رواية تؤام روح الفصل الثالث بقلم يارا سمير
بعد مرور عامان تم زواج كلا من محمود وسوسن وكرم وسناء ..
حياتهم كانت مستقرة وكانوا لبعض العائلة بالاخص بعد وفاة والد سوسن واستقرت مع محمود في الاسكندرية نهائي .. في يوم شعرت سناء بالاعياء الشديد وبعد الكشف علمت بحملها وكان الخبر مفرح للجميع ولكن بعد مدة قصيرة لم يكتمل الحمل وخضت لعلاج لمده طويلة .. على الجانب الاخر سوسن لم يرزقها الله فرصة أن تكون أم وبعد الكشف لم يوجد أسباب لديها او لمحمود فقررا أن لا يفكرا فلم يشغلا بالهم وتركها في التوقيت المناسب ..
بعد مرور عامان ..
رن جرس باب منزل كرم وسناء وهمت سناء بفتح الباب :
_ ايوة ..
_ منزل محمود عطا الله ؟
ارتاعت سناء من رؤية شخص يرتدى زي الشرطة وقالت :
_ لا الشقة اللى قدامي دي .
_ انا اسف ..
تركها وظلت سناء واقفه لم تغلق الباب وتحرك بخطواته الى امام منزل محمود ورن الجرس وفتحت سوسن الباب بعد لحظات :
_ منزل محمود عطا الله ؟
_ ايوة .. في حاجة ؟
_ مطلوب استدعاء فى قسم المنشية
قدم لها اعلان الاستدعاء وقالت سوسن بنبرة صوت مضطربة :
_ استدعاء ل ايه .. هو عمل ايه ؟
_ لم يروح هيعرف . لازم يروح شخصيًا انهارده ياريت .
_ حاضر .
تركها وغادر وذهبت اليها سناء بملامح مضطربة لتطمئن عليها :
_ في ايه ؟
_ علمي علمك .. هكلم محمود واقوله .
_ ادخلي انا جايه معاكي .
بالفعل اتصلت بمقر عمل محمود واخبرته بأمر الاستدعاء وأستأذن من عمله وذهب الى قسم الشرطة كما طلب منه ، قابل الظابط واثناء حديثه مع الظابط طلب دخول اشخاص من الخارج ،، بعد لحظات فتح الباب ودخل رجل مسن وطفل يبلغ من العمر 5 أعوام .. تحدث الظابط وقال :
_ امينة عبد الفتاح مرات عطا الله رجب اتوفاها الله بعد معاناه مع المرض وكانت موصيه لو حصلها حاجة ابنها كريم شقيقك يروحك، ف الحج محمد قريب أمينة جه هنا عشان نتواصل معاك .
كان محمود ينظر الى كريم أخيه الصغير الذي بدا عليه الخوف ، عيناه كانت ممتلئتين بالقلق ويداه ترتجفان بخفة .. ابتسم محمود اليه وأقترب منه بهدوء دون أن يقول شيئًا فقط مد يده نحوه بلطف وأمسك بيد كريم الصغيرة وابتسم فى وجهه ابتسامة مطمئنة ثم طبطب على يده بحنان ثم اقترب اكثر واحتضنه بقوة ودفء ف ارتاح كريم بين ذراعيه وسكنت ملامحه شيئًا فشيئًا .. كان حضنًا صغيرًا ولكنه حمل فى لحظته كل الطمأنينة التي يحتاجها قلب خائف ..
اثناء خروج محمود من قسم الشرطة تقابل مع كرم وتفاجئ كرم ب كريم وهو ممسك يد محمود ، في اثناء عودتهم الى المنزل سرد محمود ما حدث .. في المنزل كانت سوسن جالسة قلقه ومتوتره وسناء تحاول تهدئتها .. فتح باب المنزل وبخطوات سريعة توجهت سوسن اتجاة باب المنزل هي وسناء وشاهدا محمود وبرفقته كريم وفي الخلف كرم :
_ كانوا عاوزينك ليه .. ومين دا يا محمود ؟
نظر محمود الى كريم مبتسمًا :
_ دا كيمو .. كريم اخويا.. روح سلم على ابله سوسن يا كيمو .
ذهبت نحوه سوسن وهي مبتسمة :
_ كريم .. ايه النور والجمال دا .. نورت بيتنا يا كيمو
تحدث محمود:
_ كريم هيعيش معانا من دلواقتي
نظرت اليه مرة اخري وقالت :
_ نورت بيتك يا كيمو ..
دخلوا وجلسوا جميعهم وظل كريم ينظر اليهم بملامح خوف وقلق ..ومحاولة من سوسن لتودد الى كريم ذهبت نحوه وقالت مبتسمة :
_ ايه رايك يا كيمو انا كنت عامله جيلي بتحب الجيلي
اومأ براسه ف مدت يدها نحوه وهي مبتسمة :
_ نغير هدومنا وناخد شاور جميل الأول ونقعد ناكل الجيلي اتفقنا .
ابتسم كريم وذهب برفقة سوسن .. عاد كرم وسناء الى منزلهم وجلست سوسن مع محمود وكريم يشاهد الكارتون امام التلفاز وسرد محمود لها ما حدث :
_ طيب ليه مجاش ع هنا ع طول كان ليه القسم ؟
ابتسم محمود :
_ خاف .. خاف مرداش اخده واطرده فحب يحطني قدام الامر الواقع .
_ لدرجة دي ؟
_ اللى كان بيني وبين بابا الله يرحمه عرف اهل البلد ان انا براوي ف كانوا فاكرين ان قلبي قاسي وهقسي على طفل صغير واخويا اللى ملوش غيري .
نظرت نحوه سوسن مبتسمة:
_ جميل ماشاء الله عليه .. حبيته اول ما شوفته .
_ رزق ربنا بعتهولنا يا سوسن .
_ رزق جميل يا محمود .
_يعني انتي مش مضايقة فجأة كدا ومن غير مقدمات في طفل هيعيش معاكي ؟
_ لا خالص .. يمكن ربنا بعته لينا في الوقت دا يملى الفراغ اللى في حياتنا وننشغل معاه لغاية ما ربنا يكرمنا .
امسك محمود يد سوسن وطبع عليها قبله خفيفة :
_ ربنا يخليكي ليا .
_ ويخليك ليا يا حبيبي .. احنا كدا محتاجين نظبط الغرفة الفاضية نجيب دولاب وسرير وتبقى غرفة الاستاذ كريم .
ابتسم محمود:
_ حاضر .. بكرة بعد الشغل ننزل نختار ونشوف ايه نقدر نجيبه دلواقتي .
بعد مرور 10 أيام من وجود كريم ..ذات يوم اعدت سناء حلويات وذهبت برفقة كرم الى منزل محمود وسوسن ، بعد الحديث رباعي انسحبت سوسن وسناء للمطبخ وجلس محمود وكرم بمفردهم .. لاحظ كرم نظرات محمود اتجاه كريم :
_ مالك يا حودا ؟
_ حاسس انى متاخد ..
_ ليه كدا ؟
_ مسؤلية اترمت عليا مرة واحدة ومش عارف هكون قدها ولا لا ؟
_ اكيد قدها .. لانك لو مكنتش قدها مكنتش مرات ابوك طلبت منهم كدا .
_ حاسس كنت محتاج وقت اتجهز .
_ تتجهز ل ايه بالظبط.. انت كنت عارف ان عندك اخ يعني متفاجئتش ، ايوه مكنش فيه علاقة وانت مشفتوش غير مرتين لما أتولد لكن كان عندك خلفية .
_ ولا مرة خطر على بالي ان ممكن دا يحصل ، الاحتمال الوحيد اللى حطيته انه لما يكبر ويبقى شاب هيظهر قدامي واشوفه ..لكن دلواقتي وهو صغير كدا متخيلتش
_ طيب فكر فيها ان دا الوقت اللى تختبر به نفسك يا محمود ؟
_ اختبر ايه ؟
_ تختبر هل أنت نسخة من ابوك ولا فعلًا قفلت ع الماضي ، هل هتكرر اللى عشته مع ابوك ولا هتخليه يعيش اللى انت كنت عاوز تعيشه .
صمت محمود واستكمل كرم حديثه :
_ لو عاوز نصيحتى يا محمود قربله وخليه فى حضنك طلعوا احسن منك واثبت لنفسك انك صح ولابوك انك صح بتربيتك لكريم .. كريم ظهرلك في وقت انت محتاجه فيها ويمكن تأخير الحمل كان لانك مش جاهز وكريم هيخليك تجهز ل اولادك بعدين .. كريم ملوش ذنب ولا انت ملكش ذنب على اللى عيشته لكن لانك مستسلمتش شوف وصلت لايه.. فى بيتك مع الانسانة اللى بتحبها وباب مقفول عليكم ( نظر كرم نحو كريم وقال ) هدية جميلة ربنا بعتها لينا كلنا في فترة الكل مش كويس .
ادرك محمود تلميح كرم على موضوع الاطفال ، علاج سناء وتاخر سوسن .. نظر نحو كريم وهو يلعب وابتسم ..
بعد مرور فترة وسوسن ومحمود وكريم يجلسون حول مائدة الطعام ، ينظر محمود اتجاه سوسن وهي تطعم كريم وقال مازحًا :
_ يابختك ياعم كريم .. دلع واهتمام فاخر من الاخر .
نظرت نحوه سوسن ضاحكة :
_ ايه دا .. انت غيران يا حودا ولا ايه ؟
_ انا لا خالص .. خالص .. ايوه جدًا
امسكت قطعة لحمة واقتربت لفم محمود :
_ بالهنا يا حبيبي انا .
_ ايوه كدا مرة هو ومرة انا
ضحكوا على مزاحهم .. وتحدثت سوسن :
_ نسيت اقولك صحيح .. انا وسناء انهاردة لفينا ع كذا حضانة عشان كريم يبدء بقي يتمهد لدخول المدرسة .
_ ولقيتي مكان كويس ؟
_ مكانين لسه هنشوف ايه فيهم احسن شخلل جيبك بقى يونيفورم وشنطة مدرسة وحوار كبير اوي .
ضحك محمود:
_ جمعيات بقى .
_ الله يعينك يا حودا .. كنت عاوز اقترح عليك اقتراح مجرد أقتراح ؟
_ قولي سامعك .
نظرت اليه متخوفه وقالت بهدوء :
_ كنت بفكر اروح البنك واسحب مبلغ .
_ ليه ؟
_ يعني انت شايف بقى معانا طفل ومحتاج مصاريف وكدا يعني و..
قاطعها محمود:
_ هل ان اشتكيتلك يا سوسن .. هل انا قولت اتصرفيلي .. لما اقول كدا روحي البنك ، لكن طول ما انا مقولتش ف انتى مش هتسحبي جنيه تصرفيه على البيت دا ولا عليا ولا على كريم .. فلوس اللى فى البنك دي فلوس ميراثك من أبوكي الله يرحمه .. انا قولتلك انتى حره فيهم لنفسك وبس .. لنفسك وبس .
_ لكن يا محمود مفيهاش حاجة لو ساعدتك .. والله ما قصدي انك مقصر انت مش مخلى نفسي فى حاجة .
_ طول ما فيا نفس مش هخلي فى نفسك حاجة يا سوسن .. وانتى بتساعديني جدًا.. مخليه بالك من البيت ومني ودلواقتي بكريم وان شاء الله بولادنا .. مش مطلوب منك اكتر من كدا .. اللى محتاجة منك وجودك المعنوي معايا دا اللى بيقويني اكمل سعي لكن فلوسك لا مش هينفع يا سوسن صدقيني .
ظلت تنظر نحوه وبملامح حزينة ف امسك يدها وطبع قبله فى كف يدها وقال :
_ انا كفاية عندي وجودك معايا يا سوسن .
_ انا معاك لاخر يوم فى عمري .
_ ربنا يخليكي ليا ( نظر نحو كريم مبتسمًا) ولاستاذ كيمو .
ابتسم كريم وأوما براسه بسعادة حينما علم بذهابه الى الروضة .. تحرك محمود من مكانه وعاد بشيكولاته واعطاها لكريم وفرح جدًا بها وضم محمود لشرائه لها وباله محمود الحضن وهو مبتسم وسعيد .. وجلسا سويًا يشاهدا فيلم الكارتون .
كان محمود الواصي القانوني على ميرات كريم من والده ووالدته ووضعها محمود في البنك كوديعة له حينما يبلغ سن الرشد ويكون مسئول عنها وتكفل محمود بجميع مصاريفه من ماله الخاص .. مر عام على تلك الحالة وفي احدى المرات وسناء مع سوسن فى المنزل يجلستا يتحدثتا شعرت سوسن ببعض التوعك في معدتها وتوجهت الى الحمام .. اصرت سناء على ذهابها للطبيب ليطمنوا عليها وبالفعل ذهبت برفقة سناء وبعد اجراء الفحوصات والتحاليل اخبرهم الطبيب :
_ مبروك .. حامل .
لم يستوعبا الخبر تبادلا النظرات واعينهم امتلأت بالدموع وضما بعض وهما سعداء .. عادت سوسن الى المنزل تنتظر محمود لتخبره بالخبر السعيد .. خبر كانوا ينتظراه منذ 4 أعوام .. عاد من الخارج وجد سوسن جالسة واضعه راسها بين يدها وتنظر الى الارض .. ذهب نحوها مسرعًا :
_ سوسن .. في ايه ؟
رفعت رأسها للاعلي وكانت عيناها تنهمر بالدموع مما اشعر محمود بالقلق عليها :
_ في ايه يا سوسن .. لسه تعبانه تعالي نروح المستشفى .
امسكت يده وقالت بنبرة صوت مليئة بالبكاء :
_ محمود ..
_ ايوه ..
نظرت نحوه للحظات واخرجت نتيجة تحليل الدماء وقالت :
_ انا حامل .. انا حامل يا محمود في شهر ونص .
لم يستوعب محمود كلماتها وجلس على المقعد خلفه وهو ينظر فى نتيجة تحليل انها ايجابية .. ونظر نحوها :
_ بجد.. بتتكلمي بجد ؟
امسك اوراق الفحوصات والتحاليل مرة اخري :
_ الورق دا بيقول كدا والدكتور قال كدا ..
ابتسم بسعادة ونظر نحوها .. وتقفز من مكانه وضمها بين ذراعيها وظل يقبل وجهها مرددا :
_ الحمدلله الحمدلله ..
بعد لحظات هدأ وجلسوا ونظر نحوها وهو مبتسم وقال :
_ ودا يخليكي تعيطي كدا وتعملي في نفسك كدا خضتيتني .
_ مش مصدقة يا محمود .. مش مصدقة بعد 4 سنين يحصل هو انا بحلم ؟
امسك يدها ويبحاول يستجمع اعصابه ليتحدث اليها :
_ حبيبتى يا سوسن .. ربنا كافئنا بعد صبرنا .. دا هدية ربنا لينا .. مبروك علينا يا حبيببتي .
ضمها لحضنه وطبع قبلة اعلى راسها والقى بنظره لاعلي مرددًا :
_ الحمدلله .. الحمد لله .
في منزل كرم يتناول العشاء مع سناء .. لاحظ صمتها وامسك يدها :
_ تسلم ايدك البامية تحفة
ابتسمت وقالت :
_ الف هنا يا حبيبي .. انا هقوم اعمل شاي
تركته وتوجهت للمطبخ اعدت الشاى ووضعت الكوب امام كرم ودخلت لغرفتها لتنام، لم يكمل كرم الشاي وتحرك خلفها واستلقى على السرير بجوارها ..كانت سناء مستيقظة وحينما دخل كرم الغرفة اغمضت عيناها ولمحها كرم .. التفت وضمها وقال هامسًا :
_ انا عارف انك صاحيه يا سناء .
فتحت عيناها واستدارات اتجاهه وقال :
_ مش هتقولي مالك ؟
_ مش عارفه هتفهمني صح ولا لا ؟
_ ومن امتي مفهمتكيش صح ولو حتى مفهتمش صح حقك تتكلمي واسمعك .. لكن انا هقولك حمل سوسن صح ؟
_ والله .. والله يا كرم انا فرحانه لسوسن جدًا ..
ضمها في حضنه وقال بصوت حنون :
_ لكن حسيتي بحزن في قلبك شويا صغيرين .
_ بصراحة ايوه .. بس والله انا فرحانه ليها ربنا يعلم .
طبع قبله اعلى رأسها وهو ضاممها لحضنه وقال بصوت هادئ :
_ اولًا طبيعي تحسي كدا لانك انسانة احنا مش ملايكة ودا مش معناه تكرهي سوسن او تضايقي عشانها ، انتى حسيتي بحزن عشانك حاجة نفسك تعيشيها وانتى حاسه انها اتأخرت شويا .. لكن هقولك حاجة ..عارفة انا حسيت ب ايه أول ما سمعت الخبر من محمود ؟
_ ايه ؟
_ حسيتها اشارة.. إشارة لينا ؟
قالت بتعجب :
_ اشارة ؟
_ ايوه .. احنا وهما من وقت ما اتجوزنا واحنا بنسعي للاولاد صح ؟
_ ايوه ..
_ وكل واحد واسبابه .. لكن احنا عملنا ايه ؟ حمدنا ربنا بعد ما عملنا اللى نقدر عليه ، لا استسلمنا للتشأؤم ولا سودنا الدنيا في وشوشنا ولا اعترضنا على قدره بالعكس ايوه زعلنا لكن ع طول رضينا وسلمناه امرنا وصبرنا منتظرين بشايره .. بدأت بأول بشرة وهي بظهور كريم فى حياتنا وبعده بفترة اهو حمل سوسن وان شاء الله ربنا هيرضينا احنا كمان فى الوقت اللى مكتوب لينا فيه .. انا متاكد وواثق في ربنا انه هيفرحنا احنا كمان لانه عادل ورحيم .. ولغاية ما يحصل دا زي كريم ما واحد مننا ولاد محمود وسوسن هما ولادنا يا سناء صح .
_ ايوه أكيد.. بس والله ما مضايقة من سوسن .
ابتسم كرم وضمها لحضنه أكثر :
_ انا عارف ومتاكد كمان مش محتاجة تحلفي .. احنا ندعيلها يكمل ع خير وانتى معاها اختها لان سوسن معندهاش حد يقف معاها في الظروف دي ..
_ مش محتاج توصيني سوسن اختى .
ضمها لحضنه اكثر :
_ انا متاكد من كدا لان مفيش حد قلبه جميل زيك .. بحبك .
_ انا كمان بحبك اكتر .. ربنا يخليك ليا يا كرم .
فترة حمل سوسن كانت سناء ترافق سوسن فى كل خطواتها خارج المنزل وتقضي اغلب الوقت معها لرعايتها والاهتمام بها وبكريم ، كانت علاقتهم اخوات بالفعل .. مر 9 شهور الحمل وذهبت سوسن للمشفى للولادة وكان الجميع متوتر في انتظار خروج سوسن والمولود بخير .. خرجت سوسن لغرفتها وبعد قليل جاءت الممرضة وهو تحمل بين ذراعيها الطفل الصغير وحمله محمود بسعاده .. اقترب اليه كرم وقال :
_ وبقيت ابو العيال يا حودا .. مبروك يا حبيبي .
_ الله يبارك فيك يا ابو الكرم يا غالي .
تحدثت سناء :
_ مبروك يا محمود يتربي فى عزكم وتشوفوه اسعد الناس .
_ عقبالكم يا سناء ..
قالت سناء :
_ ها قررتوا على الاسم .. سوسن كانت بتقول لو ولد هيكون زين ولو بنت هتكون مريم .
ضحك كرم وهو ينظر الى محمود :
_ انت لسه فاكر يا محمود ؟
نظر نحوه ضاحكًا :
_ وهو دا يتنسى..
قالت سناء :
_ هو لازم الاسمين دول وانتى ايه رايك يا سوسن ؟
بصوت منهك:
_ مقدرش اتكلم لأن الاسمين حلوين بصراحة .
تحدث محمود مازحًا:
_ انا اللى هروح اكتب الاسم فمفيش مجال خلاص .
قال كرم:
_ العرق الصعيدى نطر وقفش انسي يا سناء ..
استكمل محمود حديثه:
_ وع اتفاقنا يا ابو الكرم هنسمى على حسب مين جه الاول .. زين نور حياتنا .. زين محمود عطالله .
تحدث كرم:
_ مبروك علينا زين يا ابو زين
تحدث محمود مازحًا :
_ انجز بقى ياعم كرم والحق مريم لحسن كمان 9 شهور هاخده .
ضحك كرم:
_ وانت ضمنك اللى جاى هيكون بنت مش ولد ؟
_ انا قلبي حاسس انه هيكون بنت .. الحق انت بقى انا قولتلك
شمر كرم كم القميص وامسك يد سناء :
_ يلا ..
_ يلا ايه ؟
_ يلا نلحق مريم لاني عارفه ابو زين هياخد الاسماء كلها ..
ضحكوا جميعهم وتحدثت سوسن بنبرة صوت منهكة :
_ ان شاء الله ربنا هيرزقكم ب احلى طفل فى الدنيا .
نظر محمود الى زين وقال هامسًا :
_ اهلا بك في حياتنا يا زين يا صاحبي وحبيبي .
اقترب كريم وقال لمحمود:
_ عاوز اشوف النونو انا كمان .
انحنى محمود واقترب لكريم بزين وقال له :
_ كريم .. انت هتكون لزين الضهر والسند، انت هتكون فى مقام اخوه الكبير .
_ هنلعب مع بعض .
_ هتلعبوا وهتعملوا كل حاجة مع بعض .
وضع كرم يده على كتف محمود وقال بنبرة مليئة بالسعادة :
_ عيلتنا بتكبر يا حودا .
عادت سوسن الى المنزل وكانت ترافقها دائما سناء والمنزل اصبح به حياة بوجود المولد الجديد بينهم ... عاشوا فترة مليئة بالسعادة والبهجة ولكن الحال لم يستمر كما هو.. بعد مرور 5 اشهر تبدلت أحوالهم بدون ترتيب .. اعلنت الشركة التي يعمل بها كرم ومحمود بقرار اغلاقها نهائي وكانت مفاجأة للجميع فكان القرار مفاجئ بدون سابق انذار .. ورغم صعوبة الموقف اتفقا محمود وكرم الا يخبرا كلا من سوسن وسناء حتى لا يفزعا وتحملوا المسئولية بمفردهم وبدئوا يبحثوا عن عمل اخر .. بالفعل يوميًا كان يغادروا العمل في موعدهم الطبيعي ويتوجهوا كلا منهم في اتجاه لمقابلات عمل واستمر البحث عن العمل لمده شهران حتى وجدا عمل محمود كاشير فى سوبر ماركت و كرم كاشير في احدى المكتبات .. ذات يوم وهما يجلسان فى مقهي بمفردهم :
_ ايه اخبار الشغل معاك يا ابو الكرم ؟
_ ماشي الحال وانت .
يدخن محمود سيجارة :
_ الحمدلله احسن من مفيش .
_ فعلًا احسن من مفيش انت عندك مسئوليات كتير الله يعينك .
_ لولا فلوس الجمعية اللى قبضتها قبل ما نسيب الشغل على طول مكنتش هعرف اغطي المصاريف .. شوفت لما قولتلك الجمعية دي مش لازم يعرفوا سوسن وسناء عنها حاجة .
_ كنا داخلينها بهدف نفاجئهم بيها روحنا احنا اتفاجئنا ..
ضحكوا واستكمل كرم وقال :
_ لكن تصدق الكدب مبيطولش اهم عرفوا لما سناء جت المكتبة بالصدفة .
_ فتقوم انت قارر الحقيقة على طول ان انا كمان سيبت الشغل .
_ ماهو احنا فى شركة واحدة هيمشوني انا وانت لا انا قولتلها الشركة قفلت .
_ ياعم كنت تقول قفلت على محمود ونسيوني جوه .
ضحكوا واستكمل محمود:
_ بس والله بنات حلال سوسن وسناء .. اتقمصوا لكن اتراضوا ع طول .
_ الحمدلله .. سناء قعدت يومين كامليين مبتتكلمش معايا وبعدين رضيتها بالعافيه .
_ صعبه اوي الحريم يا ابو الكرم .
ضحك كرم ومحمود وقال :
_ اوي اوي .. ان شاء الله ربنا هيفرجها علينا بشغل احسن عشانهم .
ينظر محمود امام احدي المحلات وقال :
_ ياااه يا ابو الكرم لو يبقى لينا شغل لينا احنا اصحابه منبقاش تحت رحمه حد يمشينا في اى لحظة .
_ الله كريم يا حودا ..
_ الله كريم ..
استمر محمود ينظر نحو احدى المحلات وهو يدخن سيجارته وشارد .. فى المنزل عاد كرم واعدت سناء طعام العشاء وجلسوا يتناولا الطعام وتحدثت سناء :
_ كرم.. انا في حاجة عملتها مش عاوزاك تزعل مني ؟
_ عملتي ايه ؟
_ الحج كلمني انهاردة بيسأل عليك وعلينا وانا قولتله ؟
تبدلت ملامح كرم :
_ قولتيله ايه بالظبط ؟
_ قولتله ان الشركة قفلت وانت دلواقتي شغال في مكتبة كاشير .
_ ليه يا سناء ؟
_ معرفش الكلام جاب بعضه بس هو كان لازم يعرف يا كرم .
قال بغضب :
_ ليه لازم ليه ؟
_ عشان يساعدك انت ابنه، المبلغ اللى كان بيبعته اول ما اتجوزنا اتقطع وهو عنده خير حقك عليه يساعدك يا كرم .
_ وانا مش عايز مساعدته .. وبعدين انتي متعرفيش اللى فيها كمال .
_ ماهو انا قولتله عشان كدا ..
_ ايه ؟
_ يمكن لما يعرف كمال ويعرف وضعك وانك السنين دي كلها مطلبتش جنيه قلبه يحن عليك ، انتم اخوات .
_ قلبه يحن ..
_ فى ابسط الظروف والاحوال الناس بتتبدل حالها مفيش حاجة بعيدة عن ربنا يا كرم .
_ انا عارف ان الوضع صعب عليكي والحال اتغير و ..
قاطعت حديقه:
_ بس بس .. هو انا بقولك كدا عشان تقول الكلمتين دول .. انا اعيش معاك فى اى حال يا كرم كفايه اكون معاك .. انا بتكلم عشان حقك دا حقك .
صمت كرم وعادوا لتناول الطعام . فى يوم ليلًا رن هاتف المنزل واجاب كرم وكانت الهام زوجة اخيه وكانت نبرة صوتها متغيرة :
_ فى ايه يا الهام ؟
_ الحاج عاوز يشوفك يا كرم ضروري .
_ فى ايه ..
_ لما هتيجي تعرف بس تعالي الصبح .
.. بالفعل ذهب كرم الى البحيرة صباحًا وكان متردد وقلق من مقابلة والده وكمال كالعادة .. وصل المنزل وكانت زوجه اخيه الهام ملامحها متبدله عن العاده وحزينة :
_ في ايه يا الهام ؟
_ الحج تعبان اوي يا كرم وكان مصمم يشوفك .
بخطوات سريعة توجه الى الغرفة وكان والده مستلقى على ظهره فى السرير وليس كالعادة كان يكون في وضع الجلوس ..ملامح وجهه شاحبة .. اقبل نحوه كرم وامسك يده :
_ مالك يا حج .. قلقتني عليك ليه كدا هو مفيش دكتور شافك ؟
دخلت الهام الغرفة ومعها صينيه العصير وقالت :
_ والله يا كرم كذا دكتور يجي ولسه واح ماشي من ساعة وكمال راح يوصله المركز .
_ قال ايه ؟
_ مقالش جديد كتب علاج ومشي وقال هيبقى كويس ان شاء الله .
_ ان شاء الله .. انا عارف ان الحج عاوز يقلقنا عليه عشان يعرف غلاوته .
تحدثت الهام :
_ غالي والله غالي .
خرجت الهام وعاد كرم ليتحدث مع والده :
_ متقلقناش عليك يا حج بقى .
تحدث والده بصوت هزيل :
_ انا عارف يا كرم انى جيت عليك كتير وظلمتك ومقدرتش احميك واحمي حقوقك قدام كمال اخوك .
قاطعه كرم حينما لاحظ تدهور حالته وهو يتحدث وقال :
_ متتكلمش يا حج متقولش حاجة .. بلاش الكلام هتتعب اكتر انت محتاج ترتاح .
_ اسمعني يا كرم يا ابني .. يمكن ربنا طول في عمري للحظة دي عشان اقولك الكلمتين دول .
_ ربنا يطول في عمرك يا حج
_ مد ايدك تحت المخده .
مد يده وكان ظرف واستكمل والده كلماته :
_دا شيك فيه مبلغ كويس افتحلك مشروع وانت تكون صاحبه وكفاية تشتغل عند الناس .
_ يا حج ..
قاطعه :
_ اسمع كلام ابوك يا كرم.. دي فلوس ودا حقك ، خد الفلوس دي ومتعرفش كمال خالص .
فى تلك اللحظة دخل كمال ولمح الشيك فى يد كرم وسريعًا امسك الشيك :
_ هو انت ياحج لما قولتلي عاوز سيوله في حسابك عشان هتديهم لناس معارف عشان الشغل هتاخدهم عشان كرم . .
لاحظ كرم نبرة كمال الحاده لوالده المريض ، لم يستيطع لجام غضبه مثل العادة وتحدث:
_ متزعقش لابوك يا كمال ، واتكلم كويس معاه دا ابوك ومريض
رد عليه كمال ب انفعال :
_ انت بتعلي صوتك عليا .. صوت على في البيت ماشاء الله ..
_ كمال ..
_ انت متقولش اتكلم ولا متكلمش .. بتضحك عليه بمسكنتك وتسحب فلوس .
_ هو حر في فلوسه دي فلوسه يا كمال محدش له حق يحاسب الحج .
_ لا وفلوسي انا اللى اشتغلت وتعبت يا استاذ كرم .
_ كمال التزم حدودك انت فى عز ابوك .
ضحك كمال ضحكة سخرية :
_ ماشاء الله هتضربني يا كرم اضرب اضرب .
احتدم الجدال بين كمال وكرم وبنبرة غضب رغم مرضة تحدث والدهم وانهى حديثهم وطلب من كرم ان يغادر المنزل وبالفعل غادر كرم غاضب من اخيه كمال .. وامام والده قام كمال بقطع الشيك امام اعين والده وقال بحزم وغضب :
_ مفيش جنيه كرم هياخده .
وغادر الغرفة .
بعد مرور شهر فى المتابعة الشهرية لسناء وبعد اجراء الفحوصات والتحاليل كانت النتيجة ايجابية وتم تأكيد الحمل ، كان خبر حمل سناء ملأ المنزل سعادة ولم يشغل تفكير كرم سواء سناء وحملها .. وكما كانت سناء مع سوسن فى حملها ، كانت سوسن تراقف سناء فى حملها والاهتمام بها ايضا اكثر من عائلتها ..
في يوم فى منزل محمود اجتمعوا لتناول الطعام وبعد ما انتهوا جلسوا يتناولون الحلويات .. دخلت سوسن لتنيم كلا من كريم وزين ثم خرجت وجلست برفقتهم وتحدث كرم :
_ تسلم الايادى يا ام زين .
_ الله يسلمك.. الاكل كان بتوصية ام مريم ع فكرة
لمست سناء بطنها وقالت :
_ لسه منعرفش مريم ولا مين ؟
تحدث كرم :
_ انا بقولك مريم .. انا حاسس انها مريم مش عاوزينهم ياخدوا الاسمين يا سناء ركزي ركزي .
ضحكوا جميعهم وقالت سناء :
_ انا حاسة انهم نص دسته بطنى كبيرة اوي مش زي سوسن .
تحدث محمود:
_ ماهما البنات كدا غير الولاد.. بيحبوا يرحروا غير الولاد.
ضحكوا وتحدثت سوسن :
_ زي ما الدكتور محمود قال .. وهانت يا سناء انتي في السابع
_ يارب يا سوسن تيجي بالسلامة .
_ ان شاء الله تقومي انتى وهي بالسلامة .
سمعوا صوت بكاء زين وتحركت سناء وسوسن وجلسوا يتحدثوا ... بعد يومين شعرت سناء بألم وذهبت الى المشفى وولدت في الشهر ال7 خرج الطبيب ويبشرهم بقدوم مريم .. زاد الفرح والسعادة اضعاف لوجود فتاة في حياتهم ... عادت سناء الى المنزل وكانت سوسن تقوم برعايتها والاهتمام بها .. منذ عودة سناء ومريم الى المنزل وكانت تواجهه صعوبة في رضاعة مريم .. دخلت سوسن الغرفة اليها ورأتها ملامحها منزعجة ومريم تبكي :
_ بجد مش عارف اعملك ايه ..
اقتربت سوسن نحوها :
_ مالك في ايه يا سناء ؟
_ عماله تعيط ومش راضيه ترضع خالص يا سوسن .
حملت مريم بين يديها تحاول تهدئتها :
_ يمكن نوع اللبن دا مش حباه غيريه .
_ ماهو دا اللى غيرته .. دا 3 مره الدكتور يغيره ( ظلت مريم تبكي نظرت اليها سناء وهى تبكي وقالت ) اسفه يا مريم كان نفسي اكون زي باقي الامهات وارضعك طبيعي .
قالت لها سونس :
_ انتى بتعيطي ليه بس دلواقتي يعني هو بمزاجك وبعدين شويا شويا هتتعود على اللبن، روحي اعملي شويا ينسون كدا من غير سكر وانا هحاول معاها بالببرونه .. يلا .
غادرت سناء الغرفة وكانت مريم تبكي بشدة لا تهدأ ولا ترضي بالببرونة ، رغم محاولات سوين لارضاعها القليل ولكنها استمرت فى الرفض والبكاء بحرقة .. وجاءت فكرة سريعة لسوسن جلست على السرير وحاولت أن ترضع الطفلة بنفسها ..في البداية رفضت مريم وابعدت وجهها وهي تبكي ولكن سوسن حايلتها بحنية حتى قبلت أخيرًا وبدأت ترضع بسلاسة .. استمرت مريم ترضع بهدوء حتى غفت بين ذراعيها ونامت نومًا عميقًا .. عادت سناء الى الغرفة تحمل في يديها المشروب الدافئ ولاحظت الهدوء المفاجئ واختفاء بكاء مريم .. دخلت الغرفة بهدوء لتتفاجأ ب سوسن تحمل مريم بين ذراعيها نحو صدرها ترضع ونائمة بسلام ..:
_ هي نايمة
_ ايوه .. رفضت الببرونة فقولت اجرب ارضعها مني ولقيتها قبلت وسكتت ونامت .
صمتت سناء واستكملت حديثها سوسن :
_ بكره تروحي لدكتور وتقوليله يكتب نوع لبن ترضي به لان واضح الاستاذة مريم صعبة الارضاء .
_ بجد يا سوسن شكرًا ..انا كنت بعيط فى المطبخ مش عارفه اعملها ايه .
_ انا معاكي يا سناء .. مريم زي زين عندي مفيش فرق بينهم .
ابتسمت سناء .. في نفس الوقت محمود وكرم يجلسان فى منزل محمود تحدث كرم :
_ عيلتنا بتكبر ياابو زين .. احلامنا بتتحقق قدام عنينا .. من اتنين معندهمش حد لعيلة كبيرة .
ابتسم محمود وقال :
_ ايوة فعلًا .. حلم من اهم احلامنا العيلة، عيلة متماسكة ومترابطة ومع بعض فى كل خطوة .. عشان كدا يا كرم عيالنا لازم نربيهم انهم اخوات يكونوا سند وضهر بعض فى الحياة لما احنا نختفى يكونوا هما لبعض اللى ربط بينهم رباط مش سهل يتقطع .
_ ان شاء الله ..
_ عارف وانا قاعد وشايف مريم وزين شوفتهم وهما كبار قدامنا .
تحدث كرم :
_ عارف ان حلم من احلامي انهم لما يكبروا يتجوزوا تيجي نوعدهم لبعض ؟
_ مين ؟ مريم وزين ؟
_ ايوه .. كدا هنتأكد انهم مش هينفصلوا ابدا وعيلتنا هتكبر اكتر .
_ انا فكرت في كدا لكن لا يا كرم .. دا ظلم ليهم .
تفاجي كرم :
_ ظلم ؟
_ ايوه .. اننا نحدد لهم المستقبل ونختار حياتهم هتكون مع مين ظلم ، هما ليهم حرية القرار والاختيار زي انا وانت ما اختارنا سناء وسوسن ب ارادتنا ورغبتنا .. هما كمان ليهم الحرية .. احنا بعدنا عن اهلنا لانهم كانوا بيجبرونا على وضع احنا مش راضينه وممكن كدا يبعدوا عننا واحنا عاوزينهم معانا وقدامنا عشان كدا بقولك علاقة الاخوة اقوى هيكونوا مع بعض وفي حمى بعض وهيكبروا العيلة مع بعض زي ما بدأنا .. لكن جواز هما لما يكبروا هما اللي يختاروا مش احنا .
اقتنع كرم بحديث محمود وابتسم وقال :
_ رغم انك صعيدي والكلام مخالف لعادات وتقاليد الصعيد لكن كلامك صح هما لما يكبروا يختاروا زي مااحنا اختارنا .
_ الصح ملوش مكان ولا زمان يا ابو الكرم .. الصح معروف والغلط معروف واحنا عاهدنا نفسنا اللى عيشنا من اهلنا مش هنكرره مع ولادنا وهنساعدهم يعيشوا الحياة اللى هيختاروها واحنا هنكون وراهم ومعاهم .
_ صح يا حودا .. اشرب الشاى .
خرجت سناء من الغرفة وهى تحمل مريم وعادوا الى منزلهم .. في يوم مرضت والده سناء وتركت مريض برفقة سوسن وحينما عادت علمت بتكرار الرضاعة لرفض مريم اللبن الصناعي ، مع مرور الوقت اصبحت مريم تسكت وهي برفقة سوسن فكلما تبكي وترفض الرضاعة كانت تذهب بها سناء الى سوسن لتقوم ب ارضاعها وتكرر ذلك عدة مرات حتى اعتادت مريم على اللبن الصناعي وتوقفت سوسن عن رضاعتها .. في يوم عادت سناء ومريم من منزل سوسن وكانت مريم نائمة .. وضعتها على السرير استيقظت جلس كرم يداعبها حتى اعدت عبوة اللبن الصناعي لها وتناولته بسلاسة وتحدث كرم :
_ بقت ترضع على طول مبتغلبكيش زي الاول .
_ الله يباركلها سوسن فضلت وراها لغاية ما قبلت اللببرونه واللبن .
_ يعني كدا خلاص مبقتش ترضع من سوسن ؟
_ لا كفاية شهر ونص ، الاستاذة كانت رافضة اى حاجة واول ما تشيلها سوسن تسكت ،بس بصراحة كتر خيرها كنت بسيببهالها لغاية ما اخلص البيت سواء هنا او عند سوسن .. وبعدين استاذ زين بقى غيور لما سوسن ترضع مريم لازم اخده واخرج به برا مايشوفشها .
_ اكيد يعني امه وفي حد تاني بياخد من اكله ..
_ تعبت معايا سوسن كتير بجد.
_عارفه احلى حاجة فى الموضوع دا ايه يا سناء ؟
_ ايه ؟
_ ان زين ومريم بقوا اخوات بجد، يعني امنيتي انا ومحمود اتحققت انهم يفضلوا مع بعض طول العمر سند وضهر ويحافظوا على الروابط اللى بينا بوجودهم .
_ فى دى اطمن .. اخوات بالرضاعة وبختم النسر .
.
بعد فترة توفى والد كرم وسافر محمود برفقته للدفنه والعزاء وعاد الى الاسكندرية ، وبعد شهريين تواصل معه كمال وذهب لمقابلته في البحيرة وجلس ووضع كمال امامه شيك بمبلغ يعتبر ربع ميراثه الشرعي :
_ ايه دا يا كمال ؟
_ حقك .. كان الحج له حته ارض ومخزنين اشتريت نصيبك فيهم بحق ربنا .
نظر كرم الى المبلغ المكتوب :
_ بس دا قليل اوي وبعدين الوكالة والمخازن التانية و..
قاطع كلامه وقال :
_ بتوعي يا كرم.. الحج باعهم ليا قبل ما يموت لاني احق .
_ احق ازاي والحج ميعملش كدا انا متاكد .
_ لو شاكك عندك المحكمة ارفع قضية وشوف لكن انا ورقي كله صحيح .
_ ايه اللى بتقوله دا يا كمال ؟
_ بقول اللى انت مش شايفه يا كرم .. الوكالة والمخازن والارض كل دول بتعبي وبعمري اللى قضيته جري هنا وهناك عشان اسمنا يعلى ويبقى مسمع .. معملتش زيك وهربت وسيبتها تخرب ، اللى موجود دلواقتي انا اللى عملته .. ومتقلقش قبل ما استلم الوكالة تمنتها واديتك نصيبك لان من بعد ما استسلمتها وكبرتها بقت بتاعتي انا وبس ..
امسك كرم الشيك وعلم جيدًا ان كمال قام ببيع الوكالة والاملاك بالتوكيل العام ، امسك الشيك ووقف ونظر الى كمال وقال :
_ ابونا عند ربنا يا كمال وانا مش طالب اكتر من حقي الشرعي لكن لو انت شايف ان دا حقي ف انا هاخده وهسكت يا اخويا يا كبير عشان خاطر ابوك اللى دفناه من شهريين .. عن اذنك
غادر كرم وعاد الى الاسكندرية وظل طوال الطريق ينظر الى المبلغ المكتوب ويتنهد بحزن ويترحم على والده .. ذهب الى البنك وفتح حساب بالمبلغ .. في يوم ذهب كرم الى محمود في منزله يجلسان يحتسيان الشاي وسناء وسوسن مع الاطفال بالغرفة .. اخرج كرم شيك ووضعه امام محمود على الطاولة :
_ ايه دا ؟
_ افتح وتعرف .
فتح محمود الظرف وجد الشيك :
_ ايه دا ؟
_ فلوسك
_ اللى هو ازاي معلش ؟
_ فلوس الشقة .. شقتي مش انت قولت سلف وقت ما يبقى معايا فلوس ارجعهملك .. اهو اخدت ميراثي وحسبت فلوس الشقة وربحهم الفترة اللى فاتت ودا نصيبك وحقك ومتتكلمش ربع كلمة .
_ انت واخدها بالصوت نغلبك ولا ايه يا كرم .
_ لاني عارف انك هتتعبني لغاية ما تاخدهم ف جيبتلك من الاخر .
_ لكن انا مش عاوزهم .. كرم رجعهم رجعهم اسمع مني .
_ لا مش هرجعهم .. زي وقتها لما خلتني اوافق ع الشقة ومتكلمتش هتوافق تاخد الفلوس ، كدا كدا دا دين عليا ياعم الله .
_ احنا مفيش بينا ديون .
_ ايوه عارف ليه لان فلوسنا واحد ..عشان كدا لما بقى معايا فلوس قسمتها مع رفيق عمري واخويا حودا اللى لما كان معاه فلوس قسمهم معايا زي ما عرفنا بعض بنقسم كل حاجة مع بعض .
_ لكن ..
_ مفيش لكن خودهم ياعم واسكت متفرهدنيش ، دا رزق الواد زيزو ومريم .. اول لما جم الدنيا ضحكت لينا ..
غادر كرم المنزل وخرجت سوسن وجدت محمود جالس ينظر الى المال امامه :
_ ايه دا يا حودا .. انت ورثت تاني ولا ايه من ورايا ؟
_ دا فلوس كرم .
_ سايبهملك ليه ؟
حكى لها ما حدث وقالت:
_ والله كرم دا ابن أصول وابن حلال مصفى انه مفكرش في نفسه وبس .
_ بس دي فلوسه يا سوسن وهو احق بيها .
_ هو بيقولك دين وبيسده ف خليهم معاك هينفعوا فى يوم.. صدقني الفلوس بتكون عارفه طريقها هتلاقيها طارت لمكان هي عاوزة تروحه ..
ابتسم محمود وقالت سوسن :
يلا نتعشي قبل ما زيزو ميههناش ع لقمة .
جلسوا حول مائدة الطعام وليلًا غادرا الغرفة وجلس بجوار النافذة يدخن سيجارته ف لحقت به سوسن وكان محمود شارد :
_ واضح ان حوار الفلوس دا شاغلك ومش هتنام بسببه
_ عاوز ارجعمله يا سوسن .. هو محتاجهم اكتر الشغل اللى فيه مرتبه واقع اوي ودلواقتي معاه طفلة ومصاريف مضاعفة .
_ طيب اقولك ع فكرة ترضي جميع الاطراف .
_ قولي ؟
_ اعملوا مشروع سوا .. بفلوسك دي والفلوس اللى معاه ، مش انت كل ما بنعدى ع البحر بتقولي حلمك مطعم ع البحر تكون صاحبه ، اهو بالفلوس اللى معاكم افتحوا حاجة صغنتته ورقكم ورزقنا على الله .
للحظة حدق فى سوسن وابتسم وتحرك من مكانه وقبلها .. ضحكت سوسن وقالت :
_ بتسكتني ولا ايه ؟
_ لا ببوس المكان اللى طلع منه البوقين الماظ دول .
ضحكت : يا سلام ..
_ بجد فكرة حلوة ..
تحدثت سوسن وقالت :
_ ودخلوني معاكم شريكة بالفلوس اللى في البنك دا .
نظر اليها محمود وقبل ان تتحدث :
_ بقولك ايه انت قولت فلوسك انتى حره فيها وانا هشغلها معاكم وهيبقى ليا نصيب فى الربح هعمل به مراكب انا حره .. متقولش لا يا حودا عشان خاطري ..عشان خاطر زين وكريم .
صمت للحظة وقال :
_ خلاص هتكلم مع كرم وهشوف ..
تحركت من مكانها وارتمت فى حضنه وقالت :
_ حبيبي يا حودا ..
_من بكره هتكلم مع كرم وفعلًا هنترحم من بهدله اللى احنا فيها ويبقى لينا المكان بتاعنا احنا وبس .
في اليوم التالي ليلًا جلست سوسن وسناء والاطفال في الغرفة فى الداخل وجلس محمود وكرم بمفردهم وتحدث محمود :
_ قولي ياابو الكرم .. ناوي تعمل ايه ؟
_ في ايه ؟
_ يعني في الحياة في المستقبل ..
_ ان شاء الله خير
_ اقصد بالقرشين اللى معاك مبتفكرش تشغلهم بدل ما هما مركونين وانت تسحب منهم ويخلصوا .
_ واضح من كلامك انك فكرت في مشروع ؟
_ يعني حاجة شبه كدا .. مطعم على البحر وفي نفس الوقت كافيه .
_ جميل ..
_ بالقرشين اللى معاك والقرشين اللى معايا وميراث سوسن نجيب مكان كويس كدا ايه رأيك؟
اعجب كرم بالفكرة وبالفعل بدوا يوميًا بعد انتهاء من عملهم يلتقيا بالخارج ويبحثا عن مكان للمطعم .. وضعت سناء مبلغ ورثته من والدها لتشاركهم الحلم هي الاخرى واصبحت شريكة استمروا فتره بالبحث عن مكان مناسب كمكان والمبلغ المتاح لهم ولكنهم صدموا من غلاء الاسعار .. في احدى المرات بعد انتهاء جولتهم جلسوا في مقهي :
_ ايه الاسعار دي يا محمود
_ مكنتش اتخيل انها بالشكل دا يا كرم .
_ بحسهم اوقات بيعاملوا المصريين انهم اجانب محدش بيفكر ينزل خالص المبلغ واللى بيعجبنا مبيرضاش يقسط الباقي .
_ فاكرينا هناخد المطعم ونهرب للخارج .
تحدث كرم:
_ لو كنت اخدت نصيبي الشرعي كامل كان فرق معانا .
_ ربنا هيعوضك اضعاف يا كرم ربنا يهدى اخوك .
_ طيب مش انت الواصي على كريم خد جزء من الفلوس ويبقى كريم دخل بجزء وهياخد ربح .
_ سوسن قالتلي الفكرة بس لا لا فلوسه هتفضل زي ماهي لغاية ما يكبر ويوصل للسن القانوني ويبقى حر وقتها .. فلوسه دى امانه .
_ معاك حق .. ان شاء الله ربنا يعترنا ع مكان صاحبه ابن حلال .
جاء الجرسون ووضع امامهم القهوة وتحدث اليه محمود:
_ بقولك يا صاحبي ..متعرفش مكان متاح لايجار قريب من هنا .
اشار بيده الاتجاة الاخر :
_ انهاردا صاحب المطعم دا عرضه للبيع لانه مسافر .
_ متعرفش طالب كام ؟
_ لا معرفش .. ممكن تروح تتكلم معاه هو هناك وع فكرة هو مستعجل ع السفر .
ذهب الجرسون ونظر محمود نحو كرم:
_ يلا يا كرم نروح نشوف المكان .
_ متتعبش نفسك.. انت مش شايف المكان فين اكيد عاوز اضعاف اللى معانا وبيقولك مستعجل على السفر وهيبقى عاوز فلوسه كاش .
_ مش هنخسر حاجة نروح نسأله ياعم كرم ..قوم يلا .
جذب محمود يد كرم وتوجها الى المطعم وجلسوا وتحدثوا مع مالك المطعم وتجولا في المكان واعجبوا به جدًا وبعد محادثة طويلة وافق مالك المطعم ع اخذ مبلغ ويقسط الباقي عن طريق ايصالات امانه تدفع بعد عام من افتتاح المكان .. وقف محمود ينظر الى المكان وهو يرى حلمه يتحقق ..كان المكان جاهز ولا يحتاج توضيب كثير غير رتوش بسيطة واهمها تحديد الاسم .. عادوا الى المنزل واخبروا سوسن وسناء وكانت فرحه عارمة لبداية تحقيق حلم يجمعهم سويًا الى الابد..واحتفلوا جميعهم بالبداية الجديدة .. ذهبوا اربعاتهم وكريم وزين ومريم ووقفا امام لافته لتحديد الاسم وبالاتفاق بينهم اطلقوا عليه اسم ( soul mate تؤأم روح تشبيهًا لعلاقة محمود وكرم وعلاقة ابنائهم سويًا وعائلاتهم .. تركا محمود وكرم اعمالهم السابقة وبدء توضيب المطعم لبداية العمل به وللبداية الجديدة فى حياتهم ..