رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثانى والثلاثون 132 بقلم اسماء حميدة


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثانى والثلاثون


وفي تلك اللحظات الغارقة في ضباب الليل وفي الطابق العلوي من ناد ليلي مترف كان البذخ يلف المكان كوشاح من الحرير الأسود.
رجال أثرياء يجلسون هناك تلمع أزرار ستراتهم تحت أضواء خافتة تشبه خيوط الغسق.
الموسيقى تصدح خافتة كأنها دقات قلب يخشى أن يفضح.
وعلى مدد البصر في ركن بعيد جلس ظافر في مقعد يبتلع ظله كأنه ملك تخلى عن عرشه مؤقتا.
وبيد فقدت حماسها أخرج هاتفه من جيب معطفه الفاخر كانت أنامله ثابتة لكن عينيه تحملان بريقا متوترا ذلك البريق الذي يولد من رحم الشك والجنون.
وبقلب منقبض فتح ظافر شاشة الهاتف فوجد رسالة جديدة من حراسه الذين أطلقهم خلف سيرين ككلاب صيد جائعة
لقد فقدناها.
ساد صمت ثقيل كأن الهواء في صدره صار حجرا يضغط على أضلعه.
جعد ظافر حاجبيه في عبوس يليق بغضب الملوك ورد بصوت خفيض لكنه ينزف تهديدا
إذا عجزتم عن العثور عليها خلال ساعة... فارحلوا عن المدينة بأكملها.
وبمجرد ما أن أرسل الرسالة حتى خرج رجاله إلى الشوارع يطاردون

طيف سيرين في الأزقة المعتمة يفتشون عن أثر لها بين ظلال الليل.
أما هو فقد استدار قليلا وحدق في سواد هاتفه كأنما يبحث عن انعكاس روحه المبعثرة ومن ثم حاول أن يتصل بسيرين من جديد لكن كل ما وصله كان صوتا آليا أجوف يجلجل في أذنيه كسياط على ظهر قلبه
الرقم الذي طلبته غير متاح...
أغلق عينيه وتنهيدة ثقيلة خرجت من صدره.
في تلك اللحظة التي تعج برائحة القلق كانت سيرين تحادث فاطمة عبر شاشة صغيرة تنقل تفاصيل الوجع دون رتوش.
كانت تجلس في مكان خافت الإضاءة تحيطها سحب من التوتر وتكاد أنفاسها تترجم صدى نبض قلبها المتسارع.
ظهرت فاطمة على الشاشة كأنها شجرة عجوز يكسوها الثلج الأبيض... عيناها مرآتان تعكسان القلق المترسخ بصدرها وإذا بها تقول بصوت حنون يختلط بنبرة التحذير
عليك أن تتصلي بي وبكارم فورا إذا حدث أي شيء أفهمت يا سيرين لا تلعبي بالنار وحدك.
كان صوت فاطمة يشبه نغمة مرتعشة تقاتل الغرق... وعلى الفور أومأت سيرين برأسها تحاول إخفاء ضجيج قلبها
حسنا
لا تقلقي.
كانت سيرين على وشك البوح بشيء آخر لولا أن انقض عليها حضور رامي مثل ظل يطفئ شمعة الكلام في حلقها.
ركض رامي نحوها وقد حمل في عينيه شيئا يشبه التحذير فانتفضت تسأله برهبة
ما الأمر همست بها سيرين بقلب منقبض يرتجف زعرا.
اقترب رامي منها أكثر وصوته يخرج كسيف يقطع حبال الهدوء
كل رجال ظافر يطاردونك إنهم يجوبون الشوارع كالذئاب الجائعة.
ما إن لامست كلمات رامي أذنها حتى هرعت تخرج هاتفها من حقيبتها ومن ثم قامت بالاتصال بالسائق تطلبه أن يأتي كطوق نجاة بينما هتفت تأمر رامي
اصطحبني من جانب الطريق حالا.
أسرع رامي ينفذ الأمر بينما عبثت يد سيرين بحقيبتها تخرج كيسا بلاستيكيا لإحدى ماركات الملابس ووضعت به وشاحا كانت تلتحفه يبدو جديدا بل هو كذلك ولحسن الحظ لم يره ظافر من قبل.
وبمجرد ما أن ترجلت من السيارة غادر رامي بطرفة عين وإذا بالسائق خاصتها يقترب فراحت ترسم على وجهها ابتسامة مصطنعة كأنها ممثلة على خشبة تخفي مأساة خلف ستار آخذة في عين
الاعتبار أن السائق حتى وإن كان أحد مستخدميها فلربما ولاءه لظافر الذي يجيد شراء الذمم بشتى الطرق إما بالمال أو بأي وسيلة أخرى.
وها هي تتظاهر بأنها قد خرجت لشراء ثوب جديد وفيما كانت تجلس في السيارة التي انطلقت بها وسط الأزقة كانت عيون الحراس الذين زرعهم ظافر تتتبع كل شيء إذ التقطوا صورة لها تجمد اللحظة وتبعث بها إلى ظافر كأنهم يخلقون عيونا إضافية له في قلب الليل.
بعد دقائق قليلة اهتز هاتف سيرين بين يديها وحالما رأت اسمه يظهر كوميض أسود على الشاشة رفعت الهاتف وضبطت نبرة صوتها تخفي زلزالا خلف ابتسامة زائفة
مرحبا
جاءها صوته كطلق ناري
أين أنت
تلفتت سيرين حولها وعيونها أخذت تبحث عن مخرج من هذا السؤال الخانق الذي أعدت له جوابا مسبقا ولكن كل شيء قد تبخر من عقلها وما إن تداركت الموقف حتى أجابت على وجه السرعة
أنا في مركز للتسوق سأعود بعد قليل... هل هناك أمر طارئ
ارتفع صوته مجددا يأمر ولا يسأل
تعالي فورا إلى الطابق العلوي من نادي
ثم أسدل
الخط عليها كأنه يغلق بابا في وجه
 

الهواء فلم يكن أمامها إلا أن ترضخ لذا أعادت النظر في الطريق الذي يسلكه السائق وأمرته بتغيير المسار.
ظلت عينها معلقة على المسافة التي تفصلها عن النادي كأن قلبها يسبقها بخطوات لا ترى أما ليل المدينة فكان يراقبها من بعيد يبتسم ببرودة من يعرف أن النهاية لا تكون إلا في قلب الظلام.
من داخل ذلك النادي المخملي كانت الموسيقى تنسج خيوطها المتمردة تحاصر المكان بأنغام مترفة كأنها رقصات الظلال على حواف الروح... أضواء خافتة تنزلق بكسل على وجوه الرجال.
وهناك في الزاوية جلس ظافر متكئا على مقعد عتيق ظهره مستقيم كأنه عمود نور في ليل أسود... وأصدقاؤه في الجوار وأصوات ضحكاتهم تصعد إلى السقف كدخان كثيف يخنق الهواء.
قال أحدهم وصوته ينضح بالنشوة
أخبرتك يا ظافر
لقد زارتنا مؤخرا بعض الفاتنات أجمل من قمر مسروق من ليل صاف... وإحداهن حاولت أن تنال ودك فأشارت للمدير
التقط المدير تلك الإشارة كصياد ماهر يرمي شباكه ومن ثم اقترب هو وصاحبة الإشارة التي تفيض ملامحها براءة زائفة تدعى تيا.
كانت تيا تشبه فراشة خرجت للتو من شرنقة الغموض... لم يلتئم بعد ارتباكها إثر جاذبية هذا الظافر.
همس أحدهم في أذن ظافر
إنها بالكاد قانونية لكنها تعلم جيدا كيف تسرق الأنفاس.
تحت الأضواء الراجفة التقت عينا ظافر بعيني تيا اللتان بدتا مترددتان وكأنها تطأ أرضا محروقة.
تقدمت بخطى خجولة وقالت وقد تلعثم صوتها
هيا بنا نحتفل يا سيد ظافر.
لكن ظافر لم يرفع الكأس بل ظل ينظر إليها بعينين لا تشي بشيء سوى الفراغ.. وفي أعماقه كانت سيرين تحضر
طيفها من الذاكرة كأنها أنشودة لا يملها أبدا... سيرين الجديدة... سيرين التي لا تخجل سيرين التي تشبه الليل حين يبوح بأسراره.
تبادل أصدقاؤه نظرات ساخرة وقال أحدهم بصوت يفيض بالسخرية
أظن أن الصماء سيرين قد سلبتك قلبك فلم يعد لبقية النساء نصيب من اهتمامك أليس كذلك
لم يكن طارق حاضرا تلك الليلة لكن الكل يعرف اللقب الذي منحه لسيرين ذات يوم... وحالما سمعت تيا ذلك الاسم رفعت حاجبيها دهشة وتساءلت بصوت يقطر فضولا
الصماء سيرين من تكون هذه المرأة
عندها فقط تراجع وجه ظافر إلى الظل كأنه يخفي جرحا قديما وفي عينيه شرر خافت لكن أحدا لم ينتبه.
أجاب أحدهم وقد استلذ باستفزازه
إنها زوجة ظافر السابقة
ارتسمت على وجه تيا دهشة تليق بطفلة سمعت قصة خيالية إذ لم تستطع
أن تخفي غصة الشفقة التي استوطنت صدرها ومع تلك الشفقة كان ثمة خيط رفيع من الغرور ينسل بروحها
فهي أفضل من امرأة صماء أليس كذلك
ابتسمت تيا ابتسامة هادئة وقالت وقد أرادت أن تطبع اسمها في ذاكرة ظافر
اسمي تيا يا سيد ظافر إذا كنت لا ترغب بهذا العصير... فدعني أشربه عنك.
ثم أمسكت الكأس ورفعته إلى شفتيها تتجرعه دفعة واحدة كأنها تلقي التحدي في وجه القدر.
في تلك اللحظة لم يكن في عينيها سوى إصرار جامح ورغبة خبيثة في جعله ملكا لها لكنها لم تكن تعرف أن قلب ظافر قد أغلق أبوابه منذ زمن وأن فيه مدينة لا يدخلها أحد سوى طيف سيرين
أما ظافر فكان صامتا... صمته صدى ليل طويل لا ينتهي وفي عينيه سؤال لم يجد بعد طريقه إلى النور وصوت خفي يهتف
أي شبح يطارد قلبه حقا وأي
لعنة يوشك أن تنفجر في صدره
 
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1