله انها رفضت .
اجابت والدتها :
_ ايه اللى بتقوله دا .. انت مش عاوز تفرح ب أختك يا أشرف ؟
_ عاوز طبعًا .. بس انتى بتقولي دا عايش فى الكويت يعني هي هتسافر معاه .
_ ما دا الطبيعي يا حبيبي هتكون مع جوزها .
_ وانتى ؟
تفأجئت:
_ انا ايه ؟
_ هتقعدي لوحدك ازاي ؟
_ انا .. انا ..
_ لو عريس وهتعيش جنبك هنا مفيش مشاكل ومبروك من دلواقتي ولو في محافظة مفيش مشاكل سهل تروحي تعيشي معاها لكن برا مصر .. صعبة .. كويس انها رفضت والله .
تقدمت ملك وبملامح حادة :
_ يعني دا سببك للرفض انه عايش برا غير كدا كنت هتوافق .
_ ماهو انتى متفكريش فى نفسك .. فكري فى امك .
قالت ب إنفعال:
_ وامك.. هي كمان أمك ومسئولة منك زي ماهي مسئولة مني ..هي مسئولة مننا احنا الاتنين ، لكن الحقيقة انك شايل ايدك وانا اللى شايلة كل حاجة تخصها وانت تيجي مرة فى الشهر وتكلمها دقيقة لما تفضى .
تحدثت والدتها بنبرة حزن قاطعهتا ملك:
_ مفكرتش تقولنا تعالوا اقعدوا معايا نتونس ببعض بدل ما احنا قاعدين لوحدنا والجيران هما اللى بيساعدوني لو حصل حاجة .. انت عارف انا بخلى مرات البواب تقعد معاها لو خرجت جيبت طلبات من برا عشان ابقى مطمنة .. انت طبعا مفكرتش ولا هتفكر فى كدا .
تحدث بنبرة عصبية:
_ انتى بتتكلمي معايا كدا ازاي ؟
اجابته بعصبيه:
_ انا اتكلم براحتي بالطريقة اللى تريحني .. بعد وفاة بابا مليش كبير يا اشرف فاهم .
ملامحه الغاضبة اقترب نحوها ويستعد بضربها بالقلم امسكت والدته يده :
_ عشان خاطري لا يا اشرف لا يا حبيبي .
نظر الى والدته بغضب :
_ دلعك وتربيتك اللى خلاها تتكلم معايا كدا .. بصوا انا مليش علاقة باى جواز عاوزة تتجوز متتجوزش براحتها ومتكلمنيش تاني علشانها فى اى حاجة .. وانا مش هاجي تاني هنا غير لما تحس بغلطتها وقله أدبها معايا .
دوي صوت الباب وهو يغلق بعنف ، خرج أشرف غاضبًا .. وقفت ملك مكانها فى ذهول وصدمة تحاول أن تستوعب ما تعيشه .. نظرت الى والدتها التى كانت ملامحها مزيج من الحزن والعجز .. نظرت اليها فى عتاب :
_ ليه يا ماما قولتيله .. انا قفلت الموضوع .
_ كنت عاوزاه يتكلم معاكي ويقنعك.. مكنتش اعرف ان دا رده مكنتش اعرف .
_ من امتى اشرف بيفكر فيا ولا فيكي يا ماما عشان يقول رد احنا متوقعينه .. دا أشرف يا ماما .
نظرت والدتها نحوها بحزن وامسكت يدها :
_ لو بتحبيني يا ملك وافقي ع العريس وسافري معاه .
_ ايه اللى بتقوليه دا يا ماما .
_ بقول الصح المفروض يحصل .. انتى ملكيش ذنب تتضيعي عمرك وشبابك فى القاعدة جنبي يا بنتي .. عيشي حياتك ..
امسكت ملك يدها وربتت على يد والدتها :
_اى حاجة في الدنيا تهون عشانك .. وانا اللى رافضة لاني مش عاوزة يا ماما مش عشانك انتى وبس .. انا اللى مش عاوزة وسبيني ع راحتى .
_ سامحيني يا ملك .. سامحيني يا بنتي .
قبلت يدها ورأسها قائلة :
_ متقوليش كدا يا ماما .. انتى سامحيني لو قصرت معاكي فى حاجة .
_ ولا مره قصرتي .
_ ولا هقصر معاكي .. انتى متزعليش نفسك ويلا ادخلي خدى العلاج وارتاحي شويا .
ليلًا بعد ان تأكدت ملك من تناول والدتها الدواء واستسلامها للنوم ، صعدت الى السطح وكانت مريم بمفردها وتفأجأت بها :
_ ملك.. انا كنت فاكراكي زين ؟
_ هو جاى دلواقتي .. انزل انا ..
امسكت يدها وجلست :
_ لا لا هو ع القهوة مع اصحابك ومش هيرجع دلواقتي .. بس ايه المفاجأة الحلوة دي.. ايوه كدا انا عاوزة رجلك تاخد ع السطح زينا كدا ونتونس ببعض .
رات اللوحات والالوان :
_ انا معطلاكي ؟
_ لا خالص .. كنت هاخد استراحة .. اصل عندي مسابقة فى الكلية وفي جايزة ف تلاقيني فاحته نفسي بجهز .. ها عامله ايه وايه الاخبار ؟
_ الحمدلله ..
_ كنت سمعت ان فى عريس صحيح ؟
_ هو الاخبار لحقت توصلكم ..
_ مرات البواب كانت عندك ف اعرفي ان العمارة كلها عرفت .. بصراحة نفسنا فى فرح وكله فرح .
_ للاسف مفيش فرح .
_ ليه ؟
_ رفضت العريس .
نظرت اليها مريم :
_ ليه رفضتي .. طيب شوفيه الاول مش يمكن يعجبك وترتاحيله .
_ كان ممكن اشوفه لو عندي استعداد لكن انا غير مستعدة اقعد مع حد ونتكلم ونتعارف ونشوف هننفع ولا لا .. لا لا مش هقدر .
_ ليه يا ملك ..
_ لاني مش عاوزة يا مريم .
_ ليه مش عاوزة فهميني ، هل بسبب حد ولا ..
قاطعتها :
_ لا مش بسبب حد .. بسبب الايام والظروف اللى عشتها اللى خلتني اشوف كل حاجة من منظور مختلف عنكم.. انتم شايفين الجواز عريس مناسب ابن حلال وجاهز يلا جواز .. لا انا بنسبالي الجواز مش مجرد عريس جاهز ومناسب .
_ اومال ايه ؟
_ انك تختاري شخص مش يشاركك الاكل والشرب والنوم ويصرف عليكي ، الارتباط يعني شخص يشاركك فى المحن والمشاكل والوجع .. يكون الايد الوحيدة اللى بتطبطب عليكي .. الحضن الوحيد اللى لحظة ما يضمك بيدوب اى وجع حساه، السند والضهر والحماية من الدنيا وغدرها .. يفضل ماسك ايدك ميسبهاش .. يحس بيكي اكتر من نفسك .. الارتباط او الزواج مش كلام الرومانسي وفلوس .. بيكون ارتباط روحين مع بعض بيكونوا مع بعض روح واحده لكن فى جسدين .
_ طيب ما انتى لازم تعرفي شخص تتعرفي عليه عشان تحكمي هو كدا ولا لا .
_ لو في استعداد ممكن غير كدا لا صعب ..مستحيل الحكم هيكون صح .
_ ليه ؟
نظرت اليها بعيون وملامح حزينة :
_ فى أحساس بيتولد جوه الانسان مع الوقت بيخلى الالوان كلها لون واحد فى عنيه ، صعب ينبهر ب أى لون لانه مش شايفه .. بالتالي وقت الاختيار والضغط عليه يختار الشخص دا مش هيحتار هو هيمد ايده وزي ما تطلع معاه هياخده .. عارفه الاحساس دا اسمه ايه ؟
_ ايه ؟
_ موت الروح .. روحك بتحتضر ومع الوقت بتموت وبتفقد الاحساس والتمييز وقتها مبيفرقش معاكي اى حاجة حصلت زى محصلتش ..مفيش انبهار مفيش اختيار صحيح .
_ والروح دي مبيتردش فيها الحياة تاني ؟
_ ممكن لكن مش سهله ..لان الروح فى الحالة دي بتكون تعبت وبقت فتافيت فمين اللى هيكون عنده صبر وطاقة وارادة انه يجمعها تاني .. بتكون صعبه جدًا لان بنسبة كبيرة محدش بيحس بيها لانها عايشه بتتنفس هما شايفنها كدا لكن الحقيقة هى بتحتضر .
_ بجد مش عارفه اقولك ايه .
_ متقوليش حاجة ..انا مش عاوزة اسمع حاجة لان مفيش حاجة هتتغير دا واقع وانا تقبلته بصدر رحب .
_ بصي اللى اقدر اقوله ليكي ( وضعت يدها على يد مريم ) ان انا موجوده فى اى وقت تحتاجي اخت تحكي وتتكلمي وتفضفضي معاها ، احنا كلنا موجودين ليكي.. احنا عيلتك هنا لاننا معتبرينك من العيلة ..
_ اكيد ..
مر 3 أسابيع وزين لم يلتقى مع مريم كما المعتاد لانشغالها ..كانوا ال 3 أسابيع على زين كأنهم 3 أعوام .. مريم غارقة تمامًا فى المسابقة ومحاضرات الجامعة .. كانت تجيب ع رسائل زين متأخر وبردود قصيرة .. حاول زين بكل الطرق ان يلفت نظرها من جديد ، كان ياتي بالطعام كانت تتناوله وهى تنظر فى اللاب توب .. البيتزا الاكله المفضلة لها كانت تتناولها وهي تتحدث مع اصدقائها عبر رسائل الواتساب .. يطلب منها تشاركه فى مشاهدة فيلم كنت تجلس لوقت قصير ثم تعود الى المرسم لتذكرها تفصيله فى رسمة .. عبر لها عن زعله ولكنها صالحته بلطف ولم يدوم الامر واليوم التالي عادت الى عالمها المزدحم .. فكان يشعر بالضيق ولكنه لم يريد أن يضغط عليها فكان يسندها ويشجعها لانه يعلم مدى اهمية الفوز بالجائزة لها ..
صعد زين الى السطح ويحمل في يديه طعام وحلويات لمريم .. دخل المرسم ولكن مريم غير موجوده بالداخل كان متوقع ان يرأها كعادتها مند\مجة فى الرسم ولكن الغرفة فارغة .. دخل بخطوات بطيئة وقف وسط المرسم ورأى الفوضى الجميلة التى تحبها مريم الوان مبعثرة وفرش ملطخة واوراق على الأرض ولوحة كبيرة التى تعمل عليها مريم .. اقترب من اللوحة وعيون لمعت وارتسمت ابتسامة ع وجهه وهو يتأمل تفاصيل اللوحة .. لمس بأطراف أصابعه رسمه اللوحة وكأنها يتقمص شخصية مريم ويرسم .. اثناء تجوله وقعت عينيه على صورة ايهاب مختار .. اقترب اليها ونظر اليها بغضب وقال :
_ اللى احنا فيه دا انت السبب ، مش كان كفايه الكلام عنك عن بعد وكنت بستحمل واقول دا كلام، تظهر فجأة كدا وتاخدها مني حقيقي وتشغلها لدرجة دي .. اه لو اشوفك اديك بوكس بضحكتك المستفزة دي .. مش عارف انا هي معجبة ايه فيك عشان بترسم .. اومال لو بتغني كانت عملت ايه ( امسك اطار الصورة ) هانت هانت كلها شهرين وكل واحد هيرجع مطرحة ومش هنشوفك تاني .. هستحمل بس عشان اوصل لليوم دا اللى تسيب فى الكليه .
وهو يقف سمع صوت خلفه :
_ زيزو
تفاجئت وسقطت من يده الاطار وارتطم بالأرض واستدار للوراء :
_ ايه دا .. اعملي اى حاجة يا شيخة خضتيني .
_ يا نونو .. اتخضيت .
_ اتنحنحي ولا حاجة .
انحنت على الارض وامسكت الاطار :
_ عارف لو كان حصله حاجة عارف كان ايه هيحصل ؟
_ كان ايه هيحصل يعني محسساني وقعت صورة العندليب .
_ كنت خليتك عملت برواز تاني ع حسابك وبرواز غالي كمان .
_ كمان ..
_ ايوه .. انت مش المفروض رايح خطوبة اخو صاحبك .
_ ايوه .. كنت جاى اغريكي بالحلويات دى انك تيجي معايا وتفكي بقى شويا .
_ لا مش عاوزة .. انا ورايا حاجات هعملها .. روح انت انبسط وانبسطلى معاك
_ متاكدة مش عايزة تيجي ؟
_ اه بجد.. روح انت ( امسكت الحلويات ) وانا هنقنق فى دول .
_ ماشي .. بس عشان تكوني عارفه اللى بيحصل دا مش حلو ماشي .
_ المسابقة تخلص وصدقني هعوضك
_ ماشي ماشي ..
بعد مرور يومين كان عيد ميلاد زين .. استيقظ زين ذلك الصباح بقلب ملئ بالترقب، اليوم هذا دائما بيبدء بطيف أبتسامة مريم وتهنئتها البسيطة التى تحمل له معاني كثيرة .. ارتدى ملابسه وذهب الى منزلها بحمل بداخله أملًا صغيرًا بأنها تحضر له مفاجأة كالعادة .. ليس لانه يحب الاحتفالات والمفاجأت ولكنه اعتاد أن يبدء يومه بمريم كلمة منها وإن كانت قصيرة كانت تكفي لتجعل يومه مختلفاًا .. ذهب اليها ليذهبا سويًا الى الجامعة .. ولكنه فؤجئ انها سبقته بذهابها الى الجامعة .. تفاجئ وصدم للحظات لتغيب مريم عن ذلك اليوم لأول مرة في حياتهم .. ذهب الى الجامعة وجلس برفقه اصدقائه وسط ضحكاتهم وأحاديثهم كان زين شارد عنهم ينظر الى الموبيل بين الحين والاخر يتفقد الاشعارات الواتساب والانستجرام والفيسبوك ولكن ولا شئ منها ..
كان قلبه يضيق شيئًا فشيئًا بين خيبة الأمل ووجع الانتظار .. شعر أنه أصبح تفصيلة ثانوية فى حياة مريم وهناك اشياء اخذت مكانه واهتمامها ..
كان زين جالسًا مكانه صامتًا ، اقترب اليه صديقه وطلب منه ان يرافقه الى مكان ما :
_ بقولك يا زيزو .. قومي تعالي معايا كدا هنروح مكان هنا .
_ لا رايح ولا جاى
_ عشان خاطري.. مكان قريب عاوز اوريلك حاجة مهمة .
_ مليش مزاج بجد اتحرك .
_ ماهو انت قاعد مبتعملش حاجة يا جدع .. تعالي يلا مش هنتأخر يلا ..
زين نظر اليه بتردد ولكن صديقه الح واصر على الذهاب معه .. بعد لحظات من الالحاح وافق اخيرًا زين ومشى معه بخطوات بطيئة وذهن مشوش وقبل وصولهم للمكان طلب منه صديقه ان يغمض عينيه :
_ اغمض عيني ليه ؟
_ محضرلك مفأجأة .. ارتحت .. اسمع الكلام بقى فرهدتني .
_ عارف لو مقلب يومك مش هيعدى وانا كدا كدا مش طايق نفسي هطلع كله فيك .
_ لا مش مقلب هو انا مستغني عن نفسي .. يلا بقى يا جدع .
اغمض عينيه واتبع تعليمات صديقه .. وبعد خطوات وقف وقال له صديقه :
_ فتح عينك يلا ..
فتح زين عينيه وصدم .. كانت امامه مريم تقف بابتسامتها المعتادة وبجانبها طاولة صغيرة عليها اكلته المميزة ( سندوتشات كبدة وسجق ) لكن بطريقة مبتكرة تم ترتيبهم على شكل تورتة واعلى السندوتشات فى القمة شمعة صغيرة مضاءة .. نظر اليها زين وعينيه مليئة بالدهشة وكان قلبه ينبض بسرعة .. قالت له :
_ هابي بيرث داي يا زيزو .
_ ايه دا بجد..
_ ايه رأيك.. فاكر لما عملت فيا كدا يوم عيد ميلادي كدا متعادلين .
_ انا قولت انشغالك نساكي .
_ انا انسى كل حاجة الا عيد ميلاد زيزو الشق .. بس بصراحة احمد وعبدالرحمن ساعدوني فى الترتيب دا مكنتش هعرف اعمله لوحدى ..
نظر اليهم وابتسموا له وعاد النظر اليها متعجبًا لم يتوقع أبدًا أن تكون هي من نظمت كل هذا أو أن يكون هذا هو احتفالها الخاص به .. مريم كانت مبتسمة بينما زين كان عاجز عن الكلام مشاعر مختلطة بين الفرح المفاجئ والدهشة كأنها أزالت عنه التوتر والضيق الذي كان يعانيه منذ وقت قليل وأعادته الى اللحظة التي كان يتمنى فيها أن يشعر بأنها تذكره وتشاركه اللحظة الخاصه بمولده .. انتبه ع صوتها :
_ يلا يا زيزو.. قول هوف للشمعه واتمنى امنية
اقترب ووقف بجانبها وقالت له :
_ كدا انا وقفت حالك رسمي البنات هتاكلني بنظراتهم .
_ متركزيش معاهم .. كفاية انتى موجوده ..
كان الصوت الوحيد الذي في المكان هو صوت الشمعة التى تنطفئ ببطء وزين يبتسم أخيرًا وهو يشعر أنه عاد ليجد شيئًا ما كان يظن أنه فقده ..