رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والثامن و الخمسون 158 بقلم اسماء حميدة

     



 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة والثامن و الخمسون


نطق ظافر كلماته كمن يطلق نبوءة من فم عاصفة ببطء ثقيل يقطع الهواء كسكين باردة وتهديده الصريح بات يقين لا يقبل الشك.
في تلك اللحظة تجمد الزمن على ملامح سيرين... تلك النظرة الجادة التي ارتسمت على وجهها لم تكن جديدة لكنها اليوم برغم تصنعها إلا أنها كانت أعمق أثقل... كأنها تحمل في طياتها تساؤلات ملحة وإجابات لم تأت قط.
أنتابتها المخاوف فقد كانت دوما على علم بأن كارم ليس مجرد رجل عابر لكنها لم تعلم أبدا ماهية عمله الحقيقي... ففي مرات عدة كانت تراهع بجسد مدمى يعود إليها من بعد غياب دون تفسير دون ملامح.
همست كمن تمسك بأعصابها بين أناملها
أنت لا تؤذي أحدا ما لم يكن لك فائدة في ذلك... أليس كذلك
اقترب منها ظافر وبدا طيف قامته الطويلة يبتلع الضوء من حولها ينظر إليها بنصف عين كمن يقرأ سطرا مألوفا من كتاب خفي يقول بحاجب مرفوع
يبدو أنك تعرفينني أكثر مما أظن... لكن كيف عرفت أن ما أفعله ليس فيه نفع
اهتزت تفاحة آدم في حلقه كما لو كانت تبتلع ما تبقى من إنسانيته.
نظرت إليه سيرين بثبات لم تتوقعه هي ذاتها... وأردفت كمن يحاول أن يقنع نفسه أولا
لأنك ستنفق أموالا على صفقة خاسرة... وأنت تكره الخسائر.
ضحك ظافر ملأ فيه.. ضحكة من لا يعنيه أن يفهم... ضحكة باردة كرصاصة في قلب نائم
أنت واهمة... أنا لا أخوض صفقة إلا وأربح... في هذا المنصب المال ليس كل شيء بعض الشركات تبغي الألم فقط.
أجل

لسنوات طويلة كبت ظافر أنفاس كارم في السوق كما يخنق أحدهم زهرة برعمت على غير موعدها... أفسد صفقاته كبل خطواته نشر ظله فوق كل من يعرفه... لكن لماذا هل كان حقا يغلي من الغضب أم أنه وجد في تدمير كارم شيئا من الانتقام الموجه لسيرين
ربما الانتقام غايته فلو لم يكن كارم لما استطاعت مواجهته الآن... وبمجرد التفكير بذلك اندرمت شرارة الغضب في عيني ظافر حتى كاد يشتعل صمته.
أما سيرين فكانت تغرق شيئا فشيئا في بحر من الحيرة. كيف يمكن لإنسان أن يتخفى بهذا الشكل خلف قناع لقد عرفته أكثر من عقد داخل الزواج وخارجه ولم تستطع يوما أن تتنبأ به... لم يكن بينهما فهم فقط صمت طويل يقطعه الندم من حين لآخر.
همست كمن يبحث عن طوق نجاة
لماذا تفعل هذا إذن
رد بصوت يشبه طرق المسامير في تابوت متهالك
لأجعله يتألم... ولكي أعاقبك.
شدت أصابعها على راحة يدها .. أرادت أن تصفعه أن تصرخ أن تسقط هذا القناع عن وجهه لكنها لم تجرؤ... فقط نظرت إليه بدهشة كادت أن تذبحه ولكنه للآن يتصنع اللا مبالاة
ما الذي اقترفته بحقك غير زواجي الاحتيالي بك ما الذي يؤلمك في
وضع يده الثقيلة على كتفها وتمتم بجمر بارد
ما كان عليك الهرب... ولا الخداع.
تلعثمت شفاهها كأن الكلمات تائهة في زحام قلبها
أ... أنا...
هل كانت تدرك حقا ما فعله به غيابها هل شعرت بعذاب السنوات التي تقوقع فيها داخل وحدته يلعن الحياة والموت معا
انخفضت رموشها كأبواب مغلقة
على ماض لا يطاق ثم قالت بصوت مشروخ
أيعني هذا أن أستسلم لك أن أسلم روحي دون مقاومة مهما فعلت هذا ما تريده
تقلص وجهه وشد على فكيه حتى انتفخت عروق عنقه
متى استغللتك صرخ بها وكأن الجدران تنصت.
كور قبضته يضرب بها الحائط خلفها في سخط كاد أن يقطع أنفاسه وهو يستكمل بصوت يائس برغم رخامته
ظننت أنني كنت زوجا صالحا... لقد أغدقت عليك من المال ما لم تكوني لتحلمي به... أعطيتك أكثر مما كنت تحتاجين... ومن الحب... أعطيتك ما لم أعطه لأحد.
في الأيام التي أعقبت زواجهما قد أمر ماهر أن يرسل لها مبلغا شهريا يكفي لإطعام مدينة بأكملها... كان المال يتدفق عليها كالنهر لكنه دائما ما يتحدث عنه وكأن المشاعر تقاس بالعملات.
نظرت إليه نظرة من سمع كثيرا ولم يع شيئا وهمست
لم ألمس تلك الأموال... لم أردها أبدا.
ساد بينهما صمت عميق... كأن الكون قد انكمش في لحظة... 
... تلك النظرة... تلك الخطوة المتوترة... تلك النية التي تسللت بين أنفاسه بصمت هي التي باغتت سيرين.
تراجعت سيرين كمن لسعتها نار خاطئة ورفعت يدها المرتجفة بنية لم تكن واضحة هل لتدفعه أم لتوقظه من غيبوبته
لكن يد ظافر كانت أسرع... إذ قبض على معصمها كمن يمسك بالحقيقة التي أفلتت منه منذ سنين رجاء يائسا خلف قسوته... يهمس بأنفاسه المتقطعة
سأمنحك الآن ما كنت تبحثين عنه طيلة عمرك.
للحظة ظنت سيرين أن الرجل الذي أمامها قد فقد صوابه... أو لعلها فقط كانت
ترى الآن ما لم تره سابقا.
ذلك الرجل الذي كانت تحبه حتى النخاع.. حين كانت تنام على أمنيات صغيرة بأن تلامس يده يدها... حين قال ذات ليلة بصوت مميت
لن ألمسك أبدا في هذه الحياة.
والآن هو ذاته يمد يده كمن يطالب بدين عتيق بينما ينهشه ندم لا يتقن التعبير عنه.
نظرت إليه وكانت عيناها تتوقدان بحمرة الألم
أنت لا تعرف شيئا عما أريده.
كأنها لفظت الحروف من بين دموع محتبسة.
أسند ظافر رأسه على كتفها وصدره يعلو ويهبط كأنه يغوص في قاع بحر لا قرار له... ومن قال بصوت مبحوح مجهد
قولي لي إذا... ماذا تريدين
كانت سيرين مقيدة لا بحركاته فقط بل بماضيها... بذكريات لم تنس وبحب دفن حيا.
نطقت وكأنها تفرغ صدرها من سنوات الصمت
كنت أريدك أن تحبني بشدة... أن تحتويني... لم أرغب في شيء أكثر من أن تكون لي وحدي.
قالتها لا كمن يطلب بل كمن ينعى حلما مات واختفى رماده في الريح.
والآن سألها بصوت يخترق الجلد والعظم.
نظرت إليه 
الآن لا أطلب إلا أن أعيش في هدوء... مع نوح.
ذلك الاسم... نزل على ظافر كطعنة خرساء... في السابق لم تصرح بشيء لكنها أرادت طفلا... فقط طفلا يمنحها بعدا جديدا للحياة لكن ظافر لم يكن في قلبها بعد الآن.
ربما... لو كان هذا هو لكان العقل خانها والجسد رضخ لكنه لم يكن... ورغبتها في ظافر لم تعد قائمة إلا على ورق الذكريات أو هكذا تحاول إقناع حالها.
قال 
لقد قلت لي يوما إنك لن تحبي سواي...
فإذا كان هذا هو حبك فهو لا يساوي شيئا.
وانكسر شيء ما في عينيه.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1