رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل الثالث و الثلاثون 33 بقلم جميلة القحطانى


رواية هو لا يحب النساء وانا إمرأة الفصل الثالث و الثلاثون بقلم جميلة القحطانى


مرّت ساعات، ثم أيام…
الولد لا يعرف ماذا يفعل، ينام بجانبها، يحاول أن يوقظها، يأكل بقايا الخبز اليابس، يشرب من صنبور الحمّام.
يبكي، يصمت، ينام، ويستيقظ ليجدها ما زالت لا تردّ.
كانت الشقة مغلقة، الستائر مسدلة، والحيطان لا تبوح.
رائحة الموت فقط كانت تدقّ الأبواب من الداخل.
بعد أسبوعين، شمّ الجيران الرائحة.
طرقوا الباب، لا رد.
كسروا القفل، واقتحموا المكان.
وجدوا جسد ندى متحللًا، وولدها يحتضنها دون وعي، يبكي بلا صوت.
عيناه شبه مغلقتين من الجفاف، وشفاهه متشققة.
عندما حمله أحد الجيران، همس الطفل بخفوت:هي ماما زعلانة مني؟ ليه ما بتردش؟
في المستشفى، نجا الطفل بأعجوبة.
لكن قلبه تغيّر…
كلما رأى بابًا يُغلق، خاف أن يُغلق إلى الأبد.
هناك مئات مثلهما، لا يراهم أحد.
أمهات يبتلعهن التعب، وأطفال ينامون على وسادة من الصبر.
كل ما كانوا يحتاجونه… أن يسأل أحد:إنتي كويسة؟ محتاجة حاجة؟
تم تحويله لاحقًا إلى دار رعاية. وهناك، بدأ فصل جديد، ليس أقل قسوة من سابقه. الغرف باردة، الأطفال كُثر، لكن لا أحد يشبه أمه، لا أحد يناديه "حبيبي"، لا أحد يقرأ له قصة قبل النوم أو يربت على رأسه عندما يخاف.
كان يجلس في الزاوية، يحضن دُميته الصغيرة الباهتة، لا يتكلم كثيرًا، يتبع المربّية بنظراته فقط. كل يوم يسأل نفسه بصوت منخفض:ماما، انتي راحتي فين؟
كان يسمع الأطفال يتحدثون عن زيارات أهلهم. هو لم يزره أحد. لا أقارب، لا أهل، لا سؤال. ندى كانت كل شيء، وبموتها أصبح لا شيء في عيون المجتمع.
مرّت شهور. تعلم سليم كيف يصمت. كيف يُخفي دموعه. كيف يبتسم حتى لا يُسأل.
لكنه لم ينسَ. في كل مرة ينام، يحلم بأمه. يراها تضع الغطاء عليه وتقبّله بين عينيه.
كان يهمس في نومه:أنا كويس يا ماما… مستنيّك.
وفي أحد الأيام، دخلت متطوّعة جديدة إلى الدار. اسمها حنان. كانت حنونة فعلًا. جلست بجانبه، سألته عن اسمه، مدّت له قطعة بسكويت، ثم ابتسمت.
شيء في نظرتها ذكّره بأمه.
لأول مرة، اقترب سليم من أحد، وسأل بصوت مرتعش:
لو سمحتي… ممكن تبقي ماما؟ حتى لو بس شويه؟
كانت سما تعيش حالة من التوتر الداخلي لا يشبهه شيء. انتهت الاختبارات، لكن الخوف الحقيقي بدأ الآن. لم تكن تخشى النتائج بقدر ما تخاف من خيبات الأمل، من الأعين التي تترقّب، من والدتها التي لا ترى فيها سوى رقم ينبغي أن يتجاوز التسعين،.
تعليقات