![]() |
رواية زواج تحت التجربة الفصل الرابع عشر بقلم رباب حسين
الخداع ذلك القناع البراق.... ليس مجرد كذبة تُقال بل هو حكاية طويلة تُنسج بخيوط من ثقة مسروقة وصمت مصطنع ونظرات تتقن الرقص على حبال الزيف... الخداع وجه يبتسم لك وقلب يدبر خلف ظهرك ألف خنجر يأتيك في هيئة الطيبين يتقن الحديث بنغمة الأمان ويعزف على أوتار حاجتك حتى إذا إطمأننت إليه غرس أنيابه في خاصرتك دون رحمة..... كم من يدٍ صافحتك بحرارة وكانت تحمل السم في راحة كفها؟ كم من عين بكت أمامك وما كانت دموعها سوى ماء مالح يخفي وراءه ضحكة شامتة؟
الخداع قاتل ببطء... لا يقتلك دفعة واحدة بل يسلبك شيئًا فشيئًا ثقتك... صدقك... إحساسك بالناس وربما إحساسك بنفسك تفيق بعده لا لأنك شُفيت بل لأنك صرت أقسى.... أكثر حذرًا وأكثر انطفاءً
وما أقسى أن تُخدع لا لأنك كنت غافلًا بل لأنك كنت طيبًا... لأنك أمنت بأن القلوب مثل قلبك وأن الوجوه تشبه نواياها.... الخداع يعلمنا... لكنّه يعلمنا بوجع يجعلنا نعيد بناء جدراننا أعلى نغلق أبوابنا بإحكام وننظر لكل يد تمتد إلينا بريبة من نوع جديد ليس خوفًا... بل حذرًا من أن نلدغ من ذات الثغرة مرتين....
الخداع لا يُنسى لأنه لا يترك ندبة... بل يترك فراغًا وصفعة تتلقاها عندما تكشف الحقيقة أمام عينيك.... وها هي الحقيقة بإنني كنت ضحية خداع من وثقت به وحاميته ولم أوشي به وحتى لم أعاتبه على ما فعله بي
نظر خالد إلى إيمان ولاحظت إيمان غضبه المتصاعد فأمسكت بكلتا ذراعيه وقالت : إهدى..... متحاولش تفقد أعصابك..... بصلي.... أنا جنبك.... متفكرش في أي حاجة دلوقتي غير إن تبصلي وتهدى..... غمض عينك وخد نفس جامد وخرجه بالراحة
نظر إليها خالد وقام بتنفيذ ما طلبته حتى لا يؤذيها مرة أخرى ثم كرر عملية التنفس بقوة حتى هدأ قليلًا وفتح عينيه وجد إيمان تنظر إليه وتبتسم ثم قالت : عارفة إن اللي سمعته يخليك عايز تكسر البيت ده بس إفتكر إن الكلام ده لو حقيقي فا أنت كده برئ ومقتلتش حد..... خلينا نبص للجانب الإيجابي وحقك هيرجع هيرجع
نظرو لها جميعًا في تعجب فقد هدأ خالد بين يديها وكأنها تروض وحش كاسر لا يقدر عليه أحد غيرها ثم قال خالد : شكي طلع في محله..... أيهم كان واخدني فار تجارب عشان الحيوانات مكنتش بتستحمل العلاج ده
عزت : هو كان قاصد يعمل فيك كده عشان كان عايز يبقى قوي ومحدش يقدر يقف قدامه وأكيد خاف يجرب العلاج على نفسه فاستغلك
نظر له خالد ثم نظر إلى طارق وقال : من النهاردة إنتو في حمايتي ومفيش داعي تروح تعترف دلوقتي..... أنا عايز أستفز أيهم بكل الطرق عشان يجي هنا وأقدر أمسكه لأنه أكيد هيهرب بسبب هروب عزت اللى عرف عنه كل حاجة ولما يجي هيلاقيني أنا في وشه بس عشان ده يحصل لازم يا عزت بيه تروح تقول اللي عرفته من أيهم وتبرئني وأنا هروح معاك وهعترف للبوليس إن أيهم هو اللي إداني الدوا وكمان خده عشان يقدر ينتقم من عيلة الألفي
عزت : معنديش مانع بس أهم حاجة تحمي الأولاد
ليلى في ذعر : ليه؟! هو كمان عايز يأذي الولاد؟
عزت : عايز يخلص علينا كلنا..... الشر اللي في عينيه مش طبيعي.... خالد لحقني على أخر لحظة.... الله أعلم كان هيعمل فيا إيه
طارق : الحمد لله..... دلوقتي نروح على القسم ونعمل فيه بلاغ وكمان نثبت براءة خالد..... أما أنت يا خالد فا اعتبر نفسك ضيفي إنت والمدام لحد ما المحنة ديه تخلص ونقبض على أيهم
خالد : لو إيمان وافقت تقعد أنا هفضل معاكم
إيمان : أنا هفضل معاك طبعًا بس هروح أجيب الفار اللي واخد الجرعة ديه عشان لازم نكمل رحلة العلاج
خالد : ماشي خليكي هنا لحد ما نروح القسم وبعدين نروح سوا نجيب حاجتك من البيت
ضمها إليه ثم ابتعد عنها قليلًا وقال : خلي بالك من نفسك
ابتسمت إيمان وقالت : متخافش عليا يا حبيبي
خالد : محدش يخرج من البيت..... أيهم مش معروف هيعمل إيه الخطوة اللي جاية وهروب عزت هيجننه ومع الدوا ممكن يعمل أي حركة متهورة
نورة : محدش هيخرج من هنا أبدًا غير لما ترجع
ذهب خالد مع طارق وعزت إلى قسم الشرطة وعندما نزل خالد من السيارة وقف العساكر أمامه فرفع ذراعيه في هدوء وقال : أنا جي أسلم نفسي..... متقلقوش ومحدش يعترض طريقي عشان مش عايز أئذي حد..... فين مكتب علاء باشا؟
قال أحد العساكر : أنا هوصلك
ابتعد العساكر عنه وصعد عسكري أمامه وأرشده إلى مكتب الضابط علاء ثم طرق الباب ودخل خالد وخلفه طارق وعزت.... وقف علاء في صدمة وقال : أخر حاجة كنت أتوقعها إنك تيجي معاهم..... عزت بيه حمد الله على السلامة..... رجعت إمتى وإزاي؟
خالد : أنا هحكي لحضرتك كل حاجة
قص له خالد كل ما حدث ثم قال علاء : يعني طلع أيهم هو الدكتور؟..... أنا كنت شاكك في الموضوع بس كنت مستغرب إزاى تحميه وهو اللي عمل فيك كده؟
خالد : كنت فاكر إنه غصب عنه وإن نيته كانت خير بس لما عرفت إنه قاصد يعمل فيا كده وكمان هو اللي قتل عمي وابنه ولبسني التهمة مبقاش قدامي حل غير إني أعترف عليه..... أيهم دلوقتي خطر وأنا اللي هقف قصاده بس لازم تبعد عني التهمة عشان أقدر أحمي الناس ديه
نظر علاء إلى طارق وقال : هو أيهم بيعمل معاكم كده ليه؟ إنت تعرفه أو فيه عداوة بينكم؟
نظر طارق إلى خالد ثم أعاد النظر إلى علاء وقال : هقولك على كل حاجة بس مش دلوقتي..... أوعدك إني هقول اللي حصل بس أنا كل همي دلوقتي أحمي أخويا وولادي وولاده والعيلة كلها...... المهم خالد يخرج معانا
تنهد علاء وقال : صعب..... لازم خالد يروح النيابة وياخد إخلاء سبيل من هناك
خالد : أظن كلام عزت بيه إتسجل دلوقتي في المحضر لو حضرتك تقدر تبعت المحضر ده الصبح وأنا هروح مع طارق بيه وأوعدك إني هروح النيابة بنفسي الصبح..... بس حضرتك لو هتبقى معايا هتسهل عليا الموضوع عشان لازم أخرج في نفس اليوم
علاء : هو أكيد لو وكيل النيابة عرف الحقيقة هيتأكد إن وجودك في السجن مش هيفيده بحاجة خصوصًا إن محدش فينا هيقدر يمنع أيهم ولا يحمي عيلة الألفي..... على العموم الصبح إن شاء الله هستناك في النيابة.... تقدر تمشي دلوقتي..... طارق بيه إنت وعدتني إنك هتقولي كل حاجة
طارق : وأنا عند وعدي
عاد خالد وطارق وعزت إلى منزل الألفي وذهب خالد فورًا إلى المنزل وأحضرت إيمان التجارب وأيضًا الفأر ثم عادت إلى السيارة وقالت : بس فيه مشكلة دلوقتي
خالد : فيه إيه؟
إيمان : لو قعدت عند طارق بيه مش هعرف أشتغل..... أنا عايزة معمل ضروري
خالد : اه.... طيب وبعدين
إيمان : مفيش غير معمل المستشفى
خالد : لا أخاف عليكي من أيهم
إيمان : أيهم مش شايف قدامه غير عيلة الألفي مش هيفكر يأذيني
خالد : لو وقفت قدامه ممكن يأذيكي
إيمان : أيهم لو وقف قدامك إنت هتقدر توقفه وتقبض عليه..... بص أنا هخلي معاك حقنة مهدئة لو ظهر قدامك تديهاله على طول بحيث ميقدرش يأذيك
خالد : ماشي..... كلمي بقى البيت عندك عشان ميقلقوش عليكي وعرفيهم الحقيقة عشان ميقلقوش من البوليس
إتصلت إيمان بوالدها وقص لها ما حدث وأخبرته أنها ستقيم في منزل عائلة الألفي وشعر علي بالسعادة ببراءة خالد وذهاب هذه المحنة وأخذ يدعو له بأن ينتصر على أيهم ويستطيع أن يقبض عليه دون أن يأذيه
عاد خالد وإيمان سريعًا وأعد طارق لهما غرفة ولاحظت إيمان خوف باقي العائلة من خالد فنظرت لهم وقبل أن تصعد الدرج مع طارق ليذهبا إلى غرفتهما قالت : أنا مش عايزاك تقلقو من خالد نهائي..... ولو قلقانين نقدر نمشي ونيجي الصبح
ولاء : هو الصراحة إحنا مش عارفين هو فعلًا مش هيأذينا زي أيهم ولا لا
خالد : أنا هنا عشان أحميكم يا أنسة...
ولاء : ولاء.... إسمي ولاء
خالد : أنا مش هعمل حاجة تأذيكم أنا بس هقبض على أيهم.... متخافوش مني لكن لو مش مطمنين أنا ممكن أمشي
طارق : لا.... هما بس الأولاد ميعرفوش عنك حاجة ومصدقين كلام السوشيال ميديا اللي هيتغير بكره لما تظهر الحقيقة... تعالى أرتاح دلوقتي وبكرة هجيب الرجالة بتوع الشركة والأمن يقفو برا
خالد : ماشي وأنا عايز أبقى قدام كاميرات المراقبة عشان مش عايز أيهم يعرف إني موجرد
إيمان : وأنا هنزل الصبح بدري أروح الشغل عادي جدًا عشان أيهم ميعرفش إن أنا وخالد عرفنا حاجة
خالد : بالظبط أنا عايزه يتفاجأ
أما أيهم فأخذ رنا وذهب بها إلى منزل جديد لا تعرف عنه شئ فنظرت له وقالت : فهمني إيه حصل وإيه البيت ده؟
أيهم : عزت كشفني وكده إحنا في خطر
قص لها أيهم ماحدث فقالت : يعني هرب لوحده كده؟ مش إنت كنت ربطه؟
أيهم : يمكن فك نفسه وهرب..... المشكلة إني تقريبًا قولتله كل حاجة يعني لو راح للبوليس خلاص أنا كده رحت في داهية
رنا : وإنت قولتله ليه بس يا أيهم؟
أيهم : عشان كده كده كنت هقتله وكمان لما بتعصب مش بسكت وأنا مش قادر أسكت أكتر من كده مش كفاية بقالي سنين ساكت وصابر
رنا : طيب خلينا بقى هنا واهدى خالص لحد ما نوصل لحل
أيهم : بس أنا مش هقدر أوقف اللي بدأته..... أنا هكمل وكده كده محدش هيقدر يقف قدامي ولا حتى الشرطة
رنا : إنت مش ضد الرصاص يا أيهم..... لو حد ضربك بالنار هتموت..... أنا مليش حد غيرك.... كفاية كده يا أيهم وخلينا نمشي من هنا.... نسيب البلد خالص نكمل حياتنا سوا
أيهم : إنتي عارفة الحكاية كلها وعارفة إني مش عايز أي حاجة من الدنيا غير إني أجيب حقهم وأنا خيرتك من زمان وإنتي وافقتي تبقي معايا وتقفي جنبي
رنا : وأنا مرجعتش في كلامي بس أنا لو سيبتك تكمل في الوضع ده هتروح في داهية أو هيخلصو عليك..... وأنا مقدرش أعيش من غيرك..... خليك معايا يا حبيبي وكفاية كده
أيهم : متبقيش أنانية..... مش عشان أفضل جنبك أنسى أهلي وحقهم
رنا : وافرض كلام عزت صح وأبوك عمل كده فعلًا..... المفروض تقتل اللي قتله وخلاص رغم إنه ممكن يكون الغلط منه هو
أيهم في غضب : أخرسي..... أبويا عمره ما يعمل كده
رنا : أنا مش بشكك فيه.... أنا بقول أفرض إن ديه الحقيقة ساعتها يبقى طارك مش عندهم
أيهم : هما اللي قتلوهم وطاري عندهم هما وبس وقفلي بقى على كلام عشان عايز أقعد أفكر هعمل إيه
تركها أيهم ودخل إلى الغرفة وأغلق الباب..... في الصباح إستيقظت إيمان وذهبت إلى العمل أما خالد فذهب إلى النيابة العامة وتقابل مع علاء الذي تحدث إلى وكيل النيابة وشرح له الأمر وطلب منه إخلاء سبيل خالد على الفور حتى يذهب لحماية عائلة الألفي والقبض على أيهم ولكن إعترض بالأول وأقنعه الضابط علاء أن خالد لم يؤذي أحد على العكس بل كان دائمًا يساعد من حوله ولم يثبت عليه أي إدانة حتى الآن فوافق وعاد خالد إلى منزل الألفي وطلب من طارق أن يظل بغرفة المراقبة الخاصة بالكاميرات التي وضعت على المنزل من الخارج..... حل الليل وعادت إيمان إلى المنزل ودخلت الغرفة عند خالد وأخبرته أن نتيجة التجارب لم تنجح سوى بأعطاء مهدأ للفأر وطلبت منه أخذ عينة لتعلم إذا كانت نسبة إفراز الأدرانيالين في زيادة أم توقفت وتفرز في حالتها الطبيعية فقط وأخذت منه العينة وحفظتها حتى تقوم بعمل تجارب عليه بالغد ثم ذهبت إلى غرفتها لترتاح..... ظل خالد يراقب حتى تأخر الوقت وظن أن أيهم لن يفعل شئ وكاد أن يذهب إلا أن وجد أيهم يتسلل من الباب الخلفي فأخبر الرجال بالخارج وحاولو تعطيله حتى يحضر خالد إليهم وقام أيهم بضرب بعض الرجال حتى وجد يد قوية تتمسك به فنظر خلفه فوجد خالد أمامه ففتح عينيه في صدمة وقال : خالد!..... بتعمل إيه هنا؟
خالد : بمنعك عن اللي إنت بتعمله..... كفاية كده يا أيهم
قام أيهم بدفعه وقال في غضب : إنت جي هنا ليه؟! بتحميهم..... بتحمي الناس ديه؟..... الناس ديه مش عايزة حماية.... الناس ديه عايزة القتل والدبح في ميدان عام
خالد : حتى ولو مش بالطريقة ديه ومش إنت اللي تحكم على حد بالإعدام
أيهم في غضب : وهما ليه حكمو على أهلي بالإعدام من غير رحمة ولا شفقة؟
خالد في غضب : مش معنى إنهم غلطو إن إحنا كمان نغلط زيهم
تجمع أهل البيت على صوتهما ووقفو بعيدًا عنهما يشاهدون ما يحدث فنظر لهم أيهم وقال : حقي هخدوه منهم وبإيدي
كاد أن يذهب إليهم ولكن أوقفه خالد ووقف أمامه وقال : مش هسيبك تقربلهم..... ولو على الحق أنا كمان ليا حق عندك وكبير كمان
أيهم : حق!....ده أنت المفروض تشكرني على اللى عملته معاك.... خليتك من شحات لواحد معاه فلوس وكنت السبب إنك تتجوز إيمان حبيبة القلب ده غير القوة اللي بقت عندك
خالد : معلش نسيت تفصيلة صغيرة..... إنك خلتني مجرم وهربان..... هتعملي إيه الفلوس والقوة وأنا كل الناس بقت بتهرب مني وبقى إسمي السفاح وإنت السبب حتى مراتي عايشة معايا مرعوبة وخايفة..... إنت دمرت حياتي
أمسك أيهم خالد من ملابسه بعنف وقال : إنت اللي ضعيف..... إنت عارف إنك كنت هتضيع مجهودي السنين ديه كلها..... عشان جبان..... إنت جبان يا خالد وكل ما تيجي توصل لأخر مرحلة من الغضب مشاعرك بتضعفك وبتتحكم فيك وفي الأخر أضطريت أنا اللي أكمل وراك بعد ما وقفت قدام عمك وإبن عمك مقدرتش تعمل حاجة..... بتمنع نفسك إنك تأذي حد لكن أنا لا..... أنا ممكن أئذيك بمنتهى السهولة
ثم أطاح به بعيدًا وطار جسده في الهواء ثم ارتطم بشجرة وسقط أرضًا فصاحت إيمان في خوف واقترب أيهم منهم وعينيه تطلق سهام الغضب ووقفو جميعًا يتحامون في بعضهم البعض