رواية طغيان الفصل الواحد والعشرون
توقف عن الحديث وهو يحدق بها بحزن! يؤلمه قلبه كثيرا كلما تذكر انه لم يكن الرجل الاول بحياتها.
تساقطت دموعها وتركته وركضت الي غرفتها.
زفر بتعب وجلس يضع يديه فوق رأسه، لا يعلم ماذا يريد منها الان؟ هل يريد معرفة سبب انتحار شقيقه؟ ام يحملها ذنب انتحاره ويريد الانتقام منها!؟ ام يريد ان يتأكد من مشاعرها اتجاه عواد؟ هل اغضبه حديثها عن كرهها الشديد لعواد؟ نعم شعر بالغضب ولكن هناك شعور اخر تسلل الي قلبه عندما تأكد انها لم تحب شقيقه!
توقف عن التفكير في هذه اللحظة! نظر الي باب غرفتها وهمس بداخله: ياترى اخر حكايتي معاكي هيكون ايه ياورد؟.
----
بداخل غرفة ورد.
جلست فوق الفراش تبكي وتتذكر حديث سليم معها، تعلم ان حياتها معه شبه مستحيله! سيبقى عواد بينهما بذكرياته التي ستفرقهما ولن تجمعهما معا گزوج وزوجة تربطهما علاقة طبيعيه.
نظرت إلى باب غرفتها من الداخل وتسألت بداخلها: ياترى حكايتي معاك هتنتهي على ايه يا دكتور ياسليم؟.
رواية طغيان بقلمي ملك إبراهيم.
في منزل عائلة البسيوني.
ترجلت صفا الدرج وهي تحمل طفلتها الرضيعة.
كان منصور يجلس بجوار والده ويتبادلان الحديث معا عن حسابات الأرض.
اقتربت منهما صفا تتحدث بهدوء:
- مساء الخير..
ثم تابعت حديثها وهي تنظر الي زوجها: بعد اذنك يا عمي وبعد اذنك يا منصور انا عايزة اروح بيت اهلي هقعد هناك يومين كده.
انتفض منصور من مكانه ينظر الي والده بصدمة ثم بلع ريقه بتوتر قائلا لها بقلق: ليه.. ليه يا صفا؟ في حاجة حصلت؟
نظرت اليه صفا بدهشة: ايه يا منصور!! انت ناسي ان فرح ابن عمي الاسبوع ده.
تنفس براحة وهو ينظر الي والده الذي رمقه بغضب وتحدث هو الي صفا.
عمران: معلش يا صفا انتي عارفه جوزك من كتر مشاغله مبقاش يفتكر.. روحي يا بنتي وخلي بالك من البنات والف مبروك.
هزت رأسها وهي تنظر الي زوجها بشك وتحدثت بهدوء: الله يبارك فيك يا عمي عن أذنكم.
غمز عمران الي ابنه قائلا: استني يا صفا جوزك هيجي يوصلك.
نظر منصور الي والده ولاحظت صفا عدم رغبة زوجها في الذهاب معاها الي منزل عائلتها وتحدثت بحزن: ملوش لازوم يا عمي انا عارفه ان منصور عنده شغل كتير ومش فاضي.
وقف منصور من جوار والده وتحدث اليها بابتسامة: لو مشغول افضالك يا ام مودة انا معنديش أغلى منكم.
ابتسمت بخجل وخفضت وجهها ارضا، ابتسم عمران البسيوني وهو ينظر الي ابنه برضا.
تحدثت صفا بخجل: عن اذنكم هروح ابلغ حماتي اني رايحه بيت اهلي دلوقتي.
ذهبت صفا ومنصور يتابعها بعينيه حتى دلفت الي المطبخ، تنفس براحة وجلس بجوار والده مرة أخرى.
تحدث اليه عمران بستغراب: انت اتكهربت كده ليه اول لما مراتك قالت هتروح عند اهلها؟ مش تثبت شويه انت كده هتشكك مراتك فيك.
منصور بتعب: قلبي مش مطمن يا ابوي انا عارف ان عفه مش سهله ومش هتسكت بعد اللي احنا عملناه فيها.
عمران بثقة: ولا تقدر تعمل اي حاجة..انت بس خليك جنب مراتك وخليها تحس انك بتحبها ولو تتشطر وتجبلنا عيل كمان تربطها بيك اكتر.
منصور باحباط: عيال ايه تاني يا ابويا ما انت عارف ان صفا خلفتها كلها بنات.
عمران: بنت ولا ولد اهو اللي هيجي هيربطها بيك اكتر وهيقوي قلبك.. اعمل بس اللي بقولك عليه وقولها انك عايزها تخلف تاني عشان بتحبها وعايز منها عيال كتير.. اي ست هتسمع الكلمتين دول هتلاقيها زي الخاتم في صباعك.
منصور: حاضر يا ابويا اللي هتقولي عليه هعمله.
------
في المساء بداخل شقة سليم.
جلس امام مكتبه الخاص يعمل على تصميم جديد.
كلما خطت شئ يحذفه مرة أخرى!
يفقد الشغف وعقله شاردا في التفكير بها فقط. عيناه على غرفتها يتساءل بداخله ماذا تفعل الان؟ لم تخرج من غرفتها منذ شجارهما معا. لم يستطيع فعل شئ الان ترك القلم من يديه وزفر بضيق ثم اتجه الي غرفتها وطرق على الباب بهدوء ليستمع الي صوتها الرقيق من الداخل.
ورد: نعم..
سليم بتوتر: انتي كويسه؟
اجابة: ايوا.
سليم: انتي مخرجتيش من اوضتك من ساعة ما رجعنا من برا! انتي مش جعانه؟
ورد: لا مش جعانه شكرا على سؤال حضرتك.
سليم بغيظ: برضه حضرتك!! طب ممكن تفتحي وتخرجي هنا عايز اتكلم معاكي.
اقتربت من باب الغرفة وتحدثت من خلف الباب وهي بالداخل: بس انا عايزة انام.
سليم بصوت غاضب: ورد افتحي واخرجي عايز اتكلم معاكي وبلاش شغل الاطفال بتاعك ده.
ورد بصدمة من الداخل: شغل اطفال!! يعني انا طفله؟!
ابتسم بمشاكسة وهو يجيب عليها بثقة: اه طبعا طفلة لان مفيش حد كبير يستخبى ورا الباب كده!
فتحت الباب وهو تنظر اليه بتحدي قائلة: انا مش مستخبيه ورا الباب على فكرة انا بس مش عايزة نتخانق تاني والافضل كل واحد فينا يكون في حاله.
تحدثت اليه بعفويه شديدة جعلته يبتسم بداخله، ها هي الان تتحدث اليه گزوجة مشاكسه تعاتب زوجها.
ارتسمت ابتسامه غامضه على محياه وهو يقترب منها قائلا بمشاكسة: كل واحد فينا هيكون في حاله ازاي واحنا حالنا بقى واحد دلوقتي.
شعور بالخوف يتسلل اليها مع اقترابه منها، توترت كثيرا وهي تتراجع الي الخلف وهو يتقدم منها اكثر حتى كادت ان تقع على الأرض ولكنه اسرع في وضع يديه اسفل ظهرها وقربها اليه.
خطر.. هذا الشعور الذي تشعر به الان، اقترابه منها بهذه الطريقة يجعلها ترتجف ولكن هذه المرة لم تكن ترتجف من الخوف! انه شعور اخر!
تأمل عيناها الساحرة التي تجذبه ببرائتها، نعم يشتاق اليها كثير ويتمنى لو يكتمل زواجهما الان، يستسلم الان الى قلبه الذي يطالبه بالاقتراب منها اكتر، هي زوجته وحللها الله له، اقترب من شفاتيها واخذها في قبلة ناعمه.
تجمد جسدها وشعور جديد يتسلل الي قلبها، ارتباك وخوف وذهول وصدمة،، مشاعر كثيرة بداخلها. كانت مستسلمة تماما للمساته. تشعر وكأنها بداخل حلم جميل يأخذها بعيدا عن احزانها وذكرياتها المؤلمة.
تعمق في تقبيله لها وكانت تجذبه أكثر بخجلها وعدم خبرتها.
صدح صوت جرس الباب جعلها تبتعد عنه وتدفعه بعيدا عنها! لا تصدق ما حدث الان كيف استسلمت لقربه هكذا؟
وقف سليم يلتقط انفاسه ويحدق بها بصدمة! لا يصدق ما فعله الان وأقتربه منها الذي تخطى كل الحدود.
يعود ويرتفع صوت جرس الباب مرة أخرى ليتحدث اليها سليم بصوت مبحوح دون ان ينظر اليها بعد ما حدث بينهما الان.
سليم: انا هروح اشوف مين؟
ثم اغلق الباب عليها.
وقفت للحظات قليلة تحاول استيعاب ما حدث بينهما منذ لحظات ثم ابتسمت بتلقائية وهي تضع يديها فوق شفتيها تنذكر قبلته له.
بالخارج وقف سليم ينظم انفاسه بهدوء قبل ان يفتح الباب.
فتح الباب وجحظت عيناه بصدمة عندما رأى والدته امامه تبتسم له ثم تقدمت منه تعانقه باشتياق.
الحاجة رابحة: سليم.. اتوحشتك يا قلب امك.
حدق بها بصدمة وهي تعانقه ليظهر والده امامه وخلفه اثنان من الخفر.
الحاج مرزوق: براحة يا ام عواد عايز اسلم على الدكتور انا كمان.
الحاجة رابحة وهي تعانق سليم ترفض الابتعاد عنه: اتحوشت ابني سيبني اشبع منه شويه.
الحاج مرزوق وهو يضحك: ما انتي هتقعدي معاه يومين تشبعي منه برحتك.
ابتعدت الحاجة رابحة عن سليم وعانقه والده بقوة.
كان سليم بداخل احضانهم شارد بصدمة في تلك الجالسة في الغرفة كيف سيخبر والده ووالدته بزواجه من ارملة شقيقه.
ابتعد عنه والده بعد شعوره بتجمد سليم بداخل احضانهم! كان شاردا صامتا فقط يحدق بهما.
الحاج مرزوق بقلق: ايه الحكاية يا سليم؟ واقف مش على بعضك ليه؟
تأملته الحاجة رابحة بدهشة هي الأخرى: ايه يا سليم انت مكنتش عايز تشوفنا ولا ايه؟
سليم بتوتر: ايه الكلام اللي بتقوليه ده يا أمي.. انتو وحشتوني طبعا.
الحاجة رابحة بشك: طب مش هتدخلنا بيتك ولا ايه يا سليم؟
التفت ينظر إلى غرفة ورد بتلقائية. شكت به والدته ونظرت الي والده الذي يتابع توتر سليم بدهشة هو الاخر.
سليم بتوتر: اتفضلوا طبعا يا أمي دا بيتكم قبل ما يكون بيتي.
دلفوا الي الداخل والحاجة رابحة تنظر إلى الغرفة التي ينظر اليها سليم من حين الي اخر بتوتر.
جلسوا ودلف الخفر بالحقائب الصغيرة وتحدثوا الي الحاج مرزوق باحترام: نحط الشنط فين يا حضرة العمدة؟
تحدث اليهما الحاج مرزوق بثقة وهو يشير بيديه الي الغرفة الصغيرة الذي دائما يمكثوا بها عندما يأتي الي زيارة ابنه: حطهم في الاوضة الصغيرة اللي هناك دي.
انتفض سليم يوقفه بصوت قوي: لأ.. استنا عندك.
حدق به والده بصدمه ونظرت الحاجة رابحة الي الغرفة بشك.
تحدث سليم الي الخفر: سيبو الشنط هنا وانزلوا انتوا.
نفذ الخفر ما أمرهم به سليم وتركوا الحقائب وذهبوا ليصدح صوت الحاجة رابحة بغضب: انت ايه حكايتك يا سليم؟ من ساعة ما جينا وانت واقف مش على بعضك.. والاوضة دي مالها عينك عليها من وقت ما جينا.. هي الاوضه دي فيها حد؟
وقف سليم أمامهما ونظر الي الغرفة. عليه اخبارهما بزواجه الان، لا يملك حل اخر!
تابع والده توتره بفضول وانتظر اجابته.
بداخل الغرفة كانت تجلس ورد فوق الفراش مازالت تتذكر قبلة سليم لها وتبتسم بخجل وتتساءل بداخلها كيف ستواجهه بعد استسلامها له المخجل. وكيف استسلمت لقبلته دون خوف من اقترابه منها!
بالخارج وقف سليم امام والده ووالدته وتحدث بقلق:
- في حاجة حصلت وانا ملحقتش ابلغكم بيها.. انا كنت مستني الفرصه المناسبه واجي ابلغكم بنفسي بس مبقاش ينفع دلوقتي ولازم تعرفوا.
نظر الحاج مرزوق الي زوجته بقلق وتبادلوا النظرات حتى نطق سليم كلمته الاخيرة: انا اتجوزت.
شهقت الحاجة رابحة وضربت على صدرها بقوة.
حدق به الحاج مرزوق بصمت.
صدح صوت الحاجة رابحة عاليا بصراخ: اتجوزت يا سليم!.. اتجوزت من ورانا.. ليه اهلك ماتوا ولا ميشرفكش تعرفنا بمراتك؟
سليم بصوت قوي: ايه اللي بتقوليه ده يا امي انا بتشرف بيكم قدام الدنيا كلها.
استمعت ورد من داخل غرفتها الي اصواتهم الذي ارتفعت فجأة وصراخ والدة عواد الذي تتذكره جيدا. ارتجف جسدها بخوف عندما استمعت الي صوت والدة عواد.
ارتفع صوت الحاجة رابحة اكثر وهي تتجه الي الغرفة الصغيرة الذي ينظر إليها سليم بتوتر منذ دخولهما:
- وست الحسن اللي ضحكت عليك واتجوزتك من ورا اهلك دي مستخبيه هنا؟
ثم دفعت باب الغرفة بقوة وغضب لتجد ورد امامها تجلس فوق الفراش.
نفس دفعة الباب، نفس الصراخ، كل شئ يحدث امام ورد وكأن هذا اليوم وتلك الليلة تعود وتتكرر معها مرة أخرى.
شهقت الحاجة رابحة بصدمة عندما رأت ورد زوجة ابنها عواد تجلس بغرفة ابنه سليم. جن جنونها وهي تقترب من ورد وسليم يركض على والدته ليبعدها عن ورد ولكنها كانت مثل الوحش الذي يريد القضاء على فريسته.
انتفض جسد ورد بخوف وركضت الي احد زوايا الغرفة وتعيش كل شئ حدث معها في تلك الليلة وانهارت وهي تجلس ارضا وتصرخ بهستيريه.
امسك سليم بيد والدته وهو يرى ما يحدث مع ورد من خوف وهلع وتحدث الي والدته بصراح لكي يوقفها ويمنعها الاقتراب من ورد.
سليم: كفاية يا أمي.. كفايه لو سمحتي.
صرخت به والدته بجنون: ايه اللي جاب البت الشوم دي هنا؟ بتعمل ايه عندك البت دي يا سلييييم؟؟
اجاب عليها سليم بقوة: مرااتي.. ورد تبقى مراتي يا أمي.
حدقت به والدته بصدمة ثم نظرت إلى ورد التي تجلس في احد زوايا الغرفة وتبكي بهستيريه وعلى الفور تذكرت هذا المشهد عندما علمت بخبر انتحار ابنها عواد وسقطت الحاجة رابحة فاقدة الوعي بين يد ابنها سليم.
وقف الحاج مرزوق امام الغرفة ينظر إلى تلك الجالسة بزاوية الغرفة تبكي بخوف.
حمل سليم والدته واخذها خارج الغرفة وَدلف بها الي غرفته ولم يذهب والده خلفه فقط وقف يحدق بالفتاة التي تجلس بزاوية الغرفة وترتجف وتبكي وتعانق جسدها بخوف!
وضع سليم والدته فوق الفراش وهو يهتف بأسمها بقلق.
دلف والده الغرفة واقترب منها يتحدث اليه بصدمة: ايه اللي حصل ده يا سليم؟ مرات اخوك عواد بتعمل ايه عندك؟؟
اجاب سليم علي والده بصوت قوي: دي مراتي يا ابويا مش مرات اخوياا.
حدق به والده بصدمة واقترب منه وهو يحاول افاقة والدته لكن والده اوقفه بيديه قائلا له: انت اتجوزت مرات اخوك؟؟
سليم بصوت قوي: ورد مش مرات اخويا.. اخويا مات وانا اتجوزتها.
الحاج مرزوق بدهشة: يعني من وسط كل بنات الدنيا متتجوزش غير اللي كانت متجوزه اخوك يا سليم؟
جلس سليم بجوار والدته فوق الفراش بتعب واجاب على والده بحزن: انا مكنتش اعرف انها كانت مرات عواد.
الحاج مرزوق: مكنتش تعرف ازاي؟
سليم: انا مشوفتش اللي عواد اتجوزها ولما مات وهي رجعت بيت عيلتها برضه مشوفتهاش.
الحاج مرزوق: حتى لو مكنتش تعرف ازاي تتجوز من ورانا يا سليم؟
سليم: اسمعني يا ابويا وانا هحكيلك كل اللي حصل.
بدأ سليم في سرد ما حدث واخبر والده كيف تزوج ورد.
بداخل غرفة ورد ، مازالت تجلس تعانق جسدها تبكي بخوف، كل شئ يتكرر كما حدث معها في الماضي. عليها ان تتحرر من تلك الذكريات. وقفت تستند بالحائط.
اقتربت من باب الغرفة ووصل الي سمعها صوت سليم ووالده بالغرفة المجاورة لها.
اخبر سليم والده كيف تزوج ورد وتحدث اليه الحاج مرزوق: طول عمرك راجل يا سليم وانا عمري ما رجعتك في قرار انت بتاخده بس انت المرادي غلطت يا سليم وامك لما تفوق دلوقتي وتتأكد ان اللي شافته ده حقيقي ممكن تقع ميته مننا المرادي.
سليم برجاء: يا ابويا انا متجوزتش ورد حب فيها انا اتجوزتها عشان اعرف هي السبب ان اخويا ينتحر ليلة فرحه ولا لأ.
تحدث اليه والده بترقب: ولو اتأكدت انها السبب هتعمل ايه؟
سليم دون تردد: هقتـ " لها..