رواية ثأر الشيطان الفصل الواحد والثلاثون 31 والاخير بقلم سارة بركات


 رواية ثأر الشيطان الفصل الواحد والثلاثون والاخير


كانت شمس جالسة في المشفى بغرفة أندريه تُطالعه بهدوء وهو يتناول طعامه .. لا تصدق أن رجلًا بينها وبينه عِشرة سنةٍ واحدة يُمكن أن يُضحي بحياته لأجلها .. ولكنه لم يكن مجرد شخصًا عاديًا بل كان أبًا لها .. على مدار السنة الماضية لم يبخل أندريه بمشاعره الأبوية نحوها وكان يخاف عليها كثيرًا من أي ذئبٍ بشري من الممكن أن يُضايقها .. علمها فنون القتال وأيضًا كيفية استخدام الأسلحة وأيضًا ساعدها على تعلم الكثير من اللغات ..

- غيرتي لون شعرك.

استفاقت من شرودها على كلماته تلك! وأردف بابتسامة هادئة:

- رجعته للونه الأصلي.

همهم واستأنف:

- كده أحلى.

ابتسمت بامتنان ثم قالت:

- شكرا لحضرتك على اللي عملته معايا.

عقد أندريه حاجبيه ورمقها بنصف عين:

- شكرًا! وحضرتك! واحنا من إمتى في بينا الكلام ده؟

- لا مانا خلاص عرفت إن حضرتك مش والدي الحقيقي .. والدي الله يرحمه توفي من سنة.

اختفت ابتسامتها لفقدانها والدها، رمقها بضيق وتحدث بهدوء:

- ماهو من بدري يا شمس وإنتِ عارفه إني مش والدك الحقيقي بس عيشتي معانا على أساس إني باباكي الحقيقي .. ليه متكمليش في كده؟ ولا خلاص عايزة تسيبيني وتمشي!

حمحمت بإحراج:

- هو أنا ممكن أمشي فعلا مع جواد ونرجع مصر.

- مش فاهم؟

قالت بتوضيح:

- جواد بعتلي رسالة من شويه إني أرجع في خلال دقايق عشان هو خلاص قرر إننا هنسافر النهاردة.

ظل أندريه يُطالعها في صمت .. انتبهت للمعة عينيه تلك! .. يا الله هل هو حزين؟ من الطبيعي أو المعروف أن أندريه لا يستطيع التعبير عن مشاعره كل مايعرفه في حياته هو العنف والقتل والمُزاح فقط ليس إلا ..

- برحتك مش همنعك .. من حقك إنك إنتِ وجوزك تعيشوا حياة طبيعية .. بس آسيا المفروض هتفضل هنا مع فيليب صح؟

نفت شمس برأسها مما جعل أندريه يشعر بالضيق الشديد وأردف بالروسية:

- ذلك الحقير، إنه يخسر عائلته.

لم تُعلق شمس على حديثه ولكنها تحدثت معه في ذلك الأمر:

- أنا زعلانة جدا زي مانت زعلان ويمكن أكتر كمان .. جواد عاش حياة صعبة من وهو صغير ومن حقه إنه يعيش مع عيلته بس ده النصيب!

صمتت قليلًا وثامت بتغيير مجردى الحديث عندما رأته قد انشغل بتفكيره قليلاً:

- هتخرج إمتى؟ بيقولوا إنك بقيت كويس.

انتبه أندريه لحديثها ومثَّلَ المرض وتحدث بإرهاق مصطنع:

- لا مين قال كده؟ ده أنا تعبان أوي .. تعبان جدا .. تعبان خالص، حتى بصي...

وضغط على زِرٍ بجانب فراشه مما أطلق أصوات إنذارٍ بالمشفى وأردف بتعجب:

- حلو الإختراع ده! هبقى أستخدمه في البيت عشان لو إتأخروا عليا في الأكل هزعجهم بيه.

قهقهت بسبب حديثه المُضحِك ذلك وانتبهت لدخول فتاة شابة كانت ترتدي زيًا طبيًا ولكنها لم تكن قلقة عليه بل كانت ترمقه بغضبٍ واضح:

- ماذا هُناك سيد أندريه؟!

تحدث أندريه بهيام:

- قوليها ثانيةً.

ولكنها لم تقم بإجابته.. تحدث بجدية زائفة:

- إن جرحي يؤلمني.

رمقته بغيظٍ وأردفت:

- مُزعِج.

ثم اقتربت منه تقوم بفحص جرحه في ذات الوقت أشار أندريه لشمس بالرحيل وتحدث بالمصرية:

- إمشي إنتِ دلوقتي.

قهقهت وهي تعتدل وتحدثت:

- سلام.

خرجت من الغرفة أما ماري فقد كانت تقوم بفحص جرحه والذي قد شُفي تمامًا وتحدثت بضيق:

- لا يوجد شيء أنت بخير .. سوف أُخرِجُ هذا الجهاز من غرفتك.

كادت أن تتحرك ولكنه أمسك بيدها يمنعها ..

- ماري.

التفتت إليه ترمقه بضيق واضح ولم تتحدث ولكن أندريه استأنف حديثه بنبرة هادئة وابتسامة لطيفة:

- لماذا كنتِ تبكين في ذلك اليوم؟

ظلت تُطالعه لثوانٍ معدودة وتحدثت:

- ليس من شأنِك.

- لا شأنكِ من شأني، أنا أعلم قصتكِ جيدًا من أخي وصدقيني إن زوجكِ الأخرق ذلك سينال عقابه مني.

كانت شاردة في حديثه وفي قصتها الحزينة تلك واستفاقت عندما شعرت أن لمسته ليدها ليست لمسة عادية بل كانت كُلها شاعرية! .. نظراته تلك كانت لامعة .. لقد رأت تلك النظرات قبلًا .. عقدت حاجبيها وأبعدت يدها عنه بقوة وتحدثت:

- أعتذر، لدي عملٌ آخر يجب أن أذهب.

لم تترك له مجال للحديث وخرجت من الغرفة؛ أما بالنسبة لأندريه فقد تنهد بارتياح وأردف:

- يومًا ما عزيزتي ستكونين بين ذراعاي أغرقكِ بالكثير من الكلمات العذبة وأحميكِ من أي شيء سيقوم بأذيتك.

ثم اعتدل من فراشه واقترب من شُرفة الغرفة وهو يقوم بالإتصال على أحدٍ ما ..

- جُوِي عزيزي، لم نتحدث منذ وقتٍ طويل .. أعلم أنني لا أتحدث معك سوى في المصالح الشخصية .. أنا أريدُ منك خدمة وأنا على يقينٍ تامٍ أنك ستقوم بها.

ابتسم بلؤمٍ عندما نطق بآخر كلمة .. دخلت غرفة جواد بالقصر واقتربت نحوه وهو يقوم بتجهيز ثيابه ..

- إيه اللي غيَّر قرارك؟

التفت إليها يُطالعها:

- كلامه ليا عبارة عن لُوم! كإني السبب في كل اللي حصل.

اقتربت تجلس بجانبه على فِراشه وأمسكت بيده:

- ممكن تعذره؟ هو واحد في يوم وليلة إكتشف إن مراته اللي كان فاكرها ميته من 37 سنة طلعت عايشه! لا ومش بس كده ده طلع عنده إبن داخل على الأربعينات فطبيعي يبقى مُتفاجيء ومش مستوعب اللي بيحصل.

تنهد بقوة وتحدث بحيرة:

- اقترحي عليا طيب أعمل إيه؟ أنا مش عارف أحسِّن علاقتهم ببعض.

تحدث شمس ببساطة وهي تبتسم:

- تيجي نتكلم مع آسيا نحاول نقنعها يمكن دماغها من ناحيته يلين ونعرفها أسبابه.

ظل يُطالعها لعدة ثوانٍ ثم أومأ ..

- طب يلا بينا.

كادت أن تخرج من الغرفة ولكنه أمسك بيدها يقربها نحوه .. شعرت بالخجل الشديد عندما اعتدل من مكانه وظهر فرق الطول بينهما أمسك بذقنها الناعم ينظر في عينيها ..

- وحشتيني .. أُعذريني لو بقالي فترة مشغول هو بس رجوع أمي شغلني بيها وبهتم بيها ونسيت أهتم.

- أنا عارفة إنت بتحبني قد إيه ومش زعلانة مقدرة اللي انت فيه وطبعا لازم تهتم بيها يعني .. أومال ربنا سبحانه وتعالى هيباركلنا في علاقتنا إزاي؟

كانت عينيه تلمع وتحدث:

- تعرفي .. نفسي نتجوز.

عقدت حاجبيها بتعجب وتحدت:

- ماحنا متجوزين.

- لا .. قصدي نتمم جوازنا.

أصبح وجهها أحمرًا مثل لون ثمرة البندوره وتحدثت بتوتر:

- مش انت قولت قدام آسيا إننا هنعمل فرحنا لما نرجع مصر؟ ممكن نستنى لبعد الفرح.

شعر بخجلها وتحدث:

- أنا كده كده هعمل فرح .. بس ممكن نتمم جوازنا دلوقتي! حاولت أن تبتعد عنه ولكنه أمسك بها بقوة وتحدث بحزن عميق:

- أنا محتاجِك يا شمس، محتاجِك تخففي عني العبء اللي أنا حاسس بيه ده.

وما كان لها سوى أن تخضع لرغبة زوجها لعلها تُخفف عنه قليلًا واستسلمت له قلبًا وقالبًا .. ثم سُحِب الستار برفق، ليحجب ضوء العالم من حولهما.

الليل مرّ طويلًا... هادئًا... لم يكن صخبًا، بل طمأنينة دافئة امتدت بين نظراتٍ مطمئنة، ولمساتٍ تحمل ميثاقًا لا يُقال، ووعدًا أعمق من الكلمات.

وفي آخر الليل، كانت "شمس" تستند إلى صدر "جواد"، تغمض عينيها بطمأنينةٍ وقلبها ينبض لأول مرة بشعورٍ لم تعرف اسمه من قبل... لكنه يشبه أن تجد وطنك بعد طول غربة ... وتلك كانت هي مشاعر جواد أيضًا الذي وأخيرًا ارتاح لأن حبيبته شمس أصبحت بين ذراعيه بعد سنواتٍ كثيرةٍ من المعاناه! تنهد بارتياح وهو يراقب ملامحها الهادئة أثناء نومها كانت تنام بسلام، شفتيها مفترقتين قليلًا، ونَفَسها المنتظم يدغدغ عنقه. .. كم تمنى تلك اللحظة فقط! أن يراها وهي نائمة بين ذراعيه! وها قد تحققت أمنيته .. لم يستطع كبح ابتسامته وهو يطالع وجهها القريب رفع يده ببطء وأزاح خصلة شعرٍ سقطت على وجنتها، ثم تمتم بصوت خافت يشبه الهمس:

- مش مصدق إنك بقيتي ليا!

ظل هكذا يُطالعها بهدوء حتى نام باستسلام وسكينة لأول مرةٍ منذ سنوات كثيرة.

في ظهيرة اليوم التالي:

استيقظت شمس على صوت خافت ينبعث من الخارج، رائحة قهوة طازجة امتزجت برائحة الخبز المحمص؛ ففتحت عينيها ببطء وهي تتحسس الفراش بجوارها ولكنها لم تجده.

اعتدلت في جلستها وشعرها الكستنائي منسدل بخفة على كتفيها، ووجهها لا يزال يحمل آثار النوم ولكنها ابتسمت بخفة عندما جلس جواد أمامها وكان يرتدي قميصًا رماديًا بسيطًا بأكمامٍ مرفوعة، وشعره مبللٌ قليلًا كأنه أنهى استحمامه للتو وأمسك بيدها يقبلها:

- صباحية مباركة يا عروسة .. مش هما بيقولوا كده صح؟

ابتسمت بخجل وتحدثت:

- اه بيقولوا كده.

- طب يلا بينا نفطر يا أحلى عروسة في الدنيا.

طالعت الطاولة الصغيرة الموجودة بداخل الشُرفة، وتحدثت بشهية مقتوحة:

- ده الفطار اللي أنا بحبه.

قبَّل يدها مرة أخرى:

- وهي دي حاجة تفوتني برده! عارفك بتحبي تفاصيل معينة في الفطار فماحبتش أفوتها خالص.

لمعت عينيها وهي تنظر إليه وتحدثت بصوت مهزوز:

- شكرا يا جواد .. شكرا.

قلق جواد من نبرتها تلك وتحدث:

- مالك! إنتِ كويسه؟

أومأت بسرعة وتحدثت:

- اه اه أنا كويسه .. بس ده كتيرعليا.

- دي أقل حاجة أعملها عشانك.

ثم أمسك بيدها ووضعها على موضع قلبه وتحدث:

- اه لو تعرفي القلب ده فضل يحبك قد إيه مش هتصدقي .. بس هتشوفي كل ده الفترة الجاية .. أنا مش هخليكِ محتاجة حاجة.

- توعدني إنك متبعدش عني يا جواد؟

تحدث بصدق:

- عمري ماهبعد عنك يا شمس، أنا مصدقت لقيت روحي.

دخلت بين ذراعيه وهو ضمها بقوة وبعد عدة ثوانٍ تحدث:

- يلا عشان الفطار هيبرد.

ابتعدت عنه وهي تقوم بمسح عبراتها ولكنه قام بمسحها بدلًا عنها وتحدث:

- إياكِ أشوف دموعك دي لإنها غالية عليا أوي.

ثم أمسك بيدها واعتدلت وجلسا بالشرفة يتناولان طعام الفطور وهما يدردشان بسعادة لأول مرةٍ خلال سنوات متناسيان جميع المشاكل لحياتهما فهما اليوم فقط قررا أن يرميا الماضي خلفهما ولو قليلًا .. كان فيليب يقف في مطبخ منزل الغابة الخاص بماتيوس يتناول بعض الطعام ويتجهز ليقوم بتعذيب ماتيوس مجددًا ولكنه انتبه على رنين هاتفه المستمر وأتاه خبر جعله يركض خارج المنزل ذاهبًا في طريقه إلى القصر ..

بعد مرور وقت طويل .. كانت الإثنان يجلسان أمام آسيا يُطعمانها طعام الغداء وهي تتحدث بملل:

- أنا خلاص شبعت مش قادرة آكل أكتر من كده.

عقد جواد حاجبيه وتحدث:

- أمي، إنتِ ما أكلتيش غير كام معلقة.

- معلش يا حبيبي، أنا مش متعودة على طريقة الأكل دي.

تدخلت شمس متحدثة بوجهها المُشرِق:

- إحنا عاوزينك تتغذي كويس .. فلازم تتعودي كل يوم على كمية زيادة عن اللي قبلها.

أمسكت بطنها وتحدثت:

- مش قادرة أكمل صدقوني.

- طب يا أمي آخر معلقة طيب؟

رمقته قليلًا ثم قربت فمها من الملعقة وأطعمها جواد إياها ..

- شطورة.

ذلك ما تحدثت به شمس بابتسامة وابتسمت لها آسيا في المقابل ووجهت حديثها لجواد:

- هنمشي إمتى من هنا؟؟ أنا مش حابة أفضل هنا خالص مش طايقة المكان.

تنهد جواد باستسلام ثم أردف:

- أمي .. أنا محتاج أتكلم معاكِ شويه.

تحدثت بقلق وهي تلتمس وجنتيه:

- انت كويس يابني؟ فيك حاجة؟

تحدث بابتسامة يطمئنها:

- أنا كويس يا حبيبتي متقلقيش بس أنا حابب أتكلم معاكِ عن علاقتك بفيليب.

وهنا حمحمت شمس وتحدثت:

- هستأذن انا.

ولكن آسيا منعتها من أن تخرج..

- خليكِ يا شمس! إنتِ واحدة من العيلة يعني بنتي.

ابتسم جواد بامتنان لحديث والدته وجلست شمس بجانبه مرة أخرى ..

- أنا محتاج أصلح علاقتكم ببعض

ولكن آسيا تحدثت برفضٍ تام:

- لا استحالة .. مش عايزة أبقى مع البني آدم ده .. هو السبب في كل اللي أنا عشته هو السبب في كل اللي حصلنا يا جواد.

حاول جواد تهدأتها وتحدث:

- أنا فاهم اللي حضرتك بتقوليه ده بس هو برده عاش حوالي 38 سنة متعذب! عاش من غيرنا! تخيلي قسوة العذاب اللي عاشهم ده غير إحساسه بالذنب لما عرف إنه السبب في كل ده!!

كادت أن تتحدث ولكنه تحدث بدلًا عنها..

- أمي، أنا لحد دلوقتي ضميري بيأنبني بسبب إن شمس عاشت كل ده من البداية عشان أنا ابنه!! أنا حته منه على الرغم إني معرفهوش ولا هو يعرفني .. إنتِ متخيله حجم اللي أنا فيه!! بس أنا مضطر أتعايش مع الوضع ده! أتعايش مع فكرة إن أبويا هو سبب تدمير حياتي! أنا مراتي اتعذبت وشافت كتير سواء في جوازتها المتدبرة من الزفت ماتيوس! وكمان لما اتخطفت وهو عذبها .. وده في شهور! فيما بالك إنتِ بقا يا أمي .. إنتِ اتعذبتي لمدة سنين! تخيلي إنتِ بقا هو إحساسه عامل إزاي؟؟ أنا مكنتش بنام الليل في غياب شمس يا أمي .. طب هو عمل إيه؟ أو بقى إيه؟ جربي تسألي نفسك وأنا متأكد إنك هتلاقي الإجابة .. فكري شويه وقرري أنا مش هضغط عليكِ نهائي وفي النهاية قرارك يرجعلك ولو عايزة نسافر مصر ونمشي من هنا يبقى من دلوقتي لو تحبي.

ظل ينتظر جوابها ولكنها ظلت صامتة وشاردة في حديثه .. تنهد وأمسك بيد شمس لكي يخرجا من الغرفة ويتركاها تفكر جيدًا .. وعندما خرجا من الغرفة وأوقفته شمس بحزن:

- جواد.

التفت إليها يطالعها ..

- أنا مسامحاك .. أنا عارفة إن إللي حصل مكنش ليك يد فيه .. مش عايزاك تأنب ضميرك أكتر من كده.

طالعها قليلًا ثم تحدث:

- غصب عني ياشمس.

اقتربت منه أكثر تحاول الوقوف على أطراف أصابع قدميها لكي لتُصبح بطوله ولكن كان هناك فرقٌ ايًا وأمسكت بوجنتيه:

- أنا كويسه .. وبخير مش عايزين نفكر في اللي فات وده كان اتفاقنا من النهاردة خلينا نعيش اللي جاي يا جواد ... انا مصدقت إننا بقينا سوا.

كاد أن يتحدث ولكنه انتبه إلى دخول فيليب للقصر وهو يتحدث بقلق وتوتر:

- آسيا فين؟!

لم يستطع جواد أن يُجيبَهُ حيث تم إقتحام القصر من خلال الشرطة الروسية ...

- ارفعوا أيديكم جميعًا.

تعجب فيليب وجواد وشمس مما يحدث وخرجت آسيا من غرفتها عندما سمعت أصوات سيارات الشرطة وأيضًا أصواتهم بداخل القصر، تقدّمت بخطوات بطيئة وقد بدا عليها الذهول من رؤيتهم بينما أحد رجال الشرطة يُلقي بالاتهام نحو فيليب وجواد:

- أنتما الآن رهن الإعتقال بتهمة التورط في قضايا دولية تمسّ أمن الدولة الروسية.

تبادلت شمس النظرات مع جواد بصدمة، بينما عقد فيليب حاجبيه بضيق:

- ما هذا الهراء؟! نحن لا علاقة لنا بأي شيء دولي! هل لديكم إذن قضائي؟! هل تعلم من أنا يا هذا؟!!

لكن الضابط تجاهله وأشار للجنود:

- اصمت أيها العجوز! كبّلوهما.

تقدمت شمس بخوف وحاولت أن تمسك بذراع جواد:

- لا... لا تلمسوه! أنتم لا تفهمون شيء، هو بريء!

لكن أحد الضباط دفعها جانبًا بعنف، مما جعلها تترنح للخلف. صرخ جواد بغضب وهو يتقدم نحوها:

- لا تلمسوها! سأذهب معكم، فقط لا تؤذوها!

صرخ الضابط:

- إلى السيارة حالًا... قبل أن نصعّب الأمور.

صرخت آسيا برعب:

- لا .. لا اتركوا بُني ... اتركوه .. إن بُنَي لم يفعل شيء .. حاولت أن تقترب منهم ولكن دفعها أحد الجنود بعنف مما أوقعها أرضًا صرخ فيليب بغضب وهو يبتعد عن الجنود الممسكون به:

- أيها الحقير.

ثم اقترب من الجُندي وقام بضربه ضربًا مُبرحًا حتى على الرغم من محاولات الجنود الآخرين في إبعاده عنه .. وبعد معاناة وصعوبة أبعدوه عن ذلك الجُندي وهم يكبلون يديه تحت رفضه التام ..

- سأقتله! اتركوني.

صرخ الضابط به:

- أصمت وإلا سأنسب إليك أيضًا تهمة الإعتداء على رجال الأمن.

أخذوهما بصعوبة على الرغم من محاولتهما من الفكاك منهم! .. كانت شمس وآسيا تبكيان بقهر وهما يتابعان خروجهما من القصر ..

أردفت شمس بصراخ وبكاء:

- جواد، ماتسبنيش.

خرج رجال الأمن من القصر وتحركوا بسياراتهم ومعهم جواد و فيليب الصامتين تمامًا بسبب مايحدث.

أخذت شمس هاتفها وهي تضم آسيا أثناء بكائها وأخذت تتصل بأندريه وقامت بإخباره بكل ماحدث لكي يتصرف.

رواية/ ثأر الشيطان .. بقلم/ سارة بركات

....................................

في المساء:

كان فيليب و جواد يجلسان في مقرّ الشرطة، محبوسَين خلف القضبان الحديدية، في صمتٍ ثقيل...

أردف فيليب بغضب وهو يحدّق في جواد بأعينٍ متّقدة:

- شوفت إنت عملت إيه فينا؟!! خيانتك ليا كان ليها تمن... وهو إنك تتحبس معايا!

رفع جواد نظره نحوه ببطء، وعيناه ممتلئتان بالدهشة والوجع،
هل يقصد أن عاصم سلّم الأوراق فعلًا؟! مستحيل!
إنه صديقه، شقيقه الذي لم تلده أمّه، عشرة العمر منذ الطفولة... حتى لو دبت بينهما الخلافات، لا يمكن أن يطعنه عاصم في قلبه هكذا!
ظلّ صامتًا، عاجزًا عن النطق، نظراته معلّقة في الفراغ بشرودٍ قاتل، وكأن روحه تُنتزع ببطء.

أما فيليب؛ فكان يتحرك داخل الزنزانة ذهابًا وإيابًا كوحشٍ محبوس، قبضتاه مشدودتان، وعيناه تشتعلان بالنار.
كبح رغبته في لكمِ جواد مرارًا، لكن صور آسيا لا تفارقه...
لحظة سقوطها على الأرض حينما دفعها الجندي كانت كافية لتمزق قلبه.
زفر بعنف، وأغمض عينيه بقوة يحاول أن يتحكم في غضبه ..

انتبه الإثنان على اقتراب أحد ضباط الشرطة نحوهما.

- هيا فلتخرجا سيتم ترحيلكما إلى السجن.

- بدون مُحاكمة؟!

ذلك ما تحدث به فيليب بترقب وأجابه جواد بسخرية:

- بيقولك بنهدد الأمن الروسي يبقى لازم من غير محكمة.

- اصمتا أنتما الإثنين.

ذلك ماتحدث به الشرطي بصرامه وأخرجهما الجنود من الزنزانة وركبا سيارة السجناء وتم ترحيلهم إلى أحد السجون الروسية المُشددة وتم حبسهما سويًا في غرفة واحدة!

مرت الأيام وظل الإثنان حبيسان داخل ذلك السجن المشدد الحصين الذي لا يفهمان حتى الآن سبب دخولهما إياه! ولم يتحدثا سويًا بل كانا متخاصِمَين .. حاولت شمس الوصول بأي طريقة لهما، لكي تُخرجهما من السجن والتي لا تعلم أين مكانه حتى الآن ولكن لها طريقتها وستستطيع إيجادهما بها .. في يومٍ ما .. كان جواد يأكل طعامه في قاعة الطعام بالسجن بين السجناء وكان فيليب يجلس بمكانٍ آخرٍ غير مكانه يراقبه بهدوء أثناء تناوله للطعام انتبه عندما اعتدل جواد وانتبه أنه قد فرغ من صحنه وكان يبدو أنه مازال جائعًا تابعه عندما تحرك ليُعطي صحنه الفارغ للسجَّان لكي يقوم بوضح المزيد من الطعام به ولكنه اصطدم بأحدهم ..

- ألا ترى أمامك!

رمقه جواد بهدوء وأردف:

- أعتذر.

- لم أقبل اعتذارك.

تجاهله جواد وأكمل سيره ولكن ذاك الشخص اقترب نحوه ..

- أنا أتحدث معك يا هذا!

تجاهله جواد أيضًا، اقترب ذلك السجين ليلكمه ولكن استطاع جواد أن يتفادى لكمته وأخذ الإثنان يتقاتلا وتحمس السجناء بداخل ذلك السجن وأخذوا يطرقون على طاولات الطعام بداخل القاعة .. ولكن لم يكن هناك توافق جسدي تمامًا، حيث أن من يقاتل جواد هو شخصٌ ضخم جدا! كان جواد يحاول فقط أن يتفادى ضرباته .. حيث أن الشخص يقترب ليلكمه بقوة ولكن جواد يبتعد للخلف بسرعه لكي لا يتلقى أي ضربة .. شعر الرجل الذي يهاجمه بالغضب بسبب تفادي جواد لضرباته المستمرة واقترب نحوه يعتمد على بنية جسده وثقله في هزيمة جواد وقام بلكمه بقوة وعلى إثرها نزف فم جواد والذي أعطاه بعد ذلك بعض اللكمات والركلات في معدته ولكن عجبًا ذلك السجين لم يتأثر بأي شيء!! بل كان يقهقه ..

- أنت تدغدغني.

عقِدَ جواد حاجبيه بضيق وكاد الرجل أن يقوم بلكمه صعد جواد بسرعة على إحدى الطاولات بسرعة مما زاد حماس المسجونين صعد ذلك الرجل خلفه وكاد أن يقترب منه ولكن أوقفه صحن فارغ قد قُذِفَ نحوه ..

وأحدهم تحدث بغضب:

- أنت أيها الحقير .. أُتركه وشأنه.

ولم يكن سوى فيليب من فعل ذلك ..

التفت السجين الضخم يُطالعه بغضب:

- أنت أيها العجوز من قمت بفعل ذلك؟

تحدث فيليب وهو يرمقه بغيظ واستفزاز:

- أتتحدث معي أنا يا هذا؟

- ومن غيرك العجوز هنا؟

قهقه فيليب بسخرية:

- سأُريك ماذا سيفعل بك العجوز الآن أيُها الفتى الوقح!

بدأ السجناء يصرخون بحماسة أكبر حينما تقدم فيليب إلى وسط الدائرة التي يُحيطها السجناء المشاهدين، وقد بدا عليه الهدوء المريب، ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة. كانت عيناه مثبتتين على الرجل الضخم، لا يرمش، لا يتراجع.
تقدّم الرجل بخطوات متثاقلة نحو فيليب، وقال بازدراء:

- وماذا ستفعل؟ تكاد عظامك أن تتحطم من نسمة هواء!

لكن فيليب لم يردّ، بل بسط ذراعيه، واستعدّ... ثم أردف بهدوء قاتل:

· جربني إن كنت تجرؤ.

باغته الرجل بلكمة سريعة حينما اقترب منه ولكن فيليب مالَ بجسده الرشيق والممتلئ بالعضلات في ذات الوقت جانبًا متفاديًا الضربة، ثم استدار بسرعة خاطفة ولكمه تحت ذراعه مباشرة في موضعٍ دقيق. تأوه الرجل وارتبك للحظة؛ فاستغل فيليب الفرصة ولكمه مرةً أخرى في صدره، ثم لكمه بقبضة قوية في وجهه، مما جعله يترنح إلى الخلف.

شهق السجناء بدهشة، وبدأوا يصفقون على الطاولات ويلوّحون بأذرعهم في الهواء، وكأنهم يشاهدون نزالًا أسطوريًا.

انضم جواد إلى النزاع مرة أخرى وهو يمسح دماءه من فمه ووقف الإثنان بجانب بعضهما البعض متحفزان لإكمال القتال سويًا .. اقترب السجين بغضب شديد نحوهما متحدثًا بوعيدٍ شديد:

- سأسحقكما سويًا.

لكن في اللحظة التي همّ فيها بالانقضاض، ارتدّت قدماه عن الأرض (أي ارتفعت عن الأرض قليلاً) بفعل ركلة مزدوجة من فيليب وجواد، كانت متقنة وموجهة إلى صدره مباشرة، كأنها جاءت بتنسيقٍ صامت بينهما، فسقط أرضًا مترنحًا وسط ذهول الحاضرين .. اقترب فيليب من ذلك الشخص الذي فقد وعيه وأردف بهدوء:

- ذلك جزاء من يفكر أن يؤذي من يخصني.

ثم التفت لجواد وتحدث:

- إنت لسه جعان؟

لم ينتظر رده وذهب يأخذ صحنًا نظيفًا ويُبعد الرجل الذي يُعطي الطعام للسجناء عنوة عنه، ووضع الطعام بكثرة في الصحن الذي بيده وقدمه لجواد ..

- كمل أكلك.

ثم عاد ليُكمل طعامه هو الآخر في وسط ذهول الحاضرين وبعدها تدخل الضباط في إنهاء ذلك الجمع وجعل الجميع يجلسون أماكنهم .. انتبه فيليب عندما جلس جواد بجانبه وحمحم بهدوء:

- شكرًا.

لم يُجِبه بل ظل صامتًا ولكنه فتح عينيه نصف فتحة وأردف:

- إعدل لياقتك.

قام جواد بضبط ياقته وأكمل طعامه بهدوء وفي ذات الوقت يحاول كتم ابتسامته وكان فيليب أيضًا يفعل ذلك ولكنهما لم يستطيعا وقهقها سويًا لهدة لحظات ثم نظرا لبعضٍ قليلًا وكاد أن يتحدث فيليب ولكن قاطعهما تحدث أحد الضباط:

- السجين جواد، آتتكَ زيارة.

رفع جواد حاجبيه بعدم فهم وفيليب أيضًا فلم يستطيعا أن يصلا لأحد خلال الآونة الأخيرة لأنهما فهما أنهما معزولان عن العالم تمامًا! من ذلك الذي استطاع أن يصل إلى جواد!

اعتدل وتبعهم وكان فيليب يتابعه بعينيه حيث يذهب .. دخل جواد غرفة الزيارة الصغيرة تلك وتفاجأ بوجود عاصم أمامه وتحدث بغضب:

- إنت بتعمل إيه هنا؟

رفع عاصم حاجبيه بدهشة من طريقته تلك وتحدث:

- إنت بتكلمني كده ليه؟

اقترب جواد يمسكه من ياقته بقوة متحدثًا بغضب:

- إنت هتستعبطني؟؟ إنت اللي جايبني هنا يا عاصم .. برده نفذت اللي في دماغك وضريتني!

أبعده عاصم عنه بصعوبة وهو يهندم ملابسه مرة أخرى وتحدث بضيق شديد:

- إنت بتقول إيه! مهما كانت الخلافات بينا يا جواد عمري ما أعمل كده.

- أومال تفسر وجودي هنا إيه؟

- مانا ده اللي جاي عشان أفهمه بعد ما شمس وصلتلي عن طريق صباح دورت عليك من خلال الوزارة ووصلتلك هنا، اللي نفسي أفهمه!! طالما متحاكمتش إزاي يحبسوك هنا!! المفروض تترحل لمصر لو عملت حاجة؟ إنت حبسوك عشان إيه يا جواد؟

دُهِش جواد من حديثه لا يستوعب ما يقول .. إن أغلب كلامه صحيح ثم أردف:

- هما بيقولوا إننا بنهدد الأمن

- عملتوا إيه يعني عشان تبقوا كده؟

ظل يفكر كثيرًا ولكنه لم يجد إجابة .. وأخذ يحدث نفسه ..

- المفروض إن حتى المهمة الأخيرة دي محدش عرف بيها لإن لو حد عرف بيها المفروض كله يكون مقبوض عليه دلوقتي.

ثم رفع رأسه يتساءل وهو ينظر لعاصم:

- أومال مين اللي ليه مصلحة إنه يحبسني أنا وفيليب.

في مكانٍ آخر في روسيا وفي ذات الوقت:

نزل من سيارته وهو يتحدث في الهاتف في بعض الأشياء ..

- حسنًا حسنًا .. ذلك رائع يمكنكَ إخراجهما من الغد إذا .. هل الرجل الذي أبرحاه ضربًا مازال حيًا؟

ذلك ماتحدث به أندريه بانشغال وهو يُخرج باقة ضخمة من الزهور من حقيبة السيارة الخلفية ..

- أوتش! .. أتمنى أن يكون بخير سوف أضطر لدفع مبلغًا طائلًا إذًا .. أتمنى ألا يقتلني فيليب على فعلتي تلك .. شكرًا لك عزيزي جُوِّي سنتذكرك في الأفراح دائمًا صديقي، إلى اللقاء.

انتظروا الخاتمة 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1