رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل الثانى و الثلاثون بقلم جميلة القحطانى
_
رفعت نظرها إليه... ثم قالت بصوت مخنوق:ليه بتعمل كدا؟
تقدّم خطوة واحدة، وبقي واقفًا:يمكن عشان شوفت في عنيك صرخة أنا عارفها… وكنت بتمنى يوم حد يسمعها فيّا.
صمتت…
كأن كل ما عرفته من سنواتٍ من الإهانة والخوف والقسوة لا يعرف كيف يتعامل مع هذا النوع من البشر.
سألته:أنا... كنت فين؟ إنت لقيتني إزاي؟
اقترب قليلاً، ثم جلس بعيدًا على طرف الكرسي:كنت مراقب فهد... من أول ما حسّيت إنه بيخفي حاجة. يومها شفتك، سايبك في العربية متل ما تتركي كيس...
اتبعتكم، ولما خرج من البيت، دخلت. لقيتك ملقاة... كنت بردانة... ووشك ما فيه لون."
غطّت وجهها بكفّيها.
أحست أنها تنكسر أمامه.
لكنها لم تجد في نظراته شفقة، بل صدق، وشيئًا من الاحترام الذي لم تعتد عليه.
قال بصوت خافت:أنا مش عايز منك حاجة... بس لو بتحتاجي تهربي، أنا موجود.
ولو بتحتاجي تحكي... ممكن أسمعك، زي ما أنا.
رفعت رأسها، بعينين حمراوين وقالت:أنا... مش عارفة أثق في حد... بس وجودك مش بيخوفني.
ابتسم راكان، وقال:ودي أول خطوة… لما ما نخافش.
ثم وضع الكتاب على الطاولة، وقال:لو حبيتي تقري، فيه قصص ناس اتكسرت واتصلحت.
وإنتِ، مش لوحدك.
هنا يبدأ التغيير، ليس فقط في محيط سهير، بل في نظرتها لذاتها.
التحول بطيء، مؤلم، لكن أول لمحة حقيقية للحياة بدأت تلوح في الأفق.
أما راكان، فهو لا يقدّم نفسه كبطل، بل كـ"إنسان آخر مجروح"، يرى في سهير شيئًا من روحه.
لم تكن ندى تطلب الكثير من الحياة، فقط سقف لا يسقط، وقوتٌ يسدّ جوع ابنها، وابتسامة صغيرة على وجهه تكفيها لتنسى كل ألم.
بعد طلاقها، أُغلقت الأبواب في وجهها واحدًا تلو الآخر.
أهلها تبرأوا منها، قالوا:رجعي لجوزك، ولا تستنينا نفتحلك بيتنا!
وزوجها السابق تنصل من كل مسؤولية، نكايةً بها.
تعمل ندى في مصنع صباحًا، وتنظف البيوت مساءً.
تحمل على كتفيها صغيرًا لم يتجاوز الرابعة، تطعمه قبل أن تأكل، وتغطيه في البرد وهي ترتجف.
سليم كان ذكيًا، يضحك لها كثيرًا، يركض خلفها وهو يقول:ماما، لما أكبر أنا هشتغل مكانك وأخليكي ترتاحي.
لكن التعب لا ينتظر الكِبر، والمرض لا يسأل كم بقي من الأحلام.
في إحدى الليالي، شعرت ندى بصداع عنيف وضيق تنفّس…
أشارت لابنها أن يحضر لها كوب ماء…
لكنها لم تُكمله.
انهارت أمامه، ووقع الكوب وتكسّر.
صراخ سليم ملأ الغرفة:ماما! قومي! مامااااا...
ولم تقم.
