رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثاني 2 بقلم سلمي خالد


 رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثاني 


"أريد متحرش"

من العجيب أن أبحث عن الرذيلة وسط الجموع دون سُترة، فإن سألت عن متحرش سأصبح مجنونة أو ذات نية خبيثة، وللحق أنا سأجن اليوم كيف أعثر على متحرش دون أن يمسني بسوء! أريد متحرش ذو موصفات خاصة!

أريد متــــــحرش أيها البشـــــــــر!

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

تسيران عابسات الوجه، كلتاهما تحمل بيدها كيس من المرشميلو وتمضغه بعنفٍ كمن تحارب معه، وقفا أسفل بنية المنزل ينظران له دون حركة، لتهتف عاليا بشرودٍ:

_ هنعمل إيه هنقولهم إزاي إننا عايزين متحرش نعمل بحثنا عليه وفي نفس الوقت يكون محترم ميقربش لينا!

زفرت هبه بإختناق تنظر نحو عاليا قائلة:

_ مش عارفة بابا لو شم بس إن دا مشروع تخرج مش بعيد يوئدني وأنا في السن دا!!!

تنهدت عاليا ثم همهمت بتعب:

_ طب تعالي معايا النهاردة نفكر في حل.

تحركا يصعدان العمارة، فهما جيران بنفس الطابق يقنطان منذ الطفولة وقررا أن يتشاركا كل شيء ويعملان معًا.

طرقت عاليا الباب تنتظر أن تجيب والدتها وما ان فتحت حتى ابتسمت السيدة وداد عند رؤيتها لهبه تردف:

_ عاملة ايه يا بت يا هبه بقالك يومين مش بشوفك؟

ابتسمت هبه لها تجيب ببعض الحسرة:

_ معلش يا طنط ربنا رزقني بدكتورة تجيب أجل أجدعها جهاز مخابرات من جنانها.

ضحكت وداد عليها ثم أفسحت لها الطريق كي يدلفان، لتبدأ عاليا بنزع حذائها بتروي متسائلة بترقب:

_ عملتي المكرونة ولا طنشتي؟

صفعتها وداد على مؤخرة رأسها تردف بغيظٍ:

_ عملتها يا بغلة ولمي لسانك دا.. عندك في المطبخ.

ركضت عاليا نحو المطبخ سريعًا، بينما تابعتها هبه في الركض حتى وصلا لهذا الإناء الممتلئ بمعكرونة بصوص الأبيض وخضروات مشوية، بدأت كلتاهما يتناولا دون سكب في الأطباق تصرخ بهم وداد بغضبٍ:

_ هو أنا مش قولت تغرفوا في أطباق يا جوز البهايم!!

غمغمت هبه وهي تلوك ما بفمها:

_ في إيه يا طنط حضرتك عارفة المكرونة البيضاء يعني نو ثبات.

حركت وداد رأسها بيأسٍ تتقدم منهما تسحب الإناء من أسفل تذمرهما، وما كادت عاليا أن تتحدث حتى أشارت وداد بتحذير مبطن بتهديد واضح:

_ كلمة كمان وهبطاطك تحتي يا عاليا مش معنى إنك بقيتي زي الجاموسة في عرونة شبابك مش هعرف اعجنك علقة زي زمان.

_ جاموسة في عرونة شبابي؟؟ أنتِ تمام يا أمي؟؟

نطقت بها عاليا بعدما ابتلعت ما بفمها، لتتحرك وداد تجيبها بسخرية وهي تضع المعكرونة بطبق:

_ نعم يا روح أمك.. يلا أطفحي في الطبق زي البني آدمين واقعدي على الترابيزة وخدي صحبتك معاكِ بدل ما هي محصلتش بغل متنقل في الساحات.

_ الله وأنا مالي بس يا طنط!!

نظرت وداد للتذمر الموجود بوجه هبه، بينما ردت عاليا بعبوس:

_ أنتِ متعرفش كم المتعة وأنتِ بتلقطي رزقك كده من على البوتجاز ولا واقفة قدام التلاجة بالساعة بتشدي أي حاجة في وشك.

حدقت بها بغيظٍ تردف بحدة:

_ كلمة كمان وهخليكِ تاكلي سبانخ لمدة أسبوع.

تحركت عاليا بتذمر بينما رافقتها هبه التي حاولت تجنب غضب وداد فإن فعلتها سوف تخبر والدتها وستتناول هي السبانخ مدة أسبوع، نطقت عاليا وهي تسحب المقعد لتجلس وتتناول طبقها:

_ القطة كلت لسانك ولا ايه؟

لتجيب هبه ساخرة:

_ قطعته ياختي.. فاكرة أخر مرة حاولت أتكلم امك عملت إيه؟؟ خلتني أكل سبانخ لمدة أسبوعين دا غير القلقاس اللي بشوربة الضاني اللي خلاني عايشة في الحمام 3 ايام متواصل.

انكمشت ملامح عاليا تتذكر تلك الفترة المؤرقة فكان أصعب عقاب لهما بعدما تشاجرت مع والدتها على سببٍ تافه وتدخلت هبه لصف لصديقتها فنالتا عقاب قاسي من وجهة نظرهما.

أنهت عاليا طبقها ونهضت بتذمر فهي ستغسل الطبق الذي تناولت به بسبب رفض والدتها لأن تتناول من الـ (حلة) تابعتها هبه بعدما انتهت وقامتا بتنظيف ما فعله ثم احضرتك قدحان من الشاي وانطلقا للغرفة يجلسان بصمتٍ يفكران ما حل تلك المعضلة وكيف لهما أن يأتيا بمتحرش ذو خُلق!!!!

***********

_ بابا عايزة أكلمك في موضوع زي أي اتنين متحضرين؟

نطقت عاليا بتلك الكلمات في تروي بعدما اتفقت مع هبه أن ترى وجهة رأي أبيها في هذا الموضوع دون أن تتعرض للموقف بالخارج مسيء لها، بينما رفع " محمد" بصره عن التلفاز يرمقها بنظرة ساخطة متمتمًا:

_ متحضرة ما بلاش أنتِ تقولي تحضر يا أم سنجة.

عبست ملامح عاليا بضيقٍ تجلس بالمقعد الموجود في مواجهته، ترد بحنقٍ:

_ لو سمحت يا حاج محمد انا بحاول أكون متحضرة وحضرتك رافض.

امتعضت ملامح محمد ثم قال محاولًا كبح سخريته:

_ اتفضلي يا ست المتحضرة عايزة نتناقش في إيه؟

_ إيه رأيك في التحرش وخاصةً بقى المتحرش نفسه؟ يعني المتحرش دا ممكن يبقى ابن ناس زي كده ويتحرش عادي؟

جحظت عين محمد بصدمة ينتفض من مقعده قائلًا بحدة:

_ نعم يا روح أمك تحرش!!! دا الموضوع اللي عايزة نتكلم فيه بتحضر!

وقفت عاليا بتوترٍ منه تتراجع للخلف قائلة بلهجة عجيبة:

_ في إيه يا بابي.. ميصحش كده تعالى بس نتكلم بتحضر ونتفاهم.

_ بابي يا كوريا اتنين.. مين يا بت اللي علمك كلمة بابي دي؟؟

سأل باستنكار متهكم، لترد عاليا بغيظ:

_ راعي إني أنثى رقيقة يا حاج ثم سبت الأساس وبتتكلم في تفاصيل عجيبة بصراحة!

حدجها بنظرة مغتاظة يردف بغضبٍ:

_ دا أنتِ كسرتي قاعدة النساء قوارير... جلدك محصلش جلد خرتيت من كتر ما بتحسيش.. وتقوليلي أنثى رقيقة... أنتِ خرتيتة يا بت عارفة دا ولا مش عارفة!!

مسحت عاليا على وجهه بنفد صبر ترد بحنقٍ:

_ طيب يا حاج أنا خرتيتة عرفت دا قولي لخرتيتك بقى رأيك عن المتحرش.

_ راجل مترباش زي بنتي.

أومأت عاليا برأسها حتى استوعبت جملته لتردد باستنكار:

_ ايه مترباش زي بنتي دي يا بابا.. ليه بتشقط كل يوم الفجر من ناصية الشارع!!!

مد يده لحزامه ينزعه بتروي ليحرق أعصاب عاليا التي ما أن شخصت عيناها فعلته حتى انتفضت تتراجع راكضة بعيدًا عنه، ليهدر محمد بحدة:

_ ما لو متربية مش هتقول لأبوها بتتشقط يا بنت الك**.

علت صراخات عاليا تشعر بألمٍ من صفع الحزام على خصرها، بينما ارتفع صوت محمد مجددًا يركض خلفها نحو الردهة حيث تجمعت هبه و وداد بها:

_ ومش عايزة نتناقش كمان عن المغتصب والعاهرة!

_ آه يا بابا مكنش سؤال بريء سألته.

نطقت بجملتها يملأها النهج والذعر، ليصفعها محمد مجددًا بحدة ثم يردد بنبرةٍ ساخرة:

_ بريء أنتِ بتاعت بريء.. قولي مين الحيوان اللي قوم الفكرة في دماغك عن التحرش؟؟ اخرتها بنتي هتتحرش بالناس!!!!

توقفت عاليا عن الركض تنظر له بصدمةٍ ممزوجة بألم تنطق بشهقة بعدما فطنت مرمى كلامه:

_ أنت فهمت إيه! أنا بسأل لسبب تاني يا حاج يا نهار مش فايت أنت خلتني أنا المتحرشة!!!!!

علق ساخرًا يقرب منها متوعدًا:

_ بنتي وأنا عارف إنها متربتش وبتسأل عن التحرش ولا مش بس كده دا عن المتحرش نفسه مش اللي بيتحرش بيهم يبقى تفسري دا بإيه يا بنت بارم ديله؟؟؟

_ فتفسر إني متحرشة صح!! أنت متأكد إنك خريج علوم يا حاج؟

علت ضحكت هبه عليها، ليسقط بصر محمد عليها فهتف بشرٍ:

_ الطيور على أشكالها تقع!!

تبخرت ضحكة هبه ما أن رأت شرارات العنف تنطلق من محمد نحوها، لتركض نحو غرفة عاليا وما كادت أن تغلق الباب حتى اقتحم محمد الغرفة بعنفٍ جعلها تسقط أرضًا تتراجع بذعرٍ تردد وهي تنفي برأسها:

_ مبتقعتش والله ما بتقع...

_ وهو اللي مطلع الجملة حمار؟!!!

أومأت هبه وكأنها وجدت بصيص من الأمل قائلة بتأكيد:

_ آه حمار كبير كمان لأن لو... آآآه بتوجع.

صرخت هبه بعدما هبط الحزام بقوةٍ على كتفها، لتنهض تركض نحو الشرفة تغلقها عليها سريعًا، نظر لها محمد ثم رفع يده يشير نحو رقبته بتهديد صريح أنها ستقتل، ثم استدار نحو ابنته التي ما أن رأته حتى ركضت بفزعٍ تحاول البحث عن مكان لتحتمي به منه ولكن هيهات لحقها يكيلها بضربه مجددًا لتصرخ متألمة تضع يدها على خصرها موضع الألم قائلة:

_ يا بابا كده افترى أرحمني شوية.. ورمت خلاص منك.

_ والله لأخليك شبه القرود... عارفة القرود يا عاليا.

اتسعت حدقتيها بخوفٍ تركض نحو غرفة الصالون تهبط أسفل الأريكة لتحتمي أسفلها، بينما هدر محمد بغيظٍ:

_ أخرجي يا بت من عندك.

_ مش خارجة... دا أنا سألتك سؤال بريء وعايز تخليني قردة أمال لو خرجتلك وأنت بالحالة دي هتعمل فيا إيه؟؟

رددت عاليا كلماتها تحتمي بالأريكة أكثر، بينما شعر محمد بغليان دمائه من الغيظ لينظر نحو زوجته التي ارتدت للخلف قائلة بتوتر:

_ عيب يا حاج أجري في السن دا من حزام!!

ابتسم بشرٍ يجيبها:

_ وإيه اللي عيبه يا وداد! أجري وأرجعي لشبابك يا حبيبتي!

صرخت وداد بذعرٍ تركض نحو غرفتها تحتمي بها من جنون زوجها بعدما أثارت أنفعاله عاليا بتلك الطريقة من سؤالها عن متحرش؟

************

امسكت بذلك المرهم تضع القليل منه على ذراعها بعدما توغل الألم بها بسبب صفعة محمد والد عاليا، تنظر لعاليا التي تجلس جوارها تتسطح على بطنها فلن تتحمل أن تنام على ظهرها، لتردف بتأوه:

_ دا إيه الثقة منعدمة خالص في عيلتكم!!!

أدارت عاليا رأسها لها تغمغم بألمٍ:

_ أنا هتجنن من أبويا لما قالي إني متحرشة.. بقى دا منظر متحرشة دا أنا محصلتش ربع صابع ياسمين صبري حتى!!

أرتفع رنين هاتف هبه لتنهض بحذرٍ تقترب من الهاتف، تطلعت للرقم غير معروف الهوية لتجيب برسمية واضحة، ولكن ارتجف جسدها وهي تستمع لكلماتها:

_ البحث هيكون فيه دراسة استطلاعية يا هبه بلغي عاليا الموضوع دا عايزين نجدد كده وياريت يكون من ضمنهم متحرشين حقيقين....

أغلقت هبه الهاتف بوجهها ثم فصلت الهاتف تمامًا حتى لا تستقبل اتصال أخر، تردف بغيظٍ ينفجر من عروقها:

_ يكش يسلط عليكِ متحرش ميحلش دماغك يا وجيزة بنت بارم ديله.

نظرت عاليا باستغراب لعصبية هبه تتسأل بشكٍ:

_ وجيزة مالها؟

نظرت لها هبه ببسمة ساخرة قائلة ببساطة أتقنتها:

_ مفيش دكتور وجيزة عايزة دراسة استطلاعية ويكون في مجتمع المتحرشين عشان نجدد ونبتكر ونهيبر وندخل مستشفى المجانين بسببها بنت المجانين.

انفلت زمام الأمور منها بنهاية الحديث، لتنتفض عاليا بألمٍ تضع يدها على خصرها موضع الألم تغمغم بصدمةٍ:

_ دراسة استطلاعية إيه... دا أنا بقول يا حيط دريني ودي تقول أفضحوني!

صمتت قليلًا تفكر بحل بتلك المعضلة حتى هتفت بتصميم:

_ بقولك إيه بكرة غصب عنها لزمًا تغير عنوان البحث اللي يقرف دا.

***********

_ حاضر يا دكتور تحبي أماكن معينة ننزل ناخد منها الدراسة الاستطلاعية ولا نختار إحنا.

نطقت عاليا بخنوع غريب، بينما نطقت وجيزة بنظراتٍ تحمل شرزًا نحوها قائلة باقتضاب مبطن بتهديد صريح:

_ لاء وزي ما قُلت هبه هتمسك الدراسة الاستطلاعية وأنتِ دراسة الحالة.. ولو حصل وسمعت كلمة تغير البحث هبلغ إدارة الكلية أنكم مسلمتوش بحثكم وهتشيلوا السنة.

صمتت كلًا من هبه وعاليا دون التفوه بكلمة، لتشير لهم بصوتٍ حاد أفزعهما:

_ يلا بــــــــــــرة.

انتفضت كلتاهما سريعًا تركضان من المكتب، بينما وقفت وجيزة تبتسم بمكرٍ وخبث لهما هاتفه:

_ هريبكِ أنتِ وهي.

***********

رمقتها بنظراتٍ ماقتة ساخرة، بينما لاحظت هي تلك النظرات قائلة:

_ أنتِ بتبصي على إيه!!

_ ببص على خيبتك يا عاليا عارفة خيبتك ولا مش عارفها!!

نطقت بها بسخطٍ واضح، لتردد عاليا بضيقٍ:

_ عايزاني أعمل إيه وهي بتقولي هتتعرضوا للمجلس التأديب وهتعملنا حوار كان لزمًا أرجع في كلامي.

_ بيبهرني فيكِ كل يوم ثباتك على المبدأ.

أشاحت عاليا بيدها بعد بسمة هبه وكلماتها الساخرة، تغمغم بحنقٍ:

_ ما تتنيلي بقى أمال مين اللي قالها التلفون فاصل شحن وهي قافلة في وشها السكة هاه؟!

توترت هبه قليلًا لتجيب:

_ دي غير دي على فكرة.

_والله!!!

استنكار ملأ وجه عاليا بعدما تفوهت بتلك الكلمة، لتومأ هبه بجديةٍ مؤكدة حديثها، فانطلقت عاليا وهي تتمتم بسُبة مغتاظة على هبه بعدما أطلقت حمم الغضب بداخلها، تجلب بعض السندوتشات لتتناولها وتفكر بهذا البحث المعقد للغاية.

***********

أمسك الشراب ينظر للونهما المختلف ليردف بعصبية:

_ يا وداد فين الشراب بتاعي.. انا مش لاقي غير فردة وفردة!

أتت وداد تمسك بـ باذنجان والمقوار لتفرغه، تهتف بتعجب:

_ إزاي يعني شراب مش موجود انا حطيـ...

صمتت عندما تذكرت تسحب عاليا إلى الداخل الغرفة، بالتأكيد هي من فعلت ذلك ثأرًا لحقها، نظرت نحو زوجها بتوترٍ ليهمس بشرٍ:

_ عاليا مش كده!!

ازدردت لعابها تهمس بتوتر:

_ ربنا يسامحك يا عاليا أنتِ وعمايلك السودا.

أخذ يسب عاليا بغيظٍ يرتدي شرابه ثم نعله وغادر الشقة، يسير بشارع بخطواتٍ متعجلة حتى اصطدم بشابٍ وقع على الأرض وإلى جواره نظارته، نظر محمد له ثم قال باعتذار وهو يلتقط النظارة ثم يد هذا الشاب:

_ معلش يا حربي كنت متعصب وجت فيك.

أخذ حربي منه نظراته يضبطها على وجهه، ثم قال ببسمةٍ مهذبة:

_ ولا يهمك يا عمي.. خير متعصب ليه بس؟

كاد أن يسب ابنته أمام هذا الشاب ولكن لم يرغب في ان يسوء ابنته أمامه، ليهتف بضيقٍ:

_ مفيش بس عاليا مجنني اليومين دول وخاصة أنها أخر سنة للتخرج بتاعتها..

قطب حربي جبينه بتعجب ليتسأل بحيرة:

_ مش فاهم إيه دخل التخرج بجننها؟

زفر محمد بضيقٍ ينظر لساعته ثم قال بتعجل:

_ طب انا متأخر على الشغل دلوقتي هاجي بليل بعد صلاة العشا واكلمك يابني.

أومأ له حربي ببسمة هادئة، ليربت محمد على كتفه قائلًا:

_ ربنا يبارك في أخلاقك يا حربي.

تركه يسير بعيدًا عنه يكمل باقي جملته:

_ بدل الشمامة اللي مخلفها ومبتعملش حاجة غير تبلع الشربات بتاعتي.

اختفى محمد من أنظار حربي ليتحرك الأخر نحو منزله بعدما أخذ باقي الدوم أجازة لشعوره بالإعياء، يتنهد بحزنٍ كلما أتى باسم عاليا أمامه يشعر بخذلان من عدم قدرته على التقدم لها والإفصاح عن حبه لها.

فاق من شروده على رؤية سيدة من أهل الحارة تحمل حقائب كثيرة تشعر بالنهج من كثرتها، ليسرع نحوها قائلًا ببسمة هادئة:

_ هاتي عنك يا أم رباب.

ابتسمت أم رباب برضا قائلة:

_ ربنا يحميكِ لشبابك يا حربي.. دا ياريت كل الشباب في ربع اخلاقك يا حبيبي.

ابتسم حربي خجلًا من ثناء كلماتها عليه، ثم تحرك نحو منزلها ليضع لها الحقائب يستمع لثرثرتها باهتمامٍ دون إظهار نوعًا من الملل، وما أن انتهى حتى غادر يصعد لشقته لينعم ببعض الهدوء قبل أن يأتي أرنب المنزل.

************

_ تاخدي لحسة؟

مدت هبه يدها بـ الآيس كريم عقب جملتها نحو عاليا التي تنظر لنصيبها وتلتهمه بنهمٍ واضح، تراجعت هبه عن الفكرة وبدأت تتناوله بطريقتها الخاصة، يجلسان على سور قصير بالجامعة، فكان ينطبق عليهما شكل محمد هنيدي وأصدقائه في فيلم أمير البحر.

انتهت عاليا من تناول الآيس كريم خاصتها، لتنظر نحو هبه قائلة:

_ هنعمل ايه دلوقتي؟

حركت هبه كتفها بقلة حيلة تلتهم أخر قطعة بالآيس كريم ناطقة:

_ زي ما قالت أنا هعمل استبيان عشان الدراسة الاستطلاعية وأنتِ هتجيبي حالة وتعملي معه المقابلة وتسجلي طبيعته وأسبابه.

زفرت عاليا مختنقة ثم هبطت من على السور تنفض ملابسها وكذلك تابعتها هبه ليغادر المكان بأحمالٍ ثقلت على عاتقهما، حتى وصلا للحارة سارتا بالشارع بشرودٍ كلًا منهما تفكر بحلٍ لإنقاذ ذاتها من تلك المشكلة، إلى أن وصلا للبنية التي يقطنان بها فهتفت هبه بجدية:

_ هصلي العشا وأجيلك نجهز الاسئلة بتاعت الاستبيان أشطا.

أومأت لها بعبوسٍ قائلة بترجي قوي من الله:

_ يارب ساعدني وألقي متحرش محترم يارب.

ابتسمت هبه بسخرية دعوتها العجيبة ورجائها الشديد بالدعوة، ثم قالت:

_ متحرش ومحترم في نفس الجملة دا أنتِ قادرة يا عاليا.

************

"السلام عليكم ورحمة الله"

اختتمت صلاة العشاء بالسلام ونهضت تطوي المصلاة، ثم أرتفع صوتها وهي تحمل جهازها الحاسوب قائلة:

_ ماما هروح لعاليا عشان البحث.

_ ماشي بس خدي معاكِ طبق البسبوسة دا لأم عاليا..أخر مرة عجبتها وعملت حسابها معايا في الصينية.

أومأت هبه لها تلتقط الطبق سريعًا ثم غادرت من الشقة تتقدم بالممر حتى تصل لشقة عاليا ولكن قبل أن تترك الباب استمعت لصوت تعرفه جيدًا يردد:

_ بسبوسة خالتي نعمة.. هي عملت بسبوسة؟

استدارت هبه تحاول الإمساك بطرق الإسدال كي لا تقع، تتمتم بدهشة:

_ أرنبة!

ابتسم أرنبة بهيامٍ قائلًا:

_ لو واحدة غيرك قالت أرنبة كنت رنتها علقة بس أنتِ غير يا ست البنات.

شهقت هبه بصدمةٍ من جراءته لتردف بغضب:

_ أنت أتجننت يا أرنبة.. أنا هقول لبابا على كلامك وعدم أحترامك دا.

توتر أرنبة منها يشعر بارتباك لانجرافه خلف مشاعره، ليغمغم بأسفٍ:

_ آسف يا ست البنات مش هتتكرر تاني... عن أذنك.

تحرك أرنبة يشعر بذليل خيبته بينما فتحت عاليا الباب تهدر بصوتٍ وصل لمسمع أرنبة:

_ يلا ياختي خلينا نخلص وندور على متحرش محترم نطبق عليه البحث و يخلصنا من الليلة دي.

أومأت هبه لها تدلف للداخل تمد يدها بطبق البسبوسة، ثم تحركت باتجاه غرفة عاليا قائلة:

_ أمال عمو فين؟

_ قال هيتأخر في الشغل النهاردة.. وبيني وبينك أحسن عشان يرجع هلكان وينام لإنه أكيد مستحلفلي بعد ما سرقت فردة من كل شرباته.

*********

_ ولا يا حربي!!

صرخ أرنبة بتلك الجملة لينتفض حربي بفزعٍ منه ينظر للحماس المفرط بوجه صديقه، فقال بضيقٍ:

_ يا أخي الله يسامحك.. ممكن تصحيني بأسلوب أهدى أنا مش نومي تقيل للدرجة!

نظر له أرنبة بصدمة ثم قال:

_ أخي وممكن!! دا أنت مش نافع حتى أقولك صايع.

قطب حربي جبينه بتعحب يتسأل بدهشة:

_ صايع إيه؟ عايز إيه يا أرنبة لإني مش مرتاحلك؟!!

أجابه ببسمة بلهاء:

_ عايزك تعمل دور متحرش يا قلب أرنبة.

_ نعم يا حبيبي عايز إيه ؟؟

ردد حربي سؤاله باستنكار وصدمة، ليجيب أرنبة بتأكيد وتصميم:

_ هتعمل دور متحرش يا حربي لمدة كام يوم بس.

_ استغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.. هي هبت منك خالص... عايزني أعمل دور متحرش بـ لحية وشنب!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1