رواية هالة الفصل الثالث و العشرون بقلم جميلة القحطاني
في تلك اللحظة، وفي محافظة بعيدة، كان يحيى، حفيد عاصم الدمنهوري، يجلس أمام والده كمال في مكتب المنزل الفخم. أوراق نتيجته الدراسية مبعثرة على المكتب... كلها درجات ضعيفة.
كمال ينظر إليه بخيبة أمل ده مستواك يا يحيى؟ حفيد عاصم الدمنهوري؟! عيب!
يحيى يضغط على أسنانه، لكنه لا يرد. يغادر المكتب وهو يتمتم:كل حاجة مقارنة... حتى فشلي بقى عار في نظرهم.
وفي الجامعة، وبينما يحاول الابتعاد عن الجميع، يواجهه أحد الطلاب المتكبرين، باسم، الذي يسخر منه أمام أصدقائه:ابن الأكابر بس مش لاقي حرفين يعدي بيهم.
لم يحتمل يحيى الإهانة، فاندفع عليه ولكمه بعنف، لكن باسم كان مستعدًا، فرد الضربة، وسقط الاثنان في عراك عنيف، حتى تدخل الأمن الجامعي.
في نظر الجميع، يحيى أصبح المتمرد، لكن الحقيقة أنه شاب يُكبت داخله بركان من القهر والانهيار النفسي.
في صباح يوم جمعة مشمس، تملأ رائحة الفطير البلدي والسمن البلدي أرجاء فيلا عائلة الدمنهوري. صوت ضحك الأحفاد يتصاعد من الحديقة، ومزمار عم إبراهيم البواب يعلن أن هذه الجمعة لن تمر مرور الكرام.
كانت الجدة نوال تجلس على الشرفة، ترتشف الشاي وتراقب الجميع بنظرة فيها حنية وخوف، بينما تقول بصوتها المهتز:اللمة دي نعمة يا ولاد... بس اللمة دي مش دايمه، حافظوا على بعض.
في الداخل، كانت مها تلاحق فارس وتصيح:هات موبايلي يا فارس! فيه صور محروجة ليّا يا مجرم!
فيرد فارس ضاحكًا: أنا مش مجرم، أنا صحفي استقصائي في العيلة دي.
أما مالك، فكان مختبئًا خلف الستارة يصور الموقف بهاتفه، ليضيفه لاحقًا إلى أرشيف الفيديوهات السرية للعائلة.
في المطبخ، تعلو أصوات الخلافات بين كمال ونبيل:يعني إنت اللي تفهم في الإدارة وأنا لأ؟ يا سلام!
مش مسألة فهم يا كمال، بس إحنا محتاجين حد يطوّر، مش يعلّق على كل حاجة وخلاص.
خارجًا في الحديقة، يجلس يحيى وحده على الأرجوحة، سماعات الأذن تملأ أذنيه بموسيقى حزينة. يراقب أسرته من بعيد، يضحكون، يثرثرون، ولا أحد يلاحظ وحدته.
