رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السابع و الثلاثون 37 بقلم رحاب ابراهيم حسن

  


رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السابع و الثلاثون بقلم رحاب ابراهيم حسن


سار أكرم بسيارته لمسافةً طويلة حتى وقفت سيارته عند مدخل نهري به عدة " لانشات " متحركة ومجهزة للتحرك ... خرج من سيارته ومعه جيهان التي ابتسمت وبدأت تستنتج الأمر ... وتحدث أكرم مع أحدى الرجال لبعض الوقت ثم أشار له الرجل على" لأنش" كبير كأنه شقة متنقلة ضيقة المساحة ! ... ويشبه مراكب السفاري بعض الشيء بحجمه وهيئته. 
وختم أكرم حديثه مع الرجل وأخذ جيهان وصعدا على متن اللانش وبمهارة واحترافية حركه بيسر دون أي عوائق وكأنه اعتاد على ذلك .. !! 

وبعد لحظات انتظرتها جيهان حتى يأت وينتهي من احتياطات الأمان ... أتى أكرم أخيرًا ولكن شهقت جيهان بصدمة عندما رأت ما بيده !!!!.

أو بالأصح ما تحمله كل يد على حدا! 
شتان بينهما ! .... كالقنبلة والزهرة ! 
ولكن جيهان شهقت فزعا لما يحمله بيده اليسري وكان مسدسا !! 
وتمتمت بفزع بعدما هربت الدماء من وجهها وقالت بحشرجة :
_ ايه ..   اللي في ايدك ده ؟! 

نظر أكرم لسلاحه الخاص المرخص ببساطة وقال :
_ ده للأمان ما تخافيش .. أكيد يعني مش هاخدك معايا في مكان زي ده من غير شوية احتياطات .. وما تقلقيش ده مترخص.

استطاعت جيهان أن تبتلع ريقها بصعوبة ولكنها لم تنجح في مقاومة هبوط ضغطها من حدة الصدمة عليها، فشعرت بالدوار ريثما أنها بالفعل تعاني من دوار البحر ! 

واستندت على الحاجز المعدني وهي تحاول المقاومة وعدم السقوط ، وسريعا اقترب منها أكرم بعدما القى سلاحه والألة الموسيقية الذي كان يحملها باليد الأخرى وقال بقلق حقيقي وهو يحيط خصرها بيديه  :
_ مالك حصل ايه ؟ 

ازدردت جيهان ريقها وقالت بخفوت :
_ حاسة بدوخة وهبوط .. 

وشعر بهزال جسدها بين يديه حقيقةً، فحملها وسار نحو الكابينة المعدة للراحة بالمركب ، ليضعها بعد ذلك على الفراش الصغير بداخل الكابينة وهمس لها متسائلا بقلق :
_ انتي بتترعشي كده ليه ؟! .. أنا هرجع واوديكي لأقرب مستشفى. 

وقبل أن يبتعد وينفذ ما يقوله تمسكت جيهان بذراعه وقالت :
_ أنا كويسة والله ، بس الصراحة اتخضيت لما شوفت المسدس في ايدك .

نظر لها أكرم لثوان بدهشة ثم ضحك وقال:
_ افتكرتيني هقتلك ولا ايه ؟! 

لم تجيب جيهان وشعرت بسطحية تفكيرها لأن هذا أول شيء خطر بأفكارها بالفعل .. ومن صمتها اتأكد من تخمينه فضحك أكثر ،ثم ضمها لصدره وهمس بابتسامة واسعة صادقة :
_ لو أعرف أنك هتتخضي كده مكنتش خليتك تشوفيه ، بس غالبًا بشيله معايا خصوصا في القصر الجنوبي .. أنتي عارفة انه في مكان مقطوع أصلا وبعيد ومش صعب أن حد يحاول يدخله ..

وضيق عيناه بابتسامة ماكرة لعيناها وقال :
_ زي ما أنتي دخلتيه كده من غير ما أعرف ولا أحس .. اقتحمتيه بمنتهى السهولة ولا قدرت أمنعك. 

اعترضت وقالت بغيظ :
_ الولاد اللي دخلوني القصر أنا مدخلتهوش من نفسي. 

أبعد أكرم خصلة من شعرها عن عيناها ونظر لها بعشق وقال :
_ انا ما اقصدش القصر يا جيهان ... أنا بتكلم على قلبي ، من أول مرة شوفتك فيها ، لما عربيتك وقفت على الطريق قبل ما تروحي للقصر الجنوبي وجيتلك .. لما بعدت بخطوات حسيت بحاجة غريبة شداني أرجع ليكي .. بس لحسن حظي أني مرجعتش. 

اخفت جيهان ابتسامتها وتوترها وسألته بصدق:
_ من حسن حظك ؟ 

أكد اكرم :
_ لو كنت رجعت وساعدتك مكنش هيبقى في بينا حكاية ، كانت هتبقى صدفة طريق وهتعدي وكل واحد هيشوف طريقه ..  لكن قدرنا جمعنا بطريقة متخيلتهاش ، حتى لما شوفت بليل لما رجعت للقصر .. كنت متخيل أني من كتر التفكير فيكي اتخيلتك .. بس بعد كده اتأكدت انك فعلا في القصر ، في اوضة السطوح مستخبية ... ورغم كده محاولتش أكشفك .. كنت من جوايا مبسوط .. ولما اتنكرتي في شكل هريسة بتاع الحلويات كنت طول الوقت بضحك بيني وبين نفسي .. وعايزك تفضلي .. أنا كاشفك من أول دقيقة ظهرتي فيها كولد .. بس سكت بمزاجي .. ولمزاجي. 

ضحكت جيهان عندما تذكرت وقالت وهي تعتدل في جلستها وقد تحسنت حالتها :
_ الولاد هما اللي أقنعوني أتنكر كده عشان أنت مش بتقبل أي حد غريب يدخل القصر ، بس .....

وسكتت قد تبدل مرحها للخوف والشك ، فسألها أكرم وهي يبعد تلك الخصلات عن عينيها برقة :
_ بس ايه ؟ 

قالت له والخوف والحيرة بعينيها :
_ أنت خلتني مابقاش عارفة اللي بتقوله صدق فعلا ولا حاجة تانية ... يعني اللي أنت قولته من شوية ده حقيقة .. ولا ؟ 

وكان جوابه أنه ضمها لقلبه بجنن وهمس يقسم لها بعشقها ومرت عليهما دقائق كان أصدق وأرق ما مرا بحياتهما معا .. لحظات من السعادة الخالصة ، والحب الذي تخطى المنطق والعقل .. واختبرت معه لأول مرة بحياتها شعور كيف تعشق المرأة بجنون .. 
شعور كانت تبحث عنه لسنواتٍ وسنوات ... ولكنها مهما تمنت وتخيلت سعادتها ، ليست بوصف الوقوع كليًا وبواقعية بمنتهى الحب والوله برجل تعشق حتى نظرات عينيه .. 

__________________________________

في ممر طويل بمشفى خاص .. 
ركضت نوران ومعها ولدها المراهق فادي ، يتسائلون هنا وهناك عن شاب نقل لهنا منذ ساعة تقريبا إثر حادث مروع ... وأخبرتها موظفة الأستقبال مكانه تحديدًا ... 
وركضت بعدها نوران وهي تبك وتنوح ويركض معها فادي وعلى وجهه علامات الفزع والخوف من الآت. 

وحينما وصلا للطابق الثالث وجدت ممرضة تخرج من الغرفة رقم ٣٥ فسألتها نوران بهلع :
_ أبني حصله ايه ؟! .. 

سألتها الممرضة برسمية :
_ هو حضرتك والدة الاستاذ هيثم ؟ 

اومأت نوران رأسها بخوف وبكاء وقالت :
_ أيوة أنا أمه ، حد من المستشفى كلمني وقالي ان ابني هنا !. .. أبني فين وايه حصله ؟ 

ظهر على وجه الممرضة الشفقة وقالت :
_ هو موجود .. بس .....حضرتك ادخليله بس ارجوكي بلاش صوت عالي خالص .. هو وضعه صعب ،  ربنا يصبرك. 

ربتت الممرضة بنظرات شفقة على ذراع نوران التي كادت أن تسقط ، وسرعان ما دخلت الغرفة الطبية التي وجدت هيثم بداخلها ممددا على فراش طبي ويتمتم بعينان مفتوحتان على آخرهما ويبدو وكأنه يحتضر وبلحظاته الآخيرة .. 

شعرت نوران بثقل شديد بجسدها وقلبها وكأنه ينعصر من الألم ، واقتربت له بثقل وهي تبك وتنتفض .. ثم قالت بخفوت :
_ حصلك ايه يا حبيبي .. الف سلامة عليك يا أبني .. 

تمتم هيثم للحظات وعيناه تنفرحان أكثر فأكثر وكأنه ينظر لشيء يرعبه .. وبصعوبة توجه بعيناه لها وتمتم بأحرف متقطعة ثقيلة :
_ ال .. صح .. في ،.. الح ..قي ، زا. ..يد ، خلـــ يـه .... يســ ا محني ..

شهقت نوران من القهر والبكاء بعدما ادركت أن أبنها بلحظاته الأخيرة ويطلب المغفرة ويترجاها أيضا .. نظر لها برجاء مخيف ودموع نزفت فجأة بعيناه .. كأنه يتوسل أن تفعل ما يطلبه منها .. فقالت نوران بقهر :
_ أنا مش فاهمة يابني أنت عملت ايه ، طب اعرف منين اوصل للصحفي ده ؟ 

تمتم هيثم بصعوبة شديدة :
_ التلــ ...يفون ، رقمه ..

فهمت نوران الأمر وقالت بأنهيار :
_ حاضر ، هجيب تليفونك هما اكيد محتفظين بيه هنا ، وهوصله .. بس عشان خاطري قوم بالسلامة ، ما توجعش قلبي عليك يا هيثم .. 

وأشار لها هيثم بصعوبة أن تذهب وتأت بالهاتف ، وسرعان ما جعلت نوران فادي أن يذهب ويستلم مقتنيات هيثم الشخصية والذي من بينها هاتفه الذي وللغرابة لم يمسه أذى سوى كسر طفيف !!.. ولذلك استطاعت المشفى أن تصل لرقمها بسهولة بعدما عثر على الهاتف ساقطا أسفل السيارة بعد الحادث. 

وبعدما استطاعت نوران أن تفتح الهاتف ببصمة اصبع ولدها هيثم وجدت رقم الصحفي ، وكان الرقم قبل الآخير .. وعندما اجرت اتصال على الرقم وأجاب الآخر قالت له :
_ أنا والدة هيثم اللي كلمك عشان موضوع زايد .. وعايزة أقابلك ضروري .

حاول الصحفي المراوغة والنفي ولكنها قالت :
_ لو عملت اللي هقولك عليه هدفعلك مليون جنيه وهتاخدهم كاش النهاردة ... بس تعلالي دلوقتي ضروري.

وللغرابة وافق الصحفي وقال :
_ ساعة بالكتير وأكون عندك .. ممكن العنوان ؟ 

أخبرته نوران عنوان بقرب المشفى وبعدها انهت الاتصال ، ثم نظرت لهيثم الذي ساءت حالته وبدأ يلتقط أنفاسه بصعوبة ، ثم نظر لها وقال بدموع ورعب حقيقي:
_ ياريت .. لو باقي .. في عمري.. يوم واحد بس .. كمان ، كنت صلحت .. حاجات كتير ، خليه يسامحني .. أنا عذبته .. كتير. 

وبعدها شهق هيثم وفاضت روحه إلى باريئها وأنشق قلب أمه بالقهر على فراقه ... وظلت تصرخ وتبكي بغليان وهي تنظر له وحاول فادي أن يهدأ من روعها رغم حزنه الشديد على فراق شقيقه هيثم ... 

وتم نقل نوران لغرفة بالمشفى بحالة أنهيار عصبي شديد ...

___________________________________

بفيلا عائلة زايد ....

قد استعد زايد ومعه زوجته الحبيبة فرحة ليخرجان ليحتفلا بالمناسبة السعيدة في تأسيس شركته الجديدة ، وهمست له بمزاح :
_ شوفت بقلظ أبني وشه حلو عليك أزاي يا زوز .. الواد حملت فيه من هنا والسكك اتفتحتلك من هنا .. واد عسل زي أمه. 

ضحك زايد وقال :
_ بقا أبني أنا هتسميه بقلظ !  ... وبعدين مش يمكن انتي حامل في بنوته ؟ ... يا سلام لو كانت بنت ، هخليها أكتر بنت مدلعة في الكون .. هتبقى حبيبة بابي .

ربتت فرحة على بطنها بخفة وقالت :
_ حاسة أنه ولد .. وبصراحة بقا أنا عاملة حسابي اجيبلك عشرين عيل .. اه ، يلهوك كده ومايخلوكش تبص برا .. 

ضحك زايد على حديثها حينما أوقفه صوت هاتفه الخاص ، فتوقف وقال لفرحة :
_ ثواني اشوف مين !. 

وتركها وابتعد قليلًا ، وعندما رفع الهاتف لأذنه ليعرف من المتصل تغيرت معالم وجهه وتجمد وعيناه محدقتان بذهول وصدمة عندما اتصل به سائق نوران وأخبره ما حدث وعنوان المشفى .. 

اسرعت فرحة بقلق وسألته بخوف من غرابة مظهره الصادم :
_ في ايه يا زايد ؟! 

لم يجيب وظل متجمدا في مكانه للحظات وأثار الصدمة ظاهرة على محياه بذهول ، فأنتفضت فرحة بخوف وصاحت :
_ في ايه رد عليا ؟! 

ردد زايد ببطء والذهول يزداد أكثر على وجهه:
_ هيثم ... عمل حادثة .. ومات !. 

فغرت فرحة فاها من الصدمة ولم تستطع استيعاب ما سمعته للتو !! ..  

وبأقل من ساعة كان زايد يركض بممرات المشفى يبحث عن شقيقه فادي أو زوجة أبيه .. فأن كان ظل عمره الفائت بأكمله يكره هيثم فقد شعر صدقا بالضيق والخنقة لخبر موته المفاجئ هذا .. 
ووجد فادي ووالده يقفان بأحد الممرات بعدما أنتهيا من اجراءات خروج الجثمان بأسرع وقت .. 
وحينها ارتمى فادي باكيا بقهر على صدر زايد ، فضمه زايد بقوة وقال :
_ الله يرحمه .. أجمد كده، أنا والله بجد حزين عليه. 

شهق فادي من الحزن والبكاء وقال :
_ مش متخيل اني مش هشوفه تاني .. 

حزن زايد بصدق وشعر بتفاهة الصراعات الدنيوية التي حتما ستنتهي وينتهي معها العمر ويبقى الأثر !! 

ربت ممدوح على كتف أبنه وقال بدعم :
_ هو محتاج مننا دلوقتي الدعاء مش الدموع يا فادي .. تماسك على الأقل قدام والدتك ! 

سأله زايد بقوة :
_ هي فين دلوقتي؟

رد عليه فادي بين دموعه وقال :
_ جالها انهيار عصبي واتحجزت هنا في المستشفى .. حالتها صعبة أوي .

وفي خضم ذلك سأل أحد رجال المشفى عن أهل المتوفي ليشاركهم الغسل .. وانهار فادي أكثر فقال زايد له :
_ خليك أنت .. أنا هقف معاهم. 

شعر ممدوح بالاعتزاز لموقف أبنه زايد ، ريثما بعد الصراعات والمشاكل الكثيرة الذي سببها هيثم له خلال السنوات الفائتة .. ورغم تمسك فادي بالمشاركة ولكن زايد اعترض خوفا على شقيقه فادي من شدة الصدمة وقال:
_ لأ ..  خليك أنت ، أنا موجود .. 

وصمم زايد على رأيه ودخل غرفة الغسل بالمشفى ، وعندما دخل الغرفة الذي شعر فيها بقبضة منذ اللحظة الأولى .. عرف نفسه للرجلان المشاركان في الغسل :
_ أنا أخوه ..

وبدأ الأستعداد لغسل الجثمان مع ذكر الله والدعاء له .. اقترب زايد من هيثم الملقى جثة هامدة لا حول لها ولا قوة وشعر بتفاهة هذه الحياة بكل ما فيها .. وشي في نفسه جعله يقترب منه ويهمس بأذنه دون أن ينتبه أحدًا :
_ أنا مسامحك يا هيثم .. وارجوك سامحني لو زعلتك في يوم ، بس صدقني مسامحك بقلب راضي وبدعيلك بصدق .. الله يرحمك ويغفرلك. 

وظهرت بشاشة فجأة على وجه هيثم الجامد الذي لا حياة فيه وكأن روحه نالت السلام من تلك الكلمات الهامسة ، وكأنه رمى عن عاتقه ذلك الظلم الثقيل الذي كان سيلقي به ربه  .. 
وانتهت مراسم الغسل بتكفين الجثمان بالكفن الأبيض .. وخرج زايد واستعد لأخذ واجب العزاء بجانب والده ..

وبعد ساعات ... وقد تم الدفن .. 
امتلأت الفيلا بالسواد والعزاء رغم تأخر الوقت  ..  
وارتدت فرحة الأسود واستقبلت وفد النساء في زاوية مخصصة لهن .. 

وبكل لحظة تفكر ما حاله الآن بعدما كان يفكر ويخطط ويدبر كل لحظة في تدمير حياة زايد الذي لم يناله بأذى .. قصير هو العمر مهما طال .. ليت البشر يتعظون أنهم بيوم سيلقون الله بكامل أعمالهم وذنوبهم ..

وأتت ساعات الصبح الأولى ولا زال يأت الكثير للعزاء ويذهبون ..

_________________________________

استيقظت جيهان على شعاع خفيف دافئ من الشمس يتسرب من نافذة الكابينة الصغيرة ، والأغرب أنها انتبهت لعزف عذب على الة موسيقية .. تململت بابتسامة حقيقية مشرقة ثم اعتدلت بالفراش وانتبهت لأكرم الذي يجلس قبالتها على أحدى المقاعد ويعزف لها بابتسامة حالمة .. 

جلست على الفراش وظلت تنظر له بعشق وابتسامة لم تغيب عن وجهها .. ونظرت له نظرة كأنها ربحت أكبر جائزة بالعالم .. وبعد لحظات توقف أكرم واقترب لها قائلا بمحبة :
_ ده لحن لحنته قبل ما أعتزل .. بحبه أوي ،ومش مكتوب أن حد يسمعه غيرك .. 

قالت برقة :
_ شكلها اغنية رومانسية ..

رد أكرم وقال بابتسامة وهو يجلس قربها :
_ رومانسية فعلا ... بس مليانة عتاب من واحد لحبيبته ، خايفة منه طول الوقت بسبب حبه المجنون ليها ، وهو مرعوب لتمشي وتسيبه. 

اتسعت ابتسامة جيهان وقالت بشاعرية وهي تنظر حولها :
_ أنا اللي خايفة أمشي واسيب المكان ده .. حبيته أوي. 

تعلقت عيناه بعينيها في حديثا خاص ثم قال بعشق :
_ أجمل وأصدق ذكرى لينا فيه يا جيهان .. 

احمرت وجنتيها بحياء وابتسامة وقالت بارتباك :
_ هنمشي دلوقتي ؟ 

ابتسم وهو ينظر لعمق عيناها بعاطفة شديدة :
_ المفروض .. بس خلينا هنا يومين كمان ،انا هرتب كل شيء .. 

اتسعت ابتسامتها بسعادة حقيقية .. ثم أشار لصندوق صغير بالكابينة وقال :
_ كنت متوقع أننا هنطول شوية ،عشان كده عملت حسابي وجبت هدوم زيادة ليا وليكي . وبالنسبة للأكل ممكن أطلبه عادي ويجيلنا . 

لم تستطع جيهان أن تمنع نفسها من إبراز السعادة على ضحكتها وفرحتها الواضحة ...  ونهضت وهي تقفز من الفرحة وترتمي على صدره كالطفلة التي أتى لها أبيها بكثير من الدمى المحببة اليها... 

_____________________________________

ومرت ساعات النهار..  

وبفيلا عائلة زايد ..  وبين وفد كبير من الأشخاص الذين أتوا لتقديم واجب العزاء .. 
دخلت نوران بعينان منتفخة من الدموع وصمت مطبق ... نظر لها الجميع بشفقة والم .. ولكنها سارت نحو وجهه محددة .. أخذت خطواتها حيث زايد وهو يقف بجانب والده ويستقبلون الحضور ...
تتبعتها جميع الأنظار .. وظن البعض أنها بوقوفها أمام زايد أنها ستنال عليه باللكمات وربما تتهمه بما حدث .. لمعرفة البعض بمدى كراهية نوران لزايد.
ولكن ما أن وقفت نوران أمامه قالت بدموع القهر :
_ أنا عرفت أنك انت اللي غسلت أبني ووقفت في غسله ..

تنفس زايد بحدة وقال لها بشفقة وثقل شديد على صدره وهو يأخذ يدها ويربت عليها بلطف وحنان :
_ الله يرحمه ويصبرك .. 

انهارت نوران وهي تضم زايد بقوة وتهمس له قائلة :
_ حقك عليا يا ابني .. حقك عليا . 

ارتبك زايد بقوة وتأثر قلبه لذلك العناق الشديد منها المليء بعاطفة الأمومة ... وقال لها برقة :
_ تعالي ادخلي وارجوكي أهدي ...

رفعت نوران يديها المرتعشتان لوجهه وقالت برجاء :
_ عايزة اتكلم معاك ضروري .

نظر حوله وقال بأسف:
_ مش هينفع دلوقتي .. نأجل الكلام لبعدين. 

ضممت نوران برجاء وبكاء ،فهمس ممدوح وقال له :
_ روح معاها يا زايد .. أنت مش شايف حالتها ؟ 

وهنا انصاع زايد لرأي والده وأخذ زوجة أبيه لمكتب والده الخاص بالفيلا .. 
وحينما دخلا للمكتب وقفت نوران أمامه بأنهيار وقالت :
_ سامح أبني الله يخليك .. ده كان آخر طلب ليه قبل ما يموت ، ابوس ايدك يابني سامحه ..

وسقطت على يده لكي تقبلها بالفعل ، ولكن زايد سحب يده سريعان وقال لها بألم :
_ والله العظيم مسامحه .. من غير ما اي حد يطلب مني اول ما دخلتله في الغسل قولتله أني مسامحه .. طمنته وسامحته من كل قلبي ... يمكن تستغربي لو قولتلك أن خبر موته مش عارف أزاي وجعني رغم كل المشاكل اللي كانت بينا ... بس مكنتش أحب أن النهاية تبقى كده ..

انهارت نوران وهي ترتمي على صدر زايد وقالت :
_ هفضل أندم طول عمري على كل لحظة قسيت عليك فيها ، ياريت تسامحني أنا كمان .. 

ربت زايد على كتفها برقة وقال ليطمئنها اكثر :
_ المليون جنيه اللي ادتيهم للصحفي رجعتهم وهما مع فادي .. انا خلصت الموضوع بنفسي ..

ذهلت نوران ونظرت له بصدمة ، فقال زايد بتسامح :
_ بعد الدفن فادي قالي على كل شيء ، واتعاملت مع الصحفي وعرفت ارجع الفلوس ... انا ما أقبلش أن مخلوق يستغل حد من عيلتي ..

وقفت نوران مصدومة للحظات ، ثم قالت بأنهيار :
_ آخر طلب هطلبه منك .

قال زايد بأدب :
_ طبعا اتفضلي .

قالت نوران برجاء شديد محبة شديدة اقتحمت قلبها لزايد:
_ ما تمشيش من الفيلا .. ما تسيبش أمك وتمشي زي ما هيثم ما مشي .. أنت أبني ومش هتنازل أني اكون أمك حتى لو أنت اعترضت ..

ردد زايد تلك الكلمة بألم وفرت من عيناه دمعة رغما عنه عندما تذكر أمه  ... وقال لها :
_ أنا لازم ارجع للعزا تاني .. بعد أذنك. 

خرج زايد من المكتب وهو يمسح عيناه ، وقابلته فرحة التي قلقت من تلك المقابلة ، ثم دخلت لنوران لتعزيها ..  وقابلتها نوران بضمة وبكاء شديد ثم قالت لفرحة بتوسل :
_ أنتي كمان يابنتي لازم تسامحي هيثم .. ارجوكي حاولي ..

ربتت فرحة على يدها وقالت :
_ مافيش أي زعل جوايا لهيثم ، وبدعيله بصدق والله ، ربنا يصبرك على فراقه .. ارتاحي أنتي وأنا هاخد العزا بدالك ، أنتي محتاجة ترتاحي ...

تركتها فرحة وخرجت ، بينما نوران جلست على اقرب مقعد وقالت بندم وقهر :
_ ياريت كان بإيدي ارجع الزمن ، بس اللي أنت مقدرتش تصلحه يا هيثم أمك هتصلحه يا حبيبي عشان ترتاح ... وزايد بعد اللي عمله ده هيبقى هو وفادي في مكانة واحدة ...  هعوضه عن امه اللي اتحرم يا قلبي منها واتظلم كتير بسبب ظروف موتها .. أنا اللي هدافع عنه وأحميه من أي مخلوق يفكر يأذيه .. ياريتني عملت كده من زمان ولا زرعت فيك الكره من ناحيته ووصلتك للي وصلتله ..  الحق عليا يابني سامحني. 

وانهارت نوران بقهر ودموع عنيفة .. 

________________________________

وبالمركب النهري ....

ارتفع رنين هاتف أكرم ... وحينما أجاب لم يستطع سماع الصوت جيدًا من ضعف الشبكة وشدة الرياح حوله .. فأغلق الأتصال وقال ببعض القلق لجيهان :
_ ده رقم القصر .. الصوت مكنش واضح ، بس اكيد في حاجة خلتهم يتصلوا عليا ضروري كده ..

شعرت جيهان ببعض القلق وقالت :
_ يلا بينا نرجع القصر يا أكرم ونشوف في ايه ، انا قلقانة على الولاد ..

سألها أكرم بتردد :
_ طب واللانش و...

قاطعته جيهان وهي تنهض وتلملم أغراضها :
_ ممكن نرجع في أي وقت تاني ،بس انا مش هعرف أقعد وانا مش عارفة الولاد فيهم ايه !! .. مهما مش بعادة يتصلوا بيك الا لو في حاجة كبيرة .. 

وافقها أكرم وبدأ رحلة العودة ...  وبعد مرور بعض الوقت وانتهاء الرحلة النهرية وعودة اللانش لمرساه ،  أخذ سيارته وتوجهه مع جيهان نحو القصر الجنوبي ...

وبعد ساعات من السير والقلق ... وقفت سيارته أمام القصر وقد تفاجأ بوجود عدد غفير من العمال يستعدون لبناء مبنى شاهق في الأرض الجانبية للقصر ... 
واعتقد أن هذا هو سبب الاتصال المفاجئ .. ولكنه حينما دخل القصر وبجانبه جيهان دهش عندما وجد آخر شخص كان يتوقع أن يراه !!!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1