رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل التاسع و العشرون 29 بقلم نورهان ال عشري


 رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل التاسع و العشرون  بقلم نورهان ال عشري

قد تكون نجوت ولكن هناك أشياء لازالت عالقه بداخلك، وكأن الحياة أقسمت على أن تظل جميع الألام والخيبات متعلقة بقلبك إلى الأبد حتى لو تجاوزت و عبرت إلى جانب آخر أكثر أمنًا و هدوءً، فستظل عيناك ترى الآخر، فهناك على ضفته فقدت جزءً من روحك و بعضً من قلبك، و الكثير من سنوات عمرك، و بالرغم من صعوبة الأمر إلا أن التعايش هو أكثر الحلول سلمية، و خاصةً أن كان الدرب وعِرًا يحتاج إلى إرادة قوية و قلب يؤمن بأن ذلك الليل الحالك مهما بلغت ظُلمته لابد وأن يأتي الفجر مُعلنًا انتصاره، حتى و إن تأخر الأمر واشتد الخِناق، فيكفي أنك نجوت، فكُن مُمتن لأجل ذلك، ولا تدع وقت للرثاء فالحياة لا تُنصِف الضعيف ولكنها تهاب القوي
.
نورهان العشري

 

تسمرت هيام بمكانها لدى سماعها كلمات ياسر التي جعلت دقات قلبها تتقاذف داخلها من فرط الصدمة التي سرعان ما تحولت لفزع حين هتف ياسر بجفاء
مقدمناش النهار كله يا هيام. سمعيني صوتك.
تحمحمت بخفوت قبل ان تقول بتلعثم
كلام ايه دا يا ياسر؟ حمل ايه…..
قاطعها ياسر بحدة
متكذبيش عليا. انا متأكد من اللي بقوله. انا روحت المستشفى, و سألت و عرفت كل حاجه.
هيام باندفاع
ازاي؟ اذا كانت الدكتورة اللي عملتلها العملية اتقبض عليها من سنة!
ياسر بقسوة
مانا عارف, بس انا بقى قدرت اوصل للممرضة اللي كانت شغاله معاها, و عرفت اقررها كويس.
هيام بارتباك
خلاص يا ياسر اللي حصل حصل و اهي اتجوزت اللي حملت منه.
ياسر بانفعال
بالبساطة دي! تستغفلني و تحمل من صاحبي و انت تساعديها و تجرجروني وراكوا زي العبيط على ان الهانم هتعمل عمليه الزايدة و انتوا رايحين تعملوا جـ,ـريمة!
لأول مرة تقف امامه كالطفلة المذنبة التي ارتكبت جُرم كبير, ولكنها كانت تحمل همًا أكبر منه بكثير لتقترب منه و هي تقول بترقب
انت ايه اللي عرفك الموضوع دا؟
ضيق ياسر عينيه قبل أن يقول بترقُب
الموضوع دا بدايه الخيط للي جاي, ماهو اصل الخاين لازم يجيله يوم و يتكشف. حبل الكذب قصير يا هيام.

تقصد ايه ؟
ياسر بقسوة
متستهليش تعرفي . بعد الجـ,ـريمة اللي ساعدتي فيها دي متستهليش تعرفي.

صدمتها قسوته لتهتف باستنكار
كدا بردو يا ياسر! الكلام دا يتقالي انا؟ انا كنت بستُر بنت يتيمة ملهاش حد.
هتف بحدة
تساعدي في **روح و تقوليلي بسترها!
جف حلقها و احتارت بما تبرر له لتقول بضياع
انت جاي تحكي في الموضوع دا ليه دلوقتي ؟ خلاص قولنا اتجوزت و احنا وقتها كنا قلالات الحيلة, و هي…
ياسر بقسوة
هي تولع. انا اللي يهمني حياتي اللي دمرتها.
جف حلقها من حديثه لتهتف بترقب
تقصد ايه؟
ياسر بتهكم
ابقي أسألي الهانم اللي كانت بتتهرب منك من وقت ما كنا عندها، و كل ما اقولك قوليلها تيجي تزورنا ترفض.
هيام بتلعثم
ـ بلاش نظلم. يعني لا. هي مكنتش فاضيه و بعدين سافرت الغردقة مع جوزها..
ياسر بسخرية
تلت شهور مكنتش فاضيه فيهم ولا يوم تيجي تشوفك! بالرغم انك قولتيلها ضروري لازم تيجي ! دي عمرها ما حصلت بس انا بقى هعرف اوصلها و اندمها على كل اللي عملته.
انهى جملته و اندفع الى الخارج و كأن شـ,ـياطين العالم أجمع تلاحقه, و كلماتها المعذبة تعاد على مسامعه مرارًا و تكرارًا
عودة إلى وقت سابق
نعم ! حضانة ايه اللي عايزة ترجعيلها!
هكذا تحدث ياسر بجفاء قابلته بالانفعال حين قالت
أنت ليه لما بجيبلك سيرة الحضانة بتتعصب و كأني بقول كدا عشان اضايقك!
ياسر بتهكم
اومال عشان ايه! عشان تجلطيني مثلاً!
تجاهلت سخريته وقابلتها بالهدوء حين قالت بنبرة يشوبها المرارة
انا مش عايزة ابقى تابع لحد, و لا اقعد في البيت وشي في وش الحيط من غير لا شغله ولا مشغله. انا جوايا طاقه غضب و حزن كبيرة هتتضاعف طول مانا بفكر في اللي حصل. محتاجه اشغل نفسي اخرج واتعامل مع ناس. اعمل أي انجاز و لو حتى كان بسيط أو تافه من وجهة نظرك.
أخفضت رأسها قبل أن تقول بشفاه مُرتعشة
ـ متفهمنيش غلط. بس انا مش عايزة اعتمد على حد تاني. تعبت من تحكم الناس في مصيري و أنهم هما اللي بيحركوني ولا كإني عروسة بخيوط.
هبطت عبراتها حزنا على حالها مع انتهاء جملتها ليدق قلبه معلنا تضامنه معها, و عصيانه له و غضبه على كل ما حدث معهم، ودفعها لتشعُر بهذا الشعور المُريع. زفر بقوة قبل أن يقول بتعب
أنت لو جابه الدنيا عشان تعذبيني يا غنى مش هتعملي كدا.
استشعرت مدى تعبه لتخفض رأسها بحزن لتمتد أنامله ترفع رأسها إليه وهو يقول بنبرة حانيه
اوعي توطي راسك تاني, و بلاش النظرة دي الله يباركلك انا ضميري مبينيمنيش بسببك.
غنى بألم
أنا موجوعه أوي يا ياسر, و قلبي زعلان مني و منك أوي.

احتوى رأسها بين يديه وهو يقول بنبرة اكتظ بها الالم
حقك عليا. هفضل اقولها لك عمري كله.
بكت بحرقه حتى أفرغت ما بجوفها من ألم احتواه صدره الذي أغرقته عبراتها لكنه كان اكثر من مرحب بكل شيء منها , و حين جفت بحور الدمع بمقلتيها جذب رأسها ناظرا الى عينيها وهو يقول مازحا
طب ممكن يا مس غنى تسبيني أنام في الأوضه هنا عشان في كلب بره لو شاف المهزلة بتاعت امبارح دي هيفرج عليا الناس؟
لم تفلح في قمع ضحكتها التي لونت ثغرها و هي توميء برأيها بالموافقة لتبدو كالفجر الذي انتصر على دُجى الظلام ليتجدد الأمل بصدره مما جعله يقول بنبرة يفوح منها رائحة العشق
انا عشت عمري كله بتمنى اني اصحى الصبح اول حاجه اشوفها ضحكتك. متحرمنيش منها.

عودة الى الوقت الحالي
غاضب و بشدة لقد فعل المستحيل طوال الأشهر المُنصرمة لمعرفة ما الذي دفع هذه الشيطانه الصغير لعمل جـ,ـريمتها النكراء، و قد بذل قصارى جهده لكي لا يُفسِد حياتها مع زوجها، و الذي اتضح بأنه كان حقيرًا مثلها ليُقرر الوصول إلى الحقيقة دون الإلتفات لأي شخص غيرهم، فجملتها ذلك الصباح لازالت تتردد دويها في صدره كالشوك
ـ أنا وحشة في كل الحالات و مُلامة في نظرك مهما قولت.
نفض عنه الغضب و قرر البدء بخطته لذا قام بجذب هاتفه و هو يحادث عماد الذي ما أن أجاب حتى هتف ياسر بجمود
جيت من السفر ولا لسه؟
عماد بعدم فهم
لا لسه قدامي اسبوع. في حاجه يا ياسر ولا ايه؟
ياسر بسخرية
لا ابدًا بس ياسر الصغير واحشني, و كنت عايز اشوفه.

والله يا ياسر كان مفوض نرجع من عشر ايام بس مها كل ما تسمع سيرة الرجوع تتعفرت, و تقولي خلينا هنا شويه.
ود لو يصرخ في وجهه ولكن بدلًا عن ذلك تحدث بجمود
قول لمها محدش بيعيش في الغربة على طول، و بعدين لو أتأخرتوا هضطر انا اروح ازور الحاج مجدي، أصله حبيبي.
لم يفهم عماد المغزى من حديثه, ولكنها فعلت فقد كانت تقف بجانبه بقلب مفجوع من فرط الخـ,ـوف ليقول عماد بمرح
دا هيفرح بيك اوي. بس اعمل حسابك اول ما نرجع هتيجي تقعد معانا شوية.
ياسر بجمود
لا متقلقش. دانا لازم هجيلكوا.
اغلق الهاتف وهو يتوعدهم في سره، و كل شخص تسبب في شقائه و محبوبته.

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”، “اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار”♥️
★★★★★★★★★★

ـ بتبصلي كدا ليه؟
هكذا تحدثت آسيا بخجل وهي تجلس في السيارة بجانب كمال ليقول الأخير بعبث
ـ عيني ملقتش أحلى منك عشان تبصله.
رغمًا عنها و عن عقدة النقص بداخلها و عن عنادها و انتقامها، فقد دق قلبها لحديثه و بشدة لتحاول الهرب من حصار نظراته وهي تقول بتلعثُم
ـ كمال هو أنت متأكد من كلامك اللي قولتهولي النهاردة؟

كمال بسخرية
ـ أنتِ قديمة أوي يا آسيا. متأكد أيه دانا بكرة بالليل هجيب الوحش واجي اتقدم لك، و نقرأ الفاتحة.
برقت عينيها من حديثه الذي جعلها تقول بصدمة
ـ كمال. بتقول ايه؟
كمال بمرح
ـ أنا مبقولش يا روحي. انا بعمل، وكمان مابحبش اضيع وقت. إحنا أولى بكل دقيقة بتمر من عمرنا.
لم تتخيل أن الأمور ستكون سهلة لذا عبرت عن مخاوفها بصراحة حين قالت بنبرة مُتحشرجة
ـ بس اكيد عندكوا في البيت هيعارضوا، و خصوصًا اخواتك البنات.
كمال بجدية
ـ اسمعيني كويس يا آسيا. خالد اخويا من زمان من اول ما اتجوز نادية، وهو حاطط قواعد لبيتنا، و أول قاعدة و إن كنت بشوفها زمان ظالمه شويه أن مفيش بنت من البنات تقول رأيها في أي حاجة متخصهاش.
آسيا بتبرُم
ـ بس دا خالد. انما أنت مدلعهم عالآخر.
كمال بابتسامة هادئة
ـ طبيعي واحد يشد و واحد يرخي. عشان دول بردو أخواتنا، و وصية بابا الله يرحمه لينا. لكن وقت الجد هو دا اللي هيتنفذ. متقلقيش من حاجه. الوحيد اللي ممكن اخد رأيه في موضوع يخصني هو خالد، وخالد أول ما هقوله هلاقيه سابقني على بيتكوا. أصل شكله هو كمان ضيع قلبه عندكوا. سركوا باتع أنتِ و أختك.
قال جملته الأخيرة بمُزاح جعلها تبتسم، ولكن هذه المرة كان الإطمئنان يجتاح قلبها لتقول بغرور هي الأخرى
ـ معلش احنا مش اي حد بردو.

كانت تتحدث بغرور لاق بها كثيرًا، فبدت فاتنة بطريقة أثارت حواسه مما جعله يقول بوقاحة
ـ طب بقولك ايه ما تيجي نخليها قراية فاتحة و كتب كتاب مع بعض؟
غمرها الخجل من نبرته و نظراته لتهتف بحزم
ـ لا كتب كتاب دا تنساه. انا مضمنكش من هنا لحد اخر الشارع. كتب الكتاب في الفرح.
كمال بلهفة
ـ طب جربيني. نكتب الكتاب، وانا اوعدك هبقى مؤدب، ومش هعمل اي حاجه تضايقك أبدًا
ضيقت آسيا عينيها وهي تقول بتهكم
ـ مؤدب أه! دا انت قلة الأدب اتخلقت عشانك أصلًا. يالا سلام بقى عشان ورايا حاجات كتير اعملها.
أوقفتها يد كمال وهو يقول بلهفة
ـ لا معلش. رايحة فين؟ استني نتفق.
آسيا باستفهام
ـ نتفق على اي؟
كمال بتخابُث
ـ لو مش موافقه نكتب الكتاب. يبقى تعوضيني، و تنفذيلي طلبي.
ـ طلب أيه؟
كمال بمكر
ـ قربي وانا هقولك في ودنك.
اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد♥️
★★★★★★★
ـ بقى كل دا يحصل في بنتي وانا معرفش؟ بنتي الوردة الجميلة تشوف كل العذاب دا بسبب زوج حقير و أم معندهاش رحمة.
هكذا تحدث عزام بنبرة تقطُر وجعًا لتشعر رضا بالذنب الذي حجم الكلمات فوق شفتيها لينظر إليها عزام بعينين ترسل سهام الاتهام إليها دون ذرة شفقة واحدة
ـ كنتِ بتحافظي على بيت مين يا رضا ؟ أمين ولا بنتك؟ كنتِ بتنامي ازاي وهي مكسورة و متهانه في بيت ناس بالوحشية دي؟ بنتك اللي عمرها ماكانت بتقول لحد فينا غير حاضر و نعم. قبلتي عليها تتبهدل البهدلة دي ليه يا رضا؟
حاولت الحديث، و لكن الحروف كانت تهرب من فوق شفتيها لتقول بتلعثُم
ـ مكنتش اعرف. انا كنت مفكره أنها خلافات عادية. والله يا أبو أشجان ما تخيلت أنه يكون قذر كدا.
عزام بغضب
ـ و النهاردة لما سمعتيه بيتبلى على بنتك عملتي ايه؟ صدقتي كلام حقير زيه و كسرتي بنتك.
انهمرت عبارات الذنب من مقلتيها بغزارة ليصرخ عزام بشراسة
ـ أنتِ أم أنتِ! أنتِ لو عدوتها مكنتيش هتعملي فيها كدا.
اندفعت الكلمات من فوق شفاهها بحرقة
ـ انا مقصدتش. والله ما قصدت. انا بس خوفت يكون انضحك عليها. أصلها كرهت جوزها فجأة وقالت عايزة أطلق. قولت يبقى في حد لعب في دماغها. دا اللي جه في تفكيري.
ـ هي مين دي اللي حد لعب في دماغها و كرهت جوزها فجأة! اوعي تقولي انك بتكلمي عن اشجان؟
هكذا تحدثت آسيا باستنكار، فقد وصلت لتوها لتستمع إلى جملة والدتها التي قالت بقهر
ـ اسكتي أنتِ سبب البلاوي كلها.
ـ أنتِ ايه يا ولية أنتِ! لسه بتقاوحي و بترمي اللوم على البنت كمان.
هنا تدخل عزام صارخًا وهو ينقض عليها يحاول ضربهاؤ ولكن آسيا حالت دون ذلك وهي تقف بينهم قائلة بذُعر
ـ لا يا بابا بلاش ابوس ايدك. كفاية كدا بقى.
رضا بصدمة
ـ عايز تضربني يا عزام! هانت عليك العشرة!
عزام بقسوة
ـ زي ما بنتك هانت عليكِ، و اعملي حسابك أن دا بيت بنتي، وهتعيش فيه مُعززة مُكرمة، ولو مش عاجبك الباب يفوت جمل.
ضاقت ذرعًا مما حدث لتهتف بانفعال
ـ ممكن اعرف حصل ايه و فين أشجان؟
عزام بتعب وهو يضع يده فوق قلبه
ـ خلي الهانم أمك تحكيلك.
جلست رضا مُطأطاة الرأس تقص على آسيا ما حدث، والتي صرخت بصدمة
ـ يا كلب يا حيوان. بقى انا أختي يقول عليها كدا!
أنهت جملتها و التفتت إلى والدتها قائلة بحدة
ـ و أنتِ ازاي تصدقي كدا على أشجان؟ ازاي جالك قلب تقوليلها كدا؟ بس هستغرب ليه ما أنتِ طول عمرك سبب كسرتها. تفكيرك و معتقداتك العقيمة سبب حزنها و بؤسها طول حياتها. أنتِ عايزة مننا أيه؟
رضا باستنكار
ـ دلوقتي أنا وحشة يا ست آسيا؟ بعد ما جريت عليكوا و اتمرمطت و خدمت في البيوت عشان أربيكوا! انا شفت المرار عشان تبقوا بني آدمين و اديكي اهو بسببي دخلتي احسن مدارس و احسن جامعات. كل اللي أنتِ فيه دا انا دفعت تمنه من صحتي و من كرامتي. أنتِ متعرفيش انا شوفت ايه من العيلة دي و اتحملت منهم ايه عشان خاطركوا. دلوقتي بقيت عدوتكوا و عايزة ايه منكوا! ولا حاجه انا هريحكوا مني خالص.
شعرت بتأنيب الضمير تجاه والدتها لتقول بجمود
ـ أنا أسفة لو صوتي علي عليكِ، و أسفة عشان اتماديت معاكِ في الكلام. بس مش أسفه في انك فعلًا سبب حزن أشجان اختي، و تعبها و بهدلتها مع الحيوان دا.
التقطت حقيبتها وهي تهتف من بين عبراتها
ـ أنا هروح أشوف أشجان و اطمن عليها.
عزام بلهفة
ـ أنتِ عارفة هي فين؟
آسيا بقسوة
ـ في شقتها. ماهي أجرت شقة عشان تعيش فيها هي وولادها بعد ما تطلق. مكنتش عايزة تتقل على حد.
قالت جملتها الأخيرة و عينيها على رضا التي أخفضت رأسها خزيًا، و ندمًا ليهتف عزام بلهفة
ـ خديني معاكِ يا آسيا. عايز اروح اشوف بنتي.
آسيا بنبرة لينة
ـ خليك هنا يا بابا. انا هجبها معايا.
رفعت رضا رأسها بلهفة تجلت في نبرته حين قالت
ـ طب وهي هترضى تيجي معاكِ؟
آسيا بجمود
ـ هترضى. مانا أصلي نسيت اقولك.
تبدلت نظراتها و ملامحها إلى الفخر و هي تقول
ـ كمال الوتيدي جاي بكرة يطلب ايدي للجواز هو وخالد اخوه.
برقت عيني والديها لتهتف رضا بصدمة
ـ بتقولي ايه؟
آسيا بابتسامة عريضة
ـ اللي سمعتيه ياماما، وقريب أوي البيت اللي كنتِ بتخدمي فيه هتدخليه هانم معززة مكرمة، وكل اللي عمل فيكِ حاجه في يوم من الايام هردهاله أضعافها.
خرجت من بناياتهم وحدها بعد أن أقنعت والدها بالإنتظار في البيت حتى تستطيع الحديث مع شقيقتها و إقناعها بالعودة لتقول بجذب هاتفها لتحادث كمال الذي هتف بمرح
ـ متقوليش اني وحشتك والكلام دا. نرجع اكتب الكتاب على طول.
لا إراديًا شعرت بالراحة حين استمعت إلى صوته، ولكن قلبها لازال يؤلمها بسبب ما حدث مع شقيقتها لتقول بنبرة مختنقة بالعبرات
ـ كمال أنت فين ؟ لو مبعدتش كتير ارجعلي.

ارتجف قلبه خوفًا عليها، و لتلك النبرة الحزينة التي تحادثه بها فهتف بلهفة
ـ طبعًا هرجعلك. انا لفيت أصلًا بس قوليلي مالك ؟ في ايه ؟
آسيا بتعب
ـ أنا كويسة. الموضوع يخص أشجان. لما تيجي هحكيلك.
كانت تتوجه بخطً مُتلهفة لتصل إليه وهي تحادثه بنبرة مُتألمة، فلم تلحظ نداءات رؤوف الذي احتدت نظراته، و تمزق قلبه حين رآها وهي تستقل السيارة بجانب كمال الذي انطلق في وجهته وهو يحاول تهدئتها بعد أن أخبرته ما حدث ليقول بحنو
ـ اهدي شويه. أن شاء الله هتروحي تلاقيها كويسه.
آسيا بألم
ـ أشجان غيري يا كمال. دي رقيقة اوي و ضعيفة جدًا، و اسهل حاجة عليها تكبت في نفسها و تقعد تعيط. انا مرعوبة عليها، و بدعي أنها تكون فعلًا في الشقة اللي أجرتها دي.
كمال بنبرة حانقة
ـ بصراحة بقى الحيوان دا اتمادى أوي، ولازم يتحطله حد. انا هكلم خالد و هحكيله، و هو اكيد هيتصرف معاه.
آسيا بتفكير
ـ أنا خايفة الموضوع يكبر اكتر، و ميبقاش دا في مصلحة أشجان.
كمال بحزم
ـ لا متقلقيش. خالد عاقل، و دماغه سم. يعني هيحل الموضوع بذكاء، و بصراحة بقى محدش هيقدر يوقف الزفت دا عند حده غير خالد.
آسيا بإذعان
ـ عندك حق.
اللهم يا مسهل الشديد ويا ملين الحديد ويا منجز الوعيد ويا من هو كل يوم في أمر جديد أخرجني من حلق المضيق إلى سعة الطريق بك أدفع ما لا أطيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم♥️
★★★★★★★

كانت تحتضن نفسها كالأطفال غارقة في سُبات عميق بفعل هذا المنوم الذي أعطته لها سوزان، فقد اشفقت عليها كثيرًا بعد أن قضت قرابة الثلاثة ساعات تبكي بحرقة حتى أُنهكت أحبالها الصوتية، و حفرت العبرات وديان الألم حول عينيها، و هاهي نائمة منذ ساعات، وكأنها وجدت في النوم ملجأً لها من هذا الواقع الأليم، فلم تشعر بهذا الطرق القوي على باب الشقة، و الذي جعل سوزان تهرول بقدر ما تحتاج لتصل إلى الباب و حين فتحته وجدت رجل و إمراة يدقون فوق باب شقة أشجان فهتفت بنبرة مُرتفعة قليلًا
ـ عايزين مين؟
التفتت آسيا بلهفة، و حين وقعت عينيها على سوزان تعرفت عليها فورًا، فلطالما سمعت عنها من شقيقتها لتهرول إليها قائلة بلهفة
ـ حضرتك مدام سوزان صح؟
سوزان بابتسامة هادئة
ـ و أنتِ آسيا صح!
حين وقعت عيني كمال عليها تعرف إليها هو الآخر، فقد رآها مرات عديدة مع شقيقه و خاصةً في المـ,ـقابر ليقترب منها قائلاً
ـ ازيك يا مدام سوزان.
ـ اهلًا يا ابني. اتفضلوا.
آسيا بلهفة
ـ أشجان عندك صح!
كمال بتهكم
ـ لسه بتسألي! و عملالي فيها ذكية أوي. يالا قدامي.
حدجته بنبرة لائمة لتقول سوزان بمُزاح
ـ عيب تكلم حبيبتك كدا.
كمال بصدمة
ـ حبيبتي! معقول الوحش مسيحلي في كل حتة كدا!
سوزان بتخابُث
ـ لا حبيبي دا مؤدب مبيسيحش لحد بس باين على عنيك و هي بتبصلها انك بتحبها.
تراشقت الكلمات بصدر آسيا التي غزى الذنب أوردتها لترفع رأسها إليه و إلى عينيه التي تناظرها و كأنها المرأة الوحيدة على الأرض
ـ تشربوا ايه؟
انتشلتها كلمات سوزان من بئر الذنب الذي كانت غارقة به لتهتف بلهفة
ـ ميرسي اوي. انا بس عايزة أشوف أشجان.
عند ذكر اسمها كانت قد أطلت عليهم، فأصوات الجلبة في الخارج ايقظتها، فارتدت حجابها و خرجت إليهم لتهب آسيا مندفعة إلى أحضانها وهي تبكي بحرقة و الحروف ترتجف فوق شفتيها حين قالت
ـ أشجان.حقك عليا. حقك عليا انا. أنا أسفة اني مكنتش موجودة و دافعت عنك. سامحيني.
عانقتها أشجان بلهفة وهي تقول بنبرة مُهترئة من فرط الألم
ـ متتأسفيش يا حبيبتي. أنتِ ملكيش ذنب.
آسيا بأسى
ـ لو كنت جنبك وقتها مكنش حد هيقدر يقولك حرف، و كان زماني قطعت لسان الكلب دا.

امتدت أنامل أشجان تمحي عبرات شقيقتها بحنو تجلى في نبرتها حين قالت
ـ هوني على نفسك يا حبيبتي. بلاش تحملي نفسك ذنب مش ذنبك. انا مش طفلة صغيرة. انا اللي ضعيفة و الكل عارف دا و عشان كدا أستاهل كل اللي حصلي.
تدخلت سوزان قائلة بنبرة صارمة
ـ أنتِ طيبة يا بنت. معنديش بنات ضعيفة أنا.

ابتسمت أشجان بهدوء قبل أن تلتفت إلى كمال قائلة بتحفُظ
ـ أزيك يا كمال بيه. أسفة اتلهيت في آسيا و مسلمتش عليك.
كمال بجدية زائفة
ـ لا بقى. انا ليا عندك حق عرب. ايه كمال بيه دي؟ اسمي كمال. دا احنا خلاص بقينا أهل.
قطبت جبينها بعدم فهم لتقول آسيا مازحة
ـ اه نسيت اقولك أصل كمال عايز يخطبني بس انا لسه موافقتش.
كمال باستنكار
ـ نعم ياختي! مين دي اللي موافقتش؟ و لا مين قالك أن انا هاخد رأيك أصلًا
ابتسمت أشجان على جملته لتقول سوزان باعجاب وهي تنظر إلى آسيا
ـ البنت دي عجبتني. أيوا كدا لففيه حوالين نفسه.
كمال بنفاذ صبر
ـ لا بقى. دا انتوا كلكوا عليا! خلاص أشجان هتبقى في صفي.
أشجان بابتسامة بسيطة
ـ متقلقش انا في ضهرك.

احتضنتها آسيا بقوة وهي تقول بحنو
ـ أيوا كدا اضحكي.
بادلتها أشجان العناق وهي تقول بخفوت
ـ ربنا ما يحرمني منك أبدًا.
التفتت سوزان إلى كمال وهي تقول بمُزاح
ـ تعالى قومني نعمل قهوة بدل ما أنت عمال تسبل للبنت كدا.
شعر كمال بالإحراج ليهتف باستنكار
ـ طب وربنا انا قاعد مؤدب ولا عملت حاجة.
مدت سوزان يدها إليه ليساعدها في النهوض وهي تنظر إليه بنظرات ذات مغزى وصل إليه على الفور ليتوجه معها إلى الداخل حتى يفسحوا المجال للفتاتين للحديث براحة و ما أن تواروا عن الأنظار حتى هتفت آسيا بلهفة
ـ قبل اي حاجه لازم تعرفي اني سايبة ماما منهارة و حالتها صعبة بسبب اللي حصل، وأنها ندمانه على كل حرف قالته، وكانت لحظة شيطان مش اكتر.
زفرت أشجان وجعها مع ذرات ثاني أكسيد الكربون قبل أن تقول بجفاء
ـ مش مضطرة تبرريلي يا آسيا. انا بعدت ما قعدت مع نفسي و هديت، و فكرت كويس. اكتشفت انها معملتش حاجة جديدة هي دي ماما وهو دا تفكيرها. انا بس اللي ضعيفة وأقل ريح بتخسف بيا الأرض.
احتوت آسيا يديها وهي تقول بنبرة يتخللها الآسف
ـ طيب ماشي. دي ماما. بالنسبة لبابا بقى. دا هيتجنن عليكِ، و بالعافية اقنعتوا يسنى و ميجيش معايا. انا خايفة عليه أوي.
استفحل الخوف بصدرها لتهتف بلهفة
ـ طيب قوليله اني كويسة، و مش زعلانه…

قاطعتها آسيا بلهفة
ـ مش هيصدق مهما قولت. لازم يسمع منك ويشوف دا بعنيه. خلينا متفقين أن ماما و خالتي صابرين طول عمرهم تفكيرهم راجعي كدا، و مش أنتِ اول واحدة تتأذي منهم شوفتي غنى و اللي حصلها. بس في الآخر هنعمل ايه دول أهلنا، ودي تربيتهم ودا تفكيرهم.
هنا تذكرت كلمات خالد حين أخبرها بأن والدته كانت تُفكر بنفس الطريقة، فاخفضت رأسها وهي تقول بنبرة طابعها الحزن
ـ انا تعبت يا آسيا. مش عايزة حاجه غير اني أعيش مع ولادي بهدوء و سلام. نفسي يسيبوني في حالي بقى.
مسدت آسيا على كتفها وهي تقول بتشجيع
ـ كل حاجه هتتصلح أن شاء الله، وبكرة تشوفي الدنيا زي ما ضلمت هتنور، و بعدين بقى انا مش هقدر افرح غير و أنتِ جنبي
قالت جملتها بخفوت ليصل إليها صوت كمال من الخلف و الذي هتف بمرح
ـ سمعتك على فكرة.
لا إراديًا ابتسمت لتطغى السعادة على حزنها وهي ترى العشق يلون حدقتي شقيقتها، فقالت بسعادة
ـ كمال باين عليه بيحبك، و أنتِ كمان حبتيه ربنا يسعدكوا يا حبيبتي.
تجاهلت حديث أشجان الذي اشعل شرارة الذنب مرة أخرى بداخلها و قالت بجمود
ـ ربنا ما يحرمني منك. يالا بقى روحي معايا.
شعرت بالتردد، ولكن جرس الباب جعلها تفزع في مكانها ليقترب كمال وبجانبه سوزان واضعين المشروبات فوق الطاولة ليهتف كمال
ـ زي ما انتوا انا هفتح.
ماهي الا ثوان حتى استمعت إلى صوته الذي جعل كل خليه في جسدها تتحفز حتى دمائها كانت تندفع بعروقها بقوة جعلت نبضها يتسارع و كأنه يحثها على الهرب، ولكنه على عكسها منذ أن حـ,ـادثه كمال وأخبره بأنهم عند سوزان، وهو يسابق الزمن ليذهب لرؤيتها و يقر عينيه بملامحها الجميلة، و ما أن التقمتها عينيه حتى أفصحت عن عشق فاض به القلب و طغى، عشق رمم ندبات روحه على الرغم من أنه لم يستشعر حلاوة قربها بعد، ولكن قلبه لا يجد راحته سوى في قربها.
ـ مستر خالد.
هكذا تحدثت آسيا لتهب أشجان فجأة من مكانها وهي تقول بارتباك
ـ طيب يالا. عشان منتأخرش. انا جاهزة.
كانت بريئة أمام عينيه كطفلة مراهقة تهرب حين ترى حبيبها، و قد كان كل شيء منها يروقه كثيرًا، ولهذا اراد مشاكستها حين قال
ـ يعني عازميني على العشا، وأول ما آجي تمشوا!
كمال بمرح
ـ يا كبير دا اللقمة متتبلعش من غيرك. احنا أساسًا قاعدين مستنيينك. صح يا آسيا؟
ناظرتها أشجان بتحذير و خالد بتسلية لتجد نفسها في مأذق ولكنها قالت في النهاية
ـ صح .
برقت عيني أشجان وهي تنظر إلى آسيا التي بنظرها جعلته ينتصر عليها، و خاصةً حين اتسعت ابتسامته الجميلة التي ضاعفت وسامته الفذة ليحرك رأسه وكأنه يأسف على موقفها لترمق آسيا بوعيد جعل الأخيرة تقول بخفوت
ـ معلش ياشوشو دا الوحش بردو.
لم تُجيبها أشجان إنما اضطرت إلى الإذعان إلى الأمر لتجلس وهي تحاول عدم الالتفات إليه، فتوجه برفقة كمال إلى الشرفة لكي يحافظ على وعده لها قدر الإمكان ليستغل كمال الأمر و يقول بمكر
ـ بقولك ايه يا كبير. عايزين نوطد العلاقات عشان نمهد الطُرقات.
فطن إلى ما يرمي إليه ولكنه أجابه بفظاظة
ـ ادخل في الموضوع على طول.
ـ عايزك تيجي معايا بكرة أخطب آسيا.
هكذا تحدث كمال إلى خالد التي كانت عينيه لاتزال على أشجان التي كانت تحاول تفادي نظراته ولكنه وقح لا يُعطيها المجال للهرب منه
ـ مش فاضي بكرة.
هكذا تحدث خالد باختصار ليقول كمال بلهفة
ـ لا بالله عليك. مش طالبة تأجيل. انا اتفقت معاها.
نقل نظراته الى كمال وهو يقول بتخابُث
ـ بس فاضي النهاردة.
توسعت عيني كمال من فرط السعادة التي تجلت في نبرته حين قال
ـ دا كدا تمام التمام اوي.

تحدث و عينيه لازالت تقتنص ارتباكها من هذه المسافة
ـ هتركبوا معايا عربيتي!
كمال باستنكار
ـ و عربيتي ؟
خالد باختصار
ـ عطلت.
كمال باندفاع
ـ هي أساسًا بايظة، و أنا كنت ناوي أغيرها.

بعد مرور ساعة كان الأربعة يقفون أمام سيارة كمال الذي قال بأسف زائف
ـ للأسف مش راضيه تدور. يالا بقى نروح بعربية خالد.
ما أن أوشك خالد على الحديث حتى جاءه صوتها المندفع
ـ لا طبعًا مش موافقة.
رفع أحد حاجبيه ولأول مرة يوجه إليها حديث حين قال بنبرة خشنة
ـ ليه؟
دارت نظراتها في جميع الاتجاهات ماعداه، وهي تقول بارتباك
ـ كدا. يعني هنروح بتاكسي انا و آسيا أفضل.
كمال باستنكار
ـ طب و ينفع! دا كدا عيب في حقنا، وبعدين دي سواقة خالد حلوة والله.
حدجته بنظرة ساخطة، وما كادت أن تعترض حتى بترت آسيا اعتراضها و قالت بحسم
ـ تمام يالا عشان اتأخرنا وبابا بيرن عليا.
خالد بنبرة خشنة
ـ هاتي رقم باباكي، و اركبوا انتوا العربية.
التفتت تناظره بلهفة لتجد نظرة تصميم تغلف عينيه، فلم تجد بُد من الإذعان لهم لتتوجه برفقة شقيقتها إلى السيارة والقلق يقرضها من الداخل، و خاصةً حين وجدته يعود إلى السيارة ليستقل مقعد السائق وينطلق نحو بيتهم دون حديث.
مر قرابة النصف ساعة إلى أن وصل الجميع إلى البناية القديمة التي يسكنون بها لتتبادل الفتيات النظرات قبل أن يوجه خالد حديثه إلى آسيا قائلًا
ـ اطلعوا و عرفي باباكي أن احنا تحت.
اومأت آسيا بصمت لتتوجه و خلفها أشجان إلى الأعلى وما أن رآها عزام حتى اندفع يحتويها بين ذراعيه بقوة و عبراته تنهمر على وجنتيه وهو يقول بنبرة متهدجة
ـ سامحيني يا بنتي. سامحيني. حقك على راسي. أنا أسفلك
ربتت أشجان بحنو على كتفه وهي تقول بلهفة
ـ يا حبيبي متقولش كدا، ولا عمرك تتأسف أبدًا.

كوب وجهها بين يديه وهو يقول بحنو
ـ دانا هفضل اعتذرلك طول عمري على كل اني مقدرتش احميكي.
تدخلت آسيا تعانقهم بقوة وهي تقول بحماس
ـ والله الدموع هتفر من عيني بس عريسي قاعد مستني تحت، و دا عينه زايغة و ممكن يعلق اي واحدة تعدي من قدامه.

كانت تقصد من حديثها رسم البهجة على وشوشهم وقد نجحت في ذلك ليهتف عزام بلهفة
ـ أيوا صح. ادخلوا انتوا وانا هنزل اطلعهم.

بعد مرور ربع ساعة كان الثلاثة رجال يجلسون في هذه الصالة الصغيرة ليتحمحم خالد بخشونة قبل أن يقول
ـ حاج عزام أحنا يسعدنا ويشرفنا أننا نطلب آسيا بنتك لكمال اخويا. أنت ايه رأيك؟
لا أراديًا شعر عزام بالغبطة من حديث خالد و طريقته في طرح الأمر ليقول عزام بسعادة حاول أخفائها قدر المستطاع
ـ والله يا خالد بيه. انتوا تشرفوا أي حد.
خالد بنبرة ودودة
ـ خالد بس يا حاج عزام. انت في مقام والدي، و طول عمرك راجل محترم و الحاجة رضا كمان ست محترمة، و ما شاء الله بناتك يزينوا و يشرفوا أي عيلة يدخلوها، و دي شهادة حق مش مجاملة.
قال جملته الأخيرة بنبرة صادقة فقد كان يود لو يهتف في هذه اللحظة بأن عشقه لإمرأه مثلها لهو وسام يعتز به أي رجل، و قد ابتهج صدر عزام كثيرًا و تهللت اساريره ليقول بنبرة مُتحشرجة
ـ والله يا أبني انت كلك ذوق و ابن اصول، وأنا أتشرف بنسبكوا طبعًا.
كمال بحبور
ـ طيب انا بقول بعد اذنك نقرأ الفاتحة و نحدد معاد كتب الكتاب و الفرح.
تفاجيء عزام من طلبه، و تلعثم حين قال
ـ بالسرعة دي يا ابني! لسه في ترتيبات و تحضيرات، وو

قاطعه خالد حين قال
ـ أنا متفهم وجهة نظرك. بس كل حاجة سهل تجهز في يوم وليلة. الموضوع بسيط كمال هيعيش في الفيلا بتاعتنا، و هو كدا كدا هيجهز كل حاجه. احنا ناس بنمشي حسب الشرع، يعني العريس بيفرش بيته و بيدي لعروسته مهرها، وهي بتجيب اللي نفسها فيه.
كان حديثه منمقًا حيث رفع الحرج عن عزام الذي تسللت الراحة إلى قلبه ليهتف كمال باندفاع
ـ وانا مستعد اتاقلها بالدهب، هي أساسًا خُف الريشة.
توسعت عيني الرجلين ليتدخل خالد لينقذ الموقف حين قال
ـ لو تسمح انا من رأيي منأخرش الموضوع، و خير البر عاجله.
عزام بنبرة ودودة و عينيه تعكسان فرحته
ـ والله انا معنديش مانع. بس ناخد رأي العروسة الأول، و أرد عليكوا.
وافقه خالد قائلًا
ـ مفيش مانع، و احنا تحت امرك، وأمر العروسة، و المهر اللي هي عايزاه هتاخده و زيادة كمان.
عزام بحرج
ـ يا ابني أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة.
خالد بابتسامة هادئة
ـ طبعًا مقولناش حاجة. بس بردو طلبات العروسة أوامر.
عزام بسعادة
ـ مش هنختلف يا ابني. آسيا تنزل مع عريسها و يجيبوا اللي هما عايزينه سوى

كمال باندفاع
ـ هو دا الكلام.
ـ طب نقرا الفاتحة بقى!
عزام بحبور
ـ على بركة الله.
رفع الثلاثة كفوفهم يتلون الفاتحة إلى أن انتهوا مؤمنين ليرتفع صوت عزام حين قال
ـ يا أم العروسة سمعينا زغروته بقى.
كان يترقب رد فعلها و خاصةً حين تذكر طلبه منها عصر اليوم
ـ بصي بقى. إحنا أول ما نقرأ الفاتحة عايزة اسمه الزغروتة الحلوة دي. عشان اقسم بالله لسه بترن في ودني لحد دلوقتي، وبعدين ياسر مش أحسن مني عشان تزعرطيله، وانا لا.
ثواني مرت لتخترق أذنيه زغرودة قوية جعلت بسمة عريضة ترتسم فوق شفاهه، فحبيبته لم ترُد طلبه.
بسم الله الرحمن الرحيم يا إله البشر ويا عظيم الخطر ويا معروف الأثر ويا سريع الظفر ويا عزيز المن ويا واسع المغفرة ويا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين برحمتك يا أرحم الراحمين ( الدعاء دا لقضاء الحاجه يعني بعد ما تقوله اذكروا الحاجة اللي نفسكوا فيها و ربنا يحققهالكوا بإذن الله )♥️
★★★★★★

خرجت من المرحاض تجفف شعرها بعد أن أخذت حمامًا منعشًا، و ارتد بيچامتها التي كانت على قدر احتشامها على قدر جاذبيتها التي أبرزها على استحياء لتتوجه إلى المرآة تمشط شعرها الذي استرسل بنعومة خلف ظهرها ثم التفتت الى خارج الغرفة تنوي الذهاب الى جدتها للإطمئنان من أنها أخذت أدويتها
ـ بتعملوا ايه؟ قفشتكوا.
هكذا تحدثت شروق بمرح وهي ترى جميلة و سعاد تتبادلان أطراف الحديث، فقد توطدت علاقتهم كثيرًا في الآونة الماضية
ـ قاعدين بنجيب في سيرتك.
هكذا تحدثت جميلة بمرح قابلته سعاد بالتحذير حين قالت
ـ بنت. اوعي تقتني أو تطلعي الأسرار اللي بيننا لحد.
نكش حديثها فضول شروق التي توجهت لتجلس بالمنتصف بينهم، وهي تقول بتهكم
ـ الله الله. بقى في أسرار من ورايا ايه يا تيتا؟ ايه يا ست جميلة! أنتوا بتقرطسوني ولا اي؟
سعاد بتخابُث
ـ معلش بقى يا شوشو. اصل دي حاجه متخصناش، دا واحد مأمني أمانة، و منبه عليا أنتِ بالذات متعرفيهاش.
دق قلبها بقوة، وهي تستمع إلى حديثها الذي يُشير إلى ذلك الغائب منذ ثلاثة أيام بعد آخر حديث بينهم، فما الذي أخبرهم به و اشترط عليهم إلا يخبرونها؟
حاولت ارتداء ثوب اللامُباله وهي تقول
ـ عادي. أنا أساسًا مابحبش اعرف حاجه متخصنيش.
سعاد بحنق
ـ بقى كدا ! طيب قومي بقى اعمليلنا حاجة نشربها على ما نخلص كلام في أسرارنا، و بعدين تعالي نتفرج على فيلم سوى.
جميلة بلهفة
ـ شوشو احلى واحدة تعمل فشار.
سعاد بحماس
ـ يبقى فشار. قومي يالا.
خرجت من الغرفة تنوي الذهاب الى المطبخ لعمل الفشار، فإذا بها تلمح نبيلة تقف أمام باب غرفتها لتهتف شروق بتهكم
ـ لو بتدوري عليا أنا أهو.
التفتت نبيلة تناظرها بتقييم قبل أن تتحول نظراتها إلى احتقار تجلى في نبرتها حين قالت
ـ الحقيقة كنت بدور عليكِ. بس ياريتني ما شفتك. ايه المنظر دا؟ في واحدة تبقى متجوزة واحد زي عمر الوتيدي، و يبقى دا منظرها!
اخترقت أهانتها صدر شروق التي قمعت غضبها، و رسمت ابتسامة واثقة على شفاهها قبل أن تقول بهدوء
ـ هو أنتِ متعرفيش! اهو المنظر اللي مش عاجبك دا عمر بيمـ,ـوت فيه.
تجعدت ملامح نبيلة، ولون الشر نظراتها ولكنها قمعته خلف قناع السخرية حين قالت
ـ فعلًا! و عشان كدا بقاله تلت ايام مجاش البيت! ولايكونش زهق. بصراحة يا شروق أنتِ مفكيش اي ميزة تلفت انتباه اي راجل، وخصوصًا راجل زي عمر. شاف بنات أشكال و ألوان، و كلهم من أجمل و أشيك البنات في المجتمع الراقي اللي أنتِ متعرفيش عنه حاجه. يا خسارة قصتكوا بدأت وانتهت من غير حتى ما احرك صوباع فيا عشان انهيها.
انكمشت ملامحها بألم لم يخفى على نبيلة التي ابتهج قلبها المريض من إيذاء هذه اليتيمة التي حاولت أن تحارب ببسالة لآخر نفس حين قالت بسخرية
ـ مشكلتك يا حماتي. انك دايمًا شايفه نفسك صح. مع انك عارفه انك ماشيه حلو اوي في طريق الغلط، و دايمًا بتنسي أن ربنا موجود. و ان مهما خططتي و نقذتي مش هتعملي غير اللي ربنا كاتبه، و عمومًا أنا مش هقدر للأسف احكيلك عن تفاصيل علاقتي الخاصة مع عمر، و قد ايه هو بيعشقني، و لو كنتِ بتعملي كل دا عشان اتنرفز و اقولك هو فين، فمش هعمل كدا. أصل جوزي حبيبي مابيحبنيش أقول أسراره لحد، و خصوصًا أنتِ.

نجحت في رد السهم بأقوى منه، ولكن نست بأن الحاوي لا تفرغ ثعابينه لترد نبيله بنبرة ماكرة، وهي تمد يدها بشريط لمنع الحمل
ـ بصي يابنتي. انا بردو لسه جوايا حتى طيبة قد كدا. تخليني أقولك خلي بالك. عمر مش ناوي يكمل معاكِ، و عشان كدا متنسيش تبقي تاخدي من الحبوب دي كل ليلة عشان لما يزهق ميرمكيش بعيل على ايدك. حرام يعني مش هيبقى مـ,ـوت و خراب ديار .
أنهت جملتها و توجهت برأس مرفوع إلى غرفتها لتوقفها كلمات شروق التي أرادت أن تكن لها الكلمة الأخيرة حتى ولو كانت مذبوحة القلب و الروح
ـ طيب ابقي اعملي حسابك في واحد كمان لهايدي بنتك. أصلها بصراحة شبهك اوي، و للاسف اللي زي خالي انقرضوا من زمان، فمش هتلاقي حد يتحملها، و تقوم رجعالكوا بعيل هي كمان.
اقتربت شروق أكثر وهي تقول باحتقار
ـ أصل انتوا بصراحة مبتعرفوش تربوا. عن اذنك.

على الرغم من أنها انتصرت ولكن داخليًا كان قلبها ينتفض من فرط الألم حين تظن بأن حديثها عن عمر صحيح، فهي وبكل أسف وقعت في المحظور و جرفها تيار العشق الذي استملك كل ذرة من كيانها تجاهه.
نظرت إلى المرآة بأعيُن اكتظ بها الدمع، وهي تتذكر كلمات نبيلة، فهي ليست فائقة الجمال، ولا تهتم لمظهرها، فمن المؤكد أنه مل منها ومن رفضها الدائم له، و قد طار إلى عشًا آخر ليظفر بما تمنعه عنه.
طعنة قويه انغمست في قلبها وهي تتخيل أن يكون لإمرأة أخرى سواها، فتساقطت العبرات كالسيل من عينيها لتقوم بمحوهم بعُـ,ـنف، و كأن ضعفها شيء مُخزي تستنكره، و بلحظة جنونيه فتحت أحد الأدراج و التقطت احمر شفاه بلون الكرز و ظللت شفتيها حتى بدت شهية قابلة للإلتهام. ثم ألقته من بين يديها، وهي تتوجه إلى الأسفل و منه إلى المطبخ لتُعد الفشار، فأخذ الأمر منها وقتاً طويلًا لتصل إلى ضالتها، و بدأت بالفعل في إتمام الأمر برأس مُشتت و عقل غاضب مما جعلها كادت أن تُسقِط أحد الأواني لتحاول التقاطها ولكنها وجدت كف ضخم قام بالأمر بدلاً عنها لترفع عينيها المصدومة إلى عينيه المُشتاقة، والتي سرعان ما هبطت إلى شفاهها المُغوية ليجتاحها تيار الخجل الذي زرع بتلات الورود فوق وجنتيها لتحاول التراجع إلى الخلف، ولكن يده أوقفتها، وهو يقول بنبرة مُتهدجة من فرط المشاعر
ـ ايه اللي منزلك من اوضتك دلوقتي ؟
حاولت قطع خيط النظرات الموصول بينهم، وهي تتلفت في كل الجهات قائلة بارتباك
ـ كن. كنت بعمل . فشار. لتيتا و جميلة.
خرجت الكلمات دون وعي من بين شفتيه
ـ وحشتيني.
ظلل بريق الاندهاش عينيها من كلماته ليُتابع بعتب
ـ معقول متسأليش عني التلت أيام اللي فاتوا؟!
ذهب هدوئها أدراج الرياح، تحل محله التلعثُم و الارتباك الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ انا . اصل . يعني محبتش ازعجك. عشان شغلك وكدا.
عمر بخفوت وعينيه تطوف بنظرات موقدة بلهيب العشق والرغبة فوق ملامحها
ـ مين قالك أن سؤالك عني ازعاج؟ انا كنت كل شويه بمسك التليفون اشوفك رنيتي عليا ولا لا ؟
الهرب كان الحل الأمثل لها الآن لذا قالت بتوتر
ـ معلش. المرة الجاية هبقى اتصل.
واصل هجومه الضاري على مشاعرها خاصةً وهو يقلص الفارق بينهم أكثر
ـ مين قالك ان في مرة جاية ولا اني هقدر اغيب عنك تاني.
التفتت تعطيه ظهرها تحاول العبث بأي شيء حتى يتثنى لها الهرب منه وهي تقول بلامُبالاه
ـ عادي انت في شغلك يعني.
اقترب منها حتى صار على تماس مباشر بها، وذراعيه تعانق خصرها بقوة بينما شـ,ـفاهه تهمس في أذنيها بنبرة خشنة
ـأنتِ اهم عندي من اي حاجه في الدنيا.
فاق الأمر حدود المعقول لتحاول استجداء ثباتها ومقاومته حين تململت بين يديه وهي تقول بجفاء
ـ عمر لو سمحت ابعد .
ادارها إليه لتكون في مواجهة مُباشرة مع عينيه، وهو يحاصرها بين الطاولة وبين جسده قائلًا بنبرة تكتظ بها مشاعره
ـ مبقتش قادر.
قاومته بنبرة تحمل العتب بين طياتها
ـ احنا اتكلمنا قبل كدا.
باغتها حين قال بلهفة
ـ وانا موافق. بعد السنة دي ما تعدي و تستلمي ورثك نعلن جوازنا للناس كلها.
برقت عينيها من تصريحه، ولكن نظراته كانت قادرة على إذابه عظامها في هذه اللحظة لتهتف بنبرة مُتحشرجة
ـ تمام لما ييجي وقتها نبقى نشوف.
عمر بنبرة موقدة مستنكرة لما تفعله به عمدًا
ـ بطلي تعذبيني و تعذبي نفسك. على طول كنتِ شخص واضح، و صريح. عمرك ما كنتِ بتهربي. ايه اللي حصل؟
تود الصُراخ بأن قلبها الخائن وقف في الجهة المُضادة لها وسقط في فخ عشقه، ولكنها لم تستطِع الإفصاح عن مكنوناتها لتهتف بتوتر
ـ محصلش. انا زي مانا.
لاحت بوادر استسلامها في الآفاق ليهتف بتحدي
ـ لا و الدليل انك بتهربي مني.
صارحته بمخاوفها حين قالت
ـ انا بحافظ على قلبي و على كرامتي.
ـ مني!
هكذا تحدث باستنكار قابلته بالحزم حين قالت
ـ من اي حد.
اشتد طوق ذراعيه فوق كتفها وهو يقول بنفاذ صبر
ـ بس انا مش اي حد، و مش هاخد رأيك المرة دي عشان عنيكي معرية قلبك يا شروق و قايله كل اللي انتِ مخبياه.
دكنت نظراته و اشتدت معالمه بطريقة ارعبتها، فتسارعت أنفاسها و جف حلقها لتهمس بخفوت
ـ انت هتعمل ايه؟
عمر بتصميم و عينين التمعت بهم ألسنه الرغبة و قلب اجتاحه العشق كالطوفان
ـ هثبتلك انك بتحبيني زي ما بحبك و اكتر.
أنهى جملته و اندفع يقطف ثمار الكرز من فوق شفاهها التي أصابته بالجنون، ليقضم حُسنها بشغف فاق قدرتها على المقاومة، و جعل قلبها يُعلن استسلامه لينخرطوا في دوامة مشاعر عاتية ارتجت لها جدران المكان، وحين أوشك الأمر الخروج عن سيطرته وضع يده خلف ظهرها والأخرى أسفل ركبتيها وحملها ليصعد إلى الأعلى وعينيه مسلطه على خاصتها في محاولة منه بثها الأمان الذي ترتجيه منه ليصل بها إلى غرفة نومه ويقول بوصل خيط العشق مجددًا دون أن يُمهلها الوقت للتراجع، بل انخرط في محو كل شيء يمنعه عن الظفر بهذه الحورية التي ضربت بثباته عرض الحائط، و إن كان سابقًا ظن أنه تذوق طعم السعادة مع إمرأة، فاليوم تخطى الأمر حدود المعقول ليشعر باكتمال لم يخابره من قبل معها وحدها هذه الفتاة الخجولة التي ما أن همهمت باسمه حتى صار كالنمر الضاري الذي كان يغـ,ـترف من قربـ,ـها بنـ,ـهم إلى أن تآلفت أجسـ,ـادهم و أرواحهم و تعانقـ,ـت ضلوعهم بعد ساعات من جولات العشـ,ـق الذي كلما خبت شرارته اشـ,ـتعلت من جديد لتغفو أخيرًا بين يديه خائرة القوى بينما هو يبتسم وكأنه امتلك العالم بأسره.
لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين♥️
★★★★★★★★

ـ يا نهار مش فايت انت بتقول ايه يا كمال؟
هكذا صرخت نبيلة وهي تنتـ,ـفض من مقعدها، فقد استدعاها خالد في الصباح ليُعلمها بقرار زواج شقيقه من آسيا، فلم تحتمل ما سمعته و كذلك ميرهان التي صرخت بانفعال
ـ آسيا مين اللي تتجوزها! ملقتش الا دي ! ملقتش الا بنت الخدا..
قاطعها خالد بقسوة جمدت الحروف فوق شفاهها
ـ ميرهان. كلمة زيادة، و هتسمعي مني اللي يزعلك.
اقتربت نبيلة من كمال وهي تقول بانفعال
ـ أنا مش موافقة على المهزلة دي. استحالة هوافق تعمل في نفسك وفينا كدا.
لم يُعطي خالد الفرصة لأحد في الحديث ليهتف بنبرة حادة
ـ نبيلة أنتِ سمعتي كويس انا قولت ايه؟
التفتت تناظره بحنق تجاهله وقال بنبرة جافة ولكن متمهلة
ـ انا قولت كمال خطب آسيا و فرحهم آخر الأسبوع. مفتكرش اني طلبت رأيك! فالأحسن تخليهولك.
كادت أن تُجن لتخرج الكلمات مندفعة من بين شفاهها
ـ بقى انت اللي بتقول كدا يا كبير يا عاقل. بدل ما تديله قلمين يفوقوه.
هنا تدخل كمال قائلًا بحدة
ـ نبيلة. لحد هنا واستوب. انا سيبتك تخرجي انفعالاتك براحتك، و تستوعبي الموضوع. لكن مس ما خالد قالك. دا أمر واقع، و محدش هيقدر يغيره.

نبيلة بحدة
ـ انت يا كمال دا يكون تفكيرك ! هتقول ايه للناس؟ هتقولهم اتجوزت بنت الخدامة!
ميرهان بسخط
ـ سمعيهم الكلمة دي عشان واضح انهم نسيوا.
تدخل خالد قائلًا بفظاظة
ـ لا احنا مبننساش، عشان اثبتلك. لما والدتك اتـ,ـوفت، والست نبيلة سابتك وسافرت مع جوزها بحجة أن أعصابها تعبانه و لفت العالم كله و اتفسحت محدش كان بيشيلك غير الست دي. محدش كان بيهتم بيكِ غيرها. كانت بتعاملك و كأنك بنتها. عرفتي أننا مبننساش.

لم تشفع كلماته في اختراق جدار الثلج الذي يُغلف قلبها لتهتف من بين أسنانها
ـ ماهي كانت بتاخد فلوس عشان تعمل كل دا. هي كانت بتعمله ببلاش!
تولى كمال الإجابة هذه المرة حين قال بتقريع
ـ بس الحنية مبتتشريش و لا بيدفعلها فلوس يا ميرهان، وهي كانت حنينة عليكي اوي.
تفرقت عينيه بين شقيقتيه وهو يقول بنبرة صارمة
ـ و بعدين كل دا برا عني. انا هتجوزها يعني هتجوزها!
نبيلة بتحسُر
ـ بس انت كدا بتخسرنا يا كمال. اشمعنى هي!
كمال بنبرة صادقة تحمل من الحزم ما جعلها تنهار
ـ قلبي اختارها هي ودا مش ذنبي!
نبيلة بانفعال أشبه بالجنون
ـ بس تقدر تكفر عنه، وتشوف غيرها تكون جديرة بيك.
اغتاظ من محاولتها للتحقير من شأنها فهتف بنبرة حادة
ـ عندك حق. لكن أنا مش عايز كدا. انا عايزها هي، و هتجوزها هي.
هسهست ميرهان بخفوت
ـ دا على جـ,ـثتي.
حسبي الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون”.
“اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون♥️
★★★★★★★

مرت الايام سريعًا، وقد استقرت أمور الجميع و كانت التحضيرات على قدم وساق لحفل الزفاف الذي لم يبقى عليه سوى ساعات قليلة لتشعر آسيا بالسعادة العارم وهي ترتدي هذا الفستان الباهظ الذي اختارته من أحد المجالات العالمية لفساتين الزفاف، وهذا العقد الماسي الذي يعانق عنقها البض كان بريقه يخطف أنفاسها خاصةً وانه سعره يساوي ملايين، فقد تحققت أحلامها دفعةً واحدة ولكن على حساب قلب لم يدق لسواها، و لم يعترف بأنه هُزِم أمام القدر وأنها ستكون لرجل آخر ليتوجه رأسًا إلى غرفتها و يقوم بفتحها لتتجمد أوصالها حين رأت رؤوف يقف أمامها بهذه الهيئة المرعبة ووووووو

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1