رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و الواحد و الستون 161 بقلم اسماء حميدة

 رواية عشق لا يضاهي الفصل المائة و الواحد و الستون


بمعنى آخر كانت محاولات سيرين الصغيرة للتمرد أشبه بلعب طفلة على حافة بركان نائم... فظافر في الوقت الراهن يتسامح يتغاضى أو يتظاهر بذلك... لكنها كانت تعرف تعرف تماما أن التسامح له عمر وأن الصبر عند الرجال ليس فضيلة... بل مهلة... ومتى انتهت المهلة سيتهشم ما تبقى من زواجهما كمرآة سقطت بعد طول توازن هش.
لم تكن سيرين غبية بل كانت تقرأ ما لم يقال وتفهم ما وراء الكلمات... ماهر لم يلمح... بل أوصل الرسالة بكامل جفافها.
رفعت رأسها فرمقتها عينا ماهر من خلف زجاج نظارته ذات الإطار الذهبي الرفيع.
سألته سيرين بنبرة صافية لكنها مغلفة بكمين داخلي
سيد ماهر هل لك أن تخبرني... هل لديك حبيبة أو زوجة
لمعت عينا ماهر ليس بوميض الحنين بل بانزعاج من سؤال لا يليق بمقام الحوار الإداري.
أجاب بجمود
لدي خطيبة.
كلمة خرجت منه كما تخرج الأنفاس المترجرجة من صدر مكتوم وكأنها لا تعني له أكثر من توقيع على ورقة مؤجلة.
في أعماقه شعر بشيء من العجز وهو ينطق الكلمة خطيبة.
تلك المرأة الطفولية كما يصفها كانت تشتعل غضبا من أتفه الأسباب تقفز من كلمة إلى خصام كانت علاقتهما تتراقص على حافة الانهيار فلمجرد أنه اضطر لإلغاء موعد بسبب ضغط العمل أعلنت في لحظة مزاج مضطرب أنها لا تريده
كأن الزواج لعبة تعاد فيها القواعد كل ساعة.
قالت سيرين بوجه لا يحمل سوى الغموض وبصوت فيه لمسة سخرية لاذعة
لا بد أنها معجبة بك كثيرا... أليس كذلك
لكن ماهر تماما مثل ظافر لم يعرف يوما كيف يطوب لنفسه موطئ قدم في قلوب الآخرين.

.. يعبر على الناس كما تعبر الريح الباردة من دون أن تترك دفئا فقط قشعريرة... لم يكن يتخيل أن أحدا قد يحبه فعلا وربما لم يكترث.
أجاب ماهر بجفاف قاطع كمن ينهي نقاشا داخليا طال أمده
نحن متوافقان لا أكثر... لا أستطيع القول إن بيننا حبا.
رمقته سيرين بنظرة مطولة ثم علقت بعبارة خفيفة لكنها كانت تشبه الصفعة
آمل أن تحافظ على هذه العقلية.
ثم انحنت برأسها وعادت إلى أوراقها كأن لا شيء حدث.
لم يفهم ماهر تماما مغزى ما قالته... ربما ظنها تجامل أو تسخر أو تعلن انسحابها من سجال غير متكافئ... 
لكنه لم يسأل ولم يعلق... الصمت كان رده الوحيد كمن تلقى ضربة ولم يعترف بوجعها... وحين غادر مكتب الرئيس التنفيذي والتقط هاتفه ظهرت على الشاشة رسالة من خطيبته
أنت تعمل ساعات إضافية من جديد! ما هذا وظيفة أم زواج دائم لماذا لا تتزوج الشركة لا أريد الاستمرار معك.
شعر ماهر بحرارة تتجمع في صدغيه كأن العروق هناك تهمس
انفجر.
زفر بضيق مكتوم ثم كتب برد بارد كثلج مسموم
ها نحن نعود مجددا إلى نوبات الغضب المعتادة.
وألقى بالهاتف جانبا.
لو كانت لا تريده فليكن.
فهو لم يكن عاجزا عن إيجاد زوجة أخرى... ولو كان يعلم أنها بهذا القدر من الطفولة لما أضاع دقيقة في مطاردتها من الأساس... لكن في داخله ظل صوت صغير يهمس لا باللوم... بل بالخذلان... صوت يشبه سيرين يشبه كل النساء اللواتي تجاهلهن ثم عادوا رجالهن ليبحثوا عنهن في أنفسهم حين فات الأوان.
أما بالداخل لم يغادر ظافر وكارم مكتب الرئيس التنفيذي حتى منتصف
النهار وذلك بعد أن امتصت الجدران حديثهما كما تتشرب الأرض المطر دون أن تفصح عن السر الكامن تحتها.
سار الرجلان معا بخطى هادئة ووجوههما قناعان محنكان من البرود لم يفضح أي منهما عما دار بينهما في قاعة الاجتماعات كأن كل كلمة نطقت هناك دفنت في تابوت من الصمت المهني.
لكن قلب سيرين لم يكن مهنيا... كان قلبا حيا يتلوى على جمرة القلق إذ كانت تراقب كارم بعين تعرف جيدا كيف يكسر الرجل بصمت وكم من باب أغلق في وجهه بسبب نفوذ ظافر... ذاك النفوذ الذي يتسرب في شرايين الدولة كما يتسرب السم في جسد الضحية النائمة.
وحين خرج كارم التقطها من بين الحشود كما تلتقط اليد وردة من حقل شوك.
اقترب منها وعلى وجهه مزيج من التعب ثم همس لها بصوت مشبع بالحنين المكسور
فلنتناول الغداء معا.
لم يكمل... لم يقل شيئا عما حدث بينها وبين ظافر.
رفعت عينيها نحو باب المكتب حيث تركت خلفها كيانا يشبه القفص نظرت خلف كارم كأنها تسأل عن الغائب الذي لا يغيب.
فقال كارم بابتسامة مطمئنة وعينه تقرأ وجعها قبل أن تنطقه
لا تقلقي ظافر ما زال مشغولا في الداخل... ألم يقل لك أن ترافقيني
كأنه أراد أن يمنحها شرعية الرحيل حتى لو كانت الشرعية مجرد وهم.
أومأت برأسها ومن ثم جمعت أوراقها على عجل وكأنها تخفي جريمة هروب... ثم تبعته إلى خارج المكتب تاركة وراءها أنفاسا ثقيلة وأعينا كثيرة لم تخفض بصرها.
وما إن غادر الاثنان حتى ارتفع همس السكرتيرات في الردهات الجانبية كأن الغياب أشعل فضول الحاضرين... فتساءلت إحداهن وعيناها تلمعان بالخبث
من
تكون هذه السيدة تهامي تعمل مع السيد ظافر لكن يبدو أن ثمة رجلا آخر سيفقد صبره!
كلماتها كانت كالعطر الرخيص... نفاذة تلتصق بالهواء.
غالبيتهن لم يكن يعرفن سيرين فقد عين ظافر موظفين جددا في السنوات الأخيرة وكان يشتهر بمعاييره الصارمة يقصي من لا يجيد الصمت أو لا يتقن الأداء... وباستثناء ماهر لم ينج أحد من مقصلته الإدارية طويلا... لكن من بين الجمع كانت هناك واحدة... أكبرهن سنا وأبردهن لسانا وضعت ذراعيها على صدرها وقالت بسخرية خافتة
ألا تعرفنها إنها الزوجة السابقة للسيد ظافر.
سقطت الكلمات كالحجر في بئر الصمت
توقف الهمس.
تبادل الجميع النظرات... وكأنهم سمعوا حكاية من عالم الأشباح.
همست إحداهن بدهشة
ألم تخبرنا الملفات بأنها... ماتت
هزت الموظفة الكبيرة كتفيها ولوحت بيدها كأنها تمسح الغبار عن الحقيقة
من يدري يبدو أن الموت لم يعد دائما كما كان.
ثم انحنت إلى الحاسوب وقالت ببرود قاتل
كفى ثرثرة وعودي إلى عملك.
لكن برودها الخارجي لم يخف الجمر المتقد تحت جلدها... فهي في قرارة نفسها لم تكن ترى في سيرين سوى دخيلة.
امرأة ساذجة ضعيفة السمع خافتة الحضور بلا نفوذ بلا صفة... ولا تستحق رجلا مثل ظافر.
في نظرها كانت سيرين شذوذا في معايير ظافر الحديدية خطأ إداريا تسلل من فجوة في النظام.
أما في الداخل حين خرج ظافر من قاعة الاجتماعات وعلم بأن سيرين قد غادرت مع كارم... لم يتفجر غضبا... لم يكسر شيئا... لم يرفع صوته.
بل التفت إلى حارسه الشخصي وأمره ببرود جليدي لا يخلو من العنف الصامت
أرسل
إلي موقعهما.
صمت كالسيف لا يشهر إلا بحساب ليذبح من يطاله.
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1