![]() |
رواية وصمة قلب أسير الفصل السادس عشر بقلم رباب حسين
سقط بين يديها كزهرة اقتلعت من جذورها قبل الأوان...كان لا يزال دافئًا لا يزال يحمل ملامح الحياة... احتضنته كأنها تحاول أن تعيده إلى الحياة بعناقٍ واحد... أن تقنع الموت بأنه جاء مبكرًا أو أنه طرق الباب الخطأ لكن الموت لا يُفاوض ولا يُخطئ..... كانت الدماء تتسلل من صدره ببطء كأنها تحاول البقاء لأجله لكنها في النهاية خانته كما خانته الدنيا ودفع ثمن أخطاءهم جميعًا.... بقيت تُحدق فيه تلامس وجنتيه بأطراف أصابعها المرتعشة وتهمس له بكلمات الحب كأنه لا يزال يسمع كأنه سيجيب
ريماس في بكاء : قوم يا ريان متسبنيش.... مش هعرف أعيش من غيرك..... أنا ملحقتش أودعك..... ملحقتش أشبع منك..... إنت كنت واحشني أوي
لكن الجواب الوحيد... كان صمتًا أعمق من الفقد وأقسى من الموت... رحل بين يديها وتركها تحمل موته كندبة لا تشفى كقصة لا تنتهي
كنا توأمًا... لا بالملامح فقط بل في نبض القلب في الفكرة قبل أن تُولد في الضحكة قبل أن تُسمع كنا جسدين ولكننا كنا نعيش في جسدٍ واحد من الداخل كنت أظنه لا يفارقني إلا بالغضب العابر أو بالنوم في الغرفة الأخرى لكن ما كنت أتصور أن يفترق عني إلى الأبد... برصاصةٍ واحدة بلا وداع.... كان في المكان الخطأ في الزمن الخطأ.... كأن القاتل لم يقتل جسدًا فقط بل قتلني أنا أيضًا سقط هو وسقطت معه من الداخل وبدأت أشعر بأن صوتي يردد في الفراغ بلا صدى وأن الخطى التي أسمعها في الممر لم تعد خطانا معًا بل صدى الغياب فشعرت عندما رأيته أمامي يلفظ بأنفاسه الأخيرة وكأن روحي تغادر جسدي..... أسمع نحيبها وأرى ألمها وعيني معلقة به فقط ولا أشعر بما حولي وفجأة أخذني العسكر إلى سيارة الشرطة وأنا أنظر إليه فقط
أمسك تيم بريماس التي ترفض أن تتركه فاقترب منها أسعد وهو يبكي في حزن عليه ويحاول أن يبعدها عنه وبعد عدة محاولات تركته وهي تصرخ في ألم ثم فقدت وعيها بين يدي أسعد فحملها وووضعها داخل سيارته أما تيم فظل مع جثمان ريان حتى حملته العساكر وذهب معهم إلى قسم الشرطة أما أسعد فأخذ ريماس وأعادها إلى منزلها وعندما رآها السيوفي ركض في فزع وهي محمولة بين يدي أسعد فقال له : إهدى متخافش..... هي مغمة عليها بس
وضعها أسعد على الأريكة ونظر إلى السيوفي وقال له في صوت مخنوق : أنا أسعد عبد القادر اللي بعت لحضرتك الأدلة على جرائم عوني
ثم بكى وقال : وديه الحاجة الوحيدة اللي هفضل ندمان عليها طول عمري..... عشان بسبب اللي عملته ريماس بعدت عن ريان وفي النهاية خسرت..... كنت دايمًا أسمع إن الأنتقام ليه تمن وكنت بقول لنفسي ما أنا كده كده خسرت كل حاجة بس طلعت غبي..... النهاردة خسرت أخويا قدام عيني..... البقاء لله يا سيوفي بيه.... ريان أتقتل النهاردة بين أيدين ريماس..... الشرطة أفتكرته سليم وخافو عليها ليأذيها وقتلوه... أطلبلها دكتور وربنا يصبرها
نظر السيوفي في صدمة وجلس بجوار إبنته ينظر إليها في حزن ثم أردف أسعد : ريان فعلًا مكنش زيهم.... كان غيرهم خالص وكان فعلًا يستاهلها بس القدر ليه كلمة أقوى
تركه أسعد وذهب من أمامه إلى قسم الشرطة وبعد وقت عاد في المساء إلى منزله وطلب من تيم أن يخبر أمال بموت ريان وبالقبض على سليم أما هو فحاول بكل الطرق أن يبحث عن طريقة ما ليخبر عبد القادر بموت ريان ولكن لم يجد فكل الطرق ستؤدي حتمًا إلى حزن جسيم سيخيم على قلبه بفقد إبنه الثاني
صرخة أب فقد إبنه الذي تربى بين يديه.... كم كان خير السند ونعم الإبن ولو لم يكن إبنه حقًا وفي المقابل صرخة أم فقدت كل شئ..... كان كحلم جميل جاء لحياتها ليعوضها عن زوجها المخادع وولدها الذي كان يعاملها كأنها ليست بالشئ المهم في حياته ودائم الإنتقاض لها ورأت عوض الله فيه..... تصرخ وتبكي ويمر أمامها إبتسامته لها ذكرايتهما القليلة معًا وما قاله لها بالأمس "زعلانة ليه أنا معاكي وربنا أراد إننا نفضل مع بعض على طول.... يارب بس متزهقيش مني لإني مش ناوي أتجوز"
تنظر إلى المنزل الصغير الذي أشتراه لها قبل رحيله وكأنه يعطيها أخر ذكرى له معها.... يتردد في أذنها صدد صوته وهو يقول "أمي" كم عشقت هذه الكلمة منه...... كم شعرت بالدفأ عندما سمعتها لأول مرة..... وظلت تنظر إلى السماء وهي تصيح بكل صوتها : يااااارب
حاول تيم تهدئتها ولكن دون جدوى ثم لاحظ عليها التعب الشديد فطلب لها سيارة الإسعاف التي حملتها ووضعت تحت الملاحظة داخل العناية المركزة
أما سليم فكان يجلس بغرفة الضابط ينظر إلى الفراغ أمامه لا يتحدث ولا يشعر بأي شئ حوله ولا يرى أمامه سوى ريان وهو مقتول والدماء تسيل منه ووجهه الذي فقد الحياة وبعد وقت دخل الضابط وجلس على مكتبه وبدأ التحقيق معه ولكنه لم يجيب على أي من أسئلته وشعر بأن الحزن يسيطر عليه فقرر تأجيل التحقيق معه في الوقت الحالي ويتركه كي ينال قسط من الراحة حتى الصباح وطلب من العساكر أن يأخذوه إلى غرفة الحجز وبالفعل تم أخذه إلى هناك وعندما دخل الغرفة ورآه كل من قناوي وتاجر الآثار ورجالهم هجمو عليه في غضب وظل ينظر إليهم ويقول : فيه إيه؟ أنا معملتش حاجة
قناوي : فاكر إنك عتنفد مني عاد؟ عايز تبلغ عنينا وتاخد الفلوس وتهورب بيها..... أنا أعترفت عليك عشان تيجي تشرف معانا إهنيه وأخد حجي منيك بيدي
سليم في ذعر وهو ينظر إلى الرجال الذين يمسكون به ليضربوه وقال : مش أنا اللي بلغت والله.... والله ما أنا اللي بلغت
ولكن لم يصدقوه وضربوه ضربًا مبرحًا ولم يتركوه إلا وهو فاقد الوعي وتركوه ملقى بالأرض إلا أن قام أحد المسجونين بالنداء على العساكر كي يأخذوه من الغرفة حتى لا يموت بينهم.... جاء العسكر وطلبو له الإسعاف وأخذوه إلى المشفى تحت الحراسة
مر يومان وجاء موعد دفن جثمان ريان ووقف كل من أسعد وتيم وعبد القادر الذي يجلس على كرسي متحرك والسيوفي وريماس وأمال
وقفت ريماس بجانب أمال تحتضنها وتبكيان معًا حتى تم الدفن ثم إلتفتت إلى الرجال ولاحظت الحزن يخيم عليهم فقالت لهم في غضب : دلوقتي زعلانين..... دلوقتي واقفين على قبره وبتعيطو..... حد فيكو فكر فيه
ثم وقفت أمام عبد القادر وقالت : فكرت فيه وإنت واخدو من حضن الست ديه وهي فاكرة إنه ميت بس عشان تنتقم لنفسك وخليته أداة في إيدك وتضغط عليه إنت وإبنك عشان يعمل أي حاجة ترضيكم.... عشان يحس بس بحبكم ليه ويملى الفراغ اللي جواه وهو قلبه حاسس إنكم مش عيلته
ثم وقفت أمام أسعد وقالت له : وإنت.... فكرت فيه وإنتي بتخرب بينا عشان بس تنتقم.... فرحان دلوقتي إن العيلة إتفككت..... الراجل مات وإبنه حصله والتاني مرمي في المستشفى ومسجون..... واللي مات فيهم مظلوم وجعك أكتر منهم عشان عاش عمره كله معاك فاكر إنك أخوه..... قولولي إستفادتو إيه؟!
اقترب منها السيوفي وأمسك يدها وقال في حزن : كفاية يا ريماس
دفعت ريماس يده في غضب وقالت : لا مش كفاية..... إنت كمان حاسبته على غلطهم كلهم..... هو غلط في إيه؟ ريان معملش أي حاجة في حياته غير إنه كان بيدور على حد يحبه بجد ولما لقينا بعض فضلتو ورانا لحد ما فرقتونا وأدي النتيجة.... بص مدفون تحت التراب.... زعلان ليه بقى؟ مش كنت مش عايز تجوزهولي عشان سمعتك في السوق..... خلاص عمري ما هتجوزه.... الموت فرق ما بينا..... بس خلاص.... مش هخلي أي حد يتحكم في حياتي تاني.....وهسيبلك الشركة والبيت والدنيا كلها وهمشي..... عشان سمعتك اللي أهم مني متبقاش في الأرض.... ولو حد سألك عني قولهم ماتت وراه
ثم ذهبت إلى أمال وأمسكت يدها وقالت : أنا هفضل مع الست ديه.... عشان محدش هيحس بوجعها غيري ولا حد هيحس بوجعي غيرها..... هي خسرت كل حاجة وأنا كمان وهفضل جنبها يمكن أقدر أعوضها عن غيابه وعشان لو هو موجود مكنش هيسيبها لوحدها أبدًا
ذهبت ريماس مع أمال تحت نظرات السيوفي والندم يسيطر عليه.... فقد ريماس ولا يملك أي طريقة ليعوضها عما تشعر به.... دخلت المنزل الصغير الذي تمكث به أمال وبعد أن دخلت أمال غرفتها ظلت بجوارها..... نظرت لها أمال في حزن وقالت : معقولة يا بنتي هتسيبي أبوكي وتقعدي معايا؟
أمسكت ريماس يدها وقبلتها وهي تبكي وقالت : اه هفضل معاكي ومش هسيبك أبدًا.... إنتي محتاجة حد جنبك وأنا طول عمري نفسي يبقى ليا أم ولما ساعدتيني عشان أعرف أبعد عن سليم وجمعتي بيني وبين ريان حسيت لأول مرة إني مش لوحدي..... ودلوقتي مش هقدر أخسرك كفاية إنك أم الراجل الوحيد اللي حبيته
أمال في بكاء : يبقى من هنا ورايح تقوليلي يا أمي زي ما الغالي كان بيندهلي
ريماس : حاضر يا أمي
ألقت نفسها داخل أحضانها وبكت في حزن وبعد قليل هدأت ريماس وأعطت الدواء لأمال ونامت ثم ذهبت ريماس إلى غرفة ريان وعندما فتحتها تخلل إلى صدرها رائحة عطره فظلت تنظر بالغرفة وكأنها تبحث عنه بكل مكان بها.... أبحث عنك بكل جوارحي وكأن عيناي لا تصدق بعد بأنها لن تراك مجددًا....
ثم ذهبت إلى الخزانة وأخرجت معطفه منها وأحتضنته لتستنشق رائحته وجلست على الفراش تبكي وإن كان قلبها لم يتوقف عن البكاء أبدًا منذ أن رحل ثم نامت على فراشه
مات ريان ولكنه كان حي بقلوب كل من أحبوه وفقدانه كان بمثابة طعنة لقلوبهم وصفعة لكي يعيد كلًا منهم حساباته
في اليوم التالي تم نقل سليم إلى قسم الشرطة مرة أخرى بعد أن إستعاد وعيه وارتاح لعدة أيام ودخل غرفة الضابط كي يتم التحقيق معه وبعد وقت طويل من التحقيق طلب تعيين محامي له وبالفعل إتصل بتيم ليحضر له محامي وقام تيم بإرساله له دون أن يذهب معه فقد إنتهى تيم أيضًا من إنتقامه وترك العمل نهائيًا ولكن فعل ذلك كأخر عمل له لدى عائلة عوني..... ذهب تيم إلى المشفى ودخل غرفة أبيه وقص له ما حدث وعلم وجيه بأن عوني قد أخذ جزاءه الذي يستحق..... حتى وإن تأخر رجوع الحق ولكن لابد أن يسود العدل بالنهاية
مضى يومان ومازال التحقيق مستمر مع سليم وفي صباح اليوم الثالث جاء إتصال هاتفي لتيم فاعتدل على الفراش واستقبل المكالمة
تيم : ألو
المتصل : أستاذ تيم وجيه؟
تيم : أيوه أنا
المتصل : مع حضرتك لطفي صادق محامي سليم عوني
تيم : أهلًا وسهلًا..... خير حضرتك
لطفي : كنت عايز أعرف رقم مدام أمال والدة سليم
تيم : تمام هبعته لحضرتك.... بس هي قافلة تليفونها من ساعة وفاة أخوه
لطفي : طيب ممكن أعرف عنوانها؟
تيم : حاضر هبعتلك العنوان
لطفي : طيب ممكن أقابل حضرتك هناك لإني محتاج أتكلم معاك كمان
تيم : طيب هقابل حضرتك هناك بعد ساعة بس خليني أوصل لمدام أمال وأخد معاد الأول
لطفي : طيب هستنى مكالمة حضرتك
أنهى تيم المكالمة واتصل بريماس وطلب منها محادثة أمال ولكنها أخبرته أنها نائمة فطلب منها أن يأتي إلى المنزل.... أنهت ريماس المكالمة واستقبلت مكالمه أخرى من السيوفي فرفضت المكالمة كما تفعل منذ أن غادرت المنزل فهي لا تستطيع مسامحة والدها على ما فعله بها وبريان ثم دخلت غرفة أمال وحاولت أن توقظها ثم أخبرتها بأن تيم يريد مقابلتها اليوم فنهضت وأخذت حمام دافئ وارتدت ثيابها وانتظرت تيم.... بعد ساعة جاء تيم ومعه لطفي وبعد أن دخلا وقدمه تيم إليها قال لطفي : أنا بحاول أوصل لحضرتك من إمبارح ولما فشلت روحت الشركة ووصلوني بأستاذ تيم
أمال : خير حضرتك.... سليم فيه حاجة وأخبار القضية إيه؟
لطفي : سليم بيه طالب يقابل حضرتك ضروري جدًا ولو حضرتك تقدري تيجي معايا دلوقتي ياريت
أمال : حاضر..... هغير هدومي وأجي معاك
نظرت أمال إلى ريماس وقالت : تعالي معايا
ريماس : حاضر يا أمي
ذهبت ريماس لتبدل ثيابها وخرجت وأمسكت بيد أمال وذهبو جميعًا إلى النيابة العامة.... دخل تيم وأمال وريماس ينتظرون بغرفة وكيل النيابة وبعد قليل جاء العسكري ومعه سليم الذي وقف ينظر إليهم ثم وقع نظره على ريماس ثم نظر إلى أمال وجثا على ركبتيه وأمسك يدها وقبلها وهو يبكي وقال : وحشتيني يا أمي..... كنتي فين أنا بقالي كام يوم بستنجد بيكي
نظرت أمال له في صدمة وقالت : ريان! ..... إنت ريان؟!