رواية من بعد خوفهم الفصل السابع عشر 17 بقلم حمدى صالح

 

رواية من بعد خوفهم الفصل السابع عشر  بقلم حمدى صالح


(مشاكسات) 

أعلن المطـار وصول الطائرة لأرض مصر؛ فكانت شمس واقفةً برفقةِ أخيها تنتظر والديها بالخارج، لم تكن مستعدةً لملاقتهما ولكنها وافقت رُبما تكذب شعورها وتهرول لناحيتهما كبقية الفتيات التي تشتاق لوالديها في غيابهم، خرج والدها حاملًا الحقائب علىٰ عربة صغيرة بينما والدتها تنظر لابنتها مِن احتشامها الزائد وثيابها الفضفاضة: 
-ما الذي فعلتيه؟! لقد تغيرتِ! 

-أنرتم الإسكندرية يا أمي، اشتقنا إليكم. 

أنهت شمس الحديث قبـل بدايتِهُ؛ لتهرول بالسيارة تحت أنظارهم، حاولت التنفس بثباتٍ وهي ترسل لمجموعة الفتيات بأنّها تحتجاهم في أمرٍ هامٍ ليلًا، اتخذت الصمت موضعًا متجنبةً الحديث عن أمورها وهي ترمق المناطق من خلف الزجاج، أماكنٌ لم تراها مِن قبل، الطرق الفارغة من الناس. 

أسندت نفسها لتذهب في قيلولةٍ قصيرةٍ هربًا من الجميع، رُبما ترتاح لبعض الوقت. 
ــــــــــــــــــــــــ
تمكث باختناقٍ تنتظر دورها في سحب النقود بدلًا من أبيها، وهي تلعن حظها علىٰ زحمة الأماكن حينما تُريد تحمل شيئًا، تارةً تنظر للورقةٍ وتارةً أخرى تعبث بهاتفها تتدرب علىٰ لعبةٍ خاصة بالديكورات؛ ليعلن الموظف دورها، أمسكت الأوراق ثُم أخرجت بطاقتها وبطاقة والدها دون النظر للموظف قائلةً بضيقٍ: 
-أُريد فتح حسابًا ليِّ وسحب نقودّا من خزانة أبي وقد كلمني بهذا وهذه الأوراق. 

أجـاب الموظف بلغةٍ جادة: 
-حسنًا، سأتأكد من الأوراق، يمكنك الانتظار. 

هدرت لدن دون النظر إليه: 
-انتظار ماذا! الساعة تقارب الواحدة وأنا هنا منذ التاسعة، ما هذه التفاهة؟!أنتم لا تشعرون بأحدٍ وتتبادلون الحديث هنا وهناك!.. 

كادت الصراخ؛ لتنصدم من هيئة المتحدث، نظرات أدهم الغاضبة وهو يقف حاملًا الأوراق؛ ليحل محلهُ صاحبهُ، سارت وراءه؛ ليشير لها بالجلوس: 
-كم المال الذي تريديه؟! 

أجابت بتلعثم: 
-نصف.. نصف المتبقي. 

أخرج النقود؛ لتمضي علىٰ الورقة حاملةً الأموال بحقيبتها، وقفت بتوترٍ: 
-شكرًا لحضرتك، ولكن لا تخبر أبي بحسابي. 

التقط السترة بمكرٍ: 
-وما المقابل في كتمات الأمر؟! لدي عندك الكثير! 

ردت بشراسةٍ: 
-لتحترق يا أدهم، قُل لمَن تريد لا أودُّ منك شيء، لستُ الفتاة الضعيفة ولا مَن تتغزل بتِلك وبتِلك يا هذا، اللعنة على الشّدة! 

صفعت الباب، لتغمغم وهي تنزل الدرج على حظها السيء، سلكت الشارع الطولي ثُم استدارت صاعدة البنية بغضبٍ جامحٍ، قبلت زوجة عمها ثُم سلمت النقود لأبيها.. لم يمر كثيرًا لتنزل تلملم بعض الأشياء من السوق ثُم مرّت علىٰ محل النظارات؛ لتستلم نظارتها، رجعت مجددًا ومِن ثُم بدلت ثيابها؛ لتستقبل الفتيات مثلما اتفق، أتت زينب بملامحٍ شاحبة تساعدها في تقطيع الفاكهة بينما هي تحضر الغذاء للجميع، لم يلبث ساعةً؛ لترى شمس حاملةً أطباق الألومنيوم جالسةً بعيدًا عنهن، كُل واحدة تحمل بجوفها الكثير من النصائب. 

حلَّ الليل علىٰ الجميع؛ ليتجمع الفتيات حول الطاولة؛ فكانت عنود تلهو مع رهف والبقية يدعون الصمت، انفجرت عنود غيظًا: 
-ما بكن يا كوارث الزمن؟! هل تعلمون أنَّ الشباب جميعهم تحت؛ فقد عزمهم مؤيد على العشاء ولم يعزمني! 

نفخت لدن وهي تمسك التفاحة: 
-اصمتِ يا شقيقتي، أنتِ تتناولين أكثر منا، اللهمّ مرَّ اليوم بسلامٍ. 

تسألت رهف: 
-وهل اليوم كان ثقيلًا يا حبيبتي؟! أم اصطدمتِ بشخصٍ ما؟! أنتن الثلاثة بكن شيء؛ فكُل واحدة تفعل مصيبة! 

وقفت لدن وهي تشير بيديها: 
-واللهِ المصيبة أنتِ! هل تعلمين أنَّ أدهم يهددني؟! هل البنك الكبير يحتاج لهذا الشاب! اصمتِ أنا أحترق غيظًا منهُ. 

-وهو يريدك بالأسفل أنتِ وشمس يا ابنه العم! 

ارتعبت لدن من نظرات مؤيد، بينما دفعتها شمس؛ لتشعر بثقل قدميها، أشار بيديه ببقاءهم؛ لينزل خلفهم، جلسـا اثنتهما علىٰ المقعد، ليبدء مؤيد بالحديث: 
-رشحتُكما في ترميم محل والد أدهم؛ فهو يحتاج للكثير من اللمسات وأعلم بشطارتكن؛ فقد علمتُ بعمل زينب ولولا هذا لجلبتُها معكما. 

شرزت لدن بعينيها بغضبٍ مكتوم لأدهم، متمتةً بضيقٍ: 
-وهل حسين يرفض العمل معكما؟! هذا اقتراح ياسر منذ شهورٍ طويلة؛ فليفعلهُ هو وأُبيِّ، سيقبضا مالًا من هذا، نحن لا نريد شيء. 

أجاب ياسر ضاحكًا: 
-أعوذ بالله مِن نظراتك يا لدن، يكفيني رهف عليِّ، وحسين سيأتي الآن ويرفض أنا أثق بهذا. 

-أنا أرفض فعلًا يا صاح، عذرًا كُنتُ أخلع الحذاء، كيف حالكم؟! 

توترت شمس قليلًا من ظهرها؛ لتطمئنها صفاء التي ضمّتها برفقٍ، سَلمَ حسين على الجميع ثم رمق شمس بحذرٍ، لاحظ تشنجات جسدها؛ ليهدر من بعيدٍ بخجلٍ: 
-هل يمكنني الولوج للمرحاض؟! فاتتني الصلاة وجائع.. 

ربت مؤيد علىٰ كتفيه: 
-البيت بيتك، ولدن ستجلب الطعام من فوق لك، لن تعترضي الآن؟! 

-لن أعترض يا مؤيد، ولكن شقيق شمس أمام الشارع وتريد الرحيل، هو خجول بعض الشيء. 

-اصنعين وجبتين لهما وسأذهب لهُ، أنتم لا تتجمعوا منذ رحيلي، وهاتِ الفتيات معكِ. 

وافقت على الفور وهي تهرول لتفعل ما أمر به، الشبابٌ يضحكون معًا ذلك الشيء الذي منع مُنذ فترةٍ عليهم، تجمعٌ أرادهُ مؤيد؛ ليتحسن الجميع بمجرد تسامرهم مع بعضهم، ترأس حسن وسليمان التجمع علىٰ يمينهم صفاء بجوارها شقيقتها صفية، رفض كريم تناول شيئًا ببداية الأمر ومع الحاح مؤيد اضطر لالتقاط لقماتٍ صغيرة مع حسين الذي نظر للصحن دون الاهتمام إليه، حاول فتح الحديث: 
-هل تجتمعون دائمًا؟! 

رفع حسين بصره: 
-لا، أنا جديدٌ عليهم فكنتُ فاسدًا، والبركة بمؤيد وياسر أصلحا حالي؛ لهذا يجبرني على المكوث وتعزيز ثقتي بعد رحيل أبي، والآن أنا بجوار أدهم نخفف جراح بعضنا وأفكر بالانتقال حديثًا بالسكن معهُ، وأنتَ؟! 

-في آخر شهر بالثانوية العامة، وليس لدي أصدقاء، أعمل بصيدلية مؤقتًا، وتعاونني شمس علىٰ الدراسة.

أخفض نبرة صوته:
-أنا أعلمك جيدًا يا حسين! 

توقفت المعلقة بحلقهِ وهو يحمد الله متطلعًا لهُ بحدةٍ، ينسى أفعالهُ فيذكرهُ أحدهم بها مجددًا، اتجه للمرحاض في صمتٍ تامٍ ثُم خرج للشرفة؛ فكانا يتناولا في غرفة مؤيد المنفصلة بالداخل بعيدًا عن الأبصار، لاحت أمامهُ صورة الفتيات وهن يصرخون بأن يرحمهن في مقابل نقودٍ يقبضها من سيدةٍ ملعونةٍ، فتاة انتحرت والأخرى محبوسةٌ في غرفتها، إن كان نصفهن غفرن لهُ فما ردُّ الباقي؟! دبدب بيديه علىٰ رأسه مِن ذعر الأيام المقبلة، كيف يمحو الظُلم وهو مَن ظلمهم؟! خرج بهيئةٍ أخرى، جالسًا بجوار أدهم، دماءٌ بسيطة تتساقط من رأسه إثر ضربتهُ؛ ليمسك مؤيد قطعة قماشة مصطحبًا حسين للسطح؛ فقد تعلم من الجيش بضع أمورًا منها إيجاد التصرف، فلم يرَ أحدًا اللون الأحمر بل همس بأذنيه متجهًا خلفه. 

استند حسين علىٰ السور يفكر في التّخلص من نفسه؛ لينتبه لصوتِ مؤيد: 
-هل أزعجك أحد بالأسفل؟! فليس من خِصالي أخذ صاحبًا ونجلس معًا دون الآخرين.. 

صرخ بوجهِ: 
-لمَ تحدثني بصاحبك؟! لمَ تثق بي؟! أنتم أفضل مني؟! ياسر، أدهم، أُبيِّ، أنت، لمَ أنا؟ 

أمسكهُ من ياقته: 
-اخفض صوتك، الجميع سيسمع ولا يعرفوا شيء، بحق الله ما هذا الجنون؟! ألا ترى نفسك بعد قرابة عامٍ من العمل، هل حدثت فتاة منذ اقترابي منك، قلتُ لك ببداية الأمر إن لم تتحمل سننفرك ونبتعد عنك ولكنك تتحمل، انكسار أدهم بالأسفل لا يبرزه، وأنت تتضرب رأسك وتصاب، إن لم تثبت أمامهم غادر ولن نلح عليك يا حسين، أما تصرفاتك الماضية فلا حسب كانت مراهقة وتبتُ لله، لم تترك بابًا إلا وفتحهُ الله أمامك، فماذا يحدث معك؟! هل سترسم ابتسامة مصطنعة يلاحظها الشباب؟! هل ستخبر أبي وعمي بأنّكَ سيء الأخلاق وأذيتُ الإناث بالخارج وبالداخل؟! قُل ليّ! أنا لا أدخل أحدًا غرفتي إلا الأمين، انظر للسماء وتأملها  لدقائق قبل أن تنزل؛ فأنت لن ترد مثلما تخفض نظراتك أمام شمس، إياك أن تنظر وتقلل من كرامتك أمام فتاة، خمسُ دقائق وأراك تناقش وتتحدث مثلما تفعل، هناك مرحاض على يديك اليمنى إن احتجت. 

تركهُ مؤيد عائدًا لهم وهو يثرثر متجاهلًا نظرات أُبيِّ، انضم حسين مجددًا؛ غمغم أدهم بسؤالٍ: 
-هل تشاجرت معهُ؟ إنهُ وحش يا رجل لا تقترب منه.. 

هدرت لدن وهي تضع أكواب العصائر بمنتصفهم: 
-انتهى الشرب والأكل، لمَ أنا أنظم محل هذا؟! ولمَ شمس؟! 

ردَّ أدهم: -قاطعة اللحظات أقسم لكم. 

-أنا لا أمزح مع الغريب؛ فمِن فضلك لا تتحدث إلا في شأن العمل، ولكي أُنهي الحوار نحن موافقتان على الأمر مقابل عشرون ألف، هل هناك شيءٍ آخر؟! 

-هل يمكنني قول شيء إن سمحتم؟! 
قالها كريم في محاولةٍ؛ لتخفيف الأمر.. ليوافق سليمان مردفًا: 
-لم يحترموا الكبار وأنت تستأذن، قُل يا بني.. 

-لا يا عم، هم مثقفون وزادهم الله مِن علمهم وابتكارتهم، لكن المشاحنة بين لدن وأدهم ستفسـد العمل من البداية، هي لم تكسف أحدهم بل ردت باحترامٍ ممتليء بالجمود ولو أغلقت بابًا في الماضي لن تغيرهُ من أجل حديث لين، حتى في طلبها للرقم فهو قليل للغاية مقارنة بأسعار السوق المحلية، أعتذر من حديثي ولكنني صريح، شمس تبتكر تطبيق في الديكور وتصميم الأزياء لهذا لن ترفض، أما لدن فأنا لا أعرفها ولكن من حديث شقيقتي؛ فهي ذات سيطٍ قليلٍ عبر الانترنت ربما أرادها في شيءٍ هامٍ متعلق بأبيه، أنا ليس لدي مشكلة معكم وأنتم تحبون بعضكم، فلا تلوموا لدن علىٰ حديثها هي صواب، ربما لو اجتمعتم بمنزلنا لثارت شمس، يمكن مشاركة زينب معهم في الليل والموضوع لن يأخذ أكثر من أسبوعين؛ فوالدك اهتم بمظهر المحل قبل رحيله وبهذا لن تتشاجروا، وأنا استأجرتُ المحل المجاور منذ عامٍ ساعدني أبي به، يمكن لفتيات عائلتكم بيع الثياب الفضفاضة وتصميمها وبهذا كبرت الأفكار، ولك عندي حينما انتهي من اختبارتي سأقف لك بالمتجر، أنا أعمل بالصيدلية المجاورة بنفس الشارع ليلًا والسيدات تشتري الثياب في الصباح الباكر أيام العيد، وبهذا لن توجد مشكلة. 

لمعت عيناي صفاء قائلةً بفخرٍ: 
-أنت حكيمٌ كاسمك يا كريم، بورك بعمرك وعلمك. 

-موافـق.

كلمةٌ فاصلةٌ نطقها أدهم وهو يستأذن بملامحٍ مكتومةٍ من الغضبِ، أراد الرجوع لمنزله سريعًا؛ كي ينفض ما حدث، ليست لدن الضعيفة بل ترد بقوةٍ وفخرٍ، زفر باختناقٍ وهو يوصد غرفتهُ مغلقًا الهاتف والباب بإحكامٍ؛ فقد أعطي لأخيه المفتاح إن أراد المبيت معهُ، يتلو القرآن ويشكره على نعم الدنيا ووجود شقيقٌ بالرضاعةٍ يسندهُ فيمَ يريد، خالتهُ ووالدة مؤيد بجوارهِ، حسين الذي دفعهُ في ممارسة الرياضة لوقتٍ معينٍ بالأسبوع، رمق مذكرات أبيه بالخزينة اليمنى؛ ليحملها برفقٍ متجهًا للفراشِ، لم ينسَ نظرات لدن حينما صُفعت، ولكنهُ لم يقترف سوءًا بها، حمايتها أمرٌ هامٌ لهُ.

هي الحياة! هي حبيبتهُ رغم أي شيء! وهو يخشى المجازفة! لم يهتم لأُبيِّ بقدر التفكير بأمر نفسه، كيف ستفعل إن علمت بأمر الخطبة؟! بعدما جلس والدهُ قبل عامين مع والدها بألا يتم شيء حتى تتم دراستها، وها هي تخطو عامها الرابع. 

التقط هاتف أبيه وهو يرفع السماعة ينتظر ردَّ سليمان(والد لدن)؛ ليجيب برفقٍ: 
-لمَ تتصل مِن رقم أبيك، أعلم بضيقك من لدن ولكنك مخطيء يا أدهم! 

-لمَ تشعروا بأنَّني غاضبًا لهذا الحد..هي قالت الصواب، المهم يا عمي.. هل تتذكر حديث أبي عن زواجي من ابنتك؟! إن سمحت ليّ.. أريد أن تخبرها!

لم يتوانَ سليمان في رفض طلبه؛ فقد أتي طارقًا حلالها، وهي تجهل الأمر؛ ليصبح أدهم عالقًا، يريد معرفة السبب في تبدلها حتى ولو نهرتهُ بكلماتِها الثقيلة! 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1