رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثاني 2 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الثاني 

وصل سلطان إلى المنزل دون أن يتلفظ بكلمة واحدة معها. داخل السيارة، أمسك ذراعها بقوة كأنه يحاول أن يمسح كل ما حدث بتلك الليل، أنزلها من السيارة وصعد بها إلى الداخل، متجاهلاً تمامًا المشاعر التي كانت تعتمل في داخلها. كانت تدرك أنها أخطأت وأشعلت لهيب غضبه، لكن قبولها لما يفعله معها كان واضحًا، رغم كل ما بداخله من توتر. فتح باب الشقة بعنف ودفعها بغضب إلى الداخل، مما أسقطها على الأرض بفعل الدفع المفاجئ. اقتربت منها وفاء، لكن سلطان، بصوته الجهوري، أبعدها عنها قائلًا: 
"محدش يقرب منها فاااهمين."
أنهى كلامه، وأمسك بشعرها، متحدثًا وهو يجز على أسنانه بغضب: 
"أنا قولتلك لا مافيش مرواح عيد الميلاد؛ إيه اللي خلاكي تروحي؟" 
الكلمات كانت مثل الرصاص تخترق صمت الليل البارد، مؤججة لهيب الصراع الذي كان يدور داخل كل منهما.
ابتلعت ريقها بصعوبة، ثم تكلمت بكلمات متقطعة: 
"م ما أنا ق قولتلك يا سلطان، ع عايزة أروح." 
كانت تشعر بخيبة أمل كبيرة، لكن كان هناك شيء قاسي في صوتها لم يجعل كلماتها تصل له بالشكل المطلوب.
أطلق صوتًا من حنجرته يعبر عن غضب متصاعد، وتلفظ بسباب وقح قائلاً: 
"***ا أنتي عبيطة يا بت! ما انتي قولتيلي، وقولتلك لا؛ إيه خلاكي تروحي؟" 
كل كلمة كانت تعكس خيبة الأمل التي يشعر بها.
نظرت له بضيق، وقالت بنبرة اعتراضية: 
"ع عيب يا سلطان! إيه اللي قولته ده؟ وبعدين، أنا زهقت من تحكماتك! كل حاجة لا، لا، أنا صغيرة على الحبس ده. على فكرة، وزماننا غير زمانك؛ إنت مش واخد بالك من فرق السن ولا إيه يا سلطان؟" 
كانت كلماتها تختلط فيها القوة والضعف، كمن تحارب لإثبات وجودها في عالم مملوء بالقيود.
كلماتها كانت كالصاعقة التي نزلت على قلب سلطان كالسيف الحاد، تجرح كبرياءه وتجبره على إعادة التفكير. ترك شعرها ونظر إليها بغضب، ثم قال: 
"عندك حق، أنا مكنتش شايف فرق السن اللي بينا، بس دلوقتي شوفته وبوضوح! ده يخليني أكسرلك رقبتك أكتر." 
صوت الغضب كان كالرعد في سماء مظلمة، لكن في قلبه كان هناك همسات خافتة تطالب بفهم أعمق لما يجري.
"من هنا ورايح، تتعاملي معايا باحترام؛ تتعاملي معايا كأني أبوكي، مش هقول أخوكي الكبير. ومن هنا لحد ما أوصلك بيت جوزك، مافيش خروج من البيت لوحدك! رجلي على رجلك حتى في الامتحانات، علشان لما يخدك عريسك يقول إن دي تربيت المعلم سلطان! اتفضلي ادخلي أوضك يلا!" 
كانت كلماته كقيد ثقيل، يفرض معايير جديدة لرؤيتها وتفكيرها، وكأنهما يقفان على حافة هاوية.
شعرت بفظاظة كلماتها، نهضت سريعًا وقالت بصوت آسف: 
"س سلطان، أنا آسفة." 
وبدا لها أن اعتذارها يستنفذ ما تبقى لديها من كرامة.
هدر بها بغضب قائلاً: 
"اسمي أبية سلطان! إنتي ناسية فرق السن اللي بينا ولا إيه، يا كتكوته؟" 
في هذه اللحظة، كان لكل كلمة وزنها وثقلها، تتلاعب بمشاعر الفتاة وتؤجج نار الندم في قلبها.
أنهى كلامه وخرج من باب الشقة، مغادرًا المنزل بقلب مكسور وحزين، وكأن كل شيء في حياته قد انهار.
نظرت إلى أثره بدموع، فتحدثت والدتها بلوم قائلة: 
"ليه كده يا بنت بطني؟ ده رد الجميل بعد اللي عمله معاكي طول السنين اللي فاتت دي! طول عمرك سايقة فيها ومدلعة، وببسببه هو برضه، للأسف، خسرتي سلطان العمر كله، ومستحيل تلاقي راجل زيه تاني." 
الكلمات كانت كالسهم المنطلق، تصيب قلبها بجراح عميقة.
نظرت لها بحزن شديد وركضت إلى شقتها، أرتمت على سريرها وبدأت تبكي بحرقه وندم، وكأن كل ذكرياتها الجميلة تحولت إلى كوابيس تلاحقها.
نظرت صباح إلى وفاء وقالت بصوت حزين:
"وبعدين يا وفاء، هنقف نتفرج عليهم كده؟ أنا عارفة سلطان ابني، هياخد كلامها على كرامته ومستحيل يفكر فيها تاني." 
كانت قلقها يزداد، وكأنها تحاول أن تجد مخرجًا من تلك الدوامة.
جلست وفاء بغضب، وقالت: 
"منك لله يا ترنيم، يا بنتي، على اللي انتي عاملة فينا ده. قولت هتكبري وتعقلي، كبرتي واتجننتي أكتر! ربنا يحلها من عنده بقى ويصلح الحال ما بينهم." 
كانت هاتان الكلمتان تحملان الكثير من الأحزان والأماني، وكأنهما تعبران عن ارتباك عاطفي معقد.
شعرت ترنيم بيد على ظهرها، ظنت أنه سلطان عاد كما يفعل دائمًا. اعتدلت سريعًا وقالت من بين شهقاتها: 
"سلطان، أنا كنت." لكن خاب أملها عندما وجدت سمية بجوارها، وعادت الدموع لتسقط مرة أخرى.
ازدادت دموعها، وقالت: 
"فكرتك هو، و مش ههون عليه زي ما متعودة منه وهيجي يصالحني ويمسح دموعي." 
كان حديثها مليئًا بالحنين والرغبة في العودة إلى أيام أفضل.
جلست بجوارها وتحدثت بلوم: 
"بس المرادي غير كل مرة يا ترنيم. انتي فتحت جرح كبير أوي عند سلطان. انتي عارفة إنه بيحارب حبك ده علشان فرق السن، بس انتي كشفتي الواقع ده قدام الكل، وكمان ظهرتي له تذمرك من الفرق ده. ومش سهل كده، سلطان هيتنازل عن كرامته ويجي يصالحك." 
كانت تحاول بصعوبة أن تلقي الضوء على خطورة الموقف، محاولة التخفيف من آلام أبنة خالتها.
"وكمان استني منه الفترة الجاية التجاهل، هيتعامل معاكي بطريقة مختلفة. المهم، بقى تتعبي لحد ما يسامحك، وفكك من شغل الجنان اللي فيكي ده." 
نظرت لها بحزن، وارتمت داخل أحضان سمية، وظلت تبكي بحرقه حتى غفت في النوم، وكأنها بحاجة إلى الفرار من واقع مرير لا تستطيع تحمله بعد الآن.
وضعت رأسها على الوسادة، ودستها أسفل الغطاء، ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها. نظرت إلى خالتها، وقالت: 
"ترنيم نامت يا فوفه، بس ابقي اطمني عليها كل شوية علشان نامت وهي منهارة من العياط." 
أومأت رأسها بحزن، وقالت: 
"ماشي يا قلب فوفه، ربنا يهديها ويصلح حالها يا رب." 
كانت أمانيها تشبه صلواتها، محاولة الدعاء في جو من الحزن.
ابتسمت لها وقالت: 
"يارب يا فوفه، يلا تصبحي على خير."
كانت كلماتها كالعطر الذي يخفف أوجاع يوم صعب.
ردت عليها بنبرة حنونة: 
"وانتي من أهل الخير يا حبيبتي."
توجهت سمية إلى الباب وفتحته، ووجدت زوج خالتها. ابتسمت له، وقالت: 
"مساء الخير يا عمو."
رد عليها بنبرة حنونة، قائلاً: 
"مساء النور يا حبيبتي! رايحة فين؟ خليكي أتعشي معانا." 
حركت رأسها بالرفض، وقالت: 
"شكرا يا عمو، أنا مش بتعشي، عن إذنك." 
تحركت إلى شقتهم ودلفت إلى الداخل، حاولت أن تهرب من واقعها المتأزم.
دخل عبد الرحمن، ورأى وفاء تجلس بحزن. اقترب منها، وقبل رأسها، وقال: 
"مالك يا حبيبتي، زعلانة ليه؟" 
تنهدت بحزن، وحكت له ما حدث. كانت تحكي وكأن كل ذرة ألم تعيشها تتفجر بين كلماتها. تنهد بضيق، وتحدث بنبرة عاشقة:
"طيب، اهدي يا حبيبتي وادعيلها بالهداية."
كلمات كانت تحمل بين طياتها الأمل في الشفاء.
"أنا فيه حاجات كتير أوي مش بتعجبني في عمايل ترنيم، بس انتي عارفة، سلطان مانع أي تدخل مني في أي حاجة تخصها."
كان صوت عبد الرحمن يحمل المقاربة بين الحب والعاطفة والتحديات التي تواجهها.
"مع إن ربنا يشهد غلاوتها عندي من نفس غلاوة أخواتها، بس شرطه قبلت بي علشان يوافق على جوازنا أنا وانتي." 
أومأت وفاء برأسها بتفهم، وقالت: 
"عارفة يا حبيبي، سلطان مانع أي حد يتدخل في تربيتها، أصلاً مش انت بس، ده أنا، اللي أمها منعني أتدخل في أي حاجة."
كانت تحاول أن تبرر الوضع بصعوبة، كأنها تحارب لتعطي فهمًا لما يجري.
"ولو حصل منها أي حاجة تضايقني، لازم أروح ليه أقوله وهو اللي يتصرف معاها، حتى إخواتها الأولاد محدش فيهم يقدر يدوس ليها على طرف حتى لو غلطانة."
نظر لها بضيق، وقال: 
"بس ده غلط يا فوفه! المفروض تربيتها مسؤوليتك إنتي! دي بنت، يعني ازاي ابن خالتها هو اللي يربيها؟ فيه حاجات مينفعش البنت تقولها وتعرفها غير من أمها."
 تنهدت وفاء بحزن، وتكلمت بصوت مختنق: 
"أنا مطمنه على ترنيم مع سلطان يا عبده. من أول ما اتولدت، وهو اللي مهتم بيها. حتى باباها الله يرحمه كان على طول يقولي، إن طول ما هي مع سلطان مبيخفش عليها." 
كانت محادثتها تعكس ثقتها في سلطان كحامي، ولكنها كانت مشبعة بشيء من القلق أيضا.
"ولما مات، قدر ياخد بأيديها لبر الأمان وعوضها غياب أبوها. ولما جيت انت اتقدمت ليا علشان تتجوزني وطلب منك ملكش دعوة بتربية ترنيم ولا بأي حاجة تخصها، وانت وافقت." 
كان حوارها يشبه دفاعًا عن موقفها:
"كان هو اللي بيصرف عليها، بيدفع ليها مصاريف المدرسة، بيجيب ليها هدومها، لحد ما ترنيم اتعودت تطلب منه أي حاجة عايزاها، إذا كان فلوس أو هدوم أو أي حاجة تخص البنات." 
كان صوتها يحمل على عاتقه عبء تاريخ طويل من الاعتماد المتبادل.
"ولما أهل أبوها حبوا ينتقموا مني علشان اتجوزت بعد موت ابنهم، خطفوها وقعدت سنة بحالها مش قادرة أشوف بنتي ولا أعرف طريقها فين. وهو طول السنة دي أهمل كل حاجة، حتى شغله، خسر كتير بسبب إنه وقفه علشان يدور عليها، لحد ما عرف مكانها." 
كانت تمطر الكلمات كانها تصب غيظها في ذلك الوقت العسير، وكأن فضاء الذاكرة ثقيل بعبء مرير.
"مش هنسى اليوم ده، يوم ما راح عرض نفسه للخطر، وهاجم بتوع الجبل وقتالين القتلة لحد ما وصل لبنتي ورجعها تاني لحضني." 
ثم أضافت بشغف: 
"ومن يومها وسلطان بيخاف عليها أكتر، وبقى يقفل عليها أكتر علشان يحميها، خايف أحسن ما تروح منه تاني زي ما حصل." 
كان هذا اعترافًا عميقًا بأن الحب يغلف كل تصرف من تصرفاته.
"علشان كده أنا مش مضايقة من اللي بيعمله سلطان، ومأمّنة على بنتي، طول ما هي تحت وصيته. فهمت، أنا ليه سايبة سلطان فرض سيطرته على ترنيم ومانع أي حد يقرب ليها غيره." 
كانت كلماتها تنبض بالإيمان في وجوده كدرع حامي.
أحاط خصرها بذراعه، وقال بنبرة عاشقة:
"عرفت يا قلب عبده، من جوه! يلا يا حبيبتي قومي حضري العشا وصحي الأولاد علشان ياكلوا." 
أومأت برأسها بالموافقة، وابتسمت له بحب، ونهضت متجهة إلى المطبخ، وبدأت تحضر وجبة العشاء، وكأنها تحاول إعادة تشكيل عائلتها في غمار الأحداث المتوترة.
            *********************
مر عدة أيام وأصبح الوضع أكثر تعقيداً، حيث ظل سلطان يتعامل مع ترنيم ببرودة تامة، مما جعلها تشعر بالحنق تجاهه. وفي صباح يوم جديد، اجتمعت العائلة حول طاولة الطعام في شقة عائلة سلطان. كان هو في مقدمة الطاولة كالمعتاد، بينما جلست والدته بجواره، تلتها وفاء وسميه. وعندما اقتربت ترنيم لتجلس بجواره كالمعتاد، تحدث بنبرة حازمة، كأنما يقطع الهواء بسيف قاطع:
"من هنا ورايح، ده مكان أخوكي تامر، لأنه هو الراجل بعد مني. اتفضلي، روحي اقعدي جنب سمية."
نظرت إليه بضيق، جلست بجوار سميه، وبدأت تتناول الطعام في صمت، عيونهم تراقبها من زوايا الطاولة. كان شعور الحزن يعتصر قلبها، بينما تتقافز أفكارها الغاضبة. كيف يمكن لسلطان أن يتجاهل مشاعرها هكذا، وكأنها ليست جزءاً من هذه العائلة؟ كان كل قضمة تسقط من طبقها تشبه طعماً مرا في فمها، وكأنها تتجرع مرارة الإقصاء. 
نظر سلطان إلى سمية وقال: 
"كلي يلا علشان أوصلك المدرسة." 
أومأت برأسها بالموافقة وقالت: 
"حاضر يا سلطان." 
تحدثت ترنيم بصوت مختنق، يتخلله الألم:
"وأنا كمان عايزة أروح المدرسة." 
نظر إليها ورد عليها ببرود: 
"لا، إنتي مش هتروحي المدرسة غير على الامتحانات بس، وهكون أنا معاكي." 
ردت عليه بغضب شديد، وكان صوتها ينفجر كالبراكين: 
"يا سلام يعني انت هتودي أختك المدرسة وهتحبسني أنا؟ ده إيه فرق المعاملة دي؟ مش انت قلت انك في مقام أخويا زيها؟" 
تكلم بهدوء حذر ونبرة شبه غاضبة: 
"أنا قولت في مقام أبوكي مش أخوكي، وأنا شايف ده أقل عقاب يتفرض عليكي. سميه مغلطتش زيك وطول عمرها ملتزمة. بحاول أعيد تربيتك من أول وجديد، وأصلح غلطاتي اللي وصلتك لكده." 
نهضت من مكانها بغضب وتكلمت بصوت مرتفع، وكأن كلماتها تصطدم بجدران الغرفة: 
"وأنا مش متقبلة كلامك ده، ولا في مقام أبويا ولا مقام أخويا، ولا متقبلة وجودك في حياتي أصلاً. ومن هنا ورايح ملكش دعوة بأي حاجة هعملها. أنا مسؤولة من جوز ماما، ده بس اللي ليه حق يقولي أعمل إيه ومعملش إيه، ماشي؟" 
استقام بجسده بهدوء تام، مما جعل الجميع ينظرون إليه بترقب. تحرك باتجاهها وهو يجز على أسنانه، وقف أمامها. ابتلعت ريقها بصعوبة وتراجعت إلى الخلف، ورفعت رأسها له ونظرت في عينيه بلوم. لكنه أغلق عينيه حتى لا يضعف أمام نظراتها له، ودون سابق إنذار، صفعها على وجنتها، مما أفزع الجميع. تكلم بصوت جهوري، كان كالرعد المقترب: 
"صوتك ميعلاش عليا تاني، فاااهمة؟ وموضوع أن مليش حكم عليكي ده امحي من دماغك خالص. أنا ليا حكم عليكي وعلى اللي يتشدتلك. كلمتي هي اللي تمشي، اللي أقوله سيف على رقبتك يتنفذ من غير نقاش. اتفضلي غوري على أوضك." 
نظرت له بدموع، وبدت كأنها تواجه عاصفة: 
"أنت أول مرة تعملها يا سلطان، انت مديت ايدك عليا؟" 
تكلم بصوت جهوري ونبرة غاضبة: 
"اسمي أبيه سلطااان. ومش هتبقى آخر مرة يا ترنيم. هكسرك رقبتك اللي أنا كنت السبب في عوجتها." 
حركت رأسها بدموع ونظرت له بوجع، ثم ركضت إلى شقتهم. 
رغم غضبه منها، إلا أن قلبه كان يعتصر من الحزن عليها. تمنى لو كان بإمكانه أخذها إلى أحضانه، يمحو أثر قسوته عليها، لكن كرامته أبت أن يضعف. كان يشعر بحالة من التمزق، ماذا حدث له؟ أهي الطريقة الوحيدة ليظهر سلطته ويعيد الأمور إلى مجاريها حقاً؟ نظر لهم وتكلم بتحذير: 
"البت دي متخطيش بره عتبة الباب. وانتي يا فوفه، خليها تذاكر. وسميه هتجيب ليها الدروس بتاعتها كل يوم. وأنا هشوف مدرسة تيجي تديها درس خصوصي علشان مافيش حاجة تفوتها." 
تكلمت وفاء بصوت حزين وقالت: 
"حاضر يا ابني." 
اقترب منها وقبل رأسها بأسف، وكأن الاعتذار يتدفق من قلبه: 
"متزعليش يا فوفه، أنا بعمل كده لمصلحتها. اديكي شوفتي الحنية والطيبة وصلتها لايه! محدش قادرها. خلاص، لازم أشد عليها وأعيد تربيتها من أول وجديد." 
أومأت برأسها بتفهم، وكلماتها مختنقة: "مش زعلانه يا ابني، وعارفة انك بتعمل كده لمصلحتها. بس أنا زعلانه على علاقتكم، كان نفسي..." 
تدخل سريعاً في الكلام وقال بحسم: "مينفعش يا فوفه. هكون أناني لو ده حصل. أنا هحميها لحد ما أوصلها لبيت جوزها اللي من سنها بأيدي." 
ثم نظر إلى سميه وقال: 
"أنا هنزل، استناكي تحت." 
أنهى كلمته مغادراً المكان، تاركاً خلفه قلوباً تحترق من قرار ربما يكون الأنسب، ولكن في الحب، لا توجد قوانين. كانت هذه اللحظات بمثابة زوبعة، تتلاطم فيها العواطف بين الجدران، تُشعل النيران في العلاقات، وتبقي أصداء الأذى تتردد في زوايا النفوس.
           ************************
بعد عدة أسابيع...

جلست ترنيم أمام المدرسة التي أحضرها لها سلطان، مشغولة بأفكارها التي تُثقل كاهلها. كان وعيها منجذبًا إلى بعد سلطان عنها، مما جعل المدرسة تشعر بالغضب وتصرخ في وجهها: 
"انتي يا بنتي أنا بشرح لنفسي ما تركزي في كلامي." 
نظرت ترنيم إلى المدرسة بنفاذ صبر، وفي عينيها شعلة من الغضب، وردت بشراسة: 
"انتي بتتكلمي معايا كده ليه؟ مش عاجبك اتفضلي امشي، الباب يفوت جمل." 
كانت كل كلمة تصدر من ترنيم تجسد الأسى الذي تشعر به، لم يكن الغضب نابعًا فقط من تصرف المدرِّسة، بل كان أيضًا صدى للكثير من المواقف السابقة التي تعرضت لها، إذ شعرت دائمًا بأنها تُعامَل كطفلة صغرى غير قادرة على الفهم. 
وقفت المدرِّسة بوجه ملتهب من الغضب، وعدة كلمات تخرج من فمها بحدّة: 
"أنا اللي غلطانه أن استحملتك الفترة دي كلها. كان المفروض أسيبك من أول لحظة اتكلمتي معايا بالأسلوب ده، لولا بس المعلم سلطان غالي عليا، كان زماني مكسرة دماغك." 
انتبهت ترنيم للتهديد المبطّن عندما ذُكر اسم سلطان، وقامت سريعًا، محذرةً بلا تردد: 
"انتي عارفه لو اسم سلطان جه تاني على لسانك هعمل فيكي أيه؟" 
كان اسم سلطان يمثل لها أكثر من مجرد شخص؛ كان رمز القوة والأمان، ومن يعتقد الجميع أنه يستحق حمايتها. ولذلك، حتى التفوه باسم سلطان كان كالسحر الذي يغير مسار الأمور.
في تلك الأثناء، انفجر صوت سلطان الغاضب في الأجواء، مقاطعًا دوامة التوتر: 
"ترررنيم احترمي نفسك احسنلك." 
ركضت نحو سلطان، متظاهرةً بالدموع الزائفة، وهي تتوسل: 
"أنا مش عايزه المدرسة دي، يا سلطان. بتغلط فيا وبتعاملني وحش، وكنت بعديها علشان خاطرك." 
كانت تحاول إخافة الجميع حولها بإظهار عواطفها، لكنها في عمقها كانت تبحث عن ذلك الأمان الذي يوفره لها سلطان.
توجهت المدرِّسة لترد على ادعاءتها لكن سلطان أشار لها بالصمت، ثم نظر إلى ترنيم بنظرة تتجاوز العتاب إلى الاستهزاء وقال: 
"بقى انتي فيه حد بيقدر عليكي؟ طيب قولي الكلام ده لحد تاني غيري. ده أنا اللي مربيكي وحفظك. وبعدين أنا قولتلك اسمي أبيه سلطان، ولو محترمتيش نفسك مع المدرِّسة هكسرك رقبتك يا ترنيم، وانتي عارفه أنا ممكن أعمل فيكي أيه." 
كانت لهجته بالكاد تخفي مشاعر الغضب والانزعاج، لكنه كان يدرك أنه حتى في غصون الشجار، تنبعث بينهما علاقة معقدة لا يمكن تجاهلها. 
أظهرت ترنيم ضيقها، وصرخت بوجهه: 
"أنت بتكدبني أنا، و مصدقها هي يا سلطان. اه، ما تلاقيها عجباك، وهي حاطة الأحمر والأخضر، ولبسه المحزق والملزق علشان تلفت انتباهك ليها." 
كان الأمر بالنسبة لها مجرد صراع للوصول إلى قلبه. كل ما كانت تسعى إليه هو أن تدفعه للإيمان بأنها ليست مجرد مراهقة، بل امرأة تحاول أن تجد مكانًا لها في حياته.
أغلق عينيه بغضب هائل، متحدثًا بصوت جهوري: 
"ترررنيم، بلاش تعصبيني احسنلك." 
تدخلت المدرِّسة بصوت مختنق، مثقلةً بالضغوط: 
"معلش يا معلم سلطان، أنا بعتذر عن الدرس ده. مش هقدر أكمل معاها تاني، لإن دي طريقتها معايا من أول حصة، وكنت بحاول أعدي ليها اللي بتعمله علشان خاطرك، بس بجد خلاص مش هقدر أستحمل بعد كده." 
القَتِ نظرتها نحو سلطان، تلمح التفاهم في عينيه، ووافق بإيماءة برأسه: 
 "اللي يريحك يا ست البنات، ربنا يوفقك. تقدري تمشي." 
أخذت أشيائها وغادرت المكان بسرعة. نظر سلطان إليها بعيون مشتعلة بالشرار، واقترب منها ممسكًا بذراعها بغضب: 
"انتي عايزه توصلي لأيه بالظبط؟ ها... أنا تعبت منك خلاص، وبرضه في الاخر هتبقى زي ما أنا عايز يا ترنيم." 
آلمها قبضة يده، لكن تجاهلت الشعور وقربت رأسها من صدره، تسكب دموعها: 
"أنا آسفه يا سلطان. مش قادرة أتحمل طريقة قسوتك عليا دي. أنا متأكدة انك لسه بتحبني، بس زعلان مني بسبب الكلام العبيط اللي قولته علشان استفزك بي، مش أكتر. أنا بحبك، ومش شايفة غيرك. أنا لسلطان مهما حصل. بترجاك تسامحني، سامح بنت قلبك اللي اتربت على أيد أعظم  راجل في الدنيا، هو أنت، يا سلطان قلبي." 
تعالت دقات قلبه، قربها منه، اذابة حصون قلبه مثل الجليد في عاصفة شتوية، حرك يده ببطء, كأنه يريد ضمها، لكن ذكريات كلماتها الجارحة منعته. أمسكها من ذراعها بغضب وأبعدها عن حضنه، متحدثًا بنبرة حازمة: 
"قولتلك قبل كده بلاش شغل المراهقين ده يا ترنيم، لأنه مش هيجيب نتيجة معايا. انتي زيك زي سميه بالظبط، لا أكتر ولا أقل، ملزومة مني لحد ما أوصلك بيت جوزك." 
صرخت ترنيم من بين شهقاتها الموجعة: 
"أنا مش عايزه حد غيرك. أنا عايزاك توصلني لحضنك، تحطني جوا قلبك انت، هو ده بيتي اللي عايزاك توصلني ليه." 
أنهت كلامها، وارتدت مرة أخرى إلى حضنه، متمسكة به بقوة، وهي تبكي. 
لم يستطع كبح مشاعره أكثر من ذلك. ضمها بقوة داخل ذراعيه، كأنه يحاول أن يُخفيها عن عيون الآخرين، حملها بين ذراعيه ورفعها، ثم نظر في عينيها، دون إرادة منه، التهم شفتيها بشغف. حاول إخراج ما يكن بقلبه من مشاعر، كغضبه، حزنه، وجعه، حبه، ورقته، كأنه يبعث بها من خلال تلك القبلة. مرت دقائق وهما في عالم آخر، لا يشعرون بشيء سوى أصوات أنفاسهم العالية من فرط مشاعرهم. لكن عندما مرت تلك اللحظة، شعر سلطان بأنه ارتكب خطأً. ابتعد عنها بسرعة، حرك يده على رأسه بصدمة كبيرة احتلت كيانه، ثم رفض بلطف محاولاً محو تلك اللحظة من مخيلته. نظر إلى ترنيم بأسف عما صدر منه، وخرج يركض من عندها، تاركًا خلفه قلبًا يتراقص بسعادة، هائمًا من تلك اللحظة التي عاشتها بالقرب منه لدقائق.
            ***********************
بعد مرور عدة سنوات...

جلست ترنيم في غرفة سميه، مشاعر الحيرة والألم تتصارع داخلها بشكل متوازٍ. بحركات متوترة، تكلمت بغضب شديد قائلة:
"أنا هتجنن يا سميه! من آخر لحظة مرت بينا، لما قرب مني، وهو بيتعامل معايا كأني أختة بجد! محاولش يفتح كلام في اللي حصل بينا ده، وكل ما أحاول أقرب منه أو أفتح أنا الكلام يقفله بأي طريقة. أنا تعبت من العلاقة دي! سبع سنين وأنا قلبي بيكبر فيه حبه، ويعذّبني، وهو ولا هنا! أعمل إيه قوليلي؟"
نظرت لها سميه بأسف وتحدّت الموضوع بوضوح:
"للأسف يا ترنيم، لحظة الضعف اللي حصلت من سلطان خلته يعيد حساباته في علاقتكم. وطبعًا الكلام اللي أنتي قولتيه ليه قبلها عن فرق السن، كل ده خلاه ياخد قرار البعد عنك، ويحافظ عليكي حتى من نفسه. هو مفكر إن حبه ليكي هيكون أنانية منه. علشان كده، السبع سنين دول، سلطان اتعامل معاكي برسمية أكتر. اه فضل زي ما هو مسؤول عنك، بيصرف عليكي، ومانع أي حد يتدخل في تربيتك. بينفذلك كل اللي انتي عايزاه، إنما مشاعره راكنها على جنب علشان ميضعفش تاني قدامك زي ما حصل."
تحدثت بنفاذ صبر وصوتها مرتعش من الألم:
"طيب، وأنا أعمل إيه؟ منكرش إني كنت طايشة في سن المراهقة بس انا اتغيرت وعقلت! أنا دلوقتي عندي أربعه وعشرين سنة، فاضل شهور وأتخرج، وهو لسه زي ما هو. يا سميه، أنا مش قادرة أتحمل طريقة تجاهله ليا دي! أنا بتعذب وقلبي واجعني أوي!"
انهت حديثها، واحتضنت ابنة خالتها باكية، وكأنها تبحث عن مأوى في حضنها الدافئ. كانت دموعها تجري كالشلالات، تحمل معها كل الآلام التي أحاطت بها في السنوات الأخيرة، مشاعر مختلطة من الحب والخذلان، ومعاها أفكار عن المستقبل الذي لا تعرف ماذا يحمل لها بعد. كانت تلك اللحظة بمثابة انفجار لأحزانها.
ربتت عليها سميه بحنو، وابتسمت محاولة تخفيف حدة الموقف:
"اهدي يا حبيبتي! واللي ربنا عايزة هيكون 
. ولو ليكم نصيب مع بعض، ربنا هيحنن قلبه عليكي، وهيجمعكم مع بعض. ولو ملكيش نصيب، ربنا هيبرد قلبك، ويشيل حبه من قلبك."
نظرت لها بدفء اليأس، قائلة:
"حبه إيه اللي يتشال من قلبي؟ سلطان ده حب الطفولة، عاش وكبر جوايا في كل مراحل عمري!أنا هموت وحب سلطان في قلبي زي ما هو، وأكتر كمان يا سميه!"
ابتسمت سميه بحنو، وفي نبرة مزاح حتى تخفف من حدة الأحداث:
"بس قوليلي، من شوية كنتي بتقولي انك كبرتي وعقلتي. امتى ده لو سمحتي؟ انتي آه كبرتي، بس الجنان كبر معاكي. عقل وترنيم جنب بعض، متجيش يا بنت خالتي."
تعالت ضحكات ترنيم، وردت بمزاح:
"سيبت ليكي انتي العقل يا بتاعة حسس! أنا عارفة بتحبي فيه إيه؟ ده لبخة، مش بيعرف يقول كلمتين على بعض، ابن نوجه!"
نظرت لها بضيق، قائلة:
"اتلمي يا ترنيم! وبعدين، عجبني راجل بجد ويتحب. مش كفاية اللي عملتيه فيه من سبع سنين، وقولتي إنه عايز يتجوزك. ولولا ستر ربنا، كان زمان أخويا سلطان عمله كفته."
تحدثت ترنيم بصعوبة، وهي تستقيم بجسدها قائلة:
"مش قادرة، هموت وأنا بتخيل شكله لما وقع تحت إيد سلطان. أكيد قلبه كان هيقف عليه من الخوف! يا لهوي، تخيلي، لما يجي اليوم اللي هيقعد فيه قدام سلطان يطلبك منه. يا نهار ضحك على التخيل."
ضربتها سميه بالوسادة بقوة على رأسها وقالت بضيق:
"والله العظيم باردة وغلسة ودمك تقيل! غوري بت من أوضي!"
نهضت ترنيم سريعاً وهي تضحك، وتكلمت باستفزاز:
"حسس يا ابن نوجه!"
نهضت سميه بغضب، وركضت ترنيم وهي تضحك خارج الغرفة، بينما ركضت خلفها سميه متوعدة. وفي تلك اللحظة، اصطدمت بسلطان، انتفضت مكانها عندما سقطت داخل أحضانه، لكنه نظر إليها بنظرة خالية من أي مشاعر، وأبعدها عنه قائلاً بصوت جاد:
"أية شغل العيال بتاعكم ده؟ مش ناوين تكبروا بقى؟"
ردت عليه سميه بتوتر:
"أ أنا آسفة والله، بس هي اللي مستفزة، وبتخليني أتعصب."
أخرجت ترنيم لسانها لها، وتكلمت باستفزاز:
"بس يا بتاعة مادة الحسحس."
اتسعت عينا سميه بصدمة، ابتلعت ريقها بصعوبة، ونظرت إلى سلطان بخوف. ظلت ترنيم تتعالى ضحكاتها تحت نظرات سلطان، ثم انتبه لحالته وتحدث بصوت غاضب:
"بس أنتي وهي، واعقلوا شويه! يلا كل واحدة على أوضتها."
ثم نظر إلى ترنيم وقال:
"عندك جامعة النهاردة، اخلصي علشان أوصلك."
أنهى كلامه وغادر سريعًا.
نظرت ترنيم إلى أثره بصدمة، وقالت بغضب:
"ابن الـ... ماشي يا سلطان، أنا هوريك."
نظرت سميه بقلق إلى ترنيم، وأخبرتها بصوت خافت:
"بلاش العند مع سلطان يا ترنيم. وانتي عارفة، مش هينفع معاه أسلوبك ده خالص."
نظرت لها ترنيم بعدم اهتمام، واتجهت إلى شقتهم، وبدأت تبديل ملابسها. وبعد وقت، انتهت من تجهيز نفسها، وخرجت من غرفتها قائلة بصوت مرتفع:
"فوفة، أنا نازلة الجامعة!"
ثم تحركت إلى الباب، ووجدت عبدالرحمن، زوج والدتها، مبتسمًا لها بحنو:
"رايحة فين كده يا بنتي؟"
ابتسمت له، ووضحت:
"رايحة الجامعة، يا عمو، سلطان مستني تحت."
أومأ برأسه وقال بتساؤل:
"طيب يا حبيبتي، محتاجة فلوس ولا أي حاجة؟"
حركت رأسها بالرفض، وقالت:
"شكرًا يا عمو، سلطان لسه مديني مصروفي."
ربت على كتفها، وقال بنبرة أبوية:
"ربنا يسعدكم يا بنتي، يلا روحي علشان متتأخريش."
ابتسمت له بامتنان، وهبطت إلى الأسفل، حيث وجدت سلطان ينتظرها بالسيارة. ابتسمت بلؤم، وصعدت إلى السيارة على المقعد المجاور لها وأغلقت الباب خلفها. نظرت إليه، وقالت بدلع:
"مش عارفة، حزام الأمان ماله النهاردة؟ شكله معلق، شوفه كده."
نظر إليها بضيق، وبدأ يمسك بحزام الأمان، وضعه مكانه بسهولة، لكنه لم يعلق، واعتدل على مقعده وأدار السيارة.
زفرت بضيق، ونظرت من النافذة بغضب، وبحركة جنونية، أخرجت بذراعها وظلت تصرخ. هناك شعور من التحدي، مختلف تمامًا عن الحالة التي كانت فيها منذ قليل، وكأن السخرية من الموقف أعطاها دفعة مفاجئة من الشجاعة.
نظر إليها بالصدمة، وأمسك بذراعها الآخر، وسحبها إلى الداخل قائلاً بغضب:
"أنتي مجنونة؟! إيه اللي عملتيه ده؟ افرضي عربية جات بسرعة وخبطت دراعك، كان هيبقى إيه الوضع دلوقتي؟ اعقلي بقى شويه، بلاش شغل العيال ده!"
جزت على أسنانها بغضب، وتحدثت بنفاذ صبر:
"وأخرت اللي انت بتعمله ده إيه يا سلطان؟ من آخر مرة حصل ما بينا كده، وانت بتتجاهل وجودي في حياتك! أنا تعبت من وجع قلبي اللي انت معذبه معاك ده."
ظلّت نظراته معلقة على الطريق، وتحدث بهدوء:
"أنا مش فاكر إيه اللي حصل ما بينا أصلاً، ولا إمتى، لأنك في نظري مش أكتر من بنتي اللي بحاول أحافظ عليها لحد ما أوصلها بيت جوزها."
تحدثت بغضب:
"بذمتك، انت مصدق نفسك يا سلطان؟ عيونك فضحتك! واللي حصل ما بينا مستحيل ننساه، لأنها كانت أصدق لحظة في حياتنا، ومشاعرنا فيها كانت واضحة. وسيبك بقى من الكلمتين اللي مش حافظ غيرهم دول! أنا بحافظ عليكي علشان أوصلك بيت جوزك ولا جملة أنت بنتي اللي ماسكها ليا دي، أنا لو صح بنتك مكنتش هتقرب مني ولا تبوسني! يا سلطان، مكنتش هترغب فيا شعور اللحظة دي عمرنا ما هنقدر ننساه!"
أوقف السيارة بطريقة مفاجئة، ونظر إليها بغضب، وصرخ:
"بس بقى كفايه! كفاية اللي حصل ده، كانت غلطة مني! كل يوم بتعذب بسببها، سبع سنين بجلد ذاتي بسبب لحظة الضعف دي! مكانش ينفع أعمل كده معاكي! مكانش ينفع أضعف، وأسلم نفسي لمشاعري وأسيبها هي اللي تتحكم فيا! أنتي السبب! لو مكنتيش اتقربتي مني وقتها، وحركتي مشاعري، مكانش كل ده هيحصل! انسي يا ترنيم اللي حصل ده زي ما أنا بحاول أنسى! خلي اللي بينا صلة رحم وبس، أبوكي اللي رباكي وحماكي لحد ما بقيتي عروسة، شيلي أي شعور ليا جواكي!"
اقتربت منه، وضعت رأسها على كتفه، وظلت تبكي بحرقه، وتحدثت من بين شهقاتها:
"أنا بحبك يا سلطان، مش هقدر أشوفك غير حبيبي وبس! اللحظة اللي انت بتحاول تنساها دي، أنا عايشة عليها على أمل تتكرر تاني ما بينا! أرجوك، كفاية قسوة عليا لحد كده، وارحم قلبي اللي انت عمال توجعه بإيدك!"
تعالت دقات قلبه، وأغلق عينيه حتى يحاول يهدأ، ولا يستسلم للحظة الضعف تلك. حاول إبعادها، لكنها تمسكت به أكثر، وقالت بدموع:
"متحاولش تخبي يا سلطان، نفسك السريع، ودقات قلبك، وأنا في حضنك فضحتك. انت بتحبني زي ما أنا بحبك، وأكتر. كفاية بقى، أرجوك، اللي راح مننا، خلينا نعيش مع بعض كل لحظة."
أنهت كلامها، ورفعت رأسها للأعلى، ونظرت في عينيه، وتحدثت بهمس أمام شفتيه:
"طيب، بذمتك، مش نفسك تكررها اللحظة اللي كانت ما بينا؟"
ابتلع ريقه بصعوبة، وعندما تلامست شفتيهما، دفعها سلطان بقوة، وصفعها على وجهها، وتحدث بتحذير وصوت حاول جاهداً أخرجه بشكل طبيعي ومنتظم:
"فؤقي يا ترنيم، طيب الأول كان عذرك إنك صغيرة ومراهقة، إنما دلوقتي إيه عذرك؟ وانتي المفروض تكوني كبيرة وعقلتي من الجنان ده!"
انهمرت دموعها بغزارة، وقالت:
"عذري إن بحبك يا سلطان، وعمري ما هعقل طول ما انت بعيد عني، ومعذبني بالشكل ده. كل لحظة بتمر علينا في البعد بتوجعني وتكسرني! أنا تعبت من الذل والخضوع لحبك. كفاية بقى، ارحمني!"
أنهت كلامها، وضعت يدها على وجهها، وظلت تبكي حتى تقطعت أنفاسها. كانت دموعها تخبره بحكاية طويلة من الألم الممنهج، عدم الأمان، والحنين الذي تحول إلى جرح عميق. 
ظل سلطان نظراته معلقة أمامه بمشاعر مكبوته حتى لا ينجرف وراءها ويأخذها داخل أحضانه، ويفعل كما فعل سابقاً. وبدت أمامه كالعالم الذي فقده، شعور العجز يتلاشى أمام التحدي والمواجهة، بينما هي بجانبه تناضل من أجل حبها. بدأت ترنيم تهدأ قليلاً، أخذت نفساً عميقاً، وتحولت نظراتها إلى التحدي، وتحدثت بصوت مختنق:
"ممكن تمشي، وصلني الجامعة، لو سمحت."
أدار السيارة، وتحرك بها دون أن يتكلم معها بحرف، ثم وقف أمام الجامعة. وهبطت ترنيم، وتحركت إلى الداخل بدون أن تنظر له، تجر خلفها مشاعر الوجع والحسرة. كانت تعرف أن التحدي الذي عاشته لم يكن إلا بداية لرحلة شاقة، وأن الحب الذي يجمعها بسلطان يحتاج إلى إعادة نظر.
ظل يتابعها حتى اختفت من أمام أنظاره، تنهد بحزن، وأدار السيارة، وعاد بها مرة أخرى إلى الحارة.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1