رواية تؤام روح الفصل الخامس عشر 15 بقلم يارا سمير

 

رواية تؤام روح الفصل الخامس عشر بقلم يارا سمير

في المطعم تجلس ملك برفقة سناء وسوسن  وزين .. تحدثت سناء :
_ التجميعة دى بقالها كتير مبتحصلش 
 اجابت مريم:
_ مشغوليات يا ماما ..
 تحدث زين :
_ ايوه مشغوليات اول حرف منها ايهاب توفيق .
 نظرا اليه بتعجب وتحدثت مريم:
_ ما تبطل رخامة بقى ..عمومًا هانت خلاص كلها شهر وامتحن واخلص من الكلية  والمحاضرات والسكاشن .
 قال زين بصوت هامس :
_ ونخلص من ايهاب مختار .
_ بتقول حاجة ..
_ لا بدعي نخلص ع خير ..
 تحدثت سوسن:
_ يعني افهم من كدا انكم مش هتيجوا تجهزوا معانا عيد الميلاد اللى هيتعمل بعد بكرة .
 قالت مريم:
_ انا بجد مش هينفع خالص اغيب يوم ولا اتاخر 
 اتفق معها زين :
_ ولا انا كمان ..
نظرت سناء الى سوسن:
_ خلاص امرنا لله احنا اللى هنوضب ونجهز يا سوسن .
قالت مريم:
_ طيب ما تقولوا لملك.. ملك عندها خلفية وماشاء الله عليها تقوم بالعيد ميلاد لوحدها .
تحدثت سناء :
_ ملك مبقتش تيجي زي الاول .. بتيجي بعد زن مننا قولنا نسيبها براحتها .
_ بجد.
 تحدث زين:
_ ماهو انتى هتعرفي منين ومشغوله ب ايهاب توفيق .
 خبطته فى كتفه وقالت مريم :
_ خلاص سيبوا الموضوع عليا انا هتكلم معاها ..
 تحدثت مريم مع ملك وطلبت من مساعدة سناء وسوسن فى تنظيم عيد ميلاد بالمطعم لانشغالها هي وزين ووافقت بصدر رحب ..في اليوم المحدد ذهبت ملك الى المطعم الجو داخل المطعم كان مشحونًا بالحركة لتحضيرات العيد ميلاد .. بدأت ملك العمل فورًا دون تردد .. بدأت ترتب الطاولات وتضع الزينة بحرص عيناها كانت تتابعان التفاصيل بدقة تلتقط شيئًا من هنا وتعيد ترتيب شيئا هناك .. وقفت سناء وسوسن فى زواية قريبة تتابعانها بصمت كانت حركاتها متقنة رغم بساطتها ، ملامح وجهها مركزة جادة لكنها هادئة لم تكن تتحدث كثيرًا بل كانت تكتفي بعملها  وهذا ما لفت انتباهم .. 

مع مرور الوقت بدأ المطعم يكتظ بالاصوات والضحكات وازدادت حركة الضيوف مع بدء حفلة عيد الميلاد مع ذلك بقيت ملك تتحرك بهدوئها المعتاد تقدم الاطباق وتتابع الطلبات وتتأكد من كل تفصيلة صغيرة زكأنها تعمل فى المكان منذ زمن طويل ..

بينما كانت اجواء الحفلة تزداد بهجة ركض أحد الاطفال الصغار باكيًا بعد أن سقطت منه قطعة الحلوى .. با عليه الحزن والارتباك ..وقف فى زاوية منزو يبكي بصوت خافت وسط الضوضاء .. لاحظت ملك المشهد من بعيد ف اقتربت منه بهدوء وجثت على ركبتيها ومدت يدها اليه بقطعة حلوى اخرى  ولكنها لم تكتف بذلك بعينين دافئتين وابتسامة صغيرة فتحت منديلًا ولفت له القطعة بعناية ثم ناولته إياها وكأنها تقدم له كنزًا صغيرًا .. توقف الطفل عن البكاء وابتسم ونظر الى ملك التى بادلته الابتسامة الصغيرة .. من بعيد كانت سناء وسوسن يتابعان المشهد وعلت على وجيهما ابتسامة عميقة  لم يكن الامر مجرد مساعدة فى يوم مزدحم بل كانت روح ملك هي التى تركت أثرها الحقيقي فى الحفلة ..

ليلًا عادت مريم الى المنزل من الكلية وجلست تستمع من سناء ماحدث فى العيد ميلاد ، ارتسمت ع وجه مريم الاندهاش  وزاد الامر حينما شاهدت مقاطع على تليفون سناء لملك والعيد ميلاد .. قالت سناء :
_ زي ما قولتلك كدا .. ايوه انتى فى تنظيمك فظيع لكن ملك تحسيها محترفة وكانت مع الاطفال صبر وهدوء ولعب ورقص بجد اليوم كان تحفة ..
 تنظر مريم الى الصور والمقاطع وع وجهها ابتسامة :
_ ملك كانت مبسوطة اوي يا ماما ..
_ اوي .. كلنا كنا مبسوطين.. عارفة بعد العيد ميلاد صممت متمشيش غير لما تظبط المكان مع العمال ومتعبتنيش انا ولا سوسن .
 تركت مريم الهاتف للحظات وكأن هناك فكرة أنارت راسها ونظرت الى والدتها :
_ ازاى الحل دا كان موجود قدامنا واحنا مفكرناش فيه .
_ اللى هو ايه ؟
_ ان ملك تشتغل فى المطعم بمرتب شهري كدا ملك كل يوم هتكون موجودة ومش هتقعد لوحدها ووقتها هينشغل وهتبقى وسطنا.. يعني عشة عصافير بحجر واحد.
 اعجبت سناء بالفكرة:
_ بجد ياريت .. بس هي هتوافق دا انا عرضت عليها مبلغ عشان ساعدتنا يعني مرضتش خالص .
_ سيبي اقناعها دا عليا .. مش هسيبها غير لما تقتنع وتوافق .
استيقظت مريم باكرًا وقبل ذهابها الى الجامعة ذهبت الى ملك فى منزلها .. رنت الجرس وفتحت ملك الباب ك
_ صباح الجمال يا ملوكه
ابتسمت ملك:
_ صباح الفل يا ميما .. تعالي  حماتك بتحبك لسه بحط الفطار يلا نفطر مع بعض .
 دخلت مريم وقالت بمزاح:
_ رغم انى نقنقت لما صحيت بس ميضرش اكل تاني معاكي يلا ..
جلسوا حول مائدة الطعام وقالت مريم:
_ اوعي تقولي لزين انى فطرت 
_ ليه ؟
_ هيتريق ويقولى زلومتك ومعرفش ايه وهو ما هيصدق .
ضحكت ملك :
_ انتم فظاع ..
_ هو فظيع ..لكن انا ميما .
 ضحكت ملك .. تحدثت مريم:
_ صور وفيديوهات عيد الميلاد جميلة اوي يا ملوكه ماشاء الله عليكي بروفيشنال .
_ مش اوي كدا انا بس حاولت اجتهد.
_ لا دا انتى كدا خلتيني لما اتزنق انتى موجوده تسدي واكتر كمان .
_ اى وقت انا موجوده .
_ لا احنا عاوزينك طول الوقت معانا ايه رايك ؟
 نظرت اليها بدهشة:
_ يعني ايه مش فاهمة .
_ يعني يا ملوكة.. احنا بنعرض عليكي تنضمي لتيم العمل فى المطعم ب ساعات عمل ثابتة ومرتب للى عاوزاه متقلقيش .. ايه رايك ؟
 تفاجئت ملك:
_ اشتغل فى المطعم ؟
_ ايوه فيها ايه .. اولا هتخرجي من البيت بدل الحبسه دى .. ثانيًا شكلك وانتى فى الحفلة امبارح زي الغرقان اللى قفش طوق نجاة.. الشغل هيلهيكي يا ملك وانتى عارفه هيلهيكي عن ايه عن حالة الحزن اللى انتى فيها .. ثالثاً بقى والاهم هتكوني معانا ووسطنا  وكلها شهر واخلص وهبقى معاكي ..ها قولتي ايه ؟ موافقة صح موافقة ؟
لم ترد ملك فورًا لكنها نظرت الى مريم بدهشة خفيفة وكأنها لم تتوقع هذا التقدير منهم لها ، وبين التردد والتفكير بدت على وجهها لمحة من الامتنان وشعور خفي بالموافقة  كانت لحظة ولكنها كانت كطوق نجاة انتشلها من فراغ الحزن المحيط بها ..ابتسمت ملك ابتسامة صغيرة وهزت رأسها بالموافقة .. خرجت مريم سعيدة من منزل ملك وكان زين ينتظرها امام البناية :
_ مش محتاجة اسألك عملتي ايه .. وافقت صح ؟
 بنبرة ثقة:
_ طبعًا يا حبيبي انا ميما لما بحط حاجة فى دماغي انها تتعمل هتتعمل 
_ انتى هتقوليلي ع دماغك دي سم .
_ تحب تجرب ..
_ لا لا  داخلين ع امتحانات خلينا نختم السنة واحنا سلام .
_ ليا فى ذمتك ايس كريم واحنا راجعين هتجيبلي .
_ كدا كدا كنت هجيب .. يلا يلا ..

 فى اليوم التالي ذهبت ملك للمطعم كموظفة تعمل فى المطعم رسميًا .. دخلت بخطوات مترددة بعض الشئ لكن استقبال سناء وسوسن ومحمود وكرم الحار خفف عنها التوتر .. جلسوا معها وعرفوها على المهام والمطلوب منها وكان واضحًا انهما يقدران وجودها معهم .. 

مع اقترب امتحانات اخر العام .. مريم فى الجامعة تجلس فى مقعدها بجانب زملائها والهدوء يخيم على المكان مع بداية محاضرة ايهاب مختار .. وقف فى المنتصف وقال :
_ امتحانات اخر السنة النهائية بعد أسبوع وعشان ميبقاش الضغط عليكم اتكلمت مع المعيد وحددت الخميس اللى جاى يكون امتحان المادة  بتاعتي وبعد الامتحانات  هحدد يوم  هستلم اللوحات وتاني يوم هعلن عن نتيجة المسابقة  عشان تبدئوا اجازتكم من غير توتر ... فى مشكلة ؟
 اتفق الجميع وتهامسوا  ولكن زميلة مريم همست لها :
_ الحقي يا مريم بيقولك الخميس .. مش الخميس دا رايحين دار الايتام 
_ ايوه صح..دا انا مظبطة كل حاجة والكل مظبط دنيته على الخميس ومش هعرف أأجل .
_ روحي اتكلمي معاه انتى هتقدري تخليه يخليه يوم السبت 
_ بيقولك اتفق مع معيد الكلية خلاص 
_ اسمعي الكلام يا ميما واهي محاولة ..
_ طيب طيب ..

انهوا المحاضرة وذهب ايهاب الى مكتبه ولحقت به مريم.. طرقت على الباب بخفة واخبرها بالدخول .. حين رأها ابتسم ايهاب :
_ تعالي يا مريم اتفضلي .
_ انا اسف لو ازعجتك بس كنت محتاجة استأذنك فى حاجة .
_  مفيش ازعاج انتى تيجي فى اى وقت ..
_ شكرًا 
_ كنت محتاجاني فى ايه .. مفيش وسطات فى المسابقة بعرفك اهو .
 ضحكت مريم:
_ لا مش كدا انا عارف انها مسابقة نزيهه والشاطر والمجتهد هو اللى هيكسب .
_ تمام.. ايه الخدمة ؟
_ كنت عاوزة حضرتك لو أمكن تغير يوم الامتحان .. ممكن الاربع او السبت لكن بلاش الخميس .
 قالتها وملامحها ونبرة صوتها خليط من التوتر والقلق والاحراج .. قال لها :
_ ليه .. يعني ايه السبب ؟
_ يوم الخميس انا و6 من زمايلي مش هنكون موجودين فى الكلية اصلًا..
 ابتسم:
_ طالعين رحلة ولا ايه ؟
 ابتسمت:
_ يعني حاجة كدا .. هنروح مكان كنا بنجهزله بقالنا كتير والكل رتب مواعيده على الخميس حتى المكان .
_ ممكن اعرف مكان ايه يمكن احب اجاى معاكم ويتأجل الامتحان ؟
  للحظة فكرت مريم فى كلماته وجدت بالفعل عدم تواجده سبب قوي لتأجيل الامتحان .. قالت  بحماس :
_ رايحين دار أيتام هنقضي  اليوم كله هناك مع الاطفال .
 تفاجئ ايهاب وابتسم:
_ دار أيتام ؟
_ ايوه.. كل كام شهر كدا  بنجمع مع بعض فلوس ونجيب هدايا ولبس وحلويات لاطفال ونروح ليهم، المكان المساعدات اللى بتجيله قليلة اوي فبنحاول ع اد ما نقدر نساعد وبما ان السنه خلصت ف تجميعتنا دى هتكون اخر تجميعه يعني بعد كدا كل واحد هيروح لوحده ع حسب ظروفه .
_ فكرة جميلة .. ينفع اكون معاكم .
 ابتسمت مريم:
_ بجد  عاوز تكون معانا .
_ ايوه .. اديني رقم حساب واحولك مبلغ يقدر يسد معاكم .
_ كمان  هتتبرع معانا .
_ اكيد هما محتاجين ودا رزقهم ولا ايه ؟
 ابتسمت مريم :
_ صح.. ممكن ورقه وقلم هكتبلك حساب بابا لان انا معنديش .
_ تمام 
 بالفعل دونت مريم حساب كرم  وقالت :
_ افهم من كدا ان امتحان الخميس اتأجل ولا بقى الاربع ؟
_ لا أتأجل السبت او الاحد هعرفكم ان شاء الله .. بس مقولتيش المكان فين ؟
_ اه صح من توتري نسيت .. هكتبه فى ورقة عمومًا احنا هنتجمع قدام الدار .
_ تمام وانا هحاول اكون معاكم ..
 وقفت مريم وب ابتسامتها التى تشع سعادة :
_ شكرًا جدًا لكل حاجة لتأجيلك الامتحان وانك هتكون معانا .
_ انا اللى بشكرك انك بتخليني اجرب حاجات مكنتش فى بالي ..
_ اوعدك هتنبسط معانا وهترجع ايطاليا بذكرى جميلة معانا .
 نظر اليها مبتسمًا :
_ انا متأكد لكدا ..
 استأذنت مريم وظل عيناه عليها حتى مغادرتها وعاد النظر الى الورقه امامه وارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهه ايهاب ..

 في أحدى الشوارع الممتلئة بالمحلات كان زين ومريم يتنقلان بين المحال يحملان أكياسًا ماونة ممتلئة بالهدايا والالعاب والحلويات  لاطفال .. كلما كانت مريم تشتري شئ كانت تتخيل وجوه الصغيرة وهي تفرح بها .. بعد أن انهكهما التجول دخلا الى المطعم صغير جلسا الى طاولة قريبة من النافذة ووضعا الاكياس بجانبهما وتنفسًا بعمق كأنهما يلتقطان أنفاسهما اخيرًا  بعد يوم طويل وشاق .. جلسا وتبادلا النظرات وضحكا .. تحدث زين:
_ اتمنى الورث يكون خلص فلوسه ومنعديش ع محلات تاني 
ضحكت مريم:
_ لا دى كانت اخر فلوس معايا خلاص شطبت .
_   انا راكنه مبلغ هديهم لمديرة الدار كتبرع يعني 
_ كمان.. انتى مجمعة المبلغ دا تحت التهديد.. قولتيلهم لو مدفعتوش فلوس كتير هخبطكم بزلومتى .
ضحك زين ودفع على وجهه مناديل امامهم :
_ ايه ياواد العسل دا ..
_ دا ااقل حاجة عندي .. بس بجد المرادي ماشاء الله جمعتي مبلغ كبير بجد.
_ بصراحة كدا عاوزة اقولك حاجة بس من غير انفعال ماشي .
_ انتى سرقتيهم ولا ايه..من ورايا طيب بالنص .
_ ياعم رزق المكان احنا سبب .
_ صح يا شق احنا سبب ...كنت عاوز اقولك حاجة كدا .
_ انت مستنى الاذن .. قول ع طول .
_  ايهاب مختار
_ ماله ؟
_  غير مريح ..مش مرتاحله كدا حاسه مش سالك .
_ ليه بتقول كدا ..شوفت ايه منه.. انت اصلا متعاملتش معاه .
تذكر زين رؤيتهم فى المعرض  وقال :
_ يعني  الكلية وقولنا المعرض كان جوه الكلية فطبيعي يكون موجود لانه ساعدكم ، لكن الدار ايه علاقته عشان يبرشط ؟ ولا مرة في دكتور ولا حتى معيد فكر يجي معاكم..4 سنين وانتم اللى قايمين بالحوار لوحدكم ايه لازمتها برشطته بقى .
_ ماهو انا حكتلك وقولتلك كانت فرصة عشان نأجل الامتحان طول ماهو مش موجود الامتحان يتأجل عادي لأن نص اللى معانا رافضين التأجيل فلو هو نفسه مش موجود خلاص ...وبعدين هو اللى قال عاوز يجى انا مقولتش تعالى .
_ عشان تأجلى امتحان تخنقيني انا صح .
حدقت به بتعجب :
_ بجد انا مش فاهمة أنت ليه مش بتحبه ولا طايقه.. هل هو عملك حاجة  ولا حاجة بالعكس لما قابلك قابلك بأحترام وذوق رغم دبشك معاه  (عادت تستكمل طعامها ) انت غريب اوي يا زين 
  نظر اليها بغضب وقال :
_ اهو انا كدا خلقه ربنا في اشخاص اقبلهم واشخاص لا .
_ داانت من قبل ما تشوفه ومش طايقه ..اتعامل معاه هتلاقيه كويس والله .
نظر اليها بتعجب :
_  ماشاء الله ودا عن تجربة بقى .
_ ايوه عن تجربة تعامل مع شخص محترم كنت اتمنى اقابله وقابلته وفعلًا زي ما تخيلت عنه، معاملته خفيفة وذوق ومتفاهم ولطيف مع الكل سواء اتعامل حلو او وحش .
_ قصدك انا الوحش دا صح ؟
_ انا بفهمك اللى شوفته منه ..
_ لكن انا مش مستريحله بقولك .
تركت الطعام ونظرت اليه وتحدثت بهدوء :
_ بص انت حر يا زين.. انت بتعرف بنات وتخرج معاهم في منهم مبرتحش ليهم هل غصبتك تعاملهم وحش هل فردت عليك رأي هل قولتلك ابعد عنهم .. مبقتش ادخل احترام لأختيارك  .. شوية مساحة شوية خصوصية المساحة اللى بنكون احرار فيها ..انت ناسي ولا ايه ؟
 تحدث بنبره حادة :
_ لا مش ناسي يا مريم، ومش ناسي انى اخاف عليكي ولو حسيت بخطر يقرب منك احذرك وامنعه يقرب .
_ خطر ؟ خطر ايه اللى بيقرب ؟ وهل انا عامية يعني هرمي نفسي فى خطر .. وبعدين انت مكبر الحكاية ليه ؟ 10 ايام وعلاقته بينا تنتهي وعلاقتي بالجامعة تنتهى وهو هيرجع ايطاليا تانى .. ع فكرة انت بتقول اى كلام.
_ اى كلام.. ماشي ماشي .. بس ع العموم انا مش مستريحلة وهحاول اضغط ع نفسي ال10 ايام دول لغاية ما يعدوا ..
_ انت هتيجي بكره وهتشوفه والله هتحبه .
قال بنبرة حادة :
_ مش هحبه انا هو غضب ..
_ خلاص خلاص .. يلا عشان نرجع البيت . 
_ مكملتيش اكلك ليه ؟
_ شبعت .. مش قادره انا عاوزة ارمي نفسي ع السرير اليوم بكرة طويل .

فى الصباح تحرك زين مع مريم واصدقائها الى دار الايتام، كانوا يحملون حقائب الهدايا الملونة الممتلئة بالالعاب والحلويات ..كان الاطفال يقفون خلف الابواب وخلف النوافذ ينتظرونهم وأصواتهم تتعالي بضحكات متحمسة حين لمحوهم قادمين .. تحركت المجموعة فى الداخل بحماس ورحبوا بالاطفال  ووزعوا الهدايا والالعاب .. كانت مريم منغرقة مع الاطفال وكان زين يلتف حوله ينظر فى الوجوه ويجوب بعينيه الزوايا بحثًا عن ايهاب .. لم يظهر له أثر وارتسمت ابتسامة مريحة ع وجهه .. اقترب الى مريم وقال هامسًا :
_ ايهاب توفيق اداكم بمبة محترمة .. ملوش فى الحاجات دي مكنش له لازمة بقى نهدر بنزين معاه انه يجي .
قالت بضيق :
_ انت مصمم انى قولت هو اللى قال وبعدين قال لو هيقدر يجي هيجي هو حر 
_ مالك مضايقة ليه كدا .. عشان مجاش ولا ايه ؟
 نظرت اليه بضيق:
_ زين..  ركز كدا وشوف احنا فين وجايين ليه وبطل هبل  ممكن .
_ حاضر هبطل هبل ..
بدأ الجميع يلتفون حول الأطفال فى ساحة دار الايتام وتدفق الضحك والفرح فى الاجواء .. زين ومريم مع اصدقائها يشاركون الاطفال الالعاب بمرح وحيوية .. يركضون خلفهم أو يساعدونهم فى رسم أشكال ملونة على الورق  واصوات الضحك تملأ المكان وتدور وتتنقل بين الزوايا .. كانت مريم تساعد أحد الاطفال فى ترتيب القطع الصغيرة للعبه تركيب فقام زين بهدمها وركض  فركضت مريم خلفه وسط هتاف الاطفال لامساك به ومعاقبته بوضع الفووم على وجهه على فعلته .. لحظات من البهجة المشتركة كان الجميع يعيشون فيها بلا تفرقة وكأنهم فى عالم خاص بعيد عن مشاغل الحياة والروتين القاتل .. زين ومريم رغم انشغالهما مع الاطفال كانت نظراتهما تتلاقى بين الحين والأخر تحمل معاني من الفرح والراحة وكأن هذة اللحظات  تضاف الى لحظاتهما سويًا  التى جمعت بينهما فى عالم صغير ملئ بالالوان والضحكات .. رن هاتف زين وكان والده اغلق معه واقترب الى مريم :
_ بقولك ايه يلا احنا وسيبي اصحابك براحتهم .
_ ليه .. لسه بدري احنا اتفقنا هقضي اليوم كله هنا معاهم وانت كمان .
_ محمود عاوزني  اوديه لمكان وانتى عارفه العربية معايا .
_ خلاص روح وصله لو خلصت بدري تعالي تانى ونروح مع بعض .
_ ولو معرفتش ارجع ؟
_ هبات هنا .. فى ايه يا زين .. هتصرف وارجع البيت هطلب عربية هركب مواصلات هتصرف يعني .
_ طيب انا هحاول ارجع تاني .
_ اوكيه ..

بعد مغادرة زين بنصف ساعة دخل ايهاب الى دار الايتام كان دخوله هادئ لكن سرعلت ما جذب انتباه الجميع .. اقترب من الباب حيث تجمع الطلاب حوله يحيونه بفرح وفى تلك اللحظة  لمحت مريم بتواجده .. وقفت تنظر اليه من بعيد وابتسمت ابتسامة خفيفة ونظر ايهاب اليها وبادلها الابتسامة .. كانت مريم تشعر بالراحة لرؤية ايهاب ومشاركته معهم وسط الاجواء المليئة بالضحك والحيوية ..  بعد مرور ساعة من تواجد ايهاب جلس بالخارج فى الحديقة واقتربت اليه مريم وتحمل قهوة :
_ اتفضل القهوة ..
_ تعبتك معايا ..
_ لا ابدًا احنا اللى تعبناك معانا الاطفال واللعب معاهم مجهود .
_ بس احساس حلو حقيقي استمتعت .
_ انا قولت انك مش هتيجي لما جينا وملقناكش .
_ فى ضيف جالي والكلام طول بينا واول ما نزل جيت وكنت قلقان تكونوا مشيتوا  بس اللى طمنى انك قولتي هتقعدوا اليوم كامل لبليل .
_  كويس انك لحقتنا واهو ذكريات حلوة عملتها معانا ومع الاطفال .
_ بصراحة ذكريات مش هتتمسح ابدًا .. يمكن لاني حاسس بيهم ف متأكد ان اللحظات دى هتفرق معاهم اوي .
_ هو حضرتك مامتك وباباك ؟
 ابتسم نصف ابتسامة :
_ متوفين ..
_ انا اسفه مكنتش اعرف .
_ لا ولا يهمك .. انا طفل اتربي في بيت جده اللى ربتنى عمتي  وبعد كدا اتنقلت اسكندرية عند عمي  كنت بدرس وبشتغل  لغاية ما خلصت الجامعة وسافرت الاول فرنسا والمانيا واستقريت فى ايطاليا .
_ دا انت كنت رحال طول عمرك بقى .
_ فعلًا ... مفتقد الاستقرار زي ما بيقولوا ، عشان كدا قررت اصنع استقراري بنفسي .
_ عن طريق لوحاتك .
 ابتسم:
_ صح ..عن طريق لوحاتي .. الرسم اداة تعبر عن الشعور والمشاعر .. اللوحة البيضا مجال لفضفضة الداخلية .. فرغت كل حاجة جوايا عشان اقدر اكمل صح والحمدلله ربنا وفقني فى خطواتي ودرستلك فى الكلية .
_ حقيقي احسن الحاجات اللى حصلت السنادي لينا .
 _ بس قوليلي هو انتوا  محددين ايام معينة  انكم تيجوا هنا ؟
_ لا خالص .. مره كل شهر ولو قدرنا قبل كدا بنعمل ..
_ بجد فكرة جميلة، عارفة   انا غير متفق مع تحديد ايام بمسميات معينة.
_ تقصد عيد اليتيم يعني ؟
_ ايوه منهم عيد اليتيم ،  يعني ايه يوم يتيم يوم بنفكره انه يتيم وباقي السنه بنكبر دماغنا .. لا هو مسئول مننا طول السنه باللي نقدر عليه.. مش شرط نجيب حاجات كتير ليهم المهم انهم يحسوا انهم مش لوحدهم  زي انهاردة كدا  .. هو محتاج رفقة تحسسه انه موجود .
 ابتسمت مريم وهو تستمع لايهاب وقالت :
_ على كدا انت ضد المناسبات ؟
 ضحك ايهاب :
_ بصراحة ايوه ..يعني عيد الحب وعيد الام وعيد طفولة .. مسميات فيها الالم أكتر من فرحة .
_ ليه بتقول كدا  بالعكس بيبقى مليان بهجة ان فى اليوم دا سواء ام او حبيبة او طفل بيكون مميز اليوم دا .
_ معنديش مشاكل انه نحسس شخص معين بالتميز.. لكن نحسسه بالتميز السنه كلها .. طول الوقت مش يوم محدد..هو محتاح الاهتمام والحب طول الوقت لما يكون غير متوقع  لكن المناسبات المحدده زي عيد الفطر وعيد الاضحى وعيد الميلاد هي دى اللى ليها تاريخها ويومها  بس كدا اى مناسبات واعياد تانية مبهتمش بيهم .
ضحكت مريم ونظر اليها ايهاب متعجب :
_ اكيد بتقولى شخص غير طبيعي صح ؟
_ لا خالص .. اصل انا كمان بفكر كدا واللى حواليا بيستغربوا .
ابتسم ايهاب وقال :
_  التعبير عن الحب اتجاه شخص فى حياتنا مهما كانت صفته  ملوش لا تاريخ ولا توقيت محدد ، يعني مثلًا شخص وحشك اقوله انك وحشتني .. بحبه اروح اقوله بحبك .. نخلق احنا المناسبة منستناش المناسبة تيجي لعندنا .
ابتسمت مريم :
_ صح ..
 خرجت زميلتها واقترب اليهم :
_ يلا يا ميما 
_ يلا ..
 وقف ايهاب :
_ هتمشوا دلواقتي ؟
_ ايوه الليل دخل ..
_  هترجعوا ازاى ؟
_ عادي هنتصرف .. عن اذنك..
 اوقفهم ايهاب :
_ المكان فيه هدوء موحش اوي ولغاية ما تطلعوا ع الشارع بعيد، وانا كدا كدا ماشي انا كمان  تسمحولي اوصلكم انا عربيتي برا .
 تبادلت مريم وزميلتها النظرات وارادت مريم ان تعتذر ولكن زميلتها قالت  بحماس :
_ بجد .. شكرًا لك اوي .. انا هدخل اقول للبنات يجهزوا .
 وقفت مريم وابتسمت واتجهت للداخل لاحضار حقيبتها .. تحركا بسيارة ايهاب وبدء  انزال كل فتاة عند منزلها وظلت مريم كانت الشخص الاخير .. كانت تغادر مع زميلتها وقال ايهاب :
_ انتى ساكنه هنا ؟
_ لا بس بيتي قريب يعني هتمشاها .
_ ازاى اسيبك تمشي لوحدك.. هوصلك زي ما وصلتهم .
 احرجت مريم وصعدت السيارة بجوار ايهاب .. رغم توتر مريم لكن الاجواء كانت هادئة ومريحة .. كان ايهاب يغمره شعور غريب من الراحة والاطمئنان لوجود مريم معه كانت ملامحه تحمل ابتسامة خفيفة فأنجذب الى شخصيتها المميزة التى أظهرت بساطة وحضورًا فى الوقت نفسه .. ساد الصمت للحظات وشغل ايهاب المسجل  ليكسر الصمت المحيط وملأ الاجواء بأغاني فيروز.. ابتسمت مريم وقالت :
_  انت بتسمع لفيروز .
_ ايوه .. وانتى ؟
_ فى المرسم دايما بشغلها وانا برسم بتفصلني عن الواقع .
_ عندك مرسم د انتى فنانة كبيرة وانا معرفش 
 ضحكت مريم:
_ مش مرسم اوي ..دى اوضه ع السطح عملتها مكان ارسم فيه براحتى  ببهدلتي والواني كدا يعني .
_ جميل جدًا .. انا اول ما بدأت ارسم مكنش ينفع فى البيت كنت بطلع السطح انا كمان برسم .
_ فى اوضة على السطح .
 ضحك ايهاب :
_ لا السطح نفسه مكنش في اوض بس كان واسع ومريح فكنت بقعد فيه اغلب الوقت .
_ بصراحة لولا زين وتشجيعه من البداية خالص مكنش هيبقى فى مرسم ولا سطح .
_ واضح ان زين دوره كبير فى خطوات كتير فى حياتك .
 ابتسمت مريم وقالت :
_ زين معايا فى كل خطوة ..عارف زمان واحنا اطفال رفض يروح المدرسة عشان انا مكنتش بروح .. وفعلًا قعد سنه والسنة اللى بعدها دخلنا سوا ومن وقتها احنا مع بعض  بندعم بعض ونساند بعض فى قرارتنا واختيارتنا .
_ جميل تحسي انك مش لوحدك وفى شخص بيساندك .
_ جدًا .. زين وماما وبابا وبابا زين ومامته وكريم عمه كلهم كانوا بيساندوني .. انت كمان عندك ناس كانت بتساندك ؟
_ يعني ..
_ اخواتك ؟
_ معنديش اخوات والدي ووالدتى اتوفوا وانا كان عمري سنتين .
_ بكرر اسفي .
_ لا ولا يهمك ..
_ اللى كانوا بيساندوك اصحابك ولا حبيبتك ؟
_ حبيببتي مين ؟
_ فى مرة اعلنت  خطوبتك على الفتاة اللى حبيتها فى ايطاليا .
_ كانت خطوبة سريعة ومطولتش.
_ رغم انكم كان باين انكم بتحبوا بعض .
_ احنا كمان كنا فاكرين اننا بنحب بعض الحب اللى بين اى اتنين لكن  متفقناش ك احباب واتفقنا نستمر كأصدقاء .
_ هو سهل يحصل كدا بعد الاحباب تكونوا اصدقاء ؟
_ لو مكنش حب فى الاول بيبقى الموضوع سهل  لكن لو فى حب بيبقى صعب وعمومًا بيرجع لشخص نفسه وقراره هو اللى بيختار حياته هتكون ازاى ب اختياره  .. بس منكرش ان تجربتي دى وضحتلى حاجات مكنتش هعرفها و ساعدتني اخرج مشاعر فى لوحاتي واصبحت مميزة .
 اقتربت مريم من المنزل وطلبت ايهاب ان يوقف السيارة .. :
_ شكرًا ع التوصيله 
_ يو ويلكم.. صدعت برغي صح ؟
_ لا ابدًا انا اللى صدعتك بأسئلتي ورغي ..
_ لا بالعكس .. احنا اصحاب فطبيعي نتكلم ونسمع بعض صح 
 ابتسمت مريم:
_ صح ..
_  شدى حيلك فى الامتحانات والمسابقة .
_ اكيد.. عن اذنك ..

غادرت السيارة وشكرت ايهاب وغادر المكان ودخلت مريم الى المنزل .. فى تلك الاثناء كان زين يقترب من المنزل ولمح مغادرتها السيارة ورأى ايهاب مختار .. تبدلت ملامحه لغضب وسريعًا دخل البناية وتوجه الى السطح وارسل لها رساله بان تلحق به الى السطح .. وصلت مريم الى السطح وكان زين ينتظرها ويحاول ان يتمالك غضبه .. اقترب اليه :
_ مالك فى حاجة ولا ايه ؟
تحرك زين اتجاهها رغم محاولته ان يهدأ لكن ملامح الغضب لم تختف تمامًا :
_ مين اللى نزلتي من عربيته ؟
 تبدلت ملامح مريم وتوترت وحاولت ان تتمالك:
_ دا .. دا ..
_ ايهاب مختار ..صح؟  ممكن تقوليلي بيوصلك ليه ايهاب مختار ؟
_ مكنش بيوصلني لوحدى .. وصلنى انا والبنات هو اصر والبنات وافقت وان مشيت لوحدى هتفهم غلط وكنت هحرج بصراحة .
 قال بنبرة غضب:
_ تتفهمي غلط لو مشيتي.. لكن كدا اللى هيشوفك نازلة من عربيته هيفهمك صح.
 لاحظت نبرته الغاضبة وطريقته اللاذعة :
_ ايه اللى بتقوله دا يا زين ... ركز فى كلامك .
_  انتى ركزي فى افعالك.. يقربلك ايه ايهاب مختار عشان تركبي معاه عربية لوحدك.
 ب انفعال :
_ قولتلك مكنتش لوحدى.. تاخد تسأل البنات .
_ انا مش هسأل حد انا ليا اللى شوفته بعنيا من شويا .
_ زين ..
_ مريم.. اخر مره اشوفك معاه فى العربية لوحدك .. صدقيني المرة الجاية هو والعربية هيبقوا حته واحدة ..
 قال كلماته بغضب وتركها مكانها وغادر ..

نزل زين الى منزله بخطوات سريعة غاضبة ، دخل غرفته وأغلق الباب خلفه بعصبية ثم ألقى هاتفه على السرير وجلس هو على طرف السرير ، يمرر يده فى شعره بعنف وملامحه مشدودة بالغضب والضيق .. كان يحدق فى الارض بعينين مضطربتين كأن الكلمات مازالت عالقه فى ذهنه .. تتكرر وتزيد اشتعاله الداخلي .. فى المنزل المقابل كانت مريم جالسة امام المرأة عيناها شاردة شعور الضيق والحزن يسيطر عليها عما حدث منذ قليل ..حملت هاتفها وترددت قليلًا ثم بدأت تكتب رسالة بعد لحظات من التردد ضغطت على زر الارسال .. نظرت الى الشاشة تنتظر الرد .. ومازالت هناك تلك العلامة التى تدل ان الرسالة لم تفتح .. ظلت تحدق فى الهاتف لثوان طويلة قبل ان تخفض الهاتف ببطء وتتنهد بينما شعور الثقل يتراكم فى صدرها ... 

في الصباح استيقظت مريم وأول شئ تفعله مدت يدها مباشرة نحو الهاتف الموضوع بجانبها فتحته بسرعة .. نظرت لحظات وتبدلت ملامح وجها بخيبة أمل مازالت الرسالة كما هي لم تفتح ... نهضت ببطء وبدأت تستعد للخروج تردي ملابسها بصمت وحركة بطيئة كأن شيئًا يثقل يومها من بدايته .. خرجت من غرفتها بخطى هادئة .. فى اللحظة نفسها التى فتحت الباب فتح باب الشقة المقابلة وخرج زين وملامح وجهه صلبة .. تلاقت عيونهما لثوانٍ  ولكنه تحدث اليها بنبرة رسمية :
_ صباح الخير ..
اجابته:
_ صباح الخير ..
_ يلا ننزل ..
كانت طريقته رسمية وقصيرة خالية من الدفء والمزاح المعتاد  :
_ يلا ننزل ..
  سارًا معًا فى طريقهما نحو الجامعة ، لكن الصمت كان سيد الموقف لا كلمات ولا مزاح كالعادة .. كان زين ينظر الى هاتفه فى صمت ومريم تنظر الى النافذة كانت العيون تتجنب اللقاء والوجوه تحمل شيئًا من البرود الغريب .. وصلوا الى الجامعة وقبل ان يتفرقا تحدثت مريم :
_ استناك نروح مع بعض .
التفت اليها وقال :
_ لا ارجعي انتى لوحدك لاني عندي ميعاد بعد الكلية .
_طيب انا هكون فى المرسم بليل لو حابب تيجي تشوف اللوحة بتاعة المسابقة وصلت لايه .
_ لو رجعت بدري هطلع ..
 التفت وغادر زين دون كلمة وداع فقط صمت ثقيل يرافق كل منهما . 

منذ استلام ملك عملها فى المطعم مع مرور الوقت بدأت تندمج أكثر حفظت اماكن الاشياء وننقن تفاصيل الطلبات وتتعامل مع الزبائن بلطف هادئ ميزها عن غيرها كانت سريعة الملاحظة تتصرف دون أن تطلب منها الأمور وكأن المكان أصبح مألوفًا لها ..

رغم ان التوقيت باكرًا ولكن منذ تواجد ملك أصبح المكان مزدحم صباحًا .. كانت ملك تقف خلف طاولة التقديم فى المطعم منشغلة بتنظيم الطلبات ومتابعة الزبائن بابتسامة خفيفة على وجهها ، المكان يعج بالحركة وأصوات الضحك والحاديث تتداخل مع زنين الاطباق .. فى لحظة هادئة دخل كريم من باب المطعم بخطى واثقة ، لمح ملك من بعيد  جالسة امام اللابتوب واتجه نحوها مباشرة وعيناه مركزتان عليها وسط الزحام ..:
_ صباح الخير ..
 التفتت ملك لمصدر الصوت :
_ صباح الخير ..
_ ممكن اقعد ..
_ اتفضل طبعًا .
 جلس كريم والقى بنظرة على المطعم :
_ ماشاء الله .. المكان مليان ناس ..من وقت ما جيتي والخير جيه معاكي .
_ شكرًا ع المجاملة .
_ لا مش كلامي لوحدى ..كلامنا كلنا.. كلنا ملاحظين الفرق اللى عملتيه لما جيتي ، غيرتي اصناف الاكل وضيفتي حاجات جديدة مشروبات وحلويات واهتميتي بوجبة الافطار زي ماانا شايف بقى المكان مشهور بأفضل وجبه فطار بسعر مناسب للجميع .
_ كان مجرد اقتراح واتوافق عليه  والحمدلله النتيجة كويسة .
_ الحمدلله .
صمتت وعادت تنظر الى اللابتوب .. قال كريم :
_ تحبي اساعدك فى حاجة ..انا عرفت انك لوحدك وقولت اجاى اساعدك يعني .
_ لا شكرًا زي ماانت شايف الدنيا تمام .
_ تمام .. تحبي امشي ؟
نظرت اليه :
_ اعمل اللى يريحك يا كريم ، انا لا هقولك امشي ولا هطلب منك تقعد ... المكان مكانك انا بشتغل فيه يعني اللى اقدر اتحكم فيه هو شغلى وبس .
تعجب كريم من ملامحها ونبرتها الحادة :
_ ممكن نتكلم.. ممكن تسمعيني يا ملك؟
_  فى المكان لك تعليق ع حاجة اتفضل هسمعك اكيد .
_ لا عاوز اتكلم عني .. عنا .
_ مفيش حاجة نتكلم فيها عنا يا كريم .. احنا جيران وبينا كل خير .
_ ملك  احنا كنا اكتر من جيران ..
 رجعت بظهرها للخلف واغلقت اللابتوب ونظرت اليه لثوانٍ :
_ كنا .. كنا يا كريم .
_ انا محتاج بس فرصة تسمعيني ممكن .
 رغم رفضها لاستماع اليه ولكنها لاحظت محاولاته المستمرة  فقالت :
_ اتفضل ..؟
_ انا عاوز اقولك انا اسف .. اسف ع اللى عملته بجهلى زمان ، أسف انى مكنتش اد وعدي وسيبتك ، أسف انى خوضت تجربة مكنش لازم اخوضها من الأساس .. ملك.. انا كنت مندفع وحب التجربة لكل حاجة هو اللى حفزني  اعمل حاجات كتير مكنش ينفع اعملها .. 
انا عارف ان كلها مبررات متستحقش بس انا مكنتش فاهم بجد مكنتش فاهم وحسيت بالخسارة الكبيرة لما خسرتك وقتها ..
 ظلت ملك تستمع اليه فى صمت واستكمل حديثه:
_ انا ندمان وبطلب بس فرصة فرصة تانية وانا هعمل كل حاجة تعوضك ع كل لحظة اتوجعتي فيها بسببي .
 ظلت تنظر اليه لثوانٍ  وجهها خالٍ من التوتر ونظراتها ساكنة  لا تأثر ولا غضب فقط سكون يشبة النضج الذي يأتي بعد خيبة كانت تتركه يتكلم دون مقاطعة بينما أصابعها تلامس حافة الكوب أمامها بهدوء وعيناها لا تبتعدان عن وجهه .. كأنها شخص خارج القصة التى يرويها  تتفرج عليها من الخارج بدون أن تشعر بثقلها كما كانت تفعل سابقًا .. بعد لحظات من الصمت تنهدت ملك تنهيددة خفيفة وعيناها تحركتا للحظة بعيدًا ثم عادت تنظر الى كريم بثبات ، تغيرت ملامحها قليلًا لم تكن حادة او منكسرة بل هادئة لم يشاهدها كريم من قبل .. وقالت :
_ يعني أنت عاوزنا نرجع زي زمان ؟
 تحمس كريم وقال :
_ ايوه .. فرصة واحدة وصدقيني هتشوفي كريم تانى .
_ اممم .. موافقة لكن بشرط ؟
_ اللى هتطلبيه هيحصل مهما كان .
حدقت به لثوانٍ وقالت :
_ رجعلى أمي .. تقدر .
صدم كريم من كلماتها واستكملت ملك :
_ رجعلى سنين عمري اللى عدت اللى عشتها فى وحدة والألم ووجع لوحدي .. رجعلى قلبي اللى انت اتعاملت معاه ب استهتار وهو كان بيعتبرك كل حاجة فى حياته .. رجعلى ليالي اللى كنت بنام دموعي سابقه نومي وخليني انام من غيرها .. رجعلى ملك القديمة اللى الحياة مرحمتهاش ولا صعبت عليها لانها لوحدها والشخص الوحيد بعد ابوها اللى اتأملت فيه ينقذها خذلها وراح يتجوز عشان كان عاوز ياخد الجنسية وفجأة بدون علم ولا خبر ... هتقدر ؟
 صمت كريم من صدمة كلماتها .. وق كانت نبرة صوتها ثابتة ، كانت الكلمات تخرج بهدوء كأنها تختار كل حرف بعناية .. لا هدفها العتاب ولكن لغلف صفحة قديمة وبين كل جملة واخرى كانت نظرتها تقول ما لم يقال وتعبر  أكثر من أى كلام .. بينما هي كانت تتحدث كان كريم يحدق فيها بذهول وكأن كلماته توقفت عند منتصف صدره  لم يتوقع رد فعلها هكذا .. انهت ملك كلماتها بهدوء ثم وقفت بثبات مكانها التقطت اللابتوب بخفة  وقالت :
_ اعتقد انك مش هتقدر .. فبالتالي رجوع زي زمان مش هيحصل انت كريم تانى وانا ملك تانية غير كريم وملك بتوع زمان .. ف الطلب والفرصة مش موجودين وكدا الموضوع اتقفل نهائي واتمنى ميتفتحش تاني لان الرد هيكون نفسه مش هيتغير ..
 تحركت خطوتين وعادت اليه وقالت :
_ اه .. لو تفكر او فكرة مرت ع بالك ان ظروفي الحالية افضل ظروف اوافق نرجع وكدا لاني لوحدى  هقولك انت غلطان .. الانسان اللى عايش عمره كله لوحده مش هيفرق معاه دلواقتي لوحده ولا لا .. عن اذنك عندي شغل والمكان مكانك طبعًا .
استدارت تغادر المكان بخطوات هادئة متجهه الى داخل المكتب .. لم تلتف خلفها وكانها كانت تعرف تمامًا أن ما قيل كان كافيًا .. ظل كريم جالسًا فى مكانه للحظات يحدق فى الكرسي الفارغ امامه وعيناه تائهتان.. بعد ثوانٍ تنهد بعمق ثم وقف مكانه نظر من حوله ثم اتجه نحو الباب وغادر المطعم بصمت يرافقه شعور ثقيل لا يغادر صدره ..

قضت مريم يومها فى الجامعة تتفقد هاتفها بين الحين والاخر تنظر الى الرسالة نفسها مراراً والقلق يتسلل فى كل مرة ترى أنها لم تفتح بعد كلما أضاءت الشاشة انعكست خيبة خفيفة على ملامح وجهها .. عادت الى البيت دخلت غرفتها ومبدلت ملابسها ثم صعدت الى السطح ودخلت الى المرسم  جلست على مقعدها المعتاد وبدأت تنهي اللمسات الاخيرة للوحة المسابقة  تحاول التركيز لكن عينيها كانت تتحرك باستمرار نحو الباب .. كل صوت فى السطح المجاور كل يشد انتباهها وكل لحظة هدوء كانت تمضيها فى ترقب صامت دخول زين .. نظراتها بين الفرشاة والباب ..ولكن فى النهاية لم ياتٍ..

فى الصباح اليوم التالي تفقدت الهاتف مرة اخري والرسالة التى لم تفتح بعد .. ارادت ان ترسل رسالة اخرى ولكنها ترددت اغلقت الهاتف  تجهزت وذهبت الى الجامعة بمفردها .. فى نصف اليوم غادرت الجامعة وتوجهت الى المطعم .. وصلت الى المطعم دخلته بهدوء تلمح ملك من بعيد تبتسم لها ابتسامة خافتة وتقترب منها جلستا معًا وبدأت مريم تروي ماحدث كانت تتحدث بنبرة هادئة وملامحها تعبر عن ثقل بداخلها  وكانت ملك تستمع باهتمام لتفاصيل الموقف  وقالت :
_ عنده حق على فكرة وانتى الغلطانة .
_ ايوه ما انا عارفه ان انا غلطانه وبعتله رسالة وهو مفتحهاش واستنيته امبارح ومجاش وانهارده نزل راح الجامعة ولوحدى .
_ تصرفه طبيعي جدًا .. انتى غلطانه انك ركبتي عربية مع حد غريب حتى لو بيدرسلك فى الكلية.. حدود علاقتكم داخل الكليه وبس برا هو غريب .
_ خلاص بقى يا ملك انا جايه احكيلك تساعديني تقطميني .
صمتت لحظة :
_ عندى حل 
_ ايه ؟

اتصلت ملك بزين وطلبت منه ان ياتي الى المطعم .. ذهب زين الى المطعم وجلس برفقه ملك يتحدث معها وبعد وصوله بوقت قليل وضعت امامه طبق سندوتشات كبدة وسجق تفاجأ للحظة ثم التقت جانبه ببطء .. كانت مريم .. سحبت الكرسي بجانبه وجلست تنظر اليه بنظرة حزينة دافئة وملامحها يكسوها زعل .. لم تتكلم لكنها كانت تقول الكثير بنظراتها كأنها تقدم ما عجزت الكلمات عن حمله زظل زين ينظر اليها فى صمت  .. تحدثت ملك :
_ صافي يا لبن بقى يا زيزو .. بنتنا بتصالحك اهو ومش هتكرر غلطها تاني .
تحدثت مريم:
_ غلطة ومش هتتكرر تاني خلاص وعد وعد.. بص هقضيها مشي 
 استمر زين فى صمته  وقالت مريم :
_ خلاص بقى يا رخم .
نظر الى السندوتشات للثوانٍ والتقط سندوتش :
_ وصيلى على كوباية شاى بنعناع لاني جعان. 
 ابتسمت مريم ونظرت الى ملك وغمزت لها وقالت :
_ احلى كوبيتين شاى ليكم ..
 تحرك ملك من مكانها مغادرة ومدت مريم يدها وشاركت زين فى الطعام .. غادرًا سويًا الى المنزل وسط مزحاتهم كما السابق .. طلبت مريم من زين ان يلقى نظرة على لوحة المسابقة .. بدلا ملابسهم وصعدا الى السطح سويًا .. صعدت مريم بفرح وسعادة فتحت باب السطح بخفة وجدت زين ينتظرها كما اعتاد وملامحه اكثر دفئًا تبادلا النظرات والابتسامات الهادئة :
_ مواعيدك نظبط عليها الساعة 
_ طبعًا  زيزو مواعيده مظبوطة 
_ طيب تعالي يلا شوف اللوحة ..
 دخلا الى داخل المرسم وازالت الستار عن اللوحة وكانت  رائعة نالت اعجاب زين ، وهو ينظر الى اللوحة لمح صورة ايهاب مختار وشعر بالانزعاج وخرج من المرسم ولحقت به مريم :
_  بجد عجبتك بجد .
_ يعني هكدب عليكي .. 
_ طيب ايه مش هنحتفل ..
_ وهو انا هستناكي بيتزا فى الطريق .
_ ايوه كدا .. ويلكم باك يا زيزو يا شق .
_ اياكي تعمليها تاني فاهمة 
ضحكت:
_ لا خلاص مش هعمل كدا خلاص .. وبعدين انا اعتذرتلك وانت مفتحتش الرسالة ليه ها ؟
_  عشان مسحتها 
_ نعم .. مسحتها ؟
_ ايوه مسحتها .. بعتالي تقوليلي هتروح بكره الكلية امتى ؟ ايه الرسالة العبثية دي  هو انتى مدرستيش انا اسفه مش هعمل كدا تاني ؟
_ ماهو انا كنت بجر كلام معاك يا رخم .. تروح تمسحها ؟
قال بصوت خافت:
_ ماهو لو فتحتها مكنتش هرد وكان هيضايقك اكتر ف كدا احسن ( رفع صوته وبنبرة حادة)  لو عملتيها تاني هفتح الرسالة وهرد عليكي رد هيزعلك .
_ لا خلاص خلاص .. كدا كدا الامتحانات هتبدا من بعد بكرة فمفيش مجال لاى طالعات خارجية .. من البيت للكلية ومن الكلية للبيت .
_ ايوه كدا اتظبطي .
_ بس هقولك حاجة ؟
_ افتقدتك يا زيزو اليومين دول .. اياك تطول الزعل كدا 
_ وانتى كمان ..مش عاوزاة يطول يرجعلك هتتظبطي تمام هتتعوجي اهو العقاب جربتيه .
_ لا خلاص حرمت .
 ضحك زين ع طريقتها الطفولية .. وصل عامل التوصيل واستلم زين البيتزا ووضعها على الطاولة وكانت تتصاعد منها رائحة شهية تعبق المكان .. كان زين يلوح بيده وهو يحكي شيئًا بطريقته المازحة المعتادة وملامحه مليئة بالحيوية بينما مريم كانت تضحك من قلبها تمسك بقطعة بيتزا فى يد وتغطي فمها بالاخرى من شدة الضحك .. ظلا يتحادثان ويضحكان للصباح  كأن الزمن توقف ليمنحهما لحظة تعويض عن ايام الخصام الفائته ...

بدأت ايام الامتحانات كان زين ومريم منهمكان فى المذاكرة .. مريم تجلس تحيط بها اوراق الملاحظات والمراجعات والكتب المفتوحة واللابتوب امامها عيونها متعبه من السهر لكن كان الحافز قوي وهو النجاح بتقدير امتياز يشعل عزيمتها .. الى جانبها زين يتصفح ملاحظاته بهدوء وتتنقل عيناه بين الكتب واللاب توب والهاتف بين الفترة والاخرى .. كانا يطمئنا على بعض بعد كل امتحان ويدعمون بعض بكلمات تشجعيها للمادة القادمة .. فى الكلية ايهاب كان يحرص على المرور على القاعات بين الحين والاخر يتوقف ليطمئن على مريم وزملائها ويشجعهم ويدعمهم  بتوزيع كلمات تشجيع وايجابية .. تجمعوا حول ايهاب مختار اخر يوم الامتحان :
_ شدوا حيلكم يلا واجهزوا للمسابقة ولتحفيز اكتر انا مجهزلكم مفاجأة كبيرة .
_ ايه يا تري ؟
_ مكنتش عاوز اقول دلواقتي لكن هقولكم  عشان تتحفزوا .. الجائزة هتكون لوحة من لوحاتي  ولوحة الفائزين ال3  هتتعرض فى معرضي القادم  في نابولي مع لوحاتي  بجانب دعوة عشاء فى افخم مطعم فى الاسكندرية احتفالًا بالفوز .
 تحمس الجميع  وبالفعل زادوا حماس حينما علموا بالجوائز .. 

 انتهت الامتحانات وقلبهما ملئ بالتفاؤل والتعب بعد ايام طويلة من المذاكرة المتواصله .. تحدد موعد تسليم لوحة المسابقة وكانت مريم انتهت منها بالفعل .. حينما استلمت  رسالة النصية ع موعد تسليم اللوحات صعدت الى السطح برفقة زين لينقلا اللوحة سويًا الى الكلية وفى اليوم التالي ستعلن اسم الفائز .. دخلت مريم بحماس الى المرسم وحين فتحت الباب تفأجأت بوجود اللوحة على الارض مبللة بالشاى وكوب الشاى بجانبها ... 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1