رواية هالة الفصل الخامس عشر بقلم جميلة القحطاني
جديدة.
مرّت أسابيع على استقرار هالة عند عمتها في بلدة هادئة، مختلفة تمامًا عن ضوضاء القاهرة. رغم الأمان، كانت هالة لا تزال تتعلم كيف تتنفس من جديد… تكتب في دفتر يومياتها، تساعد عمتها في البيت، وتتردد أحيانًا على مكتبة عامة قديمة في وسط المدينة الصغيرة.
في أحد الأيام، جلست في المكتبة، تقرأ عن القوانين والأوراق الرسمية، تحاول أن تفهم ما حدث لها من الناحية القانونية… لكنها لم تكن وحدها. في الزاوية المقابلة، جلس شاب يراقبها من فوق كتاب مفتوح، ملامحه هادئة، لكن عيناه تقرأان ما وراء الكلمات.
اقترب منها وقال بابتسامة خفيفة:بتدوري على إجابات… ولا على عدالة مش موجودة في الورق؟
هالة استغربت، رفعت عينها إليه:هو في فرق؟
صهيب جلس أمامها من دون استئذان، وقال:آه… في فرق كبير. الورق ممكن يتزوّر. بس الحقيقة؟ الحقيقة بتستخبى في اللي الناس بتحاول تمحيه.
من هو صهيب؟
تكررت اللقاءات بينهما. صهيب بدا وكأنه قارئ للأشخاص، لا للكلمات فقط. كان يتحدث بجمل تبدو عادية، لكن دائمًا وراءها رسالة، أو تلميح بأنه يعرف أكثر مما يبدو.
سألته هالة ذات مرة:أنت بتشتغل إيه؟
أجاب مبتسمًا:في ناس بتقول عليا مستشار قانوني… وفي ناس بتقول جاسوس... بس أنا بقول: مجرّد راصد.
في أحد الأيام، رأى صورة قديمة كانت بحوزة هالة… صورة تجمع والدتها وهي صغيرة، مع رجل ملامحه تشبه بعض رجال عائلة الدمنهوري.
صهيب تجمّد للحظة، ثم قال:إنتي عارفة إن أمك مكانتش مجرد ست هربت؟ في ورق ناقص… مستندات بتختفي، وحكايات اتدفنت. ودي مش صدفة… ده شغل ناس بتعرف تمحي الحقيقة كويس جدًا.
تحالف الذكاء والصمت
بدأت هالة تلاحظ أن صهيب يظهر دائمًا في اللحظات الحرجة… يجلب لها أوراقًا ناقصة، صورًا من سجلات قديمة، ومعلومات حتى مالك لم يعرفها.
لكن مع كل خطوة تخطوها معه، كانت تشعر بأنها تقترب من حفرة غامضة…
هو في صفّي؟ ولا بيستخدمّي؟ ولو بيساعدني… إزاي يعرف كل ده؟
تحت ضوء خافت، كانت هالة جالسة على السرير، وجهها شاحب، شفتيها باهتة، وعيناها غائرتان كأن كل شيء فيها يُطفأ ببطء.
لم تكن تبكي هذه المرة… لم يتبقَ دموع.
أنا تعبت… مش قادرة أكمل… حتى النَفَس بقى تقيل عليّ.
همستها لعمتها وهي تحاول النهوض لكنها انهارت بين ذراعيها.
تم نقلها إلى المستشفى بعد تكرار حالات الإغماء… وهناك، بدأت التحاليل تُجرى بصمت، والأطباء يتبادلون نظرات مقلقة...
