رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة السادس و العشرون 126 بقلم اسماء حميدة


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة السادس و العشرون



لم يخطر ببال سيرين أن يكون ظافر صريحا إلى هذا الحد خاصة بعد أن تراءى لها كيف أوقف ما كانا يفعلانه في منتصف الطريق بعدما خطت هي أولى خطواتها فتملكها حرج خانق كاليد التي تسحق زهرة قبل أن تتفتح.
في تلك اللحظة لم تعد تلك الفتاة المتهورة التي تقفز في غياهب المجهول دون تفكير فقالت بصوت خافت يتردد كأصداء بعيدة
لا أظن أن هذا... مناسب.
وعلى الفور أدارت رأسها بعيدا تهرب من مواجهة ذلك الذي كان يوما ملاذها.
لاحظ ظافر انكسار عينيها فابتلع ريقه في صمت ثقيل قبل أن يقول بنبرة تشي بشيء خفي
لا تقلقي...
كانت كلماته مثل صاعقة قصفت قلبها لتدرك أن الواقع يصفعها بيده الغليظة حالما أقر بكل برود أنها ليست على القدر الكافي من الأنوثة التي تجعله غير قادر على قطع وعد كهذا
إذا كنت ترغب في النوم هنا فسأذهب أنا إلى غرفة الضيوف.
استدارت لتغادر كمن يفر من ساحة معركة لم ترد خوضها أصلا إذ لم يعد للبقاء معنى بعدما أدركت أن ما تريده ليس في متناولها كالنجمة البعيدة التي لا تطال تحت ظل كلمة واحدة لن ألمسك.
لكن ظافر كعاصفة لا تهدأ أمسك معصمها بقوة تشبه قبضة القدركطوق لا يقبل

الفكاك وأطبق عليها بحنان فيه قسوة مبهمة.
ثم همس في أذنها بصوت يحمل نبرة إصرار لا تعرف الرحمة
لا تتحركي... ستبقين هنا في المستقبل أيضا... فأنا لا أستطيع النوم حين أكون وحدي.
كان صوته مثل قيد حريري يلتف حول عنقها فلا تدري هل تفر أم تستسلم.
وبرغم تشككها فيما تعنيه جملته الأخيرة إلا أنه لا يكذب فنذ أن غادرت صار الأرق رفيق ظافر الوحيد.
ابتلع من الأقراص ما يكفي لتنويم مدينة كاملة حتى أنه زار طبيبا نفسيا ظنا منه أنه ربما يجد عنده سكينة ضاعت بين يديه... لكن شيئا لم يجد....
كان من الصعب على سيرين أن تصدق كلماته فحين أنه قالها بتلك النبرة الواثقة كأن صوته وميض برق في عتمة حالكة فأردفت تقول بتحذير واه
من الأفضل أن تفي بوعدك.
استلقت سيرين على جانب السرير كمن يلجأ إلى ضفة بعيدة عن الطوفان ثم وضعت بطانية كثيفة تفصل كجدار صامت
أغمضت عينيها ولكن نومها كان ثقيلا كحقيبة محشوة بالهموم... فقد أخذت تستعيد في ذهنها ما قاله لها الطبيب قبل عودتها إلى المدينة
حين يفقد الإنسان وعيه يغيب عن الوجود وتبقى روحه هائمة في الفراغ... 
إذا أردت تحقيق ما تصبو إليه روحك فلا تدعيه
يفقد وعيه كليا... فالسبيل الوحيد أن تجعليه نصف غائب... نصف واع...
والخمر وحده من يفتح ذاك الباب
لكنها حين حاولت أن تجرعه كأسا واحدا وجدته يدس الكأس في يدها فيسقيها بدلا من أن يسكر... فظافر لم يكن من أولئك الذين يسلمون وعيهم بسهولة إنه مثل حصن عصي لا تقتحمه الرياح... حتى شادية بحيلتها الماكرة في تلك الليلة لم تفلح في خداعه وظل صامدا أمام خطتها.
عادت سيرين تفكر في ذلك
الآن وهما معا في كل يوم باتت ترى كيف يظل ظافر متيقظا حين يكون بكامل وعيه كمن يضع قلبه في قفص من فولاذ... لذلك إن أرادت حقا أن تسقط أسواره فعليها أن تجد لحظة يرخى فيها حذره ويترك قلبه ينساب إليها قبل أن تحاول تغييب وعيه من جديد.
وبينما كانت تلك الأفكار تتراقص في رأسها كأشباح متعبة غلبها النعاس شيئا فشيئا... حتى لم تدرك متى عبر ظافر ذلك الحد الذي رسمته وضمها إليه كما لو كانت واحة في صحراء روحه العطشى.
في تلك الأثناء كانت كوثر في منزلها جالسة في ركن هادئ من غرفتها تنهي المكالمة دون أن تدرك أن ظلالا خفية كانت تراقب كلماتها همسا وعلنا... فزكريا القابع في الغرفة المجاورة كان يسترق السمع وقد
زرع سماعاته بغرفتها وسريعا ما بدا عليه القلق كغيمة ثقيلة توشك أن تنهمر.
كانت ملامحه تنبض بدهشة صامتة وهو يدرك أخيرا سر اكتئاب سيرين الذي خيم عليها كليل بلا قمر فقد علم أن والده غير الشرعي ذاك الطيف الأسود الذي يعكر صفو حياتها هو من جلب نوح إلى هنا كما يجلب الليل خوفا موحشا بين طيات الظلام.
وحين سمع زكريا أن ظافر يطالب سيرين بسداد 7 9 مليار دولار شعر كأن هذه الكلمات سياط تلهب ظهره... فامتلأ صدره بعزم عنيد كجبل صامد وقرر أن عليه أن يضاعف جهوده في أروقة الشبكة المظلمة... ومن تلك اللحظة راح يعمل في الخفاء يلتهم الليل بسهره الطويل يكدس الخطط في ذهنه ويكدس المال في خزانة أحلامه.
هناك في مكان قصي يلفه الغموض كان يقبع قصر ناء أخفاه ظافر ككنز تحت رمال الصحراء بعيدا عن الأعين والقلوب.. إذ تربع القصر في أعماق غابة كثيفة حيث لا طريق يفضي إليه سوى الصمت والسراب.
أما الحراسة فكانت كأذرع فولاذية تطوق المكان تراقب كل شبر وكل نفس على مدار الليل والنهار... لا يدخل أحد إلا بإذنه ولا يخرج أحد إلا إذا شاء ظافر أن يفك قيده.
وهناك خلف أسوار صماء احتجز نوح كطائر في قفص
من ذهب لا يراه ولا يسمع عنه أحد.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1