رواية ليتك كنت سندي الجزء التانى الفصل السادس و العشرون بقلم اسماء عبد الهادى
الظلم ظلمات يوم القيامة...وكل ساقيٍ سيسقى بما سقى
فبحسب عملك ستُجازى..أن خيرا فخير وان شرا فشر..فلا تظن أنك ستنام قرير العين وأنت كسرت بخاطر ذاك..وظلمك هذا..وتسببت في وجع أولئك ..فمن أين تأتي بالراحة يا مسكين والملائكة الكرام يكتبون طيلة الليل أعمالك السيئة كلها والتي لا حصر لها.
ظنت سناء أنها بعدما فعلته برهف من ادعاء بالباطل وقذف محصنة وتفريق بينها وبين زوجها واخوتها وحرصها على أذية الجميع لها بدنيا ونفسيا...وما فعلته أيضا ل ابنتها بكسر خاطرها وتحطم قلبها بكلماتها اللاذعة
أنها ستفلت من عقاب الله في الدنيا قبل الاخره..هيهات هيهات فهي والله مسكينة لا تدري أنها على نفسها جنت
وها هي تحصد اولى ثمار ما فعلته
وعليها تقبل زوجها على حاله ..نزواته .. شهواته..إدمانه..فظاظته..غلظته..كل شىء
دون أن تجرؤ على الشكوى فهي من اختارته بمحض إرادتها وبرغم عدم تقبل الجميع للأمر.
لذا فما كان منها إلا أن خلت بنفسها بالغرفة الأخرى وأحكمت غلقها جيدا
وأمسكت برأسها والتي ستنفجر من فرط الصداع الذي ألم بها
____
أسماء عبد الهادي
جاء آدم بعدما أنهى عمله ليفحص الفتاتين ..فأعطى لملك حقنة مهدئة لتريح أعصابها المتعبة وأجهزتها الحيوية المنهكة
أما رهف فأخبرها أنها بخير ولا تحتاج لعلاج لكن عليها ألا تسمح لنفسها بالانخراط في الحزن والكآبة لحتى لا تتعب أكثر
ونصحها بأن تتسم بالتجلد اكثر من هذا وتدع تلك الروح الرقيقة والمرهفة جانبا فلا تستخدمها في كل أوقاتها فهناك اوقات يحتم على المرء فيها استخدام التجلد والشدة .
بعد عدة أيام ولا شىء جديد يذكر سوى أن ماهر عاد من عمله ليقضي إجازته بصحبة زوجته الحبيبة ليحظيا ببعض الوقت الممتع معا ..ليتفاجىء بما حدث لملك فتنقلب أيام إجازته الى كمد ولوعة أصابت الجميع.
أسماء عبد الهادي
أما آدم فأتم خطبته من الطبيبة عبير في المشفى ولا احد غيرهما حضرها فهو ذهب معها ليختارا خاتم الزواج وألبسها إياه في غرفة مكتبه في هدوء تام
فلا أحد منهما مهتم بتلك المظاهر ولا الشكليات الفارغة من وجهة نظريهما.
قص آدم على أخته ما فعله فهو لا يخفي عنها شيئا فلم تبدي أي ردة فعل فهي مستاءة منه على كل الأحوال ..لكن بما أنه مُصر فرأيها لن يؤثر في قراره ففضلت الصمت أرجى من الكلام...وتمنت لصديقتها عوضا جميلا عن كل ما مرت به.
أســــمــــاء عــــبـــد الــــهــــادي
عندما اشتد عود ملك وأصبح حالها افضل من ذي قبل فباتت تنهض من الفراش وتتجول في غرفتها والتي هي ف الاصل غرفة رهف... فأصبحوا يتشاركان فيها
وجدت رهف تدلف الغرفة وفي يدها وجبة طعام وكوبا من اللبن الدافئ وتهتف بابتسامة صافية
_صباح الخير يا ملوكة... يارب تكوني أفضل النهاردة.
طالعتها ملك دون أن تجيبها
لتهتف رهف بعد وضعت الصينية من يدها على الطاولة
_أنا حبيت أجي افطر معاكي بدل فطارك لوحدك كل يوم وياريت بترضي تاكلي حاجة .
_خايفة عليا؟
_طبعا .. يهمني صحتك يا ملك.. ربنا ياحبيبتي يخفف عنك وتقومي بالسلامة يارب وترجعي زي الأول وأحسن.
_ليه
طالعتها رهف بدهشة فضيقت عيناها متسائلة
_ليه إيه؟
فتحت ملك فمها وحاولت الاستناد على الطاولة بضعف وهتفت بحرقة
_ليه بتعامليني كويس رغم كل الوحش اللي عملته فيكي... ليه بتساعديني ومتحملاني وشايلة مسؤليتي رغم أن أمي من ساعة ما عرفت اللي حصل معبرتنيش وكأنها اتبرت مني وكإن اللي حصل كان بمزاجي...ليه انتي طيبة وساذجة كدا.
تحدثت رهف بهدوء
_وليه أكون غير كدا ... هستفاد إيه من إني أحقد عليكي او أنتقم منك... سعادة لحظية !! متفرقش معايا... ملك الدنيا مش مستاهلة نشيل من بعض او نحقد على بعض..الدنيا اللي الناس بتتهافت عليها وبتقتل بعض علشانها دي متسواش عند ربنا جناح بعوضة ..فليه افضل أربي في عداوات في حين أن كسب الود أسلم للنفس ..وراحة للقلب.. ملك أحوال الدنيا ممكن تتقلب في لحظة فمحدش يأمن شرها .. وأبسط دليل اللي حصلك وعمرك ما كنتي تتوقعيه... علشان كدا بحاول أصفي نيتي تجاه أي حد على قدر ما أقدر يمكن تكون دي المنجية مش شرور كتير ممكن تكون محاوطاني.... صحيح اتأذيت واتبهدلت ..لكن لو اتمعنت في كل اللي حصلي انه كله في الآخر خير ليا مش شر... عقلي اتفتح واتعلمت حاجات عمري ما كنت هتعلمها لو مكنتش مريت بالتجارب السيئة دي ويمكن أفضل حاجة حصلتلي إني كسبت حب أخويا ماهر ليا.. فمتظنيش اللي حصلك ده نهايتك او انك بكدا ضعتي بالعكس..اللي حصلك ده فتحلك طريق سعادة يمكن مش شايفاها دلوقتي لكن هتشوفيها بعدين...قضاء ربنا كله خير ..المهم انك ترضي وتصبري وتحتسبي وربنا عمره ما هيضيعك.
أغرورقت عينا بالدمعات تأثرا وهتفت بإعجاب صادق ولأول مرة تمدح رهف بدون حقد او غيرة
_يااااه إنتي إنسانة جميلة أوي يا رهف.. ونظيفة من جوا... ياريتني كنت زيك كدا..ياريت.
مدت رهف يدها نحو ابنة خالتها وابتسمت بوجه بشوش
_كل حاجة في إيدك دلوقتي يا ملك..مصير قلبك بين إيديكي إنتي .
_هتساعديني.
_مش هتخلى عنك أبدا
_واللي حصلي هتخطاه إزاي.
_تجاهليه... انسيه وعيشي حياتك ولا كأن حاجة حصلت.
_صعب
_إحنا بإيدينا اللي بنحكم في الأمور ونصعبها على نفسنا... مفيش حاجة صعبة بالإرادة القوية... اشغلي نفسك بالعلم و بالعمل ..المهم متخليش عقلك يفكر لمرة يرجعك لورا... دايما خليكي باصة لقدام وخلي عندك شغف وطموح للحياة.
_والجواز؟
_اللي يحبك بجد هيوافق بيكي زي ما انتي... مش مضطرة تتنازلي علشان سبب إنتي ملكيش يد فيه.
_حتى لو فضلت من غير جواز؟
_وإيه المشكلة المهم أن الإنسان يعيش سعيد ومرتاح البال..افضل من جوازة فاشلة يعيش بقية عمره تعيس وبائس
_وكلام الناس؟
_لو فضلنا نراقب الناس عمرنا ما هنسلم...الناس عمرها ما هتبطل كلام فالمهم نراقب رب الناس ...نسلم.
_كلامك جميل وريحيني أوي.
ابتسمت لها رهف
_ده كلام دكتور آدم ليا في الجلسات الأسبوعية اللي بيعملهالي ...زي ما تقولي كدا كان بيعملي إعادة تأهيل لإني كنت فقدت الثقة في كل حاجة ..حتى الحلو مكنتش أظن أنه موجود على وش الأرض..لكن بفضل د/ آدم بعد ربنا اتغير فيا حاجات كتير.
ابتسمت لها ملك ..فسُرت رهف لذلك واعتبرتها بارقة أمل لتخطي ابنة خالتها ما حدث لها وتقدمها خطوة نحو الأمام ..فحمدت الله أنه جعلها سببا لتخفيف وجه أحدهم
ف
"من نفث عن مؤمن كربة، نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أمسكت رهف بكوب اللبن وهتفت بحماس
_مش هنفطر يلا؟
قالتها وهي تناول ملك الكوب فتلقفته يد ملك بهدوء لتتجرعه كله بعد أن كان لا يدخل جوفها سوى القليل.
___
تقدم منها ببطىء شديد ..يقدم قدما ويؤخر الأخرى..ينظر لها بينما تجلس على الطاولة في المكان الذي اتفق أن يقابلها فيه ...فأتت هي على الموعد تماما بعدما أخذت الاذن من أخيها الأكبر
أخذ نفسا عميقا محاولا إخفاء طيف تلك الغمامة الحزينة التي حلقت فوق رأسه ...ومن ثم تظاهر بالإبتسامة وهتف قائلا
_السلام عليكم...إتأخرت عليكي؟
بادلته الابتسامة بأخرى صافية وهتفت بهدوء بينما نظرت لساعة هاتفها
_وعليكم السلام و رحمة الله...لا أبدا في معادك بالظبط...بس مش غريبة نتقابل هنا في مطعم برا البيت ؟؟
سحب مقعدا ليكون مقابلها ثم هتف محاولا التظاهر بالجمود ..محاولا أن يسكن ذلك الصوت الذي يؤلم قلبه بسبب قراره الذي لا تراجع فيه أبدا
_معلش يا سها.. أنا جبتك هنا علشان عايز أتكلم معاكي في موضوع مهم .
طالعته باهتمام ونظرت له بجدية
_اتفضل سامعاك يا ماهر.
أدار وجهه يبحث عن النادل وهو يقول
_الأول تحبي تشربي إيه؟...تحبي أطلبلك العصير اللي بتحبيه؟
ضحكت سها ضحكة خافتة ثم هتفت بينما وضعت إصبع يدها أسفل أنفها بحرج
_وكمان عارف العصير اللي بحبه؟
أجابها بهيام مصحوبا بالضياع وهو يحاول التهرب من النظر إليها
_طبعا..سها اللي بيحب حد بيبقى عايز يعرف كل حاجة عنه حتى أبسط الاشياء وأدقها... وأنا مش بس بحبك.. وربنا اللي يعلم معزتك في قلبي قد إيه.
ابتسمت له بحرج وتوردت وجنتاها ومن ثم أخفضت رأسها لأسفل.
توتر ماهر أكثر... فأكثر ما يعجبه بزوجته هو حياؤها وخجلها المحبب لقلبه ..فابتلع ريقه بصعوبة... لصعوبة ما سيقوله على قلبه وفؤاده المتيم بها.
بعد لحظات قليلة حضر النادل ووضع المشروبات أمامهم
ليتحدث ماهر معربا عن مشاعره تجاهها
_سها إنتي طبعا عارفة إنك الحب الوحيد في حياتي...وان قلبي كان مقفول ومتجمد ومتفتحش غير ليكي وبس ومأظنش هيتفتح لغيرك .
رغم أن كلماته جميلة ومعسولة إلا أن سها أحست أن وراء تلك الكلمات الرقراقة ..شىء خفي ..فهتفت بتوجس
_ماهر... إنت عايز تقول حاجة!!
_سها أنا عايزك تتأكدي إنه مهما حصل مش هحب غيرك...وإني مخطبتكيش وكتبنا الكتاب إلا علشان مشفتش حد غيرك تنفع تكون مراتي وأم عيالي.
ارتابت سها أكثر وهتفت بقلق
_ماهر ممكن بلاش المقدمات دي وتدخل في الموضوع علطول...أنا ابتديت أقلق!!!.
أغمض ماهر أعينه هنيهة ثم فتحهما بسرعة وتحدث بجمود رغم الضعف الذي بعتري قلبه لكنه يتظاهر بالقوة والثبات
_سها اسمعي.. أنا جيت النهاردة علشان أخيرك...إنت تقبلي تكوني زوجة تانية ..أو ننفصل ...ليكي مطلق الحرية وأنا هحترم قرارك ده جدا.
شهقت سها ونظرت له بزهول ..لتهتف بصوت مضطرب
_زوجة تانية!!!... أنا مش فاهمة حاجة!
_سها أنا هتجوز ملك بنت خالتي النهاردة وده قرار نهائي.
قالها بسرعة وكأنه يتخلص من قنبلة على وشك الانفجار داخل فمه
إزدردت سها ريقها وترقرقت العبرات في مقلتيها
_تتجوز ملك!!.إنت بتهرج صح!.
حزن لأنه سبب في تعكير صفو مزاجها لذا تحدث بصوت خفيض لكنه جاد، بينما أخفض أعينه قليلا
_أنا بتكلم جد يا سها..انتي عارفة اللي حصل لملك ..وأنا إستحالة أسيب بنت خالتي لحد ممكن ينقص منها او من شرفها...أنا هتجوز بنت خالتي وهسترها وهأويها في بيتي وهحاول أعيشها معززة مكرمة يمكن تقدر تتخطى اللي حصلها وتنساه ...حبيتي..توافقي علي الوضع ده وإن يكون معاكي واحدة تشاركك في زوجك وفي الحقوق والواجبات ...يبقى صدقيني عمري ما هفرق بينكم في المعاملة ولا هظلم واحدة على حساب التانية ..هعاملكم بالعدل اللي أمر بيه ربنا ... مرضتيش بالوضع فليكي حق بطلب إننا ننفصل وأنا حقيقي هحترم قرارك وهقدره كمان ...أنا آسف والله يا سها الظروف اللي حكمت بكدا
أغرورقت أعينها بالدموع وهتفت بضيق
_طيب ليه إنت مش أخوك ماجد..على الاقل انت متجوز ...ماجد مش مرتبط حتى. وكمان وكمان...
كادت أن تقول أن ملك يميل قلبها لأخيه ماجد ..على حسب ما تذكره من حديث رهف عنها .. لكنها لم تستطع النطق بشىء ففضلت أن تقص كلامها وتكتفي بالصمت
ليهتف ماهر بحدة وثبات
_وأنا مش هروح أقول لأخويا أتجوز انت ملك... لو معملهاش هو من نفسه مش هقوله أنا.... ومش هينفع انتظر حد يستر عرض بنت خالتي غيري ..الحاجات دي مفيهاش مجاملات او تسويفات ..ملك من النهاردة هتكون زوجتي على سنة الله ورسوله.. زيها زيك بالظبط.
لم تتحمل سها ما يقوله فهبت من مكانها ورمقته بنظرة خاطفة قبل أن تبتعد عن المكان تتبعها دمعاتها التي تسقط على وجنتيها بحرارة ولوعة.
تتبعها بأعينه الباهتة وقلبه البائس إلي أن اختفت عن ناظرية ليمد يده نحو وجهه يسمحه ببطىء يحاول أن يتحكم في جمرة من النار التي تتأجج بداخله حرقة على مهجة قلبه التي غادرته للتو..لعن الوضع الذي هو به ...ندب حظه العكر وأشفق على تلك المسكينة"سها" التي لم تدم فرحتها وقتلت في مهدها...لكنه ومهما حدث لن يحيد عن قراره أبدا فملك مسئوليته ولم يتوان في تقديم المساعدة حتى لو على حساب قلبه.