رواية خذلان الماضي الفصل الثاني 2 بقلم دودو محمد


 رواية خذلان الماضي الفصل الثاني 

بعد مضي عدة شهور على الأيام العصيبة التي عاشتها راما، استيقظت من نومها على صوت ياسين، ابن أخيها. كان ينادي باسمها بحماس يشبه شعلة من النور، محاولاً أن يجعل صباحها أكثر بهجة. فتحت عينيها بصعوبة، وتحسست الأحلام التي كانت تراوضها قبل أن تستيقظ، ثم قالت بنعاس متصل بالمشاعر:
‘فيه أيه يا ياسين على الصبح كدة؟’
تكلم بطفولية، وكأن قلبه مليء بالأمل، بينما كان وجهه مليئًا بالرجاء، فقال بترجي:
‘عندي تمرين سباحة في النادي، وبابا في الشغل مش هيعرف يوديني، وماما تعبانه من الحمل، ومش لاقي حد يوديني. بليز يا عمته قومي انتي وديني.’
هنا، شعرت راما بمزيج من التعاطف والتعب؛ ردت عليه بألم، إذ شعرت بالتعب يؤثر عليها:
‘معلش يا ياسين، مش قادرة والله تعبانه.”
أدرك ياسين ما تعانيه عمته، لكن براءته دفعت به لنظرة حزن مختلطة بغضب طفولي، ثم تركها وخرج من الغرفة. نظرته جعلتها تشعر بنبض القلق في قلبها. زفرت بضيق ونهضت بصعوبة من على السرير، وكأن كل خطوة تتطلب جهدًا كبيرًا، ثم دلفت إلى المرحاض لتجهيز نفسها لتحضير أيام كثيرة مليئة بالتحديات. وبعد لحظات، خرجت، مرتدية ملابسها وممشطة شعرها، متمنية أن تبدو قوية. خرجت من غرفتها، واتجهت إلى غرفة ياسين، حيث كان يجلس على سريره بوجه عابس، يحمل أحمال العالم على كاهله. تحركت نحوه وجلست بجواره، محاولة تنقله من عالم الحزن إلى عالم الفرح، وقالت بمزاح:
“ينفع كده يعني أجهز وحضرتك لسه مجهزتش؟”
نظر لها بضيق، وتكلم بغضب طفولي:
‘مش رايح خلاص يا عمته، جهزتي نفسك على الفاضي.’
لم تستطع راما إلا أن تضحك على براءته، نظرت له بابتسامة مازحة، ثم بدأت تدغدغ فيه، وكأنها تعيد الحياة إلى روح الصغير، وتكلمت بمزاح:
‘ما هو لو مجهزتش نفسك حالا هفضل أزغزغ فيك كده لحد ما تقول حقي برقبتي.’
تعالت ضحكات الطفل بسعادة، وكأنها أكدت له أن الحياة تستحق العيش، وتكلم بصعوبة:
‘خلاااص يا عمته، هجهز والله، إحنا آسفين يا صلاح.’
احتضنته بحب، وكان ذلك الحضن يحمل معاني كثيرة، وقالت بابتسامة حنونة:
‘حبيب قلب عمته، يلا يا بطل، ربع ساعة والاقيك جاهز فاهم.’
ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها، وجدت والدتها تجلس على الأريكة تنظر إلى الفراغ بركنية ملامحها. جلست بجوارها، وكأنها ترغب في العودة إلى تلك الأوقات البسيطة، وقالت بابتسامة:
‘قاعدة كده ليه يا سمسمه بس؟’
ابتسمت لها بحزن، وكأن حياتها حقيبة مثقلة بالأفكار، وقالت:
‘قاعدة يا بنتي هعمل إيه بس، مافيش حاجة ورايا.’
وضعت رأسها على كتف والدتها، وكأنها تبحث عن الأمان، وقالت:
‘يا ستي فرفشي كده وسبيها على ربنا.’
ربتت والدتها على يدها، وتكلمت بنبرة حنونة:
‘ونعم بالله يا حبيبتي، ربنا يسعد قلبك ويرزقك بأبن الحلال اللي يعوض صبرك خير.’
زفرت راما بضيق، وكأنها تتوسل، وتكلمت بصوت مختنق بترجي:
‘أبوس إيدك يا ماما، بلاش كلام في الموضوع ده، مش كل يوم تتكلمي فيه. شيلي الفكرة دي من دماغك علشان أنا عمري ما هفكر في الجواز تاني.’
وفى ذلك الوقت، خرج ياسين من الغرفة كنسمة بهجة، وقال:
‘خلصت يا عمته، يلا بينا.’
استقامت راما بجسدها، وأمسكت بيد ياسين، وكأنها تتمسك بأمل جديد، وقالت بابتسامة حزينة:
‘يلا يا حبيب عمته.’
هبطوا إلى الأسفل، حيث أوقفت سيارة أجرة، كان السائق يتطلع إليهم بابتسامة لطيفة، واتجهوا إلى النادي. نظرت سامية إلى أثرهم وكأنها تخشى أن تفوتها لحظة من لحظات الحياة، وتكلمت بدعاء:
‘ربنا يرزقك بأبن الحلال اللي يسعدك ويفرح قلبك يا بنتي، يارب.’
………………………………………………….
بعد وقت، وصلت راما ومعها ياسين إلى النادي، ودلفوا إلى الداخل. ترك الطفل مكانه ليتجهز لتمرينه، بينما ظلت راما تتأمل حولها بتوتر، وكأن أعين الناس تخترقها. تراجعت إلى الوراء بعض الشيء، لكنها اصطدمت بشيء صلب، مما جعلها تنتفض في مكانها. استدارت سريعاً، وقالت بأسف:
“ا ا انا اسفه مقصدش والله.”
ابتسم الرجل الذي اصطدمت به، بهدوء، وقال بنبرة رجولية:
“حصل خير يا مدام راما.”
نظرت له باستغراب وسألته بتساؤل:
“هو حضرتك تعرفني!؟”
أومأ برأسه بالتأكيد وقال بتوضيح:
“أيوه، أنا عمر، صاحب رامي ومي من أيام الجامعة.”
استمرت في تحديد النظر إليه بتمعن، ثم قالت بأسف:
“سوري، مش فاكره حضرتك، عن إذنك.”
بعد ذلك، تركته وتحركت بسرعة من أمامه. شعر عمر بالدهشة عندما رأى ملامح القلق تجتاح وجه راما، وكأنها تغرق في دوامة من الذكريات المحرجة. نظر عمر إلى أثرها بتعجب، ثم توجه إلى الداخل.بعد لحظات، جلست راما تتابع ياسين خلال التمرين، وتفاجأت عندما اكتشفت أن هذا الشاب هو من يمرن ابن أخيها. كان ياسين يتنقل بخفة بين الحواجز، كل حركة تملؤها الطاقة والحماس. ظلت تبتسم بسعادة هي ترى ياسين سعيداً وهو يتمرن، ولوح لها بيده لتقترب منه. حركت رأسها بالرفض، لكنه، أصر على ذلك. نهضت من مقعدها واقتربت منه، وتحدثت بتساؤل:
“عايز أيه يا ياسين؟”
أجابها ببراءة الأطفال، وقال بسعادة:
“أيه رأيك فيا النهاردة، كنت شاطر؟”
مالت بجسدها وقبلته بابتسامة دافئة، وقالت:
“ابن قلبي شطور ومافيش منه اتنين، لسه بدري؟”
حرك كتفيه بعدم معرفة، وقال:
“مش عارف، اسألي كابتن عمر.”
أومأت برأسها، وتحركت نحو المدرب، وسألته بتردد:
“لو سمحت، ياسين خلص ولا لسه؟”
أجابها بتوضيح:
“أيوه خلاص كده، ممكن يروح يغير هدومه. ولو كده، استنوا أوصلكم على سكتي، وبالمرة أشوف الواطي رامي، بقاله فترة مش بيسأل عليا.”
تنهدت بضيق، لكنها ابتسمت له برفق، وقالت:
“أنا آسفة، حضرتك مش بركب عربيات مع حد غريب، تقدر تتواصل مع صاحبك براحتك، عن إذنك.”
ثم تركته، وأمسكت يد ياسين، وتحركت به نحو غرفة تبديل الملابس. انتظرت بالخارج حتى انتهى، وخرج لها، ثم انطلقوا إلى خارج النادي. أوقفوا سيارة أجرة، وعادوا إلى المنزل.
………………………………………………….
في المساء
تجمعت العائلة حول طاولة الطعام، حيث خيم الصمت على المكان كما لو كان يحيطهم بسحابة من الكأبه. كسر رامي هذا الصمت بنظرة تجاه راما وسأل بفضول:
“هو انتي قابلتي عمر صاحبي النهاردة؟”
أومأت راما برأسها بالإيجاب، رغم أن عينيها حملتا بعض الضيــق، ثم أجابت:
“اممم، روحت النهارده تمرين السباحة مع ياسين، وخبط فيه، بس أنا معرفتهوش الصراحة، هو اللي عرفني على نفسه. وقالي إنه صاحبك، وكمان أتفاجئت إنه المدرب بتاع ابنك. ولما خلص، عرض عليا يوصلنا، بس أنا رفضت.”
ابتسمت مي، زوجة رامي، وقالت بحماسة:
“عمر ده ما شاء الله عليه، أدب إيه وأخلاق ميختلفش عليه اتنين، وشاطر أوي في شغله الصبح وفي شغلة بليل في النادي.”
نظرت إليها راما بعدم اهتمام، مما خلق جواً من التوتر، وردت بتهكم:
“مالك يا أختي، كأنك بتخطبي ليه؟ اهدي شويه على نفسك، وانتي بقيتي شبه القنبلة كده.”
ردت مي بضيق، محاولة الدفاع عنه:
“تصدقي إنك مش وش نعمة! ده شاب طول بعرض رياضي وقمور وذكي، والبنات كلها هتموت عليه. طيب، ده أنا جبتله عرايس أشكال وألوان، وهو اللي رافض فكرة الجواز.”
زفرت راما بضيق وتحدثت بصوت مختنق:
“اديكي قولتي بنات يا مي، مش واحدة مطلقة. وأنا أصلاً عمري ما هفكر أكرر التجربة دي تاني. ياريت تهدي شويه أنتي وماما، وبلاش شغل رايا وسكينة ده، علشان مش هينفع معايا…”
ثم استقامت بجسدها وقالت بضيق:
“الحمدلله، شبعت. تصبحوا على خير.”
تحدث رامي باستغراب:
“ايه ده هتنامي من دلوقتي يا راما، لسه بدري. خليكي قاعدة معانا شويه.”
حركت رأسها بالرفض وأجابت بوجع:
“لا يا رامي، مصدعة شوية وعايزة أنام.”
تركتهم وتوجهت إلى غرفتها، بينما نظر رامي إلى أثرها بحزن، وعاد بنظره إلى زوجته بضيق. ثم قال بصوت غاضب:
“عجبك كده؟ فيها ايه لو تحطي لسانك في بوقك شوية، هي كانت قاعدة على قلبك، ما تسبيها براحتها. وبعدين انتي بتتكلمي نيابة عن عمر ليه، هو قالك إنه معجب بيها؟”
رفضت مي ذلك، وبتوضيح قالت:
“آه يا رامي، قاعدة على قلبي ومتربعة كمان. راما أختي وبحبها، ونفسي ربنا يرزقها براجل بجد يعوضها عن اللي شافته مع زفت الطين ده، وكمان عمر شاب ميتعوضش. قولت أجس نبضها هي الأول، لو وافقت، قولت أكلمه عليها.”
أغلق رامي عينيه حتى يهدأ قليلاً، ثم قال بغضب:
“انتي عارفة لو مبطلتيش كلامك المستفز ده، هوديكي بيت أهلك لحد ما لسانك يعرف يفكر في الكلام قبل ما ينطقه.”
تحدث والده بنفاذ صبر:
“كفاية خناق منك ليها، وكملوا أكلكم وانتوا ساكتين.”
نظر رامي إلى مي بضيق، ثم نهض من مقعده، وقال بغضب:
“شبعت، الحمدلله. عن إذنكم…”
أنهى كلامه وتحرك تجاه غرفته. نظرت مي إلى سامية بتوتر، ثم نهضت وقالت:
“الحمدلله، شبعت عن إذنكم.”
وتركتهم، وتوجهت خلف رامي إلى الغرفة، دلفت إلى الداخل وجلست بجواره، وقالت بأسف:
“أنا آسفة، مقصدش والله أزعل راما. أنا نفسي ربنا يرزقها براجل بجد يعوضها عن الحزن اللي شافته، بس والله العظيم هو ده اللي أقصده.”
نظر إليها بضيق، وقال:
“فيه فرق بين أنك تتمني الخير لحد، وانك انتي تسمي بدنه طول الوقت. ده يدوب لسه مخلصه العدة بتاعتها من كام يوم، وخارجة من تجربة صعبة. نهدا عليها بقى شويه اللى فيها مكفيها. أنا عارف أنك عبيطة، واللي بتقوليه ده كلام ماما.”
نظرت له بتوتر، وأوضحت:
“حتى لو كلام ماما، ما هي عايزة مصلحتها وتشوفها سعيدة. راما بقت شبه الوردة الدبلانة يا رامي، نفسنا ترجع تاني زي الأول، نفسنا ضحكتها ترجع تترسم تاني على وشها.”
أخذها داخل أحضانه، وقبل رأسها بحب، وتنهد حزناً، وقال بتمني:
“إن شاء الله، هترجع أحسن من الأول. بس هي مسألة وقت مش أكتر.”
تمسكت به بقوة، وقالت بابتسامة حنونة:
“إن شاء الله يا حبيبي، بس أنا برضه عند رأي عمر، شاب ميتعوضش. إيه رأيك نقربهم لبعض؟”
أغلق عينيه بضيق، ثم قال بنفاذ صبر:
“مممممي، شيلي الموضوع ده من دماغك. ولو ليهم نصيب مع بعض، ربنا هيجمعهم من غير أي مجهود مننا.”
ابتسمت ابتسامة هادئة، وقالت:
“خلاص، خلاص، متتعصبش كده.”
أنهت كلامها وهي داخلها تخطط لما تريد فعله مع راما وعمر، بينما كانت تتداعى إلى نفسها كل التفاصيل الصغيرة التي قد تساعد في دفع الأمور نحو الاتجاه الصحيح، كتنظيم لقاء غير رسمي يجمع بينهما في جو مريح، بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية، حيث يمكن أن يتحدثا ويتعرفا على بعضهما بشكل أفضل. كانت تشعر أن هناك أملاً بداخلهما، أملاً يمكن أن يولد شيئاً جديداً وجميلاً، إلا أنها كانت تعلم أيضاً أن الأمر يحتاج إلى وقت وصبر، ورغم ذلك، كانت مصممة على أن تفعل كل ما يمكنها لجعل راما تشعر بالسعادة مرة أخرى وتعيد الأمل إلى حياتها.
………………………………………………….
دخلت راما غرفتها، حيث انقضت على فراشها ببطء، وتركت نظرها معلقًا إلى السقف. أخرجت تنهيدة حارة، وانهمرت الدموع من عينيها عندما تذكرت ذكرياتها مع زوجها السابق. شعرت كما لو كان قلبها يتمزق من شدة الألم والاشتياق، وأمسكت هاتفها بيد مرتجفة. بدأت تعرض الصور الخاصة بهم، وتذكرت ذلك اليوم المشمس الذي قضياه معًا على الشاطئ، حيث كانت ضحكاتهما تتعالى فوق زقزوق الطيور وأمواج البحر المتلاطمة. تحدثت بصوت حزين يمزقه الفراق:
“لييييه عملت فيا كده؟ انا حبيتك بجد، عمري ما بصيت على فلوسك ولا فكرت في شركاتك. بسببك قلبي بينزف، والدنيا بقيت أشوفها بلون واحد بس أسود . نفسي أتخطى حبك وأعيش حياتي من جديد، بس بجد مش قادرة. لسه كل ده بحبك، وكان عندي أمل ضعيف أن أوحشك، وترجع تكلمني وتصلح الأمور ما بينا، بس طلعت عبيطة وكالعادة خيبت ظني فيك.”
أنهت كلامها وهي تحتضن الهاتف الذي يحتوي على صورتهم معًا، الصورة التي كانت تعني لها العالم بأسره؛ حيث كانوا يبتسمون وسط الزهور الملونة، وكانت الأيام هناك أكثر إشراقًا. ثم أغلقت عينيها، وغرقت في سبات عميق، وكأنها تبحث عن هدوء في عالم من الفوضى التي تملأ قلبها. كانت الأحلام وذكراهم تداهمها، وتستحضر معها شعور الأمل الذي كان يعيش داخلها، لكن كل ذلك الآن يبدو بعيدًا، كنجوم تائهة في سماء مظلمة، ولم تعد تعرف كيف تعيد بناء نفسها بعد كل هذا الانكسار.
………………………………

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1