رواية أنا لها شمس الجزء الثانى ( اذناب الماضي ) الفصل العشرون بقلم روز امين
عودة للأعلى
مازال الصراع دائرًا وكما معروف في الحروب فالبقاء دائمًا للأقوى، وبما أن فؤاد هو الطرف الأقوى فكان يرقد بساقيه مكبلاً جسد ذاك الممدد على الأرض ووجههُ أصبح كخريطة مليئة بالألوانِ منها الاحمر والأزرق والاصفر الداكن، بينما اصطحب الشاب شقيقته وأغلق عليها الباب قبل أن ترى والدها مهان بتلك الطريقة،وبات يهدأها قبل ان يخرج لهما من جديد بعدما اوصد عليها الباب
لكمهُ للمرة التي لا عدد لها ليسألهُ بأعين تطلق شزرًا:
-إنتَ عايز إيه من مراتي يا ابن الـ****،داير تحوم حواليها إنتَ ومراتك ليه؟
أجابهُ بحقارة جعلت الدماء تفورُ في عروق فؤاد:
-متنساش إنها كانت مراتي قبلك،يعني كانت معايا وملكي بكل ما فيها
وتابع بابتسامة شريرة حين لاحت بأعين الأخر ألسنة لهبٍ نارية:
-زي ما هي ملكك الوقت بالظبط،كانت ملكي
كان ينطق كلماتهُ بغلٍ لتوصيل رسالة معينة للأخر وبالفعل وصل لمبتغاه، ما أقصاها تلك المشاعر على رجلاً بالغرام ذائبًا في عشق أنثاه، لاحت أمام عينيه مشاهدًا حميميةً لها مع ذاك الوغد زادت من لهيب قلبهِ المستعر، ليتابع ذاك الحقير الضغط على جرحهِ الغائر:
-خلفت منها إبني الاقرب لقلبها واللي أكيد بيفكرها بيا
صرخ بسبهِ بلفظٍ نابي أظهر كم نيرانه الساكنةَ بقلبه:
--يا حقير يا واطي ، والله ما أنا سايبك غير وأنا طالع بروحك في إيدي
تفاقم الغضب لديه وتصاعد وإلى هنا ولم يستطع تمالك حالهِ وبكل قوة لكمهُ ليسيل خطًا من الدماء من أنفه ويزدادُ معهُ إعياء الأخر الذي أصر على مواصلة ندالته رغم فقدان قدرته على الكلام،خرج يوسف من الغرفة ليهرول إليهما ومال بجزعه محاولاً تهدئة ذاك الثائر وهو يترجاه لتركه:
-يا بابا أرجوك مينفعش اللي حضرتك بتعمله ده
وتابع عل الأخر يستفيق ويعي لحاله:
-لا اخلاقك ولا إسمك ولا منصب معاليك ومعالي الباشا يسمحوا لك بالتصرفات دي
نفض يد الشاب عنه بحدة ونهض تاركًا الآخر كجثة هامدة لا يقوى على الحركة،رمقهُ باشمئزاز وتحدث:
-لو راجل خليني أشوف وشك قدامي تاني
استدار إلى يوسف ليتابع بإشارة توعدية من يده:
-أما أنت بقى يا سي يوسف، فحسابك معايا لما أفضى لك
سألهُ بذهولٍ مستهجنًا لهجته:
-هو إيه اللي كان حصل مني لغضب حضرتك ده كله ؟!
هتف بحدة معاتبًا بعيناه:
-إنتَ هتستعبط يا يوسف؟
أقسم بصدقٍ متأثرًا من غضب والدهُ منه:
-والله ما أعرف حضرتك بتتكلم عن إيه
رمقهُ بحدة وتسائل:
-إيه اللي خلاك تدخل البني ادم ده بيتك في وجود أمك، وإنتَ عارف اللي بينا وبينه؟
شعر بحماقة ما قام بفعله وأن تصرفهُ كان خطأً فتحدث بدون مكابرة:
-أنا آسف يا حبيبي، أنا عارف إني غلطت، بس والله العظيم بمجرد ما عرفت إن هو اللي على الباب، استأذنت منه ودخلت لأمي اللي اول ما عرفت دخلت تغير هدومها بسرعة، وكنت هنزل أوصلها لحد البيت بنفسي
رمى بمبرراته عرض الحائط ورمقهُ بنظراتٍ ازدرائية قبل أن يتحرك إلى الباب ويفتحهُ مشيرًا لرجال الحراسة حيث ولچوا مهرولين تحت عدم استيعاب يوسف لما يحدث:
-تربطوا الكلب ده بحبل في الكرسي على ما أبلغ مراته تيجي تستلمه
ضحك عمرو باستهزاءٍ وتحدث بوهنٍ وصوتٍ بالكاد يُسمع:
-بتستقوى عليا بمنصبك يا ابن الزين
بينما اتسعت عيني يوسف الذي نطق معترضًا بقوة:
-يا بابا مينفعش اللي حضرتك بتعمله ده، إنتَ رجل قانون
نطق وهو يتطلعُ لذاك المُلقي فوق الأرض كقطعة قماش بالية:
-أنا عيشت عمري كله في خدمة القانون ورفعته، كنت بنفذه واطبقه على نفسي قبل الناس، مجتش على مرة أكسره فيها علشان أأدب بيها الحقير ده
أرجوك يا بابا... قالها متوسلاً وهو يرى رجال الحراسة يرفعونه من على الأرض استعدادًا لتنفيذ أوامر رب عملهم، ليتابع وهو يتمسكُ بذراعه:
-علشان خاطر زينة بلاش تعمل فيه كده، البنت لو شافته مربوط حالتها هتنتكس
دار بنظراته يمشط المكان بعناية ليسألهُ من باب الإنسانية:
-هي فين أختك؟
-دخلتها أوضتها وقفلت عليها بالمفتاح علشان متخرجش وتشوف خناقتكم
بلامبالاة تحدث:
-ولما أنتَ قافل عليها بتتكلم ليه؟
وتابع مستنكرًا وهو يتناقل النظرات بينهُ وبين عمرو المقيد بالمقعد:
-ولا يكونش صعبان عليك إبن البنهاوي، مهو في الآخر بردوا أبوك، والدم أكيد بيحن
رمقه الشاب عاتبًا وكاد أن ينطق ليوقفهُ الآخر باسطًا كف يده:
-اديني تليفونك
قطب جبينهُ مستغربًا طلبه لكنه بكل ثقة بالأخر أخرج هاتفهُ من جيب بنطاله القطني وقام بفتحه ثم ناولهُ اياه، وضع فؤاد بضعة أرقام ثم تحدث بقوة وهو يتطلع لذاك المقيد:
-تعالي استلمي اللي باقي من كرامة جوزك يا مدام، وياريت تلميه وتقعديه جنبك يعمل روتين للبشرة والشعر ، وتخليه يبطل شغل النسوان اللي بيعمله ده
وتابع متوعدًا بحدة:
-لأن الغبي بعد السنين دي كلها لسه مش قادر يقتنع إنه مش قد غضبي
هتفت الأخرى بارتياب:
-مين معي؟!،هيدا إنتَ يا فؤاد يا علام؟
لم يعطي لسؤالها أهمية وتحدث متهكمًا:
-تعالي بسرعة على بيت يوسف،أكيد عرفاه،ما انتوا عصابة واحدة
أغلق بوجهها الهاتف ليعيده للفتى وتحدث بصرامة لا تقبل المناقشة:
-يفضل مربوط زي مهو كده لحد البت اللي متجوزها متيجي تستلمه،لو فكيته هتبقى بتتحداني يا يوسف
نطق الشاب محاولاً تهدأة الأخر:
-يا حبيبي حاول تهدى وخلينا نتكلم بهدوء بعيدًا عن الغضب والعصبية اللي إنتَ فيها دي
هتف مقاطعًا بصرامة:
-كلامي مفهوش نقاش يا يوسف،عمرو البنهاوي يفضل زي ما هو لحد ما مراته تيجي، وكفاية عليك العملة السودة اللي إنتَ عملتها
وتابع عاتبًا:
-ومتخليش حسابك يتقل معايا أكتر من كده
لم يتوقع حتى بأحلامه أنه سيأتي يومًا ويعامله أباهُ الروحي بتلك الطريقة، تألم قلبهُ وهو يسألهُ متأثرًا:
-حضرتك بتقولي أنا الكلام ده؟!
رمقهُ فؤاد بحدة لينشطر قلب الفتى ثم تحدث متأثرًا وهو يستمع لدقات شقيقته على الباب الموصد:
-طب يا ترى فكرت أنا هعمل إيه مع اختي المرعوبة جوة دي، هفضل حابسها لحد ما مراته تيجي وتاخده؟!
بلامبالاة أجاب:
-إيه المشكلة، دي كلها نص ساعة وتوصل الهانم
وتابع مقترحًا:
- تقدر تدخل عندها وتقعد معاها علشان تهديها
هز الفتى رأسهُ بأسى معترضًا على جميع أفعال ذاك الغاضب الذي تغاضى نظراته وتابع وهو يتطلعُ لذاك المقيد:
-لأخر مرة هقولها لك وده مش علشانك، ده علشان خاطر ربنا و ولادك، إبعد عن عيلتي علشان تسلم من أذايا لأنك والله العظيم ماهتتحمله
وتابع متوعدًا:
-أنا لحد الوقت عامل حساب ليوسف وزينة، بلاش توصلني لمرحلة افقد فيها أعصابي، والله يا ابني ما في مخلوق هيعرف يخلص روحك من ايدي
نطق عمرو وهو يتحداه بنظراته:
-بتتحامى في سلطتك وسلطة أبوك ورجالتك ، إنتَ لو كنت راجل بجد تواجهني راجل لراجل
نطق فؤاد بما أشعل روح ذاك الأرعن:
-ومن إمتى وانت راجل علشان اواجهك يَلاَ، ده انتَ طول عمرك متخبي ورا النسوان، الاول أمك يا ننوس عينها واللي كانت بتحقق لك كل رغباتك، والوقت بنت سليم إلياس رجُل الأعمال الشمال ،هو ده أخرك في نوعية الأشكال اللي تعرفها
تحرك باتجاه الباب ليلحق به يوسف سريعًا وهو يقول:
-بابا، ماما ملهاش دعوة بأي حاجة، ياريت متزعلهاش
صاح يلومهُ بغضب:
-عامل حساب أمك قوي وخايف عليها، لو كانت في بالك أصلاً مكنتش سمحت للو**** ده يدخل في مكان هي موجودة فيه
هتف مفسرًا موقفه:
-انا سمحت له يدخل علشان زينة، الدكتور قالي إن وجوده في حياتها وقربه منها هيعجل بشفائها
ربت فؤاد على كتفه وتحدث مبهمًا:
-يومين بالظبط وهعرفك اللي إنتَ مدخله بيتك علشان اختك ده بيعمل إيه من وراك
لم يضف كلمة أخرى وفتح الباب ليجد رجاله بانتظاره فتحدث بلهجة حادة:
-نضفتوا كاميرات المراقبة كلها من دخولنا
هتف كبيرهم بوقار:
-كل اللي أمرت بيه اتنفذ يا باشا، كاميرات العمارة وكل الكاميرات اللي في الشارع تم اختراقها ومسح الوقت الخاص بينا من عليها، مفيش أي أثر
لينطلق باتجاه المصعد سريعًا يستقله.
تنهد الشاب بأسى ليعود للداخل،وقف بمنتصف الردهة مكتوف الايدي،يتطلع ما بين ذاك المقيد يلقى رأسهُ للخلف بإعياءٍ شديد،وبين تلك التي صاحت بصوتها الحزين:
-إفتح لي الباب يا يوسف
ساقته قدماه إلى الغرفة وما أن لف بيده المفتاح حتى جذبت الباب سريعًا ودفعت شقيقها لتهرول إلى الخارج، تلفتت حولها لتجحظُ عينيها حين رأت والدها مقيدًا فوق المقعد ليهرول عليها الشاب محتضنًا إياها وهو يقول:
-تعالي ندخل نتكلم جوة
دفعته على صدره بكلتا يديها بكل ما اوتيت من قوة لتصرخ بوجههِ:
-إنتَ فاكرني عيلة صغيرة هتضحك عليا بكلمتين
وهرولت مسرعة باتجاه أبيها لتتسع عينيها وهي ترى وجههُ الملئ بالكدمات والانتفاخات والتصبغات المتنوعة، التفت تتطلعُ لشقيقها وهي تلومه:
-إنتَ إزاي تسمح له يعمل كده في أبونا يا يوسف؟!
صاح بغضبٍ وتشنج أبرز عروق وجههِ وجسده بالكامل:
-إبقي إسألي البيه أبوكِ قال للراجل إيه وصله للجنون اللي شايفينه ده
رفع عمرو وجههُ لينطق عاتبًا على نجله:
-يعني إنتَ بدل متزعل علشاني واقف تبرر له اللي عمله فيا ؟!
هتف بأسى واستياءٍ:
-انا لا ببرر ولا نيلة،أنا أصلاً تعبت وقرفت من كل حاجة حواليا،من يوم ما اتولدت وانا محطوط في خانة الانتظار،واقع في النص ما بين طرفين،كل واحد يشد فيا من ناحية لحد ما دمرتوني
وثار متابعًا بسخطٍ:
-تاريخ عيلتك الاسود خرب حياتي وضيعني زمان
وحتى لما تخطيت وحفرت في الصخر ونجحت في إني أكون إنسان محترم في عيون المجتمع، مصرين تشدوني معاكم وتدخلوني صراعاتكم المريضة اللي مليش ذنب فيها
سيبوني في حالي بقى، خلوني أعرف أتنفس طبيعي زي البني أدمين.
-إنتَ لسه هتقعد تتكلم وتسيب بابا مربوط كده...كلمات غاضبة نطقت بها الفتاة لتتابع وهي تقترب منه محاولة فك قيوده:
-تعالى نفك الحبل ده عنه ونتصل بدكتور ييجي يشوفه
بسخرية رد عليها عمرو كي يستفز الفتى ويحرجهُ أمام شقيقته:
-ميقدرش يخالف أوامر ولي نعمته يا زينة
منعها الشاب وأبعدها لينطق متحديًا ذاك الابله:
-اهو البيه قالك على اللي فيها، إبعدي بقى وخلينا على الحياد
وقفت تهددهُ برحيلها كمحاولة أخيرة:
-لو مفكتش بابا حالاً، أنا هسيبك وهمشي يا يوسف، هروح أعيش معاه في بيته ومش هتشوف وشي تاني
صدمها رده حين اشار بكفهِ للخارج ناطقًا ببرود:
-براحتك، اتفضلي روحي معاه، ويارب يديكي اللي ملقتهوش عندي يا زينة، يارب تلاقي الحنان والحب والاحتواء اللي انا مقدرتش أوفرهولك
-روحي يا زينة... قالها بهدوء صدمها، لم تقصد ما تفوهت به، كل ما ارادتهُ هو الضغط عليه فقط لا أكثر، نطق كلماته وتحرك ليقف داخل الشرفة، استغل عمرو الموقف كما المعتاد وتحدث للفتاة:
-أحسن قرار اخدتيه يا زينة، يوسف بيحبك ومش هيقدر يبعدك عنه، ودي هتبقى فرصة حلوة علشان يراجع نفسه ويعرف قيمة عيلته كويس، وبعد كده ميحطناش في مقارنة مع حد
ابتلعت لعابها والحيرة والدهشة والصدمة حال عقلها
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عودة لذاك الذي خرج من المصعد والشرر يتطايرُ من مقلتيه، اتجه إلى سيارته واستقل مقعده تحت دموع إيثار ورعبها، أدار السيارة وبحدة تحدث إلى عزة:
-إنزلي اركبي مع الحرس
ازدردت لعابها وتحدثت بحرصٍ وارتياب:
-حاضر، بس بالله عليك متزعلها، هي...
قاطعها بغضبٍ لو خرج لأشعل بكل ما حوله:
-إنزلــي
اهتز جسد إيثار بينما فتحت عزة الباب وهرولت بجسدٍ ينتفضُ رعبًا، أدار محرك سيارته التي إندفعت بسرعة مرعبة جعلت من دقات قلب الأخرى تدق كطبول الحرب،جاهدت لاخراج حروفه وهي تقول متلعثمة:
-فؤاد
اشتعلت عينيه وامتلئت بشرارات الغضب ليقول هادرًا بقسوة:
-مسمعش نفسك لحد ما نوصل جناحنا فوق
كلماته كانت كفيلة لتخرسها، تطلعت أمامها بصمتٍ تام، لايخرج منها سوى صوت شهقاتها التي بدأت تعلو وتزعجهُ لحدٍ لا يوصف جعلهُ يصرخ وهو يدق على مقود السيارة بجنون:
-قولت لك مسمعش صوتك
تعالت شهقاتها لتصل لحد النحيب بعدما شعرت ان حزنها هان عليه، بينما هو كان بين نارين، نار حرقتهُ وغضبه منها بعدما حدث، ونار دموعها التي تكوي قلبهُ المغرم، يعلم أن لا ذنب لها بما حدث، لكنها ضلعًا مهمًا في المشكلة، يكاد ان يفقد رُشده بفضل ما حدث، يشعر بدمائهُ تفور داخل عروقه وتكادُ تفتكُ بحياته كلما تذكر كلمات ذاك الحقير.
بعد قليل كانت تتحركُ خلفهُ ليلچ كلاهما من باب القصر الداخلي، هرول الصغير عليهما وهو يقول لوالدته بملامة:
-كده يا مامي تروحي عند چو من غير ما تخديني معاكِ؟
بصعوبة اخرجت صوتها المرتبك:
-معلش يا حبيبي، كنت مستعجلة
توقفت بجوار الصغير ليهز جسدها صوت ذاك الذي بدأ يصعد الدرج:
-ورايا يا مدام
تمسك الصغير بكفها وتحرك معها ليتابع ذاك الذي يرى بظهره:
-خليك مكانك يا مالك، إدخل لجدو المكتب أقعد معاه
نطق ذاك المشاغب وهو يتمسكُ بكف والدته بحميمية:
-أنا هطلع معاكم علشان مامي وحشتني
استدار يرمقهُ بنظراتٍ تطلق شزرًا ليصيح بما أرعب الصغير:
-ولد، مبتسمعش الكلام ليه؟
هرولت عليه عزة التي ولچت لتوها من البوابة لتقول وهي تخبأ الصغير بحضنها:
-تعالى معايا المطبخ أعمل لك أيس كريم
رمقها بنظراتٍ نارية لينطق مهددًا:
-ودي الولد المكتب عند جده، وإياك أشوفك حاشراه مع الشغالات في المطبخ تاني، سمعاني؟
-حاضر يا باشا، حاضر...قالتها بجسدٍ منتفض وهي تشدد من تمسكها بالصغير تحت دموع إيثار وشعورها بالمرارة والإنكسار،تحركت خلفهُ كطفلة تائهة لا تعلم مصيرها تحت نظرات عزة المشيعة لها بألمٍ، هتفت بصوتٍ يكاد أن يُسمع:
-ربنا يسترها عليكي من غضبه يا بنتي
بتلك اللحظة خرجت عصمت من غرفتها لتسأل عزة وهي تتابع صعود الزوجين:
-فيه إيه يا عزة،سيادة المستشار صوته عالي كده ليه؟!
وإيه اللي رجعك إنتِ وإيثار بدري كده؟!
قطع حديثها مالك الذي هرول إلى جدته يشتكيها:
-شوفتي بابي يا نانا، زعق لي ومنعني اطلع مع مامي فوق
تمسكت بكفاه وتحدثت بحنوٍ ظهر بعينيها لذاك الحفيد الغالي:
-معلش يا حبيبي، اكيد بابي متضايق من حاجة وميقصدش يزعل ملوك حبيبه
وتابعت:
-إخواتك قاعدين في الليفنج بيسمعوا فيلم اجنبي، إدخل أقعد معاهم على ما عزة تعمل لك عصير
هتف مقاطعًا:
-أنا عاوز بيتزا من برة
اجابتهُ كي تخفف عليه:
-بس كده، من عيوني، حالاً هخلي سعاد تتصل بالمطعم يبعتوا لك أحلا بيتزا لعيون مالك باشا
هتف بحبورٍ:
-أنا بحبك قوي يا نانا
-وأنا كمان بحبك قوي يا "مالك"، يلا إدخل عند اخواتك
اطاعها وهرول سريعًا لتتحرك عزة كي تهرب إلى غرفتها ليوقفها صوت عصمت الحاد:
-مجاوبتنيش على أسألتي يا عزة
أجابتها برأسٍ مُنكس وملامح وجه حزينة بائسة:
-أنا معرفش حاجة يا دكتورة، أما الباشا الصغير ينزل إبقي إسأليه.
تمعنت عصمت بملامحها وعندها تيقنت أن مشكلةً كبيرة قد حدثت.
بالأعلى
ما أن ولچت خلفهُ حتى أغلق الباب بقوة زلزلت جدران الغرفة لتنتفض تلك المرتعبة التي طالعت ذاك الذي يقترب عليها وكأن غضب العالم اجمع قد تجمع بعينيه:
-عايز تفسير للمنظر القذر اللي أنا شوفته قدامه؟
هزت رأسها ودموع الهلع تتساقط من عينيها ليتابع مسترسلاً بلفظٍ نابي:
-الـ.... ده جاب منين الجرأة اللي يقرب فيها منك بالطريقة دي
هزت رأسها تنفي من جديد بصمتٍ ليقترب منها أكثر فتراجعت للخلف ليهمس بفحيحٍ تصحبهُ نظراتٍ مرعبة:
-الواقفة اللي انا شوفتها دي واقفة إتنين عشاق يا مدام
-إنتَ اتجننت يا فؤاد،إزاي تقولي كلمة زي دي...نطقتها بأعين جاحظة ليصرخ وهو يشير إلى رأسهِ بجنونٍ:
-هو أنتِ وإبنك خليتوا فيا عقل،لما أدخل ألاقى مراتي وطليقها مقفول عليهم باب شقة واحد،وألاقى المنسون ده واقف قصادك واللي بينه وبينك ميكملش شبر
وإلى هُنا لم يستطع تحمل جحيمهُ الداخلي حين رأى نظرات الهيام الموجهة من ذاك الحقير لأنثاه،أمسك فكها بقوة وتحدث بهسيسٍ:
-والـ..... واقف يبص على الهانم وعلى جسمها بمنتهى القذارة
هزها بعنفٍ ومازالت قبضته تشدد على فكيها:
-ردي عليا وجاوبيني،منين جاب الجرأة دي يا هانم؟
نطقت بدموعها الصارخة:
-سيبني يا فؤاد حرام عليك ، إنتَ كده بتأذيني
-وإنتِ مأذتنيش باللي عملتيه ده...قالها ثم دفعها للخلف بقوة ليتهاوى جسدها ويستقر فوق الفراش، اقترب ليميل عليها بعدما ثبت جسدها بين ركبتاه:
-إزاي تغلطي غلطة زي دي، إنطقي؟
قال كلمته الاخيرة بجنون لتنطق بدموعها الحارة:
-والله العظيم ما اعرف قرب مني كده إزاي
وباتت تقص عليها جُل ما حدث تحت اشتعال روح ذاك الغاضب لتنتهي قائلة:
-لحد ما يوسف راح يفتح لك،انا عيني كانت على الباب لأني كنت متأكدة إنه إنتَ، والله العظيم ما اعرف قرب كده إمتى، والله يا حبيبي ما حسيت بيه
-إخرسي يا إيثار، صوتك مش عاوز أسمعه
نهض ليعتدل فاستندت هي الأخرى على كفيها لتجلس، تحدث مشيرًا بسبابته بلهجة حادة:
-مبدأيًا كدة شقة إبنك دي تنسي عنوانها نهائي، رجلك لو خطت فيها تاني هتبقى متحرمة عليا
قالها بصرامة جعلت من عينيها تتسعُ على مصرعيها لتنطق بذهولٍ وعدم استيعاب:
-إيه اللي إنتَ بتقوله ده؟
لم يعر لصدمتها اهتمام وتابع صارمًا:
-الباشمهندس ييجي يزورك هنا ومُرحب بيه الليل قبل النهار، حتى لو حابب يرجع يعيش معانا من تاني، البيت بيته في أي وقت، غير كده محدش ليه عندي حاجة
وتابع بحدة:
-وإنتِ إحمدي ربنا إني واثق فيكِ وفي نفسي، وإلا كان زماني مخلص عليكِ بعد اللي شوفته بعنيا
إنفجرت بعدما فقدت قدرة تحملها على الإهانات أكثر من هذا:
-شوفت إيه يا بيه؟!، هي حصلت تلمح بشكوكك في أخلاقي يا فؤاد؟!
جاي تحاسبني على ذنب أنا ما ارتكبتهوش، أنا من الصبح ساكتة لك وبقول يا بت فوتي واتحملي، جوزك وبيحبك وبيغير عليكِ، زقيت إبني قدام عنيا لدرجة إنه كان هيقع وسكت، كلمته بطريقة مهينة وبلعتها واتخرست، عمال تغلط فيا من ساعة ما جينا ومحسسني اني ارتكبت كبيرة من الكبائر وكل ده وانا ساكتة
هبت واقفة لتقابلهُ وهي تقول بأعين حادة ولهجة صارمة:
-لكن لحد إنك تتهمني في شرفي أو حتى تلمح فده اللي مش هسمح لك بيه، أنا معملتش حاجة غلط علشان تكلمني بالطريقة دي، ومش هسمح لك تحاسبني على أفعال واحد مريض بيحاول يدمر حياتنا
هز رأسهُ وتحدث:
-قولت لك من زمان إنك بجحة يا إيثار، بتبقى غلطانة وبردوا تعلي صوتك وتبجحي
كادت ان تتحدث فقاطعها بحدة:
-الظروف اجبرتك تكوني معاه في مكان واحد، اخرجي فورًا، مش تقعدي ساعة بحالها وإنتِ وهو في نفس المكان وإنتِ عارفة ومتأكدة من قذارته
نزلت دموعها بعدما فقدت السيطرة على الرد فتحدث من جديد:
-حافظي على نفسك وعلى عيالك، إلتزمي بيتك واتقي شر غضبي يا مدام
نطق كلماته وانطلق نحو الحمام ليخلع عنه جميع ثيابه وتحرك مهرولاً داخل كبينه الإستحمام، وقف لينهمر فوق رأسه الماء البارد علهُ يهدئ من نار جسده المشتعل بنار الغيرة، كور قبضته بقوة حتى ابيضت ودق بها الحائط عدة مرات متتالية أحدثت صوتًا مدويًا اهتز على إثرها جسد تلك المتخشبة بالخارج، تنهدت وتحدثت بقهرٍ:
-ربنا ينتقم لي منك يا عمرو يا بنهاوي، ربنا ينتقم منك
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل مسكن يوسف
فتح الباب لتهرول رولا التي حضرت سريعًا بصحبة والدها،وجدت الفتاة تجاور مقعد والدها المقيد ودموعها تنهمرُ لعجزها، وقفت بالمنتصف بذهولٍ تتطلعُ ما بين يوسف وعمرو والفتاة لتصيح بعدم استيعاب:
-حياتي يا عمرو، مين يلي عِمل فيك هيك يا تؤبرني؟!
تنفس بعمقٍ وألقى برأسه للخلف مستغلاً إعيائهُ الشديد ليتخذهُ حُجةً لعدم الاجابة لتصيح وهي تهرول عليه تتفحصُ وجههُ بمراعاةٍ لتلك الكدمات:
-شو يلي حصل؟،منشان الله حدا منكن يفهمني؟!
نطق يوسف بلهجة جادة وحدة:
-إتفضلي فكيه وخديه معاكي، وهو يبقى يفهمك على اللي حصل براحته في بيتكم
التفتت إليه لتنطق بتحدي:
-بأحلامك يا يوسف، ما اني متحركة من هون من قبل ما إفهم كلشي
هرولت وبدأت بفك الحبال وهي تستدعي والدها:
-تعا ساعدني يا بابا
ساعدها هو والفتاة تحت نظرات يوسف الواقف يطالعهم وهو يضع كفيه داخل جيبي بنطاله وكأن الآمر لا يعنيه، سألتها رولا بهدوء:
-شو يلي حصل يا زينة، فؤاد علام هو اللي عمل هيك في بَيِك؟
اومات بهدوء لتسألها:
-شو السبب؟
صمتت الفتاة فاطمئنت رولا على زوجها تسالهُ:
-إنتَ منيح يا عمري
نطق بوهنٍ:
-أنا بخير يا حبيبتي متقلقيش
هتفت بحدة اظهرت كم غضبها:
-بحياة الله لدمر لك مستقبلك، وبمحيك من عوچ الارض يا فؤاد يا علام
ثم تابعت وهي تتطلعُ إلى يوسف:
-رح بلغ فيه الدرچ، وإنت بتشهد بكل يلي حصل هون
طالعها يوسف بجبينٍ مقطب قبل أن يسألها ببرودٍ:
-وهو إيه اللي حصل هنا يا مدام، عمرو بيه خبط علينا ودخل وهو بالشكل اللي انتِ شيفاه ده، وانا استقبلته وكلمتك في التليفون علشان تيجي تاخديه
وتابع بدهاءٍ:
-حتى رقم تليفوني هتلاقيه متسجل عندك
اتسعت عينيها مستغربة حديثهُ الغير متوقع بالنسبة لها أما عمرو فلم يستغرب اصطفافهُ بجانب غريمه، لتنطق زينة مستنكرة حديث شقيقتها:
-إنتَ بتقول إيه يا يوسف؟!
قال بحدة اظهرت وصولهُ للمنتهى:
-بقول اللي حصل، واللي عنده كلام غير اللي أنا قولته يتفضل يثبت
هتفت رولا بتحدي ظهر بعينيها:
-نحن بنبلغ الدرچ وهنٍ بيشوفوا شغلهن، وأكيد الكلام يلي قال لي إياه هاديك البلطچي بالهاتف متسچل في شركة الإتصالات، وهيك بينكشف وچه الحقيقي وبيظهر للكِل
ابتسم يوسف وتحدث كي يردعها:
-ومين اللي هيسمح لشركة الاتصالات إنها تخرج التسجيلات، الجهة النيابية مش كده؟
فهمت لما يلمح به لينطق عمرو لائمًا نجله:
-أنا شايفك بتدافع بكل قوتك عن الراجل اللي تعدى عليا ومش همك اللي حصل لأبوك منه يا يوسف
أجابهُ بثباتٍ وقوة:
-أولاً أنا بفسر الصورة للمدام اللي جاية تبيع الماية في حارة السقايين، يعني مش واقف مع حد ضد التاني
وتابع بصرامة مشككًا:
-وبالنسبة للي عمله سيادة المستشار في حضرتك فأنا معرفش إنتَ قولت له إيه يخلي واحد في منصبه يتخلى عن رزانته والحكمة والتحلي بالصبر اللي بيتميز بيهم، ويعمل فيك اللي عمله ده
وتابع بقوة وصرامة لا تقبل المناقشة:
-ثالثًا بقى ودي أهم نقطة عندي ولازم الكل يحطها في الاعتبار،أنا مش هسمح لإسم أمي يتذكر في أي قضايا تخصك أو تخص غيرك يا عمرو يا بنهاوي، عاوز تتحدى فؤاد علام وتعمل معاه مشاكل براحتك،إنتَ حُر، بس بعيد عن أمي، لأن أمي
وتابع بأعين تطلق شزرًا:
- خط أحمر، واللي هيقرب له هنسفه من على وش الدنيا،والكلام ده يمشي على الكل،واولكم فؤاد علام بذات نفسه
سألتهُ بحدة وغيرة ظهرت بعينيها:
- وشو دخل إمك بچوزي يا عيني؟!
-الموضوع ده بقى تسألي فيه جوزك،أنا معنديش إجابات لا ليكِ ولا لغيرك
التفتت تطالع عمرو لتسالهُ:
-هاديك المرة كانت هون يا عمرو، إنطق يا زلمة؟
تحدث بكذب كي ينأى بحاله من بطشها:
-مكنتش أعرف إنها هنا يا رولا، كنت جاي بالصدفة أزور ولادي، والحيوان اللي اسمه فؤاد جه اتهجم عليا بالشكل ده لما كلابه بلغوه إني هنا
صاحت بتشكيكٍ:
-ولما لاقيتها هون، ليه فوت عالبيت من الاساس؟!
-اهو اللي حصل بقى يا رولا...قالها بحدة ليصيح متألمًا بعتابٍ لقلب الطاولة:
- وبعدين هو أنا ناقصك، أنا في إيه وإنتِ تفكيرك في إيه
رمقتهُ بحدة أظهرت ريبتها منه ليتابع هو بشرٍ وتوعد:
-ورحمة ابويا مهرحمك يا فؤاد يا علام، وما هسيبك غير لما ادمر لك مستقبلك
نطق سليم بعقلية رجل اعمال مخضرم:
-أنا شايف إن من وقت نزولك لمصر، كترت مشاكلك مع هاد الزلمة يلي اسمه فؤاد، ولو تتذكر كلمة قِلت لك إياها من لما نويت تستقر بمصر، قِلت لك ما فيك تنچح بأشغالك لمن بتعادي اللكبار، قلت لك ركز وفيك تختار من هلا، إذا بتحب تكون رچل أعمال ناچح، او بتقضي حياتك كلها تضرب وتتلقى ضربتك
كان يطالع الجميع بغضبٍ لو خرج لأنهى عليهم جميعًا، ود لو فيه القيام بطردهم جميعًا خارج منزله، فقد طفح الكيل وما عاد فيه إحتمال سخافتهم اكثر، بينما تحدث عمرو بهدوء:
-خلي الكلام ده لبعدين يا باشا، أنا تعبان ومحتاج أروح علشان أرتاح
تحرك خطوة للأمام وتحدث لابنته:
-يلا بينا يا زينة
ارتجف جسدها هلعًا، فهي كانت تدعو الله في سريرتها أن ينسي ما تفوهت به منذ القليل ويذهب بصحبة عائلتها تاركًا إياها متنعمة بحنان شقيقها، لم تكن تقصد ما قالته، وهل فيها تركها لشقيقها الذي انتشلها من الضياع وقدم لها كل ما استطاع لانقاذ روحها
سألته رولا مستفسرة:
-لوين؟
-هتيجي تعيش معانا
اشتعل داخلها غضبًا، فبيتها لم يعد خاصًا كما كان، بل اصبح سبيلاً لكل عابر، وبرغم هذا تحدثت بهدوء:
-إي طبعاً، بتنور
نطقت الفتاة بصوتٍ خافت كي تتهرب:
-خليني بايتة هنا النهاردة علشان ألم هدومي وكتبي براحتي، وبكرة هبقى أجي
إجابتها صدمته، ابعد كل ما ضحى به لأجلها، تتركهُ بتلك السهولة، لقد ضحى حتى براحة والدته لأجلها، أكان حدسهُ بصلاح روحها خادع؟!
تظاهر بالجمود لينطق عمرو بإغواء للفتاة:
-متجبيش حاجة معاكِ، أنا هشتري لك كل حاجة جديدة، وإنتَ معايا كل اللي تأشري بيه هحققهُ لك
ابتسم يوسف ساخرًا ليتابع الاخر بعدما رأى حيرة الفتاة وترددها:
-يلا يا زينة مش قادر أقف على رجليا
وأمسك كفها ليحسها على المضي قدمًا معه قائلاً:
-أنا محتاج لك جنبي اليومين دول يا زينة
لان قلبها الابله له لتنطق مجبرة إلى يوسف:
-انا هاجي بكرة أخد كتبي وحاجتي المهمة
وقبل أن تخبرهُ أنها ستمكث فقط بضعة أيام فاجأها بحديثهُ الحاد:
-مفيش داعي تيجي
وأكمل بقلبٍ يتمزق جراء ما تعرض لهُ من خزلانٍ على يد شقيقته:
-انا هجمع لك كل حاجتك في كراتين، وخلي السواق اللي عمرو بيه أكيد هيخصصهُ لك بعربية لخدمتك، يعدي هنا بكرة الصبح ياخدها
نزلت كلماتهِ القاسية على قلبها شطرهُ لنصفين لتبتلع غصة وقفت بمنتصف حلقها كادت أن تطلع بروحها، هزت رأسها بموائمة لتتحرك لداخل غرفتها تلتقط هاتفها وحقيبة يدها وتنسحب مع الجميع ليتركوه وحيدًا، وقف يتطلعُ على إثرها ليصرخ بعلو صوته موبخًا:
-في ستين الف داهية، إشمعنا إنتَ اللي هتطلعي وفية، إذا كانت حبيبتي اللي عيشت عمري كله أحميها وأفضلها حتى على نفسي، سابتني وعايرت أمي بيا وبعيلتي، وراحت رمت نفسها في حضن أكتر واحد في الدنيا كلها بيكرهني
نطق بتحدي:
-أنا اللي غلطان، من النهاردة مش هعمل إعتبار لأي مخلوق غير نفسي وأمي وبس.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل منزل عمرو كانت إجلال تنتحب وهي تجلس بجوار نجلها المسطح فوق الفراش والطبيب يضع له ما يمكن انقاذ وجهه من كريمات لاعادته كما كان وتهدأت لهيبه المشتعل وألام عظامه التي طحنها ذاك الفتاك فؤاد علام، هتفت تساله بعدما خرج الطبيب:
-يا ابني ريح قلبي وقولي مين اللي ضربك وسيح لك خلقتك في بعضها كده؟!
همست نائلة الواقفة بجوار ابنتها:
-لك يسلم دياته يلي ضربه
زفر بحدة يجيبها:
-يا ماما قولت لك خبطت بالعربية في عمود كهربا
تطلعت إلى نائلة وتحدثت بازدراءٍ:
-معلش يا ابني، أصلها أقدام
رمقتها نائلة بشزرٍ لتتابع وهي تنظر لتلك الزينة الواقفة بزاوية الغرفة كالغريبة:
-ودي إيه اللي لمها عليك دي كمان
-زينة هتعيش معانا يا ماما
فرقت نظراتها الساخطة ما بينها وبين نائلة ورولا:
-هي المشرحة ناقصة قُتلة
-إي والله صدقتي،المشرحة مانا ناقصة،البيت أصبح مفي أكسچين لحتى نتنفس...وتابعت قاصدة:
-مفروض كل واحد بيحس عحاله وبينكشح عبيته
وجذبت ابنتها من كفها:
-تعي لحتى ننام ونرتاح، اليوم كان كتير صعب
نطقت باعتراض:
-وچوزي يا ماما، رح اتركه ليغفى لحاله؟!
-ما تقلقي حياتي، السِت ستهم بتدير بالها عليه...لتتابع متهكمة:
-مو هيك يا ستهم؟!
-هيك يا اختي...قالتها بوجهِ ساخط لتجبر نائلة ابنتها على الخروج جبرًا فتحدثت إجلال إلى نجلها:
-هي الولية دي كانت بتقول إيه قبل ما تغور على برة
-خلاص بقى يا ستهم، انا تعبان ومحتاج ارتاح
نظرت للفتاة وتحدثت:
-وإنتِ يا بنت سُمية، هتفضلي متخشبة جنب الباب كده كتير
جرحتها تلك الكلمات ووصفها بإبنة سمية "الزانية" هو أكثر ما ألم روحها لينطق عمرو بعدما انتبه لحالة الفتاة:
-إنزلي يا زينة يا حبيبتي للشغالة خليها تفرجك على الأوض الفاضية واختاري منهم اوضة ليكي
نزلت الدرج وحال قلبها هو الانشطار، يبدو أن القدر لم ينتهي بعد من تعذيبها، كم من السنوات يلزمها بعد لتستقر حياتها داخل بيتٍ، اوجب عليها الانتقال بين المنازل كما المشردين، وكلما ذاقت طعم الاستقرار تأتي لها صفعة من الحياة لتستفيق وتعيد الجرة من جديد.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
غفت فوق الفراش بعدما غلبها النعاس، ظلت تنتظر صعودهُ كثيرًا لكنهُ لم يأتي، فقد قرر ان يقضي ليلته فوق اريكة المكتب بالاسفل كنوعٍ من العقاب لها، فزعت عندما استمعت لطرقاتٍ خفيفة فوق الباب لتنطق بهلعٍ بعدما رأت الظلام من خلف ستائر النافذة الزجاجية الكبيرة:
-مين اللي بيخبط
ولچت عزة وتحدثت وهي تتحرك صوبها:
-ده أنا، متخافيش
نظرت إلى الساعة وجدتها الخامسة فجرًا لتجاورها الاخرى الجلوس وهي تقول:
-لقيت الباشا نايم في اوضة المكتب، قولت اطلع أطمن عليك ليكون عمل لك حاجة
عادت خصلاتها للوراء واستندت للخلف بظهرها مع اخراجها لتنهيدة حارة جعلت الاخرة ترتعد قائلة:
-ألا يكون مد ايده عليكِ؟!
وتابعت متوعدة:
-طب والنبي لو عملها لكون مسودة لك عيشته
نطقت بأسى:
-ومن إمتى فؤاد مد إيده عليا يا عزة علشان يعملها بعد السنين دي كلها
سألتها مستغربة:
-امال مالك، وشك منفخ كده ليه؟!
-قالي كلام صعب قوي يا عزة، صعبت عليا نفسي
استمعت كلاهما لأذان الفجر فتحدثت:
-استعيذي بالله من الشيطان الرجيم وقومي اتوضي وصلي، اه قبل ما انسى، الباشا بلغني أقولك إنك أجازة من الشغل بكرة
-يعني إيه؟!
هتفت الاخرى مستنكرة:
-يعني تسمعي الكلام وتحمدي ربنا إنها جت على قد كده، ده اللي كان يشوف وشه امبارح يقول هيوقع فيها قتيل.
توضأت وصلت فرضها وغفت من جديد لتريح جسدها المنهك، وبرغم اعتراضها على قراره للاجازة الإجباري إلا أنها انصاعت لأوامره منعًا لافتعال مزيدًا من المشاكل
فاقت في حدود الساعة الحادية عشر، توضأت وأدت ركعتي الضُحى وخرجت إلي الشرفة تستنشقُ الهواء قبل أن تنزل للاسفل، تفاجأت بدخول سيارة المدعوة"سميحة" والأغرب استقبال فؤاد الحار لها، تحركا بجانب بعضيهما تحت ذهولها وعدم استيعاب ما رأتهُ بأم عينيها، هرولت إلى الدرج ونزلته بوقتٍ قياسي، هرولت إلى غرفة المعيشة فلم تجد كلاهما لتخرج سريعًا،وجدت عصمت تخرج من المطبخ، سألتها بحدة :
-فين فؤاد وسميحة يا ماما؟!
-في المكتب
كادت أن تتحرك جذبتها الأخرى من رسغها:
-فؤاد منبه محدش يدخل عليهم
اتسعت عينيها بحدة لتهتف بجنونٍ: