رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثالث والثلاثون 133 بقلم اسماء حميدة

 


 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة الثالث والثلاثون


حين جلس الجميع يشجعون تيا وهمساتهم تتردد كرجع صدى في صدرها انزلق جسدها برفق لتجلس قرب ظافر وكأن روحها وجدت أخيرا ميناء تلقي فيه مراسيها وها قد خيم الليل على المكان وستائره المخملية حجبت عنها تفاصيل وجهه لكنها شعرت بدفء خافت ينبعث من حضوره كأنه نار هادئة تدفئ قلبها المتردد.
لم يكن هناك مكان للخجل بعد الآن إذ تحركت بيد مرتعشة لتقشر بعض الثمار.
ظل ظافر يراقب حركتها بصمت يختزن أكثر مما يبوح ومن ثم قال بنبرة عميقة كأن صدى صوته ينبعث من بئر سحيق في روحه
هل كنت ستبقين هنا حتى لو لم أدفع لك شيئا
اهتزت يداها ومرت في قلبها رعدة مباغتة وقد سرت الصدمة في جسدها كشرارة تلامس ورقة خريف جافة لكنها سرعان ما استعادت شجاعتها وجعلت صوتها واثقا يطل من خلف ضعف لم يغب
وجودي بقربك يا سيدي شرف لي... فكيف لي أن أطلب مالا
قالتها تيا وكأنها بهذا تخلع عنها ثوب الحاجة لكنها لم تكن واثقة هل صدقها ظافر أم قرأ في نبرتها ارتعاشا لم تستطع إخفاءه.
حدجها ظافر بنظرة بعيدة تحمل ظلال ماض لم تمت ذكراه ففي لحظة تراءت له صورة سيرين تلك التي شاركته أياما ثقيلة من العمر حتى غدت جزءا من نبضه.
تذكر كيف اكتشف بعد الفراق أنها لم تمد يدها يوما إلى ثروة عائلته فكان ذلك كصفعة أيقظت كل يقين نائم في قلبه.
تنهد ببطء كمن يلفظ ألما تراكم في صدره ومن ثم قال وهو يرخي صوته وكأنه يقص عليها قدرا لا يقبل المساومة
حسنا... منذ هذه اللحظة لن تأخذي بعد الآن أجرا على عملك.
كانت كلماته قاطعة أشبه بحكم نهائي يعلنه قاض في محكمة بلا استئناف فحتى لو لم يكن مالك النادي لكنه كان سيد الكلمة هنا... يكفيه أن ينطق ليتحول صوته إلى أمر نافذ في قلب المكان.
تسلل الخوف إلى عيني تيا وجف حلقها وهي تسأله
هل تمازحني يا سيد ظافر
نطقتها كاستفسار لكن في قلبها كانت تعلم أن الأمر

أكبر من مجرد مزحة... فهي تعلم علم اليقين أنه لو أراد لأغلق أبواب السماء في وجهها.
أظلمت عينا تيا بضيق لم تقوى على البوح به فبرغم براعتها العلمية التي كانت تؤهلها لرواتب مجزية إلا أن بريق هذا المكان ومغريات المال الذي يتدفق منه سريعا قد أغراها... فراتب عشرة آلاف في الشهر لا يقارن بحلم عشرة آلاف في اليوم ثم كونها شابة يانعة تعلم جيدا أن الرجال يطمعون في حسنها كما يطمع الصيادون في أسماك الذهب.
ارتسمت على ثغر ظافر ابتسامة لم تصل إلى عينيه ثم قال بهدوء أشبه بعاصفة تخبئ زئيرها
وهل تظنين أنني أمزح
ساد صمت خانق حتى أن أصدقاؤه قد بدا التوتر على وجوههم وكأنهم يشهدون ثورة بركان لا يعلمون كيف سيتفجر.
ما الذي دهاك يا ظافر سأل أحدهم بصوت أقرب إلى الرجاء.
لكنه لم يجب بل كانت عيناه معلقتين على تيا وكأنهما تكشفان كل خباياها.
وجه ظافر حديثه إلى من تسمرت بجلستها وصوته لا يحمل سوى يقين لا يلين قائلا
هل لديك اعتراض
ارتجف قلبها بين ضلوعها ولم تجرؤ على رفع عينيها وتهامست كلماتها كطائر مكسور الجناح
لا... لا يا سيدي.
ظنت تيا لوهلة أنه يختبرها فتلاعبت بها فكرة أنه ربما يغير رأيه لكنها لم تدرك أن ظافر إذا قال لا يعود عن قوله... وأصدقاؤه الذين كانوا شهودا على صمته القاتل لم ينطقوا بكلمة لكنهم علموا جميعا أنها خسرت فرصة لن تعود.
خفضت تيا بصرها تخفي امتعاضها فما كانت تعلمه حينها أن لا أحد بعد الآن سيجرؤ على وضع قطعة نقود في يدها وكأنها قد أصبحت ظلا في هذا المكان لا يراه إلا من يعرف سره.
وفي لحظة من تحد أحمق وكأنها تقيس صلابته سألت تيا بصوت يقطر دلالا
هل كانت زوجتك السابقة سيئة يا سيد ظافر
توقف كل شيء من حولهما وكأن الزمن نفسه انحنى ليستمع.
رفع ظافر رأسه ببطء ونظر إليها بعينين جامدتين لا يلوح فيهما أي أثر من حزن أو سخط
وكيف عرفت
ابتسمت
وكأنها تزيح الغبار عن ذكرى قديمة
أرى في عينيك حزنا عميقا لا يخفيه أي ادعاء.
استرخى ظافر في مقعده كمن يعيد ترتيب عبء ثقيل على كتفيه ومن ثم رفع حاجبيه قليلا وقال
بصوت حمل مرارة لاذعة
معك حق... كانت فظيعة.
وللحظ السيء كانت سيرين قد وصلت للتو خطواتها تلامس الأرض كرقصة ظل خافت وعيناها تلتقطان كل همسة كأنها تقتات على صدى الأرواح.
لم يكن الباب موصدا بل كان مواربا بما يكفي ليسمعها صوتا كجرح قديم لم يلتئم فتوقفت عند العتبة كتمثال منحوت من صبر وصمت طويل تحدق في عالم ما عاد ينتمي لها رغم كل ما في قلبها من أصداء قديمة.
لم يكن ظافر يدرك أنها هناك ولا ظلالها التي امتدت على عتبة الغرفة كقصيدة خجولة تنتظر قارئها قد خبت جراء ما قيل.
انحنت سيرين برأسها تخفي وهج الألم في عينيها الملونتين كغروب يلتهم آخر بقايا الضوء.
كانت تدرك جيدا أنها كانت يوما موضوع حديثه وحديث رفاقه أحاديث سمجة وتنمر امتدت أطرافه كالطريق القديم ولم تنته حتى بعد رحيلها.
في تلك اللحظة تردد صوت عميق بجوارها جذاب كنسمة ليل في صدر صيف مكتوم
ألن تدخلي يا سيرين
التفتت فلمحت كامل واقفا قربها وفي يده كأس تتمايل في قلبه دوامة خافتة من ضوء خمري عميق يخضب شفتيه لون ما يتجرع وكأنه يطبع على ثغره المزين لوجه وسيم شغفا لم يبح به.
نظرت إليه ولم تستطع الكلمات أن تجد طريقها عبر صمتها المبلل بذكريات لم تبرحها... وفجأة وكأن الصمت نفسه استسلم لهمس حضورها إذ استدار الجميع ينظرون إليها يحدقون في تفاصيلها التي بدت وكأنها عودة من غياهب الحكايات.
في تلك اللحظة التمعت عينا ظافر كوهج خافت بين رماد الموقد ومن ثم مال يلتقط كأسه المرمري الأبيض يرفعه بتمهل إلى شفتيه يشرب رشفة صغيرة محاولا أن يخفي ارتعاشة في عينيه لم تفصح بعد.
في تلك الرشفة كان يحبس ذكرى يدفن شوقا قديما ولا يدري
هل يستطيع قتله أم سيظل يطارده في الليالي البعيدة.
أما سيرين فلم تهده إلا نظرة باردة كأنها حائط من ثلج يتحدى اللهيب ومن ثم ردت على كامل بصوت رقيق مغنج لكن في عمقه كانت هناك قصيدة من الكبرياء المكسور
لا لا أريد أن أفسد عليكم بهجة الليل.
رمقها بعض الأثرياء المستهترين بنظرة مستغربة وهم يحكوا أنوفهم وكأنهم يحاولون طرد عطر الماضي الذي عاد يعبق في المكان متسائلين عن سر ظهورها المفاجئ يتعجبون من تلك المرأة التي صمتت عنهم سنينا ثم أطلت فجأة كذكرى لا تموت.
حين استمعوا إليها وهي تقول إنها ستغادر تنفس الجميع الصعداء وقد بدوا وكأنهم أخيرا تخلصوا من طيف كان يخيم على ضحكاتهم.
قال أحدهم وهو يضحك ضحكة خافتة كمن يحاول أن يغطي ارتباكه
أربع سنوات يا سيرين كنت فيها صماء عنا وعن كل شيء والآن تعودين لتراقبيه
في تلك اللحظة جلست تيا قرب ظافر تتابع المشهد بعينين تتسعان دهشة إذ لم يكن لديها من قبل سوى انطباعات سطحية لكن وهي تحدق في سيرين أدركت أنها امرأة من نوع آخر.
وجهها مثل قصيدة من الضوء والظلال قسماته دقيقة وكأن كل زاوية فيه تحمل وعدا لا ينسى لكن أكثر ما لفت انتباه تيا كان عينا سيرين هادئتان كعمق البحر تخفيان تحت سكونهما أمواجا لا تهدأ.
كان في صمتها سحر غريب وجمال لا يحتاج للكلمات كي يعلن حضوره.
لوهلة شعرت تيا بشيء يشبه الأسف وكأن الحياة ظلمت سيرين حين جعلتها صماء.
لم يجب ظافر على أسئلة أصدقائه المتعجرفة بل نهض فجأة وقامته مائلة على حافة الغموض وكأن جسده يجر خلفه سرابا لا يراه أحد.
وأخيرا جاء صوته هادئا كهمس الليل
هناك أمر علي إنجازه سأعود.
ثم مضى يطوي الليل في خطاه تاركا خلفه أسئلة معلقة في الهواء ترفرف كأشباح لم تجد قبرا تأوي إليه تلوح بعينيه نظرات تحد تقر بوعد بصدام قريب وصوت خافت يهمس في العتمة
الليلة لم تنته بعد
انضموا
إلى عالم لا تطفئه النهاية ولا يرويه سوى العشق
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1