رواية تؤام روح الفصل السادس عشر بقلم يارا سمير
انتهت الامتحانات وقلبهما ملئ بالتفاؤل والتعب بعد ايام طويلة من المذاكرة المتواصله .. تحدد موعد تسليم لوحة المسابقة وكانت مريم انتهت منها بالفعل .. حينما استلمت رسالة النصية ع موعد تسليم اللوحات صعدت الى السطح برفقة زين لينقلا اللوحة سويًا الى الكلية وفى اليوم التالي ستعلن اسم الفائز .. دخلت مريم بحماس الى المرسم وحين فتحت الباب تفأجأت بوجود اللوحة على الارض مبللة بالشاى وكوب الشاى بجانبها .. تغيرت ملامح اللوحة وتغيرت معها ملامح مريم كانت مزيج من الذهول والصدمة وهي تنظر الى اللوحة التي تعبت عليها وقتًا طويلًا وكأن حلمها تبخر امامها .. وقف زين بجانبها متفاجئًا ايضا ينظر الى اللوحة ثم إليها بحيرة .. اقترب منها :
_ مريم انتى كويسة ؟
تحدثت مريم بنبرة صوت مكتومة :
_ هو اللى انا شايفاه دا حقيقي ( نظرت الى زين ) اللوحة اللى تعبت عليها 3 شهور يوميًا هي اللى ع الارض ومبقعة بالشاي دا ؟
_ مريم.. اهدى كدا اخدت الشر وراحت .
_ انت بتقول ايه ؟
_ زي ما بقولك دى مش اخر مسابقة فى مسابقات كتير هتدخليها
كانت مريم تنظر الى اللوحة امسكها من كتفيها وقال لها :
_بصيلي .. مريم بصيلي
نظرت اليه ودموعها تنساب على خدها وقال زين :
_ حلمك يا مريم.. حلمك اللى انتى سعتيله .. تدخلى فنون جميلة وتخلصي وبعدها تشاركي فى معرض دولى ومحلى لغاية ما يكون ليكي معرضك الخاص .. انتى ماشية صح الدنيا مش هتتهد بسبب لوحة باظت .
_ لكن المسابقة دي والجائزة .
_ المسابقة دي حاجة قابلتك فى الطريق وانتى مكنتيش عامله حسابها ولا كنت بتسعيلها .. حاولتي وعملتي كل حاجة فيها اعتبري نفسك مكسبتيش .
_ لكن انا متأكد انى هكسب .. انت بنفسك قولتلي هكسب يا زين .
ازاح دموعها ب اصابعه وقال :
_ اى حاجة بتعمليها هتنجح يا مريم.. نعتبر انك منجحتيش وهتتعوض فى حاجة اكبر .. بنخسر حاجات صغيرة عشان هنكسب حاجات اكبر بعدين صدقيني .
استدارت ونظرت الى اللوحة الملطخة بالشاى ..كانت تنظر الى اللوحة بتأمل عميق وكأنها ترى جهدها وكل لحظة من العمل تذهب هباءًا.. قلبها كان مثقلًا .. نظرت الى زين وبادلها النظرات وكانت عينيه تؤكد كلماته فكانت مليئة بالدعم وتواسيها وتشجعها على تخطي ماحدث دون أن تحتاج لكلمات لشرح ما يشعر به .. امسك يدها :
_ يلا تعالي ننزل نتمشي شويا .
_ هسيب المكان كدا ..
_ ملكيش دعوة انا هاجي أظبطلك كل حاجة جت ع دي يعني يلا نروح نضرب 2 ايس كريم وندخل سينما ايه رأيك ؟
ظلت صامته وهى تنظر الى اللوحة على الارض .. سحبها من يدها للخارج وقال :
_ هعتبر ان الصمت علامة رضا .. يلا ..
سحب زين يد مريم برفق محاولًا أن يخفف عنها ويشغل ذهنها عن الحزن الذي كان يثقل قلبها .. تركا السطح خلفهما وبدأ السير فى الشوارع بينما مريم كانت تمشي فى صمت لكن زين ظل يحاول اضحاكها بكل طريقة .. كانت نكاته تتوالى ومزاحاته التى حاول أن يخلط فيها الجد بالهزل ولكن مريم كانت صامتة فى البداية عيونها تائهه .. ومع مرور الوقت بدأ وجهها يتغير تدريجيًا ولاحظ زين ضحكة ضعيرة لمست ملامح وجهها تبعها ضحكة اكبر وهكذا ..
فى الكلية وقف ايهاب داخل قاعة المحاضرات يستقبل الطلاب المشاركين فى المسابقة واحد تلو الآخر ويستلم منهم اللوحات المشاركة مع كلماته التشجعية والتحفزية لهم ، يبتسم لبعضهم ويثني على مجهوداتهم ..كانت عيناه تتحرك بتلقائية نحو الباب ينتظر ظهور مريم .. تمر الساعات والطلاب يغادرون وظل ايهاب فى قاعة المحاضرات ينظر اتجاه الباب بترقب وقلق .. قام بسؤال زملائها عليها ولكنهم أكدوا له انها مشاركة فى المسابقة أيضا .. حل الليل وظل جالس فى القاعة بمفرده .. نظر الى ساعة اليد وبدأ يجمع اغراضه ليغادر والحيرة مرتسمة على ملامحه .. القى نظرة سريعة على الباب ثم تنهد وغادر وخطواته تحمل أسئلة بلا أجوبة عن غيابها الذي لم يكن يتوقعه ..
مريم وزين توجهوا الى محل الايس كريم حيث اختار زين نكهه جديدة وحاول أن يخفف الجو أكثر بأيماءات مضحكة وهو يقدم الايس كريم لها فضحكت مريم .. بعدها انتقلا الى السينما وكان زين اختار فيلم كانت مريم تتلهف لمشاهدته .. دخلا صالة السينما وسط الزحام الخفيف من الاشخاص كانوا يتنقلون بسرعة للجلوس فى مقاعدهم .. جلس زين ومريم فى مكان مريح قريب من الشاشة .. قال زين :
_ 5 دقائق وراجع .
_ الفيلم هيبدء رايح فين ؟
_ جاى ..
غادر زين صالة السينما وبعد دقائق عاد وهو يحمل أكياس الفشار والصودا والمقرمشات وضعها بجانب مريم ونظرت اليه بتعجب :
_ ايه كل دا ؟
_ الفرجة بتحب النقنقة انتى الصدمة نسيتك ولا ايه
_ بس دا كتير
_ بزلومتك دى هتخلصيهم مع الاعلانات
_ يا رخم ..
جلس بجانب مريم وبدأ فى اطعامها فى فمها وهي تضحك ع معاملة الاطفال التى يعاملها لها :
_ بس بس انت جايب بنت اختك ؟
_ وهو انا عندي بنت اخت بالطعامة دي
ضحكت مريم:
_ بس يا زين بقى .. يلا الفيلم بدأ
بدأت أضواء الصالة تخفت تدريجيًا وظهر شريط الفيلم على الشاشة وسط صمت الحضور وتركيزهم .. جلست مريم تحدق فى الشاشة تحاول ان تندمج مع المشاهد وتنسي ما حدث ، كانت تبتسم بخفة مع اللقطات الاولي ثم نظرت الى زين مبتسمة نظرات تقدير على كل ما فعله ليخرجها من حزنها .. عادت تنظر الى الشاشة وتتابع الفيلم بحماس ولكن بعد لحظات شيئًا ما في عينيها بدأ يتغير .. شردت للحظات وعاد داخلها طيف اللوحة الملطخة ومجهودها الذي تبخر فى الهواء.. اختفت ابتسامتها وتحولت ملامح وجهها الى حزن صامت كانت نظراتها ثابتة لكن روحها غائبة .. زين كان يراقبها بصمت التفت نحوها ولاحظ التغيير الدقيق فى ملامحها شعر بوخز مؤلم فى صدره .. نظراته أصبحت ثقيلة كأنما يحمل ذنبًا فى الخفاء .. قال محدث نفسه وهو ينظر اليها وهو حزين :
_ أنا أسف يا مريم ..
فلاش باك أخر يوم الامتحانات ..
كان زين واقفًا خارج كلية فنون جميلة ينظر الى الباب الكبير حيث بدأ الطلاب بالخروج تدريجيًا ، على وجهه علامات ترقب وقلق هادئ ينتظر مريم .. بين الزحام ظهرت مريم خطواتها كانت سريعة ووجهها يشع بالحماس والانتصار .. كانت تلوح بيدها بخفة وعيناها تلمعان بفرح داخلي لا تخطئه العين .. تقترب منه ب ابتسامة كبيرة وكأنها تريد أن تحتفل بتلك اللحظة معه .. نظر اليها زين بدهشة لم يتوقع ان يشاهدها هكذا ..:
_ زيزو ..
تحركا بالسيارة وقال زين :
_ ايه الحماس والفرحة المفرطة دي .. كل دا عشان اخر امتحان فى مسيرتك التعليمية ؟
ضحكت مريم وقالت :
_ هو اينعم انا مبسوطة انى خلاص خلصت دراسة جامعية وان شاء الله هيكون بتقدير امتياز لكن عرفت حاجة مخلياني مش قادرة اقف ع الارض انا حاسه انى هطير .
_ خير وظفوكي فى الكلية ..
_ لما نوصل اقولك لاني جعانه اوي وانت عارف وانا جعانه مبعرفش اتكلم ..
وصلوا الى المطعم وبعد تبادل التحيات مع ملك وسناء وسوسن جلسوا حول طاولة يتناولون الطعام وترك زين الشوكة من يده وملامحه مزيج من الصدمة والدهشة وقال :
_ بتقولي ايه ؟
_ بقولك ايهاب مختار المسابقة بتاعته الجائزة مش حاجة واحدة ال3 لوحات اللى هتكسب اصحابهم ليهم 3 جوائز.. هياخدوا لوحة من اعماله بتوقيعه و هيتعزموا فى افخم مطعم فى الاسكندرية والجائزة الاهم ان اللوحات ال3 هيتعرضوا فى معرضه كمان شهرين فى نابولي وهو هيحجز ليهم التذاكر والاقامة لمدة 10 ايام هيحجزلهم فى فندق مش بيته عشان عارفه دماغك .
_ وهو دا مفرحك اوي كدا ؟
_ انت متخيل ان لوحتى هتكون فى معرض ايهاب مختار وانا هكون موجودة هناك انت متخيل حلمين هيتحققوا مع بعض بسرعة كدا .
تبدلت ملامحه وحاول ان يسيطر ع غضبه :
_ فرضًا كسبتي هتوافقي تسافري لوحدك ايطاليا ؟
_ ما انا مش هبقى لوحدى هيكون معايا الفائزين التانين .
_ وايهاب مختار .
_ اكيد يعني بس صدقني لما اسافر مش هركب العربية معاه لوحدى خلاص حرمت .
_ تمام .. امتى المسابقة ؟
_ انهاردة هبص عليها بصة اخيرة وبكرة اروح اسلمها لمقر المسابقة فى الكلية لان بعد بكرة النتيجة هتعلن ع طول لانه هيسافر ع اخر الاسبوع يجهز دعوات الزيارة واجراءات السفر من هناك عشان نلحق المعرض بتاعه .
_ تمام.. تمام .
نظرت اليه مريم بتعجب :
_ مالك.. انت مش فرحان ليا انى مسافرة ولا دا قلق وخوف ؟
_ قلق وخوف اكيد.. هتسافري لوحدك محسساني انك رايحة العجمى دا انتى لما بتنزلي القاهرة بتوهي وبعدين فى بلد اجنبي لوحدك .
_ خلاص تجهز نفسك نسافر سوا .
_ اسافر لايهاب مختار بنفسي ..هو انا طايقه هنا لحظات اللى بشوفه لما هشوفه يوميًا .. لا لا .
_ خلاص خليك متكدرش نفسك.. هسافر انا فى الانجاز وهرجع وكدا كدا هتكون معايا خطوة بخطوة .
_ طيب خفي الحماس دا شويا لان منعرفش النتيجة ايه ؟
_ انا واثقة انى هكسب المركز الاول كمان .
_ اتمنى .. يلا كملى اكل يلا ..
عادا معًا الى المنزل فى هدوء مساءًا وصعدًا سويًا الى السطح ودخلت مريم الى المرسم بخطوات متحمسة وكشفت الستارة عن اللوحة وتحمل بين يديها أدواتها وبدأت فى وضع اللمسات الأخيرة كانت عيناها تلمعان بالحماسة .. اعد زين كوبين من الشاي .. مد يده الى مريم بكوب شاي ف التفتت إليه بابتسامة ممتنة واخذاه دون أن تقطع ما تفعله ووضعته بجانبها .. ثم عاد زين خطوة الى الوراء واستند الى حافة الباب ممسكًا بين يديه الكوب الشاي الساخن .. اكتفى بالوقوف هناك ينظر اليها بصمت عيناه تراقبان تفاصيلها الصغيرة .. نظراتها .. ابتسامتها المتناثرة بين ضربات الفرشاة ولكنه لم يكن يرى فقط ما تفعله كان ذهنه مشغولًا..
اغلقت مريم علبة الالوان ثم أقتربت من اللوحة التى انهت العمل عليها بحرص ومدت يدها لتسدل الستارة البيضاء فوقها نظرت اليها للحظة وتخيلت لحظة فوزها وتحمست .. استدارت وغادرت المرسم بخطى هادئة تبحث عن زين .. كان زين يقف عند سور السطح ينظر الى السماء فى شرود وكأن أفكاره تسبح معه بعيدًا .. اقتربت نحوه مريم :
_ زيزو ..
انتبه لصوت مريم واستدار :
_ ايوه ..
_ انت كنت سرحان فى ايه كدا ؟
_ لا ابدًا الجو هادئ وحلو كدا يعني .
_ احنا فعلًا اتاخرنا وقعدت جنبي ع اساس هبص بصه سريعة البصة السريعة قعدت 4 ساعات .. سوري بس حبيت مفوتش حاجة .
_ لو عاوزة تكملى للصبح اتفضلي يا بيكاسو .
_ يا رخم.. لا كفاية كدا عشان نصحى فايقين واحنا نوديها الكلية على الساعة 1
_ طيب ايه يلا ..
_ ايوه يلا .. هى سناء عامله اكل ايه انهاردة ؟
_ مسقعة ..
_ انا جعانة تيجي ناكل .
_ اشطا جدًا نسخن وناكل يلا ..
فى سكون الليل الساعة 4 صباحًا صعد زين الى السطح بخطى متوترة وقف أمام باب المرسم للحظات وعيناه تترقبان الصمت كأنما يسمع فيه صدى أفكاره .. دفع الباب ببطء ودخل أضاء الانارة .. تقدم الى اللوحة المغطاة مد يده وازاح الستارة البيضاء فجأة حدق فى اللوحة للحظات وملامحه تتبدل من الصمت الى انقباض ثم غضب صريح .. ردد قائلًا :
_ مش هتسافر معاك.. مش هتسافر لا لا ..
_ التفت الى جانب اللوحة حيث كانت صورة ايهاب موضوعة بين الادوات فتجمدت نظراته للحظات ثم اشتعلت ملامحة بنيران الغيرة والغضب بخطوة حادة امسك باللوحة واسقطها أرضًا بعنف ارتطمت وارتجت فى مكانها .. نظر حوله بعين مشوشة فرأى كوب الشاي الذي أعده فى الليلة الماضية امسكه دون تردد وسكبه فوق اللوحة .. ف تشوهوت اللوحة ..ترك الكوب بجانب اللوحة وادار ظهره اغلق الضوء واغلق الباب وغادر السطح وكأنه لم يفعل شيئًا ..
فى السينما ..
مد يده وضعها على يد مريم واقترب لها هامسًا وقال :
_ لوحاتك هتتعرض فى اكبر المعارض واللحظة دي ماهي الا عقبة تقويكي وتخليكي تكملي محاولاتك.. انا معاكي يا ميما انتى مش لوحدك .. معاكي فى كل خطوة .
نظرت اليه مريم وارتسمت ابتسامة ع وجهها وقال :
_ بعد الفيلم اجهزي لاحسن سهرة عشا فاخر من الاخر .
_ ع السطح..
_ لا السطح اوت انهاردة.. الفيلم يخلص وهتعرفي ..
ابتسمت له وعادت النظر الى الشاشة وكان زين طوال الفيلم يتحدث معها ويمازحها ليجعلها تضحك وبالفعل محاولاته نجحت ..
غادر زين ومريم صالة السينما وسط أضواء المساء الهادئة ورافقها بصمت حتى وصلا الى الشاطى .. كان البحر ساكنًا والامواج تتلاعب بلطف برمال الشاطئ تعكس ضوء القمر كأنها تواسي الارواح الهادئة .. جلست مريم على الرمل تضم ذراعيها فى صمت تتأمل الافق بعينين شاردتين ونسيم البحر يبعث بخصلات شعرها .. عاد زين بخطى خفيفة يحمل فى يده علب بيتزا متنوعة .. وضعهم امام مريم وتفأجأت بالعدد:
_ ايه كل دا ..
_ بيتزا مكس تشيز وجمبري وسالامى وبسطرمة ونوعين جداد قولت ميضرش نجرب .
_ ليه كل دا ؟
_ هنضرب بيتزا للصبح .. مش بيقولوا هنشرب للصبحززاحنا بقى هنديها بيتزا للصبح.
_ يعني عاوز تقولي هنرجع البيت متأخر ؟
_ وقت ما تقولي يلا هنرجع اليوم يومك .. يلا افتح انهي واحدة
_ والله انت مجنون
_ وانتى اجن مني بس شايلة الفيشة.. رجعيها يلا .
فتح زين العلبه واخرج قطعة بيتزا واعطاها لمريم وقالت :
_ انا عماله اعصر دماغي وقعت ازاى وكوباية الشاى وقعت ازاى عليها بالشكل دا .
_ غلطتك ع فكرة .
نظرت اليه بتعجب :
_ غلطتي انا ؟
_ ايوه .. كذا مرة اقولك اتاكدى شباك يكون مقفول كويس عشان القطط وكوباية الشاى كذا مرة اقولك متسبيش كوبيات جنب رسوماتك لفمره يحصل حاجة واهو حصل ..
_ بس انا كنت قافلة الشباك ؟
_ مش قافلاه من جوه بالترباس واى قطة سهل تزق وتدخل تلف لفتها وترجع تاني .
_ بس مش غريبة ان اللوحة بس اللى وقعت ع الارض وكوباية الشاى.. يعني مفيش حاجات تانية وقعت ؟
صمت زين للحظات وقال :
_ انتى كنتى حطاه فى النص وسهل اى حد يخبطها .. مريم اللى حصل حصل خير وانتى هترسمي احلى منها بمليون مرة .. ولو ع المسابقة هتحضري وتشاركي فى مسابقات اكتر واكبر واعتبري اللى حصل دا اكتساب خبرة وانك منجحتيش .. هونيها ع نفسك علشان تعديها .
صمتت مريم وهى تاكل البيتزا نظر اليها زين وقال مازحًا :
_ عم عبدالباسط حمودة قال ايه .. الجو فاضي خالص والدنيا هس هس .. وانا وانت يا شق ونجوم الليل وبس ..
بدا زين بالغناء وهو ينظر الى مريم التى ابتسمت ابتسامة خفيفة .. شجعها زين ب ايماءة مرحة ان تشاركه ترددت للحظة ثم أنضمت اليه بصوت خافت سرعان ان ارتفع واصبح صوتهما يتسابقان مع صوت الامراج امامهم ..استمرت الاغاني بينهم تتداخل مع صوت الموت وضحكاتهما .. الليل يحتضن لحظتهما الخاصة ومع كل كلمة كانت روح مريم تهدأ شيئًا فشيئًا وكأن الغناء يهون عليها قسوة الموقف بلطف .. عادوا الى المنزل فى وقت متأخر وملامحها هادئة دخلت غرفتها وبدلت ملابسها وتمددت على السرير واغمضت عيناها لتغفو بسرعة وصوت البحر والغناء مازال يدندن فى ذاكرتها ..
استيقظت مريم ببطء وجلست على طرف السرير وأخذت نفسًا عميقًا ثم نظرت الى هاتفها وتقلب فى استوريهات زملائها احتفالًا بيوم المسابقة مع لوحاتهم شعرت بالحزن قليًلًا .. كانت هتكون معهم فى تلك اللحظة والفرحة .. اغلقت الهاتف ونهضت بصمت وبدأت ترتدى ملابسها ووقفت امام المرآه ونظرت الى صورتها المعاكسة وملامحها الحزينة .. للحظات ثم ابتسمت نصف ابتسامة وقالت :
_ تتعوض فى حاجة تانية احنا مش هنقف مكانا .
تنفست نفس عميق وغادرت الغرفة صادفت سناء تغلق حقيبة يدها وتجهز لمغادرة المنزل :
_ صحيتي يا ميما .. كويس نروح مع بعض المطعم يلا .
_ روحي انتى يا ماما وانا هبقى احصلك .
_ ليه رايحة فين ؟
_ الجامعة ..
تفاجأت سناء:
_ الكليه .. ليه ؟
_ هحضر مع اصحابي المسابقة واباركلهم اختفائي امبارح قلقهم وقولتلهم انا هقابلهم انهارده .
_ طيب يا حبيببتي هما يخلصوا ويجيبوا المطعم واحنا نحتفل بيهم .
_ هبقى اجيبهم ونيجى ع المطعم .. وبعدين يا ماما ع الاقل احضر وقت اعلان نتيجة المسابقة اهي حاجة من ريحة مجهود شهور كنت بعمله .
اقتربت سناء اليها ومسكت كف يدها بين كفي يديها وربتت عليها بلطف :
_ هتتعوض وهتدخلى فى مسابقات وهتنجحى ..اللى حصل دا عرقلة طريق زي ما بيقولوا لكن انتى هتكملي .
ابتسمت مريم:
_ هو انتم كلكم كلامكم واحد.. زين امبارح لسه قايلي كدا .
_ دا لاننا واثقين فيكي وعارفين اد ايه انك شاطرة وفنانة .
_ هكمل طول ماانتم معايا دعم ومساندة طول الوقت .
_ واحنا معاكي طول الوقت وفي اى لحظة ..
_ عارفة ..
تبادلا الابتسامات وقالت سناء :
_ هتروحي لوحدك ..؟
_ ايوه.. زين رايح لكريم القاهرة هيخلصوا مشاوير خاصة بالمقر اللى هيفتحوه هنا عشان الافتتاح قريب .
_ مروحتيش ليه مع زين كنتى تغيري جو ؟
_ هو قالي اجاى معاه بس قولتله مره تانية لاني متاكدة هيكونوا مشغولين وبعدين انا وعدت اصحابي .
_ مش حابه تروحي لوحدك هتزعلى وكدا .
_ هو انا زعلانة بس لا بالعكس هفرح لاصحابي لاني هشاركهم لحظة تحقيق حلم من احلامهم .. يلا انزلى وانا هعمل حاجة اشربها وافطر وانزل وهاجيلكم ع المطعم انا والتتار .
ضحكت سناء :
_ واحنا منتظرينكم ..
غادرت سناء وتنهدت مريم تنهيدة عميقة وتوجهت الى المطبخ ..
وصلت مريم الى ساحة الكلية .. كلما ترى بانرات المسابقة تشعر بالحزن .. تقدمت الى الداخل وهي تحمل في عينيها بقايا الحزن لكن سرعلت ما احيطت بأصدقائها الذين اندفعوا نحوها بابتسامات واسعة وقلوب دافئة .. صافحوها واحدًا تلو الاخر بحماس واهتمام وكأنهم يحاولون جمع شتاتها ومواستها بلطف .. وقفت بينهم تبتسم بخجل ، تشاركهم فرحتهم وتستمع لكل كلمة مشجعة رغم ما تحمله بداخلها .. تحدثت يثة وقوة منحتهم طاقة إيجابية وتشير لهم بإعجاب على لوحاتهم وكانت نظراتهم اليها كانت مليئة بالامتنان والتقدير ... جلست مريم بين أصدقائها وسط صفوف الحضور تحيط بها الاعين المتحمسة وكان نظراتها مركزة على المنصة وابتسامتها الهادئة تزين وجهها رغم كل شئ .. وقف إيهاب امام الحضور يحمل ورقة النتائج والقي نظرة عابرة على الوجوه فتوقفت عيناه عند مريم .. توقف لثوانٍ وابتسم بخفة واستعاد تركيزه واستكمل كلماته بنبرة رسمية معلنًا أسماء الفائزين بينما ارتفعت التصفيقات والهتافات من كل جانب ..
تبادل الجميع التهاني وتعانق الاصدقاء فرحًا وكانت مريم تشاركهم اللحظة رغم عدم مشاركتها فى الفوز .. اتجه ايهاب نحو المجموعة بخطوات هادئة صافح الفائزين بحرارة واكد على الجوائز ثم نظر الى مريم بايماءة خفيفة دعاها للحديث على انفراد.. نهضت بهدوء وتبعته.. نظر اليها وقال :
_ انا كنت مجهز نفسي اقول اسمك من الاسماء
نظرت اليه مبتسمة :
_ مليش نصيب
حكت له ما حدث فى اللحظات الاخيرة قبل تسليم اللوحة وقال :
_ اخر لحظات بتكون وقائعها غير متوقعة .
_ هو ممكن جزائي لاني مهملة شويا كان درس جامد واتعلمت منه اخلى بالي اكتر .
_ انا واثق انك لما هتشاركي فى اى مسابقة هتكسبي .
_ ان شاء الله .. حقيقي شكرًا لسؤال حضرتك عليا اصحابي قالولي انك امبارح مشيت اخر شخص .
_ كنت مستنيكي .. مستنى لوحتك وكنت ملهوف اشوفها بصراحة .
_ ثوانى اوريهالك انا مصوراها ..
فتحت هاتفها على صور اللوحة وانبهر بها ايهاب :
_ فى لحظة زي دى متوقع اقول يا خسارة انها باظت لكن حقيقي انا سعيد انها باظت .
تفاجأت مريم :
_ سعيد ؟
_ ايوة .. لأن اللوحة دي مكانها مش مسابقة داخل كلية دى تشاركي بيها مسابقة دولية .
نظرت اليه بتعجب :
_ حقيقي شكرًا ع المجاملة ..
_ بجد مش مجاملة .. اللى ترسم لوحة بالاتقان دى انا واثق انها هتقدر تكسب مسابقات كتير .
ظلت صامته وملامحها مزيج من الدهشة والمفاجأة :
_ مالك ..؟
_ واضح ان الكل بيقولى نفس الكلام حتى فى البيت قالولى كدا بس بصراحة كلامك حساه مختلف .
_ ازاى يعني .؟
_ يعني فى البيت من باب الدعم العائلي ومش عاوزين اكون زعلانة لكن رأي متخصص فنان كبير بالشكل دا لا يفرق معايا جدًا .
_ انتى فنانة يا مريم .
_ شكرًا لحضرتك ..
اقتربت احدى الفائزين :
_ ها يا دكتور هنروح انهارده العشاء ولا امتى ؟
_ ايوه انهارده .. تعالى معانا يا مريم ؟
_ لا شكرًا .. انبسطوا انتم .. ع اذنكم .
غادرت مريم وظل ايهاب ينظر اليها وهو مبتسم وشارد مع خطواتها حتى اختفت ..
فى القاهرة ..
فى أحد شوارع القاهرة المتزدحمة كان زين يرافق كريم عائدان الى الشركة بعد ما انهيا بعض المشاوير تتعلق بالعمل من تخليص اوراق وتجهيز تصاريح .. تبدو على زين علامات الارهاق من كثرة التنقل والاجتماعات المتتالية .. عندما وصلا الى مقر الشركة دخلا بهدوء وتبادلا نظرات موجزة مع الموظفين ثم توجها مباشرة الى مكتب كريم .. جلس زين على أقرب أريكة وتمدد بجسده المتعب فيما كان كريم يجلس امام اللابتوب على مكتبه وقال :
_ ايه يا زيزو .. مكنش مشوارين تلاته يعني .
بنبرة مرهقة:
_ اتنين تلاته ايه.. داانت اخدتني رايح جاى نازل طالع وكلام كلام صداااع .
_ ماهو دا طبيعة شغلنا يا زيزو اومال انت فاكر هتشتغل ازاى هتقعد تحت التكيف تلعب دورين كاندى كراش وانت تحتسي قهوتك وتتحدث مع موزتك .
ضحك زين :
_ ايوه وفيها ايه .. 4 سنين دراسة بدون فواصل شويا دلع بقى .
_ اللى دراسته حاجة واللى هتعيشه فى الحياة العملية حاجة تانية خالص .. انا من المستقبل وبعرفك اهو تخلى بالك ..عاوز تنجح تركز وتتعب عشان تلقى نتيجة .. هتلعب هتخسر كتير .
_ انت بتخوفني ولا ايه ؟
_ لا بنبهك.. ومش عاوزك تكون زي لما محمود نبهني ونصحني وانا رميت نصيحته واستذكيت ع نفسي ..
_ بس انت فين دلواقتي .. فى شركتك وهتفتح مقر تاني فى الاسكندرية يعني نجحت ..
نظر كريم الى زين :
_ نجاح كان المقابل له خسائر لحاجات كتير ملهاش بديل ..
تحرك زين من مكانه وجلس امام كريم:
_ تقصد ملك؟
_ حاجات كتير لكن اهمهم ملك ..
_ لسه قافلة الباب ؟
_ ايوه ..
_ ماهو انك تقولها وش تعالى نرجع زي زمان مكنش صح .
_ اومال كنت اقول ايه يا خبرة ..
_ خليك دحلاب شويا .
_ ازاى ؟
_ جرب الطريق الاخر .
_ اللى هو ايه انجز ؟
_ الصداقة يا عمي الغالي اول خطوة فى علاقات كتير يا توصل لحب يا تفضل صداقة زي ما بدأت ..أبدئوا اصدقاء وشوفوا هتوصلوا لايه .. ملك اللى عاشته مش سهل تمسحه بسرعة وهى اتغيرت .. وانت اتغيرت .. بتغيركم انتم الاتنين اعرفوا بعض بالمتغيرات اللى حصلتلكم .. هل هتتوافقوا هيحصل لوحده لو لا يكفي انكم اصدقاء ونص الخسارة احسن من الخسارة الكاملة .
نظر كريم بتعجب الى زين :
_ وجيه الوقت اللى ابن اخويا ينصحني ..
_ انتم السابقون ونحن الالحقون يا كيمو ..
_ هبقى افكر فى الموضوع دا بس خلينا فى دلواقتي لان الافتتاح كمان شهر وعاوزين كل حاجة تكون خلصانه متعطلناش .
_ انا فضيت ومعاك واحمد ربنا معنديش جيش كان زمانك لابس لوحدك .
ضحك كريم وسمع طرق على الباب ودخلت السكرتيرة :
_ مستر كريم .. الانسة بسنت توفيق برا ..
بلهفة:
_ هي جت.. خليها تدخل ..
غادرت السكرتيرة وتحدث زين :
_ مين بوسنت دى يا كيمو .. جو جديد وكدا ؟
_ لم نفسك دى أخت صديق ليا ..
_ وجايه تعمل ايه هنا اخت صديقك انترفيو ..
_ انت بتهزر .. ايوه انترفيو ..
فى اللحظة التي كان زين يتحدث بها مسترخيًا فتح باب المكتب بهدوء ودخلت بسنت بخطوات واثقة .. ارتسمت على وجهها ابتسامة ناعمة وشعرها مسندل على كتفيها بانسيابية زادت من حضورها اللافت .. توجهت بنظراتها الى كريم أولًا :
_ ازيك يا كريم ..
_ اهلا يا بسنت نورتي مكتبنا المتواضع ..
_ ميرسي ..
نظر كريم الى زين وقال :
_ زين ابن اخويا وشريكي فى مقر الاسكندرية اللى حكتلك عليه ..
التفتت نحو زين الذي انتبه لوجودها وارتسمت على وجهه ابتسامة تلقائية :
_ ازيك يا زين
مد يده وصافحها :
_ اهلا بوسنت ..
ضحكت :
_ بسنت ..مش بوسنت
_ اهلا بسنت مش بوسنت ..
ضحكت مرة اخري وطلب منها كريم ان تجلس وجلست امام زين .. تحدث كريم :
_ بسنت اخت سامح صديقى كان معايا فى الكلية يا زين
تحدث زين :
_ ايوه عارفه .. ابو السمامح ( نظر اليها ) كنت بقوله كدا
ضحكت بسنت :
_ ماهو قالي ..
_ ايه دا حكالك عني ..
_ هو انا بصراحة اعرفكم كلكم .. انت وحودا وسوسن وسناء وكرم وميما
_ كمان ميما .. دا احنا انترناشونال وانا معرفش
تحدث كريم :
_ وفضايحك معروفة كمان خلى بالك
_ اوووبس اجري انا بقى ..
ضحكت بسنت على مزاحات زين المستمر وزين ينظر اليها مبتسمًا وقال :
_ ع فكرة استحاله تكوني اخت سامح .
_ ليه ؟
_ ايه جاب القمر للجمر .. فرق سرعات سيدى الرئيس ..
ضحكت بسنت :
_ لا اخويا ..
قال بطريقة مازحًا :
_ اشوف البطاقة لو سمحت ..
تدخل كريم:
_ ياعم موجة كوميدي افصل بقى ..
_ فى ايه يا كيمو بنتعرف ..
_ ع التعارف هتتعرفوا ببعض لغاية ما تزهقوا لان بسنت هتشتغل معانا فى مقر الاسكندرية ..
نظر اليها بأعجاب :
_ دى هتبقى بداية ولا أروع.. اهو كدا هيبقى فى حاجة تشجع على الصحيان والنزول من البيت .
_ يعني مش عشان مستقبلك
_ لا عشان بسنت هناك أول حاجة هشوفها أبتسامتها الجميلة دى ..
احرجت بسنت وقالت :
_ ميرسي ع مجاملتك .
_ بس انا مبجاملش اسالى كريم انا صريح لما بشوف حاجة جميلة بقول ع طول .
_ فى كل الاحوال ميرسي ..
تحدث كريم :
_ ع فكرة بسنت مش زى اللى كنت تعرفهم خلى بالك .
_ ايه يا كيمو انت هتخوفها مني ولا ايه ؟
تحدثت بسنت :
_ لو هخاف كنت موافقتش ع الشغل اول ما كريم قال .. ما انا عارفه كل حاجة مثلًا البنت اللى كنت بتقابلها فى كافيه على البحر وانت قاعد معاها لقيت خطيبها جه قفشكوا ..
ضحك زين :
_ دا كل السيديهات معاكي ..
_ كلها ..
_ بس ع فكرة دى اشارة ..
_ ان اسيديهاتك معايا ؟
_ لا .. انتى لابسه ازرق وانا لابس ازرق يعني سما وبر مع بعض يعنى علاقتنا هتبقى طراوة
ضحكت بسنت وكريم وقال :
_ اهدى يا عم البحار ..
نظر زين الى كريم :
_ نبدء شغل ع خير ..
ضحكوا وتحدث كريم :
_ بسنت لسه متخرجة السنادى من كلية تجارة قسم ادارة اعمال وهتكون معانا فى مقر الاسكندرية لاني هكون بين هنا وهناك ف هي هتكون معاك دايما .
_ شكرا يا كريم ... وعاوزك متقلقش شغلك فى ايدي امينة .. امينة رزق
ضحكت بسنت وقال كريم:
_ سخيف .. معلش يا بسنت بس اهو العينه هتقدري تتعاملي مع السخافة دي .؟
نظر اليها زين بملامح براءه وضحكت :
_ بالعكس دمه خفيف .. انا متاكدة هنبقى اصحاب اوي كمان .
_ احنا خلاص بقينا هاتي رقم موبيلك .. عندك فيسبوك وانستجرام
ضحك كريمك
_ منجز ابن اخويا مبيضيعش فرصة ..
منذ انتهاء الدراسة وانقسمت ايام مريم بين المطعم وبين السطح .. كانت تقضي نهارها فى المطعم وحركة الزبائن تساعد ملك وعائلتها كما العادة تتنقل بخفة بين الطاولات والمطبخ تعطي تعليمات وتبتسم فى وجه الجميع ثم تعود مع بداية الغروب وذهاب الشمس الحارة تفرش الارض بالاوراق والالوان وتستقبل أطفال الجيران ليقضيا وقتًا ترفيهي بين الالوان والرسومات وبعد ذهابهم كانت تقضي لحظات خاصة لترسم فى المرسم وتغرق فى عالمها او قضاء بعض الوقت مع زين لمشاهدة فيلم او ليتبادلا اطراف الحديث بينهم كالعادة .. اما زين فكان يومه مزدحمًا وأكثر شاقًا .. كان يتنقل بين القاهرة والاسكندرية ليتابع مع كريم اجراءات وتجهيزات الافتتاح المقر الجديد وكان يقضي فى المطعم وقت قليل ولكن كان ينتهز لحظات لاطمئنان ع مريم وقضاء بعض الوقت بمفردهما ..
ذات مساء على السطح كان الأطفال يجلسون على الأرض فى دائرة غير منتظمة وأمامهم أوراق وعلب ألوان مفتوحة .. مريم تجلس بينهم وابتسامتها الدافئة تحيطهم فيما يدها تتحرك بهدوء لمساعدة الطفل الصغير (ماهر) فى تلوين رسمته .. ماهر طفل مريض سرطان اصرت مريم على تواجده بين الاطفال وذلك كان يساعد الطفل نفسيًا .. تكرر تواجده مرتان وكانت مريم تهتم به اهتمام خاصة وتساعده على الاندماج مع الرسم والالوان والاطفال حتى .. فجأة انفتح باب السطح وظهر زين ويحمل في يديه أكياس مليئة بالحلويات والالعاب لاطفال .. التفتت مريم اليه ولمعت عيناها بفرح مفاجئ ف ابتسم لها وهو يقترب وقال :
_ يا ناس يا عسل زيزو وصل ..
تجمع حوله الاطفال لترحيب به ووزع عليهم الحلويات والهدايا واقترب الى ماهر وجلس بجانبه وماهر رفع عينيه اليه ب ابتسامة خفيفة واعطاه زين لعبه وحلويات :
_ كابتن طيار ماهر محمد عامل ايه انهاردة ؟
ابتسم الطفل :
_ الحمدلله ..
قال زين :
_ ماشاء الله انت احسن بكتير من المرة اللى فاتت .. ايوه كدا عاوزين دايما تكون احسن
تحدثت مريم:
_ انت جيت امتى ؟ لما كلمتك وسألتك انت جاى قولتلي الفجر .
_ ارجع يعني .. خلاص راجع ..
امسكت يده.:
_ بطل غلاسة ..
_ بصراحة خلعت من كريم قولت اريح يومين قبل الافتتاح .
لاحظت مريم الكاب على رأس زين :
_ لدرجة دى الشمس مضايقاك.
_ انتى هبله شمس ايه وفين احنا بليل ..
_ قول لنفسك لابس كاب ليه بليل خير ..
_ بخبي عيوني ليسحروكي ..
_ يا عسل ..
نزع زين الكاب بهدوء وانكشفت رأسه بدون شعر .. لقد قام بحلق شعره تمامًا .. التفتت مريم اليه باندهاش واتسعت عيناها حين لاحظت التغيير الذي لم تعلم عنه شئ ولم يخبرها زين به .. لم ينظر زين اليها بل ظل يبتسم وهو يوجه عينيه نحو ماهر الذي رفع راسه وحدق بزين بدهشة طفولية وصمت عميق .. قال زين :
_ ايه رايك يا ماهر .. بقينا زي بعض اهو ..
صمت ماهر واستكمل زين :
_ مش انا قولتلك انت زي اى طفل وقولتى لا لان معندكش شعر وهما عندهم .. اهو انا كمان معنديش شعر ايه رأيك ؟
اجابه ماهر :
_ بس شعرك هيطلع تاني ..
_ وانت كمان شعرك هيطلع تاني احلى من الأول .. انت اتشجع وخليك قوي خلص علاجك وشعرك هيطول وهيبقى احلى وكلنا حتى ميما اللى فرحانه بشعرها دا هتغير منك من جمال شعرك( غمز له ) والبنات هتدوب فيك ..هتشوف وهتقول زيزو قال .
ابتسم ماهر وارتمى فى حضن زين وضمه زين للحظات وقال :
_ ها يلا وريني رسمت ايه ..ارسملى طيارة عشان مش عارف يلا وانا هلونها ..
زين مد يده الى الالوان وبدأ يشارك ماهر التلوين بينما مريم تراقب المشهد بقلب يغمره التأثر وقد ادركت فورًا سبب قص شعره وهو دعم لماهر لحالته النفسية .. امتلأ المكان بصوت ضحكات الأطفال لم تقطعه سوى لمحة الامتنان فى عيني الطفل والابتسامة التى لم تفارق وجه مريم وزين ..
بعد مغادرة الاطفال عم السطح هدوء لطيف لا يقطعه سوى صوت حركة مريم وزين .. تحرك زين ومريم بخفة بين الاركان يلتقطان الاوراق المتناثرة ويرتبان أدوات التلوين والكراسي الصغيرة وعلى وجههما ملامح تعب ممزوجه بسعادة ورضا داخلي .. انهيا التوضيب والترتيب جلسا على الاريكة وامامهما كوبان من الشاى وقالت مريم :
_ انت فاجئتني انهاردة اوي بجد ..
ضحك زين وقال :
_ اى خدمة مع زيزو المفاجاءات مستمرة .
_ بس حركة جميلة اللى عملتها تحلق شعرك بالشكل دا عشان توصل لماهر ان معندوش شعر حاليًا عادي بسبب علاجه الكيماوي .
_ بصراحة يا مريم.. المرة اللى فاتت كلامه وجع قلبي وهو شايف الاطفال طبيعين وهو حاسس انه مش زيهم .. انتى كانت فكرتك حلوة انك تصممي انه يكون معاهم عشان يحس انه طبيعي لكن غصب عنه بيبص وشاف .. لما اتكلم معاكي كلامه ضايقني .. ولما احنا اتكلمنا مع بعض انتى اوحتيلي بالفكرة .
_ انا .. ازاى ؟
_ قولتى انك طالع فى دماغ تحلقي شعرك .. قولت لا ازاى ميما اجدع مني هتضحي بشعرها اللى مكلفاه ميزانية لوحدها .. ضحي يا زيزو هي مش احسن منك ..
ضحكت مريم واستكمل :
_ وقولت المرادى على طول اجاى حالق عشان مش عاوز اتفاجئ فى مرة وانتى بلاطه ع الاقل الشعر اللى بيحسسني انك بنت هتشيليه خالص مش هتفرقي عن كرم حاجة .
خبطته فى كتفه وضحك:
_ لذيذ طول عمرك
_ ورايق لو سمحت الجملة حته واحدة كدا .
ضحكت مريم:
_ بصراحة انا كنت مستبعدة انك تضحى بشعرك دا انت كنت بتهتم به ولا اكنه ابنك الصغير ، داانا اهتمامي بشعري ميجش ربع اهتمامك .
تبدلت ملامحه :
_ بس بقى بس بقى متفكرنيش .. بس مش مهم فدا ماهر وفداكي .. اهو اعتبري شعرك اتقص عشان احساسك انك مقصرة دا هيخليكي تتبرعي بكليتك فى مرة .
خبطته مره اخري :
_ والله انت رخم .
_ انا وانت واحد يا شق .. شعري هو شعرك .
نظرت اليه مريم لثوانٍ وقالت :
_ انت عارف انك اكتر شخص بحبه فى الدنيا
_ لو محبتنيش انا هتحبي مين عم عوض .
ضحكت مريم وقال زين :
_ وانتى كمان اكتر انسانه ممكن اعمل عشانها اى حاجة وكل حاجة بس عشان اشوف ضحكتك دي ..
احرجت مريم وقال زين بنبرة قلقة :
_ ميما ..
_ ها ..
_ هو ممكن تحبي حد اكتر مني ؟
تفاجأت مريم من السؤال :
_ ليه بتقول كدا ؟
_ يعني سؤال جه فى بالي فى قاعدة الروقان دي يعني انا مثلًا مفيش حد هحبه اكتر منك لانك اكتر حد بحبه فى حياتي .
ابتسمت مريم وقالت :
_ القلوب عند بعضها
ابتسم زين وقال :
_ انا جعان تيجي اطلب اكل ولا ننزل ننطلق فى الشارع .
_ لا مش قادرة .. ننطلق هنا مكانا فى المخبأ بتاعنا .
_ اى مكان بنكون مع بعض بيكون بتاعنا بوضع اليد
_ سطو مسلح عصابة زيزو وميما ..
_ اوعي وشك ..
ضحكت مريم وقال زين :
_ اختارلينا فيلم حلو كدا وانا هطلب البيتزا ..
_ خليها سندوتشات وانا اللى عازماك
_ لا هاكل بيتزا وانا اللى عازمك يلا ..
جلس زين ومريم على السطح تحت أضواء خافتة تتوسطهما علبة البيتزا مفتوحة ينبعث منها رائحة شهية وامامهما اللابتوب يشاهدان فيلمًا .. ضحكات خفيفة تتسلل بين المشاهد ونظرات متبادلة تنعكس فيها راحة وسكينة وبدأ وكأنهما أنفصلا تمامًا عن الضوضاء الخارجية يعيشان لحظتهما بكل تفاصيلها ..غارقين فى عالم صغير من الدفء والمشاركة ..
سافر زين الى القاهرة لمقابلة كريم .. استقبله كريم ب ابتسامة ودودة وفجأة حين نزع الكاب زين تجمد كريم للحظة وهو يتأمل ملامحه الجديدة .. رفع حاجبيه باستغراب وهو يحدق فى زين :
_ ايه دا يا ابني .. ليه كدا ؟
_ مش دايما تقولى انت وحودا ابدأ من تحت اهو بدأت من البلاطة ونزرعها مع بعض بقى .
ضحك كريم :
_ لا بجد ليه كدا انت اول مره تعمل كدا ؟
حكى لكريم عن ماهر والموقف ومريم ونظر اليه بتعجب :
_ موقف جميل .. بس مش فاهم يعني ايه حلقت شعرك عشان مريم ممكن تتهف وتحلق شعرها .. انت فكرت فيها ازاى ؟
_ زي مابقولك.. ممكن فى لحظة تعاطف وعشان متحسش بتقصير ممكن تعملها وانا مش طالبه معايا مفاجأتها .. انت ناسي لما اتبرعت بالدم كذا مرة فى اليوم ووقعت من طولها .. لا هي تعملها انا عارف تربيتي وحافظها .
تحدث كريم تلقائي :
_ عشان مريم تنط فى البحر ؟
_ من غير تفكير
_ دا حب ولا ايه ؟
صمت لثوانٍ:
_ ايوه بحب مريم .
قالها بنبرة غير المعتاده اشعرت كريم بغرابة .. نظر الى زين وقبل ان يتحدث سمعا صوت بسنت تقترب منهم والتفتوا اليها :
_ اتاخرت عليكم ..
_ لا مفيش تاخير ..
نظرت الى زين وتفاجأت :
_ ايه دا ؟
_ الجو حر وانتى عارفه الانسان بيطيق نفسه بالعافية
_ لا بجد..
_ الحقيقة عشان اغريكي ..مش انتى بتحبي فان ديزل ؟
ضحكت بسنت:
_ ايوه
_ عملتلك فان ديزل مصري ايه رايك .
_ والله انت فقر ..
_ طيب بصي كويس كدا بزمتك انا ولا فان ديزل بصي كويس .
ضحكت وتحركت برفقة زين وظل كريم ينظر الى زين بنظرات تعجب ودهشة ، راوده احساس غريب من زين ..
في الاسكندرية ..
مريم فى المطعم كعادتها كل صباح .. دخلت الى المطبخ تتابع الوصفات ثم خرجت بخطى هادئة تحمل فى يدها قائمة الطعام وتتفقد الطاولات بعينيها ثم توقفت فجأة .. اتسعت عيناها قليلًا ثم تجمدت فى مكانها وكأن الزمن توقف للحظة .. على أحدى الطاولات يجلس ايهاب مختار يرتشف قهوته ويقرأ فى كتاب لا يدري بوجودها .. عيناها معلقتان عليه تحاول استيعاب وجوده امامها شخصيًا .. اقتربت نحوه بخطوات مترددة ووقفت امام الطاولة التى يجلس عليها ايهاب وقالت ب ابتسامة :
_ صباح الخير ..
رفع ايهاب عينيه نحوها ببطء وما إن التقت نظراته بعينيها حتى ارتسمت ابتسامة دافئة على وجهه ظهرت معها غمازته المعهودة وقال بصوت هادئ :
_ مريم .. صباح الخير ..
_ ممكن اقعد ..
_ طبعًا اتفضلي ..
جلست : انا مكنتش مصدقة ان انه بجد..انت هنا ليه ؟
_ وحشتيني