رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل الواحد و الثلاثون بقلم جميلة القحطانى
وشدّته نحوها بحذر، ظنًا أن فهد عاد.
لكن الذي دخل كان راكان...
ملامحه هادئة، يحمل صينية عليها فنجان قهوة، وبعض الخبز والجبن، وكوب ماء، وصحن صغير من التمر.
رفع عينيه إليها وابتسم ابتسامة خفيفة، مترددة، ثم قال بهدوء:صباح الخير... شكلك محتاجة فطور دافي.
ظلت تنظر إليه... صامتة.
مزيج من الدهشة والارتباك والخوف يدور داخلها.
من هذا الرجل؟ ولماذا يعاملها بلطف؟ ولماذا تشعر بالأمان في حضوره وهي بالكاد تعرفه؟
راكان وضع الصينية على الطاولة الصغيرة قرب السرير، ثم أشار إلى الورود:مش من فهد... أنا جبتهم. حبيت تفتحي عيونك على شيء مش مؤلم.
شعرت بكلمات تعلق في حلقها.
عينها تلمع، لكنها لا تسمح للدموع بالهروب.
قالت بصوت خافت، كأنها تعاتب نفسها:ليه؟
رد بهدوء، وهو يتجنب النظر المباشر لعينيها:لأنك ما تستاهلي اللي حصلك. ومش لازم تفضلي لوحدك في الحرب دي.
سكتت...
ثم نزلت دمعة، يتيمة، على خدها الأيسر.
لم تكن دمعة حزن فقط، كانت دمعة دهشة. كيف يمكن ليدٍ أن تمسح وجعًا خلفه آخرون؟
مد يده بالماء نحوها دون إلحاح.
فأخذته، بيد مرتعشة، وشربت نصف الكوب.
قال بابتسامة ناعمة:أنا هنا، بس وقت ما تكوني جاهزة للكلام.
ثم خرج، وترك الباب مواربًا...
هذه اللحظة لا تدور فقط حول وردة وهدية.
إنها لحظة بين ما كان وما يمكن أن يكون.
بين قلب محطّم، وعقل يحاول الترميم.
راكان لا يحاول إنقاذ سهير، بل يمنحها فرصة أن تنقذ نفسها، وهو فقط يقف بالقرب دون فرض نفسه.
المشاعر المتناقضة لدى سهير تشعر بالدفء والخوف في آن.
الحنان بات غريبًا على جلدها، ولكنها تتوق له دون وعي.
راكان يراها إنسانة في عالم جعلها مجرد شيء.
بقيت سهير تحدّق في الباب الموَارب بعد خروج راكان، تشعر بشيء جديد... لا يشبه الخوف، ولا يشبه الراحة...
كان كأنه انتظار لصوت لا تعرف إن كانت تريده أن يعود، أم يخشى قلبها أن يقترب أكثر.
جلست على حافة السرير، لم تعد تقوى على البكاء، بل كانت منهكة من كل شيء...
نظرت للورد... مدت يدها ولمسته بخفة، فابتسمت رغم نفسها، كأن شيئًا بداخلها سألها:هل من الممكن أن يعيد أحدهم شيئًا منّا، حتى بعد أن كُسر؟
مرّت ساعة بصمت، قبل أن تسمع طرقة خفيفة على الباب، ثم دخل راكان بهدوء، بيده كتاب، وفي عينيه تردد.
قال بصوت منخفض:ما حبيت أسيبك كتير لوحدك… بس لو مش حابة تشوفي حد، أخرج فورًا...