![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثامن و العشرون بقلم نورهان ال عشري
لم أكُن يومًا شخصًا متقلبًا لا يعرف ماذا يُريد. لطالما كانت خطواتي دائمًا ثابتة و لكنه الخوف! منذ أن زارني هذا الشعور حتى استوطن جميع خلايا جسدي فصِرت أتخبط بكل شئ حولي لا أدري اى طريق يجب عليا أن اسلُك. أرهب الوحدة بشدة و اخاف الفقد كثيرًا؛ أخشى أن أرسو بسفينتي على شاطئ السراب فـ تبتلعني دوامات الغدر مرة أخرى فتكون النجاة أمرًا مستحيل. كل ما أرجوه أن أجِد وِجهة أمنه تُعيد لي ثباتي. تحتضن ثقوب روحي، وتُرمم ما فعلته عواصف الهوى بقلبى.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
كانت هيام تخرج من غرفتها بعد لتتوجه إلى الأسفل ولكن تجمدت الحروف فوق شفتيها حين رأت ذلك الدخان المُنبعث من غرفة العروسين لتصرُخ بفزع
ـ يالهوي الحقوني.
هرع الجميع على صوتها لتكُن هي أول من يفتح باب الغرفة لتتفاجئ حين شاهدت غنى التي كانت ترتدي عباءة سمراء تقف أمام هذه النيران المُنبعثة من فستان زفافها الذي أكله اللهب لتضرب هيام على صدرها بصدمة
ـ يا مُري.
لم تلتفت إليها غنى التي كانت غائبة في عالم آخر وهي ترى جميع أحلام طفولتها و صباها تحترق مع كل خيط من هذا الفستان الذي لطالما حلمت بإرتدائه لحبيبها الوحيد الذي أزهق روحها اليوم، فأقسمت على إزهاق كل ذرة حب داخلها له.
ـ بت يا غنى. أنتِ اتجننتي!
هكذا هتفت هيام قبل أن تجذب غنى من يدها حتى لا تحرقها النيران، ولا تعلم أن النيران الشاعلة بقلبها اقوى بكثير، فقد كانت تنظر إلى الفستان المُحترق بتشفي، وكأنها تنتقم من كل ما يحدُث معها به، فلم تتشتت نظراتها عنه حتى حين علت أصوات الجميع، فقد هرول كُلًا من يزيد و جابر و روضة التي شهقت بصدمة حين وقعت انظارها على هذا المشهد المروع ولكن تدارك الرجال الموقف و قاموا بإطفاء الحريق الذي لم يكُن صعب السيطرة عليه ليقترب يزيد من غنى قائلًا بلهفة
ـ أنتِ كويسة ؟
هاله مظهرها حين التفتت تناظره، فقد بدت كصورة حية لامرأة أتت من الجحيم لتوها، فروت ملامحها هول ما رأت هُناك.
ـ أخرج يا يزيد. اخرجوا كلكوا سيبوني معاها.
هكذا هتفت هيام لتنال نظرة غاضبة من جابر الذي خرج كالإعصار لا ينوي خير و كذلك فعل الجميع لتقترب هيام من غنى قائلة بقلق
ـ في ايه يا غنى؟ حصل ايه ؟ و مال وشك كدا؟ و ايه اللي حرق الفستان ؟
ناظرتها غنى بجمود احتل معالمها و نبرتها حين قالت
ـ أنا اللي حرقته.
هيام بعدم فهم
ـ طب ليه عملتي كدا؟
اهتزت جفونها المُثقلة بالعبرات، و تهدجت نبرتها حين قالت
ـ أخوكي بيقولي اتجوزتك عشان كنا محتاجين خدامة، و ملقاش انسب مني.
شهقت هيام بصدمة تجلت في نبرتها حين هتفت
ـ بتقولي ايه؟
شوهت القسوة ملامحها و نبرتها حين قالت
ـ بس نسي أن انا غنى، ولا عاش ولا كان اللي يخليني خدامة عنده.
انفرط حبل العبرات من عيني هيام التي أخذت تنوح قائلة
ـ هو دا اللي كنت خايفة منه. هو دا اللي كنت عاملة حسابه. انا قولت متنفعوش لبعض. حبكوا دا هيموتكوا. انا كان قلبي حاسس.
تشنجت ملامحها حين أخذت تمضع أسنانها وهي تقول بنبرة مُحترقة
ـ حصل. هو موتني النهاردة. الدور عليا انا، و زي ما حرقت فرحتي بإيدي هحرق قلب اخوكي يا هيام، و متجيش تلوميني.
هيام بتحسُر
ـ مانتِ حرقتيه مرة يا غنى.
صرخت بنبرة مُلتاعة
ـ هحرق اللي باقي منه.
لكزتها هيام في كتفها وهي تهتف بألم
ـ اسكتي، وبطلي توجعي في روحك. هتقعي من طولك.
أنهت جملتها و جذبت غنى إلى أحضانها وكلتاهما تنوح وتبكي بحرقة تجلت في نبرة هيام حين هتفت
ـ بزياداكوا بقى توجعوا بعض و توجعونا معاكوا. ارحموا نفسكوا و ارحمونا.
شددت من عناق هيام وهي تهتف بلوعة
ـ داس على قلبي برجليه يا هيام. كسر ضهري.
استقرت جملتها في منتصف قلب ذلك الذي ما أن سمع ما حدث من فم أخيه حتى هرول كالملدوغ إليها لتنغمس كلماتها بصدره كالخناجر، فود في هذه اللحظة لو كانت روحه غادرته قبل أن يتفوه بتلك التُرهات.
ـ غنى.
صوته كان كالنشاذ على مسامعها لينتفض جسدها حين سمعته غضبًا وليس حبًا كما هي العادة لتتراجع عن عناق هيام التي حدجته بنبرة لائمة غاضبة قبل أن تتوجه إلى الخارج وهي تتوعد له بصمت ليقترب منها ما أن سمع باب الغرفة يُغلق، فإذا بحفنة من الوخزات المؤلمة تتفشى في سائر جسده بدايةً من قلبه حين رأى ذلك الجُرح في يدها ليقترب لا إراديًا منها وهو يهتف بلهفة
ـ إيدك.
ـ متقربش.
هكذا هتفت بشراسة وهى تتراجع إلى الخلف و هي ترفع كف يدها السليمة ليقف حائلًا بين تقدمه، وليكُن إنذار صارم بأنها ترفض اقترابه لتعود نوبة غضبه مرة آخرى تطفو على سطح معالمه و تتجلى في نبرته حين قال
ـ خليني اطمن على ايدك.
غنى بنبرة حادة صارمة
ـ لا.
ياسر بحدة وهو يقترب منها
ـ بطلي عند.
ـ متلمسنيش.
رفضها الواضح و حدتها في الصُراخ عليه أدوا إلى تفاقم الغضب بداخله ليهتف بحدة
ـ أنا أساسًا مكنتش ناوي ألمسك.
بقدر ما آلمتها جملته بقدر ما أيقظت الباقي من وحوش غضبها، فقررت أن ترفع راية العصيان و ترمي بوجهه هذا التحدي لتضعه في مواجهة أقوى مع كبريائه الملعون
ـ حلو، واللي يرجع في كلامه يبقى عيل.
لم يحتمل تحديها ولا كلماتها ليهتف بانفعال
ـ عاجبك اللي وصلتينا ليه؟
غنى بقسوة كانت جديدة كُليًا عليها
ـ عاجبني. دانا كمان عايزة اشكرك.
انكمشت ملامحه بحيرة لتُتابع في سحق ما تبقى من فُتات قلبه
ـ بسببك قدرت اتخلص من الشوكة اللي كانت في ضهري.
صمتت لثوان تناظره بقسوة قبل أن تُتابع بقسوة
ـ حُبك. دا كان نقطة الضعف الوحيدة عندي، و بفضلك اتخلصت منها. حرقته زي ما حرقت فرحتي بإيدي.
بحياته لم يتوقع أن يراها بهذا الشكل، ويسمع منها هذا الكلام، فأخذ يحاول تنظيم أنفاسه التي أبت الهدوء، فجاءت نبرته مُتهدجة حين قال
ـ غنى.
قاطعته بقسوة ممزوجة بصرامة جعلت جسده يتجمد من فرط الذهول
ـ غنى مش خدامة لحد، ولو اتكتب عليا ابقى خدامة فعلًا، فأتاكد انك آخر واحد في الدنيا ممكن تنول الشرف دا.
وصل الأمر إلى أبعد ما يُمكن أن يتوقع، والغريب في ذلك أن قلبه كان يلومه بشدة، و يخبره بأن هذه القوة نابعه من جُرح عظيم حفرته كلماته المسمومة لذا تصدع قناع الجمود الذي كان يرتديه و حل محله اليأس حين قال
ـ ماشي. بس خليكي فاكرة اني عملت كل اللي اقدر عليه عشان موجعكيش أو اقولك كلمة تجرحك هربت و بعدت عشان خوفت أأذيكي وانا في الحالة دي. لكن أنتِ مدتنيش فرصة، و فضلتي تستفزيني لحد ما خرجتيني على شعوري.
الداخل قلب ينتفض ألمًا و عشقًا وضعفًا و الخارج جبروت و قسوة و ملامح جامدة لم تتأثر بحرف مما يتفوه به حتى ولو كان به شيء من الصواب لتفاجئه حين قالت بجمود
ـ معلش.
نجحت في جعله يخلع ثوب العقل و يُلقيه جانبًا ليقترب منها و يهزها بعُنف وهو يصرُخ بصوت اهتزت له جدران الغرفة
ـ كفاية بقى. بطلي تستفزيني. قاعدة بتتباهي بضعفي قدامك من غير ما تفكري في كرامة الغبي اللي جالك يجري من كلمة واحدة و معملش اعتبار لا لكرامته ولا لأهله ولا لأي حاجه. للدرجادي شيفاني مش راجل هتتجوزي عشرين غيري وانا هفضل تحت رجليكي.
سقطت الكلمات فوق قلبها كالحصى التي ما تركت مكاناً إلا و به ندبه تُذكرها بخيبتها الأولى و الأخيرة
ـ ااه. قولتلي. زعلت من كلامي لروضة انك بتحبني! طب معلش تعالى على نفسك كدا و اقلب الموقف، و خليك انت يوم فرحك و جايلك واحد بيقولك أنه بيحبني و أنه مستكترني عليك. كنت هتقوله ايه؟
وصلت إجابته حين أشتدت يديه فوق كتفها و انغرست أناملة في لحمها حد الألم لتُتابع جلد ما تبقى من ثباته حين قالت
ـ اجاوبك انا؟ مكنتش هتتكلم. كنت قتلته أو حتى قطعت لسانه بس انا بقى مقدرش اعمل كدا. عارف ليه؟ عشان شهامتك و رجولتك هتخليك تيجي تبهدلني انا و تقولي حرام ليه عملتي كدا؟ زي ما وقفت قدامي و مردتش أروح لمها و اقولها عملتي فيا ليه كدا و كدبتي عليا ليه؟ خوفت على بيتها لا يتخرب و صعبت عليك بس احنا وبعد كل اللي جرالنا من تحت راسها مصعبناش عليك.
لم يستطِع ثباتها الصمود أمام هذا الكم الهائل من العبرات الذي غمرت وجهها و مقدمة صدرها و جعلت نبرتها تهتز حين قالت
ـ أنا حتى لو كنت قولت لروضة اني اتضحك عليا وانا مها كذبت وحكتلها على اللي حصلي. كنت بردو هترمي اللوم عليا وتقولي ليه قولتي؟ انا وحشة في كل الحالات، و مُلامة في نظرك مهما قولت .
دعست فوق جراحه النازفة و عرت تلك الندبات التي شوهت روحه، فبدا أمامها مُجردًا من كل شيء حتى كبريائه الذي لم يردع عبراته من الانهمار بغزارة أمام ناظريها ليهتف بنبرة مُتحشرجة
ـ كفاية يا غنى.
على عكس قلبها المُلتاع الذي عانده كبريائها لتهتف بقسوة
ـ حاضر من عنيا. بس قبل ما نقفل على كدا عايزة اقولك أن رسالتك وصلت. مش انت كنت عايز توصلي انك مش ضعيف قدامي وانك مش بتحبني زي الأول، واني مفرقلكش. تمام يا ريس. رسالتك وصلتني و بصمت بالعشرة على كدا. انا مفرقلكش. مبسوط وانت سامعها مني!
لم يعُد يستطِع احتمال صُراخها بهذه الجملة الذي ينفيها قلبه باستماتة ليهتف مُحذرًا
ـ اسكتي.
لم تأبه له ولا لتحذيره لتُتابع بقسوة
ـ لا خلي الناس كلها تسمع. انا مفرقلكش. انا مش فارقة معاك.
كان الأمر جنونيًا، فالآلام التي تُحيط بكليهما غيبت عنهم التعقُل للحد الذي جعلت عينيه تبرقان بشكل مُخيف وهو يختطف الحروف من فوق شفاهها بعُنف وكأنه يُعاقبها على كل ما تفوهت به، فقد عرت أوجاعه دفعه واحدة، و لم تكتفي بذلك بل غمست أُچاچ كلماتها في أعماق جراحه النازفة، فلم يعُد يستطِع الصمود، فقد كان قاب قوسين أو أدنى من الجنون الذي أخذ يمارسه فوق ضفتي التوت خاصتها في قبلة دامية يخالطها الكثير من العبرات التي تشاركا بها في هذه اللحظة المؤلمة والتي لم تدُم طويلًا ليتراجع عنها أخيرًا بأنفاس محترقه و صدر يعلو و يهبط و كأنه على وشك تحطيم ضلوعه من فرط ما ألم به من شعور، وقد كانت هي الأخرى كالتمثال لا تدري كيف حدث ذلك؟ وكيف لم تمنعه؟ لتأتي كلماته المُعذبة تخترق أعماق قلبها حين قال
ـ للأسف انا مبيفرقليش حد في الدنيا غيرك.
كلماته أيقظت حواسها التي تخدرت من قربه، وعادت جراحها تشدو بأنين موجع من جديد مما جعلها تقول بقسوة
ـ اوعى تقرب مني مرة تانية.
و كما حدث لها حدث له تنبه العقل ليُزمجر بشراسة
ـ متخلقتش لسه الست اللي تؤمرني. انا اعمل اللي انا عايزه.
أرادت وضع حد قاطع لهذا القرب الذي سيجعلها أكثر عُرضة للضعف أمامه، فقررت بلحظة جنون أن تُلقي به في قعر الجحيم حين هتفت بقسوة
ـ كل ما تعوز تعمل حاجه زي دي افتكر انك مش اول…..
هذه المرة تخطت بحديثها جميع خطوته الحمراء ليمتد كتفه و يضعه بعُنف فوق شفتيها مما دفعها إلى الحائط خلفها وهو يهتف بغضب جنوني
ـ إياكي. كفاية تدبحي فيا اكتر من كدا. كفاااية.
قال كلمته الأخيرة صارخًا بشكل أفزعها، فتشقق قناع القوة التي ترتديها لترتبك الحروف فوق شفاهها حين قالت
ـ أنا. انا. مكنتش. عايزاك. تعمل حاجه. تعتبرها بعد كدا.ذنب و مفروض تكفر عنه.
تراجع عنها بأعيُن عكست مدى ألمه و عمق جراحه ليهتف بنبرة تعالى أنينها حتى وصل إلى اعماق قلبها
ـ حبك دا أكبر ذنب ارتكبته في حياتي، وللأسف لا قادر أنساه، ولا عارف أكفر عنه.
صمتت الحروف ولم تعُد قادرة على الحديث لتتولى الأعيُن ذلك قبل أن يتوجه إلى المرحاض ليجلب الأدوات الطبية لتضميد جرحها الذي لم تكُن تشعُر به من فرط الألم الذي يعصف داخلها لتنتهج الصمت طوال مدة عمله إلى أن انتهى لتخاصمه عينيها التي كانت تنظر إلى البعيد حتى عندما تحدث بجمود
ـ افطري و نامي عشان اهلك هيجولنا بالليل.
غمغمت بتهكم مرير
ـ متقلقش هما متعودين على كدا!
استفهم قائلًا
ـ بتقولي ايه ؟
نصبت عودها الواهن و توجهت إلى خزانة الملابس لتجلب اي شيء ترتديه وهي تقول بجفاء دون أن تلتفت إليه
ـ استحالة تجمعنا أوضة واحدة. شوفلك مكان تاني لحد ما افضيلك مكانك.
ارتج قلبه وكأن صاعقة ضربته لينهض من مكانه وهو يقول بريبة
ـ تقصدي ايه بتفضيلي مكاني دي؟
اجابته بجفاء دون أن تلتفت إليه
ـ لحد ما أقرر اني اتطلق منك. وقتها تبقى ترجع اوضتك زي ماتحب. معلش بقى استفيد انا كمان من شهامتك يا ريس اشمعنى هما؟!
قالت جملتها الأخيرة بسخرية قبل أن تتوجه إلى الحمام دون أن تُعطيه فرصة للحديث ولا تدري أي نار اشعلتها بجوفه، فقط سمعت صوت ضربة قوية لا تعرف أي مسكين قد نالها بدلاً عنها.
أشهد الله أني انوي التوبة على ذنوبي ، وذلاتي ، و كل كبيرة تغضبه. اللهم اغفر لي ذنوبي ، و خطيئتي و اخرجني من الدنيا كما دخلتها بلا ذنوب ولا عيوب . ربي إن كان هذا آخر عهدي بالدنيا فأجعلني من التائبين ، اللهم اكتب لي لقائك و انا بدون ذنب و اجعل جنتك لي هي المأوي ♥️
★★★★★★★★★★
ـ أيوا يا آسيا. معاكي خالد الوتيدي.
هبت آسيا من مكانها وهي تقول بلهفة
ـ مستر خالد صباح الخير .
خالد بجفاء
ـ مش خير. عشان مطلعتيش قد ثقتي فيكِ.
فطنت إلى ما يقصده، فغمرها الخجل ولم تعرف ما الذي تقوله لذا تحمحمت بخفوت قبل أن تقول
ـ يا خالد بيه. أصل حضرتك متعرفش ايه حصل ؟
قاطعها بفظاظة
ـ و مش عايز اعرف. المهم ساعه و تكوني قدامي.
آسيا بتلعثُم
ـ ازاي؟ طيب هو حضرتك عايزني في اي؟
خالد باختصار
ـ لما تيجي هتعرفي!
كانت كلماته تطن بعقلها كالذُباب طوال رحلتها إلى الشركة، بعد أن طلبت من رؤوف إحضارها نكاية بأحدهم، وعلى الرغم من أنها تأنقت و تزينت بدرجة جعلتها خاطفة للأنفاس، ولكنها لم تكُن مُستعدة للقائه أو ربما يوجد داخل قلبها أمنيه برؤيته وهي تحاول قمعها بضراوة حتى تهرب من سطوة مشاعر لم تحسب لها حساب يوماً، ولكنها لم تكُن تدري بأنه في هذه اللحظة كان يتأمل صورتها الرائعة التي نشرتها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي من زفاف أمس، و قلبه يئن عليه مُتحسرًا كم بدت لطيفة؟ و كم كان جمالها مُشعًا وكأنها احتفظت بنصف جمال العالم بين عينيها الرائعة التي يتمنى الذوبان بها كما يتمنى أن تذوب هي بين ذراعيه. انتشى قلبه لمجرد التخيُل بأنها ستكون يومًا ما بين أحضانه يهمس لها بعبارات الحُب و يبثها مشاعره العاتية التي تؤرق ليله، و تُفسد نهاره.
ـ أبيه كمال. يا أبيه كمال.
اجفله صوت ميرهان القادم من الخارج وهي تفتح الباب لتهرول إليه قائلة بصياح
ـ يا أحلى أبيه كمال في الدنيا.
عانقته بقوة ليهتف باستفهام
ـ في ايه؟ مالك؟
ميرهان بسعادة عارمة
ـ مش مصدقة انك أخيرًا خدت القرار دا و نفذته.
كمال بنفاذ صبر
ـ ما تنجزي تقولي في ايه ؟ قرار إيه اللي خدته ونفذته؟
ميرهان بشماتة
ـ انك أخيرًا طردت البت اللي اسمها آسيا دي من الشركة. مع انك اتأخرت بس ماشي مش مشكلة المهم انها غارت من هنا. أصلًا الاشكال دي مكانها صفايح الزبالة.
ـ ميرهان.
اجفلها صراخه بوجهها بهذه الطريقة التي جعلتها تشهق بخوف ليُتابع بحدة
ـ تقريبًا كدا أنتِ محتاجة ترجعي بالزمن عشان تتعلمي من جديد الصح من الغلط لأنك بقيتي بتخبطي كتير وانا على أخري منك.
تجمعت العبرات في مقلتيها وهي تقول بخوف
ـ ليه يعني ؟ هو انا عملت ايه؟ مش أنت اللي طردتها!
كمال بتحذير
ـ أنا مطردتش حد، و بعدين مين قالك الكلام دا؟
ارتبكت، ولم تعُد تدري ماذا تخبره ليهتف من بين أسنانه
ـ مستني اسمع اجابتك.
تراجعت بذاكرتها إلى ما سمعته قبل قليل
ـ خليكي معايا يا آسيا هحولك على مستر خالد عشان عايز يكلمك.
هكذا هتفت سلمى وهي تحادث آسيا لتقترب منها أحد الفتيات من طاقم السكرتارية لتقول باستفهام
ـ هي مش آسيا دي اخت أشجان اللي كانت هنا ومشيت؟
سلمى باختصار
ـ أيوا هي.
ـ أنا بقالي فترة مشوفتهاش هي كمان في الشركة تكون مشيت ولا اي؟
سلمى بجفاء
ـ معرفش و ميخصناش.
تدخلت فتاة أخرى قائلة
ـ أنا سمعت أن كمال بيه هو اللي رفدها. تلاقيه شاف حاجة كدا ولا كدا عليها خلته يرفدها ماهي أصلها بت شايفه نفسها، وتنكه مفكرة أن محدش زيها.
سلمى بحدة
ـ كفاية كلام عن البنت بقى، و معتقدش ان مستر كمال رفدها عشان خالد بيه طلب مني أجهزلها شهادة خبرة. يبقى وارد أنها مشيت علشان لقت فرصة أحسن، و هتيجي النهاردة عشان تاخدها.
عادت إلى أرض الواقع وهي تهتف بخفوت
ـ دا كل اللي سمعته من البنات في مكتب أبيه خالد.
تحفزت جميع حواسه و انتشى قلبه من فكرة أنه قد يراها اليوم ليُقرر أن الأمر لم يمُر مرور الكِرام، ولكنه انتبه الى نظرات ميرهان المتفحصة ليقول بجفاء
ـ روحي على شغلك، وعلى فكرة الريبورت بتاعك سيء، وخالد لو عرف هتخسري شغلك هنا في الشركة للأبد، فركزي أحسن في مستقبلك.
اغضبها حديثه، ولكنها فضلت عدم الجدال معه لتتوجه إلى الخارج تاركه هذا الذئب الماكر لينخرط في التخطيط لما يُريده لتمر ساعة و تصل إلى الشركة، ولكن بوجه مُغبر، فلأول مرة لا تكون قادرة على السيطرة على دقات قلبها ولا على مشاعر الرهبة بداخلها حتى أنها لعنت ثباتها الذي تحاول استجدائه ولا يبالي لها، فتوقفت أمام المصعد تحاول تهدئة أنفاسها الثائرة لتتفاجئ بعطر نفاذ اخترق أنفها، فالتفتت إلى الخلف لتُصدم بكتلة من الجمال و الأنوثة تتقدم لتقف بجانبها بانتظار المصعد، فتشقق قناع الجمود الذي ترتديه، وداخلها يتسائل عن وجهة هذه المرأة الخارقة الجمال. لتستقل المصعد بجانبها و لدهشتها وجدتها تضغط على الطابق التاسع، وهو طابق المدراء ليتلوى قلبها بين ضلوعها من أن تكُن وجهتها هذا الذئب الذي يحتل احلامها في المنام واليقظة، و لسوء حظها فقد حصل ما تخشاه، فحين خرجت من المصعد تخشب جسدها وهي تراه يقف بكامل هيئته و وسامته التي ضاعفتها هذه الابتسامة الرائعة وهو ينظر إلى هذه المرأة بل و الأكثر من ذلك حين مد ذراعيه يعانقها بحبور تجلى في نبرته حين قال
ـ صوفيا الجميلة، و أخيرًا.
عانقته صوفيا بحب وكأنها مُعتادة على فعل ذلك وهي تهتف برقة مُتناهية
ـ عيون صوفيا. وحشتني اوي اوي اوي.
أحرقها هذا المشهد و سرى الحريق بأوردتها حتى انطبعت آثاره فوق وجنتيها و كذلك جفونها التي اهتزت بعبرات تحمل وجعها الخفي، ولكن لم يلِق الضعف أبدًا بها، فهي إمرأة لا تملك سوى كبريائها، و الذي ستُدافع عنه باستماتة، و لحسن حظها فقد ارتدت أكثر ملابسها أناقة ونعومة، فهذا الفستان الشيفون بلونه الزيتوني الذي يتماشى مع هذا الزمُرد الذي يتلألأ في عينيها بأغواء كما يفعل هذا الثوب الرائع وهو يعانق منحنياتها بنعومة ليصل إلى ركبتيها و قد أطلقت العنان لخصلاتها بالتمايل بإغواء خلف ظهرها، و ما أن مرت بهم حتى قامت بقلب شعرها في تجاههم و كأنها تخبره أنه صفحة قامت بطويها من كتاب حياتها، وقد جعلته هذه الفعلة يتجمد بمكانه وعينيه تراقبانها إلى أن أخذت اتجاه جانبي في طريقها إلى غرفة شقيقه، و قد لاحظت صوفيا نظراته التي تحترق لوعه و شوق تجاه هذه المرأة لتقول بنبرة تشتعل بها الغيرة
ـ مينفعش تبقى صوفيا جنبك و تشوف اي ست تانية يا كمال.
ضيق كمال عينيه بتخابُث
ـ نظرتي ليها غير نظرتي ليكي يا صوفي.
صوفيا بنبرة مازحة في محاولة لإخفاء غضبها
ـ دا اعتراف صريح منك انك شايفها.
قست عينيه و نبرته حين قال
ـ أنا أصلًا مش شايف غيرها.
باغتتها جملته ليُتابع بعملية
ـ يالا عشان نشوف شغلنا.
ـ لقيتي شغل ولا لسه؟
هكذا تحدث خالد بجمود إلى آسيا التي يلون الحرج معالمها و نبرتها حين قالت
ـ في الحقيقة أنا مدورتش أصلًا.
خالد بتهكم
ـ كمان! خيبتي نظرتي فيكِ للأسف.
هتفت آسيا باعتراض
ـ حضرتك عارف كل اللي مرينا بيه، وانا مش هروح اقدم في مكان واترفض. عشان اي شركة كبيرة عايزة شهدات خبرا، وانا…
أكمل خالد جملتها بدلًا عنها
ـ وأنتِ مخدتيش من شركتنا شهادة خبرة.
آسيا بخفوت
ـ بالظبط كدا.
خالد بنبرة خشنة وهو يضع ورقة أمامها
ـ دي شهادة الخبرا بتاعتك، و بعد كدا تدوري على حقك بنفسك عشان محدش هيدورلك عليه.
لم تُصدق نفسها حين رأت شهادة الخبرا و عليها إمضاءه شخصيًا لتهتف بسعادة
ـ مستر خالد انا بجد مش عارفة اشكرك ازاي؟
خالد بفظاظة
ـ متشكرنيش. محتاج منك خدمة.
تحمحمت آسيا بخفوت و قد أجفلتها صراحته ولكنها قالت بامتنان
ـ تحت امرك يا مستر خالد.
لأول مرة يحتار كيف يبدأ حديثه، ولكن الأمر شائك بالنسبة إليه، فهنا يقع قلبه في هوى امرأة هي و المستحيل سواء بالنسبة إليه، ولكنه لازال يحاول حتى ولو كلفه الأمر بأن يقضي نحبه وهو يفعل ذلك
ـ في سوء تفاهم حصل بيني وبين أشجان، وبين شخص تاني، وكنت عايزك تشرحيهولها.
انتبهت جميع حواسها إلى حديثه لتهتف باستفهام
ـ ممكن حضرتك توضح أكتر عشان انا مفهمتش تقصد ايه؟
زفر بحدة قبل أن يقول بجفاء
ـ في واحدة صاحبة مطعم مش بعيد عن هنا. الست دي كبيرة في السن، وبيربطني بيها علاقة صداقة من زمان، و بالصدفة أشجان اتعرفت عليها و قربت منها بس مكنتش تعرف انها تعرفني، ولما عرفت اتضايقت، و مردتش تسمعني ولا حتى تسمع منها
آسيا باستفهام
ـ تصرف غريب اوي. طب و أشجان تضايق ليه؟
تمتم حانقًا
ـ على أساس أن كل تصرفاتها مش غريبة يعني! جت على دا؟!
ـ مستر خالد حضرتك بتقول حاجه ؟
هكذا استفهمت آسيا ليتدارك ذلته ويقول بجفاء
ـ مفيش حاجه. عايزك تفهميها، وتقوليلها أن سوزان ملهاش ذنب في حاجة، و ياريت تحكم عقلها، و تتصرف بحكمة معاها.
آسيا بنفاذ صبر
ـ الحقيقة هي محتاجة تحكم عقلها في حاجات كتير اكبر من كدا.
استأثرت جملتها بانتباهه ليهتف باستفهام
ـ تقصدي ايه؟
تداركت آسيا ذاتها لتقول بلهفة
ـ لا مفيش حاجه.
لم يحتمل الصمت ولن يكتفي بغلق الموضوع هكذا لذا هتف يحثها على الحديث قائلًا
ـ آسيا لو في حاجه اقدر اساعد بيها اتأكدي اني مش هتأخر.
آسيا بملل
ـ للأسف مفيش حد هيساعدها لو هي مساعدتش نفسها. الموضوع كله في أيدها. بس هي معرفش ناوية على ايه؟
خالد باستفهام
ـ في جديد حصل في موضوع الزفت دا؟ اكيد عرفتي أن الهانم راحت اتنازلت عن البلاغ عشان يخرج
آسيا بحنق
ـ و خرج، و اللي حسبته لقيته.
اهتاجت جميع مشاعره دفعة واحدة و تسابق النبض في أوردته ليهتف بنبرة مُتحشرجة
ـ تقصدي ايه؟
ناظرته آسيا بتردد سرعان ما تغلبت عليها فهي رأت بعيني ذلك الرجل اهتمام و قلق كبيران على شقيقتها لذا هتفت بغضب
ـ الحيوان راح الشقة وهي هناك و قعد يعيطلها و يتحايل عليها انها تسامحه و قال ايه هيتغير، و هيعمل المستحيل عشان خاطرها بس ترجعله.
لم يعُد يحتمل ما يحدُث ليهب من مكانه كالملدوغ وهو يهتف بشراسة
ـ و كمان سمحتله يتكلم معاها! دا مجنون. ازاي آمنت على نفسها معاه ؟ ازاي وافقت أصلًا تسمعله؟
هالها مظهره و في هذه اللحظة أيقنت بأن الأمر لم يكن محض اعجاب لمسته من ناحيته نجاه شقيقتها بل الأمر فاق توقعاتها بمراحل لتجد نفسها تقول بتلعثُم
ـ و للأسف هي اتفقت معاه أنهم هيقعدوا في قاعدة رجالة عشان تشهد على اتفاقهم. انا لازم اشوف طريقة امنعها ترتكب جريمة بشعة زي دي في حق نفسها.
تصنم جسده، وكان أُصيب بطلق ناري اخترق أكثر المناطق خطرًا في جسده ليجعله غير قادر على النطق فقط انفاس تتشاجر بين ضلوعه، ودقات تصرخ بفزع من فرط الآلام التي تفشت في قلبه دفعة واحدة، فأغمض عينيه يحاول السيطرة على أوجاعه حتى لا تخونه قدماه ليتدخل العقل واضعًا جدًا فاصل بينه و بين الانهيار ليتحدث بقسوة افزعتها
ـ غلط. سيبيها هي تقرر مصيرها و تختار اللي شيفاه مناسب ليها.
آسيا باندفاع
ـ بس يا مستر خالد…
قاطعها خالد بجفاء
ـ الإنسان هو اللي بإيده بيغلي نفسه و بإيده هو اللي بيرخصها، و عشان كدا بقولك سبيها تختار هي أدرى باللي يناسبها.
ـ أيه يا أشجان يا بنتي. احنا تحت امرك. قولي طلباتك.
هكذا تحدث الشيخ رمزي أحد أعمام أمين الذي كان يجلس وعينيه مُسطلة على هذه الغزالة التي يرتجف بدنها من رؤية كل هؤلاء الشيوخ الذي جمعهم زوجها المزعوم ولكنها أخذت تُهديء من روعها و تبتهل إلى خالقها بدعاء ذا النون حتى يُخرجها مثلما أخرجه من الظلمات إلى النور
ـ لا إلا الا انت سبحانك إني كنت من الظالمين.
ـ اتكلمي يا اشجان مش أنتِ اللي طلبتي من أمين ييجي و يجيب الرجالة عشان تتفقوا؟ ساكتة ليه؟
كان هذا صوت عزام القاسي الذي اخترق مسامعها لتحاول استجماع كامل ثباتها قبل أن تقول بنبرة مُتحشرجة
ـ فعلًا انا طلبت دا من أمين وهو اتفق معايا أنه هينفذلي كل طلباتي، و عشان كدا طلبت أن يكون في ناس شاهدة على كلامنا.
هتف امين باندفاع
ـ أيوا فعلًا وانا مستعد اعمل كل اللي أنتِ عايزاه.
بللت حلقها و عينيها تطوف على جميع الموجودين و على رأسهم والدها الغاضب و أمين الذي كان الخُبث يلون ملامحه لتهتف بجمود
ـ وانا مش عايزة منك حاجة غير انك تطلقني.
تفجر بارود كلماتها في الأجواء، فعم صمت طويل و كأن الجميع يحاول استيعاب ما تفوهت به، ولكن سرعان ما قطعه أمين الذي هتف بانفعال
ـ نعم! بتقولي ايه؟ أنتِ اتجننتِ؟
على النقيض كان عزام لم يُصدق نفسه من الفرحة، وحين صرخ عليها هذا الحقير لم يستطِع الصمت ليهتف بحدة
ـ وطي صوتك وانت بتتكلم معاها. ايه هتزعقلها قدامي؟!
هتف أمين صارخًا
ـ بنتك بتضحك عليا و بتنيمني.
تدخل رمزي بحدة
ـ اسكت يا أمين خلينا نعرف نتكلم.
التفت ناظرًا إلى أشجان التي بشق الأنفُس استطاعت إخفاء خوفها من هذا الخبيث ليقول رمزي باستفهام
ـ أشجان يا بنتي. احنا كنا جايين و عاملين حسابنا أن في صُلح.
أشجان بجمود
ـ مين اللي قال لحضرتك كدا ؟
رمزي باختصار
ـ أمين..
صرخ أمين بانفعال
ـ دا بناءً على كلامها.
كانت فرصتها الأخيرة في الحياة أما النجاة أو الموت وهي تحاول لذا جمدت ملامحها و نبرتها حين قالت
ـ أنا مقولتش اني هرجع. انا قولت لازم يبقى في رجالة شاهدة على كلامنا لما قولتلي هنفذ اللي أنتِ عايزاه.
اصطكت أسنانه ببعضها البعض من شدة الغيظ، فهي قد خدعته حتى تظفر بالحرية من بين براثنه ولكنه لن يسمح بذلك ليسمع رمزي وهو يقول
ـ يا بنتي. جوزك شاريكي، وانتوا بينكوا ولاد، وخراب البيوت مش سهل.
أشجان بجفاء
ـ اللي حضرتك بتقوله دا انا اكتر واحدة عرفاه، و بردو انا مصممة على الطلاق.
هتف امين بشراسة
ـ يعني كنتِ بتضحكي عليا !
أشجان بحدة
ـ أنا مضحكتش عليك. مبقتش قادرة اكمل معاك، و انتهى الموضوع على كدا.
امين بوعيد
ـ منتهاش.
نهره رمزي قائلًا
ـ قولت اسكت يا أمين. قوليلي يا أشجان يا بنتي. ايه اللي مخليكي عايزة تطلقي كدا؟
أشجان باستهجان
ـ و ايه اللي يخليني افضل معاه؟ دا واحد خاني و ضربني وبهدلني وياما هاني.
رمزي في محاولة لتخفيف حدة أفعاله الدنيئة
ـ يا بنتي كل بني آدم خطاء، وربنا نفسه بيسامح، و الراجل جاي بيقول أنه اتغير، و مادد إيده بالخير. بدل ما تبقي سبب في توبته تردي ايديه. ميرضيش ربنا! و بعدين أن أبغض الحلال عند الله الطلاق.
برقت عينيها من حديث هذا الرجل الذي لا يعرف عن معاناتها شيء لتهتف بعُنف
ـ حلال ايه يا مولانا؟ الراجل دا كل حياته حرام في حرام.
هتف أمين من بين أسنانه
ـ أشجان.
لم تردعها نبرته المتوعدة و المُحذرة، فقد كان صراعًا للعيش بشرف ولو ليوم واحد وهي لا تحمل وصمة اسم هذا الرجل لتوجه ضربه عنيفة إلى كبريائه المريض حين قالت بتهكم غاضب
ـ دي هدومه اللي كان بيزني فيها لسه عندي و ناويه أحطها معاه في القبر وهو بيدفن.
صدمة خيمت على الجميع جراء جملتها المروعة، والتي رغم وقاحتها إلا أنها تحمل الكثير و الكثير مما جعل كل ثباته يتلاشى و ينقشع قناع الجمود الذي يرتديه و يهب من مكانه قاصدًا الإطاحة بها ولكن كان الجميع له بالمرصاد و أولهم والدها الذي هتف بشراسة
ـ هتضرب بنتي وانا واقف ؟ خلاص اتجننت!
ـ من سامعها بتقول ايه؟
تدخل رمزي يحاول ردع أمين الذي كان كالثور الهائج
ـ خلاص. هتضربها قدامنا. بدل الحياة استحالت يبقى تفارقوا بالمعروف. في عيلين في النص.
تدخل عزام يعمل بمبدأ قطع العرق و إسالة الدماء حسن هتف بانفعال
ـ دلوقتي يطلق بنتي. ميشرفنيش تبات ليلة تانيه وهي على ذمته.
امين بانفعال
ـ أنا اللي ميشرفنيش أنها تفضل مراتي.
ضيق عينيه بشراسة كمن يريد الفتك بها قبل أن يقول من بين أسنانه
ـ أنتِ طالق.
اللهم إني أسألك سلامًا ما بعده كدر، ورضًا ما بعده سخط، وفرحًا ما بعده حزن، اللهم املأ قلبي بكلّ ما فيه الخير لي".♥️
★★★★★★★★★★
كان يعمل على حاسوبه، فإذا بهاتفه يرن ليقوم بالإجابة حين رآى رقم غير مُسجل على سجل الأسماء، فإذا به يتفاجأ حين سمع هذا الصوت الذي يعرفه جيدًا
ـ متقولش انك كنت نايم و صحيتك!
زفر رؤوف بملل
ـ جبتي رقمي منين ؟
ميرهان بدلال
ـ معقول يا رؤوف تسألني سؤال زي دا؟ أنت اكتر واحد عارف اني بوصل للي انا عايزاه من غير حتى ما اتعب نفسي.
لون الامتعاض ملامحه وهو يتذكر ذلك اللقاء الذي جمعه بها صباح اليوم حين أصرت عليه آسيا أن يأخذها إلى الشركة التي تحمل اسم عائلتهم
عودة إلى وقت سابق
ترجل من سيارته ليستند على مقدمتها وهو يلهو بهاتفه، فإذا به يستمع إلى صوت طرق حذاء يقترب منه ليرتفع بانظاره التي استقرت على هذه الفتاة التي يعرفها حق المعرفة و لكنه فضل ادعاء جهله بهويتها
ـ بقى معقول رؤوف عندنا في الشركة؟ ايه الشرف العظيم دا!
فطن إلى أنها أدركت هويته فلون الامتعاض ملامحه ولكنه حاول إخفاءه خلف قناع الجمود الذي شاب لهجته حين قال
ـ ازيك يا مريهان.
ميرهان بسخرية
ـ يعني عارفني!
رؤوف بجمود
ـ أكيد عارفك
ميرهان بعتب
ـ طب ليه لما اتقابلنا في الشركة أول مرة اتعاملت على أننا غرب؟
رؤوف بضجر
ـ لقيتك مش فكراني فمحبتش اوجع دماغك.
تعلم بأنه يكذب ولكنها تعمدت عدم الفهم لتقول بعتب
ـ زعلتني بجد! و تهون عليك العشرة!
رؤوف باستنكار
ـ عشرة!
ميرهان بتهكم
ـ مش عشرة بمعنى الكلمة لكن كل يوم كنا بنتقابل. بما انك كنت حامي الحما وكل يوم كنت بتيجي تاخد سندريلا تروحها عشان خايف عليها مننا احسن ناكلها.
ضاق ذرعًا بحديثها العقيم ليهتف بحدة
ـ فرصة سعيدة يا ميرهان. عن اذنك.
ميرهان بلهفة وهي تمسك بذراعه
ـ ايه دا انت زعلت!
ـ لا ..
ـ طيب ايه ما تيجي نشرب حاجه سوى. اكيد انت مستني السندريلا. اقصد آسيا. هي مش هتطول. متقلقش. هتاخد شهادة عشان تقدر تشتغل بيها في أي مكان تاني بعد ما استغنينا عن خدماتها.
اغضبه حديثها عن آسيا ليقرر رد الصاع صاعين حين قال
ـ تقصدي خسرتوها. أصل انتوا ملكوش في الطيب نصيب، و آسيا مكانها مع ناس بتفهم و بتقدر قيمة الكوادر اللي في ايديها. عن اذنك.
عودة للوقت الحالي
ـ اتفضلي يا ميرهان كنتِ متصله محتاجة حاجه؟
ميرهان بتخابُث و نبرة لينة
ـ بصراحة أه.
ـ اتفضلي
تعمدت الدلال و صبغ نبرتها بالرقة حين قالت
ـ كنت عيزاك متزعلش مني بسبب الكلام اللي قلته النهاردة عن آسيا. بس انت عارف أننا مبنتفقش.
زفر رؤوف بملل قبل أن يقول بجفاء
ـ حصل خير.
ميرهان بلهفة
ـ لا حصل خير دي متنفعش لازم تثبتلي.
ـ ازاي؟
تحدثت بنبرة لينة يشوبها التوسل
ـ تقبل دعوتي على الفطار بكرة، و مش هقبل اي اعتذار وإلا هفضل اتصل بيك كل شويه اقولك سامحني.
شعر بالفضول الكبير لمعرفة ماذا تُخفي، فإلحاحها عليه حتمًا ورائه شيء لذا قال بنفاذ صبر
ـ موافق.
ميرهان بسعادة
ـ خلاص يبقى نتقابل في كافيه(..) الساعة تسعة.
ـ اتفقنا.
أغلقت الهاتف و نظرت إلى هايدي التي كانت تُحجِم ضحكاتها بصعوبة لتهتف باندهاش
ـ يخربيت دماغك. عايزاه تعملي بيه ايه دا؟
ميرهان بتخابُث
ـ رؤوف دا السم اللي هموت بيه آسيا.
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". ♥️♥️
★★★★★★★★★★
خرجت آسيا إلى الشرفة تحاول الوصول إلى شروق التي كان هاتفها مُغلق لتزفر بحنق وهي تقول
ـ يوووه بقى ما تردي أنتِ كمان.
أنهت جملتها و رفعت رأسها إلى الجهة الآخرى لتبرق عينيها حين رأت…..