رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثلاثون
❤️🩹 بعنوان " يُمهل ولا يُهمِل "
أحمق من ظن بأن الحياة كانت قاسية عليه وحده، فلكل منا نصيبه في المعاناة، ولكن الاختلاف يكمُن في طريقة تقبُل كُلًا منا للأمر، فهُناك من يقاتل من أجل النجاة وهذا أقواهم، و هُناك من يُفضل إرتداء ثوب الضحية و الأستسلام أمام قدره و هذا أضعفهم، أما أقساهم من حارب حتى ظن أنه نجا ولكن الحقيقة أنه مازال أسيرًا لتلك لظروف التي شوهت جزءً كبيرًا بداخله أصبح كهفًا لشيطان الإنتقام الذي ما أن استوطن قلب يطمس كل ما هو جميل بداخله بوساوسه التي نجاة منها ولا مهرب، و المُثير للشفقة بأنه حين تُذيقه الحياة من مُر أفعاله يظن بأنها عادتها في التجبُر عليه، في حين أنه لو تبدلت المقاعد و تذوق الظالم لوعة المظلوم ما آذاه ولو بمثقال ذرة.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁
أحيانًا تكُن النظرات أبلغ من ألف حديث في التعبير عن ما يجول بداخلنا من مشاعر، و خاصةً التي يقف لها الكبرياء بالمرصاد، فلا يُكتب لها العبور للواقع الملموس بل تبقى حبيسة الوجدان الذي يصبح فريسة لألمها المقيت
ـ رؤوف!
هكذا همست بضعف بينما عينيها ترسل آلاف من الاعتذارات الغير منطوقة، و الأسف الغير مُعلن عنه تقابلها عينيه التي ترمقانها باحتقار يتوارى خلفه وجع كبير و ألم عظيم تجلى في نبرته حين قال
ـ فرحانه!
هربت الكلمات من فوق شفتيها و تعالى أنين قلبها الذي اجتاحته حفنة من وخزات الذنب الذي جعل العبرات تتجمع بمقلتيها ليستنكر رؤوف مظهرها وهو يهتف بقسوة
ـ ردي عليا. فرحانة! حققتي اللي بتتمنيه؟
حاولت أن تنحى ضعفها جانبًا لتقول بنبرة مُتحشرجة
ـ رؤوف مش وقت كلامك دا….
قاطعها بنبرة حادة
ـ أجاوبك أنا. أنتِ فعلًا حققتي اللي كنتِ بتتمنيه، بخطوة واحدة وصلتي لكل اللي كنتِ عيزاه! الفلوس و المستوى الاجتماعي العظيم و النفوذ. براڤو.
صفق بيديه بطريقة مسرحية، و عينيه تُشيعانها بنظرات الخسة قبل أن يهتف باحتقار
ـ مش هعاتبك، ولا هلومك، ولا هقولك معملتيش حساب للي كان بينا ليه حتى لو محصلش بينا ارتباط فعلي. بس انا شوفت نظرة الحب في عنيكِ. لكن هقولك حاجة واحدة بس.
اكتظت عينيها بالعبرات وانكمشت ملامحها بألم حين أردف باحتقار
ـ حبك دا أكبر ابتلاء ربنا بلاني بيه، وأنا راضي عشان عارف ان ربنا هيراضيني، و حقيقي مُشفق على عريسك عشان لو في يوم من الأيام خسر كل اللي عنده مش هيلاقي منك غير الخذلان لأنك عمرك ما عرفتي يعني ايه حب.
تفكر بارود إهانته بصدرها و احتقن الغضب بأوردتها، فما أن رأته يوشك على المغادرة حتى تحلت بفضيلة الشجاعة و قالت بصوت حاد
ـ رؤوف.
إلتفت يناظرها بأعيُن حزينة مُتألمة كحال قلبه ليتفاجأ من حديثها حين قالت بنبرة جافة
ـ لو اتبدلت الأماكن و بقيت مكان كمال وهو مكانك. كنت هختاره بردو، و لو في يوم من الأيام كمال خسر كل شيء بيملكه هكونله الضهر اللي يتسند عليه. انا مش مضطرة اقولهالك، ولا متأكدة أنت هتصدقني ولا لا. بس أنا فعلًا بحبه، ولو كانت الدنيا هدتني كل حاجه بتمناها و اتجمعت في شخص واحد، فدا كرم من ربنا مش أكتر.
امتقعت ملامحه من حديثها الذي أصاب أعماق قلبه ليتفاقم الألم و يتحول لغضب هائل تجلى في نبرته حين قال
ـ يبقى ربنا يسعدك، وانا كمان ربنا يسعدني. مانا اتعلمت الدرس منك، وناوي اطبقه و استفيد من كرم ربنا عليا أقصى استفادة.
انكمشت ملامحها بحيرة وهي تناظره قبل أن يقول بجفاء
ـ هسيبك انا بقى احسن عريسك يفهم غلط لو جه ولقانا سوى.
أنهى جملته وخرج تزامنًا مع دلوف أشجان التي تحدثت بريبة
ـ رؤوف كان هنا بيعمل ايه؟
محت آسيا عبراتها بعُنف وهي تتراجع لتجلس على المقعد تهز قدمهيا بعصبية تجلت في نبرتها حين قالت
ـ جاي يسمعني كلمتين في جنابي.
أشجان بجدية مُطعمة بالتحذير
ـ خلينا متفقين انك بتحبي كمال ودا شيء واضح وضوح الشمس. بس أنتِ غلطي في حق رؤوف، و دا بردو شيء مينفعش تنكريه، فياريت تحاولي تردمي على العك دا كله، و تبدأي بداية خير مع كمال لأنه مش بس بيحبك دا مجنون بيكِ، و حاطك في مكانه كبيرة حافظي عليها. لأنك لو خسرتيها هتندمي ندم عمرك.
كانت الكلمات تطن في رأسها كالذُباب وهي جالسه في غرفتها و حولها الفتيات لتتفاجيء بالباب الذي كاد أن يتحطم حين دفعته ميرهان بقوة وهي تناظرها بغضب و كُره شع من بين كلماتها وهي تقول
ـ فكرك أنك انتصرتي؟ ولا ان الروس بينا اتساوت! لا. دا أنتِ متعرفيش انك بجوازك من أخويا دخلتي الجحيم برجليكِ، و هتشوفي أيام أسوء من اللي أمك شافتها معانا، و هتخرجي من قصرنا مطرودة زي الكلبة.
قالت جملتها الأخيرة بصُراخ أفزع الجميع مما جعل شروق تتقدم منها وهي تقول بنبرة حادة كالسيف
ـ بغض النظر عن قلة أدبك و وقاحتك بس كويس انك عارفة أن بيتكوا جحيم والجحيم دا وكر الشياطين اللي زيك. اللي مهما وسوسوا و فسدوا ربنا ليهم بالمرصاد، فوأنتِ بتهددي ولاد الناس اعرفي ان ربنا قادر يجعل كيدك في نحرك.
كلماتها جعلت الشماتة تغزو جميع النظرات الموجهة إلى ميرهان التي هتفت بتهكم
ـ طبعًا لازم تدافعي عنها ما أنتِ جاية من نفس المستنقع، وبردو ضحكتي على عمر عشان يتجوزك زي ما هي عملت مع كمال.
تدخلت غنى في الأمر قائلة بسخرية
ـ هو انتوا يا حبيبتي رجالتكوا كلها بيتضحك عليها كدا! مش عيب طيب تسيحيلهم!
ميرهان بانفعال
ـ و أنتِ مين أنتِ كمان!
غنى بنبرة يفوح منها رائحة الغرور
ـ انا ستك غنى. مرات الريس ياسر الوتيدي. ابن عمك، و أه بردو ضحكت عليه و اتجوزتوا.
قهقهت الفتيات الأربعة لتطل عليه من الخلف ضي التي هتفت بتعالي
ـ و أني ستك ضي. مرّت العمدة رحيم الوتيدي. كبيركوا في الصعيد، و عِملت نفس عملة خواتي وضحكت عليه، و اتچوزته.
تعالت قهقهات الفتيات وهن يتوجهن إلى ضي للترحيب بها لتزيح الأخيرة ميرهان بقوة من طريقها وهي تقول بتهكم
ـ فسحي شويه أكده خليني اسلم على خواتي.
كادت ميرهان أن تقع، فشعرت أشجان بالحرج لتهتف بضيق
ـ عيب كدا يا بنات.
اغتاظت ميرهان أكثر لتصرُخ بانفعال
ـ و هو انتوا تعرفوا العيب. تطلعي مين أنتِ كمان؟
أشجان بحرج
ـ أنا أشجان أخت آسيا. بس مضحكش على حد والله.
تعالت قهقهات الفتيات لتقترب منها آسيا قائلة بتحذير تجلى في نظراتها و نبرتها
ـ أظن كفاية الإهانة و البهدلة اللي جبتيها لنفسك دي، و اعرفي أنتِ بتتكلمي مع مين، و أن اللي حصل دلوقتي دا حاجه تافهه اوي جنب اللي هعمله فيكِ لو دوستيلي على طرف تاني. فاهمة يا شاطرة ؟
اقتربت الفتيات حول آسيا يناظرن ميرهان بنظرات مُحذرة لتقول جميلة بجفاء
ـ مش سامعين صوتك ولا مفهمتيش!
ناظرتهن ميرهان بقهر، فقد كانت أضعف من أن تقف أمامهن، فقد كُن على استعداد للحرب من أجل بعضهن، وكأنهن شقيقات لا يستطِع أحد المساس بأي شئ يخص واحدة منهن، وقد جاء صوت غنى الحاد حين قالت
ـ لا نفهمها ياشوشو. دي باين عليها هبلة و مش عارفة مصلحتها. ماهو لو يا حبيبتي قلبك مات. متجيش على ستة أخوات!
و أضافت نجاة بنبرة ساخرة
ـ و اللي عجله يوزه ياچي على حد فيهم! ميزعلش لما ياخد على دماغه منيهم.
لم تعُد تستطِع الاحتمال أكثر لتصرُخ بانفعال
ـ أنتوا ايه؟ صدق اللي قال عليكوا بيئة.
أنهت جملتها و فرت من أمامهن وسط ضحكاتهن الصاخبة ليمر الوقت و يتوجه كمال الذي كان في أبلغ درجات الوسامة و الأناقة بهذه الحُلة السوداء التي تتلائم مع جسده الرجولي الضخم ليتقدم وهو يشعر بأن دقات قلبه تضرب بجنون بداخله، وهو يتخيل أن حبيبته الجميلة اليوم ستُصبح زوجته تسارعت أنفاسه حين طرق على باب الغرفة لتقوم أحد الفتيات بفتح الباب لتظهر أمامه لوحة فنية بديعة لإمرأة فاتنة و كأنها خرجت للتو من أحد الحكايات الأسطورية بهذه الملامح الصارخة الجمال خاصةً و أنها لم تُبالغ في زينتها حتى لا تُفسد جمالها الطبيعي و خصلات شعرها التي رفعتها في تسريحة منمقة يتوسطها تاج مرصع بالألماس الذي تماشى بريقه مع بريق خصلاتها البُنية، فقد كانت تُشبة ملكات العصر الفيكتوري بنفس أناقتهم و جمالهم، وقد شعر في هذه اللحظة بأنه وقع في غرامها للمرة التي لا يعرف عددها.
توجه إليها بخطٍ وئيده وعينيه تتشربان جمالها بنهم و اعجاب كبير ليقف على مقربة خطوة واحدة منها و تمتد يديه تمسك كفها و ينحني ببطيء واضعًا قُبلة دافئة على راحته جعلت ذبذبات قوية تسري في أوصالها لتغمض عينيها بحالمية قبل أن تُعيد فتحهم مرة أخرى حين سمعت صوته العاشق حين قال
ـ فتحي عيونك الحلوين. مش عايز أفارقهم ولا لحظة.
ارتج قلبها لكلماته الرائعة و تناحرت أنفاسها من فرط ما اكتنفها من مشاعر تضاعفت حين اقترب منها يُلثم جبينها بحنو تجلى في نبرته حين قال
ـ مبروك يا أجمل عروسة عيني شافتها.
استندت برأسها على صدره وهي تقول بخجل غمر كيانها بالكامل
ـ كمال أرجوك بطل تكسفني.
تراجع عنها وهو يناظرها بتحذير تجلى في نبرته حين قال بمرح
ـ لا بقولك ايه؟ اللي أوله شرط آخره نور. الكسوف دا هتقلعيه مع الفستان و الجزمة. انا على اخري منك و بخزنلك من زمان.
آسيا بصدمة
ـ نعم!
كمال بحدة زائفة
ـ نعم الله عليكِ. مفيش وقت للصدمة انا غلُبت احذرك، و اقولك قدمي السبت تلاقي الحد، مرمطيني الاسبوع كله. في طار بايت بينا. يعني يانا يا أنتِ النهاردة.
آسيا بخوف
ـ خلاص انا رجعت في كلامي ومش عايزة اتجوز.
أشفق على خوفها لترتسم ابتسامة رائعة على شفتيه قبل أن يُداعبها قائلًا
ـ يا بطل دا انت هتتشال في العين والنني.
في الخارج توجه عمر إلى غرفة العروسين ليستعجلهما، فوجد الفتيات في الخارج و الغرفة مغلقة فاستفهم قائلًا
ـ انتوا بتعملوا ايه هنا؟
تولت غنى الإجابة حين قالت بحرج
ـ كمال و آسيا جوا.
قاطعها عمر وهو يصيح
ـ يخربيتكوا سايبينه معاها لوحدهم ازاي ؟ دا زمانه خلف جوا!
توجه إلى باب الغرفة وهو يدق بعُنف قائلًا بتقريع
ـ افتح أيها الذئب البشري. يا مُستغل الفُرص أنت افتح.
هاجمته شروق قائلة بسخط
ـ مُستغل ايه؟ دي لحظة خاصة بيتقال فيها كلام رومانسي صفي نيتك شويه!
عمر باستهجان
ـ مين اللي بيقول كلام رومانسي! الدبابة دا يعرف الرومانسية من انهي اتجاه لامؤاخذه؟
لون العبث نظراته ونبرته وهو يقول
ـ انا بس اللي بعرف اقول كلام رومانسي.
غمرها الخجل من كلماته لتُدير رأسها إلى الاتجاه الآخر وسط نظرات الخُبث من اعيُن الفتيات ، فتمتمت ضي بنفاذ صبر
ـ أيه شلة الحلاليف دي اللي وجعنا فيها دي!
ـ الفندق كله سمع صوتك. بيتهيقلي لو خلصت عليك دلوقتي محدش يلومني.
هكذا تحدث خالد بحنق حين استمع الى صوت عمر الذي دوى صداه في المكان بأكمله ليُجيبه الآخر بتهكُم
ـ اهلًا يا كبيرنا تعالى شوف أخوك اللي مرمغ شرف العيلة في الوحل دا. الحق عليا اني خايف على سمعتكوا.
لم تستطِع عيناه إلا أن تنظر إلى هذه الوردة الحمراء رائعة الجمال التي كانت ترتدي فستان باللون النبيذي، و حجاب كريمي اللون و كعادتها دائمًا زينتها هادئة و إن كان احمر الشفاه الذي تضعه جعل حواسه تتنبه، لا يعلم هل لأنه بلون الفستان و هو لأول مرة يراها تضع ألواناً بهذه الجرأة ؟ أم لأنه يغار و بشدة ؟ أم لأن جمالها أيقظ حمية العشق بقلبه؟
تحمحم بخشونة قبل أن يدق على باب الغرفة ليفتح كمال الباب و الحنق يرتسم فوق ملامحه لينظر عمر من خلف خالد وهو يهتف باستفهام
ـ ايه دا فين الروچ؟ معقول الذئب البشري بتاعنا بقى مؤدب! يخربيتك دا أنتِ تطلعتي جاحدة فعلًا.
كان كمال على وشك لكمة ليلتفت خالد إليه قائلًا بتحذير
ـ عمر. خد مراتك و انزل
تبدلت ملامح عمر لثوان، فلو نفذ كلمات خالد التي كان يقولها عن قصد وعينيه وملامحه تثبت ذلك، فسيكون إعلان صريح لارتباطه، وهو بالرغم من مشاعره العاتية نحوها، فلم يكُن مستعدًا لذلك بعد، و بالرغم من أن الأسبوع المنصرم كان الأروع بحياته، فقد تذوق معها معنى السعادة التي لم يتخيل أن يحياها أبدًا، ولكنها كعادتها تُجيد التلاعب به و بعد أن ترفعه إلى السماء السابعة تُعيده وبقوة ليصطدم بالأرض الصلبة حين هتفت باستنكار
ـ لا معلش مين دي اللي تنزل معاه! أنا هنا مع اخواتي هو ينزل براحته.
على الرغم من أنها أنقذته من وضع مُحرج، ولكنها وضعته في آخر أشد إحراجًا، ولكن من صنع يديها ليتلقى نظرة استخفاف من خالد جعلته يقول بنبرة جافة
ـ هروح هظبط الدنيا مع الفوتوجرافر على ما تنزلوا.
أنهى جملته و تراجع للخلف وسط نظرات الفتيات الناقمة على تصرف شروق لتقترب غنى منها تلكزها في كتفها وهي تقول بتقريع
ـ ايه الغباوة دي ؟ حد يقول كدا ؟! باين عليه زعل!
شروق بغضب مكتوم
ـ يتفلق.
لاحظ الجميع كلماتها فاقتربت أشجان قائلة بتنبيه
ـ غلط كدا يا شروق أنتِ أحرجتيه.
استغل خالد حديثها ليُشاغبها قائلًا
ـ متسمعيش كلامها أنتِ كدا صح.
توسعت عيني أشجان من حديثه لتقول باستهجان
ـ على فكرة مش أنا بس اللي اتكلمت.
احتوتها عينيه للحظات قبل أن يقول بنبرة خشنة تحمل غزل مُبطن بين طياتها
ـ بس أنا مسمعتش حد غيرك.
توقف النبض بأوردتها حين استمعت إلى كلماته و تلك الابتسامة البسيطة التي لونت ثغره، وقد لاحظ الجميع ما يحدُث لتهتف غنى بتخابُث
ـ هو انا كان صوتي واطي اوي كدا؟!
تدخلت شروق لتنقذ أشجان من هذا الموقف المُحرج التي كانت على وشك الإغماء لتقول بمرح
ـ والله دي شهادة اعتز بيها من حضرتك.
اومأ خالد برأسه قبل أن يهتف بتحذير
ـ كمااال.
خرج كمال من الغرفة على مضض و بجانبه آسيا التي ابتسمت إلى خالد فبادلها الابتسام ليقول كمال بحنق
ـ الله يسامحكوا كان نفسي اظبطلها الروچ أو ابوظه حتى.
قهقهت الفتيات على حديث كمال الذي توجه بعروسه إلى مكان التصوير بينما الجميع ذهب إلى القاعة، فحين توجهت غنى إلى الأسفل قابلها ياسر أسفل الدرج وهو يناظرها بأعيُن يلتمع بهم الشغف والإعجاب بجمالها في هذا الفستان الذهبي الذي كان يُحيط جسدها بنعومة كاشفًا عن عودها الممشوق بدون ابتذال و ملامحها التي كانت متوهجة بفعل فرحتها لصديقتها ليمد يده تعانق يدها وهو يقول بإعجاب لم يخفى عليها
ـ كل دا بتظبطي مكياجك على أساس انك محتجاه أصلًا !
حاولت إخفاء بسمتها وهي تقول بتهكم
ـ اعتبر دي معاكسة يعني ولا اي؟
شملها ياسر بنظرات تجيش عشقًا تجلى في نبرته حين قال
ـ لا معاكسة ايه؟ دي اعتراف و إقرار انك أحلى واحدة في البنات كلهم.
استقرت كلماته في منتصف قلبها الذي تسارعت دقاته لتندفع دماء الخجل تلون خديها ليقترب منها أكثر حتى أصبح يغوص في جرتي العسل المُذاب في مقلتيها قبل أن يقول بصوتًا أجش
ـ الغُريبة اللي قلبي فيها دايب مفيش حد أحلى منها.
في هذه اللحظة تمنت لو أنها استطاعت أن تنحي العامين الماضيين من حياتهم، و لتكُن معه كما هي الآن، ولكن هناك الكثير من الألم الذي يئن به قلبها لتهتف بتساؤل
ـ هو احنا كان لازم نجرح بعض اوي كدا عشان نعرف قيمة بعض.
لم يكُن رجل يخجل من الاعتراف بخطأه، ولكن الآن شغله الشاغل هو محوه لذا رفع كفها إليه ليُلثمه برقة قبل أن يقول بنبرة يتغلغل بها الندم
ـ دايمًا بعتبر الابتلاءات دي تمهيد لحاجات حلوة جاية. خلينا نعتبر اللي حصلنا دا ابتلاء، و نحاول نعديه عشان الحاجات الحلوة تيجي.
غنى بنبرة ضائعة
ـ هنقدر؟
ياسر بنبرة يغلب عليها التصميم
ـ هنفضل نحاول لحد ما نقدر.
ابتسمت دون تكلف هذه المرة ليتحمحم بخشونة قبل أن يُتمتم بتهكم
ـ ياريت بس نخف حلاوة شويه عشان يبقى فيا نفس أحاول أحسن كدا الوضع خطر.
استمعت إلى جملته بوضوح،و تجاهلتها ظاهريًا ولكن قلبها كان يشعُر بفرحة عارمة لقوة تأثيرها عليه ولتقبله هذا الأمر دون مقاومة.
حسبي الله ونعم الوكيل ♥️
★★★★★
كان يجلس كالليث وسط الحاضرين و عينيه تمشط المكان دون وعي منه يبحث عن إمرأة زينت الأيام بعينيه و تغلغلت داخل عقله الذي كان يُفكِر بها بكل وقت و خاصةً حين يكون في الخارج ليجد نفسه يُريد الرجوع الى البيت ليراها على الرغم أن علاقتهم لم تتخطى حدود النظرات، ولكن هُناك شعور دخيل يتمرد على جميع قوانينه مُحدثه بأنها تختلف عن بني جنسها إضافة إلى شعور مُتأصل بداخله يتعاطف معها ومع ما خابرته في حياتها خاصةً و أنه لا يعلم ما الذي حدث لبدرية بعد يوم عُرسهم.
شعر برجفة قوية تضرب جانبه الأيسر و كأن دقاته ترقص فرحًا و إعجابًا حين رآها تقترب بين الفتيات تُشبه قمر يتوسط السماء أو أن عينيه كانت تراها هكذا ليتحمحم بخشونة قبل أن ينصب عوده وهو يقترب منها مستجيبًا لغريزة قوية داخله تجبره على إعلان صريح منه بأن هذه الفاتنة ملكية خاصة به.
لون الخجل معالمها ككل مرة تراه بها على الرغم من وجوب اعتيادها وجوده في محيطها و بجانبها خاصةً و أنه ينام معها بغرفة واحدة لكل منهما مخدعه، ولكنها تحيا برفقته مشاعر فتاة مراهقة يتوهج قلبها بكل مرة ترى حبيبها
ـ طلعتي عند اصحابك و جولتي عدولي ولا اي؟
توسعت عينيها فرحًا، فهل يفتقد وجودها أم أنها تتخيل؟ تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بخجل
ـ وه. مش كنت بغير خلجاتي ولا أنت مخدتش بالك!
أيعقل ألا يلاحظ هذا الرداء الرائع بلونه الكريمي الذي ترتديه و فوقه شال طويل يغمر جسدها بالكامل كما أمرها سابقًا، و على الرغم من ذلك، فلم ينجح في طمس جمالها المتوهج الذي طافت عينيه عليه بطريقة جعلت التوتر يغزو جسدها لتتململ في وقفتها مما جعله يحد من نظراته التي كنت تلتهم حسنها دون تحفُظ ليطلق حمحمة قوية قبل أن يقول بنبرته المُتجهمة
ـ لاه. خدت بالي.
ـ طب وايه رأيك ؟
افلتت شفاهها هذا الاستفهام الذي سُرعان ما ندمت عليه لتعض على شفاهها بينما هو وقع أسيرًا لشعور قوي جعله يُفصِح عن إعجابه الكبير بها حين قال
ـ زينة.
صمت لثوان وعينيه تطوف فوق ملامحه بتمهُل قبل أن يُتابع بخشونة
ـ جوي.
أهدته ابتسامة رائعة مُطعمة بالخجل الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ البنات بيشاورولي. هروح اجعد وسطيهم.
لم يُعجبه حديثها ولكنه لم يعترض إنما قال بجفاء
ـ اني هناك مع الرچالة، ولما تزهجي رنيلي اچي اخدك و نجعد على ترابيزة لحالنا.
أومأت برأسها لتتركه وتذهب إلى الفتيات لتبقى عينيه عليها حتى جلست بينهن ليذهب هو و يجلس بين أبناء عمومته، فلاحظ نظرات عمر الحارقة إلى شروق التي لم تكُن تُعيره أي انتباه، و كأنه شفاف كالهواء، وخاصةً أنها تفننت في إبراز جمالها الخارق بهذا الثوب الأسود الذي كان عاري الأكمام وفوقه شالًا يغطي ذراعيها، و المُثير للحنق أكثر أنها لم تجعله يراه قبل اليوم، و لم يلحظ أنه كان مكشوف بهذه الطريقة الا الآن. يعلم أنها تتحداه بطريقة مُبطنة، ولكن ما يُغضبه أكثر هو أنه أن حاولت استفزازه أكثر لن يصمُد و سيُعلِن للجميع أنها زوجته.
أطل العروسين لتتعلق أعيُن الجميع على مظهرهم الساحر و الخاطف للأنفاس، فقد كان كل شيء مُبهُر بدايةً من القاعة الكبيرة الفخمة، إلى الطاولات المزينة بزهور " چولييت روز" الباهظة الثمن و أصناف الطعام الفاخر ، فقد كان زفافًا ملكيًا بكل تفصيلة به كما أرادته تماماً لذا فقد كانت في أوج فرحتها وخاصةً حين حانت لحظة التتويج و استمعت للشيخ الذي هتف في مكبر الصوت
ـ بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينهم في خير.
تعالت المُباركات و انطلقت الزغاريد من كل مكان لينهض كمال من مكانه و يعانق عزام الذي تساقطت عبراته فرحًا ليقبل كمال رأسه قبل أن يهتف بحبور
ـ متخافش والله في أيد أمينة.
حين استمع يزيد إلى كلمته هتف ساخرًا
ـ قصدك أيد مرزبة.
قهقه الجميع على كلمته ليهتف خالد إلى رحيم الجالس بجواره كونهم شاهدين على عقد القران
ـ لا صغير ولا كبير مريح.
ابتسم رحيم على جملة خالد ليُجيبه مازحًا
ـ ميبجوش وتايدة لو ريحوا.
اندفع الجميع ليعانق العروسين بحبور، فاقترب عمر يشاكس كمال قائلًا
ـ يالا محظوظ مبروك اتجوزت الكراش بتاعي.
ضيق كمال عينيه بوعيد تجلى في نبرته حين قال
ـ اتلم يا ابن نبيلة بدل ما اعمل منك بوفتيك اعشي بيه الناس. قال كراش قال!
عمر بسخرية
ـ الله يسترك بلاش سيرة نبيلة عشان كلمة زيادة هتفجر القاعة باللي فيها..
تساءل كمال بفضول
ـ هي فين صحيح؟
عمر بتهكم
ـ قاعدة في اخر القاعة بتدعي تبقى ليلتك زرقا.
كمال باستهجان
ـ الله يخربيتك أنت و أمك.
التفت إلى حسنائه التي كانت تعانق والدتها بقوة ليخترق الجموع حولها. لكم يتمنى أن يعانقها عناق بألف عام من العشق، عناق يخبرها كم يهواها قلبه ليجدها تلتفت إليه بعدما لكزتها أحد الفتيات لتنظر إليه بريبة جعلته يُضيق عينيه بمكر وهو مُستمتع برؤيه خجلها الكبير و خوفها من ردة فعله ليُشير بيديه للفتيات بالابتعاد عنها لتتوسع عينيها خوفًا فإذا به يحتوي خصرها وهو يرفعها لأعلى ليدور بها في مشهد رائع أثار إعجاب جميع الحاضرين، فقد تمدد فستانها المُنتفش بذيله الطويل، فبدا مظهرهم ساحر يخطف الأنفاس، فتعالت التصفيقات و الصافرات من حولهم، وقد كانت جميع الاعيُن حولهم مُبتهجة ماعدت أربعة أزواج من العيون و أولهم لنبيلة التي لكزت ميرهان في كتفها بقوة وهي تقول بغضب مكتوم
ـ أنتِ يا تافهة يا حيوانة. هو دا اللي هتصرف و هبوظ الجوازة دي! فين الصور بتاعت الخدامة دي اللي قولتي هتنزليها مع إعلان الفرح!
ارتبكت ميرهان و تبددت نظراتها الحاقدة إلى أخرى هاربة وهي تقول بتلعثُم
ـ ما. مانا . خوفت. اكيد لو كانت الصور دي نزلت كانوا هيشكوا فيا.
ضربتها نبيلة في كتفها وهي تقول من بين أسنانها
ـ و مقولتليش ليه كنت اتصرفت انا؟
بللت حلقها الجاف قبل أن تقول بارتباك
ـ ماهو. أصل. اصل أبيه خالد هددني. اه هددني وقالي لو حصل اي حاجه. يعني بوظت الجوازة. هيهد الدنيا فوق دماغنا. خوفت عليكِ يا بلبلة.
ضيقت نبيلة عينيها وهي تنظر إلى ميرهان التي كانت نظراتها زائغة، ولكن كان هناك شخص آخر يُدرك كذبتها جيدًا لتقترب هايدي منها وهي تقول بأذنيها بمكر
ـ قولتيلي انك خوفتي من خالو خالد! ولا يكونش في حد تاني هو اللي طلب منك دا!
ناظرتها ميرهان بصدمة وهي تتذكر ما حدث قبل أربعة أيام من الآن
عودة إلى وقت سابق
ـ كنت عارفة اني هلاقيك هنا، و انك اكيد حزين و مهموم بس متخيلتش انك تكون زعلان للدرجادي!
هكذا تحدثت ميرهان إلى رؤوف الذي كان ينظر إلى النيل وعبراته تتساقط بصمت يتنافى مع صرخات قلبه، ولكنه ما أن استمع الى صوتها استطاع محو عبراته بقوة قبل أن يقول بجفاء
ـ ايه اللي جابك هنا؟
ـ جيت عشانك.
هكذا أجابته بلهفة مقصودة ليلتفت ناظرًا إليها بتقييم قبل أن يقول باستفهام
ـ و عرفتي اني هنا ازاي!
ميرهان بصدق
ـ بصراحة انا متابعة صفحتك على الانستجرام وشوفت انك دايمًا بتتصور في المكان دا، فقولت بما انك اكيد زعلان و متضايق هلاقيك هنا.
زفر رؤوف بحدة، فلم يكُن يُريد أن يخترق أحد خلوته ليوميء برأسه قبل أن يقول بجمود
ـ بس أنا مش زعلان ولا متضايق.
ميرهان بعتب
ـ في أصحاب بيخبوا على بعض؟
رؤوف بجفاء
ـ مش معنى أننا فطرنا مرة مع بعض ولا اتقابلنا مرتين تلاته كدا بقينا أصحاب.
أخفضت رأسها بألم فشعر بأنه تمادى معها قليلًا فهتف بنفاذ صبر
ـ اسمعيني كويس انا مابحبش اكون مصدر أذى لحد بس اللي أنتِ عرفاني عشانها انتهت بالنسبالي، فمالوش لازمة تتعبي نفسك معايا.
رفعت رأسها تناظره بصدمة مُلغمة بالألم الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ خلي بالك انت بتوجعني بكلامك.
رؤوف بجمود
ـ انا صريح يا ميرهان، والعداء اللي بينكوا انا مش هكون طرف صريح فيه.
هتفت تحاول ردع هذا الاتهام الذي كان يحمل الكثير من الصواب، ولكن حتى لو اعترف الشيطان يعترف بأخطاءه، فبنو البشر لا.
ـ مين قالك كدا؟ الصورة اللي انت واخدها عني دي كذب. انت سمعت منها أن ميرهان وحشة و بتكرهها لكن متعرفش هي في المقابل عملت فيا ايه؟ و بعدين هنروح بعيد ليه ماهي أذتك زي ما أذتني. هو انت كنت عملت فيها ايه؟
صرخ بانفعال
ـ قفلي على الموضوع دا
عاندته بغضب
ـ مش هقفل، و عشان تعرف انك فعلًا مخدوع! اتفضل.
أنهت جملتها وهي تخرج ظرف به عدة صور لرضا وهي بثياب الخدم في قصرهم و بجانبها آسيا وهي صغيرة، فقد كان هُناك العديد من الصور برفقتهم وهم صغار و في مُحيط قصرهم أثناء مناسبات عدة. هتفت ميرهان بعبرات لم تكُن صادقة كُليًا
ـ الصور دي ادتهالي نبيلة أختي كانت في صور بابا وماما الله يرحمهم. عشان انزلها عالميديا و اعملها فضيحة عشان اوقف الفرح، وانا اهو قدامك مقدرتش اعمل كدا. عارف ليه؟ عشان أنا مش الشيطان الرچيم اللي آسيا مصورهولك عني!
ناظرها بريبة، فحديثها مقبول نوعًا خاصةً وهي تضع الدليل بين يديه ليستنكر الأمر قائلًا
ـ طب و أختك ازاي تفكر تأذي أخوها بالشكل دا؟
ميرهان بحزن
ـ أنت متعرفش حاجه عن حياتنا. محدش بيختار يبقى وحش. بس لما يكون دا اللي هيرضي اللي حواليك و اللي هما اقوى منك هتضطر تعمله.
رؤوف باستهجان
ـ متقوليش انك هتنفذي كلامها!
صمتت تفكر في هذا المأزق الذي وقعت به ليضيق عينيه وهو ينظر إليها قائلًا
ـ وقتها هصدق كل حرف اتقالي عنك.
كان إعجابها به شيء لم تخجل عينيها من التعبير عنه خاصةً و أنه مختلف كثيرًا عن الشباب الذين تعرفت إليهم، فقد كان عصامي و ذو كبرياء بالرغم من فقره الذي لم يتبرأ منه إضافة إلى وسامته الفذة و قد أُعجِبت به كثيرًا، فهو مغامرة من نوعاً خاص بالنسبة إليها لذا قررت أن تسير خلف رغبتها في كسب وده، فاخفضت رأسها بأسى تجلى في نبرتها حين قالت
ـ للأسف مقدرتش اعمل كدا. مقدرتش اكسر قلب اخويا، ولا اعمل كدا في الست اللي ربتني. بالرغم من عمايل آسيا فيا. بس قلبي مطاوعنيش أوجعها بالطريقة دي.
كان يُناظرها بريبة وعقل تحير في تقييمها، ففعلتها الآن تتنافى مع فكرته السابقة عنها، ترى هل هي مُحقة بالفعل ؟ أم أنها مُحترفة في الكذب ؟
ـ مش مصدقني بردو يا رؤوف ؟ كل دا و لسه عندك شك في نويايا؟
هكذا استفهمت بحزن جعله يقول بتعب
ـ انا مبقاش عندي ثقة في حد.
ميرهان بحقد دفين
ـ قد كدا كنت بتحبها؟ لدرجة أنك تفقد الثقة في الناس كلها؟
أبى كبريائه الاعتراف ليقول بجمود
ـ مش مهم. المهم اني لازم انساها و أشوف حياتي.
جاءت اللحظة التي انتظرتها لتقول برقة
ـ مش هتعرف تعمل كدا طول ما انت لوحدك. أنت محتاج شخص جنبك.
انكمشت ملامحه بترقب لتُردف بلهفة
ـ كصديق طبعًا يعني!
ابتسم بهدوء بينما داخله يشعر بأن هناك الكثير مما يتوارى خلف قناع البراءة هذا
عودة للوقت الحالي
ميرهان بتلعثُم
ـ تقصدي ايه؟
هايدي بتخابُث
ـ اقصد البطل الفقير اللي يا روحي حبيبته سابته و اتجوزت الشاب الغني اكيد طبعاً محتاج صدر يبكي عليه، وايد حنينة تطبطب عليه. صح ولا انا غلطانه!
ميرهان بملل
ـ دمك تقيل اوي.
هايدي بتهكم
ـ لكن كلامي صح. بس اللي انا مش قادرة أفهمه ايه اللي عجبك فيه ؟
لمعت عينيها بإعجاب تجلى في نبرتها حين قالت
ـ كل حاجه. أمور. مجتهد. تقيل. عنده كرامة. كاريزما، مختلف عن كل اللي عرفتهم قبله. بحس اني وانا معاه اني مع راجل بجد. فاهمة حاجة؟
لون الخُبث نظراته هايدي التي أدارت رأسها إلى رؤوف الذي كان يقف كالجبل الشامخ من يراه لا يُصدق بأنه يقف متفرجًا على حبيبته وهي تُزف لآخر لتلتمع نظرات الإعجاب بعينيها هي الأخرى، وهي تقول بخُبث
ـ تصدقي عندك حق
ناظرتها ميرهان بتحذير بعد أن رأت نظراتها إلى رؤوف
ـ عينك. دا تبعي. يعني اي حركة كدا ولا كدا هنزعل سوى. خلينا حبايب أحسن.
هايدي بتخابُث
ـ طبعًا يا روحي. دي حاجه مفهاش كلام، وبعدين أنتِ عرفاني ماليش في الفقرا.
التفت الفتيات حول آسيا التي كانت ترقص بتحفُظ لتحافظ على الإطار الوقور الذي تضع نفسها به، فقد كان الجميع مُنبهر بهذه العروس الجميلة الرزينة التي تبدو و كأنها ابنة اعرق العائلات أما عن شروق، فقد كانت ولأول مرة منطلقة دون تحفُظ وكأنها أقسمت أن تُدير رؤوس الجميع إليها، و أن تجعله يحترق في غوط جهنم وهو يرى جميع الأعين عليها ليهب من مكانه حين رأى جميلة التي جذبها من يدها ليقول بنبرة تحترق غضبًا
ـ روحي قولي للست هانم أختك. لو مترزعتش وقعدت هاجي اكسر دماغها.
ارتعبت جميلة من مظهره لتهرول إلى شروق التي كانت تُمسِك بيد آسيا و ترقص لتوصل لها رسالته وسط نظراته الحارقة التي سرعان ما تجمدت بصدمة حين رأتها تُشير إلى جميلة بأنها لا تهتم لتسود معالمه و تحتقن نظراته أكثر ليقترب منه أحد أصدقائه قائلًا بمرح
ـ ايه يا عمور. مبروك يا باشا عقبالك.
عمر بابتسامة مصطنعة
ـ عقبالك انت الأول يا درش.
صديقه بإعجاب
ـ لا مانا شكلي هطلع من الفرح دا بعروسة. بقولك ايه أنت تعرف البنت اللي بترقص مع العروسة دي؟
و كأن الكون بأكمله يتآمر ضده اليوم، فقد التفت يناظر صديقه بأعيُن تُرسل أعيرة نارية بدلًا عن النظرات بالإضافة إلى لهجته الحادة حين قال
ـ بتسأل ليه؟
ـ عجباني بصراحة، بفكر اتقدم لها.
ـ مبتتجوزش.
هكذا هتف عمر بجفاء جعل صديقه يناظره باندهاش خيم على نبرته حين قال
ـ ايه يا عمر مالك محموق كدا ليه؟
عمر بنبرة أكثر حدة
ـ سمعتني قولتلك ايه؟
ـ خلاص يا عم سمعتك. في اي ؟ ألف مبروك.
ألقى جملته في وجه عمر الذي يكاد ينفجر من الغيظ لتقترب جميله منه وهي تقول بقلة حيلة
ـ أنت شوفت. هي مردتش تسمعني أصلًا.
نفث عمر النيران من أنفه وهو يتوجه إلى الخارج حتى لا يقوم بقتلها الآن ليقترب يزيد من جميلة قائلًا بتهكم
ـ هي البت دي مش مالي عينها حد كدا ليه ؟
جميلة بحدة
ـ و أنتوا مالكوا! واحدة بترقص وفرحانه بصاحبتها
يزيد بسخرية
ـ رقصت على قبرها دبانة البعيدة. الراجل هيتجلط طول الفرح.
جميلة باندفاع
ـ بعد الشر ان شالله انت وهو.
طافت عينيها عليه بإعجاب ولكنها اخفته خلف ستار السخرية حين قالت
ـ اومال ايه البدلة دي ؟ انت شاحتها ولا ايه؟
يزيد بحدة
ـ ايه شاحتها دي يا بت أنتِ فكراني زيك ولا ايه؟
جميلة بتعالي
ـ لا زيي ايه ؟ انت تطول؟
يزيد بتجهم
ـ أنتِ عبيطة يا بت أنتِ! دانا الدكتور يزيد الوتيدي على سن ورمح.
جميلة بسخرية
ـ قصدك على واحدة ونص. لسه بتتخانق و تطلع تجري.
ناظرها يزيد بسخط تجلى في نبرته حين قال
ـ مانا لو سبتك يومها للعيال دي كان زمان جالك صرع ريحنا منك و من لسانك. اوعي من وشي أما أروح اشوف البوفية.
اقتربت منها آسيا تحاول أن تجعلها ترقص معها لتحتضنها أشجان بقوة وهي تُبارك لها لتجتمع الفتيات حولهن بفرح وسعادة، وفجأة وجدت هاتفها يهتز بين يديها مُعلنًا عن قدوم رسالة نصية و ما أن فتحتها حتى احتدت نظراتها لتعتذر من الفتيات وهي تعود إلى مقعدها تعيد قراءة الرسالة مرة أخرى والتي كان فحواها
ـ لو قمتي من مكانك ولا رقصتي هيكون ليا تصرف مش هيعجبك.
تلاحقت أنفاسها و تراقصت دقات قلبها رغمًا عنها لتلتفت وترى عينيه التي كانت تقتنص ارتباكها مما جعلها تدير رأسها عنه وهي تكتب شيء ما لينظر إلى هاتفه بحماس منتظرًا رسالتها التي كانت عبارة عن عتب لذيذ جعل البسمة ترتسم على شفاهه
ـ على فكرة انت مينفعش تقولي اعمل ايه ومعملش ايه ؟
أراد مشاكستها أكثر حين ارسل لها قائلًا
ـ ولما هو مينفعش قعدتي ليه؟
شعرت بأنها تخسر أمامه كالعادة لذا حاولت الثبات وهي ترسل إليه قائلة
ـ عشان اصلًا ماليش في الجو دا.
باغتها رده الذي أعاد الدماء إلى خديها و الروح إلى قلبها حين أرسل إليها قائلًا
ـ لا دا عشان أنتِ جميلة و قمر وبتسمعي الكلام.
تبدلت ملامحها و وجدت عينيها تطالعه باستفهام هل حقاً يقصد ما يقول؟ هل هي جميلة بالفعل؟ و تأكيدًا على حديثه و عشقه أرسل إليها قائلًا
ـ نسيت اقولك انك مش بس جميله و قمر دا أنتِ القمر الوحيد اللي في دنيايا.
رغمًا عنها ابتهجت و كأن كلماته اشعلت مصباحًا مُنيرًا في قلبها المُعتم مما جعل عينيها تترقرق بالعبرات فقد أخذ صدرها يعلو ويهبط من فرط المشاعر التي تكتنفه ليود في هذه اللحظة أن يعانقها أمام الجميع وهو يُخبرها بأنها المرأة الأجمل في هذا العالم،. و لكنه أقسم بأن يُعيد حقها من هذا الحقير
استغفرك ربي و اتوب اليك ♥️
★★★★
ـ اقفي هنا فهميني اللي بتعمليه دا ايه الغرض منه؟
هكذا هتف عمر بعد أن انتهى حفل الزفاف و عادوا سويًا إلى غرفتهم ليصرُخ عليها كالمجنون مما جعلها تُفصِح عن غضبها قائلة
ـ ملكش حق تحاسبني يا عمر.
استنكر حديثها ليهتف بانفعال
ـ مين دا اللي مالوش حق ؟ أنتِ عبيطة ولا ايه؟ أنتِ حطتيني في أسوأ موقف في الدنيا. متخيلة لما صاحبي يسألني أنتِ متجوزة ولا لا؟
شروق بخيبة أمل
ـ و ياترى قولتله ايه؟
تلكأت الحروف على شفتيه للحظات قبل أن يقول بتوتر
ـ ملكيش فيه.
شروق بحدة يشوبها الألم
ـ يبقى ملكش حق تحاسبني. بدل متقدرش تمشي معايا قدام الناس و متقدرش تقول بعلو صوتك أن انا مراتك يبقى ملكش حق عليا.
عمر بتهكم غاضب
ـ والله ! دي وسيلة بقى للضغط عليا عشان أعلن جوازنا!
آلمتها كلماته بشدة، ولكنها كعادتها تقف أمامه شامخة حاجبة عنه ألمها العظيم لتقول بنبرة هادئة
ـ أنا مقصدتش كدا، و مش عند معاك ولا انا بجبرك على حاجة انت مش عايزها. بس في وضع فرض نفسه علينا كلنا، و كل واحد فينا اتصرف بطبيعته.
عمر باستنكار
ـ نعم.
شحذت الباقي من ثباتها و أطلقت العنان لكبريائها للقصاص منه حين قالت
ـ زي ما بقولك كدا. يعني أنا مثلاً كنت فرحانه لصاحبتي، فعبرت عن فرحتي بطبيعتي، و صاحبك شاف واحدة عجبته فسأل عنها عشان يخطبها، و انت مكنتش جاهر انك تعلن جوازنا فهتلاقيك رديت عليه أي رد خايب.
اقتربت منه بأعيُن محمله بغضب مقيت وخيبة أمل كبيرة وهي تهتف بحدة
ـ وزي مانا ماليش حق اني احاسبك ليه مقولتش لصاحبك اني مراتك؟ انت ملكش حق تحاسبني اتجاهلت كلامك ليه و فرحت على طريقتي مع صاحبتي.
انتصرت بنهاية النزال و وضعته وجهًا لوجه أمام عجزه، و أنانيته معها، فبالرغم من عشقه الكبير لها تغلبت عليه صفاته المقيتة، و معتقداته البالية و لم يستطِع الاعتراف بأحقيته فيها ليحاول دفع هذا الشعور المُخزي بالهزيمة أمامها بأبشع الطُرق من وجهة نظرها حين اقترب يهوي على ثغرها بعُنف و كأنه يعاقبه على ما تفوه به، فكان الأمر وحشيًا بالنسبة إليها، و مُهين للحد الذي جعلها تستنكره بشدة و بكل قوتها قامت بدفعه وهي تهتف بشراسة اهتزت لها جدران الغرفة
ـ اوعى تفكر تقرب مني تاني بالطريقة دي!
غضبه المقيت صور له بأن هذه الحماقة التي ارتكبها ستُذيب الجليد بينهم ولكنه تفاجئ من رفض قاسي من جانبها ليهتف باستنكار
ـ أنتِ كمان هتحدديلي اقرب منك ازاي؟
محت عباراتها بعُنف وهي تقول بحدة قاصدة إيلامه
ـ أظن دا حقي لما أكون مش عايزة انك متجبرنيش!
لم تُصيب جملتها كبرياؤه فقط إنما أصابت أعماق قلبه ليهتف بألم
ـ مش عايزة!
شروق بقوة
ـ أيوا.
تنحى الألم جانبًا و استيقظ شيطانه المريد و الذي تلبس ملامحه في هذه اللحظة و نبرته حين قال
ـ وماله. غيرك في ألف غيرك يتمنوا.
أنهى جملته و خرج كالإعصار ليسقط قناع القوة التي ترتديه و يتساقط الألم من مقلتيها بغزارة و ترتمي بكل قوتها فوق مخدعها وهي تهتف معنفة نفسها
ـ تستاهلي يا شروق. تستاهلي. أنتِ اللي رخصتي نفسك تستاهلي.
كان الحزن يقتلها، و خاصةً أن هذه الغرفة تُذكرها بكل مرة اقترب بها منها ليغمرها في بحر من العشق الذي اتضح بأنه سراب لتشعر بأنها تريد الهرب منه و من هذه الذكريات، فاندفعت إلى خارج الغرفة متوجهة إلى غرفة سعاد التي تفاجئت من قدومها لتهتف بلهفة
ـ في ايه يا شروق؟
ارتمت شروق بين أحضانها وهي تقول من بين انهيارها
ـ خديني في حضنك. عايزة أنام في حضنك النهاردة.
ـ يا حبيبتي يا بنتي. تعالي في حضني.
استغفر الله العظيم ♥️
★★★
في عالم العشاق سكن العروسين اللذين أخيرًا استقلا المصعد في طريقهم للذهاب إلى غرفتهم، و لكنه لم يكُن يستطيع الانتظار ليقترب منها يحاول تدفئة جوفه من قربها ليتجمد بمكانه حين صرخت قائلة
ـ كمال. خلي بالك الفستان هيتبهدل.
ناظرها كمال بسخط تجلى في نبرته حين قال
ـ ايه يا آسيا اللي بتعمليه دا؟ في حد يجيب فستان بالحجم دا!
آسيا بحدة
ـ ايه مش عاجبك فستاني كمان!
كمال بحنق
ـ لا يا حبيبتي مش قصدي كدا طبعًا. بس يعني كان واخد نص القاعة لوحده. محدش كان عارف يقف عالستيدج جنبك. دا الواد يزيد وقع مرتين بسببه.
آسيا بنبرة مُغترة
ـ أحسن مش مهم حد يقف المهم انا البس فستان أحلامي.
كمال بوقاحة
ـ طب مش هنحقق أحلامي انا كمان ولا أيه؟
أنقذها توقف المصعد لتهتف بتلعثُم
ـ الأسانسير وقف.
ابتسم على خجلها و تلعثُمها ليساعدها بالخروج من المصعد و فجأة شعرت بنفسها تطير في الهواء بين يديه التي حملتها برفق لتهتف بصدمة
ـ كمال خضتني.
كمال بنبرة عابثة ولكن حنونة
ـ لا نجمد اعصابنا. الليلة دي ليها أصول، وانا راجل بيفهم في الأصول.
شعرت بألم حاد في معدتها من فرط الخوف و الترقب ولكن عينيه كانت تُطمأنها بهذه النظرات التي جذبت أنظارها كالمغناطيس، فلم تشعُر بالدقائق التي مرت وهو يحملها طوال الرواق ليدلف بها أخيرًا إلى غرفتهم التي تفاجئت حين وجدتها مُزينة بهذه الورود الحمراء و التي كانت على شكل قلوب في مشهد رائع جعل دقات قلبها تقرع كالطبول من فرط الفرحة لتشعر بجسده يغمرها من الخلف وهو ينثر عشقه فوق كتفها قبل أن يقول بنبرة موقدة بلهيب العشق
ـ مبروك يا أحلى حاجة حصلتلي في الدنيا.
ترقرقت العبرات في مقلتيها وهي تلتفت لتناظره بفرحة مُطعمة بالخجل الذي تجلى في نبرتها حين قالت
ـ معقول عملت كل دا عشاني!
كمال بنبرة خشنة
ـ أنا ممكن اقلب الدنيا كلها عشانك. أنتِ مستهونه بنفسك ولا ايه؟
آسيا بنبرة مُغترة
ـ لا طبعًا هو انا اي حد ؟
ضيق عينيه بمكر و هو يقول بوقاحة
ـ لا طبعًا دا أنت بطل.
تراجعت عنها بذُعر ليتقدم نحوها بخطٍ و ئيده وعينيه يلونهم الوعيد مما جعلها تهتف بأنفاس مُتهدجة
ـ بقولك ايه؟ انا مجنونه. لو محترمتش نفسك هرمي نفسي من البلكونة.
رفع أحد حاجبيه وهو يقول باستهجان
ـ دانا أولع فيكِ و في الدنيا بحالها.
آسيا بحدة
ـ عادي مانا هكون كدا كدا انتحرت.
كمال بنبرة عابثة
ـ دانا افديكِ بروحي.
كانت خائفة و خجلة كثيرًا مما جعلها تهتف باسمه بتوسل
ـ كمال.
ـ عيون كمال.
توقفت حين اصطدم جسدها بالحائط خلفها لتجد نفسها مُحاطة بيديه من الجانبين مما جعل رجفة قوية تُصيب جسدها ليقوم بتمسيد ذراعيها بيديه الحنونه وهو يُداعبها قائلًا
ـ الأندبندت اللي جابتني على جدور رقبتي راحت فين ؟
آسيا بنبرة خافتة
ـ هربت.
كمال بنبرة عاشقة
ـ بحبك.
أصابت كلمته قلبها ليتبدد خوفها للحظات اغتنمها هو حين قال
ـ نتك عالثقة شوية بقى. دانا حبيبك. تمام.
ارتسمت ابتسامة رائعة فوق شفتيها وهي تقول بخفوت
ـ تمام.
كمال بنبرة خشنة
ـ بنقولها كدا؟
حركت رأسها في كلا الجانبين قبل أن تُصحح كلمتها بلهجة خجلة
ـ تمام التمام.
غامت عينيه برغبة حارقة و عشق جارف جعل نبرته مُتهدجة حين قال
ـ تعالي بقى أوريكي التمام بتاع كمال الوتيدي عامل ازاي ؟
أنهى جملته و اقترب يروي ظمأ روحه من قربها، و يُشبع رغبة قلبه من شهدها ليبدأ خجلها بالتنحي شيئًا، فشيئًا أمام تيار المشاعر الجارفة التي كان يبُثها إياها، فلا تعلم متى تجردت من فستانها ولا كيف تساقطت دبابيس شعرها الذي كانت أصابعه تتخلل خصلاته ليقربها منه أكثر و أكثر، وكأنه لا يُصدق بأن وجودها بين يديه حقيقة إلى أن توج قربهم بالكمال حين تلاحمت القلوب و الأجساد و استعادت كل روح شقها الناقص ليبدأ هو في عزف سيمفونية رائعة بين ثنايا جسدها وهو يتغنى بجمالها تارة و يشدو بعشقها تارة أخرى وهي في وادٍ آخر وكأنها هائمة في سماء العشق التي حملتهم فوق غيمة وردية رائعة أذابت ذلك الصقيع الذي كانت تُحيط به قلبها لتُدرك في هذه اللحظة بأنها وقعت أسيرة لعشق هذا الرجل الفريد من نوعه، و الذي يُغدق عليها من حنانه حتى ارتوت روحها ليضمها إلى صدره بعشق تجلى في نبرته حين قال
ـ مبروك يا أجمل حاجه في حياتي.
اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده. ♥️
★★★★
كان ينتفض في الزاوية كالفأر المذعور الذي وقع في مصيدة أعماله القذرة، و الآن ينتظر هلاكه، و قد جاء الأوان ليُعاقب على جميع أفعاله النكراء، و لسوء حظه فقد وقع بين قبضة وحش لا يرحم عرف كيف يسقطه بين براثنه.
انتفض جسد أمين وهو يستمع إلى صوت شيء معدني يصطدم بقوة في الأرض لينتفض جسده بفزع خاصةً وهو لا يرى شيء فقد كان في أحد الشقق المشبوهة الذي اعتاد على ارتيادها و فجأة انطفأت الأنوار و شعر بشيء قوي يسقط فوق رأسه ليفقد وعيه و يستيقظ ليجد نفسه مغطى العينين و الكثير من الوقت مر عليه دون أن يستمع إلى صوت اي شخص و كأن من فعل به ذلك أراد أن يستنزف طاقته و يُهلِك أعصابه.
ـ ها فوقت ولا لسه؟
اخترق صوتًا حاد خشن سمعه وبعدها تفاجأ بأحدهم يقوم بنزع العُصبة من فوق عينيه لتتجمد الدماء بأوردته حين شاهد ذلك الوحش الذي أجهز عليه مرتين في السابق، والآن أوقعه حظه العاثر معه مرة أخرى مما جعل جسده يرتجف من فرط الرُعب الذي خيم على ملامحه ليهتف خالد بتهكم
ـ ما تنشف كدا مالك؟ أنت مش راجل ولا ايه؟ ولا انت مبتعرفش تعمل راجل غير على الحريم!
كانت ملامحه مرعبة يشوهها الغضب كما شوه الانتقام نظراته، فبدت مروعة مما جعله يقول بتلعثُم
ـ أنا. أنا معملتش حاجة.
صاح خالد بجهامة أفزعته
ـ أنت بتستعبط يالا؟
إنتفض جسد أمين إلى الخلف ليهتف خالد بشراسة
ـ هو أنت عارف حكم الدين على اللي بيقذف المُحصنات بيكون ايه؟
شعر بأن قلبه هوى بين قدميه من فرط الذُعر ليُتابع خالد باحتقار
ـ دا بغض النظر اني جايبك من شقة مشبوهة و شارب قرف شبهك. بس أنا هتكلم في اللي يخصني.
بلمح البصر اقترب يُمسِك أمين من تلابيبه يقربه منه وهو يقول بشراسة
ـ بقى يا كلب تطلع تتكلم عن الست اللي صانتك و أنت حقير وتافة، و تطلع عليها الكلام المؤرف دا!
كان أمين يرتجف من فرط الرُعب الذي جعل أسنانه تصطك مُحدثه صوت عالي وهو يقول بتلعثُم
ـ كذ. كذب. محصلش. مقولتش حاجه.
قبل أن يُتم جملته قام خالد بضربة بقوة برأسه ليسقط صارخًا ليصيح الآخر بأسف
ـ ياااه شوف وساختك خلتني عملت ايه؟ اديني ضربتك قبل ما افكك. ينفع! كدا انا ضميري أنبني ناحيتك.
كان يتألم بقوة ليصيح بتوسل
ـ ابوس ايدك ارحمني
خالد بشراسة
ـ ولما كنت بتتجبر على اللي أضعف منك مكنتش بترحمها ليه؟
قام خالد بحل وثاقه ثم عاجله بلكمة قوية أطاحت بأنفه قبل أن يقوم بجذبه من رقبته وهو يصرخ بزئير كالأسد
ـ عارف حكم الشرع في قذف المُخصنات ولا اعرفهولك عملي؟
حاول أمين الفكاك من بين قبضته ولكن جراحه و آلامه لم تساعده ليتفادى خالد ضربته ويقوم بلكمة بقوة وهو يجره إلى الحائط ليُلقيه فوق بطنه وهو يجذب سوط كان يُجهزه لهذه اللحظة ثم قام برفع يده وهوى فوق ظهر أمين الذي انتفض جسده من شدة الجلدة التي تلتها عدة جلدات حتى صارت الجلدة التاسعة و السبعون ليتوقف خالد وهو ينظر إلى جسده الذي غرق في الدماء و قد نال منه الألم ما جعله يدخل في حالة من اللاوعي انتزعته منها يد خالد وهو يُمسِك بخصلات شعره ليجذبها بعُنف وهو يصيح بقسوة
ـ فاضلك عندي جلدة واحدة. لو بس فكرت تتعرضلها مرة تانية وشرف أمي لهيكون فيها موتك.
تركه بغتة ليتوجه إلى الخارج ليتجمع حوله رجالة فهتف آمرًا
ـ هاتوله حد يعالجه.
ما أن استقل سيارته حتى أتاه صوت رنين هاتفه ليجد أن المتصل رحيم، وحين أجاب تفاجيء به يهتف بشراسة
ـ عمتك صافية في المستشفى بين الحيا والموت.