رواية علاقات سامة الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم سلوى فاضل


 رواية علاقات سامة الفصل الرابع والثلاثون 


ملأت وجهه الصَّدمة، لم يستوعب عقله ما حدث ويحاول العثور على تفسير مناسب، لحظات مرت عليه سنون، عينه متعلقة بباب غرفتها يراقب حركة الطبيب والتمريض مِن حوله، حالة من الهرج لسوء حالتها، جفاف وسوء تغذية متفاعلان مع مرض السُّكري، يبثه طارق بضع كلمات من حين لآخر محاولًا تهدئته دون جدوى، ورغم عدم سماح الطبيب له بالدلوف إليها إلا أنه رفض المغادرة، وجلس أمام غرفتها. 

انتفض مستيقظًا مع بداية نشاط الحركة بالرِّواق، طالع المكان حوله يتمنى أن يكون كابوسًا وانتهى، لكنه واقع مرير، نظر إليها عبر زجاج غرفتها وبداخله مزيج من مشاعر متضاربة، يتذكر كلمات الطبيب عن مدى سوء وضعها وأنها ستستغرق بضع ساعات أو أيام لتشعر بالعالم حولها، مضطرًا سيعود لروتينية حياته منتظرًا عودتها من هروبها. 
بضع أيام مرت وهو يقسم يومه بين عمله ووالدته ثم يقضي باقي اليوم يطالع بابها، ومنفصلة عن واقعها هاربة منه لأخر افتراضي. 

بدولة عربية شقيقة، مر على وصولهم بضعة أيام، استعادت ريڤال نمط حياتها، وبدأت مع شهاب حرب باردة، كل منهما يحاول فرض سيطرته على الآخر، نزال مستتر ومشادات عابرة وقعت بينهما، هي نشيطة بطبعها، لا تحب إدخال الأغراب، تستقبل خادمة مرة كل فترة لتنظيف عميق للمنزل، تحافظ عليه ولا تترك خلفها أي أثر، لكن فرد غير ثلاثة، وثلاثة متعاونين يختلف عن ثلاثة بينهم شهاب، أسلوبه الآمر الحاد لا يلائمها، متمردة بطبعها وتكْـسَر القُـيُود، لم يحاول شهاب فهم طبعها مقتنع أن التدرج في فرض رغباته هو ما يناسبها، بدأ برفض التَّعاون أو المحافظة على المكان، يراه خطوة أولى لفرض تحكمه، يعتقد أنَّها لا تعلم نواياه. 

هي الحلقة الضَّعيفة والهشَّة بينهما، منذ الوهلة الأولى أعلنت لها ريفال وجوب الاعتماد على نفسها بكل تفاصيلها بداية مِن ترتيب غرفتها، وإن احتاجت للمساعدة فعليها سؤال والدها، وشهاب غارق برغبة عارمة لترويض فرسته الجامحة، طفلة باتت ذابلة بلا اهتمام ولا حب أو حنان، نبتة جُزَّت من أرضها وبخلوا عليها بأخرى بديلة؛ فانزوت وانغلقت على نفسها، تحاول تجنب الجميع. 

تجلس ُبمكتبِ فخم لأحد الشَّخصيات المرموقة بالدَّولة، تعلو وجهها ابتسامة عريضة تتحدث وكأنَّها بمكانها وبأريحية شديدة: 
-    والله اشتقنالتچ، كل هاذي غيبة، ظنيتك ما راح تعودين. 
-    ليش يا بو عبد الله، ما طولت لها الدرچة. 
-    لا ريڤال ابغاتچ تتكلمين مصري، أنا اعشق المصري. 

أطلقت ضحكة رنانة مدوية، وعقبت بنبرة أنثوية متلاعبة: 
-    تحب المصري والمصرين يا أبو عبد الله، أنا ما طولتش قوي كدة الموضوع وما فيه أبويا وأمي صمموا اتجوز في مصر، خصوصًا بعد اللي حصل. 
-   ايش اللي صار؟ أرى أهلك مكبرين ها الموضوع، ليش ما تچوزيني ريڤال، تعلمين أني اعشقتچ. 
-   مِن القلب للقلب، بس مراتك لمَّا عرفت حاولت تقتلني، وأنت عارف عيليتها مين؟ وفي الأول والآخر أنت جوزها وأبو عيالها، ولما حبت تتخلص مِن حد دارت عليا. 
-   ما تذكريني، كنت راح موت بجهري عليتچ. 
-    والعمر مش بعزقة، عشان كده وافقت على الفكرة. 
-    تشوفيني جليل ريڤال. 
-     توء، مش قليل، بس عيلة مراتك قريبة من العيلة المالكة، ومش هيسمحوا إن سيرتهم تتمس بسوء وجوازي أسلم حل عشان يتأكدوا، إني بعيد، ويحلوا عني. 
-   خبريني عن زوجتچ، ريال زين؟ 
-    الغدنفر. 
-   ايش هاذا الغدنفر؟ شكلوا ما ريال زين. 
-     تصدق أنا رفضته مِن قبل ما أشوفه، واخد في نفسه قلم محترم، وقبل ما تسأل عامل زي الطَّاووس، ريش على ما فيش، لكن أهلي أصروا، وشرطوا رجوعي بالجواز، ولما قعدت معاه الحقيقة أثار فضولي، فقولت اكسب فيه ثواب وأربيه، أهو أصلح اللي أبوه وأمه فشلوا فيه. 

ضحك بصخب ثُمَّ التقط أنفاسه معقبًا: 
-   مانك سهلة، والله كل ما اجعد وياتچ، تبهريني، والله كلي شوج، أعرف شو راح تسوين، تعتجدين راح تجدري عليه وحدك. 
-    ليه وحدي، وينك يا ريال؟ 
-    عامجولتچ مانّك سهلة وايض، ايش سويتوا لأيام الماضية. 
-     قرفني، سي السَّيد حضرتوا مش عايز يشيل حاجة من مكانها، بالعافية يتحرك يعمل حاجة، وشغل البيت لتلاتة كتير. 
-     ليش تلاتة؟! 
-      مخلف بنت، أخدها من أمها عافية، وأمها ضعيفة فرض عليها سلطته. 
-      سهلة نچوزها.

أطلقت ضحكة رنانة ثُمَّ استرسلت معتذرة: 
-    كل تفكيرك في الجواز، البنت لسه صغيرة حوالي عشر حداشر سنة مش فاكرة، لسه عيلة يعني 
-    أراكِ توصلتي لحل. 
-    قاريني على طول، البنت أنا فهمتها تعمل كل حاجة لنفسها، وهي منطوية خصوصًا بعد ما ملوا دماغها بإن أمها سبيتها، الفكرة فيه هو، لسه بشوف عايز يوصل لإيه؟ راخية الحبل زي ما بيقولوا، ولو لقيته عايز شَدَّة هقولك. 
-     أنا في دهرتچ دايمًا ريڤال، شو ما بدتچ راح سوي. 
-    تسلم لي يا أبو عبد الله. 

كمَن يجلس على صفيح سَـاخن، ينفث لهــيب أنفاسه، ينتظر عودتها وعلى وجهه شَـرارات الغَضَب، فتحت الباب ودلفت للداخل، قرأت مكنونه فتجاهلته متجهة لغرفتهما، بدَّلت ملابسها ووضعت الطَّعام، جلس ثلاثتهم تناولوه، ثم انسحبت حلا بصمت ولم ينتبه لها شهاب، فجل تفكيره مُنصَب بزوجته وكيف يتصرف معها، وكما كان يفعل مع طيف تركها تنهي أعمال المنزل أولا وانتظرها بالغرفة، عندما دخلت وجدته جالس بتحفز فطنت سببه؛ فتجاهلته للمرة الثَّانية، اعتلت الأريكة المريحة المصممة لتحتل زاوية الغرفة المجاورة للفراش، فتحت هاتفها تتابع مواقع التواصل الاجتماعي، أتاها صوته مع إتمام جلوسها، امتلأت نبرته بغَضَب مكتوم: 
-    دوامك بيخلص امتي؟ 

طالعته بتدقيق، ثم أجابت بعدم اكتراث: 
-      خمسة. 

عادت لتصب تركيزها بالهاتف؛ فنهض وجذبه بعنف، فوقفت بغَضَبٍ مماثل وأخذت الهاتف بنفس الطَّريقة ثم رفعت سبابتها بوجهه محذرة: 
-    إياك، ثم إياك يا شهاب تتعامل معايا كدة تاني. 
-    لما أكون بكلمك تسيبي اللي في ايدك وتتكلمي معايا. 
-    ليه؟ وبعدين ما أنا رديت عليك ولا عايزني أقولها جملة كاملة صحيحة، تمام، لقد انتهى دوامي في تمام الساعة الخامسة، كويس كده. 

تحدث بعاصـفة هوجاء: 
-    أنت بتتريقي؟!! 
-    شكلك فاضي وأنا حقيقي مجهدة؛ فتصبح على خير أنا هاقعد بره وأنت البيت بيتك طبعًا، خد راحتك على الآخر أنا مش بنام دلوقتي.

تحركت نحو الباب فجذبها بغَضَب ودون مقدمات صفعها صفعة دوى صداها بالغرفة، توسَّعت مقلتيها بصــدمة، لم تتوقع فعلته، احمرت عينها من أوج سخطها؛ فتلك أول مرة بحياتها يقدم أحد على صفعها، حتى والديها لم يفعلا مهما أخطأت، ولن تقبل فعله، بل ستجعله يدفع ثمنه، ضيقت عينيها، كادت تطلق منهما الشَّرر، رفعت إصبعها وبأحرُف مشتعلة توعدته: 
-    ورب الكون يا شهاب لتدفع تمن القلم ده غالي قوي، لو فاكرني مراتك الأولى، هنزل تحت رجليك أعيط تبقى بتحلم، أنا اللي يفكر يزعلني يفكر بس أبهدله، وأنت مش فكرت أنت مديت إديك فمتزعلش من اللي هيحصل. 
-    حقيقي!

تحولت بسمة الاستفزاز العريضة والواثقة التي أعتلت وجهه مع كلمته الأولى لثورة غاضبة؛ فانقض على ذراعها بعنف: 
-     مفيش ست في الكون تقدر تدفَّع شهاب ثابت التمن، أدفع لمَّا أكون عايز غير كدة أنا اللي بَدَفَّع اللي قدامي التمن اللي عايزه، فاهمة! 

نفضت ذراعها منه وتركت الغرفة، ذهبت للمجلس كبركان ثَــائر لا يهدأ أبدًا، ومن فرط حنقها لم تستطع الجلوس، ظلَّت تدور حول نفسها وتحوم، لن تغفر له تجرؤه، تضع يدها على وجهها تتحسس أثر صفعته؛ فيزداد بركانها توهُّجًا، أرسلت رسالة نصية لأبو عبد الله: 
     «هاجي لك المكتب بدري قوي ما تتأخرش ضرورى» 

القت الهاتف وظلت على حالتها وشهاب بالغرفة يشعر أنَّه انتصر بأول خطوة. 

مع بداية فرد الشمس لأشعتها كانت تنطلق بسيارتها متجهة إلى مكتب أبو عبد الله، وبرؤية معالمها فطن لقوع خطبًا جلل. 
-     شو اللي زعل الجمر؟ 
-     أبو عبد الله، أنا عايزاك تجيب لي حقي، الحيوان ده مد أيده عليَّا، أنا ريڤال، هو فاكر نفسه مين؟ 
-      يا عيب الشوم، ريال يضرب مرا، مانه ريال، والله اجيب حجتچ، اجعدي، نشوف عجاب زين، يرضي الجمر. 

بعد فترة تفكير بسيطة أردف وقد وجد ما يصبو إليه: 
-    والله عندي فكرة زينة، تچيب لك حجتچ وبالجانون، وتتنفذ بيد غيرنا. 
-     ازاي يعني؟ وليه مش بايدنا؟ 
-     تجولون بمصر ايش؟ اخد الحج حرفة، مو صح؟ 
-      ايوة؟ 
-       بهاذي الفكرة، راح تاخدين حجتچ، بدون ما يكون لك يد، وهو ما يجدر يسوين لك شي، ولا يجدر يرفع عينه بكيتچ، راح يستحي يعترف أنك خلف ما راح يسير بالأصل. 
-     إيه هو اللي راح يسير؟ 
-     هاذي ريڤال حجي، هالحين احنا راح نسوي حيلة، جصة يظهر منها أنه حاول يسرج سيارة، صاحبها تركها مفتوحة بالطريج ونسوي بلاغ بالمغفر. 
-     بس العقوبة صغيرة، ما تجيش حق القلم ولا انتظاري لحد ما الشمس تطلع. 
-    خمسة أيام، وجوف، ما سهلة ريڤال، وهو كيف ما جولتي ما جرب حدا يؤمر عليه، وعشان ما تزعلي، راح نعطيه عجوبة تعزيزة عشرة جلدات، زين! 
-     عشرين. 
-     والله لاجل هاذي لعيون سوي أي شي، ما ريدك غَضَبانة. 

  لم يمر اليوم وسوي وشهاب بالمغفر، ولأول مرة يجرب الظلم، وبالفعل حكم كما ارادا، ووجهت له  أول صفعة حقيقة من الحياة. 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1