رواية هالة الفصل السادس عشر بقلم جميلة القحطاني
الدكتور قال بهدوء وهو ينظر إلى التقارير:الفتاة تعاني من أنيميا حادة فقر دم شديد. نسبة الهيموغلوبين تحت الخط الأحمر… الحالة محتاجة تدخل فوري ونقل دم.
عندما سمعت هالة تشخيصها، لم تهتز.
بل ابتسمت بسخرية:يبقى حتى دمي… مش كفاية.
الكل من حولها أصبح يتحرك في عجلة… صهيب يظهر في المستشفى، يراقبها من خلف الزجاج، نظراته صارمة لكنها مليئة بأسى خفي.
أما جسدها، فكان يخونها كل يوم أكثر، كأن كل ما مرت به بدأ يأخذ ثمنه… حبس، عنف، اضطرابات نفسية، سوء تغذية، إرهاق نفسي.
بدأت تفقد الشعر، جفونها تنتفخ من التعب، تشعر كأنها تغرق في بحر داخلي من الإنهاك.
في نفس اللحظة التي كانت تُعلق فيها كيس الدم على ذراعها، تذكرت الورقة المختومة التي سلّمها لها صهيب.
طلبت من عمتها أن تحضر لها حقيبتها… فتحت الورقة بيد مرتجفة.
السطور الأولى كانت كافية لتجعل نبض قلبها يتسارع:
هالة… اسمك مش بس هالة. والدك الحقيقي مش هو اللي رباك. والدتك هربت بيك من بيت الدمنهوري بعد ما انكشف سر كبير…
الصدمة كانت كافية لتشعل شرارة حياة كانت تنطفئ…
في الممر البارد، يسير صهيب نحو الطبيب ويسأله:قد إيه عندنا وقت؟
الدكتور يرد:لو فقدت وعيها مرة كمان بدون نقل كافٍ… ممكن نفقدها للأبد.
صهيب ينظر من النافذة حيث ترقد هالة، ثم يهمس:مش هتختفي تاني… مش زي أمّها.
في قلب الفيوم، حيث المزارع تمتد بلا نهاية، وحيث الهواء يعبق برائحة الأرض والماء، تقع قلعة آل العزايزي… بيت لا تُفتح أبوابه إلا بإذن، ولا يُرفع الصوت فيه إلا من رجل واحد: سراج مهران العزايزي.
شاب في أواخر العشرينات، طويل القامة، عريض المنكبين، عيونه سمراء كالأرض، ونظرته حادة كسكين جزار. وُلد وفي فمه ملعقة من ذهب، لكنه لم يتكل على المال فقط، بل بنى سمعته على القسوة والدهاء والسيطرة المطلقة.
هو حفيد مهران العزايزي، الرجل الذي كانت ذكراه وحدها كافية لشلّ أي محاولة تمرّد.
سراج يملك نصف مزارع الفيوم، وشركات تصدير واستيراد، ومشاريع ضخمة، لكنه لا يحب الظهور. يُقال إنه لا يحضر المناسبات العائلية إلا إذا مات أحد أو تمرد أحد.
حين يسير وسط رجال العائلة، لا أحد يجرؤ على النظر لعينيه، حتى أبناء أعمامه يركّزون أنظارهم على الأرض.
سر القسوة؟
