رواية تؤام روح الفصل الثالث عشر 13 بقلم يارا سمير

 

رواية تؤام روح الفصل الثالث عشر بقلم يارا سمير

في المساء غادر زين منزله وتوجهه الى منزل ملك وهو يحمل بيده طبقًا مغطى بورق فويل تفوح منه رائحة  بسكويت طازج كانت من صنع سناء وسوسن وطلبا منه ان يقوم بغيصال الطيق الى والده ملك وملك  كنوع من الود والمجاملة .. طرق الباب بخفة ومالبث أن فتح حتى ظهرت امامه ملك ب ابتسامتها المعتادة :
_ زيزو ..
_ مساء الفل يا ملك ..
_ مساء الخير ..
_ طنط صاحيه ولا نايمة ؟
_ لا صاحيه جوه تعالي ..
 دخل زين الى الصالة حيث كانت والدة ملك تجلس تتابع التلفاز وما أن رأته  استقبلته بحفاوة :
_ اهلا يا زين ..
_ لا لا مش هينفع كدا.. ملك ؟
_ ايوه ؟
_ بعد كدا لو هتنزلوا لازم تقوليلي عشان اقفل الشارع ومسيبش حد واقف ليعاكس الجميل بتاعنا ..
 ضحكت والده ملك وملك :
_  دمك عسل يا زين.. طول عمرك كدا 
_ دا بس عشان انتى يا طنط .. اتفضلي  سناء وسوسن  نفسهم راحت لبسكويت  وعملوا وقالوا لازم ندوقك .. زي زمان يا طنط الطبق اللى كان بيطلع وبينزل لدرجة مكناش عارفين طبق مين لغاية ما اتكسر .
 ضحكت والدة زين:
_ كانت احلى ايام.. يسلم ايديهم .
 تركتهم ملك ودخلت المطبخ ..  وقال زين :
_ ان شاء الله هيعجبك .. انا هستأذن بقى محتاجين حاجة اى حاجة ؟
_ لا يا حبيبي تسلم .. ربنا يخليكوا لينا دايما واخدين بحسنا .
_ يا طنط احنا عيلة  متقوليش كدا .. انا ماشي ومش هكرر متتردديش لو محتاجة حاجة .
 التف زين وبدأ يتحرك اتجاة الباب استوقفته والدة ملك :
_ زين ..
_ ايوه ..
 اشارت له ليقترب اليها .. اقترب :
_ عاوزة منك خدمة بس بيني وبينك .
كانت تتحدث  بهمس وقال زين:
_ ملك متعرفش يعني ؟
_ وبالاخص ملك مش لازم تعرف ..
_ حاضر .. ايه الطلب اعتبريه اتنفذ خلاص .
_ عاوزاك تديني رقم كريم .
 تفاجئ زين:
_ رقم كريم ليه ؟
_ عاوزة منه خدمة .. ممكن الرقم ؟
_ اكيد طبعًا ..
 سريعًا نظر حوله  وامسك هاتفها المحمول ودون رقم كريم  ب اسم مستعار حتى لا تلاحظه ملك.. تركها زين وغادر المنزل وهو متعجب ويتسأل عن سبب طلب والدة ملك الرقم .. 

 بعد يومان وكريم فى مكتبه يعمل فى القاهرة رن هاتفه وأجاب  وتفاجئ ان المتصل والده ملك :
_ ازيك يا طنط الموبيل نور والله .
_ دا نورك يا حبيبي .. معلش اتصلت بك من غير استأذان ..ان اخدت رقمك من زين.
_ ايوه ما زين قالي ولما لقيتك مكلمتنيش قولت لما ارجع اسكندرية همر عليكي .
_ جاى امتى ؟
_ بكره بليل ان شاء الله .
_ خلاص هستناك.. بس مهم تيجي يا كريم  ومتقولش لملك انى كلمتك 
_ حاضر .. 

 فى اليوم التالي ليلًا  رن جرس الباب وفتحت ملك :
_ ازيك يا ملك 
_ الحمدلله .
_ طنط صاحيه ..
 من الداخل قالت والدتها :
_ تعالى يا كريم يا حبيبي تعالي .
 دخل كريم الى الصالة وتركتهم ملك ودخلت المطبخ  وخرجت بعصير ووضعته امام كريم .. تحدثًا قليلًا وقالت والدتها :
_ قومي يا ملك اعمليلنا حاجة حلوة.. كنتى هتعملى بسبوسة اعمليها وكريم ياكلها معانا .
 شعرت ملك بالاحراج :
_ حاضر ..عن اذنكم .
 تحركت ملك ودخلت الى المطبخ وتأكدت والدتها ببعدها .. اشارت الى كريم ليقترب اليها وقالت بصوت خافض :
_ كريم.. عاوزة منك خدمة .
_ اتفضلي يا طنط اكيد.
_ عاوزة موظف من شهر العقاري يجيلي البيت هنا .
 تفاجئ من طلبها :
_ من الشهر العقاري .. ليه ؟
_ عاوزة ابيع الشقة دي لملك ..ولو قولتلها هترفض وانا عاوزة اعمل كدا عشان اطمن قبل ما اموت عليها .
_ ايه يا طنط الكلام دا .. طوله العمر ليكي .
_ كلها اعمار يا حبيبي .. ممكن تنفذلي طلبي من غير ما ملك تعرف .
 صمت للحظات  ليفكر :
_ حاضر .. 

غادر المنزل وخرجت ملك من المطبخ بعد ما سمعت صوت الباب وهو يغلق :
_ هو مشي .؟
_ ايوه .. حد عاوزة فمشي .
_ وخلتيني اعمل البسبوسة ؟
_  عادي يا حبيببتي نطلعلهم طبق ما هما مبينسوناش ..

مريم وزين متجهين الى السطح وصوتهم العالي ما بين الضحكات والنقار كعادتهم ، زين يضحك على مريم ومريم ترد عليه بنظرة انزعاج ولكنها تختمها بضحكة .. فجأة صمتا الاثنينحينما تفاجأ بوجود كريم فى السطح يجلس .. حين رأهما وقف وقال :
_ اخيرًا جيتوا .. 
 اقترب نحوه زين:
_ انت مستنينا ولا ايه ؟
_ انا لفيت عليكم وموبيلاتكم مقفولة .
 تحدثت مريم:
_ الاستاذ زين اخد الموبيلات وقفلها قالي ساعتين من غير تكنولوجيا .
قال زين :
_  كل شويا بتفتح الواتساب وتتكلم مع اصحابها وعن المسابقة انا زهقت وكنت عاوز اكل فى هدوء .
 تحدثت مريم:
_ اهو اللى بيقولك هدوء دا مسبش حد فى محل البيتزا غير لما اتريق عليه.
_ ضحكتك ولا لا ..  قولي الحق ؟
_ بصراحة ايوه.. بس الناس كانت بتتفرج علينا .
_ من الضحك.. احسن من المسخرة اللى شوفناها .. شوفتي اللى لابس بنطلون كروهات هربان من شطرنج دا ولا ايه ؟
 ضحكت مريم ولاحظت صمت كريم وهو ينظر اليها فى صمت :
_ مالك يا كريم ؟
_ مستنيكم تخلصوا .. خلصتوا ولا لسه ؟
 نظر زين الى مريم وقال :
_ دا باين فى موضوع حيوي .. تعالي نقعد نشوف فى ايه .
 توجها الى الاريكة المووجوده وجلسوا :
_ ها يا كيمو .. فى ايه ؟
_ من الاخر كدا وبدون مقدمات .. محتاج منكم مساعدة ضرورية .
تحدث زين بثقة:
_ اعتبرها حصلت خلاص .. ولا ايه يا ميما ؟
 أكددت مريم على كلمات زين :
_ اكيد طبعا .. قولنا عاوز ايه واحنا هنعمله .
 اعتدلت فى جلسته وبدء يتحدث بحماس :
_ محتاج ملك تبعد عن البيت ساعتين بالكتير 3 ساعات .
 تحمست مريم وابتسمت وقالت :
_ هتعملها مفاجأة .. 
 صمت كريم وقال زين :
_ استعجالك دا اللى بيجبلك الكلام .. دا ملامح شخص بيجهز مفاجأة دا بيجهز خطة تهريب .
_ سوري يا كيمو..  اتحمست شويا .. فهمنا عاوز ايه ؟
_ بصوا مامتها طلبت منى طلب ، عاوزة موظف من الشهر العقاري وقبل ما تسألوا ليه هقولكم عشان هتبيع الشقة بتاعتهم لملك ودا هيحصل من غير ملك ما تعرف فاهمين من غير ملك تعرف ولا اى حد غيرنا احنا التلاته .
_ تمام .. كمل ؟
_ ف انا مليش كلام مع ملك زي ماانتم عارفين ، وملك ملهاش اصحاب وانا اللى هجيب الموظف .. ف انتم اتصرفوا وخرجوها من البيت .
 تحدثت ملك:
_ سهلة.. هخليها تيجي هنا تقعد معايا لغاية ما تخلص بسيطة .
_ لا انا عاوزها برا البيت ..لانها ممكن فى لحظة تنزل ومش عاوزها تشك فى حاجة .. تتعاملوا طبيعي معاها .. مامتها عاوزة الموضوع دا سر فاهمين .
 صمتت مريم وتحدث زين:
_ المطعم .. ناخدها المطعم .. بعد بكره فى حفلة لكتب الكتاب هتتعمل على الساعة 12 الضهر كدا  نقولها محتاجين مساعدة وتكون معانا وانت تكون انجزت الموضوع .. ايه رايك ؟
_  حلو جدًا .. وانا هرتب ان الموضوع يخلص اليوم دا وهي برا ..
 تحدثت مريم:
_ وانا هنزل اتكلم معاها وهفضل وراها لغاية ما توافق ..
_ اتفقنا ..

 بالفعل ذهبت مريم الى منزل ملك لتتحدث معها عن الامر ،جلست معها  وطلبت منها ان تساعدها فى حفلة كتب الكتاب المقامه فى المطعم .. حاولت ملك ان تعتذر بلباقة متحججه بوالدتها ولكن والدتها تدخلت فى المحادثة بينهم وساعدت مريم لاقناعها .. نظرت ملك الى مريم ثم الى والدتها وصمتت للحظات ثم ابتسمت بخفة  واعلنت موافقتها .. فرحت مريم وشكرتها وغادرت على اتفاق ان يذهبا سويًا الى المطعم فى الصباح .. 

مرت مريم على ملك فى الصباح لمرافقتها الى المطعم سويًا، كان زين ينتظرهم امام البناية ليذهبوا جميعهم سويًا .. حينما وصلوا الى المطعم وراوا ملك رحب بها الجميع كرم ومحمود وسناء وسوسن .. اخرج زين هاتفه بهدوء  وارسل رسالة نصية سريعة الى كريم ليخبره بتواجد ملك معهم فى المطعم وان الامور بدأت تأخذ مجراها كما اتفقوا .. بدأت مريم توضه لملك بعض تفاصيل الزينة واماكن الورود والاضاءه وترتيب الطاولات .. استمعت ملك بتركيز ثم بدأت تتحرك بخفة بين الاركان وكأنها تحول المكان الى لوحة ..  

فى منزل ملك وصل كريم برفقة موظف الشهر العقاري ..طرق الباب بخفة وفتحت والدة ملك الباب وهي على الكرسي المتحرك .. دخل كريم والموظف الى الصالة .. جلسوا جميعًا فى الصالة واخرج الموظف من حقيبته بعض الاوراق وبدء مراجعتها .. طلب البطائق الشخصية واخرجتها والدة ملك ووضعتها امامه .. بدء الموظف بشرح البنود وكانت والدة ملك تستمع فى صمت  وأكدت ع رغبتها للبيع .. أستغرقت الاجراءات قرابة ساعة وخلالها ساد الصمت أغلب الوقت .. بعد الانتهاء جمع الموظف أوراقه بهدوء وغادر المنزل  وقام كريم ب ايصاله للخارج ثم عاد الى والدة ملك .. دخل الصالة كانت تمسك العقود فى يدها تنظر لها ب ابتسامة .. جلس كريم بجوارها :
_ كدا تمام يا طنط محتاجة حاجة تاني ؟
_ بجد مش عارفه اشكرك ازاى يا كريم .. شكرًا يا حبيبي ع مساعدتك .
_ يا طنط مفيش شكر ..انا زي اشرف ولا ايه ؟
 بملامح حزينة:
_ ماهو لو أشرف زيك مكنتش هعمل كدا من الاساس .
_ انتى بعتى الشقة لملك بسبب أشرف ؟
_ انا لو حصلي حاجة وملك بقت لوحدها .. أشرف مش هيسيبها لوحدها هنا وهيبع الشقة وهيرمي اخته .
 تفاجئ كريم وقال :
_ لا مش لدرجة يرميها يا طنط ..دى اخته ؟
_ راميها ع حياة عيني هيحتويها لما اموت .. انا بعت الشقة ليها كضمان ليها .. مكان ليها تقعد فيه بعد ما امشي واشرف ميقدرش يخرجها .
_ طول العمر ليكي يا طنط.. بس متقلقيش ع ملك بدل البيت دا بيوتنا مفتوحة ليها فى اى وقت .
_ انا كدا مطمنة عليها امنت حياتها فى غيابي بعيد عن أشرف .
_ هتقوليلها امتى ؟
 قدمت اليه الاوراق :
_ مش هقولها حاجة .. العقود دي امانه عندك يا كريم  لو حصلي حاجة ادى العقود دي لاشرف عشان يعتق اخته .
_ طنط ..
_ دى امانه يا كريم .
 امسك كريم العقود وتحدثت والدتها :
_ عاوزة اطلب منك طلب تاني يا كريم ممكن ؟
_ اتفضلي يا طنط.
_ ملك.. متسيبوهاش لوحدها بعدي .. ملك معندهاش حد غيري واخوها واخوها مش موجود فى حياتها .. من بعدى هتكون لوحدها يا كريم .
_ يا طنط احنا معاها ومعاكي انتم مش لوحدكم متخافيش .
 امسكت يده وقالت :
_ انا عارفه اللى كان بينكم زمان وسفرك المفاجئ وبعدها عرفنا انك اتجوزت بس انا مش هقلب فى اللى فات انا دلواقتي مش عاوزة ملك تكون لوحدها ..
_ انا ..
 قاطعت حديثه:
_ مش بقولك كدا عشان تتجوزها .. ملك رافضة الجواز عمومًا مش انت بس يا كريم .. حاولت اقنعها تتجوز وتعيش حياتها هي قفلت الباب نهائي .. حكمت ع نفسها تعيش لوحدها لكن انا مش عاوزها تعيش لوحدها حتى لو متجوزتش .. ممكن يا كريم تفضلوا جنبها ؟
 وضع يده على يدها وربت عليها بلطف وابتسم:
_ متقلقيش يا طنط.. ملك زي مريم بالنسبالنا فرد فى عيلتنا احنا مش هنسيبها لوحدها .
_ شكرًا يا حبيبي ..

 تركها كريم وغادر المنزل  .. وقف امام باب منزل ملك وتنفس بعمق واخرج هاتفه وارسل رسالة نصية الى زين لاخباره لاهتمام المهمة .. استلم زين الرسالة واخبر مريم وشعرا بالراحة.. انتهى كتب الكتاب وعادت ملك الى المنزل كانت والدتها جالسه تشاهد التلفاز:
_ عامله ايه يا ماما ؟
_ بخير يا حبيببتي .. خلص كتب الكتاب .
_ ايوه.. كان صغير ولطيف ربنا يوفقهم في حياتهم .
_ عقبال ما تطمنى قلبي عليكي يا ملك .
_ قولي لقلبك يطمن انا بخير متقلقيش عليا .. قوليلي عملتي ايه  وانا مش موجودة .. ام عمار جتلك ؟
_ ايوه جتلى قعدت شويا وخرجت تشوف اللى وراها وقعدت اتفرج على التليفزيون .
_ مأكلتيش ؟
_ لا اكلت واخدت العلاج.. وبما انك جيتي انا هدخل انام .
_ تمام وانا هوصلك لسرير يلا ..

في يوم كان زين جالسًا مع اصدقائه فى المقهي ، ضحكاته تتعالى بين الحين والأخر .. وسط اندماجه فى الحديث مع اصدقائه  بدأ هاتفه يرن بإشعارات متتالية بدون توقف من مريم .. امسك الهاتف بتوتر وتغيرت ملامحه سريعًا حيما قرأ رسالتها ( تعالي بسرعة على السطح يا زيزو بسرعة )  نهض من مكانه دون أن يشرح  قلبه يدق بسرعة وخطواته مسرعة .. قطع الشارع ودخل البناية وصعد الدرجات يلهث .. كلما اقترب الى السطح زادت تسأؤلاته ونبضه يطرق صدره بعنف .. 

فتح باب السطح بعجلة، ونظرة تجول بسرعة بحثًا عن مريم .. وجدها جالسة بهدوء امام اللابتوب .. نظرت اليه  وابتسمت :
_ زيزو.. انت جيت .
 اقترب اليها وجلس على المقعد بجوارها ينظر اليها بتعجب فى صمت وقالت بصوت خافض وملامح اعتذار :
_ انا اسفه ع الطريقة .. بس كان دا الحل عشان تيجي بسرعة .
 امسك  وسادة صغيرة بجانبه ودفعها اتجاه مريم خبطتها فى رأسها  وقالت :
_ قولتلك اسفه ايه الغشم دا .
_ 8 رسائل تعالي للسطح بسرعة من غير توضيح ومبترديش ع التليفون .. افتكرت مصيبة حصلت .
_ لا مفيش مصايب بس انا محتاجاك  فلو كنت طلبت بالحسنة كنت هتقولي لما اخلص مع اصحابي ودا لبعد 12 وانا هكون نايمة .. فقولت استعجلك .
_ خير يا ابلة ميما .. الحرب العالمية هتقوم فمحتجاني معاكي .
 اشارت الى المكان بجانبها وب ابتسامة قالت :
_ ممكن تيجي هنا اوريك حاجة .
 تحرك من مكانه وجلس وهو يتأفف .. قالت مريم :
- لا انا عاوزاك رايق .. فين الضحكة الحلوة ؟
ابتسم:
_ اهو.. اخلصي .
 اخرجت له صورتين  وقالت :
_ اختار انهي احلى من نظرة شاب .
 نظر الى الصورتين كانوا عباره عن لوحتين مرسومين مختلفتين .. ظلت يحدق بها للحظات وقال :
_ من وجهه نظري الفنية المتواضعة رقم 2 فيها حاجة كدا تشد .
 نظرت اليه بسعادة:
_ والله انت الشق فعلًا .. انا قولتلهم دي  احلى وهتعجبه اكتر وهما بيقاوحوا .
_ قولتي لمين وهيعجبوا مين .. فى ايه ؟
_ يوم الخميس عيد ميلاد ايهاب مختار ، واحنا مجموعتنا يعني قررنا نختار من اللوحات المفضلة عنده ونطبعها على تورته ونحتفل بعيد ميلاده وتبقى هديتنا له وكدا يعني .
 نظر اليها بتعجب :
_ يعني انتى مخلياني اسيب اصحابي واجى جري عشان اختار تورته ايهاب توفيق بيكاسو .
_ من غير تريقة بقى .. الشباب معايا مبيساعدونيش وانا مبقتنعش غير بذوقك ورأيك ف انا متمسكة برأى واختياري لكن هما مصممين ع التانية فقولت اللى هيختاروا زيزو انا هوافق عليه .. وانت اختارت اللى اختارتها يا شق .
 نظر اليها كانت تبتسم  وشعر بالارتباك  وتحرك من جانبها :
_ رايح فين ؟
_ مش خلصنا فقره اختارنا لك.. راجع لصحابي .
_ هو لازم يعني ؟
_ يعني عاوزة ايه ؟
_  الفيلم اللى كنا عاوزين ندخله سينما وملحقناش كان اتشال .. نزل على الموقع .. شويا سندوتشات ومع طبق فيشار وشيبسيات ونفتح السينما بتاعنا ونشوف .. ها ايه رايك ؟
_ والنوم.. مش كنتى هتنامي ؟
_ لا ماهو انا رايحة الساعة 1 السيكشن بكرة الساعة 3 فهصحي براحتى .. ها موافق .
 صمت للحظات وقال :
_ تمام.. لكن هتعمليلي بسطرمة ببيض نفسي فيها .
 تركت اللابتوب على الطاوله وتحركت من مكانها واقتربت نحوه :
_ 10 دقايق وهيكون قدامك احلى بيض ببسطرمة .
_ ايوه كدا اكون ارتاحت شويا .
 امسكته من يده وسحبته معها وقالت :
_ هنعمله سوا .. سوا .. يلا معايا . 

فى الجامعة  تجمعت مريم واصدقائها فى السيكشن .. كانت الاجواء تعج بالهمسات والضحكات المكتومة .. يتحركون بخفة بين المقاعد ويضعون الزينة الصغيرة ويثبتون البالونات وعلى الطاولة فى المنتصف وضعت تورتة عيد الميلاد المزينة برسمة اللوحة  وبعض الهدايا المغلفة بعناية .. الوقت يمر ببطء والكل يترقب لحظة دخول ايهاب مختار .. العيون تتبادل النظرات والهواتف جاهزة لتوثيق اللحظة .. 

فجأة فتح الباب ودخل ايهاب بخطوات عادية يحمل في يده حقيبته ولا يدري ما ينتظره .. وفور أن وطأت قدمه المكان تعالت أصوات التهاني والضحكات وانطلقت الزينة الورقية فى الهواء .. وقف مكانه مصدومًا من المفاجأة .. نظره انتقل من جوه طلابه  المبتسمه الى الطاولة التى فى منتصفها التورتة  ثم الزينة التى غيرت ملامح المكان الدراسي .. وقف فى مكانه لحظات يبتسم فقط وكأن لسانه عاجز عن التعبير .. اقتربت مريم:
_ كل سنه وحضرتك طيب .. دا احتفال بسيط مننا لعيد ميلادك .
 نظر اليها مبتسمًا وقال :
_ حقيقي مش عارف اقول ايه .. لساني عاجز عن الكلام 
 تحدثت احدى الطالبات:
_ من المفأجأة اكيد.. اتمنى تعجبك .
_ جدًا.. عجبتك جدًا لدرجة مش قادر اتكلم ( ينظر حوله) انتم جهزتوا كل دا لوحدكم .
 تحدثت مريم:
_ طبعًا تحت اشرافي انا الليدر .
ضحكوا وتحدث احد الطلاب :
_ ايه راي حضرتك فى التورته ؟
 نظر اليها وعيناه ثبتتا علىها للحظات ، تجمد مكانه وحاجباه ارتفعا بدهشة .. وابتسامة كبيرة بدأت تتكون على وجهه ببطء ثم انفجرت بفرح حقيقي .. :
_ ايه دا .. 
 تحدثت مريم بحذر :
_  عجبتك ..
_ جدا جدا جدا .. انتوا عرفتوا منين ان دى من اقرب اللوحات اللى رسمتها ليا .
 تبادلا النظرات لبعض وتحدث احدهم:
_ هو كان فى حيرة بين اتنين ومريم صممت ع دي .
 اخرجا له صورة اللوحة الاخري وقال :
_ فعلًا الاتنين من اقرب اعمالي ليا لكن دى ( اشار التى على التورته) اقربهم ليا .
 ابتسمت مريم ابتسامة انتصار وقالت :
_ كلام الليدر عمره ما يكون غلط.. انا قولتلكم .. الحمدلله انى مضعفتش وسمعت كلامكم .
 ضحكوا وطلبوا منه اطفاء الشمع وتمنى امنية  ..  وقف ايهاب امام التورته والشموع الصغيرة التى تشتعل .. التف حوله طلابه فى دائة من البهجة والابتسامات تملأ  الوجوه والانظار كلها موجهه اليه .. اغمض عيناه للحظة وانسحب العالم من حوله وساد صمت قصير كأن الجميع احترم تلك اللحظة الخاصة التى حمل فيها قلبه امنيه خفية لا يعلمها سواه .. ثم فتح عينيه وانحنى قليلًا ونفخ بهدوء على الشموع وانطفأت واحدة تلو الاخري وانفجر المكان بتصفيق حار وهتافات مليئة بالسعادة .. ضحك ايهاب من قلبه وصفق معهم ونظر حوله وكأنه يحاول أن يحفظ هذا المشهد فى ذاكراته للابد .. 

اقتربت مريم الى ايهاب ومعها طبق به قطعة من الكيك :
_ اتفضل ..
_ شكرًا يا مريم ..
_ اتمنى مفاجئتنا عجبتك .
_ جدًا .. شكرًا على تعبكم دا .
_ حبينا نعمل ذكريات معاك تفتكرها  .
_ فعلًا دا حصل .. انا نادرًا احتفل بعيد ميلادي .. اصدقائي هما اللى اوقات يحتفلوا به .. لكن الاحتفال المرادي مختلف ومميز.. من طلابي .
_ دا حاجة بسيطة حضرتك تستحق اكتر .
_ وشكرًا على اختيارك اللوحة تكون المطبوعة على التورته .
_ بصراحة حسيتها انها مش مجرد رسمة رسمتها ، هي مشاعر انت خرجتها  بالوان على لوحة لذكرة او وقت  أنت بتحبه ..
 ابتسم وقال :
_ صح .. تشخيصك صحيح .
_  تخيل الكل كان عاوز التانية لكن انا صممت .. 
_ وهما اقتنعوا بسهولة ؟
_ اومال انا ليدر ازاى .
 ضحكت وضحك ايهاب وقال :
_ شكرًا يا مريم .
_ يو ولكم ..

اقترحت مريم على ملك ووالدتها أن يخرجا من المنزل ويقضوا برفقتها هي وزين  يوم على البحر كسر لروتين ومن حبسه المنزل .. وافقت ملك ووالدتها وتم تحدسد اليوم ..قام زين بأخذ سيارة والده كوسيلة مواصلات لهم .. في صباح اليوم المحدد انطلقت السيارة التى تقل زين ومريم وملك ووالدتها نحو احدى الشواطى .. وصلوا الى الشاطى وكان شبه خالٍ والموج يتقدم ويتراجع بهدوء  يترك خطوطًا متموجة على الرمال الناعمة..  وضع زين الكراسي والمظلة وساعدته مريم فى ترتيب الجلسة .. جلست ملك بجوار والدتها على الطرف  ينظران الى البحر ويستمتعان بالجو اللطيف .. 

نهضت ملك بهدوء وأتجهت الى الحمام تاركة والدتها  جالسة تنظر الى البحر ، وطلبت من مريم الاهتمام بها حين عودتها .. بالفعل جلست مريم بجوارها .. فجأة سمعوا صوت ضجيج وأصوات أشخاص  نظرا اتجاه الصوت كانت جلسة تصوير لعروسة وعريس .. كان فستان العروسة الابيض يتتطاير فى الهواء والعريس يمسك يدها بابتسامة ممتلئة بالحب ..  كانت مريم تنظر اليهم بسعادة ولمحت والدة ملك عينيها بها لمعة مختلفة .. كانت الدموع تتجمع فى زوايا عينيها بصمت .. فقط نظرة طويلة ثقيلة تحمل بين طياتها حزن عميق .. تحدث مريم :
_ ماشاء الله عليهم حلوين يا طنط صح ؟
_ ايوه .. ماشاء الله عليهم ربنا يتمملهم على خير .
_ يارب .
عادت تنظر اليهم بحزن وتحدثت مريم :
_ فى حاجة مضايقاكي يا طنط.. المكان مضايقك تحبي نغيره ؟
_ لا يا حبيببتي المكان جميل اوي .. وكان اقتراح حلو اننا نخرج من البيت فعلًا وبالاخص ملك بدل ماهي مربوطة جنبي .
_ انا قولت تغير جو ليكم ولينا انا وزين مضغوطين بسبب الجامعة وقولنا يوم نهرب فيه .
_ ربنا يوفقكم يا حبيببتي .
_ طيب ممكن تقوليلي ليه فى دموع فى عينيكي .
بدون مقدمات قالت :
_ امنيه حياتي قبل ما اموت اشوف ملك بالفستان الابيض زي العروسة دي ، لكن مش هيحصل .
_ ليه بس يا طنط كدا .. بصي رغم رفضها بس متعرفيش النصيب لما بيجي هى مش هتعرف تقول لا .
_ طولت العمر ليها .. انا اللى هعيشه مش اد اللى راح يا مريم .. كان نفسي اشوفها بالفستان اوي .. بس اقول ايه نصيب .
 عادت ملك وجلست :
_ ايه كنتم بتتكلموا ع ايه ؟
 قالت والدتها :
_ كنت بقول لمريم فكرة خروجنا كنت فكرة جميلة 
 اتفقت معها ملك :
_ ايوه فعلًا .. اهو تغيير والجو انهارده تحفه .
 عادت والدة ملك تنظر الى البحر وتنهدت تنهيدة عميقة ..لم تقل مريم شيئًا كان صمتها مشاركة صادقة فى لحظة شعورية لا تحتاج الى كلمات .. تحركت مريم واتجهت الى زين الذي كان يلعب مع اطفال ع الشاطئ ووقفت تنظر الى والدة ملك ثم ملك فى صمت .. اقترب منها زين وحمل فى يده حفنه من مياة البحر ووضعه على شعر مريم  وصرخت.  مريم :
_ زين بطل هبل ايه دا ؟
_ مايه ... ودلقتها ع راسك عشان الرش بالمايه عداوة لكن دلقها ع الراس طراوة .
_ لا بجد .. طيب 
 امسكت جردل فى يد طفل وملئته بالمياة وركضت خلف زين ترشه عليه وهو يفلت منها ،  رفضت ملك الانضمام اليهم وجلست مكانها تشاهدهم وهما يمرحان بالقرب من الموج ، يتركان آثار أقدامهما على الشاطى ثم يضحكان وهما يهربان من المياة .. كانت ملك تبتسم لهما ووالدتها تنظر اليها مطولًا بعينين يغمرها رضا وحزن دافي . 

 كان البحر شاهدًا على يوم بسيط لكنه ملئ بلحظات فرح وحزن سويًا ..

بعد يومان كانت مريم مع زين فى المطعم وتحركًا سويًا عائدين الى المنزل ،مريم وزين يسيران جنبًا الى جنب يتبادلان الايس كريم والضحكات الخفيفة بينهم .. كان زين يتحدث بحماسة عن شئ ما لكن مريم توقفت فجأة دون أن تقطع حديثه أو تصدر صوتًا .. استمر فى المشي خطوات قليلة قبل أن يلاحظ غيابها الى جانبه .. التفت بخفة يبحث عنها بعينيه ثم وجدها  واقفه ثابتة أمام واجهه زجاجية لمحل فساتين زفاف .. كانت واقفة فى صمت عيناها معلقتان على فستان أبيض ناعم معروض تحت ضوء خافت يجعل قماشه يلمع كأنه من حلم .. كانت تنظر الى الفستان بشرود .. عاد زين اليها دون أن يتكلم وقف بجانبها فى صمت يركز بصره على الفستان أيضا للحظات ثم قال :
_  ياتري هتعزميني ولا مش هتعرفيني ؟
 انتبيهت لحديثه:
_ بتقول ايه .. اعزم مين واعرف مين ؟
_ انتى .. بما انك دخلتي ع مرحلة الفستان  خلاص .
_ عسل والله عسل .
_ اومال ايه السرحان دا .. انتى محسساني انك لقيتي فستان احلامك رغم انه ستان فرح ونصورها سيشن عادي يعني .
_ انا مش سرحانه فى الفستان .. سرحت فى حاجة تانية ؟
_ خير يا عبقرينو ..
 تحركا وبدأ يتمشيًا بخطوات بطيئة  وقامت بحكى ما دار بينها وبين والدة ملك .. قال زين :
_ مش فاهم ..ايه علاقة واقفتك وتتنحيتك فى الفستان بكلام ام ملك ؟
_ جتلى فكرة هترضي جميع الاطراف ومفيش حد هيكون مضايق ولا حزين .
_ اشجيني وانجزي ؟
_ مش ام ملك نفسها تشوف بنتها بالفستان الابيض .
_ ايوه اللى بعده .
_ نلبس ملك الفستان الابيض وتتصور سيشن به معاها مامتها ، واهو يبقى مامتها شافتها بالفستان الابيض زي ما كانت بتتمنى  وملك لبسته لفترة صغيرة بدون ضغط ولا غصب ع جواز  وهى زي ماهي هنخلص تصوير هنرجع الفستان وخلاص فركش .
 حدق بها زين للحظات وقال :
_ بتتكلمي بجد ؟
_ ايوه .. فيها ايه .. نعتبرها زي اى موديل بتعمل اعلان لفستان عادي يعني .
_ هي فكرة جميلة وفعلًا زي ماقولتى جميع الاطراف هتتتراضي لكن هل ملك هتوافق ؟
_ لازم توافق .. دا ساعة وبس وعشان مامتها اللى نفسها تشوفها بالفستان .
_ اتكلمي معاها وشوفي لو كدا عرفيني مطلوب مني ايه ونا معاكم .
_ الفتوغرافر اخو صاحبك حامد دا  تصويره تحفه وتظبط المكان على البحر زي العروسة اللى اتصورت من يومين لاللى شوفناها .. وانا اعرف ميكب ارتست كويسة وتأجير الفستان خال صاحبتي عنده اتالية مش هيقول حاجة لو عرف الحكاية .
_ ماشاء الله عليكي فكرتي فى كله ..
_ اهم من الشغل ظبط الشغل .
وصلوا امام البناية وقالت مريم:
_ هي نايمة ولا صاحية .؟
 نظر زين الى الساعة :
_ استني الساعة 11 ونص اكيد نامت ، مللك بتصحي بدري .. قبل ما تروحي جامعتك انزلي اتكلمي معاها ونشوف الدنيا ايه .
_ تمام.. يلا نطلع بقى .
 تحركت مريم بخطوات اكثر حماس الى الداخل وتصعد الدرج وهي سعيدة وينظر زين اليها بتعجب وهو يبتسم ..

فى اليوم التالي قبل أن تذهب مريم الى الجامعة توجهت الى منزل ملك ، كانت ملك مستيقظة واستقبلتها وجلست معها وجهها يحمل جدية غير معتادة ، كانت تحاول إيصال فكرة صعبة فكانت ملامحها متوترة بعض الشئ وكأنها تمشي ع حافة مشاعر حساسة .. قالت ملك:
_ مالك يا مريم .. عاوزة تقولي حاجة ؟
_ بصراحة ايوة ..
_ طيب قولي يا حبيببتي مالك وشك جايب الوان كدا .. انتى كويسة ؟
_ انا الحمدلله كويسة كلنا كويسين .
_ طيب الحمدلله.. فى ايه بقى ؟
صمتت للحظة وقالت :
_ ملك انتى عارفة انك اختى صح 
ضحكت ملك:
_ ايوة.. خير .
_ ولما بفكر فى اى حاجة تخصك بيبقى من باب حبى ليكي ولانك تهميني انتى وطنط.
_ فى ايه يا مريم اتكلمي مباشر .
_ بصراحة كدا .. عاوزاكي تصوري سيشن .
 تعجبت ملك:
_ سيشن ايه وليه ؟
_  هتلبسي فستان فرح .
 انكمشت ملك فى جلستها :
_ ايه ؟
_ اسمعيني بس .. الموضوع بسيط هتلبسي الفستان  وهتاخدى صورتين ياستي للذكرى حتى .
حاجباها مرفوعان بدهشة واستنكار .. عيناها الواسعتان تعكسان رافضًا واضحًا .. لوحت بيدها خفيفًا :
_ لا لا .. ايه اللى بتقوليه دا لا طبعا . 
كانت ملامح ملك مزيجًا من الغضب والذهول .. ورغم رفض ملك الصارم لم تتراجع مريم وظلت تنظر اليها بثبات :
_  انتى عارفه انا قولت كدا ليه .. عشان طنط يا ملك .. مامتك .
 تفاجئت ملك وانصت لحديث مريم.. بدأت مريم تشرح بهدوء وثقة الفكرة والسبب الرئيسي الذي دفعها لتلك الفكرة .. بدأت مريم كلماتها كخيوط تربط بين العقل والقلب بينما ملك تنظر فى عينيها بتردد واندهاش .. كل كلمة قالتها مريم تترك أثرًا فى ملك التى بدأت تتراخى شسئًا فشيئًا .. مرت لحظات من الصمت ثم تنهدت ملك ببطء وهدأت ملامحها  ونظرت الى مريم  فى صمت .. تحدثت مريم :
_ اعتبر كدا موافقة .. صح 
 ظلت ملك صامته واستغلت صمتها مريم لانتواع موافقتها :
_ يبقى موافقة .. 
 كان القرار قد أتخذ .. خرجت مريم من منزل ملك وكان زين ينتظر مريم امام البناية واخبرته بسعادة ع موافقة ملك للفكرة :
_ دا انتى جبارة وافقت ببساطة كدا ؟
_ في الاول لا طبعًا .. بس انا اضطريت احكيلها كلام مامتها وملك نقطة ضعفها مامتها فوافقت عشان مامتها .
_ جميل جدًا .. كدا ناقص نجهز اليوم .
_ انت ظبط الفتوغرافر والمكان وانا الميكب ارتست والاتيلية تمام .
_ تمام يا عبقرينو ..

فى صباح مشرق وقف زين فى المكان المتفق عليه ، محاطًا بتجهيزات بسيطة لكنها انيقة .. المصور الفوتوغرافي يعد الكاميرا وافضاءة تظبط بعناية على خلفية البحر الممتد بهدوء .. كانت ملامح زين خليظ بين الهدوء والتوتر .. عينيه تمتلئان بالترقب والانتظار .. يراجع الترتيبات بنظرات سريعة بينما تمر الدقائق ببطء .. وبعد نصف ساعة لمح من بعيد طيفًا يقترب ، ظهرت مريم بخطوات واثقة تدفع كرسي متحرك الذى تجلس عليه والدة ملك وملك تسير الى جانبها مرتدية فستان الزفاف الابيض .. اقترب اليهم زين :
_ حمدالله ع السلامة .. ايه القمر دا يا ملوكة .
 ابتسمت بخجل .. نظر الى والدتها هامسًا :
_ اجهزي بقى يا جميل لاحلى سيشن انا وانتى هندمر الدنيا .
 ضحكت والدة ملك وسحب الكرسي  وتحركا ووقفا مكان التصوير .. كانت ملك ملامحها ممزوجة بخجل والدهشة بينما والدتها تجلس فى هدوء تنظر اليها بعينين تلمعان بمشاعر كثيرة لا تقال ..  زين تنفس بعمق وارتسمت ع وجهه ابتسامة ممتزجة بالذهول والتأثر ومريم تحاول ان تتمالك دموعها وكانت تبتسم .. 

بدأ المصور فى توجيه الكاميرا بثيات وعدسته تلتقط أولى اللقطات لملك ، الى جانبها جلست والدتها على الكرسي المتحرك تنظر اليها بعيون لا ترمش تتأملها كما لو تراها للمرة الاولى او ربما كما كانت تحلم ان تراها .. عيناها خانتها وبدأت دموعها تنهمر منها بصمت .. انهمرت الدموع بلا صوت ووجهها يرتجف برقة ، مزيج من الفخز والحزن ، من الفقد والاكتمال ، من الذكرى والواقع .. لم تحاول مسحها وكأنها تمنح تلك اللحظة كل ما بداخلها من مشاعر مدفونة .. استمر المصور فى التقاط الصور  لملك وبعض الصور مع والدتها .. كل لقطة تحمل قصة ومشاعر  توثق مشهدًا مشحونًا بالمشاعر ، لا يحتاج الى ترتيب أو تزييف .. مريم وزين يقفان بالقرب يراقبان بصمت وقلوبهما تنتفض من شدة ما يشاهدان .. كانت لحظة صادقة خالصة ، امتزج فيها الجمال بالألم والحلم بالحقيقة وأحتفظت الكاميرا بها الى الابد ..

انتهى المصور من التقاط الصور وبدأ يجمع عدته بهدوء ، مريم اقتربت من والدة ملك ومسحت بخفة دمعة أخيرة على خدها وقالت لها :
_ شكرًا يا مريم ليكي انتى وزين حققتولي امنية كانت مستحيلة .
_ اي حاجة يا طنط عاوزاها وتتمنيها قوليلنا بس واعتبريها حصلت خلاص ..
 اقترب زين اليهما وقال بمزاح:
_ صوري انا وانت يا جميل ولا اروع  .
 تحدثت مريم :
_ وصوري انا ؟
_ لا انتى عادي مفيش جديد الصورة زي الاصل مختلفش كتير 
 خبطته مريم فى كتفه ونظر الى والدة ملك :
_ بعد كل الجمال دا ممنوع خروج غير لما تعرفيني ورجلى ع رجلك .. المصور كان عمال يعاكس فيكي وانا سكت وقولت عدى يا ليلة لكن مش هسكت تاني .
 ضحكت والدة ملك وقالت مريم :
_ لا ومقولكيش يا طنط زيزو فى الحمشنه مفيش احمش منه .
_ يا سكر ..
 ظلا يناقران بعض ووالدة ملك تضحك وهى تنظر اليهما  نظرات تعبر عن الامتنان على مافهلوه لها .. اقتربت ملك مبتسمة :
_  يلا بينا ..
عادوا جميعًا  بخطوات بطيئة نحو السيارة وجلست  ملك بجوار والدتها وهي تمسك يدها وتقبلها وتبتسم لها  وفي الامام زين ومريم يراقبان الوضع عبر المرآة الامامية ويتبادلان نظرات صامتة مليئة بالفخر .. ساد الصمت وكان كل منهم غارقًا فى مشاعره فى صورة داخلية فى لحظة لن تنسي .. عاد كل منهم الى منزله وانتهى اليوم محمولًا بالدموع لكن دون حزن ، ملئ بالعاطفة دون كلمات وبالحب فى أنقى صوره ..

بعد مرور أسبوع  ارسل المصور الفوتوغرافي الصور الى ايميل زين وقام زين بطبع نسخة ووضعها فى البوم أنيق واعطاه الى ملك .. سعدت ملك بالبوم وشكرت زين ودخلت الى غرفة والدتها وجلست بجانبها ع السريرتفتح الالبوم بهدوء وتقلب صفحاته ببطء ..كل صورة تمر تترك خلفها ابتسامة خفيفة او نظرة طويلة أو تنهيدة مكتومة .. وجه والدتها كان يشع بضوء داخلى وعيناها تنعكسان فيهما مشاعر مختلطة من الحنين والامتنان .. ملك تضحك بخجل حين ترى صورتها تبتسم  ويدها تمسك بيد والدتها التى لم تفلتها منذ أن بدأت تتصفح الالبوم .. 

فى منزل زين  تجتمع عائلة زين وعائلة مريم سويًا بحضور زين ومريم ..  يتبادلون النظرات وبعضهم يضع يده ع قمه فى دهشة من الصور .. كانت ملامحهم مشدودة تأرة بتأثر وتأرة بأعجاب .. بعض العيون أمتلأت بلمعة خفيفة من التاثر لم تخف رغم الابتسامات .. قال محمود:
_ انتوا عملتوا كل دا لوحدكم ولا حد فينا يعرف .
 تحدث زين:
_ احنا كبرنا يا حودة ونقدر نعمل حاجات كتير تبهركوا .
 تحدث كرم:
_ بجد برافوا عليكم .. انكم حققتوا امنية لام ملك بالشكل الجميل دا ، رغم ان الموقف كان مجرد صورة بس شافت بنتها بالفستان واتصورت معاها .
 تحدثت سوسن بنبرة تأثرة:
_ حبيببتي ام أشرف مفيش صورة مبتبكيش فيها ولا عيونها مليانه دموع .
 تحدثت مريم:
_ بصراحة هى عيطت كتير يومها بس كانت فرحانه انها شايفة ملك بالفستان .
 تحدثت سناء :
_ كانت هتبقى الفرحة حقيقية لو كانت حقيقية ومع عريسها مش مجرد صورة .
 تحدثت مريم:
_ يا ماما .. داانا عملت حوار عشان ملك توافق ع صورة متخيلة كانت هتقتنع عشان امها لما اقولها اتجوزي عشان مامتك .
_ مش كدا بس فايدة ايه الصورة وهي عارفه ان بنتها لوحدها .
 تحدث كرم:
_ انها شافتها بالفستان يا سناء .. الافادة انها شافتها احسن من ما كانت متشوفهاش خالص .
 تحدث محمود بحدة :
_ اللى عملتوه دا حاجة جميلة بس اتمنى متتصرفوش فى موقف كدا لوحدكم ع الاقل حطونا فى الصورة .
  تحدث زين :
_  ما انتم كنتم فى الصورة احنا اتكفلنا بنص التكاليف والنص منكم يعني كنتم معانا ..لكن اوعدك يا حودا بعد كدا هتكونوا أول الحاضرين .
 نظرت سوسن الى صورة ملك ومريم وب ابتسامة قالت :
_ عقبال صورتك الحقيقية يا ميما بفستان بتاعك وعريسك جنبك كدا صورة العمر يا حبيببتي .
 ابتسمت مريم وتبدلت ملامح زين وقال :
_ ايه الكلام اللى ملوش لازمة دا  
 اغلق اللاب توب وحمله فى يده  وقال :
_ يلا يا ميما  ورانا مذاكرة والمسابقة بتاعتك ايه نسيتيها .
_ اه فكرتني محتاجة اراجع ع حاجة .
_ طيب يلا قدامي  عشان منسمعش كلام يكدر اللحظة .
 ضحكت مريم وتوجها الى السطح وقالت مريم بمزاح:
_ انت ليه بتتعفرت لما حد بيدعيلي بالجواز.. انا هتجوز ع فكرة مش هقعد جنبك .
_ هو انا قولت متتجوزيش لكن كل حاجة لوقتها ، لما يظهر الشخص المناسب وقتها نتكلم، لكن غيبيات وكدا مبحبش .. اللى عاوز يدعي دلواقتي يدعي بنجاح صافي لينا .. وانك تكسبي المسابقة اللى خطفاكي عن  الحياة والشركة تفتح ع خير بدون اى عركلة وعطلة .
_ ان شاء الله هننجح صافي وتقدير كمان وهكسب المسابقة  والشركة هتفتح لان كريم مش ساكت وانت شاطر وهتنجحها وهتبقى انجح شركات للخدمات المالية فى الاسكندرية .
 ابتسم زين لمديح مريم له وقال :
_ وعد يا ميما اول ما اجمع فلوس من الشغل هاخدك ونسافر ايطاليا  ونلف براحتنا .
_  وانا قبلت الوعد ومستنية ..
  ابتسم زين وقال :
_ يلا ادخلى الصومعة  وانا هراجع ع اللاب توب شويا .
_  وبعدها نطلب اكل ونتفرج ع فيلم ..
_ موافق .. 

كانت الساعى تقترب من منتصف الليل ، الهدوء يخيم على المكان  تجلس مريم ع الاريكة بجوار زين  يتابعان فيلمًا  على شاشة اللابتوب وهما يأكلان.. فجأة رن هاتف مريم وتبدلت ملامحها حينما رأت اسم المتصل :
_ ملك ..
 تفاجئ زين :
_ غريبة ملك تتصل دلواقتي .. ردي .
 التقطت الهاتف بقلق وما أن وضعت السماعة على أذنها حتى تجمد وجهها  ثم وقفت فجأة ونظرت الى زين قائلة :
_ اهدى احنا جايين .
 اغلقت الهاتف وقال زين :
_ فى ايه ؟
_ ملك بتعيط بتقول مامتها .. يلا يا زين .
 اندفعا نحو الباب ووصلا الى باب منزل ملك ورن الجرس وفتحت ملك الباب وعيناها غارقتان فى الدموع ووجهها شاحب لا تنطق بكلمة واحدة .. تحرك زين الى الداخل وظلت مريم مع ملك .. دخل زين الى الغرفة التى تنبعث منها رائحة الهدوء الابدي .. كانت والدة ملك مستلقية على السرير فى سكون تام ..ملامح وجهها ساكنة بسلام ولكنها بلا حراك .. أقترب منها ناداها برفق هو كتفها بلين ثم بأنفعال ولكن لا استجابة .. ارتبك للحظة ثم اتصل بوالده وبالاسعاف بعد دقائق بدت كانها ساعات وصل الاسعاف دخلوا بسرعة فحصوا النبض ثم تبادلوا نظرات صامتة .. فى لحظة واحدة خيم الحزن الكثيف على المكان ، ملك جلست على الارض رأسها بين يديها وزين وقف صامتًا يحاول التماسك بينما مريم جلست بقرب ملك ودموعها منهمرة دون توقف تمسك يد ملك بيدها المرتجفة ولا شئ يسمع سوى صوت البكاء المكتوم ..

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1