رواية اوار ( جنية الظلام ) الفصل الثانى 2 بقلم ندى محمود توفيق


 رواية اوار ( جنية الظلام ) الفصل الثانى بقلم ندى محمود توفيق


استقر بمقعده ومكانه دون حركة بعد رحيلهم وهو شارد الذهن يفكر في تلك المقابلة التي كانت بينه وبين رئيس عمله وهو يملي عليه تعليماته الصارمة أنه سينضم لتلك العملية سواء شاء أم أبى، لا يفهم ما الذى يحدث له ولماذا لا يريد الانضمام له، طالما دومًا كان مخلص لعمله ويحبه ومازال لكن الآن الأمر أكثر من مجرد حالة صحية يتحجج بها، بل كأن هناك قوى خفية بداخله تمعنه من السير في هذا الطريق وليته يفهم تلك القوى ويفسرها حتى يرتاح.
استقام واقفًا من مقعده واتجه نحو الأريكة يتسطح عليها واضعًا كفه فوق وجهه محاولًا الاسترخاء والهدوء، حتى سمع صوت خطوات ناعمة تقترب منه، لم يكن يحتاج الرؤية ليعرف هويتها فهو يحفظها عن ظهر قلب، جلست بجواره على حافة الأريكة تسأله بتعجب:
_عملية إيه اللي تطلعها وأنت في الحالة دي يافارس!!
رفع يده عن وجهه ونظر لها بقلة حيلة هاتفًا:
_هعمل إيه يعني حتى فرصة الاعتراض مش متوفرة ده قرار من هيئة الآثار نازل ولازم يتنفذ
هتفت بضيق وقلق:
_يعني هو معقول مفيش مفتشين آثار في البلد غيرك مثلًا
أصدر تنهيدة حارة بحنق واستقام جالسًا ثم أجاب:
_ملوش لزمة الكلام ده دلوقتي، السفر بكرا خلاص
اخذت نفسًا عميق ثم سألته باهتمام:
_طيب أنت هتقعد وحدك ازاي اسبوع هناك وأنت لسا تعبان ومحتاج عناية، يعني حتى مش هتقدر تعمل أكل لنفسك
رفع يده ومسح على وجهه وهو يزفر باستياء:
_هتصرف يا ليلى، متشليش هم.. مع أنه غريب أنك مهتمة لأمري يعني
لوت فمها بانزعاج من سخريته منها، ثم التزمت الصمت لبعض الوقت تفكر بعقلها الذي يعاني من هلاوسه وأوهامه التي لا نهاية لها، وهذه المرة كانت هلاوسها ممتزجة بغيرتها المتأججة في صدرها بعدما سلمت عقلها لأفكارها الشيطانية، خصوصًا وهو لا يبالي بوضعه الصحي وأنه كيف سيمكث اسبوع كامل في منزل بمفرده، من سيهتم به وهو لا يقوي على الوقوف على قدميه ولا حتى التحرك بطبيعية من فرط اللآلم التي يجتاح صدره.
نظرت في عينيه بثبات وقالت في هدوء مريب:
_خلاص أنا هروح اقعد معاك عشان متبقاش محتاج حاجة وأبقى مطمنة عليك
حدقها مطولًا بنظرة ثاقبة رافعًا حاجبه بازدراء من رغبتها في مرافقته وهي تهجره منذ شهور ولا تشاركه حتى نفس الغرفة.
ساذجة أن ظنته أحمق حتى لا يفهم سبب تلك الرغبة أو حتى النيران التي تندلع من عينيها من فرط الغيرة، ابتسم لها ببرود وقال بنظرة ملتهبة:
_تطمني عليا ولا تطمني نفسك أني مش بخونك ولا متجوز عليكي
مالت بوجهها للجانب تخفي تعبيرات وجهها الضجرة بعدما كشف نوياها كلها أما هو فأكمل بغضب حقيقي هذه المرة:
_بلاش تمثلي دور المهتمة يا ليلى عشان أنتي ميهمكيش أمري اطلاقًا ومبتفكريش غير في نفسك وبس
التفتت له وصرخت به منفعلة:
_أنت السبب.. أنت اللي وصلتني لكدا
هز رأسه بالموافقة واستقام واقفًا يقول بعدم اكتراث لأمرها ومتعمدًا إثارة جنونها أكثر:
_أيوة أنا السبب واقولك على حاجة كمان أيوة أنا فعلًا بخونك يا ليلى وزي ما أنتي بتفكري كدا بظبط هقعد معاها هناك وهي اللي هتاخد بالها مني يعني متقلقيش عليا
تلألأت العبرات في عينيها وهي تحدقه بذهول وعدم استيعاب لما يتفوه به، ثم استقامت واقفة ونظرت في عيناه بقهر هاتفة:
_أنت أكيد مش بتتكلم جد، وبتقول كدا عشان متعصب مني ومش طايقني صح؟
تأمل تعبيراتها المنكسرة وبحر دموعها الذي يسبح في محيط عيناها فأشفق عليها وشعر بالندم على ما تفوه به مدركًا أنه جرحها بشدة، فرفع كفه ومسح على ذراعها بلطف هاتفًا برد ليس له علاقة بنقاشهم تمامًا:
_أنا طالع ارتاح في الأوضة وأنتي كمان روحي ريحي يا ليلى
تابعته بنظرات مندهشة وهو يستدير ليبعتد عنها وينصرف ليتركها مع سهامه القاتلة التي أصابت قلبها دون حتى أن يؤكد ما قاله، بل تركها بين نيران الحقيقة والسراب التي ستأكلها رويدًا وتصبح رماد، جلست على الأريكة مجددًا وانفجرت في نوبة بكاء هيستيرية دون توقف.
أما هو فقد دخل لغرفته وجلس على فراشه عابس الوجه يفكر بها وبتلك الحالة التي تركها فيها، لكن لا يمكنه نسيان ما فعلته وقالته بحقه، أن كان هو جرحها مرة فهي فعلت ألف مرة ولهذا السبب لا يستطيع أن يسامحها.
***
داخل إحدى عيادات الأسنان الخاصة، كانت جميع المقاعد مشغولة بالمرضى المنتظرين دورهم للدخول للطبيب، بعضهم يجلس وهو ممسك بوجنته موضع الم أسنانه والبعض الآخر وجهه شاحب من ذلك الألم المميت الذي يجتاح أسنانه وهناك مجموعة أخرى تجلس بكل أريحية ولا يبدو عليها أي معالم الم أو تعب فقط تعاني من بعض المشاكل البسيطة وجاءت لتعالجها عند الطبيب.
ترجلت راندا من سيارتها ووقفت أمام باب العيادة ثم رفعت رأسها لأعلى إلى تلك اللافتة التي مدوّن عليها اسم الطبيب ” دكتور ماهر يوسف زين ” اخصائي طب وجراحة الفم والأسنان، اخذت نفسًا عميقًا ودخلت بخطواتها الواثقة ثم اتجهت إلى السكرتيرة الخاصة بالطبيب والموكلة بتحديد عدد المرضى وأرقامهم ودخولهم، نظرت لها السكرتيرة وقالت مبتسمة فور رؤيتها لها:
_أهلًا وسهلًا يا بشمهندسة راندا
بادلتها الابتسامة برقة وردت:
_أهلًا بيكي ياحبيبتي، دكتور ماهر موجود ؟
استقامت الفتاة واقفة وقالت بإيجاب:
_أه موجود لحظة هبلغه أنك موجودة
خطت الفتاة خطوتين مبتعدة عنها لكنها توقفت على صوت راندا الجاد بابتسامة هادئة:
_تمام بلغيه ولو في كشوفات ومرضى تعبانين مفيش مشكلة أنا ممكن استنى
هزت رأسها بالموافقة لها واندفعت نحو غرفة الطبيب بينما راندا فبقت واقفة مكانها تنتظرها وعيناها تتجول على المقاعد المشغولة بالمرضى المنتظرين دورهم ولم ينتشلها من تفحصها لوجوه المرضى سوى صوت السكرتيرة وهي تقول بلطف:
_استاذة راندا دكتور ماهر بيقول لحضرتك معلش انتظري خمس دقايق لغاية ما يخلص الحالة اللي معاه جوا
ابتسمت راندا بصدر رحب وهتفت:
_اوكي مفيش مشكلة
ثم ابتعدت عن مكتب السكرتيرة وتوجهت نحو أحد المقاعد الفارغة بجانب امرأة تحمل على قدمها طفلها الصغير الذي لا يتوقف عن الصراخ ولسوء الحظ أن المكان الوحيد الفارغ كان بجوارها هي، فجلست راندا وراحت تنظر للمرأة بابتسامة صفراء محاولة عدم إظهار انزعاجها من صراخ الطفل، ورفعت يدها تنظر لساعتها وهي تعد اللحظات والثواني منتظرة بفارغ الصبر أن ينتهي ماهر من كشفه الحالي لتدخل هي.
مرت الخمس دقائق وأصبحت عشرة يبدو أنه يقوم بجراحة في الداخل مع مريض، وأخيرًا بعد طول انتظار خرج ذلك المريض وهو ممسك بفمه ويضع قطنة داخله من الواضح أنه قام بخلع أحد أسنانه، وفورًا أشارت السكرتيرة لراندا التي استقامت واقفة وقادت خطواتها لغرفة ماهر.
طرقت برقة على الباب قبل أن تفتحه وتدخل ليقابلها ماهر الجالس على مقعده أمام مكتبه بابتسامة صافية وتبادله هي إياه، ثم يستقيم واقفًا عند إغلاقها الباب وأقترابها من مكتبه ليمد يده للمصافحة هاتفًا:
_ان شاء الله المرة دي مش جاية كشف
ردت عليه بعبوس متصنع تضمر خلفه ابتسامتها المرحة وهي تصافحه:
_كنت اتمنى والله ياماهر
زم شفتيه بيأس وهو يضحك ثم جلس على مقعده وجلست هي على المقعد المقابل له أمام المكتب مباشرة، ليسند هو ساعديه على سطح المكتب ويميل بجسده قليلًا للأمام هاتفًا بنظرة جادة وابتسامة تحمل قلة الحيلة:
_ طبعًا مسمعتيش كلامي ولا تنبهياتي في آخر كشف فالألم رجع تاني واكتر من الأول
مصمصمت شفتيها بإحراج وقالت ضاحكة:
_طيب أعمل إيه أنت عارف أني مقدرش اعيش من غير كوباية القهوة كل يوم الصبح
أجابها بحدة هذه المرة:
_مينفعش يا راندا أنا نبهت عليكي ممنوع أي حاجة سخنة أو باردة تتشرب لغاية ما نعالج الالتهاب اللي عندك
قالت مازحة بمرح وهي تضحك:
_طيب خلاص يادكتور متتعصبش كدا عليا آخر مرة وعد، ولو جيتلك المرة الجاية تاني بشتكي ابقى اطردني
هب واقفًا وقال بحزم امتزج بابتسامة الهادئة:
_ده اللي هيحصل فعلًا، يلا تعالي على الكرسي عشان نشوف الوضع وصل لفين
استقامت واقفة واتجهت إلى مقعد مجهز خصيصًا في عيادات الأسنان بالأجهزة الكاملة ليتمكن الطبيب من الكشف على الأسنان بدقة أكثر، جلست عليه وجلس هو بجوارها على مقعده المتحرك الصغير واقترب منها فنظرت له هي بخوف شديد ملحوظ في نظراتها ثم مالت برأسها للخلف على المقعد وأصبحت في حالة نصف استلقاء لتجده ينظر في أدواته الطبية التي بجوار المقعد يختار الأداة المناسبة ليستخدمها في الكشف وهي تراقبه بعينان مرتعدة ثم تقول:
_أنت عارف أنا ليا اسبوع بتعذب من الألم ومش بعرف أنام وخايفة ما اجيلك
ابتسم دون أن يجيبها وهو يلتقط إحدى أدواته فيسمعها تقول بخوف:
_ماهر بلاش البتاعة اللي بتستخدمها كل مرة دي بتوجع والله أوي
نظر لها بلطف وتحدث مبتسمًا محاولًا منع ضحكته وكأنه يتحدث لطفلة:
_متخافيش مش هتوجعك متركزيش فيها انتي بس وركزي معايا زي ما متعودة
ردت مغتاظة بتوتر شديد:
_مهو المشكلة فيك أنت أصلًا أنت مش شايف شكلك ازاي أنا حساك ماسك في ايدك شنيور وهتفتح بطني
قهقه بقوة واجابها من بين ضحكاته مازحًا:
_ماله شكلي ما أنا عادي أهو، بعدين في إيه يا راندا أنتي طفلة صغيرة ولا إيه ده أنا الأطفال مش بيعملوا كدا عندي، عيب تبقى واحدة بتنزل مقابر فرعونية وبلاوي زرقة وخايفة من دكتور الاسنان امال فين الشجاعة اللي بيحكي عنها فارس
هتفت بيأس وخوف:
_اهي البلاوي الزرقة دي أهون منك وبعدين شجاعة إيه وبتاع إيه كله كوم والأسنان كوم تاني
رفع حاجبه مستنكرًا خوفها المبالغ فيه منه وابتسم لها بقلة حيلة ففهمت نظرته وتنهدت بقلق ثم فتحت فمها وأغلقت عيناها بقوة حتى لا ترى أي شئ، أما هو فاقترب أكثر منها بمقعده حتى أصبح شبه لا يفصله عنها سوي سنتي مترات لا تحسب ومال بوجهه على وجهها ليتمكن من النظر داخل فمها جيدًا وثبت الأضاءة المثبتة في المقعد بالأعلى على فمها واسنانها تحديدًا ثم بدأ كشفه على أسنانها باستخدام أدواته الطبية الخاصة، لكنها أطلقت صرخة ألم وانتفضت عندما ضغط على موضع الألم، فابتعد عنها ونزع قفازاته هاتفًا:
_خلاص خلصت معلش كان لازم ادوس على السنان عشان احدد مكان الألم بالظبط
فتحت عيناها بعدما اعتدلت جالسة فرأى العبرات متلألأت فيهم من أثر الألم، فمد يده بمنديل ورقيًا لها وامسك يدها هاتفًا بابتسامة حانية:
_لسا حاسة بألم؟
هزت رأسها بالإيجاب وهي ممسكة بأسنانها وعيناها بدأت تذرف الدموع فأشفق عليها وضغط على كف يدها برفق وهتف بحنو ضاحكًا:
_خلاص يا راندا أهدى أنا مقصدش اوجعك اعمل إيه ده شغلي وانتي لو بتسمعي الكلام بس من الأول كان زمانك خفيتي من بدري
انهارت باكية من الألم وقالت له بغضب:
_لا أنت دوست بالبتاعة دي جامد قولتلك بتوجعني
انطلقت منه ضحكة خفيفة وقال مبتسمًا بود:
_معلش حقك عليا خدي امسحي دموعك وقومي عشان اديكي مسكن يهدي الألم شوية واكتبلك العلاج
جذبت المنديل من يده وجففت عبراتها وهي تومئ له بالموافقة ثم استقامت واقفة ولحقت به لتجلس على مقعدها أمام مكتبه فتجده يمد يده لها بقرص دواء ليسكن اللآلم فأخذته منه وتناولته ثم نظرت له وراقبته وهو يكتب لها العلاج المناسب لحالته في ورقة العلاج ( روشتة ) وبعد انتهائه بدأ يتحدث معها ويشرح لها العلاج ويوجه تعليماته الطبية التي ستتبعها حتى تساعدها على الشفاء اسرع وتجنبها الشعور بالألم.
***
بتمام الساعة التاسعة مساءًا داخل منزل فارس الجندي……
كان جالسًا داخل مكتبه الخاص الممتلئ بالتماثيل الفرعونية المقلدة ولوح البرديات المصنوعة صناعة يدوية وأمامه بعض الكتب الخاصة بعلم الآثار الفرعونية وبيده كتاب منهم يخص المقابر الفرعونية وأسرارها وعلومها الخفية يقرأه بتركيز شديد.
لكن فجأة انتفض من مكانه على أثر صرخة جلجلت المنزل منبعثة من زوجته فوثب واقفًا وصاح عليها بهلع:
_ليلى في إيه؟!!!
ترك ما بيده وهرول مسرعًا إليها رغم ألمه لكنه تحامل على نفسه واسرع في خطواته ليذهب لها ويطمئن عليها، صعد درجات السلم بتلهف وقاد خطواته إلى غرفتها ليفتح الباب ويدخل فيجدها في فراشها منكمشة كالطفل الصغير وتضم قدميها إلى صدرها محتضنة إياها بذراعيها تأخذ وضع الجنين وتبكي في حرقة، فاقترب منها بقلق وحرص ثم جلس بجوارها ومد يده يمسح على ظهرها بحنو متمتمًا:
_مالك يا ليلى حصل إيه؟
رفعت رأسها له وطالعته بوجه غارق في الدموع وعينان لا يتضح لونهم العسلي من كثرة دموعها، كانت نظراتها له كلها ارتيعاد وفزع، تتفحص تعبيراته بلهفة وخوف كأنها ستراه لآخر مرة وإذا بها دون تردد ترتمي بين ذراعيه تبكي بهستيريا وتهتف:
_كابوس بشع أوي يافارس أول مرة احلم بحاجة زي كدا
مسح على ظهرها بدفء وشدد من ضمه لها متمتمًا في صوت رجولي رخيم:
_اهدى طيب كابوس وعدى خلاص متفكريش فيه واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم
ابتعدت عنه ونظرت له بزعر ثم راحت تسرد له كابوسها بعينان زائغة وصوت مرتعش:
_شوفتك كنت واقف على سور البلكونة في الأوضة هنا وأنا كنت ماسكة سكينة وحطاها على رقبتي وببصلك وببتسم بطريقة غريبة وأنت بتبصلي بخوف وبتترجاني وتقولي نزلي السكينة يا ليلى وأنا بهز راسي بـ لا، وكانت في واحدة جمبي شكلها مرعب بتبصلك بشر وتضحك وبتهمس في ودني بتقولي اقولك تنط يا أما هقتل نفسي، وأنا من غير ما احس بقيت اصرخ واهددك لو منطيتش هقتل نفسي وفي النهاية أنت نطيت فعلًا، وصحيت من الحلم على صرختي لما أنت نطيت
طالعها باستغراب ومعالم وجه قلقة من ذلك الحلم الغريب لكنه حاول تجاهل الأمر وإقناع عقله أنه مجرد كابوس سخيف، كفكف دموعها برقة وهمس لها بصوت رزين وابتسامة حانية ليبث الطمأنينة لصدرها:
_متخافيش ده كابوس عادي وخلص خلاص انسي وقومي اغسلي وشك
هزت رأسها له بالموافقة وقبل أن تهم بالنهوض من الفراش نظرت له بعينان أرسلت إشارات فهمها جيدًا، كأنها تخشي أن تتركه وتبتعد عنه فيتحقق ذلك الكابوس، فابتسم هو لها بمحبة لكي تطمئن فيجدها تأخذ نفسًا عميقًا بقلة حيلة وتستقيم واقفة وتتجه للحمام.
لحظات قصيرة واستقام هو أيضًا واتجه للخارج يقصد غرفته لكي يضع هاتفه على الشاحن وبينما كان يبحث عن الشاحن رأى حقيبته فوق الفراش وبها ملابسه كلها.. لقد قامت بتجهيز حقيبة سفره له، تسمر بأرضه وثبت عيناه على الحقيبة بتفكير يتذكر ذلك الشجار العنيف الذي وقع بينهم بالصباح وكان سببه رغبتها في السفر معه ورفضه لطلبها معللًا لها بحجج واهية وكاذبة أنه يخونها، أما الآن فقد تسللت أشباح القلق وعدم الأطمئنان إلى اعشاشه الآمنة فجعلت روحه غير مستقرة، يفكر في ذلك الكابوس التي سردته له ورغم أنه لا يصدق في الأحلام ويراها مجرد أضغاث نابعة من العقل الباطن إلا أن ما سردته له للتو لمس اعمق نقطة في روحه، وحاسته السادسة التي لا تخطأ أبدًا تخبره أن هناك أمر خطير سيحدث.
التقطت عيناه شاحن الهاتف بجوار الحقيبة فجذبه ووضعه في الكهرباء وادخل هاتفه فيه ثم خرج عائدًا إليها في غرفتها فوجدها جالسة على الفراش وبيدها المنشفة تجفف وجهها وهي ساكنة تحدق في الفراغ بشرود، فانتشلها من بحر أفكارها بصوته الغليظ:
_قومي جهزي شنطتك عشان تسافري معايا بكرا
التفتت له وطالعته بدهشة ثم رسمت ابتسامة استهزاء وغيظ على معالمها بعدما تذكرت شجارهم بالصباح وآخر كلماته لها فقالت:
_وغيرت رأيك ليه مش على أساس متجوز عليا وهتروح تقعد مع مراتك هناك ومش محتاجني في حاجة
رفع يده ومسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر وقال بانزعاج شديد:
_ليلى بلاش الكلام ده دلوقتي مش حابب نتخانق تاني، أنتي كنتي عايزة تيجي معايا وأنا بقولك موافق، ولأن كمان مش هينفع اسيبك لوحدك في البيت اسبوع كامل
استقامت واقفة واقتربت منه لتقف أمامه مباشرة وتقول بتحدي ونظرة ثاقبة:
_بس أنا غيرت رأي ومش عايزة آجي معاك، كفاية أوي بنسبالي اللي قولته الصبح، أنا هقعد في البيت ولغاية ما ترجع تكون أوارق الطلاق جهزت
مال بوجهه للجهة الأخرى يحاول تمالك انفعالاته حتى لا يفقد أعصابه بسبب عنادها الطفولي، ثم عاد ينظر لها وصاح بعصبية بسيطة:
_وأنا بقول هتيجي معايا ولما نرجع نبقى نخلص ورق الطلاق اللي انتي مستعجلة عليه ده، واضح أن انتي اللي في حد تاني في حياتك مش أنا عـ……
صاحت مقاطعة إيه في اهتياج شديد:
_كفاية متكملش اكتر من كدا، وصلت أنك بتشك فيا كمان
حدقها بنارية ثم رفع سبابته في وجهها وهتف محذرًا إياها بلهجة مرعبة:
_لهفتك على الطلاق هي اللي خلتني اشك، بس صدقيني يا ليلى لو طلع الكلام ده حقيقي مش هخليكي تنولي الطلاق ده إلا على جثتي
اطالت النظر إليه بذهول من كلماته وتهديداته الغريبة لكنها لم تكترث لأمره كثيرًا وتجاهلت ما قاله حتى لا تزعج نفسها أكثر بتلك الترهات، ما كان يزعجها حقًا هو أنهم لا يمكنهم إنهاء أي حديث بينهم بود وحب دون شجار.. دائمًا تصاحب أحاديثهم شجارات عنيفة تدمر جزء جديد في علاقتهم.
***
في صباح اليوم التالي داخل غرفته بعدما انتهي من ارتداء ملابسه مستعدًا لمغادرة المنزل والسفر، وقد أدرك أن لا فائدة من إجبارها على القدوم معه فقد تتفاقم الفجوة بينهم أكثر، رغم قلقه وعدم اطمئنانه أن يتركها وحدها في المنزل اسبوع كامل لكن ليس أمامه حل آخر سوى أن يستسلم لتلك العنيدة، فكر بأن يجعلها تذهب لتمكث في منزل أبيه مع والدته فهي تحبها ويتفاهمان كثيرًا مع بعضهم وهكذا لن يكون قلقًا عليها.
حمل حقيبته بيده السليمة وخرج من الغرفة متجهًا إلى الدرج، نزل درجاته بحذر حتى وصل إلى الطابق الأرضي ووقف بجوار الباب ثم وضع الحقيبة بجواره وصاح مناديًا عليها ليودعها قبل أن يرحل:
_ليلى أنا ماشي تعالي عايزك!!
ثواني معدودة ورآها تنزل الدرج وهي تحمل حقيبة سفرها بيدها ومرتدية ملابسها وجاهزة تمامًا، وصلت له ووقفت أمامه تقول بنظرة قوية:
_أنا جاية معاك
نظر لها متحفصًا إياها من أعلاها لاسفلها بابتسامة ازدراء ثم سلط نظره على عينيها وقال بخبث:
_بس أنا غيرت رأي!
فهمت أنه يحاول إثارة حنقها بنفس الرد اللي ردته عليه بالأمس، فابتسمت لا إراديًا له وقالت بثقة تامة:
_زي ما أنت غيرت رأيك ووافقت تاخدني معاك عشان تثبتلي أنك مش بتخوني أنا كمان وافقت اني آجي معاك عشان اثبتلك أن مفيش حد في حياتي تاني غيرك
تلاشت ابتسامته وظهر العبوس والامتعاض على محياه من كلماتها السخيفة، تلك الساذجة تظن أنه يأخذها معه فقط ليثبت لها عدم خيانته لها.. لا تدري فيما يفكر أو ما سببه الحقيقي.
كلاهما ينكر اهتمامه بالآخر ويخفي تلك المشاعر كأنها أثم عليهم، لا هو يأخذها معه لإثبات برائته ولا هي تذهب معه لإثبات ولائها وإخلاصها له.
سارت خلفه حتى وصلا للسيارة وتركته يضع حقائبهم في حقيبة السيارة واستقلت هي بمقعدها بجواره تفكر في حوارها من نفسها بالأمس بعد شجارهم، رغم كرامتها المجروحة من كلماته إلا أن قلبها لم يطاوعها على أن تتركه وحده بعد ما رأته في الحلم، فلن تكون مطمئنة عليه وهي ليست معه، تخشى أن يصبه مكروه فيتملكها الندم أنها لم تأخذ بيده ولم تكن معه لتملأ عيناها من النظر إليه أو لتروى ظمأ قلبها فى قربها منه.
فاقت من شرودها على صوته الرجولي يقول:
_هنعدي على بابا وماما الأول نسلم عليهم قبل ما نسافر
هزت رأسها بالموافقة دون أن تنطق بحرف واحد، وظلت تتابع الطريق من الزجاج بجوارها في سكون تام حتى توقفت السيارة أمام منزل والدي فارس، فتحت هي الباب أولًا وترجلت ثم هو.
سبقته بخطواتها السريعة إلى المنزل وطرقت الباب، وصل إليها ووقف بجوارها وكلاهما يقف منتظر الرد من الداخل، انفتح الباب من قبل والده الذي انفرجت شفتيها بابتسامة عريضة فور رؤيته لهم وهتف مرحبًا بهم:
_يا أهلًا وسهلًا إيه المفاجأة الحلوة دي ادخلوا ادخلوا
اقتربت ليلى من والد زوجها وعانقته بحب نقي متمتمة:
_عامل إيه يابابا؟
رد عليها بدفء وهو يربت على ظهرها برفق:
_الحمدلله يابنتي بخير
ابتعدت عنه وهي مازالت محتفظة بابتسامتها ثم تقدمت إلى الداخل متجهة إلى سحر والدة فارس وتركت زوجها مع والده الذي كان يسأله عن حاله ووضعه الصحي ويطمئن عليه.
بالداخل فور رؤية سحر لزوجة ابنها شهقت باندهاش وصاحت بفرحة وهي تفرد ذراعيها لها تحسها على الانضمام لحضنها:
_ليلى ياحبيبتي إيه المفاجأة دي تعالي تعالي
انضمت على الفور لحضنها ولبت النداء وهي تعانقها بكل حب وتهتف في عبوس:
_هتوحشيني والله ياماما
ابعدتها سحر عنها بحيرة ورمقتها بتساءل وقلق ثم سألت:
_هوحشك ليه يابت أنتي رايحة فين، اوعي تقولي موضوع الطلاق والكلام الفارغ ده
ابتسمت ليلى برقة وهزت رأسها بالنفي ثم تمتمت:
_لا مسافرين أنا وفارس وجينا نسلم عليكم
اتسعت عيني سحر بدهشة وسرعان ما لمعت بوميض مختلف كلها حماس وفرحة وراحت تهمس لها بخبث:
_فرحيني وقوليلي أنكم مسافرين إجازة تقضوا يومين مع بعض
زمت ليلى شفتيها بيأس وحزن على تلك السيدة الطيبة التي تسعى جاهدة لكي تصلح علاقتهم، قالت لها بخفوت:
_لا ياماما مسافرين شغل فارس جايله مهمة تنقيب من الهيئة وطالبينه بالاسم
تلاشت ابتسامتها تدريجيًا وارتفع العبوس واليأس على صفحة وجهها الذي سرعان ما تحول لغضب وهي تقول:
_شغل ايه ده دلوقتي وهو لسا طالع من عمليات وحادث من يومين
رفعت ليلى يدها ومسحت على ذراعها بلطف مبتسمة في نعومة ثم همست في صوت رزين لتطمئنها:
_مينفعش يرفض للأسف مجبور يروح، بس متقلقيش أنا عشان كدا روحت معاه عشان مسبهوش وحده
عادت البسمة لوجه سحر من جديد لكن هذه المرة كانت مغطاة برداء الحزن على حالهم وراحت تهتف داعية لهم بقلب صادق:
_ربنا يهدي سركم يابنتي ويبعد عنكم الشيطان ويصلح حالكم
بالخارج حيث يجلس كل من فارس ووالده الذي يهتف بضيق:
_مكنش ينفع تعتذر يعني يافارس
هز رأسه بالنفي في يأس:
_اللي فهمته أني لو كنت رفضت كنت ممكن اخسر شغلي يابابا فاضطريت اوافق
ربت والده على كتفه السليم برفق وقال في جدية:
_ربنا معاك يابني توكل على الله وأن شاء الله يعدي الاسبوع ده على خير، أنت هتاخد ليلى معاك صح؟
أجاب فارس بنظرة مضطربة:
_أه هتيجي معايا، معرفش ليه المرة دي قلبي مش مطمن اسيبها وحدها مش هبقى مرتاح غير لما تكون قصاد عيني
ضيق والده عيناه باستغراب وسأله:
_هو في حاجة حصلت ولا إيه يابني؟
ساه لثواني يتذكر ذلك الحلم الذي سردته له زوجته بالأمس ثم نظر لوالده وقال نافيًا:
_لا مفيش لما نرجع أن شاء الله على خير هبقى احكيلك
دخلت كل من ليلى وسحر التي اتجهت إلي ابنها وعانقته بحرارة وحب أمومي نقي هاتفة باهتمام:
_عامل إيه ياحبيبي بقيت احسن ولا لسا في حاجة تعباك
ابتسم لأمه بحنو وانحنى عليها يلثم وجنتيها بقبلة دافئة وسط همسه:
_أنا زي الفل الحمدلله ياست الكل اطمني متقلقيش
نظرت سحر لزوجها بعبوس وضيق شديد تشتكي له هاتفة:
_عاجبك اللي بيحصل ده ياجمال شغل إيه ده وهو في الحالة دي
أجابها جمال مبتسمًا بقلة حيلة:
_هنعمل إيه يعني ياسحر عايزاه يخسر شغله ادعيله ربنا يقويه ويحفظه
نظرت سحر لابنها بعينان دامعة وعادت تضمه لحضنها مرة أخرى وهي تدعو له بقلب الأم وحبها الصادق:
_ربنا يعينك ياحبيبي ويحفظك من كل شر خلي بالك من نفسك يافارس
ابعدها عنه برفق وابتسم في ود مردفًا:
_الله في إيه ياسوسو ده أسبوع متقلقيش عليا أهدى بقى
ابتسمت له من بين دموعها ثم التفتت برأسها للخلف تجاه ليلى وعادت تنظر لابنها من جديد وقد تحولت نظرتها من الحنو إلى الحزم وهي توصيه بهمس منخفض:
_خد بالك من مراتك، ومتخسرهاش يافارس صدقني هي بتحبك اوعى تطلقها
رفع نظراته المكدرة واستقرت على زوجته التي تتابعهم مبتسمة دون أن تدري ما الذي توصيه به أمه، فأخذ نفسًا عميقًا ونظر لكل من أمه وأبيه وهتف مودعًا إياهم:
_يلا بقى مع السلامة عشان متأخرش اكتر من كدا
انتهي الوداع بينهم بالعناق وادعية سحر التي لا تتوقف حتى غادروا المنزل واستقلوا بسيارتهم وانطلق بها فارس يشق الطرقات متجهًا لمدينة الأقصر….
***
بتمام الساعة الرابعة عصرًا فور وصولهم لمدينة الأقصر ترك فارس ليلى بالمنزل وخرج ليبدأ عمله، استقل بسيارته وانطلق متجهًا إلى الموقع الذي أرسله إليه صديقه ” عز “، بعد تقريبًا أكثر من نصف ساعة وصل إلى ذلك الموقع الذي كان بالصحراء الكبيرة وعلى مسافة بعيدة نسبيًا عنهم توجد الآثار الفرعونية المشهورة.
نزل فارس من سيارته واتجه نحوهم بخطوات واثقة وهو يتلفت حوله يتفحص المكان بنظراته، لم يكن المكان بأكمله عبارة عن صحراء جرداء بل كان يحتوي على بعض الجدران الأثرية وكذلك الأبنية الصغيرة التي بدت وكأنها معابد مهدومة أو غير مكتملة أو ربما مازال نصفها لم يكتشف تحت الأرض.. كان موقع أثري بحت، وقف فارس بجوارهم بعدما رحب بكل من ” عز ” و ” راندا ” التي كانت كذلك تشاركهم تلك المهمة وكان ” أمجد ” موجود بالتأكيد
وبعض المنقبين الأثريين المختصين في التنقيب، وقف فارس يراقب وجوه الكل ويتفحص هيئة هذه الوجوه الجديدة التي يراها لأول مرة، حتى سمع صوت امجد وهو يبدأ في الحديث وأملاء تعليماته:
_طبعًا المفروض علماء الهيئة والآثار هيكونوا موجودين بكرا والشغل في التنقيب والحفر هيبدأ من بكرا بس النهاردة هيكون شغل خفيف وهو هنقب بلأجهزة عن أماكن المقابر والآثار عشان بكرا يبقى الحفر فورًا
ثم التفت تجاه فارس وأشار إليه مردفًا:
_وطبعا دكتور فارس هيكون هو المشرف عليكم طول المهمة دي والنهاردة هو هيكون معاكم خطوة بخطوة
هز فارس رأسه لأمجد يرسل له إشارات خفية من نظراته أن الأمر سيكون تحت سيطرته لا يقلق، فاقترب منه أمجد وهمس بجدية:
_أنا همشي دلوقتي يافارس عشان الهيئة اتصلت بيا وأنت خليك معاهم ودلهم على أماكن التنقيب الصحيحة أنت خبرتك غيرهم طبعًا وفاهم وعارف الأماكن اللي ممكن يبقى فيها المقابر والآثار
أجاب فارس بغلظة وهو يومئ بالموافقة:
_تمام يادكتور متقلقش
ربت أمجد على كتف فارس مبتسمًا ثم لوح لبقية المنقبين والرجال وانصرف وتركهم، اقترب كل من راندا وعز من فارس وكانت لراندا الأسبقية في التحدث حيث سألت فارس باهتمام:
_عامل إيه يافارس دلوقتي بقيت أحسن؟
أجابها مبتسمًا بصوت رخيم:
_الحمدلله يا راندا أفضل، يلا بينا عشان نبدأ ونلحق نخلص اللي نقدر عليه قبل الليل
همس عز لفارس فور ابتعاد راندا عنهم وانضمامها لبقية المنقبين:
_اوعى تقولي كمان أن حتى المرة دي أنت مش مرتاح، عايزين نرجع كلنا بيوتنا وفنادقنا بخير
قهقه فارس بقوة واجاب على صديقه مازحًا:
_ياجدع قوي قلبك كدا خايف من إيه سيبها على الله
ردد عز بهدوء:
_لا إله إلا الله
أشار له فارس أن يأتي معه ليبدأوا عملهم الذي استمر لأكثر من ساعتين وسط بحثهم وتنقيبهم بأجهزتهم المتطورة وما ساعدهم أكثر في اختصار الوقت هو ارشادات فارس إلى أماكن معينة كان يشك بوجود الآثار بها فكانوا طوال الوقت يسيرون خلف تعليماته وخبرته الوفيرة في ذلك المجال، أما راندا فكانت دومًا تلازم فارس لا تفترق عنه للحظة مما لفت انتباه ” عز ” لكنه لم يعقب عليها وتجاهل الأمر متعمدًا فـ لا الوقت ولا المكان مناسب للتركيز على شيء كهذا.
جلس الجميع على مقاعد خشبية ليستريحوا بعد انتهاء العمل وسط محادثات مرحة بينهم، لكن التفت فارس بمحض الصدفة على الأرض ليرى شيء غامض يسير اسفل الأرض ببطء.. لا يراه لكن يرى حركة الرمال الملحوظة، راقبه بنظراته فوجده يسير باتجاه مغاير وبعيد تمامًا عن منطقة عملهم، قاده فضوله لإتباع ذلك الشيء ومعرفة ماهو وإلى أين يتجه، وفور نهوضه من مقعده سأله عز:
_رايح فين؟
أجاب عليه بإيجاز وهو لا يحيد بنظره عن ذلك الشيء حتى لا يفقد أثره:
_هشوف حاجة سريعًا وراجع استناني هنا
تحرك بخطواته شبه السريعة خلف ذلك الشيء ليلحق به فاستقامت راندا وهمت أن تتبعه لكن أوقفها عز الذي قبض على ذراعها واجسلها مكانها مجددًا هاتفًا بنظرة حادة:
_خليكي يارندا هو قال استنوني هنا
تعجبت من نظرته ولهجته الحازمة معها لكن امتثلت له وجلست مكانها وظلت تتابع فارس الذي ابتعد لمسافة بعيدة جدًا عنهم.
توقف فارس بنفس النقطة التي توقف بها ذلك الشيء الغريب، التفت خلفه فوجدهم يجلسون بمكانهم لكنه ابتعد عنهم كثيرًا، تنهد الصعداء وعاد ينظر أسفل رجليه إلى ذلك الشيء، رغم عدم اطمئنانه وصوته الداخلي الذي يصرخ محاولًا إقناعه بالرجوع مجددًا ولا يكمل ما يفعله أو يتبع فضوله الذي سيقوده إلى الهاوية، لكنه تجاهل ذلك الصوت كالمغيب وانحني علي الأرض يفتش في الرمال عن ذلك الشيء فأذا به ينتفض واقفًا ويسحب يده فورًا عند شعوره بشيء حاد يجرحه في اصبعه، تفحص بعينيه أصبعه فوجد به جرح بسيط لكن الدماء بدأت تخرج منه وعند أول نقطة سقطت على الأرض، اتسعت عيناه بذهول وهو لا يفهم ما الذي يحدث حوله.. هبت عاصفة رملية عنيفة جعلت النهار ليلًا وحجبت الرؤية أمامه فرفع يده بسرعة ليخبئ عينيه بذراعه من الرمال حتى لا تؤذيه……..

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1