رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السابع و العشرون 27 بقلم نورهان ال عشري



  رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السابع و العشرون  بقلم نورهان ال عشري



قُدت حروف الألم بشواظٍ مُشتعِلة فوق جُدران القلوب.

تروي فجيعة نعامةٍ هلِكت برائتها وتناثرت دمائها بين أروقة الدروب .

فالعشق كان إثمها، والشجو بات عُقبها، والقهر مارس فُحشة كسافحٍ لا رادع له، ظالمٍ لا يهوب. 

لا البوح يقدر أن يفِ، والصمت لم يكُن وفي، والدمع طوفانه سخي لا تكفه فيض الصبوب. 

تُرى هل من سبيل لـ نجاتنا؟ وثوب الروح أضحى هالكًا بُليت خيوطه ولفقتها إجثام الندوب!

أم أن الشِقاق بات رفيقنا برحلةٍ تأبى الفناء وهي غارقة بـين أوحال الذنوب؟

بالله أُناشدك يا قلبٌ ما أذلني سواه ألم يحِن الوقت كي تهجر العشق وأن تتوب؟


نورهان العشري ✍️ 


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


توجهت إلى شقتها غافلة عن أعيُن كانت ترصدها باهتمام فقد كانت غارقة في التفكير بقراراتها التي تأمل أن تكُن صائبة، و أخيرًا وصلت إلى البيت لتدلف إلى الداخل ومنه إلى الأعلى لتفتح شقتها و تتوجه إلى غرفة نومها لتحضر ملابسها و حين كانت تضع أغراضها داخل الحقيبة تخشي جسدها حين سمعت هذا الصوت الآتي من الخلف


ـ تعرفي اني كنت عمال ادعي ربنا اني اجي البيت الاقيكي فيه. 


هربت الدماء من أوردتها حين سمعت ذلك الصوت المقيت خلفها مُباشرةً، فشحبت ملامحها من فرط خوفها الذي جعل دقاتها تثور بعُنف و كأنها تبغي الهرب من بين ضلوعها خوفًا من هذا الخطر المُحدق بها. 


اخذت تستجدي ثباتها و هي تُردد دعاء سيدنا يونس وهو في بطن الحوت 

ـ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 


قبل أن تلتفت بتريُث لتواجه أكثر إنسان تمقته في هذه الحياة ولكنها اجلت خوفها لتتحمحم بخفوت قبل أن تقول بنبرة جامدة

ـ كويس انك خرجت بسرعة. عشان نخلص احنا كمان بسرعة. 


كان يُقيم مظهرها الذي و إن كان يشوبه بعض القلق ولكنه جديد كُليًا عليها لذا ضيق عينيه بمكر قبل أن يقول بتهكم 

ـ دا بدل ما تقوليلي حمد لله عالسلامة، و الحمد لله انك بخير


أشجان بنبرة يفوح منها رائحة الكُره

ـ مفيش خير أبدًا في شوفتك أو في وجودك.


اغضبه وقوفها أمامه الند بالند و تلاشي هيبته في عينيها لتتجعد ملامحه وتتقد عينيه بالشر ليتقدم منها بخطوات وئيدة فبترت هي تقدمه حين قالت بنبرته مُحذرة 

ـ مكانك. 


أمين بنبرة كارهه

ـ هي حصلت ! بتأمريني يا أشجان! مسنودة على مين يا بنت رضا ؟ 


تفاجيء حين قامت بجذب فازة الورد التي تتوسط الطاولة بجانبها و قامت بضربها بعُنف في مؤخرة السرير لياحطم معظمها و يتبقى بين يديها قطعة زجاج حادة لتهتف بشراسة شخص يحاول التمسك بأخر خيط يجعله على قيد الحياة

ـ مسنودة على نفسي يا أمين. مبقتش مسنودة على حد، ولا هستنى حد يدافع عني. أشجان القديمة ماتت هنا في الأوضة دي.


بهتت ملامحه من صُراخها الذي كان أهون من سهام كلماتها التي أطلقتها في وجهه دون اعتبار لأي شيء كان يُخيفها منه في السابق 


ـ كل حاجه حلوة فيا ماتت مع كل ضربة ضربتهالي و كل كلمة مسمومة قولتهالي كانت زي الخنجر اتغرز في قلبي، و كل مرة اخدتني فيها بالغصب زي الحيوانات. خسرتني كل حاجه حلوة فيا. مبقاش جوايا غير شيطان عايز ينتقم، و مش فارقله حاجه ولا حد، فلو مستغني عن عمرك قرب مني، وانا والله العظيم ما في شيء هيسعدني في الدنيا غير ان موتك يكون على أيدي.


كان كالمصعوق من تيارات حديثها الكهريائيه التي أصابت مكامن ضعفه الذي كان يواريه خلف ابتزازها و التقليل منها و إهانتها، فالآن هي من اهانته، و الأدهى من ذلك أن عينيها كانت تؤكد على حديثها مما جعله يلجأ إلى آخر سلاح يملكه هذه الدنيء، فإذا به يخر على ركبيته باكيًا كالأطفال وهو يقول بتحسُر

ـ لا . اكيد أنا في حلم. مش حقيقي. أنتِ مش كرهتيني. أنتِ عمرك ماتكرهيني. لا يا أشجان. لا متعمليش فيا كدا. اقتليني بس بلاش تقوليلي كدا.


تأجج بؤبؤ عينيها من فرط الصدمة حين رأته في هذه الحالة حتى سقطت قطعة الزجاج من يدها لتتفاجئ حين رأته يهب من مكانه ويقوم بالتقاطها و وهو يتقدم نحوها و يضع الزجاجة بين يديها وهو يقول بانفعال

ـ موتيني. انا اللي بقولك. لكن تكرهيني لا. انا بحبك. انا محبتش حد في حياتي غيرك. 


فاقت من صدمتها على لمسته ليديها أصابتها بالتقزز، و حتى كلماته و بكائه لم يتردد صداهم بأي ركن بقلبها الذي كان هو سبب علته لتجذب يدها من يديه بقوة جعلت جرحًا كبيرًا يشق إصبعه لتتناثر الدماء من يده، و لكنها تجاهلت كل شيء وهتفت بقسوة

ـ وانا مكرهتش حد في حياتي قدك. أشجان الوحشة، التخينة، النكدية، اللي متملاش عين اي راجل بتقولك بكرهك. ها ايه رأيك؟ 


كانت تختار كلماتها بعناية كي تدُك الباقي من كبريائه، ولكنه كان وضيعًا بدرجة امتياز جعلته يقول بتوسل

ـ عمر اللي يحب ما يقدر يكره، وبعدين انا كنت بقولك كدا عشان متفكريش تبعدي عني و تسبيني. افهمي بقى. أنت كنت فاكر انك الحضن اللي مهما عملت هيفضل مفتوحلي العمر كله. زي أمجد كدا امجد عارف أنه مهما عمل هيفضل حضنك مفتوحله. اعتبريني كنت بتدلع عليكي. ابنك و غلط هترميه! 


شوه الكُره ملامحها الجميلة و نبرتها حين هتفت بقسوة

ـ اه هرميه. 


امين بتوسل

ـ طيب اسمعيني. اديني فرصة واحدة بس. خليكي هنا دا بيتك، وانا هفضل تحت، و هقعدك من الشغل، و هجبلك كل اللي بتحلمي بيه هعوضك عن كل حاجه خسرتيها. هخليكي هانم.


راق لها مظهره و توسله كثيرًا و اهتاجت بداخلها رغبة شيطانية في إذلاله أكثر لتقول بتهكم 

ـ والله ! و هتعمل دا ازاي بقى وانت مفصول من شغلك بفضيحة زي دي! 


لمحة من الغضب الشيطاني لونت عينيه و ملامحه ولكنها سُرعان ما انمحت ليعود رداء الملائكة يتلبسهم من جديد حين قال

ـ أنا عندي مشروع و اتنين و تلاته غير الوظيفة، و معايا فلوس كتير . أنتِ بس اسمعيني و اديني فرصة.


لجأت للصمت لثوان تُقيم بها كل شيء، فتابع يضرب على اوتار ضعفها

ـ افتكري ولادنا قبل اي حاجه. افتكري اني بالرغم من كل شيء كنت أب كويس ليهم. انا عارف انهم اغلى حاجه عندك في الدنيا فكري فيهم، و في كسرتهم لو فعلا أطلقنا.


غامت عينيها بألم زحف إلى ملامحها و بدأت وخزات الضمير تنغز بقلبها لتنبثف دمعة خائنة من طرف عينيها جعلت كبريائه المريض ينتشي حين ظن أنه استطاع التأثير بها، و ابتهجت ملامحه أكثر حين سمعها تقول بخفوت

ـ اديني فرصة افكر.


هتفت بلهفة مصحوبة بابتسامة عريضة

ـ براحتك. فكري، واي حاجه تعمليها أنا موافق عليها. 


اومأت برأسها قبل أن تقول بجمود

ـ انزل تحت لحد ما اخد حاجتي و أخرج، وياريت مشوفكش لحد ما اكلمك اقولك قراري.


شاب الخُبث نظراته و نبرته حين قال

ـ موافق.


اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، يا الله، يارب، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك باسمك العظيم الأعظم أن ترزقني رزقًا واسعًا حلالًا طيبًا، برحمتك يا أرحم الراحمين ♥️


★★★★★★★★★


ـ ادخلي يا عروسة واجفة ليه؟ 


هكذا تحدث رحيم بنبرته الجافة وهو يقف أمام باب غرفتهم بالفندق لتشعُر ضي بالرهبة، ولكن لم يكُن أمامها مفر من طاعته لتتقدم بخطٍ وئيدة وكأن قدماها عاجزتين عن حملها كما أن عينيها كانت هي الأخرى عاجزة عن حجب نظرات الخوف التي تسكنها، وقد رأى ذلك بوضوح فما أن وجدها تتوسط الغرفة الكبيرة تقدم الى طاولة الطعام و جذب كوب من المياة ليتجه إليها وهو يقول بجمود

ـ اشربي شويه ميه خلي صوتك يطلع أكده عشان قي كلمتين عايزين نجولوهم. 


ارتعبت من حديثه و قد ظنت بأنه يقصد شيئًا آخر، فتضاعب الخوف بنظراتها، ولكنها اطاعته لتقوم بأخذ كوب المياة من بين يديه بكفها الذي كان يرتجف للحد الذي جعل الكوب يكاد يسقط منها ولكنها تفاجئت حين امسك كفه الدافئ بكفها الذي يحتضن كوب المياة و قام برفعه ليقربه من شفتيها حتى ترتشف منه بعض قطرات المياه وعينيه على اتصال مُباشر مع عينيها التي تاهت في هذا الزيتون المدفون بين حدقتيه، والذي كان يحمل سلامًا و أمانًا جعلها لم تنفر من لمسته أبدًا بل على العكس ظلت يدها عالقه بين كفه الضخم و بينهم كوب المياة ليبتسم رحيم ابتسامة بسيطة قبل أن يقول برزانة

ـ الخوف اللي في عنيكي ده عيبه كبيره جوي في حجي.


تابعت من جملته لتتأرجح الكلمات فوق شفتيها حين قالت

ـ يعني اي؟ 


رحيم بوقار

ـ اجعدي يا بت الناس خلينا نتحدت شوية مع بعضينا.


اطاعته لتجلس في منتصف الأريكة وهو في المقعد المقابل لها ليبتدأ حديثه قائلًا 

ـ جبل ما ابدأ حديتي لو في حداكي اي سؤال جوليه واني سامعك. 


لم تستطِع منع هذا الاستفهام المُلح من مغادرة شفتيها حين قالت بلهفة

ـ هو ليه واحنا چايين اهنه مركبناش في عربية العروسة ؟ 


ابتسم رحيم على عفويتها و برائتها ولكنه اكتفى بالقول بغموض

ـ عشان سلامتك حاچة مهمة جوي. 


ـ يعني اي؟ 


رحيم بخشونة

ـ في حاچات مش هتعرفيها دلوك. بس اتوكدي اني مش هضحي بيكي، ولا عمري هأذيكي. أنتِ أمانة عِندي. 


ضي بعدم فهم

ـ يعني اي أمانة عندك؟ و ليه امي خلتك تتچوزني؟ 


رحيم بجمود

ـ لسه منتيش چاهزة تعرفي كل حاچة يا بت الناس. اصبري على رزجك. اللي لازم تعرِفيه أن أمك بتخاف عليكي، و معملتش غير اللي في مُصلحتك.


اومأت برأسها بخيبة أمل و تهكم مرير تجلى بوضوح في نظراتها ليتوجه رأسًا إلى نقطة لا جدال بها حين قال بنبرة جادة 

ـ من اليوم ورايح لازم تعرِفي أن وضعك اختلف. أنتِ بجيتي مرت رحيم الوتيدي. يعني لا حد يجدر يزعلك ولا يضايجك. 


ضي بنبرة حزينة

ـ ايوا ماني مرت الكبير.


رحيم بجفاء

ـ الموضوع مالوش علاقة بكبير أو صغير. الراچل لازم يخاف على مرته و ميسمحش لحد يهينها أبدًا ولا يدوسلها على طرف. سواء كبرت ولا صغرت مش هيحصول غير اللي جولتهولك ده.


على قدر جهامة أسلوبه ولكن كلماته أشعرتها بالراحة، فلأول مرة تشعر بأنها شيء ثمين يستحق حماية أحد لذا لاح شبح ابتسامة فوق ملامحها التقمتها عينيه، فتابع بصرامة

ـ و بالرغم من كل دا، مش عايزك تنسي انك عارفة زين البلد و ناسها، و عارفة چبروتهم و شدتهم، فلاش منيها نظرات الرُعب ده. لازمن يشوفوكي جوية و شديدة. اني مش هبجى چارك طول الوجت اني راچل عِندي التزامات و مشاغل. عايز اسيب ورايا في الدوار راچل. يمشي الكل على العچين ميتلخبطش. فهماني ؟


ضي بتوجس

ـ وه. كيف هجدر اعمل ده ؟ 


رحيم بنبرة حازمة

ـ هتجدري. لما تحطي في راسك أنتِ مرات مين و قدرك ايه وسط الخلج هتعرفي. چو البكى و النواح اني محبوش. خدي حجك تالت و متلت و تعالي جوليلي لكن متچيش تعيطي و تجوليلي الحجني. 


ضي باستنكار

ـ و اني يعني لو خدت حجي و چيتلك مش هتيجي تجولي أنتِ غلطانه، ولا هتنصرني على أهل دارك! 


رحيم بصلابة

ـ بدل معاكي الحج اني في ضهرك. اجتلي الجتيل وتعاليلي ندفنه سوى. أهم حاچة تكوني على حج سمعاني! 


اومأت برأسها ليتحمحم بخشونة قبل أن يقول

ـ بكرة الصبح هنعاودوا على البلد، و الطريج طويل جومي غيري خلجاتك، و اتعشي و ريحي شوي. 


توسعت عينيها من حديثه، فهذا يعني انه لن يُجبرها على شيء تجاهه، و قد فطن إلى ما يجول بعقلها ليهتف بتخابُث

ـ الا لو مش نعسانه تعالي نسهروا سوى ! 

هبت من مكانها بلهفة وهي تقول

ـ لا نعسانه داني هنام واني واجفة.


ابتسامة عريضة ارتسمت على ملامحه من حديثها قبل أن يقول برزانة

ـ خليكي متوكدة اني عمري ما هچبرك على حاچة أنتِ مش عيزاها. رحيم الوتيدي عمره ما يچبر حُرمة عليه. اني هستناكي لما تاچي و تجوليلي انك ريداني.


هذه المرة كان حديثه هو القنبلة بعينيها، والتي ما أن تجاوزت عن ضجيجها قفز استفهام ساخر إلى عقلها 

ـ هل هذا الرجل أخرق ليظن بأنها ستطلب منه الاقتراب منها؟! 


تجاهلت أفكارها لتوميء برأسها قبل أن تهتف بامتنان

ـ تصبح على خير.


مضي قُرابة الساعتين وهو يجلس في الخارج يُفكر في كل ما يحدُث بينهم و معهم، وكان قلبه يعج بالشفقة تجاه هذه الفتاة التي ابلاها الزمن بهذا الرجُل ليكون والدها و الذي ان طالته يداه سيقطعه إربًا. كان يُطمأمنها بأنها آمنه بجواره ولكنه لم يخبرها بأن قلبه مُغلق للتحسينات منذ أمد بعيد او لنقُل أنه كان يُغلق أبوابه جيدًا حتى لا يرى الجميع وصمة الخيانة التي جردته حتى من كل شيء حتى مشاعر الرحمة التي كان يتميز بها، فلم يعُد قلبه قادر على الغفران أو التهاون مع أحد، وكأن يُريد أن يتذوق الجميع من تلك المرارة التي امتلأ بها قلبه. أخرجه من شروده صوت رنين هاتفه الذي التقطه ليُجيب بغلاظة

ـ حُصول أيه؟ 


قفز من على الأريكة وهو يقول بتشفي

 ـ و لسة. انا هخلي الكلب ده يجول حجي برجبتي.


اغلق الهاتف وهو يتذكر ما حدث معه قبل أسبوع


عودة إلى وقت سابق 


ـ أخيرًا اتجابلنا؟ 


هكذا تحدث رحيم إلى بدرية التي قالت بنبرة مهزوزة

ـ مكنتش أجدر انولك مرادك جبل ما اطمن على بتي.


ـ ما يمكن اطلجها بعد ما اعرِف منك اللي انا عايزه! 


بدرية بحدة

ـ و عشان أكده مجولتش مكان الوكر، ومش هتعرفه غير لما تبجى مرتك بحج و حجيجي. 


بدأ غضبه بالظهور جليًا على ملامحه ليقول بجفاء

ـ اسمعيني يا مره أنتِ اني مبتهددش، ولو هتچوز بتك هتچوزها علشان ليا طار مع الكلب ده، والوكر ده اني هعرف طريجه بمعرفتي، و بتك هترچعلك زي ماهي.

بدرية بتخابُث

ـ كان غيرك اشطر. عمتك صافية بجالها عمر چواته معرفتش تخرچ منِه. الموضوع كبير جوي يا عمدة.


زفر رحيم بقوة قبل أن يقول بجفاء

ـ ناوية تعملي ايه معاه ؟ 


بدرية بقسوة

ـ بعد الفرح هجوله أن نچاة تبقى بنته. 


رحيم باستفهام

ـ مش خايفة من اللي ممكن يعملوا فيكي؟ 


ـ لاه. هو وجتها هيدور عليك عشان يطفي ناره، و بعدين يفضالي. 


رحيم بغموض

ـ أكده لازمن ابعتله مهر بته. 


عودة للوقت الحالي 


عاد من تفكيره حين سمع صوت صرخات استغاثة من غرفتها ليهرول إلى هناك فإذا به يجدها تنتفض في السرير وهي تصيح مذعورة

ـ بعد عني. لاااه. بعد يدك. اااااه.


لا إراديًا توجه إلى مخدعها يحاول تهدئتها قائلًا

ـ نچاة. اصحي. دا كابوس. اصحي. متخافيش انا چارك.


لم يتلقى منها أي استجابة ليجلس فوق السرير و يجذبها بين ذراعيه وهو يحاول تهدئتها قائلًا

ـ لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم. اهدي مفيش حد موچود. 

أنهى جملته و أخذ يتلو بعض أيات الذكر الحكيم فوق رأسها إلى أن غفت مرة أخرى بين ذراعيه، فاجتاحه شعور بعدم الراحة، فقد كانت يديها تحتضن مقدمة جلبابه بقوة وكأنه حبل نجاتها من الغرق، فأخذ يتململ من بين ذراعيها دون أن يحاول إيقاظها، ولكن دون جدوى ليزفر بقوة وهو يستسلم في النهاية وهي بين ذراعيه مُفكرًا في هذا الوضع الغريب الذي و إن كان لا يستسيغه ولكنه كان مُريحًا له بالقدر الذي جعله يغفو بهدوء. 


اللهم إنى وكلتك أمرى فأنت خير وكيل، ودبر أمرى فإنى لا احسن التدبير، اللهم افتح لى أبواب رزقك وارزقنى من حيث لا أحتسب ♥️


★★★★★★★★★★


دلفت إلى داخل الغرفة بأقدام مُتباطئة من شدة الخجل الذي زين وجهها بحمرة جميلة، لم يلحظها لأنها كانت تنظر إلى الأسفل لتمر ثواني و هي تقف في منتصف الغرفة بجسد جرفه تيار التوتر فصارت رجفته ملحوظة للحد الذي جعله يقف كالتمثال يناظرها بضياع لا يعرف كيف ستواتيه الجرأة لمواجهتها ؟ و أي الكلمات التي يمكن أن يتفوه بها دون ان يجرحها؟ 

طالت حيرته و بالمقابل صمته لترفع رأسها تناظره بأعيُن يلتمع بهم التوسل ولكنها اصطدمت بغضب عظيم يتماوج في خضرة عينيه مما جعل الخوف يتملك من قلبها في هذه اللحظة، و قد بدا خوفها جليًا في نظراتها ليقرر الهرب كان هو خلاصه الوحيد من هذا المأزق الذي يقع به بيه قلبًا عاشق و عقل غاضب و كبرياء جريح لذا تحدث بنبرة خشنة

ـ ورايا كام حاجة هخلصهم و هاجي. خدي راحتك في المكان ولو عايزة تتعشي اتعشي. 


تعلم أنه لجأ للهرب ولكنها لا تعرف من ماذا يهرب، فقد ظنت أنها نوبه من الماضي و الغيرة لذا نحت خيبتها جانباً وهي تهتف بلهفة

ـ هتتأخر؟ 


بشق الأنفُس استطاع تمالك نفسه من الإنفجار إما مُعنفًا أو عاشقًا ليقول بجفاء

ـ مش عارف.


أنهى جملته وخرج لا يعرف إلى ايه ولكنه يبحث عن مكان لا يحمل رائحتها ولا يُذكره بضعفه أمامها، فها هو ما خاف منه حدث بالفعل، فقد أصبحت مُتيقنة الآن من مدى عشقه لها الذي جعله يتغاضى عن كرامته وكبريائه و وجعه منها و يهرول إليها عند أول كلمة! 

كان قلبه يئن عليه بقوة ولكن عقله كان له بالمرصاد وهو يُذكره بجملتها التي أصابت كبريائه في مقتل

ـ حتى لو اتجوزت عشرين راجل غيره. كان بردو هيستناني و يتجوزني.


كان يقف فوق سطح البيت في الهواء الطلق الذي بالرغم من برودته لم يستطِع في تهدئه حرائق صدره الذي فاقت آلامه كل الحدود، فحتى لو كانت تُريد إحراق روضة، ولكنها استخدمت أكثر الطرق اذلالًا لكبريائه. لم تذكر خطأها بل ذكرت ضعفه و كأنها تتباهى به و من يعلم عدد الأشخاص الذي أخبرتهم بذلك الغبي الذي لم يتوانى عن الهروله إليها بعد كل ما فعلته به. 


صرخة غاضبة مصحوبه بألم عظيم اجتاحت صدره حتى شعر بألم كبير في ذراعه و كأن هذا إنذار من جسده بأن الألم بداخله دخل إلى منطقة الخطر ليتوجه إلى أحد القطع الفُخارية التي يُضع بها المياة و يقوم بأفراغها فوق رأسه حتى يُهدأ من حالته المُريعة قليلًا ثم نزع جاكيت بذلته و ألقاه أرضًا وهو يتوجه ليجلس على الأريكة يحاول تنظيم أنفاسه الثائرة لكي يُفكر بروية فيما يحدُث غافلًا عن ذلك القلب الذي يحترق ألمًا و خوفًا عليه لتظل على حالتها بفستان زفافها وهي تنتظر مجيئه و تتوسل إليه سرًا ألا يخذلها إلى أن بزغ الفجر و قلبها العاشق لازال يستجدي قاطنه بالرحمة التي كان هو الآخر يبتغيها ولكنها كانت بعيدة المنال بوجود شيطان الكبرياء الذي ما أن أصبح الضلع الثالث لأي علاقة حتى يُصبح الهلاك بإنتظارها.

جف دمعها من فرط الإنتظار ولكن لم يجف ألمها والذي تحول لغضب مرير حين تشقق ستار الليل لتخرج الشمس من بين خيوطه عنوةً وكأنها تعاندها بأن الليلة انقضت والحليب الغائب لم يعُد لذا انتفض كبريائها الجريح داخلها حين سمعت قفل الباب يدور و يدلف إلى الداخل لتهب من مكانه تناظره بأعيُن مُغبره بسُحب الغضب الذي يجيش بداخلها إضافة إلى مظهرها المُريع بأن أن ساح كحلها تأثرًا بعبراتها الغزيرة و فسدت زينتها لتهتف بشراسة

ـ ما لسه بدري يا ريس؟ دا النهار يدوب لسه طالع! 


هاله مظهرها المُريع و لهجتها و حديثها ليتحدث بجفاء

ـ قولتلك عندي حاجات لازم اخلصها.


اغتاظت من جملته الغبية لتهتف بنبرة حادة لم تتخطى حدود المسموح

ـ والحاجات المهمة دي متنفعش غير ليلة فرحك!


لم يكُن في حاله تسمح له بالجدال أبدًا ليهتف بحدة

ـ غنى. اعمليلك قفلة. 


اهتاج كبريائها أكثر مُعززًا غضبها الضاري لتهتف بانفعال

ـ مش هعمل يا ياسر. انت اللي لازم تعملك قفلة، و تاخد بالك قبل ما تدوس عليا. 


اسودت ملامحه من فرط الغضب و الدهشة ليهتف بجفاء

ـ ادوس عليكي فين هو انا كلمتك؟ 


غنى بنبرة يجيش بها القهر

ـ ولما الناس تشوفك راجع من بره وش الصبح ليلة فرحك وانت لسه بالبدلة هيقولوا عني ايه؟ 


تسلل إلى عقله هاجس شيطاني بأنها تفكير في كرامتها و مظهرها أمام الجميع و بالمقابل تدهس على كرامته ليهتف بقسوة تبلورت في عينيه قبل لهجته

ـ ومفكرتيش الناس هتقول عني ايه لما سبتيني وروحتي اتجوزتي غيري! 


أعادها حديثه إلى نقطة تمركُز الألم من جديد لتهتف بلوعة 

ـ انت عارف السبب. 


ياسر بقسوة

ـ عارف ومش مسامحك. 


أرادت أن تُذيقه مُر ما اذاقها لتقول بانفعال

ـ اومال جيت اتجوزتني ليه؟ 


كان قلبه يصرُخ بالإجابه ليقمعه خلف قناع من الجمود و القسوة التي شابت لهجته حين قال

ـ أنا حر. 


ـ لا مش حر. كنت حر قبل ما تعلقني بيك و ترفعني في سابع سما و بعدها تقرر ترميني في سابع أرض.


هكذا هتفت بنبرة تحترق قهرًا تشقق لها قلبه ولكنه أتقن تزييف القسوة و البرود في نبرته حين قال

ـ لا حر، و عشان اريحك. اتجوزتك عشان متعودتش ابقى عايز حاجة و مخدهاش.


كانت تعلم أنه خلف قسوته صراعًا عظيمًا بين قلبه و كبريائه لذا أرادت محو هذا القناه الذي يرتديه إذ قالت بحدة

ـ بس انت قولتلي انك بتعشقني.


ياسر بجمود

ـ الكلام مش عليه جمرُك.


اهلك الألم قلبها و تهدلت أكتافها من فرط ما شعرت من خيبة لتقول بأسى

ـ يعني انت بقيت تكرهني! 


حاول عدم التأثُر بمظهرها و عقله يذكره بما عاناه هو الآخر ليقول بقسوة 

ـ مكرهتكيش بس مبقتش بحبك نفس درجة الحب اللي كنت بحبها لك زمان.


لم يستطِع قلبها تصديق حديثه الذي من شأنه أن يجعل روحها تفارقها من شدة الألم لتهتف صارخة وكأنها تعانده

ـ كذاب. انت بتقول كدا عشان توجعني. لكن لو مكنتش بتحبني و بتموت فيا مكنتش اتجوزتني. 


كانت تضغط دون قصد على جرحًا تلوث بقيح الغضب و الإنتقام ليهتف من بين أسنانه

ـ خليكي في احلامك.


جن جنونها لتهتف بشراسة 

ـ لما هي أحلام وانت مبتحبنيش. قولي اتجوزتني ليه؟ 


قالت جملتها بانفعال و نبرة صارخة مما جعله يُريد إنهاء الأمر والنجاة من مضاعفات لم يحتملها كليهمَ ليقول بجفاء 


ـ أنا تعبان وعايز انام. 


ما أن أوشك على الإلتفات حتى توجهت و جذبته من كتفه وهي تصرُخ بنبرة مُلتاعة 

ـ مش هتهرب مني. تقف واجهني وقولي اتجوزتني ليه؟ لما انت مبقتش تحبني زي ما بتقول اتجوزتني ليه؟ 


تفاقم الأمر حتى بدا جنونيًا من فرط ذلك الغضب الذي ارتجت له جدران الغرفة ليُزمجر بشراسة

ـ عشان كنا محتاجين خدامة هنا وملقتش أنسب منك. 


و كأن جملته كان كالبارود الذي أحدث انفجارًا عظيمًا داخل قلبها يعقبه صمت تام وكأنها تحاول استيعاب كلماته التي ألقاها و خرج مثلما عاد و ياليته لم يعود، فقد قضى على ما آخر أمل لها في هذه الحياة التي ذاقت فيها الويلات حتى اكتفت. اكتفت من كل شيء.

يا ودود، ياذا العرش المجيد، يا فعالاً لما تريد أسألك بعزك الذي لا يرام، والملك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني ♥️


★★★★★★★★★★


ـ أنا مش فاهمة انت ايه سبب اصراره اني انزل أفطر تحت النهاردة ؟ 


هكذا تحدثت شروق بتبرُم إلى جميلة التي كانت 

تجلس خلفها تمشط خصلات شعرها لتقول الأخيرة بملل

ـ ولا انا اعرف حتى تيتا أصرت بردو ننزل قال ايه اخوات نبيلة دي عايزين يتعرفوا علينا. 


شروق بجمود

ـ حاسة ان دا بتخطيط منها. 


ـ من مين نبيلة ولا جدتك؟ 


شروق بهدوء

ـ نبيلة طبعًا. توقعي أنها هتحاول تكسب عمر بعد اللي حصل. 


جميلة بخوف

ـ دي تبقى كارثة يا شروق. لو خسرنا عمر هتبهدلنا.


نهرتها شروق قائلة

ـ مين دي اللي تبهدلنا؟ وانا روحت فين؟ بعمر أو من غيره محدش يقدر يقربلنا. متخافيش من حاجة طول مانا جنبك.


احتضنتها جميلة من الخلف وهي تقول بحب

ـ ربنا ما يحرمني منك أبدا يا شوشو. 


في هذه اللحظة دلف عمر إلى داخل الغرفة فتفاجيء حين رأى مظهر الفتاتين ليقول باستخفاف

ـ الله الله، وانا اقول سايقة العوج عليا ليه؟ اتاري الهانم مقضياها من ورايا


انتفضت جميلة حين سمعت صوته ولكن حديثه أصابها بالغباء لتقول بلهفة

ـ لا والله دانا كنت بسرحلها شعرها. 


صاح عمر مُعنفًا

ـ و كمان بتسرحيلها شعرها! دا أنتِ يومك من 

مش معدي النهاردة. 

التفتت جميلة إلى شروق التي كان الامتعاض يلون ملامحها لتقول الاولى بعدم فهم

ـ هو بيقول ايه ؟ هو انا عملت ايه؟ 


شروق بتبرُم

ـ لا يا مقولتيش حاجة. عمر بس حد ضحك عليه وقاله أن دمه خفيف. 


ضيق عينيه بحنق من حديثها و من ثم تحول حنقه إلى خُبث لون عينيه قبل أن يقول بجفاء موجهًا حديثه إلى جميلة 

ـ طب اتكلي بقى على تحت عشان عايز اغير هدومي.


خرجت جميلة على الفور بعدما غمرها الإحراج من حديثه لتهتف شروق بحنق 

ـ هو انت مش هتبطل تدخل من الباب زي القطر كدا!


أعجبه شعرها وهو مفرود بانسيابية خلف ظهرها مما جعل رغبة قوية في غرس أصابعه بين حصلاته التي تشبه الليل الحالك ليتقدم و يجلس خلفها وهو يقول بتهكم

ـ واحدة زيك مش باينه من الأرض تحترم نفسها وهي بتكلم واحد طولها مرتين زيي.


شروق بتهكم 

ـ هي بتتقاس بالطول ولا حاجه ؟ 


عمر بتخابُث وهو يرفع ذراعه المُعضل انا ناظريها بتباهي

ـ لا بتتقاس بالعافية . بالدراع دا قانون بيتنا هنا البقاء للاقوى.


شروق بسخرية

ـ دا قانون الغابة على فكرة!


عمر بوعيد مُبطن 

ـ اه مانا نسيت اقولك احنا عايشين في غابة، وانا الأسد بتاعها، وأتِ حتة غزالة مش باينه من الأرض اجيبها في خطوة. 


شروق بتحدي

ـ بتحلم.


عمر بنبرة ذات مغزى

ـ و بحقق أحلامي. بالذوق أو بالعافية.


شروق بجمود رغم تلك الرجفة التي أصابت قلبها

ـ بس دي مش اخلاق دكتور متحضر. 


عمر بنبرة عابثة 

ـ انا همجي ها ايه تاني؟ 


كان يقترب منها بطريقة اجفلتها لتحول دفة الحديث إلى المُزاح حين قالت

ـطب بما انك قولت اننا في غابة بقى وسيادتك الأسد هنا تيتا سعاد ايه موقعها من الغابة بتشبهها بمين؟ 


عمر بمزاح

ـ هونغ كونغ.


قهقهت على كلمته فبدت شهية رائعة و جذابة بشكل كبير خاصةً على قلبه الذي أصبحت رؤيتها أحب شيء إليه ليقول بنبرة عابثة

ـ سيبك من تيتا سعاد خلينا في الغزالة اللي مش راضيه تلين دي.


توترت ملامحها و نبرتها حين قالت

ـ نعم.


تجاوز عن ذلته لتمتد يديه تمسك المشط وهو يقول بجمود

ـ اتعدلي خليني اسرحلك شعرك.


حاولت التراجع للخلف وهي تقول بنبرة متحفظة

ـ متشكرين جميلة سرحته.


شعر بتحفظها و قلقها ليقول بسخرية


ـ قصدك نكشته. دا منظر! 


شروق بلهفة

ـ ماله منظري ؟ 


عمر بتخابُث يغلفه السخرية

ـ شعرك منكوش جدا، و عماله اهزر معاكي و مش راضي احرجك.

قطمت شفتها السفلية قبل أن تقول بحرج وعينيها على خصلات شعره

ـ طيب بمناسبه الاحراج انت كمان شعرك متبهدل اوي. هو انت كنت فين؟


كان مظهرها يوحي بمدى جدية حديثها ليهب ناظرًا إلى المرآة وهو يقول بلهفة 

ـ ايه ماله شعري؟ 


تفاجيء حين وجد خصلات شعره مُصففة بعناية ليعلم بأنه وقع في هذا الفخ الذي كان ينصبه لها خاصةً حين أطلقت هذه الضحكة القوية التي جذبت قلبه جرًا ليجلس أمامها وهي تقول بسخرية

ـ تعيش و تاخد غيرها يا دكتره قال شعرك منكوش قال. 


عض على شفتيه بوعيد تجلى في نبرته حين قال

ـ بقى بتشتغليني! 


شروق بسلاسة 

ـ أيوا بشتغلك هما السبع شعريات اللي في شعرك دول هيتنكشوا ازاي يعني؟!


دكنت عينيه وهي تحتويها بنظرة لم تُريحها و كذلك نبرته حين قال 

ـ بتتريقي كمان؟ 


شعرت بالقلق حين رأت الوعيد يطل من عينيه و خاصةً و ان البسمة انمحت من فوق شفتيه لتهتف بلهفة

ـ لا بهزر والله.


ارتفع أحد حاجبيه قبل أن يقول بجفاء

ـ طب لفي احسن هتزعلي مني


التفت على الفور خوفًا من اي تهور قد يصدُر منه، فنظرته ذكرتها بذلك اليوم حين تخطى حدوده معها لذا اطاعته ولكنه كان في عالم آخر و خصلات شعرها الكثيفة بين يديه يلامس نعومتها بأنامله و بريقها يُغريه بالإقتراب منها أكثر حتى يدفن رأسه بين طياتها ليستنشق هذه الرائحة العذبة التي تنبعث منه ليقترب رويدًا رويدًا حتى لامسها بأنفه حتى تغلغل أريجها إلى داخله لتنتشي رأتيه بصورة لم يعهدها مُسبقًا جعلت يديه تشتد حين امسك بحفنة من خصلاتها بين يديه وهو يقترب أكثر منها لتستشعر الخطر المُحدق بها فانتفضت بين يديه وهو تقول بارتباك

ـ عمر.


لم يستطِع التغلب على حالته الغريبة كليًا عليه ليهمس بنبرة مُتحشرجة

ـ ريحة شعرك حلوة اوي. 


أدركت أنها في طريقها إلى مصيدته أن لم توقف تطور الأمر سريعًا لذا قالت بجفاء 

ـ يالا عشان منتأخرش عليهم. انا جعانه اوي و مكلتش من امبارح.


و كأن قلبه يعاندها و يعانده معها ليهتف وهو مازال تحت تأثيرها

ـ مش عايز ننزل. عايز الوقت اللي بقضيه في البيت هنا يكون معاكي وبس. 


احتج كل شيء بها على ما يقوله وما تشعر به الآن لتتململ محاولة الابتعاد عنه وهي تقول بجمود

ـ بس انا عايزة انزل. انا اتخنقت من الأوضة هنا. 

 

شعر بنفورها منه وقد اغضبه هذا كثيرًا ليُقرر اغضابها مثلما فعلت منه حين هب من مكانه وهو يحملها بطريقة عنيفة نوعًا ما

ـ يالا. 


احتجت على فعلته قائلة 

ـ انا همشي بالعكاز.

لم يكلف نفسه عناء الرد لتهتف بتحذير 

ـ عمر قولتلك بلاش كدا.


أجابها بجفاء 

ـ وانا قولتلك مش هعمل غير كدا.


اغتاظت للحد الذي جعل الاحمرار يغزو وجنتيها مما جعله يقول باستفزاز

ـ حلو اوي كدا


لفت وجهها تجاه وجهه باندفاع وهي تقول بتحذير

ـ بلاش الجملة المستفزة دي.


كان قربها منه مُثيرًا للحد الذي جعله للحظة يريد تكرار فعلته ولكن تدخل عقله في الأمر ليحول بينه وبين غايته ولكنه أراد استفزازها أكثر حين قال

ـ دا كدا بقى احلى واحلى. اثبتي بقى على كدا.


شروق بحنق

ـ رخم. 

هبط بها الدرج وهو يتوجه إلى غرفة الطعام ليجد الجميع هُناك ماعدا خالد ليتوجه إلى الكُرسي المجاور له ويضع شروق بروية، وقد اخجلها الأمر كثيرًا خاصةً حين قال باهتمام

ـ مرتاحة كدا؟ 


اومأت بصمت ليستقر في مقعده، وقد أغضب هذا نبيلة و عز الدين ولكن لم يُعلِق أحد لتتحدث سعاد باستفزاز

ـ شوفت يا كمال. دي شروق بنت نسمة. جميلة زي أمها ازاي؟


كمال بإعجاب 

ـ ما شاء الله هي فعلًا شبه نسمة و واخدة لون عينيها و شعرها.


اغتاظ عمر من حديث كمال و نظرات الإعجاب التي حدج شروق بها فهتف ساخرًا 

ـ ذاكرتك قوية اوي فاكر لون عنيها و شعرها! 


استشف كمال غيرة عمر ليقرر التشفي به حي قال موجهًا حديثه إلى شروق وهو يقول 

ـ طبعًا فاكرها. دا احنا متربيين سوى، و بعدين الجمال النادر دا ميتنسيش يا عمور ولا ايه يا حاجة سعاد ؟ 


اعجبت سعاد بهذه اللعبة الدائرة بينهم لتقول بلهفة

ـ طبعًا. عندك حق يا كمال. 


شعرت شروق بالراحة تجاة كمال لتقول بهدوء 

ـ هو حضرتك كنت قريب من ماما؟ 


كمال بتأكيد

ـ طبعًا. انا كنت بعمل مصايب قد كدا و كنت بحري استخبى في أوضتها، و هي كانت بتداري عليا دايمًا.


هتف عمر من بين أسنانه

ـ أصيلة عمتي طول عمرها. 


تدخلت جميلة قائلة بلهفة

ـ طب ممكن تحكيلنا شوية عن ذكرياتكوا سوى. انا نفسي اعرف ماما كان حياتها عاملة ازاي في القصر هنا؟ 


تمتمت شروق بمرارة وهي تنظر إلى نبيلة التي كان الشرر يتطاير من عينيها 

ـ نصيحة بلاش تعرفي.


استشعر كمال ما تقصده شروق، فقد كان هو الآخر ناقمًا على شقيقتها بسبب أفعالها في السابق ليتحدث قائلًا 

ـ زي ما كان في لحظات صعبة كان في لحظات حلوة عشناها كلنا.


رفعت شروق نظراتها إليه و قد خيم الشجن على محياها و تسلل إلى نبرتها حين قالت

ـ متأكد من الموضوع دا؟ 


ابتسم بعذوبة قبل أن يقول بتأكيد

ـ متأكد، ولو حبيتوا تعرفوا اي حاجه عن نسمة الله يرحمها انا موجود. 


اتسعت ابتسامة شروق من حديثه لتوميء برأسها قبل أن تقول بخفوت

ـ اتفقنا.


كان يطحن ضروسه من الغل والغضب الذي لا يعرف سببه، ولكنه كان يريد تحطيم رأس كمال في هذه اللحظة، فهو يحادثها و يتقرب منها وهي سعيدة بل و مُرحبة وقد كان هذا يقوده إلى الهلاك في بئر الغضب الذي حين فكر في سببه أراد الهرب من بينهم، ولكن حين سمع كلمتها الأخيرة لم يتمالك نفسه حين لكزها في ذراعها وهو يقول بجفاء

ـ كلي. مش كنتي قرفاني فوق جعانة جعانة. يالا كلي.


شروق بصدمة

ـ حاضر. هاكل. في ايه؟ 


عض على شفتيه و ود لو يصرخ بوجهها، ولكن عنقه عقله بأن من يستحق الصراخ بوجهه هو ذلك القلب الغبي الذي تخطى جميع مبادئه و وقع في المحظور.


اللهم لطفك بأهلنا في فِـلَسْـ𓂆ـطِين فأنت اللطيف، اللهم نصرك وجندك وتأييدك فأنت القويّ.. اللهم وكن لعبادك المستضعفين عونًا وسندًا يا قوي يا متين من المعتدي الأثيم.. اللهم غيث من اللطف والرحمة لعبادك المستضعفين، اللهم أنزل السكينة والطمأنية علي قلوبهم.. يارب بردًا وسلامًا لهم ♥️


★★★★★★★★★★★


ـ اتفقتي معاها هتبتدي الشغل من اول امتى؟ 


هكذا تحدث خالد الذي كان يجلس في مقعد السائق و بجانبه سوزان التي قالت بهدوء

ـ أن شاء الله من النهارده. 


خالد بجفاء

ـ و طبعًا انا محظور عليا ادخل المطعم عشان هي متعرفش أننا نعرف بعض.


سوزان برزانة

 ـ أشجان حساسة اوي و كمان بقت مهمة اوي عندي، وانا مهمة اوي عندها احنا تقريبًا بقينا عوض لبعض في حاجات كتير. عشان خاطري اتحمل لحد ما تخلص وتبقى في حالة تخليها تستوعب الموضوع.


تهكم بمرارة قائلًا

ـ أنتِ العوض ليها، وهي العوض ليكي، وانا هطق منكوا انتوا اللتنين.


سوزان بمُزاح

ـ قلبك طول عمره كبير. 


ابتسم بهدوء قبل أن يقول بنبرة خشنة

ـ كل المهم عندي أن الحيوان دا ميقربش منها.


ـ خايفة عليها اوي منه. بس اللي مطمني انها خلاص قررت تسيب البيت و خدت الشقة اللي جنبي. معرفش قدرت تقنع الاستاذ منتصر ازاي يبيعهالك.


خالد بفظاظة

ـ دا راجل غتت. قرفني على ما وافق.


سوزان بسخرية

ـ هتلاقيك كنت ماسك ايدك شويه. مزودتلوش السعر ايه ؟ كان وافق على طول.


خالد بتهكم

ـ ماسك ايدي! انا ادتله خمس أضعاف تمن الشقة. الفلوس اللي خدها تشتريله عمارة، و تقوليلي ماسك! 


سوزان بتخابُث

ـ يا عيني يا ابني الحب بهدله صحيح.


أخذ يهز برأسه بقلة حيلة وهو يبتسم قبل أن يقول بوعيد

ـ كله هيطلع عليها في الآخر بس الصبر.


ابتسمت سوزان قبل أن تقول بجدية

ـ طب يالا تعالى عشان تساعدني انزل قبل ما تيجي و تطلع هي عليك القديم و الجديد.


اطاعها خالد وهو يتمتم بتهكم 

ـ على رأيك. جه الوقت عليا اني اعمل حساب لواحدة مش جاية طول دراعي حتى. 


ترحل من سيارته وهو يساعد سوزان على الترجل منها هي الأخرى ليسندها و هي تتكئ على عكازها ليدلف بها إلى داخل المطعم ولكنه غفل عن هذه النظرات المليئة بالألم و الخيبة التي تدحرجت على هيئة عبرات من مقلتي أشجان، فقد هوى قلبها بين أقدامها حين رأته مع سوزان تلك المرأة التي ظنتها عوضًا ارسلته لها الحياة ماهي الا طعم ابتلعته كالغبية. لم تعُد تعرف كيف تتصرف فقط تريد الصُراخ حتى تتقطع أحبالها الصوتية تريد هدم هذا العالم المليء بالمخادعين. تراجعت إلى الخلف وهي تبكي و تشهق بعُنف، فلم تلحظ هذه السيارة التي كادت أن تدهسها لولا توقف السائق بالوقت المناسب لتصدر عجلات السيارة أصواتاً مسموعه جذبت انتباه خالد الذي كان يغادر المطعم ليلتفت ناظرًا إلى ما يحدُث ليجد الكثير من المارة يلتفون حول احدهم، و ماهي الا ثوان حتى ظهر جسدها الضئيل من بينهم لينتفض قلبه هلعًا و يهرول تجاهها، فما أن رأته قادم حتى اندفعت تخترع تجمعهم وهي تعدو في الشارع المُقابل دون أن تستمع لندائه، ولكنه بنهاية المطاف نجح في قطع طريقها، وهو يهتف باسمها بلوعة 

ـ أشجان.


لم تحتمل نطقه لاسمها بهذه الطريقة لتهتف بانفعال

ـ ابعد عني. مالك ومالي؟ جاي ورايا لية؟ 


مظهرها الباكي و حديثها جعلوه يتأكد من كونها رأته مع سوزان ليحاول تنظيم أنفاسه الثائرة وهو يقول بنبرة مُتهدجة

ـ ممكن تسمعيني ؟ 


تفاقم غضبها و حزنها لتهتف بحزم

ـ لا. قولتلك مرة و اتنين وعشرة لا. أقولها بأي لغة؟ 


انتفضت عروقه غضبًا من صراخها و حديثها ليُزمجر بتحذير

ـ وطي صوتك وأنتِ بتكلميني، و بطلي عبط.


لو يعلم كم كانت تريد الصُراخ في هذه اللحظة من فرط ما يجيش بصدرها من آلام لتهتف بأسى

ـ انا فعلا عبيط. انت عندك حق. ماهو انا لو مش عبيطة مكنتش الناس هتلعب بيا الكورة كده


خالد بجفاء

ـ مين لعب بيكي الكورة؟ 


هتفت بتهكم غاضب 

ـ حضرتك و الست سوزان اللي اعتبرتها زي امي.


زفر بقوة قبل أن يقول بنبرة خشنة

ـ سوزان ملهاش ذنب في اي حاجه. بلاش تظلميها. 


أشجان بتحسُر

ـ اظلمها! والله ماحد مظلوم في الدنيا دي غيري. 

عمومًا عادي هعتبر نفسي معرفتهاش زي ما هعتبر نفسي بردو معرفتكش. عن اذنك.


كلماتها جعلت قلبه يهتاج ألمًا ليهتف بشراسة 

ـ بطلي كذب. عمرك ما هتعرفي تعتبري نفسك معرفتنيش. 


تفجرت الألغام بقلبها و استشعر عقلها بأنها ضمن منطقة الخطر لتقول بجفاء

ـ ابعد عني.


خالد بفظاظة

ـ انا بعيد، ودا بمزاجي عشان مضايقكيش. بس خليكي عارفة اني اقدر اكون قريب اوي.


تهديده اثار زوبعة من القلق داخلها لتقرر مجابهته قائلة بحدة 

ـ مش هسمحلك. انا ست محترمة، و متجوزة و بحترم جوزي حتى لو كان أسوأ راجل في الدنيا.


مقدار الألم بصدره تفاقم حتى ضعى على ملامحه و نبرته حين قال 

ـ تصدقي أن انا اول مرة في حياتي أجرب شعور اني أحسد حد، و البركة فيكي.


شعرت بمدى ألمه، ولكن كان كل شيء هين أمام ارتكاب ذنب بهذا القدر لم يفلح أي شيء في هذا العالم في محوه لذا قالت بجفاء

ـ دا نتيجة أن الإنسان يسمح لنفسه يحس بحاجات مش من حقه.


اهتزاز جفونها و هذا الألم الذي يتجلى بوضوح فوق معالمها تناقضا مع حديثها كثيرًا لذا قال بخشونة

ـ عندك حق. بس المشاعر اللي بنحسها مش بإيدينا و مسعيناش ليها دي حاجه من عند ربنا. 


خارجيًا كانت صامدة في وجه هذا العدوان الغاشم على مشاعرها ليُقرر الإفصاح هو عن صعوبة ما يمر به حين قال بنبرة تتضور وجعًا

ـ وأنا ربنا ابتلاني بحبك. 


تعلم ماذا يعني أن يكون الإنسان تحت وطأة شعور هائل اقوى منه، وتعلم كيف يعجز الإنسان عن مجابهة مشاعره، و تعلم ماذا يعني أن يعجز الإنسان عن الصمود عما يخابره لذا قالت بلهجة يشوبها التعاطُف

ـ انت اقوى من كل دا، وتقدر تقف قدام كل حاجه في الدنيا وأولهم قلبك، و إلا تبقى بتحكم على نفسك بالعذاب طول حياتك.


شعر بما يجول بخاطرها، و كم كانت تحاول أن تصمد و تؤازره دون السقوط في هوه الخطأ لذا آثر الإنسحاب حتى لا يُرهقها و يُرهِق نفسه معها فتحدث بجفاء قائلًا

ـ صح. أنتِ صح، و عمومًا سوزان ملهاش علاقة بحاجة، وبتحبك زي بنتها اللي اتحرمت منها.


أشجان باستفهام

ـ تقصد ايه ببنتها اللي اتحرمت منها؟ 


خالد بفظاظة

ـ دا موضوع طويل يخصها هي تحكيهولك لو حابة. بس هي بتعتبرك عوض ربنا ليها، و بما انك جربتي الخذلان قبل كدا بلاش تخذليها. هي متستحقش كدا.


أوشكت على الحديث فرفع إصبعه ليضعه أمامها حتى يمنعها من الحديث ليستطرد قائلًا بجفاء

ـ و بالنسبة لعلاقتي بيها دي بادئة من سنين من قبل ما اعرفك واشوفك، و هتفضل مستمرة علشان دا حاجه متخصكيش، ولا ليها علاقة بيكي.


فهمت تمامًا ما يحاول إيصاله لها لتقول بجمود

ـ تمام. 


لم يستطِع المغادرة قبل أن يفرغ ما بقلبه لذا قال بنبرة حادة

ـ و زي ما أنتِ قوية كدا، و قادرة تحطي الف حد بيني وبينك ياريت تحطي بردو حدود بينك وبين كل اللي يقلل من قيمتك. 


كانت تعلم إلاما يُشير بحديثه ولكنها رفضت الإفصاح عن ما بداخلها واضعه جدًا فاصلًا بينه وبين كل شيء يخصها لذا قالت بنبرة صارمة 

ـ متقلقش انا عارفة قيمة نفسي كويس و مش هسمح بأي حاجه تقلل منها. 


قالت جملتها و غادرته دون أن تلتفت إلى الخلف لتظل تسير في دربها الذي كانت تسقيه بعبراتها إلى أن اتعبها المشي و انهك قلبها كثرة ما تمُر به، فقامت بجذب هاتفها لتُجري اتصالاً هاتفيًا


ـ صاحي ولا صحيتك؟ 


هكذا تحدثت أشجان موجهه حديثها إلى أمين الذي ما أن رن هاتفه برقمها حتى انتفض من نومته ليُجيبها في الحال

ـ ولو مش صاحي أصحالك.


أشجان بجفاء

ـ قولتلي انك مستعد تعمل اي حاجه تنفذ كل طلباتي صح ؟ 

امين بلهفة 

ـ طبعًا صح. 


أشجان بجمود

ـ يبقى كلامنا يكون في قاعدة وشاهد عليه رجالة. 


كانت هيام تخرج من غرفتها بعد لتتوجه إلى الأسفل ولكن تجمدت الحروف فوق شفتيها حين رأت…


الفصل الثامن والعشرون من هنا

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1