رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل الثامن و العشرون بقلم جميلة القحطانى
زاوية الغرفة، حيث خبّأت في صندوق قديم شهادة نجاحها الوحيدة… الصف الخامس. شدّت الغطاء ببطء كأنها تنبش جرحًا مدفونًا، وأخرجت الورقة التي اصفرّت حروفها مع الزمن.
عادت الصورة في ذهنها واضحة:في الماضي...
كانت مها في العاشرة، تمسك بحقيبتها المدرسية وتبكي، بينما والدها يصرخ قائلاً:مدرسة؟! على إيه؟ خلّيكي تساعدي أمك في البيت، مش ناقصين مصاريف!
وزينة، التي تصغرها بسنتين فقط، وقفت وهي تضحك، تمسك بشهادتها وتلوّح بها أمام عينيها قائلة:شايفة؟ أنا نجحت وانتِ لا، أنا هكمل وهبقى أحسن منك!
كانت الأم تبتسم بفخر لزينة، وتقول لمها دون أن تنظر نحوها:خليكي نضيفة ومطيعة، التعليم مش ليكي.
في الحاضر
ضغطت مها على الشهادة القديمة بقوة حتى تجعدت بين أصابعها، ثم رمتها أرضًا.
همست كأنها تعاتب نفسها:كنتِ صغيرة، بس كانوا كبار… وما رحموا قلبك.
نظرت من النافذة، وعيونها تمتلئ بالدموع، ليس حزنًا فقط، بل شعورًا بالخذلان المتراكم… من العائلة، من الحب، من الحياة.
وفجأة… رنّ هاتفها برسالة جديدة.
كان الرقم غير مسجل، لكن الرسالة قصيرة:أنا آسف، كنت غلطان…
اتسعت عيناها… القلب ارتجف، هل يُمكن أن يُصلح الحاضر ما أفسده الماضي؟
أم أن الجراح التي تُزرع في الطفولة لا يُمكن انتزاعها بسهولة؟
جلست مها تحدق في الهاتف، تردد الرسالة بين شفتيها كأنها لا تصدق:أنا آسف، كنت غلطان...
من يكون؟ أي خطأ؟ وفي أي زمان؟ لكنها لم تملك الشجاعة لتمسح الرسالة… كأنها كانت تنتظر شيئًا كهذا، رغم سنوات الصمت.
بعد يومين، جاءت رسالة أخرى:أنا سامي، كنت زميلك زمان في الدكان… وكنت بحبك، بس خفت وما عرفتش أقول. بس لما شفتك في فرح زينة… افتكرتك، وافتكرت الظلم اللي اتظلمتيه.
لم ترد مها. لكنها شعرت بشيء يتحرك في قلبها… شيء يشبه الحياة.
في اليوم التالي، دق الباب…
خرجت مها فوجدت شابًا يقف في مدخل العمارة، يحمل صندوقًا صغيرًا فيه كتب وأزهار، وحين رأته، قال وهو يخفض عينيه:مكنتش أعرف إنك ساكنة هنا، بس كنت بدوّر على عنوان قريبي… وبالصدفة شفت اسمك على الباب.
كان سامي…
لم يتغير كثيرًا، ما زال يحمل تلك النظرة الخجولة، لكن صوته فيه نبرة رجل نضج وعرف ماذا يريد.
ابتسم، ومدّ لها الوردة البيضاء من الصندوق:أنا مش جاي أفتح جرح قديم… جاي أداويه، لو تسمحيلي.
ترددت مها… لكنها شعرت بشيء دافئ يلامس قلبها المنهك.