رواية رحلة البحث عن متحرش الفصل الثالث
"إدعاء وبحث"
ما هذه الرحلة العجيبة أنا لا أعلم كيف أنظر لفتاة، تتورد وجنتي خجلٍ إن سمعت الثناء من أحد، يعترف جميع من يراني بخُلقي العظيمة بل يتمنون من الله أن يصبح جميع الشباب مثلي الآن أدعي دور متحرش متبجح لأصل إليكِ أميرتي!
***********
نهض أرنبة من مجلسه، يسحب حربي ليقف أمامه، يلقي نظرة متفحصة له، ليهتف أرنبة بتضيق للعين:
_ أنت شكلك متحرش زي الفل بس ناقص حاجة واحدة!
حدقه بنظرة مستنكرة مما يتفوه به، ليسترسل أرنبة وعيناه تكاد تحرق ذقنه:
_ دقنك دي تتحلق.
رفع حربي يده في أقل من ثانية كانت تصفع أرنبة يردد بحدة:
_ أخرس كله إلا دقني دا أنا قعدت أد كده أربي فيها وأهندمها...
ثم أضاف بتهكم:
_ ثم أنا موافقتش على العك دا يا أرنبة باشا.
سقط أرنبة أرضًا بعدما تلقى صفعة على حين غرة، لينهض بملامح متهجمة يمسك حربي من تلابيب ملابسه قائلًا بغيظٍ:
_ لو أيدك أتمدت تاني عليا هحسر قلبك على دقنك وشنبك يا حمامة.
تجعدت ملامح حربي بضيقٍ من نطقه لاسم حمامة، فلم يعلم بالاسم سواه بعدما رأى أطفال المدرسة ينادونه به بسبب شخصيته المسالمة والمتسامحة، ليهتف حربي بخشونة متضايقة:
_ قولت مليون مرة متناديش بالاسم دا!
ابتسم باستفزاز له يجيب:
_ هتلم إيدك هلم لساني مش هتلم إيدك يا حمامة لساني هيرفرف بالاسم وسط أهل الحارة.
استغفر حربي ربه يمسح على وجهه بنفد صبر ثم قال باقتضاب:
_ عايزني أتقمص دور متحرش ليه؟
ابتسم أرنبة ابتسامة حالمة، يهمهم بهيامٍ:
_ ست البنات هتعمل بحث على المتحرش وبصراحة قلقان عليها لتقع في متحرش عُقر فقولت مفيش غيرك ينفع.
_ نعم!! ومتعملش أنت ليه ما دام الموضوع فيه ست البنات يا روميو!
سأله بتهكم ضاممًا ذراعيه لصدره، فأجاب أرنبة بغيظٍ:
_ أنت أهبل يلا بقولك خايف عليها تقع في متحرش عُقر تقولي أنا.. دا أنا ممكن اتقمص الدور بجد معها.
نظر له بذهولٍ مما تفوه به، يردف واضعًا يده بجبين أرنبة:
_ ولا يا أرنبة أنت كويس؟!
نزع يده من جبينه يجيبه بانزعاج:
_ ما تخلص يا حربي بقى وقول آه وأعمل دور المتحرش.
_ لاء يعني لاء يا أحمد وأنسى الكلام في الموضوع دا.
نطق بتصميمٍ شديد، حدق به أحمد بضيقٍ فطالما نادى باسمه الحقيقي فيعني جديته بالموضوع، ولكن أتى برأسه فكرة فهتف ببسمة خبيثة يتقن دور الحزن:
_ صعبانة عليا البت عاليا لما تقعد مع متحرش مش تمام!
اتسعت عين حربي بصدمةٍ، ينظر نحو ملامح أرنبة الحزينة ليسأل بتوترٍ:
_ أنت متأكد إن عاليا هتعمل بحث زي دا ولا بتضحك عليا يا أحمد؟!
أومأ أحمد ولا يزال يرسم دور الحزن، يجيبه ناهضًا:
_ آه سمعتها هي وست البنات بيتكلموا في الموضوع دا عشان بحث ولا حاجة زي كده.. بس خلاص يا حربي هروح أنا اتقمص دور المتحرش مع إني متحرش أصلًا وربنا يسترها عليهم.
فزع حربي من فكرة جلوس عاليا مع متحرش وبالأخص صديقه، ليصيح به بذعرٍ:
_خد يلا رايح فين؟
_ رايح أعمل متحرش.
اغتاظ حربي من إجابته لينطق بسخطٍ:
_ دا على أساس كنت فاهم إنك رايح الكُتَّاب تختم.. خدي هنا مفيش مرواح هناك.
ابتسم أحمد ببراءة يسأل:
_ ليه يا حربي على الأقل البنات يكونوا في أمان؟!!
بادله حربي بابتسامة صفراء يجيبه:
_ دا أنا كده هقلق أكتر أتنيل أقعد خليني أفكر في حل.
اتسعت عين أحمد بفرحةٍ يردف سريعًا:
_ ملهاش حل غيرك يا صاحبي تعمل دور متحرش وتحلق دقنك.
حدجه حربي بنظرة شرسة قائلًا:
_ قولتلك دقني لاء يعني لاء يا أرنبة ولو جبت سيرتها تاني هتزعل.
_ ياختي بيضا حلو وهي حلقه دقنها... حمدي الوزير في نفسه يا ناس.
أمسك بالـمنشفة يجفف ذقن حربي ذو ملامح مقتضبة متعصبة بعدما نفذ أرنبة ما أراده وقام بحلق ذقنه، ليصبح ملامحه أكثر شدة وصلابة، دفعه حربي بعيدًا ليسقط أرنبة على ظهره يتأوّه من الألم، فغمغم حربي بغيظٍ:
_ أرتاحت دلوقتي!! هوري وشي لأهل الحارة إزاي؟!!
أجابه أرنبة بسخطٍ متألم:
_ دا على أساس نشرت صورك وأنا مركبها على معيز عريانة!!
نفخ حربي بغضبٍ ثم تحرك اتجاه المرآة ولكن انتفض أرنبة نحوه يمسك به قائلًا بعدما ازدرد لعابه:
_ ما بلاش يا حربي.
استدار حربي بتعجبٍ، يردف بشكٍ:
_ أنت عملت إيه في وشي ياللي تتشك في صوابعك صابع صابع.
عبست ملامحه يتمتم بحنقٍ:
_ في إيه يا عم كل دا عشان خايف عليك.. أنا غلطان روح شوف وكستك في المرايا يا حربي وأفضل طول الليل أندب على دقنك.
نزع حربي ذراعه من يد أرنبة وأنطلق نحو المرآة يشعر بالقلق، وما أن رأى وجهه بصورة منعكسة حتى صرخ بصوتٍ عالي فر منه أرنبة ليتجنب بطشة يده:
_ خسئت يا أرنـــــــــــــــبة!!!
************
_ عزيزي المتحرش في البداية سأملي عليك بعض الاسئلة وعليك أن تجيب بكل مصدقية.. ها إيه رأيك؟!
سألت هبه باهتمامٍ بالغ، لتدفع عاليا الوسادة بوجهها قائلة بغضبٍ:
_ بقالك ساعة قاعدة وعاملة تقطعي في ورق وخليتي الأوضة زريبة وفي الأخر تقوليلي عزيزي المتحرش!! دا مش هيحلك ولا يحل الحاجة أمك لو سمعك.
أمسكت هبه بالوسادة تضبط نظارة القراءة، تهتف بحنقٍ:
_ يووه بقى أنا زهقت ألفي أنتِ يا كونتسة!
أمسكت عاليا بالورقة والقلم ثم نظرت لها قائلة مدعية التفكير:
_ أيها المتحرش الوغد أجب عن الاسئلة التالية لعل ميزان حسانك يُرفع وتنقذ نفسك من العذاب في الأخرة وتنقذ فتاتان من ضياع مشروعهما على الأوغاد مثلكم.
فتحت هبه فمها باتساع حتى كاد يسقط أرضًا تشير بسبابتها قائلة باستنكار:
_ عايزة تقولي للمتحرش يا وغد.. وأفرضي طلع دمه حامي وأقام وجب معاكِ بقى ووراكِ الوغد اللي جواه... اتكلمي معاهم بأدب يمكن يحترمك.
استنكرت جملتها ما أن التقطت أذنها كلماتها، لتغمغم ساخرة:
_ متحرش يحترمني صح!! أنتِ كان عندك خال أهبل يا هبه؟؟
_ لاء.. بس بابا بيقول إنك هبلة زي عمتك.
ابتسمت عاليا ببرودٍ ترد:
_ عرفت جبتي الهبل منين.. طلع وراثة.
اغتاظت هبه منها لتسألها بتهكم:
_ طب يا ست العاقلين هنعمل إيه؟
جلست عاليا بتعبٍ تشعر بتأزم الأمور حولها، تردف بحزنٍ:
_ مش عارفة يا هبه بجد.. أنا حتى مش عارفة هناقش المشروع دا إزاي بكل بجاحة.
جلست هبه جوارها تلتقط طبق البسبوسة تتناول منه بحزنٍ، فزفرت عاليا بضيقٍ تمسك بالورقة والقلم قائلة باسترسال العمل:
_ خلاص سيبك من المقدمة نبقى نتصرف في الأخر.. تعالي نعمل الاسئلة خليها اسئلة مقفولة تتجاوب بـ آه ولاء عشان نخلص.
كادت هبه أن ترد ولكن ارتفع رنين هاتفها لتمسك به تجيب سريعًا دون النظر به معتقدة والدتها المتصلة بعدما تجاوزت الساعة11 مساءًا:
_ أيوة يا ماما لس...
_ الدراسة الاستطلاعية والحالة الاسئلة مفتوحة فيها مش عايزة اسئلة مقفولة بـ آه ولاء.
انتفضت هبه بذعرٍ تغلق بوجهها الهاتف، تنظر حولها برعبٍ قائلة:
_ إحنا متراقبين!
تعجبت من فزع هبه الغير مبرر، لتسأل بشك:
_ مالك يا هبه؟
_ دكتور وجيزة بتقولي مش عايزة اسئلة مقفولة يا عاليا عرفت منين الموضوع دا!!
شهقت عاليا بخوفٍ تنظر حولها بقلق هل بالفعل مراقبين؟، نفضت تلك الأفكار ثم قالت بمحاولة اقناع ذاتها:
_ أكيد فهمت إننا عايزين نهرب من البحث وعشان كده رنت.. أكيد دي صدفة.
لم تقتنع هبه ولكنها أسكتت ذلك الصوت المتمرد برأسها أن دكتور وجيزة مخاوية جن ينقل لها الأخبار، عادت تجلس مجددًا جوار عاليا التي هتفت بشرود:
_ هتقوليلها إيه بعد ما قفلتي السكة في وشها تاني؟
حركت هبه كتفها بشرودٍ مماثل:
_ نفس البوقين الخط قطع والتلفون بعافية.
نظرت كلتاهما لبعض، ثم عادتا ينظران أمامهما بشرودٍ يمسكان طبق البسبوسة يكملان تناوله.
***********
_ أنت عندك البواسير يا حربي إيه الماشية دي؟؟
تعليق مستنكر من أرنبة بعدما رأى حركات حربي ليصبح متحرشًا، ليرد حربي بتذمر:
_ وأنا أعرف منين مشيتهم ولا شكلهم!!
مسح أرنبة على وجهه ثم نهض ينظر بوجه حربي مباشرةً متمتمًا:
_ حربي يا حبيبي ركز معايا أنت بس كل اللي هتعمل حركتين تلاتة وبعدها بقى كلامك هيتغير.
رأى أرنبة جهله بالموقف، فصمت ليفكر بإحدى الحركات حتى قال:
_ بصي أغمز بعينك كده وكأنك هتشقطني يلا.
بدأ حربي بالغمز بطريقة عجيبة يغلق عينيه بقوة كمن رأى وحش، فهتف أرنبة بسخرية:
_ إيه يا حبيبي عينك مطروفة أنفخلك فيها... ما تغمز عدل ياض!!
_ وهي دي أشكال يتغمزلها!! عيني مش قادرة تتقبل بشاعة الموقف.
رفع أرنبة حاجبه بغيظٍ منه ثم قال بنبرة حانقة:
_ أرحم أمي العيانة وخليك قليل الأدب شوية بقى وأشقط البت وخلصني.
زفر حربي بضيقٍ فلا يحب أن يصبح هكذا ولا أن يمثل بتلك الطريقة، ولكن لا يأبى القلب تركها، فيصبح حاميها حتى لو لم تكن له يومًا.
عاد يتحرك بخطواتٍ ثابتة ثم نظر لأرنبة بطرف عينه غامزًا له ببراعة شديدة لم يتوقعها ليعلق عليه بذهولٍ:
_ يابن اللذينة دا أنا من موقعي هذا وحبيت الشقط.
عبست ملامح حربي أكثر، ليردد أرنبة بانبهار:
_ لا بس حلق دقنك دا زود هيبتك يلا.. تحس الدقن كانت مطلعك سمح وطيب زيادة.
دفعه حربي بغيظٍ كلما تذكر ما فعله بذقنه وملامحه التي تنم على صلابته، يردف بغيظٍ:
_ أبعد عن وشي عشان مش طايقك خالص.
نهض أرنبة بعدما تأوه من شدة الدفعة، يسير خلف حربي الذي رغب بالانفرد بغرفته قائلًا:
_ ياض استنى بس أحفظك جملتين تقولهم بدل ما تقولها هيا يا أختاه بينا إلى الشُقة.
************
_ لماذا تتحرش يا عزيزي المتحرش!
كتبتها هبه بأولى سطور الصفحة، ولكن اشمأزت منها لتعود متمتمة:
_ يع لا مش نافعة دا ممكن السؤال يخليه يتهور عليا.
عادت لوضعيتها تضع يدها أسفل ذقنها، بينما دلفت عاليا بقدحين من الشاي للمرة الخامسة على التوالي، تردف بضيقٍ:
_ لسه برضو ملقتيش جملة؟
نفت هبه برأسها تجيب بضيقٍ مماثل:
_ ما هو بصراحة بقى الموضوع عجيب.. إزاي اسأل المتحرش أنت بتتحرش ليه من غير ما يتحرش بيا!! أعملها إزاي!
عوجت عاليا فمها بضيقٍ تردف بزفيرٍ:
_ بصي إحنا خلصنا من اسئلة البحث الاستطلاعي.. خلينا نخلصها بكرة ونعمله وبعدها نشوف حوار الاسئلة التانية دي.
أومأت هبه وأغلقت حاسوبها ثم إمسكت بقدح الشاي، تشعر بالتعب من هذا العام المليء بالعجائب، حتى تذكرت ما فعله أرنبة لتردف بتذكرٍ:
_ مش أرنبة كان بيعاكسني!
انتبهت حواس عاليا لما قالت تسقط نظرها عليها بتركيزٍ، لتسترسل هبه بلامبالاة:
_ راح يقولي لو واحدة غيرك قالتلي يا أرنبة كنت رنتها علقه يا ست البنات.. البيه بيشقطني على السلم طب يستنضف.
_ دا اللي فارق معاكِ!
نطقت بها عاليا مستنكرة، بينما أومأت هبه بجدية لتشير لها عاليا قائلة:
_ أطفحي الشاي وانكشحي من هنا عشان فورتي دمي.
أدارت هبه رأسها بغيظٍ تكمل شربها للشاي، بينما بقيت عاليا منغمسة بتفكيرها في هذا الأرنبة العجيب هل من الممكن أن يساعدهما؟!
************
حملت عيناه نظرة الفخر وهو يتطلع لحربي الناعس فقد أيقظه السادسة صباحًا بعدما أبدل ملابسه المهندمة إلى أخرى كاجول تليق بفتى في السابع والعشرون من عمره، يردف وهو يزيل تلك الدمعة الواهية:
_ كبرت يابني وضاع شبابي عليك.
نزع حربي يد أرنبة عنه يردد بغيظٍ:
_ شباب إيه حل عني بقى مش كفاية العك اللي عامله فيا.
ابتسم أرنبة ببرود يشير له بأن يتقدم هاتفًا:
_طب أخلص عشان البنات لو اتحركوا نلحقهم.
تحرك حربي على مضض، يهبط الدرج بخطواتٍ حذره يخشى أن يراه أحد، ثم تحرك لنهاية هذا الشارع حيث تقبع حبيبة فؤاده كما يخبر ذاته بكل مرةً تأتي سيرتها، وقف بعيدًا يراقب المنزل وإلى جواره أرنبة الذي يهيم متخيلًا هبه أمامه، مرت ساعة فالثانية فالثالثة حتى هتف حربي بضجرٍ:
_ يا أخي أدعي عليك في طلعة النهار ولا أعمل إيه فيك.. أنا جالي الغضروف من الواقفة بالشكل دا.. يلا نروح يا أرنبة خلينا نخلص.
حدجه أرنبة بنظرةٍ حادة يغمغم بحدة:
_ بقولك إيه مش بعد التشوهات اللي عملتهالك وتقولي نرجع!!
رفع حربي حاجبه بغيظٍ يردف برغبة انتقام:
_ يعني أنت عارف إنك بهدلت شكلي وخلتني شكل شمام وبتعمل عبيط.
كاد أرنبة أن يرد لولا ظهور عاليا وهبه معًا يرتديان ملابس محتشمة بطريقة زائدة عن اللزم، فهتف أرنبة بصوتٍ هامس:
_ أبعد ياض البنات نزلوا يلا.
رمقه بنظرة مغتاظة ثم قال:
_ حسبنا في البيت يا أرنبة.. هنتفلك فروك زي الأرنبة الأم.
أشاح أرنبة بيده يراقب الفتاتان يتحركان بطريق المؤدي لموقف السيارات، وبالفعل تحركا معهما نحو الموقف، فصعدا بالاتوبيس النقل العام، وكذلك فعل حربي وأرنبة ولكن لم تستطيعا رؤيتهما بسبب أزدحام الناس، نظرت عاليا إلى هبه قائلة بجدية تحاول الوقوف بسبب الزحام الزائد:
_ فتحي عينك يا هبه عايزين نقفش أي متحرش هنا وننفذ الخطة اللي اتفقنا عليها.
أومأت لها بجدية تضيق عينيها لتراقب الجميع، ولم يلاحظا صوتهما العالي الذي لفت انتباه كل من بالاتوبيس، ظلت كلتاهما يقفن ما يقرب لـ ساعة، يهبط الناس ويعود أخرون دون فائدة فلم يرفع أحد عينيه بهن، لتغمغم عاليا بضيقٍ:
_ هي مصر دلوقتي بقت محترمة!! دا ما في نملة دكر قالت لنا صباح الخير نمسكها متلبسة بيها!!
عوجت هبه فمها بعبوسٍ تردد:
_ شكلهم تابوا يا عاليا على حظنا.
تشنج وجه عاليا بضيقٍ وغضب من محاولتهما البائس فهذه كانت الطريقة الملائمة لإيقاع أي متحرش بالموصلات، فمن المعروف وجودهم بوسائل النقل لتنفيذ مهمتهم الدنيئة ولكن لأجل حظهما قرروا أن يتوبوا اليوم، شعرت هبه بشخصٍ يقترب من خلفها لتتجمد مكانها بتوترٍ، أمسكت بذراع عاليا تشعر بالخوف ولكن بسبب ازدحام المكان لم تستطع الاستدارة، بينما كانت عاليا تواليها ظهرها أيضًا غير قادرة على الالتفاف، لتشعر فجأة بيده توضع على كتفها تمسكها بقوة، انتفضت من مكانها تلتصق بصديقتها، تصرخ بقوةٍ:
_ ألحقوني متحــــــــــــــرش!!!
انتفض جميع من بالاتوبيس وانطلق الرجال على هذا الرجل ينزعون يده عنها ويكيلونه بالضرب ويلقون على مسمعه سُباب عنيفة، بينما استدارت عاليا لها ولكن جحظت عيناها بصدمة وهي ترى " سالم" والد هبه هو من يُضرب، همست عاليا بذعرٍ:
_ نهارك مش فايت.. دا أبوكِ.
انتفضت هبه من مكانها تستدير سريعًا، لترى والدها يصرخ لهم قائلًا:
_ والله ما بتحرش دي بنتي.. آآآه أقسم بالله بنتي!!
_ عارفين الاسطوانية بنت**** اللي بتقولها دي وزي بنتي وأنتم رجالة****** اتفوه على *******.
سيل من السبابات من فم هؤلاء الرجال على سالم الذي يصرخ ألمًا من كثرة الضرب، يحاول الإفلات منهم وإقناعهم بأن هذه الفتاة ابنته ولا يعلم لماذا صرخت هكذا!، بينما تقهقر كلًا من أرنبة وحربي لنهاية الاتوبيس بذعرٍ مما يرياه فلم يأتِ بذهنهما سوى ماذا ستفعل بهما مادام فعلت هكذا بوالدها!!
تراجعت هبه بخوفٍ ولا تعلم ماذا تفعل، قد اختفى وجه والدها بسبب كثرة الرجال والنساء الذين يقدمون على ضربه والانتقام من كل متحرش به، ربتت على كتفها إحدى السيدات قائلة:
_ متخفيش يا حبيبتي الرجالة قاموا بالواجب مع الراجل اللي مترباش دا.
أدمعت عين هبه على والدها الذي قفز من الأتوبيس سريعًا يركض بعيدًا بذعرٍ وخوف تردف بشفقة:
_ بلاش تشتميه يا طنط منعرفش ظروفه إيه!
تعجبت تلك السيدة منها قائلة بتصميم:
_ لا يا حبيبتي بلاش عودك الأخضر دا.. دا شحط عارف الصح من الغلط والمفروض يحترم نفسه مش يفكر في واحدة من دور بناته.
نظرت لها هبه بحسرة، بينما همست عاليا بتوترٍ:
_ أمال لو عرفت إنك بنته أصلًا هتعمل إيه!!
نظرت لها هبه تتسأل بقلق:
_ تفتكري هيسامحني؟
_ لاء وهتتقابلوا في برنامج المسامح كريم ومعتقدش أنه هيسامحك برضو.. دا اتفرم يا هبه!!
**********
_ وربنا ما رايح لهم!!
قالها حربي بتصميمٍ، ليردف أرنبة بتوترٍ:
_ معلش يا حربي دا...
قاطعه حربي يردد بصدمة متذكرًا ما حدث وحالة الرعب التي تلبستهما:
_ دي خلت الاتوبيس كله يعجن أبوها اللي من دمها ودمه وعايزني انا أروحلها وربنا ما يحصل.. عايز روح أنت لكن أنا مش متعتع من هنا.
مسح أرنبة على وجهه وهو يتذكر ذلك الضرب الذي تلقاه عم سالم من الرجال وكيف قفز من الاتوبيس لينقذ نفسه من تلك الحرب، لا ينكر قد تملكه الذعر ما أن رأى فعلتها هكذا، ولكن لا يستطيع تركها، ليردد في محاولة اقناع حربي:
_ يابني دا إثبات أنهم محترمين وأديك اطمنت على زوجتك المستقبلية!
_ أطمنت إيه! دا أنا قلقت على نفسي أكتر دي حتى مهانش عليها تلحق أبو صحبتها سابته يتعجن ومدفعتش عنه!!!
صمت أرنبة دون استطاعته للدفاع، ليسترسل حربي بسخرية:
_ وقال أنا اللي خايف عليهم منك لاء روح ليهم.
شهق أرنبة بصدمةٍ منه قائلًا بضيق:
_ بتبيعني يا حربي؟
ابتسم ببرود يجيبه:
_ وأبيع عش الأرانب اللي مربيه يا أرنبة.. يلا يا حبيبي استودعك الله وروح عاكسهم أنت.
أمسك أرنبة بيد حربي قائلًا برجاء:
_ طب بس عشان خاطري متروحش وتسبني.. أنا يا سيدي هعمل دور.
صمت حربي قليلًا يرى الرجاء بعين صديقه، لا يحبذا تركه أو رفض طلبًا له فهو أقرب الأقربون له ليردف باستسلام:
_ خلاص ماشي يا أرنبة لما نشوف أخرتها.
وقف الإثنان عن بُعد يراقبهما، حتى وقف أتوبيس بمحطة قريبة من السيدة زينب حيث يعج بالناس والشباب، فمن الممكن أن تلقى شخص المناسب، هذا الاحتمال الأخير الذي وضعته عاليا برأسها وهي تسير جوار هبه التي بدأت بالقيام بدراستها الاستطلاعية وتسجل عاليا ردودهن.
استجاب عدد من الفتيات والنساء اللواتي تعرض لمثل المواقف التي تلقيها هبه على مسمعهن حتى انتهوا من تجميع المعلومات، فوقفت الأثنتان عند بائع العصير يشربن عصيرهن المفضل، أسفل مراقبة حربي وأرنبة لهن، فهتف حربي بحماس:
_ يلا يا أرنبة انطلق.
رمقه أرنبة بنظرة مغتاظة ثم تحرك نحو الفتيات ولكنه توقف فجأة يرمق حربي بنظرة متعصبة بعدما قال:
_ كبرت وهفرح بشبابك يا أرنوبي.
غمز له حربي ببسمة مرحة، بينما لاحظت عاليا تلك البسمة والغمزة التي فعلها حربي، لتضيق عينيها ظنًا أن ما فعله لها ثم اتسعت ابتسامتها فجأة، تنهض من مكانها تسير نحو حربي دون أن تلتفت لأرنبة الذي تعجب من نهوضها دون الالتفاف له.
هربت الدماء من وجه حربي وهو يرى عاليا تقترب منه قائلة ببسمة مريبة أخافته:
_ أنت متحرش؟
شعر وكأنها تمثل دور "ريا" فتراجع للخلف بتوترٍ يجيبها:
_ آه..لاء مقصدش!! بالله عليكِ ما عايز أضرب النهاردة!!!
ازدادت اتساع بسمة عاليا تبرق بعينيها فجأة، تردف بنبرة هامسة ذات فحيح مخيف أخاف حربي:
_ لا مش هنضربك خالص مين قال هنضربك.. دا أنا هساعدك وأروحك البيت.. مش أنت عايز تروح البيت برضو!!
ارتجف قلب حربي من طريقتها، نعم إنها ليست طبيعية الآن وبالأخص بعدما عرضت عليه الذهاب للمنزل فهو رأى ماذا حدث بوالد صديقتها فماذا ستفعل به، حركت عاليا رأسها فجأة بتشنج مخيف قائلة:
_ مش عايز أروحك البيت!!
لم يتحمل حربي طريقتها المخيفة ليصرخ بذعرٍ:
_ أنقذني يا أرنــــــــــــــبة!!