رواية حارة الربيع الفصل الثالث بقلم جميلة القحطانى
صوت أذان الفجر بيعلو من ميكروفون جامع قريب، وصوت العصافير بيغني من بدري، والضوء الذهبي لسه بيحاول يزحف من شباك الأوض الصغيرة اللي بتشوف بعضها.
في بيت عيلة قديم من دورين، بيت من بيوت الزمن الجميل، اللي بابه عمره ما اتقفل في وش حد، وأرضه دايمًا فيها خطوات ناس.
في الدور الأرضي، شقة الحاجة وداد، ست كبيرة في السبعينات، ملامحها طيبة، وشال أبيض على كتفها، قاعدة قدام الراديو، بتحط شاي على نار صغيرة، والمسبحة في إيدها، بتهمس بصوت واطي:
الحاجة وداد:اللهم بك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت...
تحط كوباية الشاي على الطبق وتقول بصوت عالي الحاجة وداد:يلا يا ولاد… الفجر أذن، قوموا من النوم… محدش يتكاسل.
في الدور الأول، ٣ شقق جنب بعض، والحوائط كلها سامعة بعضها.
في شقة عم فوزي، الصبح بدأ بدوشة
صفية مراته بتزعق:خالد! قوم بقى يا بني، راحت عليك تاني! وهاجر لِبسِت الحجاب بالعكس! يالهوي… ده منظر دي؟!
خالد صوته من تحت اللحاف:خمس دقايق يا ماما… بس خمس دقايق ونص.
صفية:هقوم أحطلك لحاف تاني فوقك، تصحى على خناق!
في شقة جنبهم، عم جمال وأسرته
انتصار زوجته واقفة في المطبخ:أدهم! متفتحش التلاجة ١٠ مرات تدور على اللبن، هو مش هيطلع يجريلك!
أدهم:ما هو المية بتغير طعم اللبن يا ماما، حطوه ورا الزبادي المرة الجاية.
ملك قاعدة بتسرّح شعر رضا الصغير، وبتضحك:أنت آخر حاجة تِفكر فيها يا رضا إنك تبقى موديل، شعرك عامل زي فرشة البلاط!
وفي الشقة الثالثة، فاطمة الأرملة قاعدة تفطر بنتها الوحيدة، سلمى.
فاطمة:كلي يا بنتي لقمة، ده أنتِ بقالك طول الليل مذاكرة ومفتحتش بؤّك.
سلمى بتبتسم بهدوء:مش قادرة يا ماما، عندي امتحان تشريح، ومخي كله عضم دلوقتي.
فاطمة:يا رب تنجحي وتفرحيني… وتبقي دكتورة تشرف العيلة كلها.
في نص البيت، السلالم القديمة بتصرصر، وأحمد الحفيد الكبير نازل من فوق، لابس جلابية بيضا، وبيوزّع السلام بصوته العالي:صباح الخير على أحلى عيلة في مصر!
الحاجة فوق؟ أنا جبت العيش السخن من الفرن!
الحاجة وداد من المطبخ:تعالى خد الشاي، وادي طبق الفول لصفية، عشان ما تنفجرش من الزعيق!
أحمد:يلا بينا نبدأ اليوم بدعوة حلوة ومعلقة فلافل!
بعد صلاة الجمعة، البيت كله كأنه تنفض من الغبار، ريحة الطهارة والسكينة مالية المكان.
الحاجة وداد بتفرش سجادة الصلاة الكبيرة في نص الحوش، حواليها الورد الصناعي اللي هي زرعاه !