![]() |
رواية بقايا قلب مكسور الفصل الثاني بقلم رباب حسين
الحياة قاسية حقًا..... كيف يتحول المرء من شخص منعم بحياة مرفهة مريحة إلى مريض أسير فراش لا حول له ولا قوة ليس بقادر على تحريك أنامله وربما يسمع من حوله ولا يقوى على التحرك فتشعر وقتها بأنك أسير داخل جسدك الذي لم يعد يطيعك بعد الآن وفي بعض الأحيان تختار أن تبتعد عمن حولك بإرادتك فتأسر ذاتك داخل غرفة أو داخل منزل بمفردك والأصعب أن تختار الهروب كليًا لعلك تجد في عزلة نفسك ما يداوي جراح قلبك وألمك الذي لم يعد هناك من يشعر به..... أما أنتي.... لماذا تهربين وتختبئين داخل جدران عقلك الباطن؟..... ماذا حدث لكي وكسر فؤادك وتركك هكذا بين الموت والحياة؟.... من السبب وراء فرار هذا الوجه الملائكي من العالم؟.....
الفضول يأكل قلبي حتى إنني لم أغادر المشفى بهذا اليوم وظللت طوال الليل أنظر إليها وابتسم ولا أعلم ما سبب هذا الرابط الذي نشأ بيني وبينها؟ ولكن كل ما أريده أن أراها وهي تفتح عينيها وتبتسم لي.... هل هذا شغفي كطبيب أم تعلق قلبي لأول مرة؟
ظل عمر ينظر إلى وجه جالا يبتسم تارة ويحزن على حالتها تارةً أخرى..... فهي مازالت صغيرة في السن لتصل إلى هذا الرفض القاطع للحياة..... ممن تهرب؟ ولماذا؟ ترى كيف تبدو وهي مفتحة الأعين؟ ما لون عينيكي؟ لماذا أتخيل ابتسامتك وهي تشرق وجهك الجميل؟.... يا الله ما هذا التعلق الأعمى؟
مضى الليل وعمر يجلس في الغرفة لم يغادر منها حتى دخلت أمل الغرفة ووجدته مازال بالداخل فتعجبت من وجوده وقالت : هو حضرتك هنا من إمبارح؟!
عمر : اه..... هو والدتها ومدام حسناء بيجو إمتى؟
أمل : ممكن والدتها تيجي دلوقتي ومدام حسناء بتيجي مع جوزها الدكتور حسن
عمر : طيب..... أنا هروح أفطر على ما تديها الأدوية بتاعتها وهرجع على طول
ذهب عمر وبعد قليل جاءت صفاء ودخلت الغرفة كالعادة وقالت لها أمل عن الطبيب الجديد وأخبرتها بإنه مهتم لحالة جالا وسيعود ليتحدث معها فظلت صفاء تدعو لها في بكاء وقلب أم متألم لرؤيتها في هذا الوضع بأن تعود لحالتها الطبيعية وبعد قليل دخلت حسناء التي قامت بتحية صفاء ثم توجهت إلى جالا وقبلت جبهتها وحدثتها كما أنها تسمعها وتراها وقالت : صباح الفل يا حبيبتي.... وحشتيني أوي..... مش النهاردة عديت على المحل اللي كل يوم كنا بنقف عنده ونقول لما نورث ندخل نشتري منه..... إفتكرتك وإنتي بتقولي كده وبتضحكي
صفاء : ولما ورثت عملت إيه؟ مرمية في السرير لا منها عايشة ولا ميتة..... حسبي الله ونعم الوكيل
نظرت لها حسناء في حزن وقالت : هتقوم يا ماما صفاء .... هتقوم إن شاء الله..... إدعيلها بس إنتي
صفاء : بدعي..... مش بعمل حاجة غير إني أدعي
طُرِقَ الباب ودخل عمر ونظر إليهما في ابتسامة مشرقة كعادته وقال : صباح الخير.... أسف على المقاطعة بس أنا دكتور جديد هنا ومهتم بصراحة بحالة جالا
نظرت له حسناء في ترقب وقالت : ومين قالك إنها محتاجة لدكتور جديد؟
عمر : حالتها اللي مش بتتقدم..... أظن ده سبب كافي يخليني أهتم بيها وأعرف إنها عايزة دكتور يتابعها
حسناء : حضرتك لسة جديد ليه مهتم بيها للدرجة ديه؟
شعر عمر بتوجس حسناء منه فقال : حضرتك مرات دكتور حسن صح؟
حسناء في تردد : اه
عمر : طيب ممكن تسأليه عني لأنه يعرفني ولو حابين إني أخد حالة جالا فا أنا هبقى ممتن ليكم جدًا..... أنا في أوضة الدكاتره ومستني قراركم
ترك عمر الغرفة وهو يشعر بأن هناك خطبًا ما وفضل أن يترك لهما المجال ليقررا..... أما حسناء فنظرت إلى صفاء وقالت في قلق : تفتكرى تبعه؟
صفاء : معرفش..... إتصلي بجوزك وإسأليه
قامت حسناء بالإتصال بزوجها وسألته عن عمر وأخبرها أنه طبيب ممتاز ويراعي مرضاه بكل تفاني وليس بموضع شك فقالت : يعني ملوش علاقة بجوزها صح؟
حسن : لا مفتكرش..... هيعرفه منين أصلًا؟
حسناء : طيب أنا هروحله واشوف كان عايز إيه
ذهبت حسناء إلى غرفة الأطباء ووجدت عمر يجلس على مكتبه ويشرب كوب من القهوة فجلست أمامه وقالت : أسفة على قلة ذوقي معاك
عمر بابتسامة : لا لا..... مفيش داعي للإعتذار..... بس بصراحة لو كان عندي فضول لحالتها بنسبة ١٠٠ ٪ فا بعد خوفكم عليها كده بقى عندي فضول ٢٠٠٪
حسناء : عايز تعرف إيه؟
عمر في اهتمام : كل حاجة..... إيه السبب في اللي هي فيه ده؟
حسناء : بس على شرط..... محدش يعرف إنك بتعالجها ولا إنك تعرفها من الأساس
عقد عمر حاجبيه في تعجب وقال : ماشي.... بس ليه؟
حسناء : عشان اللي عمل فيها كده لو عرف إنها عايشة ممكن يجي يقتلها تاني
فتح عمر عينيه في صدمة وقال : يقتلها؟!.... مين ده وعايز يقتلها ليه؟
حسناء : جوزها..... أنا هحكيلك يمكن تكون سبب في علاجها
بدأت حسناء في إخبار عمر كل ما حدث مسبقًا مع جالا فقالت
فلاش باك
كنا لسة متخرجين من فترة قريبة مش بعيد وفي يوم كنا رايحين ندور على شغل كالعادة ووقفت استنى جالا تنزل تحت بيتها
حسناء : يا بنتي على طول مأخرانا كده؟
جالا : إنتي اللي بتيجي بدري
امسكت حسناء بيدها وذهبتا في عجالة وهي تقول : طب يلا نلحق الميكروباص
جالا وهي تركض بجوارها : توب علينا يارب من الموصلات وقرفها ومعكساتها
حسناء : معلش لما تشتغلي إبقي إشتري عربية
جالا : إنتي بتتريقي صح..... ده هشتغل كام سنة عشان أجيب عربية إن شاء الله..... ما هو لو كان بابا الله يرحمه وقف قدام أخوه المفتري وطلب ورثه مكنش حصل ده كله
حسناء : مش عارفة إنتي هتبطلي تفكري في الموضوع ده لحد إمتى؟
جالا : عمري ما هبطل تفكير فيه.... عمري ما هنسى رميت بابا في المستشفى المجاني والمعاملة اللي شفناها هناك عشان مش لاقين حق العلاج..... ولا لما ماما راحت تترجاه بس يدفعله تكاليف العلاج قالتله مش عايزين فلوس ولا شركات ولا عربيات بس تمن العلاج ورفض..... لو كنت أعرف إنها هتروحله مكنتش وافقت أبدًا
رأت حسناء الدموع في عين جالا فقالت : خلاص يا حبيبتي متزعليش..... عمو في مكان أحسن وحقه هيرجع ولو مرجعش في الدنيا هيرجع في الأخرة
تنهدت جالا وقالت : نفسي أخد حقه بإيدي
حسناء : متخليش غضبك يعميكي..... يلا الميكروباص وصل
صعدتا معًا وجلستا به وبعد قليل وصلتا إلى وجهتهما ونزلتا ووقفت جالا تتأمل شكل المبنى من الخارج وقالت : شكله مكتب صغير
حسناء : المهم يبقى فيه شغل ويقبلونا
جالا : يارب... يلا بينا
صعدتا معًا ووجدتا أن المكتب صغير ولا يعمل في مشروعات كثيرة وأن المرتب ضئيل للغاية فنزلتا واليأس يظهر علي وجهيهما فقالت حسناء : معلش يا جالا..... بكرة نلاقي شغل
جالا في غضب : إمتى بس؟! يعني أنا يطلع عيني ثانوية عامة وأدخل هندسة وأدرس سنين عشان أوصل لحلمي وفي الأخر أقعد بالشهور أدور على شغل وملاقيش..... واللي قاهرني إن ليا نصيب في أكبر شركة ديكور في البلد وأنا بدور على شغل زي أي حد لسة متخرج...... والله حرام.... حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عمي
حسناء : معاكي حق والله..... ما تيجي نقدم في الشركة بتاعت عمك
جالا : لو شاف إسمي هيرفضني طبعًا....وأنا مش هسمحله يهيني بأي شكل من الأشكال
حسناء : طيب تعالي نفطر ونروح نشوف أي مكتب تاني نقدم فيه
ذهبتا معًا أما أدهم فكان يقف أمام إلهام في هدوء وهي في غاية الغضب وقالت : يعني إيه عشان وصية أبوك تروح ترمي نص الشركة في حجر صفاء وبنتها؟
أدهم : ديه وصية بابا وهنفذها
إلهام : إستحالة أبوك أصلًا يقول كده..... هو أنا لسة عرفاه إمبارح
أدهم : يا ستي ضميره صحي..... حرام ضميره يصحى وهو عارف إنه خلاص بيموت
إلهام : ولو..... أنا مش موافقة إنهم يخدو شقى أبوك كل السنين ديه
أدهم : شقى مين يا ماما..... الشركة أصلًا بتاعت جدي الله يرحمه وبابا اللي رفض يدي أخوه الورث
إلهام : عشان جدك خد فلوس مراته اللي هي جدتك وأسس الشركة وبعد كده راح إتجوز واحدة تانية وخلف منها فارس عمك.... يعني الفلوس في الأصل بتاعت جدتك هو يورث ليه؟
أدهم : أديكي قولتي أسس بيها الشركة...... مكتب صغير وهو اللي كبره وخلاه أكبر شركة ديكور في مصر..... وعمي الله يرحمه ليه حق في ورث أبوه
إلهام : إنت مفيش فايدة فيك..... هتفضل طول عمرك ساذج وبيضحك عليك..... وكل شوية هتدخل في حياتك ناس يضربوك في ضهرك
وقف أدهم أمامها في غضب بعد أن علم أنها تتحدث عن جرحه السابق وقال : إنتي لازم تفكريني..... كل أما بنسى ترجعي تفكريني ليه ؟
إلهام : عشان مترجعش تثق بالناس وتفتكر إن كلام أمك هو اللي صح..... وصفاء هتاخد الفلوس هي بنتها والشركة هتقع بسببهم يعني إنت بتضيع فلوس أبوك في الأرض
أدهم : متقلقيش مش هضيع حاجة...... أنا برده مش عبيط عشان أخسر نص الشركة..... أنا هتجوزها عشان الفلوس تفضل تحت إيدي
فتحت إلهام عينيها في صدمة وقالت : نعم!!!! تتجوز بنت صفاء تربية الحواري..... الفقيرة اللي هتجيبك الأرض
أدهم : ما أنا كده كده مش هتجوز البنات الهبل اللي عمالة تجيبيهم عشان أقابلهم عافية
إلهام : ما أنا سيبتك تختار زمان حصل إيه؟
زفر أدهم في غضب وقال : يووووه..... برده مفيش فايدة..... يا ستي تجربة وخلصت.... خلصنا بقى.... وبعدين ديه مش أنا اللي مختارها ديه وصية بابا وبنفذها
إلهام : لااااا..... الكلام ده مش داخل دماغي أبدًا
نظر لها أدهم ولم يجيب فوالده لم يوصيه بالزواج منها ولكنه إستغل الوضع كي يهرب من إلهام التي تعرض عليه الفتيات المتجملات من الخارج فقط فهو يبغض ما يفعلن من عمليات التجميل وإرتدائهم الملابس اللاتي لا تغطي من أجسادهن شيئًا وعندما علم بوجود إبنة عمه التي تربت في الأحياء الشعبية البسيطة ظن أنها ستكون زوجة له وتنتهي عروض الزواج ويجعل إلهام تتركه وشأنه فهو لا يرغب بالزواج من الأساس وزواجه من إبنة عمه ستكون خير هروب فسيكون زواج يخدم مصلحتهما معًا فنظر إلى إلهام وقال في هدوء : لو مش مصدقاني روحي أقفي على تربته و إسأليه
دخل رعد المنزل وقال : أدهم بيه..... وصلنا لعنوان عمك الله يرحمه
أدهم : تمام.... يلا بينا
ذهب أدهم وظلت إلهام تنظر إلى آثره في غضب وتجوب البهو ذهابًا وإيابًا ولا تعلم كيف تمنع حدوث هذه الكارثة
عادتا جالا وحسناء إلى المنزل وقفتا بالأسفل وهما تشعران بالتعب ولاحظت جالا وجود سيارة فارهة أسفل منزلها فنظرت لها وقالت : إيه العربية ديه؟..... من إمتى بيدخل عندنا الحارة عربيات زي ديه؟
حسناء في إعجاب : حلوة أوي فعلًا.... بصي ده في بودي جارد واقف جنبها..... تفتكرى ده عريس جيلك يا بت يا جالا
نظرت لها جالا في تعجب وقالت : وواحد راكب عربية زي ديه هيجي يخطب من هنا وبعدين هيعرفني منين أساسًا؟
حسناء : وإيه يعني ما حسن جيه إتقدملي كده من غير ما يعرفني
جالا : يا بنتي فيه وسيط حد يعرفك ويعرفه..... أنا بقى معرفش حد يعرف حتى سواق العربية..... سيبك من الهبل ده وتعالي بنتغدى سوا..... خالتك صفاء عاملة بامية تستاهل بقك
حسناء : ديه اللي بقالها ٣ أيام؟
جالا : اه يا ختي..... أصلًا كل أما بتقعد بتحلو..... تعالي بس كلي معانا
حسناء : لا مش هينفع بالهنا والشفا.... أنا هروح أعمل أكل لبابا زمانه راجع من الشغل
ثم قبلتها وقالت : متزعليش..... بكره هنلاقي شغل
تنهدت جالا وقالت : نفسي بكره ده يجي..... يلا مش هأخرك عشان عمو..... سلام
صعدت جالا إلى منزلها ووجدت باب المنزل مفتوح وسمعت صفاء وهي تتحدث مع أحدهم الذي يقول في حزم : بقولك أنا أدهم إبن أخو جوزك الله يرحمه وجي أرجعلكم حقكم في الميراث زي ما بابا وصاني قبل ما يموت
دخلت جالا التي سمعت حديثه وهي تدلف من الباب وقالت في غضب : وأبوك المحترم ضميره مصحيش بدري عن كده شوية ليه ؟
نظر أدهم إلى صفاء وقال في إشمئزاز : مين ديه؟
صفاء : ديه بنتي.... يعني بنت عمك جالا
نظر لها أدهم وعلى وجهه علامات الإشمئزاز وقال : جالا..... إيه الاسم ده؟
اقتربت منه جالا في غضب وقالت : مش عجبك
نظر أدهم إليها وهي تنظر إليه بغضب ورغم قصر قامتها إلى أنها تشتعل مثل القنبلة..... ثم نظر في عينيها وشعر بنقوص الخطر يدب داخل قلبه فلم يستطع أن يبعد عينيه عنها ولكن تمالك نفسه في ثواني وقال : لا مش عاجبني...... لسانك طويل
جالا : إنت جي تغلط فيا في بيتي؟
أدهم في هدوء : صوتك يوطى أحسنلك..... أنا جي أديكم فلوسكم..... مليش دعوى بابا عمل إيه ولا عمل معاكم إيه ولا كنت أعرف عنكم حاجة إلا وهو بيموت...... عايزين تاخدو الفلوس أهلًا وسهلًا مش عايزين همشي
وضع نظارته السوداء وأغلق حلته وذهب من أمامها فنظرت له جالا في غضب وقالت : إنت يا بني أدم..... مش بنتكلم معاك
التفت أدهم إليها ونزع نظارته وقال : لما توطي صوتك وتتكلمي بإحترام هنتكلم
جالا في غضب : أنا محترمة غصب عنك
أدهم : والله أنا كنت فاكر إن البنات اللي عايشين في الأماكن البسيطة ديه بيبقو لطاف وضحكتهم حلوة بس الظاهر إتخدعت واللي يخدع زيادة هو وشك ده.....اللي يشوفه يقول ملاك لحد ما المبرد اللي جوا بقك ده يشتغل
اقتربت منه جالا في غضب ولكن أوقفتها صفاء وقالت : بس يا جالا خلينا نفهم هو جي ليه وإيه المقابل في إنه يدينا الورث؟
نظر لها أدهم وقال في هدوء : والدي وصاني إني أرجع حقكم في الميراث وعشان يحافظ على الشركة إنها متضيعش وصى إن أنا وبنتك جولا نتجوز
جالا في غضب : جولا مين..... جالا...... وبعدين أنا أتجوزك إنت؟
وضع أدهم نظارته وقال : تمام..... يبقى مفيش ورث
كاد أن يذهب ولكن قالت جالا : إستنى هنا
نظر لها أدهم وقال : أنا عندي مواعيد مش فاضي للرغي ده..... موافقة ولا نلغي الوصية خالص
نظرت له جالا ثم عادت النظر إلى صفاء وتذكرت بكاءها على فراق زوجها آثر مرضه ثم نظرت إلى مكينة الخياطة التي قضت عمرها تعمل عليها حتى تكمل تعليمها ومرض قدميها وضعف نظرها من العمل ليل ونهار ثم نظرت إلى منزلها المتهالك وصورة والدها المعلقة على الحائط وقررت أن تأخذ حقه والأموال التي حرم منها وتكون مالكة لشركة والدها ثم عادت النظر إليه وهو يقف ببرود وشموخ وقالت : موافقة