رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الرابع 4 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل الرابع 

مر عدة أيام واستعدت سميه لنزول الشركة،  دخلت ترنيم الغرفة، وخرجت منها أصوات الصفافير من بين شفتيها، حيث تكلمت بإعجاب: 
"يا واد يا جامد انت، مزه عليا التلت طلبات قمرر، واخيرا هتبقى جنب حبيب القلب حسحس." 
كانت ملامح وجهها تعكس الحماس، وكأنها تتحدث عن حلم تحقق، لكن سميه لم تُشعر بنفس الحماس. 
حركت سميه رأسها بضيق، فبدت ملامح وجهها تعكس نفاذ صبرها، وتكلمت بحدّة: "يا بنتي أنتي حد مسلطك عليا، ارحمي أمي بقى، وايه حسحس دي اللي طلعتيها عليه، ركزي في حياتك انتي وفكري ازاي تصلحي الحال بينك وبين سلطان بدل ما انتي مركزة معايا وقرفاني." 
ردت ترنيم، متمسكة برأيها حيث حركت رأسها بالرفض وتحدثت بثقة: 
"أخوكي ده أنا أقدر أجيبه يترجى فيا في غمضة عين بس باللعبة على الهادي يا زبادي." 
كان صوتها مليئاً بالتحدي، كما لو كانت تتحدى العالم كله لإثبات نفسها. لكن سميه لم تكن مقتنعة بتلك الثقة العمياء، فلم يكن الأمر محصورًا فقط في مشاعر إيجابية بل يتطلب عملاً وجهودًا حقيقية لتصحيح الأمور.
ابتسمت سميه بتعليق ساخر وردت عليها بتهكم: 
"اهي الثقه الزيادة دي اللي هتوديكي في ستين داهية! سلطان أخويا ملوش عزيز ولا غالي، ولو حطك في البلاك ليست انسي أنه يفكر فيكي تاني." 
كانت نبرة سميه تحمل في طياتها قلقاً حقيقياً، فالسذاجة أحيانًا قد تكون ألعوبة في يد الآخرين، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بعلاقات معقدة مثل تلك التي تعيشها. 
تعالت ضحكات ترنيم، وهي تتحدث بثقة:
"مع أي حد يقدر يعمل كده، إنما أنا ترنيمو ميقدرش." 
دافعت عن نفسها بأسلوب هزلي مُعززة ثقتها وكأنها تقف في منصة تتحدث لجمهور يستعد لتقديم التحية.
ثم تحركت نحو الباب، بينما ابتسمت بشغف، وقالت بمرح مزيد من الإيحاء: "ابقى سلميلي على حسحس وقوليله هيجي يتقدملي امته علشان يبقى شاورما." 
أمسكت سميه الوسادة ورمتها بها بغيظ، وهي تشعر بأن ترنيم تأخذ الأمور بمزاح أكبر مما يجب، وتحدثت بغيظ: 
"امشي يا باردة دمك سم." 
ثم خرجت ترنيم مسرعة من عندها، وأغلقت الباب خلفها بينما كانت تضحك على انفعال سميه، متمتعة في خيالها وكأنها تتحكم في مجريات الأمور. وقبل أن تغادر، تفاجأت بسلطان خلفها، مما جعلها تنتفض في مكانها وتقول باستغراب: 
"سلطان!! واقف هنا بتعمل ايه خضتني؟"
رد عليها بتهدج وهو يشعر بالقلق، يرسم تعابير جدية على وجهه: 
"كنت جاي استعجل سميه ولقيتك خارجة من عندها وبتضحكي، مرضتش اقطع عليكي اللحظة."
اقتربت منه أكثر، وتحدثت بدلال، وكأنها تتودد له بلطف: 
"أنت تقطع أي لحظة براحتك يا سلطان قلبي وزمانه." 
كانت تحاول أن تشعره بمدى أهميته في حياتها.
أغلق عينيه بنفاذ صبر وتحدث بصوت متردد: 
"ترنيم اتلمي أحسنلك."
تعالت ضحكاتها وهي تبتعد عنه، تتمايل بجسدها وتدندن بدلال خلال ذهابها إلى شقتهم، وكأن كل خطوة تثبت أنها واثقة من نفسها. بينما نظر إليها سلطان بنفاذ صبر، قال في نفسه: 
"ربنا يصبرك على بلوة حياتك دي يا سلطان." 
ثم طرق على الباب وتحدث بنبرة جادة: "يلا يا سمية علشان أوصلك الشركه وارجع اشوف شغلي." 
فتحت الباب سريعًا وأجابت بحماس: 
"انا خلصت خلاص يا سلطان، يلا بينا." والابتسامة تضيء وجهها.
نظر لها بإعجاب، وأشار مبتسمًا: 
"بنوتي كبرت وبقت زي القمر." 
كان صوته يحمل نبرة فخر حقيقية.
ابتسمت له بخجل وأجابت، مداعبةً له: "شكرا يا سلطان، أنا حلوة بس علشان أخت أجمل وأجمد معلم فيكي يا منطقة." 
كانت تفضل دائماً أن تُظهر تقديرها له في أحاديثها.
قبل رأسها بحب، متمنياً لها كل خير، وقال: "ربنا يبارك فيكي يا حبيبة أخوكي، يلا بينا." 
كانت مشاعره أكثر من مجرد كلمات.
خرجوا من الغرفة واتجهوا إلى الباب. وعندما أغلقوا وبدأوا في النزول على الدرج، توقفوا فجأة عندما سمعوا صوت ترنيم تقول: 
"استنى يا سلطان، خدني معاكم علشان زهقت."
التف بسرعة ونظر لها باستغراب، قائلاً باستفسار: 
"أخدك معانا فين؟ مش فاهم؟" 
تكلمت بصوت مختنق، وملامح وجهها تعكس رغبتها الجامحة: 
"خدني معاكم في العربية نوصل سميه الشركه واشوف شكلها إيه وأرجع تاني معاك." 
كانت كلماتها تحمل شغفاً ملحوظاً، وأحلامها تضيء عينيها بما يكفي لجعل أي شخص حولها يشعر بالحماس.
زفر سلطان بضيق ونفاذ صبر: 
"اتفضلي انزلي اخلصي." 
قفزت بسعادة مثل الطفل الصغير، وكأن السعادة قفزت داخلها أيضاً، وركضت بسرعة من على الدرج إلى الأسفل، ولا يمكن لأي شخص أن ينكر روعة تلك اللحظة. نظر إليها بابتسامة، عابراً في تفكيره الزاخر عن المغامرات والأحلام، وحرك رأسه باستنكار على مغامرات هذه المجنونة، مبتسمًا بملل ساخر. ثم تحرك تبعاً لها في الأسفل.
           ***********************
وصل سلطان الشركة بالسيارة الفاخرة، ومعه الفتيات اللواتي قفزوا منها بحماس وصعدوا إلى الأعلى تحت نظرات الإعجاب التي ألقاها جميع الموجودين في المكان. نظرت ترنيم بضيق إلى الفتيات واقتربت من سلطان، ممسكة بذراعه مما جعله يستغرب من تصرفها. ومع ذلك، تركها تفعل ما تريد. دخلوا مكتب سلطان، حيث اتسعت عينا الفتيات من شدة إعجابهم بالمكان الرائع. كان التصميم حديثًا وعصريًا، مع تفاصيل تنبض بالفخامة، من الأثاث الأنيق إلى الإضاءة الناعمة التي تضفي لمسة من السحر. تكلمت سميه بعدم تصديق وقالت: 
"أيه ده يا سلطان بقى احنا عندنا العظمة دي وأنا معرفش عملتها إمتى؟"
جلس سلطان على المقعد الجلدي الفاخر خلف مكتبه الخشبي، وتحدث بتوضيح:
"الفكرة فكرة البشمهندس حسام. المكان كان بسيط، شركة بتصميم قديم، بس هو لما اشتغل فيها قالي: مينفعش شركة بالحجم ده وبتشتغل في المقاولات والتعمير تكون بالتصميم ده. لازم تكون على مستوى يليق باسم العيلة وفي نفس الوقت تلفت انتباه العملاء، وهو اللي عمل ليا التصميم ده ونقلها في حتة تانية."
نظرت سعادة جلية في عيني سميه، حيث فخرت بمن أحبه قلبها. تمنت لو تستطيع أن تبوح بحبها له وتعبر عن مدى إعجابها به، لكن انتشالها من أفكارها كان صوت حسام وهو يتنحنح برجولية ويقول وهو ينظر إلى الأرض:
"السلام عليكم، نورتوا الدنيا."
تكلم سلطان بجدية:
"حسام، مش هوصيك على أختي. أنت عارف أنا مش بكون موجود هنا في الشركة طول الوقت. لو فيه حاجة وقفت معاها، ساعدها، ولو حد اتعرض ليها، عرفني بس، وأنا هعرف أشوف شغلي معاه."
أومأ حسام برأسه بالطاعة وقال:
"حاضر يا فندم، متقلقش. الأنسة أخت حضرتك في عيني، وإن شاء الله تكون مبسوطة في المكان."
تراقصت دقات قلب سميه بسعادة، شعرت وكأنها تطير فوق السحاب، لكن كالعادة، سحبتها ترنيم إلى الواقع بكلماتها:
"أهم حاجة تحطها في عيونك يا بشمهندس، بنتنا عبيطة وعلى نياتها أوي."
ضغط سلطان على أسنانه بغضب، ونظر إليها بتحذير:
"حطي لسانك في بؤك ومتنطقيش، فاهمة؟"
تكلم حسام بصوت رجولي هز كيان سميه:
"مدام حضرتك موجود النهاردة، فيه أوراق محتاجة أمضتك، أجيبهم لحضرتك؟"
أومأ سلطان برأسه بالموافقة وقال:
"ماشي، خد الأنسة سميه وعرفها مكتبها فين، وابعت الملفات دي مع السكرتيرة."
أفسح حسام الطريق وهو ينظر إلى الأرض:
"اتفضلي يا أنسة سميه."
تحركت سميه أمامه بقدم مرتعشة، فهي تحقق أحلام العصر بالنسبة لها الآن، تتعامل مع من أحبته طوال السنوات الماضية في صمت. كانت تتمنى أن يلقى نظرة واحدة عليها. خرجت من المكتب واستملت صوت حسام وهو يقول:
"من هنا يا أنسة."
تحركت باتجاه إشارة يده، ودقات قلبها كانت كطبولٍ تسمعها بوضوح. كان كل خطوة تخطوها نحو المستقبل تنبض بالتوتر والسعادة في آن واحد، وكأنها تدوس على حلم عمرها.
جلست ترنيم بضيق أمامه وتكلمت بتساؤل:
"هو أنت بتيجي هنا على طول؟"
حرك رأسه بالرفض:
"ما أنتي سمعتي بودنك، مش باجي هنا على طول."
نهضت من مقعدها وجلست أمامه على سطح المكتب، وتكلمت بغيرة واضحة:
"أصل البنات اللي هنا هتاكلك بعيونها، وأنا كان هاين عليا أخزقهم ليهم كلهم، وأنت أكيد فرحان بإعجابهم ده."
تعالت ضحكاته الرجولية، وتراجع بجسده للخلف على مقعده، مستمتعًا بتلك اللحظة:
"وهما دول بنات؟ أمال بقى لو شوفتي بتوع بره، تقولي إيه؟ على الأقل دول لابسين يونيفورم محترم، أما بتوع بره مش بيكونوا لابسين أصلاً."
اتسعت عيناها بصدمة، فهو عرف كيف يلعب بمشاعرها. هبطت من فوق المكتب وظلت تضربه بضيق وغيرة:
"أه، علشان كده بتحب تسافر على طول عندهم، علشان تمتع نفسك. أنت بارد وغلس، وأنا بكرهك يا سلطان."
أمسك ذراعها وهو يضحك، ملء المكان بصوته:
"بس يا مجنونة، وبعدين دول يجوا إيه جنبك يا وحش، دول صفر على الشمال بالنسبالك."
نظرت بعينيه بسعادة، وقالت بعدم تصديق:
"بجد يا سلطان يعني أنت شايفني أنثى بجد وأحلى منهم."
حرك يده على وجنتها وتكلم بصوت هامس مليء بالعشق الخالص:
"أنتي بقيتي أنثى متفجرة الأنوثة، كل حتة فيكي اكتملت وبقت لوحة مرسومة على أيد أعظم فنان، ومشوفتش ولا هشوف في جمالك أبداً."
تعالت دقات قلبها بسعادة وتكلمت بصوت هامس:
"أمال ليه على طول بحسك إنك شايفني طفلة يا سلطان، ليه بتبعد عني مدام شايفني كده؟"
تنهد بحزن وتكلم بصوت مختنق:
"علشان مينفعش يا ترنيم، أنا اللي ربيتك وكبرتك. فرق السن بينا كبير، حرام لما أظلمك معايا وأدفن شبابك معايا. أنتي ممكن ميكونش اللي في قلبك ليّا ده حب، ممكن يكون تعلق، علشان طول عمرك أنا بس اللي فيها. أنا العالم بتاعك اللي كبرتي فيه، مشوفتيش حد غيري، علشان كده مينفعش اللي بتفكري فيه ده. أنا مش أناني يا ترنيم، أنا عايز أشوفك أسعد واحدة، حتى لو السعادة دي مش معايا."
احتضنته بقوة وتكلمت بنبرة عاشقة، مزيج من شهقاتها:
"أنا مش صغيرة يا سلطان، وأعرف أحدد مشاعري كويس أوي، وأعرف أفرق ما بين الحب والتعلق. أنا مش بحبك، لا، أنا بعشقك يا سلطان. أنت فعلاً العالم بتاعي، اللي لو خرجت منه أموت. أنت الحب اللي عاش في قلبي وكبر معايا بكل مراحل عمري. أنت الحلم اللي عاش معايا وهفضل متمسكة بي لحد ما أحققه، ولو حبك هو المقبرة اللي هموت فيها، أنا قابلة أدفن شبابي جواها. بحبك يا سلطان مش لو عندك تمانيه وتلاتين سنة، ده لو عندك مية سنة هعشقك برضه."
كانت كلماتها كالترياق الذي أنعش قلبه. ضمها بقوة داخل صدره، فاليأس لم يعد خيارًا له. ضمها بقوة داخل أحضانه مقبلًا عنقها بعشق خالص، وتكلم بصوت عاشق هامس:
"بعشقك يا ترنيم."
اتسعت عينا ترنيم بصدمة، توقفت أنفاسها للحظة، ابتعدت عن حضنه ونظرت له بعدم تصديق:
"أنت قولت إيه يا سلطان؟ أنطق بالله عليك، علشان حاسة إن أنا من كتر ما بحبك بسمع حاجات غريبة."
ابتسم على كلماتها، وحرك أصابعه على وجنتها، ونظر بعينيها:
"بعشقك يا ترنيم، خلاص، مبقتش قادر أداري حبك أكتر من كده. عارف أنها أنانية مني أن أحبك وما بينا فرق السن ده، بس القلب معلهوش سلطان."
اقتربت ترنيم منه بسعادة، مقبلة إياه بعشق خالص، وما على سلطان إلا أن يعمق هذه القبلة ليصبح حبهم أكثر جنونًا. وفي هذا الوقت، سمعوا صوت طرقات على الباب. ابتعد عنها بهدوء، وكوب وجهها بين يديه، ونظر بعينيها بسعادة:
"أنتي جميلة أوي يا ترنيم، بس بلاش نكررها تاني. عايز أحافظ على براءتك لحد ما تبقي في بيتي، وساعتها هعرفك عشق سلطان يكون إزاي. يلا، روحي اقعدي على الكنبة لحد ما أخلص شغل."
احمرت وجنتها وأومات رأسها بخجل، ونهضت من على قدميه واتجهت إلى الأريكة وجلست عليها في صمت، بينما كانت عيناها تتأملان المكان بكل تفاصيله، وكأنها تبحث عن ذكريات جديدة لها فيه.
تابعها سلطان بنظرات عاشقة، ثم اعتدل على مقعده وتكلم بصوت أكثر جدية:
"ادخلي."
دلفت السكرتيرة ومعها الملفات، واقتربت بها من مكتب سلطان وتكلمت باحترام:
"اتفضل يا فندم، دي الملفات اللي محتاجة أمضت حضرتك."
أخذها منها وقال بنبرة جادة:
"ماشي يا سيلا، روحي هاتيلي واحد قهوة وهاتي واحد عصير ليمون للأنسة."
أومات رأسها بالموافقة وتحركت إلى الخارج، وأغلقت الباب خلفها.
نظرت له بتوتر وتكلمت بضيق:
"ه هو مينفعش سكرتير، لازم سكرتيرة يعني؟"
نظر لها بابتسامة وقال بتوضيح:
"بس سيلا بقالها سنين معانا، بنت محترمة جدًا، وشايفة شغلها كويس. وزي ما أنتي شوفتي، أسلوبها راقي ومؤدب."
تكلمت بغيرة واضحة:
"أنا مش عايزاك تتعامل مع أي بنت خالص. محترمة بقى ولا مش محترمة، دي مش شغلنتي يا سلطان."
ابتسم على عشق هذه المجنونة، وتكلم بسعادة:
"اهدي يا مجنونة، أنا كده كده مش باجي هنا غير كل فين وفين، والشغل اللي بيقوم به حسام وسيلا."
أومات رأسها بالموافقة، وتكلمت بملل:
"طيب، أنا زهقت وعايزة أمشي يا سلطان."
تكلم بنفاذ صبر:
"اصبري طيب أخلص الشغل اللي في إيدي، وبعد كده نمشي."
زفرت بضيق وأومات رأسها بالموافقة، وظلت تعبث بهاتفها قليلاً.
تابعها سلطان بابتسامة وعشق خالص، وبدأ يتابع العمل الخاص به حتى انتهى، ونهضوا الاثنان وخرجوا من مكتبه. وتمسكت ترنيم بذراع سلطان، كأنها تعلن للعالم ملكيتها له، وعدم الاقتراب من ممتلكاتها الخاصة.
ضمها بذراعيه بقوة، وشعر بسعادة لا توصف وهو محاطًا بكنز غالي عليه، يخشى فقدانه.
            ***********************
في مساءٍ دافئ، اجتمعت العائلة حول طاولة الطعام، وكانت السعادة تشرق على وجوه ترنيم وسلطان. ألقى الجميع نظراتهم على تلك الابتسامات، حتى برز الفضول على وجوه الجميع. استكشف العواطف التي تعكسها وجوههم. ثم، بنبرة رجولية تملؤها الثقة، أعلن قائلاً: 
"أنا قررت أخطب ترنيم."
عكست الصدمة والدهشة ملامح الجميع، حتى ترنيم نفسها. أول من استوعب هذا الخبر كانت صباح، التي شعرت بسعادة غامرة، حيث قالت: 
"بجد يا ابني، يا فرحت قلبي! اللحظة دي كنت مستنياها من زمان، ربنا يسعدكم يا حبيبي."
وصوت وفاء جاء مع عبارات من الفرح، لكنها لم تستطع كتم دموعها، حيث صرحت: "مبروك يا ولاد! قلبي بيرقص من الفرحة. أخيرًا، يا سلطان، ربنا هداكم ورجعت الميه لمجاريها. ربنا يسعدكم ويفرح قلوبكم يا حبايب قلبي."
بتعبير هادئ، تحدث عبد الرحمن: 
"طيب يا ابني، مش المفروض تيجي تطلبها من بيت أبوها؟"
رد سلطان برفع أحد حاجبيه، مظهرًا تهكمه:
"المفروض عند المكوجي يا حاج! ترنيم تخصني أنا في كل حاجه، وأنا طلبتها من نفسي. عندك اعتراض؟"
عبد الرحمن، الذي شعر بالإحراج، تلعثم في الرد: 
"لا طبعًا، معنديش اعتراض. ربنا يسعدكم، أنا قصدي يعني علشان شكلنا قدام الناس."
سلطان نظر إليه بملل، قائلاً: 
"يا حاج، اركن أنت على جنب. أنا عارف بعمل إيه! ترنيم خطيبتي، وده كفايه أنها على اسم المعلم سلطان، والكل هيعرف ده."
اعتمد عبد الرحمن على نفسه، استقام وتحدث بخجل: 
"أنا شبعت، الحمد لله. عن إذنكم." 
ثم تحرك سريعًا مبتعدًا إلى شقته.
ألقت وفاء نظرة لوم على سلطان، قائلة:
"ليه بس يا سلطان؟ هو مش قصده حاجة. هو عايز يقدم ليها أي حاجه يعوضها غياب أبوها."
رد سلطان بضيق: 
"محدش ليه دعوة بترنيم يا فوفة. وده كان شرطي عليه، من أول ما جه وأتقدملك، وهو وافق على كده."
كل ذلك كان تحت نظرات ترنيم المصدومة.
وقفت وفاء منتصبة، قائلة: 
"هروح أطيب خاطره بكلمتين، عن إذنكم."
خرجت إلى شقتها، وتبعها ابناءها. نهض سلطان، مخاطبًا ترنيم بنبرة جادة: 
"تعالي ورايا."
ظلت صامتة، تنظر إلى الأمام بعدم تصديق. حرك رأسه بنفاذ صبر، وأمسك يدها، مُربيًا إياها على الوقوف، وسار بها إلى غرفته. أغلق الباب خلفه، واسند ظهرها عليه، بينما حرك يده على وجنتها، متسائلاً بنبرة هادئة:
"مالك يا ترنيم؟ أنتي زعلانه علشان هخطبك؟"
تحدثت بسرعة مندهشة: 
"أقسم بالله ما حصل! أنا أصلاً مصدومة ومش مصدقة نفسي. يعني تعترفلي بحبك، وتبوسني، وتخطبني كل ده في يوم واحد؟ أنا حاسة أني في حلم جميل، ومش عايزة أصحى منه خالص."
ابتسم عند سماع كلماتها، وابتعد عنها قليلاً، جالسًا على حافة سريره، حيث وضح:
"حاولت كتير أبعد عن حبك، بس مقدرتش يا ترنيم. ومدام خلاص اعترفتلك بحبي، يبقى مافيش لزوم نضيع لحظة تانية في البعد، لأنه طول ما أنتي قصادي هضعف، وانا مش حابب كده. عايز أحافظ عليكي لحد ما تبقي مراتي، حلالي، ووقتها بس هعمل معاكي اللي عشت عمري كله أحلم بيه."
تحركت بسعادة وجلست بجواره، ممسكة يده، وقالت بنبرة عاشقة: 
"أنا بحبك أوي يا سلطان. ونفسي أوي يتقفل علينا باب واحد، وأكون في حضنك على طول، من غير ما تبعدني عنه."
قبل يدها بحب، قائلاً: 
"قريب أوي هتبقى في حضني، ومحدش هيقدر يبعدك عني مهما حصل."
وضعت رأسها على كتفه، قائلة بعدم تصديق: 
"أنا خايفة أكون بحلم يا سلطان. مش قادرة أصدق أني خلاص معاك. وأعترفتلي بحبك، اعمل أي حاجة تأكدلي أني صاحية."
حرك رأسه بنفاذ صبر: 
"يا بت، اتهدي بقى. الله يحرقك، خليني أحافظ على مبدأي بدل ما أكلك وتبقي مراتي دلوقتي."
ضربته بكفها الصغير على صدره، بخجل، قائلة: 
"اتلم يا سلطان! أنا مقصدش كده، أنا أقصد اقرصني. اضربني بالقلم، أي حاجة أحس بيها أني صاحية وحقيقي اللي بيحصل ده مش حلم."
تعالت ضحكاته، وضمها بقوة داخل أحضانه، قائلاً بسعادة: 
"بعشقك يا مجنونة، وربنا يستر على قلبي من اللي جاي معاكي."
ابتعدت عنه، ووقفت أمامه، متحدثة بسعادة: 
"يعني أنا همشي في الحارة وأقول أنا مرات المعلم سلطان على سن ورمح! يااااه، مش مصدقة نفسي."
تعالت ضحكاته الرجولية على أفعال هذه المجنونة، حيث تحدث بصعوبة: 
"يا بنتي، اعقلي شوية. اللي يشوف حركاتك يقول عليكي طفلة في كي جي تو، ميقولش إنك كبيرة وعندك أربعة وعشرين سنة."
اقتربت منه، نظرًا إلى عينيه، وتحدثت بصوت هامس: 
"أنا هفضل طفلتك مهما كبرت يا سلطان."
نظر إليها بابتلاع ريقه بصعوبة، قائلاً بصعوبة: 
"امشي يا ترنيم، اطلعي حالاً من الأوضة، عشان مش مسؤول عن اللي هيحصل لو فضلتي معايا أكتر من كده."
تعالت ضحكاتها كأصوات الفرح وهي تتردد في الهواء، وضعت قبلة على وجنتيه بسعادة، تلك القبلة التي تحوي كل الأحلام والذكريات التي تشاركها معه. ثم ركضت سريعًا إلى الخارج، تترك خلفها عبق البراءة وشغف الشباب، وكأنها تتحدى العالم وتصر على أن تعيش كل لحظة بكل ما فيها من حب وسعادة.
تنهد بسعادة، متمنيًا من الله أن تدوم سعادتهم، وأن تبقى ضحكاتها تتردد في أذنه كأنها لحن جميل لن ينسى أبدًا. فكل ما يراه في عينيها يجعله يؤمن بأن الحياة تحمل لهما المفاجآت الجميلة، ويأمل أن يتشاركا في كل لحظة منها معًا.
           ***********************
جلست سميه في غرفتها، محاطة بذكريات لحظاتها القريبة من حسام، وهو يشرح لها طبيعة العمل. رغم عدم النظر إليها من قبله، إلا أنها كانت تستمع إلى دقات قلبه، التي كانت تعلن عن اندلاع حرب داخلية في صدره. كانت ترى حسام يختلس النظر إليها من نافذة شقتهم المقابلة عبر شرفة غرفتها، لكن خجله من الاقتراب منها كان يمنعه. استمرت سميه هائمةً في تفكيرها حتى قاطعها شيءٌ أفسد لحظاتها السعيدة. زفرت بضيق وتحدثت بنفاذ صبر: 
"شوية خصوصية في البيت ده يا ربي، طيب ادعي ربنا يريحني منك ازاي وانتي هتبقى مرات اخويا ولازقه فيا اكتر."
تسللت ضحكات ترنيم في الجو، وجلست بجوار سميه على السرير، تسألها بفضول:
"ها طمنيني عملتي ايه النهارده مع سي حسحس بتاعك ده؟ أنا كنت هموت على نفسي من الضحك وانا شيفاه لبخه كده وخايف يبصلك!"
زفرت سميه بضيق واستقامت في جلستها، وهي تقول: 
"هو مش جبان يا بنتي، حسام محترم جداً، ومش بيرفع عينه علينا احتراما لأخويا سلطان. بس أقولك على حاجة، أنا فرحانة قوي لأول مرة أكون معاه كل الوقت ده، واسمعه وهو بيتكلم. صحيح، محدش مننا بص في عيون التاني، بس كفايه أن هشوفه كل يوم. أحياناً بحس كأن الكلام بينا ليه لغة خاصة، بيفهمها قلبينا احنا الاتنين من غير كلام. في كل مرة بشوفه فيها، بيبقى قلبي بيخرج من مكانه ويجري عليه."
تمدت ترنيم على السرير، وابتسمت بحماسة: 
"يا سلااام على الحب يا ولاد! قصة حبكم قذرة بصراحة يا سميه، ما تعترفوا لبعض واخلصوا بدل ما هو عايش دور ابن الجيران اللي هنا قصادي! مش عارفة بس اعمله أنا ايه. عمال يعاكس كده وينادي، وفي أي حد، يا ناس بلاقيه! استني، أنا دخلت على أغنية نانسي عجرم. المهم يعني، وانتي كمان عايشة دور من حبي فيك يا جاري يا جاري، من زمان بخبي الشوق وأداري يا يعرفوا الجيران." 
ثم تابعت بطرافة: 
"لا استني، دي أغنية برضه، المهم بقى أتزفتوا واعترفوا لبعض، انتوا بقيتوا مع بعض في مكان واحد، والفرصة جات لحد عندكم."
ردت سميه عليها بنفاذ صبر: 
"حبيبتي، أنا مش بجحة شبهك ولا عمري هعمل كده إلا لما هو اللي يجي ويعترفلي بحبه."
اعتدلت ترنيم في جلستها، ساخرة: 
"يبقى موت يا حمار! عم حسام هيفضل يبص عليكي من تحت لتحت، وانتي تترعشي كل ما تشوفيه، وقلبك يرقص من الفرحة! وكل شوية تبصي ليه بحب، وابقوا اعترفوا لبعض لما يكون عندكم تمانين سنة، وانتوا رايحين تقابلوا وجه كريم إن شاء الله!"
دفعتها بقوة، مما أسقطها على الأرض، وتحدثت بغضب: 
"بت، أنتي غوري على أوضك! قرفاني في عشتي ليه بس، الله يكون في عونك يا سلطان، أخد أكبر بلوة في حياتك، ربنا يقويه عليكي!"
اعتدلت ترنيم في جلستها على الأرض، وتحدثت بضيق مازحة: 
"طيب تصدقي بقى أن أنا غلطانة، يارب يشوف واحدة غيرك ويحبها! خليكي انتي كده يا خايبة، أبكي على ليلاه! وابقى تعالي بعد كده اترجي فيا، وقوليلي انقذيني يا توتة."
ابتسمت سميه على كلماتها، قائلة: 
"ابقى ارفضي تساعديني لما اجيلك، روحي أووضك يا ترنيم."
استقامت ترنيم وتحدثت بابتسامة: 
"أنا من الأول قولتلك، مليش غير سوسو حبيب قلبي الوحيد، اللي بيتحمل جناني ده. أشوف فيكم يوم يا عيلة غم."
أنهت كلامها، وخرجت من الغرفة، وأغلقت الباب خلفها.
تعالت ضحكات سميه على كلمات ترنيم المجنونة، وتمدت مرة أخرى على السرير، وبدأت تفكر مرة أخرى في لحظاتها مع حسام، لكنها تفاجأت بالباب يفتح مرة أخرى، وترنيم تتحدث بسرعة: 
"يارب توقعي على جدور رقبتك يا سميه، وما تلاقي حد يلحقك يا بتاعة حسحس."
أنهت ترنيم كلامها، وأغلقت الباب مرة أخرى، وركضت سريعاً من أمامه. نظرت سميه إلى أثرها بعدم تصديق، قائلة: 
"البت دي مش طبيعية، مجنونة والله! ربنا معاك يا سلطان في اللي جاي، هطير عقلك منك أكتر ما هي مطيراه."
             ************************
في وقت متأخر من الليل، وبينما كان الجميع يغط في سبات عميق، خرج سلطان من المنزل وعينه تتفقد المحيط. كان عليه التأكد من عدم وجود أحد يراه، فقد كانت تلك اللحظة بمثابة فخ غير مرئي يحيط به. صعد إلى سيارته الحديثة، وبدأ في قيادة السيارة بسرعة، تشعر روحه بالكراهية والألم مع كل منعطف ينحرف به. بعد عدة دقائق من القيادة، توقف أسفل إحدى البنايات الخاصة، خرج من السيارة، وتوجه نحو المصعد الكهربائي بضوء يسطع في وجهه، مشددًا على ملامح الجدية والتصميم.
عندما فتح الباب، مال بجسده نحو الداخل، حيث كانت طفلته الصغيرة تنتظره، عينيها اللامعتين تشعان بالأمل. احتضنها بحب عميق، مُقبلًا رأسها بحنو أبوي، وسألها بقلق يملأ صوته: 
“ماما فين يا رنيم؟” 
أشارت الطفلة بأصابعها الصغيرة نحو المطبخ، مظهرة براءة طفولتها، وكأنها لا تدرك المخاوف التي تحيط بأبيها. ابتسم سلطان لها بحنو، ثم أنزلها برفق من ذراعه وتوجه نحو المطبخ. وعندما دخل، اكتشف شابة في أوائل الثلاثينات تتمايل بجسدها على أنغام الموسيقى، مستمتعة باللحظة بينما كان القلق يعصر قلبه. زفر بضيق، وأغلق الموسيقى بشكل مفاجئ، مُتكلمًا بغضب مختلط بالقلق: 
“طيب انتي واقفه تترقصي وحاطه السماعات في ودنك، افرضي البت حصلها حاجه، هتحسي بيها ازاي؟” 
كل كلمة خرجت منه كانت تحمل شعورًا بالمسؤولية القاسية، وكأن قلبه يصرخ من الخوف على ابنته.
ابتسمت الشابة بسعادة، غير مدركة بشكل كامل للضغط الذي يشعر به، ثم ارتمت في أحضانه، قائلة: 
“وحشتني أوي يا سلطان. بقالك أسبوع غايب عننا، والبت كل شويه تعيط علشانك.” 
كانت كلماتها مفعمة بالمشاعر، لكن سلطان شعر بها وكأنها تخفي عواطف أخرى.
ابتعد عنها، وتكلم بضيق مما يجول في ذهنه: 
“كان عندي شغل كتير ومعرفتش أجي. ومترديش على سؤالي بسؤال يا فريدة. انتي هتفضلي مستهترة كده لحد امتى؟ افرضي البنت فتحت الباب ونزلت، وانتي مش حاسه. اعملي حسابك، اللي مخليني مستحمل وجودك في حياتي هي رنيم. لو بنتي حصلها حاجه، مش هيكفيني موتك، فاااهمه؟” 
كان صوته مليئًا بالقلق والألم، كأنه يحاول أن يعود بها إلى الواقع، إلى مسؤولياتهم المشتركة.
اقتربت منه بدلال، محاولة تخفيف الجو المتوتر، وابتسمت بينما قالت: 
“فاهمه يا قلب فريدة من جوه. متزعلش مني وهكون قد المسؤوليه. كله إلا زعل سلطان قلبي مني.” 
كانت هذه الكلمات كعطر يُستخدم لإخفاء رائحة الواقع، لكن سلطان كان يعلم أن الحب لا يكفي لوحده.
زفر بضيق مرة أخرى، وتحدث بصوت جاد، كأنه يضع الحدود المعروفة لكليهما:
“حضري العشا، عايز أكل اللقمه وأنام.”
كانت تلك اللحظات بمثابة عناية بالإحتياجات الأساسية، لكن قلبه كان يطلب شيئًا أكبر وأعمق.
حركت يدها على صدره بدلال، محاولة استعادة اللحظة التي ازدادت فيها الألفة:
“لا تنام إيه، أنت وحشني أوي يا سلطان. الليلة صباحي النهاردة.” 
كانت كلماتها تحمل النداء، لكنها أيضًا تتحداه لاستكشاف نقاط الضعف في مشاعرهم، وكأنهم جميعًا في رقص دائم بين الحب والقلق، بين الالتزام والمشاعر الغير معلنة.
شعر بوخزة في قلبه، كلما اقترب من فريدة، التي أصبحت جزءًا من حياته رغم كل التعقيدات العاطفية التي مر بها. لم يكن ذلك الشعور مجرد خيانة تجاه حبيبته وبنت قلبه ترنيم، بل كان أيضًا نداءً متناقضًا في أعماقه، يتصارع بين الحب والولاء والواجب. تنهد بضيق وأبعدها عنه برفق، قائلًا بصوت يحمل في طياته الحزن:
“أنا هدخل أغير هدومي، وانتي خلصي اللي في إيدك بسرعة.”
ترك المكان وكأنما يفر من أعداء مشاعر متأججة، رغم أنه كان على علم بأن المسافة لن تخفف عنه وطأة هذا الصراع. خطط في ذهنه لإنهاء الجلسة مع فريدة بسرعة، لكن صور الماضي وذكرياته مع ترنيم كانت تحاصره. لحظات من السعادة والسعادة الممزوجة بالمرارة تقفز إلى ذاكرته، وتحير ذهنه، كما لو كا كانت تناديه للعودة إلى الزمن الذي كان فيه قلبه خاليًا من الشوائب. خرج من عند فريدة ومال بجسده إلى الأمام، فحمل ابنته الصغيرة التي تشبه حبيبته في الطباع والشكل بشكل مذهل. عيناها اللامعتان ابتسم لها بحنو، وقال بنبرة أبوية مشبعة بالحب: 
“تعرفي إنك كلك شبهها يا رينو.”
نظرت له باستغراب عميق، وكأنها تبحث عن الفهم في عينيه، وسألته بفضول طفولي:
“هي مين دي يا بابي؟”
جلس على الأريكة، محاطًا برائحة الطفولة والبراءة البحتة، ثم بدأ يتحدث، وذاته تخيم عليها ظلال الماضي: 
“بنت جميلة أوي ربتها على أيدي لما كانت قدك، بس كبرت وبقت عروسة زي القمر، وبقت دكتورة قد الدنيا. حاولت أبعدها عني كتير علشان متتصدمش لما تعرف بوجودكم، بس للأسف قلبي ضعيف ومقدرش يستحمل بعدها عنه. أنا خايف أوي يا رنيم، أول مرة بابا يخاف.” 
كانت كلمات قلبه تتدفق كالنهر المنساب، يحمل معه كل الأمنيات والأحلام الضائعة.
“عارفه خايف من إيه؟ خايف تعرف الحقيقه وتبعد عني. مش هقدر استحمل بعدها، ولا هقدر أعيش من غيرها. هي النفس اللي بتنفسه، هي الوحيدة اللي بضعف قدامها، ومش بكره ضعفي ده. بالعكس، بحب اللحظة دي لأنها هي أنا، حتة مني.”
استمعت ابنته إلى نبرة صوته المنكسرة، لكنها لم تكن قادرة على فهم ما يقوله بشكل كامل، إذ كان كل شيء يبدو غامضًا ومبهمًا بالنسبة لها. تكلمت بطفولية بريئه، قائلة:
“أنا مش فاهمه حاجه من اللي بتقولها دي يا بابي، أنت قصدك على مامي؟”
انتبه سلطان لحالة ابنته، ورأى في عينيها البراءة والعفوية، فابتسم لها بحزن وألم، وأومأ برأسه برفق، قائلًا: 
“أه يا حبيبتي، قصدي على مامي. يلا روحي كملي لعب.” 
أراد أن يجعلها تشعر بالأمان، لكن كلمات قلبه كانت لا تزال تعصف في عقله. أنزلها على الأرض، وركضت الطفلة تلهو بألعابها، وكانت ضحكاتها تعلو في أرجاء المنزل، بينما كان سلطان يتابعها بحزن شديد، مزقته مشاعر الفقدان والحنين. ثم تحرك نحو غرفته، بدل ملابسه، وجلس على سريره يتذكر الماضي... تبحث ذكرياته عن طريق العودة إليه، لكنه كان يعرف تمامًا أن الأيام لا ترجع إلى الوراء، وأن كل قرار اتخذه قد ألقى بظلاله الثقيلة عليه.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1