رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الخامس 5 بقلم سيلا وليد

 


 رواية شظايا قلوب محترقة ( وكأنها لي الحياة ) الجزء الثانى الفصل الخامس بقلم سيلا وليد

لم يُلقِ أحدهم اللوم عليّ…
لكنني حملت الذنب كوشمٍ على ضلوعي.
أنا التي مضيت، وتركت خلفي بيتًا كان يتنفّس بي
وطفلًا كان يضحك في حضني كأنه وطن صغير…
ورجلًا أحبّني كأنني حياة،
ثم أفقت ذات خوف..
أنا التي مضيت لأحميهم مني،
فصرتُ الوجع الذي لا يُشفى،
صرت السؤال العالق في الصور،
والظلّ الغريب الذي لا يشبه أحدًا في الذاكرة.
أما أنا الآن…
أراقبهم من بعيد كما يراقب الجاني ضحيته بعد العفو،
أضحك أحيانًا حين أراه يركض،
وأبكي أكثر… لأني لم أكن هناك حين وقع.
أعترف أن الاعتذار لن يعيد الوقت
ولا الضحكة التي لم أشاركها،
ولا النوم الذي بكى فيه وحده.
لكنني، بكل ما بي من شتات،
أعود إليهم، لا كي أغسل ذنبي،
بل لأقول:
لم أكن جبانة…
كنت فقط خائفة أن أصبح خنجراً في ظهورهم، فصرت صدأً في أرواحهم.”
#ميرال_الشافعي
خرج إلياس من القاهرة كالسهم، يقود سيارتهِ بجنون، بعدما أغلق الهاتف مع شريف..
“فيه واحد اسمه دكتور حمدي الربيع، جَدَّد قسيمة جوازك من مدام ميرال، وكمان فيه طفلة اتسجِّلت باسمك!”
“بتقول إيه ياشريف؟!”
“بقولَّك اللي حصل، والمعلومات مؤكدة، ممكن تتأكِّد بنفسك.”
“الدكتور دا فين؟”
نظر شريف إلى الورقة أمامه، وقال:
“في العجمي، إسكندرية..بس خد بالك، الموضوع دا متقدِّم له بقاله حوالي شهر، وبما إنِّ القسيمة لسه باسمك، فجتني الإخبارية على أساس شغلك في النيابة.”
“تمام..ابعتلي العنوان بالتفصيل.”
أغلق إلياس الهاتف، واتَّجه إلى سيارته، يقودها بلا وعي..متناسيًا تمامًا طفلهِ الوحيد.
في نفسِ الوقت، عند يوسف…
ترجَّل من أتوبيس المدرسة، يمسك حقيبتهِ الصغيرة ويتَّجهُ نحو منزله داخل الكمبوند، حتى قابلته “غرام” عند البوابة..
“يوسف!”
التفت إليها بابتسامةٍ صغيرة:
“طنط غرام، إنتوا خارجين؟”
“رايحين تدريب بلال، باباك رجع؟”
“أكيد، كلِّمني من نصِّ ساعة.”
انحنت وقبَّلته على جبينهِ بمحبة:
“طيب حبيبي، محتاج حاجة؟”
هزَّ رأسهِ نافيًا بلطف:
“شكرًا لحضرتك.”
لوَّحت له بيدها وهي تنادي:
-“بلال يلَّا بسرعة”
نزل بلال من البيت، تسيرُ بجوارهِ أخته الصغيرة “ضي” بنزقٍ واضح..لمحها يوسف فسأل:
– “مالها ضي؟”
نظر إليها بلال وابتسم:
-“عايزة تعمل فيها زعلانة…”
جذبها من يدها برقَّة:
-“يلا ياضي، ماما شغَّلت العربية!”
لكنَّها توقَّفت عند يوسف، نظرت له بعينينِ طفوليتين، وقالت برجاء:
“جو، ماتقول لماما أقعد عندكم لحدِّ ماترجع؟ مش عايزة أروح النادي النهاردة…”
انحنى يوسف لمستواها وهو يبتسم بمكر:
“تدفعي كام؟”
قطبت حاجبيها بتذمرٍ طفولي، ثمَّ همهمت وهي تبتعد:
“استغلاله زي ابنِ عمِّك…”
واتَّجهت إلى السيارة وهي تجرُّ حقيبتها الصغيرة.
دلف يوسف للداخل، علم أنَّ والدهِ لم يصل بعد، لعدم وجود سيارتهِ بالخارج..
اتَّجه إلى غرفتهِ وقام بتبديل ثيابه، ثمَّ اتَّجه إلى حمَّامه، وخرج بعد دقائق يخرجُ كتبه:
-اعمل حاجة لمَّا بابا يوصل، مرَّت ساعة وهو مشغولًا بواجباته، استمع إلى رنينِ هاتفه:
-خالتو ..عاملة إيه؟.
-أنا كويسة حبيبي، إنتَ عامل إيه؟..وحشتني..
-إنتي كمان، ليه مجتيش بقالك يومين؟..
-عندي برد، وجسمي وجعني أوي، ومش قادرة أتحرَّك،..صمتت للحظة ثمَّ قالت:
-عايزني أجيلك؟.
-ياريت ياخالتو، بابا لسة مجاش، وأنا خلَّصت home work ، وعايز ألعب مع حد.
-طيب متزعلش كلِّم بابا خليِّه يعدِّي عليَّا، مقدرشِ أتأخَّر على يوسف حبيب خالتو..وبعدين بينا خطوتين، بس مينفعش اجي من غير ما بابا يطلب مني
-حاضر، بس اوعي متجيش، وكمان تباتي عندنا، معرفش ليه مبقتيش تباتي عندنا زي الاول
-باباك رافض ياجو، اقنعه وأنا أفضل معاك على طول.
-طيب تعالي وأنا أقنعه، هوَّ أصلًا بقى يسمع كلامي ومابيزعلنيش.
-خلاص هحضَّر نفسي على البيات في حضنِ يوسف حبيبي.
-أحلى خالتو في الدنيا..أغلقت الهاتف وهي تبتسمِ بسعادة:
-خلاص بقي تكة، بعد الكلِّ ماعرف بموت ميرال، وأخيرًا إلياس اقتنع..ياربِّ بقى..
تمدَّدت على ظهرها وتذكَّرت من أوَّل لقائها به إلى اليوم تحدِّثُ نفسها:
-هوَّ أنا كنت غبية أوي كدا، بقى دا شخص يتساب!!..غبية يارؤى مش كنتي دلوقتي مكان أختك العبيطة، توقَّفت تنظرُ إلى نفسها بالمرآة:
-آه ميرال..غبية ومتخلِّفة، فيه حد يبقى معاه راجل زي دا ويهرب علشان أبوه مجرم، إيه يعني أنا مالي ومال أبويا، أنا أعيش لنفسي وبس..
دارت حول نفسها سعيدة، ثمَّ توقَّفت فجأة تنظر إلى نفسها:
-متخافيش ياميرو وعد منِّي أوَّل حاجة أعملها أخلِّيه ينسى حد باسمُ ميرال.. خلاص باقي تكَّة والبركة في ابنك..قالتها وتحرَّكت تدندنُ إلى الاسفل، قابلتها راحيل التي وصلت للتوِّ من عملها:
-رؤى إنتي هنا؟.
قطبت جبينها وهزَّت كتفها:
-أومال هكون فين، طارق مسافر، ومفيش غير يزن، ولَّا إنتي مضايقة من وجودي..
رغم صدمة غرام من حديثها إلَّا أنَّها قالت:
-أبدًا، بس مش متعوِّدة على وجودك فجأة.
زمَّت شفتيها للأمام بتصنُّع ثمَّ نزلت درجة من السلم إلى أن توقَّفت أمامها:
-لا، اتعوِّدي، دا بيت أخويا، عارفة إنِّك رحيل العامري، بس البيت بيت يزن الشافعي، بصي على اليافتة برة
صدمة عنيفة أصابت رحيل حتى فقدت النطق والرد عليها للحظات، ثمَّ ابتسمت بتهكُّم:
-معلش مسمعتش كويس، هوَّ حد قالِّك إنِّ البيت دا مش بيت يزن اللي هوَّ جوزي وأبو ولادي؟..وزي ماقولتي أنا أه رحيل العامري..ورغم كدا سبت كلِّ العز وجيت هنا بيت جوزي اللي هوَّ بيتي أنا وولادي، بكرة لمَّا تلاقي عريس هتعرفي معنى كلامي، هتضطرِّي تسيبي بيت أخوكي بس يعني مش إمبراطورية زي إمبراطورية العامري، علشان أكون سعيدة..
لفح الغضب بمقليتها، ثمَّ طالعتها بنيرانها:
-مش فاهمة ليه المحاضرة دي؟.
صعدت رحيل الدرج ومضت متحرِّكة وهي تقول:
-لا ياقلبي دي مش محاضرة، دي أصول بعرَّفك أساسياتها، يالَّه أنا تعبانة وماليش مزاج أتكلِّم دلوقتي..توقَّفت واستدارت ترمقُ وقوفها:
-أكيد راجعة تعبانة من الشغل؛ أعمل إيه عندي ناس كتيرة لازم أكون قدِّ الثقة علشان بيوتهم تفضل مفتوحة، ومنهم إنتي طبعًا، قالتها واستدارت متحرِّكةً للداخل بعدما ألقت قنبلة عاصفة لترعد في صدرِ رؤى..التي شعرت وكأنَّ الدنيا تدورُ بها..
-لا..يابنت العامري، شكلك مش سهلة فعلًا، وأنا اللي فكَّرتك نغَّة..
بالداخل عند رحيل ألقت حقيبتها على الفراش ترجعُ خصلاتها للخلف بغضب:
-إيه البتِّ دي، إحساسي كان صح..
تذكَّرت حديثها مع صديقتها على إلياس، حينها علمت أنَّها مريضة نفسية.
هوت بجسدها على الفراش تحدِّثُ نفسها:
-طبعا ماينفعشِ أقول حاجة ليزن، نفخت بضجرٍ إلى أن شعرت بنيرانٍ تلتهمها بالداخل، فنهضت متَّجهة إلى حمَّامها..
بفيلا السيوفي..
انتهت غادة من ارتداءِ ثيابها، استمعت إلى طرقاتٍ على باب الغرفة:
-ادخل..قالتها لتدلف فريدة تطلَّعُ إليها بحنان:
-خارجة ولَّا إيه حبيبتي؟.
استدارت إليها مبتسمة:
-أه عندي مقابلة شغل، وبعد كدا هخرج مع رؤى نعمل شوبينج، كلِّمتني الصبح قولت لها بالليل.
ربتت فريدة على كتفها:
-خلِّي بالك من نفسك، كلِّمتي إسلام النهاردة ولَّا لأ؟.
وضعت أحمر الشفاه وهزَّت برأسها:
-أه ياماما، قالِّي هيرجع على الجمعة وبيسلِّم عليكوا.
-ربِّنا يسعده..تمتمت بها فريدة بصمت.
اقتربت غادة تطالعها بتدقيق،
-ماما كلِّمتي إلياس تاني؟.
التفَّت للمغادرة وهي تجيبها بحزنٍ ثقيل:
-انسي ياغادة، دا كلُّهم نقلوا واستقرُّوا هناك، صعب يرجع تاني.
-ولا حتى يبات يوم واحد؟.
توقَّفت فريدة وهي تضع كفَّها على مقبض الباب، وشعرت باختناقٍ بسبب مايحدث مع أبنائها ثمَّ التفتت وقالت:
-مبقاش ينفع حبيبتي، يالَّه علشان متتاخريش.
تنهَّدت وهي ترمقها بحزن حتى خرجت فريدة من الغرفة، قطع شرودها رنينُ هاتفها:
-أيوة
-غادة عاملة إيه؟.
تجمَّد جسدها للحظة، ثمَّ همست بشفتينِ مرتعشتين:
-طارق!.
-عايز أقابلك ضروري، إن شالله خمس دقايق.
جلست بعدما فقدت توازنها وارتعش جسدها:
-طارق بابا رافض أتكلِّم معاك.
-علشان خاطري، خمس دقايق بس..
أغمضت عينيها وشعور الألم ينخرُ عظامها:
-حاضر، هعدِّي عليك في الشركة، عندي مقابلة شغل في المكان.
-رغم إنِّي مش في الشركة بس هقابلك على هناك.
-تمام..قالتها وأغلقت الهاتف، تضع كفَّيها على صدرها محاولةً أخذ أنفاسها، لم تشعر بتلك الدمعة التي تدحرجت إلى وجنتيها، حتى خرجت بشهقةٍ تدعو من الله:
“يارب انزع حبُّه من قلبي”
في إحدى الدول الأوروبية…
خرج وهو يحتضنُ كفَّ زوجته بين راحتيه، كأنَّه يحتضن العالم كلِّه، تعبقُ بالمكان نسائمَ البحر الباردة التي تلفح الوجوه برقَّة.
قرَّرا قضاء اليوم بين أحضان الطبيعة، بعيدًا عن صخب المدينة وضجيجِ الناس
وصلوا إلى مكانٍ أشبه بجزيرة صغيرة، تمتدُّ على البحر كأنَّها قطعةٌ سُرقت من الجنة..الأشجار تتمايل برفق، وصوتُ الأمواج يهمسُ للقلوب قبل الآذان.
جلسا سويًا على صخرةٍ ناعمة تطلُّ على الشاطئ..
أخرج هاتفه، وبدأ يلتقطُ صورًا لهما، ولتلك الأماكنِ المرتفعة المحيطة التي تُطلُّ على البحر بزُرقةٍ تشبه الحُلم.
ضحكت هي في إحدى الصور، فضمَّها إليه أكثر، كأنَّها لحظةٌ أراد أن يحبسها داخل صدرهِ للأبد.
ثمَّ تابعوا الرحلة…
زارا أماكن كثيرة ذات شهرةٍ واسعة، من الحدائقِ الغنَّاء إلى المتاحف القديمة التي تحكي عن شعوبٍ مضت، ومن الأسواق التي تعبقُ بروائحِ القهوة والورود، إلى الأزقَّةِ المرصوفة بالحجر حيث يُغنِّي الشارع للعاشقين.
ولم يكن اليوم فقط يوم سفر…
بل يومُ عشقٍ جديد، ختموا فيه على قلبيهما وعدًا بالصُحبة حتى آخر العمر.
ومع اقترابِ المساء…
اتَّجها إلى أحد المطاعم الشهيرة التي تتميَّز بها المدينة، مطلًّا على البحر، يعبق بروائحِ الأطباق الغريبة والمذاقاتِ الفريدة.
تناولا طعامهما في هدوءٍ حميم، تتخلَّله النظرات والمزاحِ الخفيف، حتى انتهيا من عشائهما، وقرَّرا العودة للفندق.
ما إن دلفا إلى الجناح، شهقت ملك، ووضعت كفَّيها على فمها في دهشة.. مبهورةً بما تراه، فلقد زُيِّنت بأجمل ألوان الزينةِ الرومانسية، شموعٌ صغيرة ترسمُ ممرًّا من الباب حتى السرير، وقلوبٌ حمراء تتناثر على الأرضية كأنَّها طريقُ حب، واسمها يتوهَّج بأنوارٍ صغيرةٍ على الجدران، محاطًا بالقلوبِ المضيئة..دارت حول نفسها سعيدة قائلة:
– دا كلُّه ليا؟!
اقترب منها، انحنى واحتضنَ شفتيها بقبلةٍ عابرة، ثمَّ همس بنبرةٍ عاشقة:
– كلِّ سنة وإنتي روحي…ياملاكي.
رفعت يديها وتعلَّقت برقبته، ثمَّ همست بتنهيدةِ حب:
-أنا بحبَّك..أوي أوي أوي.
ابتسم ، وقال وهو يدور بها:
مش أكتر منِّي..
ارتفعت ضحكاتها وهي بين ذراعيه، حتى توقَّف فجأةً يتأمَّلُ وجهها، وعيناهُ تلمعان بالسعادة:
-فرحانة ياملك؟
لم تجد جوابًا، سوى أنَّها اقتربت منهُ وهمست فوق شفتيهِ بقبلةٍ شغوفةٍ خجولة، كانت أكثرُ صدقًا من أي كلمات..
دفنت رأسها بصدره، تُخفي خجلها من جرأتها التي لم تعهدها.
أبعد رأسها برقَّة، ورفع ذقنها بإصبعه، وعيناهُ تسبحانِ فوق قسماتِ وجهها:
لا..مفيش كسوف الليلة أبدًا، النهاردة عيد ميلادك، يعني مسموح لك بكلِّ حاجة.
ضحكت بخجل وهي تعود لصدرهِ مرَّةً أخرى:
إسلام…بس بقى.
ضحك وهما يحتضنانِ تلك اللحظة، كأنَّ الزمن توقَّف احترامًا لحبِّهم.
بفيلا الجارحي..
دلف فاروق بجوار الخادمة التي تحمل طعامًا..أشار إليها قائلًا:
-حطِّيه هنا واطلعي.
-أمرك ياباشا..قالتها وتحرَّكت متَّجهةً للخارج بطاعة، بينما اقترب فاروق من صفية الشاردة بالخارج..جذب المقعد وجلس بمقابلتها:
-وبعد هالك ياصفية هتفضلي قافلة على نفسك كدا، مش إسحاق وعدك الدنيا هترجع أحسن من الأوَّل..
-إنتَ ظالم يافاروق.
تمتمت بها ممَّا جعلهُ يطالعها بذهول معترضًا عمَّا نطقته، ثمَّ أشار إلى نفسه:
-ظالم علشان عايز الحق!.
نهضت من مكانها وتوقَّفت تنظرُ إلى الحديقة الشاسعة وخارت دموعها رغمًا عنها:
-مهما أقولَّك أنا حاسة بإيه مش هتحس بيَّا، إنتَ عندك ملك، أه هي بتقولِّي ياماما، بس كانت عارفة إنِّ ليها أم وأنا كنت تقضية واجب، التفتت إليه واسترسلت بنبرةٍ مبحوحة:
-أرسلان دا كان ثمرة عمري كلَّها، كبر في حضني..حياته كلَّها صفية، حتى لمَّا عرف بوجود فريدة، كنت دايمًا أشوف في عيونه رسالة اطمئنان، متخافيش إنتي الأهمِّ عندي..
شهقت بتقطُّعٍ بعدما استنزفت قواها كاملًا بالصمود وتابعت:
-كانت نظراته بطمِّني، حتى بعد خوفي إنِّي أفقده، لكن دايمًا نظراته ليَّا فيها حب وعشرة واطمئنان، بس إنتَ عملت إيه، مسحت كلِّ حاجة..
انحنت تستندُ على الطاولة تنظر إلى مقلتيه:
-كسرته قدام نفسه يافاروق، وعرَّفته أنُّه مالوش أهمية عندنا، أنا قبلها صرخت فيه من خوفي وقولت مطمرشِ فيه التربية وإنتَ كمِّلت على كلِّ ارتباط بينا وقطعته للأبد، عرف بعد كدا أهميته عندنا، اخترت أحلام اللي مشفتش منها غير القهر، على ابني، أه هوَّ مش ابنك وعنده حق في اللي بيعمله من ناحيتك، بس أنا أمُّه، وزي ماخرَّجته من هنا مذلول ترجَّعه ليَّ بعزة وكرامة..
-صفية إنتي بتقولي إيه؟!.
اعتدلت وتراجعت تحدجه بنظراتٍ مستاءة قائلة:
-أحلام عندك يافاروق اشبع بيها، أنا من بكرة هنقل بيت ابني، وهوَّ قالِّي بيتي مفتوح في أي وقت، أنا مستحيل أفضل في البيت دا مع أحلام..
بنتك اتجوِّزت، يبقى بيت ابني أولى بيَّا..
هنا شعر وكأنَّها تسحبُ كلَّ طاقته ولم يعد لديهِ قدرة على الرد، لم يفعل شيئًا سوى أنَّه توقَّفَ قائلًا:
-اعملي اللي إنتي عايزاه.
صدمة عنيفة أصابت قلبها، اختلَّ توازنها فجلست على المقعد تتمتم:
-ياااه!! للدرجة دي يافاروق، بتبعني بعد السنين دي كلَّها!!.
توقَّف واستدار اليها، ينظرُ إلى دموعها ونظراتُ خذلانٍ تنطقها عيناها ليقول:
-أنا مش هبهدل أمِّي على آخر أيامها ياصفية، كفاية إسحاق واللي بيعمله معاها، أمِّي عندها كانسر ومش مستعد أتخلَّى عنها حتى لو هخسر كلِّ مالي..
ابنك اللي بتقولي عليه، بقاله شهر كامل مقالش انت عامل ايه يابابا، ممكن مايتحسبش عليا، لكن اناة حتحاسب على امي
بمنزل إلياس..
أنهى يوسف واجباته المدرسية، ثمَّ هبط إلى الطابقِ السفلي باحثًا عن والده، ظنًّا منهُ أنَّه قد عاد من عمله..
تأفَّف بضجر وهو يذرعُ المكان:
– أوف..هوَّ فين بقى؟
اتَّجه إلى المطبخ، بحث عن الخادمة
لكنَّه لم يجدها، فعقد حاجبيهِ بضيقٍ وتوجَّه إلى الخارج حيث الجنايني.
– عمُّو خليل…طنط هدى راحت فين؟
رفع الرجل رأسهِ من بين الزرعِ مجيبًا:
– خرجت من الصبح، وقالت لوالدك إنَّها مسافرة يومين عند أهلها في الشرقية.
– تمام يا عمُّو، قالها يوسف وهو يستديرُ للداخل.
عاد إلى المطبخ، تمعَّن بعينيهِ في المكانِ الفارغ قبل أن يقترب من الموقد، أشعلَ الغاز، ووضع عليه إناءً فيه زيت..ثمَّ بدأ يُعدُّ شرائح البطاطس للقلي.
وبينما كان ينتظر سخونةَ الزيت، تذكَّر مهاتفةِ والده..فصعد إلى غرفتهِ يحمل هاتفه، اتَّصل به..مرَّة، اثنتان، ثلاث… دون رد.
تنهَّد بحزن وألقى الهاتف على السرير، جلس للحظة، اجتاحتهُ ذكرياتِ والدته، التي تدفَّقت على هيئةِ مشاهد متقطِّعة في عقلهِ الطفولي الصغير. تمدَّد على الفراش..وأجهش بالبكاءِ بصمتٍ موجع، قبل أن يغلبهُ النعاس، ناسياً الغاز والزيت المشتعلِ في الأسفل.
وفي المطبخ…اشتعل الزيت وبدأ يقذفُ شراراته، ليلتهمَ ستارة النافذة القريبة، وما لبث أن تمدَّد اللهيب سريعًا، لتشتعلَ النيران بأرجاءِ المطبخ.
لم يشعر يوسف النائم فوق بشيء.
في تلك اللحظة، كانت غرام عائدة من النادي برفقةِ أطفالها..أوقفت سيارتها فور أن لاحظت دخانًا كثيفًا يتصاعدُ من نافذةِ مطبخِ منزل إلياس.
شهقت بذهول، ثمَّ صرخت بقوَّة:
– بيت إلياس بيولع!!.
تجمَّع حرَّاسُ الكمبوند والعاملون، فهرع الجنايني مسرعًا:
– البيه الصغير كان لسه هنا…أكيد لسه جوَّا!.
أشارت لهم غرام بارتباك:
– افتحوا الباب بسرعة، يوسف جوّا!..
ثمَّ أمسكت هاتفها، تتَّصلُ بزوجها… لحظات وأردفت بصوتٍ مختنقٍ بالبكاء:
– أرسلاااااااان، إنتَ فين؟ بيت إلياس بيولع!..ويوسف جوَّااااا!
توقَّف أرسلان بسيارتهِ وهو يستمعُ لصراخها الخائف:
– بتقولي إيه؟!
– بيت إلياس بيولع ياأرسلان! أنا اتَّصلت بالمطافي، بس الواد جوَّا… اتِّصل بيه يمكن يرد.
– حاضر..حاضر، أنا جاي فورًا!!.
أما إلياس…
فقد توقَّف إلى جانبِ الطريق بعد إنهاءِ مكالمتهِ مع شريف، والتي أخذ فيها عنوان دكتور حمدي..فتح هاتفه، وظهرت أمامه مكالماتٍ فائتة من رقمِ يوسف.
رمقها بغضب:
– أنا إزاي نسيت أكلِّمه!.
اتَّصل به أكثر من مرَّة، لكن دون رد.. ارتسم القلق في ملامحه…زفر بضيق، ثمَّ اتَّصل بوالدته:
– ماما…ابعتي السواق ياخد يوسف عندك، خلِّيه يبات عندك النهاردة.
– ليه ياحبيبي؟ إنتَ فين؟
– عندي شغل برَّة القاهرة…ومش عارف هرجع إمتى.
– خلِّي بالك من نفسك ياابني، لا إله إلا الله…
– محمدٌ رسول الله..
قالها بصوتٍ خافت…ثمَّ أكمل:
– ماما..ادعيلي.
لكن قاطعها حين ظهر اتِّصال جديد على الشاشة من أرسلان.
– طيب هقفل وأكلِّمك بعدين.
– أيوه ياأرسلان…
– إنتَ فين؟
– عندي مشوار مهم…في إيه؟
– لازم ترجع البيت فورًا.
– خير في إيه؟
– ارجع…وإنتَ تعرف.
– عرفت إنِّ ميرال عايشة وجدِّدت ورقها، صح؟
– آه..عرفت.
– خلاص، مش هرجع غير لمَّا أرجَّع مراتي.
– إلياس..بيتك بيولع…ويوسف جوّا.
تجمَّد جسدهِ للحظة…ثمَّ انحرفت يدهِ على المقود بعنف، وصورةُ ابنه أمام عيناه يصرخ.
دارت السيارة به فجأة…واصطدمت بالحاجزِ الخرساني.
توقَّف أرسلان بعدما استمع إلى صوتِ الاصطدامِ المروِّع، وصراخِ الإطارات، ثمَّ صمتًا مرعب..
-إلياس..صاح بها بنبضٍ يقذفُ بين الضلوع..
-شوفلي سيارة إلياس فين بسرعة.
-تمام..قالها أحد أفرادِ الأمن وأغلق الهاتف، بينما عند إلياس اصطدمت رأسهِ بالمقود، ونزف جبينهِ من قوَّة الاصطدام ليغيبَ عن الوعي، تجمَّع بعضُ الأشخاص حول السيارة وقاموا بمهاتفةِ سيارةِ الاسعاف، بينما اتَّصل أحد أفرادِ الأمن بأرسلان:
– على طريق مصر اسكندرية الصحراوي، بعد القاهرة بكام كيلو هبعتلك اللوكيشين.
-تمام..تمتم بها وهو يتحرَّكُ بالسيارة.
-كويس شكله قريِّب منِّي.
بعد فترةٍ وصل إلى السيارة، التي دُمر جزئها الأمامي بالكامل..ترجَّل من السيارة يصرخُ باسمه وقلبهِ ينتفضُ بالخوف..دارت عيناه يبحث عن أخيه بلهفة، اقترب من أحدِ الأشخاصِ متسائلًا:
-الشخص اللي كان في العربية فين؟.
-عربية الإسعاف أخدته للمستشفى.
هرول إلى سيارتهِ وتحرَّك متَّجهًا إلى المشفى، ثمَّ قام بمهاتفةِ الحرس الخاص بالكمبوند:
-إيه الأخبار عندكم؟.
-الحمدُ لله ياباشا، يوسف بيه خرجوا بيه، وعربية الإسعاف أخدته، ومدام غرام راحت معاه هيَّ والباشمهندس يزن.
مش عايز حد يدخل البيت لحدِّ ماأرجع، أي حد مهما كان مين.
-أمرك يافندم..
قام بالاتِّصالِ على إسحاق:
-عمُّو إسحاق..بيت إلياس بيولع..
هبَّ من مكانه:
-إزاي يعني؟!.
-دا اللي عايز حضرتك تعرفه، مين ورا الحريق دا..
-إنتَ فين دلوقتي..أكيد ماخرجتش لسة من القاهرة؟..
-لا خرجت، بس إلياس عمل حادثة ورايح لعنده.
-هوَّ كويس؟..زاغت عيناهُ بالألم وتمتم:
-إن شاءالله يكون كويس، مش عايز ماما تعرف لو سمحت..
-فهمت..ترجعوا بالسلامة.
وصل إلى المشفى العام التي حُجز بها إلياس، دلف للداخلِ يسأل عنه، حتى دلَّته الممرضة إلى الطابقِ الموجود به..
دقائق وكان يقف أمام الغرفةِ بانتظارِ الطبيب، خرج الطبيب فتوقَّف أمامهِ بتلهُّفهِ البائن عليه:
-عامل إيه يادكتور؟. أنا أخوه.
-مفيش حاجة تخوِّف الحمد لله، مجرَّد إصابات طفيفة، الممرضة بتعلَّق له محلول..لم يكمل حديثهِ ليخرجَ إلياس من الغرفة بجسدٍ مترنحٍ ورأسًا تُضمَّدُ بضماد ، رفع أرسلان أناملهِ على رأسه:
-إنتَ كويس، رايح فين؟.
-لازم أمشي، يالَّه وصَّلني البيت بسرعة.
-طيب اهدى، الحمدلله كلِّ حاجة تمام ويوسف بخير.
-وصَّلني البيت ياأرسلان بسرعة لو سمحت
هزَّ رأسهِ وأردف ممتعضًا بسبب إصراره، وتحرَّك عائدًا إلى القاهرة مرَّةً أخرى..
بمنزلِ نعيمة..
انتهت نعيمة من جمع أشيائها، وتحرَّكت إلى ميرال التي تجلس بسكونٍ بالشرفة تنظرُ إلى البحر مرَّة وإلى الطريق مرَّة..
ربتت على كفَّيها:
-حبيبتي خلَّصنا كلِّ حاجة، ودلوقتي لازم نمشي.
اتَّجهت بنظراتها تترجَّاها أن تبقى لبعضِ الوقت..ابتسمت بحزنٍ عليها ثمَّ اقتربت بجسدها تنظرُ لعينيها مباشرة:
-عندك أمل أنُّه يجي بعد ماعرف مش كدا، انسابت دموعها بصمت، تهزُّ رأسها.
مسَّدت نعيمة على خصلاتها:
-آه يابنتي الزمن جاي عليكي بالقوي، تفتكري هيجي بعد مااتجوِّز، أنا معرفشِ شخصيِّته إيه، بس محبتوش من اللي عمله، أه الرجالة غير الستات، بس بعد الكلام اللي قولتيه والحبِّ دا، طلع ندل أوي، ارتفعت شهقاتُ ميرال تضعُ كفَّها على فمها..
ضمَّت نعيمة رأسها إلى صدرها وظلَّت تمسِّدُ على خصلاتها:
-انسيه حبيبتي، وفكَّري في بنتك، خلاص مالكوش نصيب في بعض، عملنا اللي إنتي عايزاه أهو، والبنت اتكتبت باسمُكم، واتبعت له إخطار..
أطبقت على جفنيها وهناك مايحرقُ صدرها ولكنَّها لا تستطيعُ البوح بما يؤلمها، كلَّما تذكَّرت أنَّ سبب تعاستها من اتَّخذتها أختًا لها طيلةَ حياتها.
فتحت عينيها بعدما تذكَّرت تلك الصورة، فأومأت برأسها ونهضت من مكانها تشيرُ إلى حقائبها..
دارت بعينها على المكانِ بالكامل، في تلك اللحظة دلفت نادية أختِ نعيمة:
-مش كنتوا بتقولوا هنسافر في قطر الساعة أربعة، الساعة دلوقتي اتنين، يادوب نظبَّط حالنا..
-تمام حبيبتي، إحنا خلَّصنا ونازلين أهو، مش كدا يامروة؟.
هزَّت رأسها ولمعت عيناها بالدموع، ثمَّ تحرَّكت لتحملَ حقيبتها متَّجهةً للأسفل..
بعد يومين..
وخاصَّةً بمنزلِ أرسلان، خرج من الغرفة التي يمكثُ بها إلياس، اتَّجه إلى المطبخ حيث تقفُ زوجتهِ مع الخدم لإعدادِ وجبة الإفطار..
-غرام اعملي كوباية عصير ليوسف وإفطاره، ودخَّليهم عند بلال.
تقدَّمت نحوهِ تتطلَّع إليه بعيونٍ حزينة:
-إلياس كويس؟.
أومأ متنهِّدًا، ثمَّ قال:
-هنزل أشوف العمَّال خلَّصوا شغل في بيته ولَّا لأ، وإنتي خلَّصي الفطار.
-حاضر…قابله يزن على بابِ منزله:
-إلياس لسة نايم؟.
أومأ له بدخولِ فريدة وغادة..
-ماما خير على الصبحِ كدا؟.
رمقتهُ غاضبة ودمعت عيناها بدموعِ الغضب:
-يعني يوسف مكنشِ عندك، تكذب على أمَّك ياأرسلان، إنتَ إمتى هتتعامل معايا على إنِّي أمَّك يابني؟.
برقت عيناهُ وأشار إليها للداخل:
-ادخلي ياماما مينفعشِ نتكلِّم على الباب، ثمَّ اتَّجه بنظرهِ إلى يزن:
-شوف العمال خلَّصوا ولَّا إيه..
-حاضر..
صاحت فريدة:
-والباشا الكبير فين، قولت له خلِّي الولد عندي لأنُّه محتاج رعاية، بس إزاي الياس باشا يسمع الكلام..
راقب أرسلان غرفة أخيهِ المغلقة، ثمَّ اتَّجه إلى والدته:
-ستِّ الكلِّ بقت عصبية، وبقت تدخل فينا شمال، مالك بس ياستِّ الكل؟.
-أخوك فين؟..غادة كلِّمت غرام وقالت بايت عندك، خلاص رمى أمُّه من حياته!!.
رفع كفيَّها وقبَّلهما:
-ماما لو سمحتي، اهدي، إلياس نايم ولمَّا يصحى كلِّميه.
دفعت كفَّيه ونهضت من مكانها بغضبٍ ممزوجٍ بالعتاب:
-وسَّع كدا مش عايزة أسمع صوتك، ليه قلب ينام وابنه كدا، فين يوسف؟..
-تيتا..تمتمَ بها يوسف وهو يركض نحوها..
فتحت ذراعيها على وسعهما:
-حبيب وقلب وروح تيتا.
احتضنتهُ بكلِّ حنانٍ تربتُ على ظهره:
-عامل إيه ياحبيبي؟..كدا يايوسف، كدا كنت هضيع، ليه مااتصلتش بيَّا حبيبي؟..
صباح الخير ياماما.
قالتها غرام وهي تضعُ الطعام على المائدة..
-صباح الخير حبيبتي..أشارت غرام إلى الخدم بإعداد طاولةِ الطعام، ثمَّ اتَّجهت إلى يوسف وانحنت إليه:
-حبيبي عامل إيه دلوقتي؟.
-أنا كويس الحمد لله، عمُّو شاف حرارتي ياطنط ماتخافيش.
ملَّست على رأسهِ بحنان ثمَّ سحبت كفِّه:
-طيب حبيبي تعالَ علشان تفطر مع بلال.
-سبيه ياغرام، هاتي فطاره هنا.
تطلَّعت إلى أرسلان الذي أومأ لها، فتحرَّكت متَّجهةً إلى الداخل، بينما توقَّفت فريدة:
-أخوك فين لمَّا إنتَ بتهتم بابنه؟.
أردفت بها بخروجِ إلياس من الغرفة، استدارت إليه..شهقت بصدمة وهي ترى جراحَ رأسه، اندفعت إليه:
-إلياس!..إيه اللي حصل؟!.
أومأ بعينيهِ ثمَّ هوى بجسدهِ فوق الأريكة:
-أنا كويس، حادثة بسيطة.
أشار إليها أرسلان وأردفَ بنبرة عاتبة:
-شوفتي ظلمك ليَّا ياستِّ الكل، بقيتي عصبية أوي ياماما.
اسكت إنت، العتاب بعدين، أخوك عامل حادثة وابنه كان هيتحرق؛ وحضرتك تخلِّي الأمن يقول للسواق يوسف عندك ومش عايز يروح في مكان..
أردفت بها وجلست بجوارِ إلياس:
-ازاي حصل لك الحادث دا، وحصل فين؟..
تراجع بجسدهِ مغلقَ العينين:
-وأنا راجع من الشغل،متقلقيش أنا كويس..
مقلقش!..قالتها مستنكرة، ثمَّ أردفت بحدَّة لما قاله:
-لولا غادة عرفت بالصدفة مكنَّاش عرفنا.
-هيَّ غادة عرفت منين..تساءلَ بها أرسلان..
بحثت فريدة عنها ولكنَّها غير موجودة فقالت مسترسلة:
-معرفش وبعدين دا كلِّ اللي همَّك..
ضجر أرسلان من اتِّهامات والدته:
-حبيبتي ممكن تهدي، معرفشِ مالك متحاملة علينا كدا..
بالخارج في الحديقة، عند أحدِ أركانها الهادئة..
توقَّفت غادة تمسحُ كفَّيها ببعضِ التوتر، وقفت تنظر إليهِ قبل أن تشرع بالكلام:
– أنا جيت أهو…آسفة إنِّي لغيت اليوم اللي فات، اتأخرت في المقابلة ومكنشِ ينفع أعتذر.
كان يقفُ قريبًا، يضع كفَّيهِ بجيب بنطاله، وعيناهُ لا تفارق وجهها، أومأ رأسهِ قائلًا:
– ولا يهمِّك…بس كنتي وحشاني أوي.
فركت كفَّيها بتوتر، وابتعدت بعينيها عن نظراتهِ التي تفترسُ تعابيرها بصمت، لكنَّه اقترب خطوةً منها، وهمس:
– غادة، إنتي بتهربي ليه؟ أنا ماكنتش عارف ليه سبتي الشغل، كنت مفكَّر إنِّك زهقتي، بس لمَّا عرفت إنِّك بتعملي مقابلات، فهمت.
تنهَّدت بعمق، ونظرت إليه متردِّدة:
– طارق..أنا آسفة، حاول تتفهِّمني… بابا رافض موضوعنا، وأنا مقدرشِ أخالفه.
شردت نظراتهِ للحظة، ثمَّ كرَّر ببطء:
– رأي بابا؟..
اقتربت خطوة، وتحدَّثت بصوتٍ مبحوحٍ بالألم:
– متزعلش منِّي، لو سمحت..إحنا كنَّا لسه بنتعرَّف، يعني لا إنتَ اتعلَّقت ولا أنا.
أدار وجههِ جانبًا، يحاول كتمَ آلامه، لكنَّه لم يتمالك نفسه، فقال بصوتٍ مكسور:
– إنتي مصدَّقة الكلام اللي بتقوليه دا؟
– أيوه..من ناحيتي شايفة إنِّنا اتسرَّعنا.
تراجع خطوةً واستدار محاولًا السيطرة على مشاعرهِ التي أفلتت رغمًا عنه، وتمتم:
– ربِّنا يوفَّقك..وآسف لو كنت اتعدِّيت حدودي.
قالها ثمَّ غادر سريعًا نحو سيارته، تاركًا خلفهِ قلبًا يترنَّح بين الندمِ والخذلان.
ظلَّت واقفة تتابعه بعينينِ غمرتهما الدموع، ثمَّ أسندت ظهرها على الجدار، تهمسُ لنفسها:
– لمَّا أنا بحبُّه…ليه ما دافعتش عن حبُّه؟
قاطع خلوتها صوت رؤى:
-لما إنتي بتحبيه بتتنازلي ليه
– إنتي هنا من إمتى؟
اقتربت خطوة ترمقها متمتمة مرة أخرى:
-بتحبيه؟!.
أزالت دموعها وطافت بعينيها بكلِّ أركان الحديقة تهمسُ بخفوت:
-معرفش، بس حاسة إنِّي بحبُّه، بس مش قادرة أدافع عن الحبِّ دا.
بسطت رؤى يدها قائلة:
– تعالي ياغبية، وأنا هقولِّك تعملي إيه..بس نفطر الأوَّل، عرفت إنِّ ماما فريدة جت من شوية.
أومأت لها بصمت وتحرَّكت بجوارها، ولكنَّها توقَّفت فجأة:
-ميرال وحشتني أوي، أنا حلمت بيها زعلانة منِّي، معرفشِ زعلانة ليه، حاولت أكلِّمها بس سبتني ومشيت وأنا بجري وراها وأصرخ..
خطت رؤى وهي تهتف:
-متشيِّليش نفسك وجع يابنتي، ميرال ربِّنا يرحمها..نزلت دمعة غائرة ترفرفُ على وجنتيها:
-تعرفي إنَّها كانت ملاك أوي، أنا بجد زعلانة وحاسة هموت من القهرة عليها، الله يكون في عون إلياس.
تصنَّم جسدُ رؤى للحظاتٍ ثمَّ استدارت إليها:
-بكرة ينساها ياغادة، مش صعبان عليَّا غير يوسف، إلياس ممكن يلاقي واحدة يتجوزها، وتيجي تعامل يوسف زي مرات الأب.
قاطعتها غادة:
-لا..مستحيل، حتى ولو إلياس فكَّر يتجوز تاني هيتجوز واحدة يكون موثوق فيها، وكمان شرطه يوسف، في الآخر مفيش غير ميرال اللي خسرت حياتها..
نطقت بها غادة وتحرَّكت للداخل، ولكن عرقلت مشيها رؤى وهي تنظرُ إليها:
-تفتكري إلياس ممكن يتجوز تاني؟..
دقَّقت غادة بملامحها ثمَّ قالت:
-بس أكيد مش إنتي يارؤى، بلاش تبني أوهام، أخويا وأنا عرفاه، مستحيل يفكَّر فيكي لأسباب كتيرة وأهمَّها إنِّك أخت ميرال، وأنا معتقدش أنُّه يتجوز بعدها، بس بقول جايز..
ربتت على كتفها:
-ماما هتقلق عليَّا..يالَّه ندخل.
أمسكت مرفقيها:
-طارق بيحبك اوي، حاولي تدافعي عن حبك، متبقيش هبلة
-بس بابا رافض يارؤى
دنت خطوة أخرى وتابعت كلماتها الناعمة:
-بكرة لما تحسي انك اسعد بنت وانتي في حضن حبيبك وقتها هتعرفي قيمة الحب، بابا هيزعل شوية، بس مع الوقت هيتأقلم
في منزل يزن…
أنهت رحيل إعداد طاولة الطعام، ألقت نظرةً سريعةً على ساعةِ يدها، ثمَّ توجَّهت بنظرها إلى صغيرها الذي يلعبُ منشغلًا بهاتفه..
– هشوف بابي فين وأرجع،
ماتتشقاش على أختك.
– حاضر.
ردَّ الطفل دون أن يرفع عينيهِ عن شاشةِ هاتفه..
فتحت الباب وخرجت، لكنَّها التقت “يزن” عند المدخل، تفاجأت بنظراتهِ الغاضبة..
– اتأخَّرت ليه؟
دخل البيت، ثمَّ توجَّه إلى طفلهِ وسحب منه الهاتف بلين وهو يقول:
– يلا يابابا علشان تفطر، شوف أختك فين.
جلست رحيل أمامهِ وهي تزفرُ بضيق، لكنَّه عاجلها بسؤاله:
– إيه اللي قولتيه لرؤى يارحيل؟
زمَّت شفتيها بعناد، ثمَّ ردَّت:
– طيب رد على سؤالي الأوَّل…اتأخَّرت ليه عند أرسلان؟
تنهَّد، ثمَّ قال بنبرةٍ حاول أن يجعلها عادية:
– كنت بعدِّي على العمَّال اللي شغالين في بيت إلياس.
رفع عينيه نحوها، لكن تعبيرَ وجهها كان كافيًا ليؤكِّد له أنَّ كلمات رؤى لم تكن من فراغ…كانت رحيل تحاول أن تُخفي كسرها، لكنَّها فشلت.
-عادي يايزن، بس معرفشِ ليه اشتكت مع إنَّها هيَّ اللي غلطانة..
استمع إلى حركاتِ أطفاله وهم يهرولون خلف بعض..ابتسم إليهم:
-يالَّه حبايبي نفطر، رمق رحيل بنظرةٍ
عتابية، نهضت من مكانها واقترب تجلس بجواره
-انا متكلمتش مع رؤى يايزن الا لما هي حاولت تستفزني، عايز تصدق صدق، مش عايز براحتك
مرَّت عدَّةُ أيام حتى
استعاد إلياس بعضًا من عافيته، وما إن استقرَّت حالتهِ حتى قرَّر التوجُّه إلى الإسكندرية، يصحبهُ أرسلان في رحلة البحث عن الحقيقة.
خرج الاثنان من السجلِ المدني، كانت الشمسُ تغمر المدينة بوهجها، لكن عيني إلياس كانتا تسبحانِ في غياهب الألم، وهو يتمتم بصوتٍ أشبه بالهمس:
– يعني كده..ميرال عايشة؟
رد أرسلان بتنهيدةٍ قصيرة وهو يراقب ملامحَ أخيه التي تعجُّ بالصدمة:
– أيوه..للأسف.
التفت إليه إلياس فجأة، وكأنَّ الكلمة قد صفعت وجدانه:
– “للأسف”؟!
اقترب أرسلان منه، وضع كفِّه على كتفه:
– أنا مقدَّر حالتك…بس دماغك مقفولة ياإلياس..ماسألتش نفسك ليه البنت اتكتبت باسمِ راجل تاني شهور، وبعدين رجعت باسمك؟ دا حتى الاسم مكتوب غلط!!.
أطرق إلياس لحظة، ثمَّ تنهد:
– علشان قسيمة الجواز مااتغيَّرتش… كنت مشغول ونسيت، وبعدها حصلت حكاية ميرال، نسيت كلِّ حاجة.
– طيب ليه ميرال تعمل كده؟ ليه كتبت البنتِ باسمِ الدكتور دا؟ في تفسير غير إنَّها خلاص، ما كانتشِ عايزة ترجعلك.
أطال النظر في عيني أرسلان، ثمَّ همس إلياس بصوتٍ يختنقُ بالغضبِ والخذلان:
– حتى لو…مستحيل أسامحها على اللي عملته..أنا ماعملتش فيها حاجة تستاهل كده، تمثيلية الموت القذرة دي ليه؟ ليه وجعت قلبي وسابتني أتقطَّع كلِّ يوم؟!
استدار فجأة، واتَّجه نحو السيارة، ولوَّح بيده:
– هتتحاسب على كلِّ حاجة، وهعرف هيَّ عملت فيا كده إزاي، المهم..لازم نروح للدكتور دا، هناك هيكون الكلام.
بعد فترة
وصلت السيارة إلى منزل الطبيب “حمدي الربيع”. الذي توصل إليه إلياس من خلال السجل، فتوجه إلى العنوان المدون، ترجَّل إلياس ونظر إلى اللافتة المثبتة على باب بيته..بدا المنزل بسيطًا، لا فخمًا ولا متهالكًا
اقترب من الباب وبدأ يضغطُ جرس المنزلِ مرارًا، لكن لا أحد يجيب..تراجع بخطواتٍ قلقة، ناظرًا إلى النوافذِ المغلقة، ثمَّ إلى الشرفة التي تثبتُ بأنَّه لايوجد أحد..
في تلك اللحظة، مرَّ أحد الجيران، فاستوقفهُ إلياس بسرعة:
– لو سمحت…دكتور حمدي الربيع فين؟
أجابه الرجل بهدوء وهو يضع كيسًا من الخبزِ جانبًا:
– الدكتور؟ دا سافر أمريكا هوَّ ومراته وابنه من أسبوع كده.
– سافر…؟!
كرَّرها إلياس بذهول، وعيناهُ تتسعان بوجعٍ جديد لم يكن في الحسبان.
أخرج أرسلان هاتفهِ على الفور، أجرى مكالمة سريعة للتأكُّد، ثمَّ أقبل على إلياس بخطواتٍ حثيثة:
– فعلاً..سافر، هوَّ ومراته وابنه..بس ميرال مش معاهم.
أغمض إلياس عينيه، وتنهَّد تنهيدةً بدت وكأنَّها تسحبُ أنفاسهِ من أعماقه..
– طيب…كده هوصلَّها إزاي؟
– تعالَ نعمل هنا زي ماعملنا في القاهرة..هكلِّم إسحاق يظبَّط الدنيا.
هزَّ إلياس رأسهِ بصمت، وراح يحدِّقُ في اللافتة مرَّةً أخرى.
في القاهرة، داخل عيادة الطبيبِ المختصِّ بالعلاج النفسي…
جلست ميرال في المقعدِ المقابل، تقابلُ شرودها بصمتٍ مُنهك..عيناها منطفئتان، وروحها عالقة في صورةِ إلياس التي أدمت قلبها..
– مدام ميرال…
أفاقت من شرودها، التفتت إليه وعيناها تغزوها الدموع..
مدَّ إليها بورقة وقلم، ثمَّ وضع القلم على الطاولةِ الصغيرة أمامها قائلاً بلطف:
– اكتبي..زي ماكنتي بتكتبي لنعيمة..
عارفة إنِّ الكلام مش سهل دلوقتي… مش مستني منِّك تحكي كلِّ حاجة مرَّة واحدة..
– بس خلِّيني أقترح حاجة بسيطة…
نظرت إليه باستغراب، دون أن تتكلَّم..
– جرَّبي تكتبي، حتى لو كلمة واحدة.. مش لازم تشرحي، بس اكتبي اللي جواكي.
دفع الورقة ناحيتها، ثمَّ أشار للقلم بهدوء:
– خديه وقت ماتكوني جاهزة، مفيش استعجال.
ظلَّت عيناها على القلم، تنظر له كأنَّه شيء ثقيل..حاولت تمدَّ يدها، ارتجفت أصابعها..
– طبيعي جدًا تكوني مش عارفة توصفي الإحساس ده.
– دا مجرَّد قلم…بس بالنسبة ليكي دلوقتي، ممكن يكون علاج، مفهوم؟..
مدَّت يدها أخيرًا، أمسكت بالقلم، جربت تحرِّكه…ثمَّ توقَّفت على صوتِ الطبيب:
– مفيش صح أو غلط…اكتبي زي
ماتحسِّي.
مرَّت دقائق طويلة ثمَّ كتبت:
“يوسف.”
قرأ الكلمة، ورفع نظرهِ إليها..لم يقاطعها..
أخذت نفسًا مرتعشًا وكتبت تحته:
“ابني.”
-تمام..كمِّلي كده، خطوة خطوة.
كتبت ببطء: “وحشني..مش فاكرة ريحته.
أغمض “الطبيب” عينيهِ لحظة، ثمَّ فتحهما وقال:
خلِّيكي مع الشعور ده..خلِّيه يخرج زي ما هوَّ وكمِّلي كتابة.
أسندت ظهرها، وراحت الدموعُ تنزل بصمت…تتذكَّر لحظاتهما سويًا، مدَّ علبةَ مناديل ووضعها على الطاولة قائلًا:
– الجلسة دي مش لازم نحلِّ فيها كلِّ حاجة…بس إنتي بدأتي، ودي خطوة مهمَّة.
هزَّ الطبيب رأسه، يشجعها على الاستمرار:
– كمِّلي..إيه كمان على يوسف؟
كتبت مجدَّدًا، بخطٍّ بالكاد يُقرأ:
“وحشني..نفسي أضمُّه.
ظلّت صامتة بعدها، والقلم يرتجف بين أناملها، يكتب عنها ما تعجزُ عن النُطق به، وانهارت باكية:
“ابني نفسي أضمُّه، هي هضمُّه أكتر منِّي” انتهت من الكتابة لتترك القلم وينزلقَ من بين أناملها مع شهقاتها
فتوقَّف الطبيبُ يشير إليها:
-خلاص..كفاية كدا.
بعد مرور عدَّةِ شهورٍ من عودتها من اسكندرية..
اتَّجهت نعيمة إلى العيادة، وقلبها يضجُّ بالقلق.:
جلست تُقابل الطبيب، الذي على معرفة بأخ زوجها المرحوم ،وقالت دون مقدمات:
– مفيش أي جديد؟! حالتها زي ماهيَّ؟
تنهد، ثمَّ مسح وجههِ بكفَّيهِ المجهدين:
– المشكلة مش في العلاج يا نعيمة، المشكلة إنَّها رافضة تعالج نفسها.
رفع حاجبيهِ بأسى:
– هيَّ عاجبها الحال اللي هيَّ فيه… مش عايزة تقوم، مش عايزة ترجع للحياة.
– وبعدين يعني؟ هنفضل مستنيين؟!
دي بقالها سنة على كدا..بنتها لحدِّ دلوقتي مش عارفة صوت أمَّها.
نظر إليها بجدية:
– أنا شايف إنَّها لازم تشوف ابنها، كلِّ اللي بتكتبه ابني وحشتني ريحته..خلِّيها تسافر لجوزها.
– تسافر فين؟!
ضيَّق عينيهِ بتعجُّب:
– مش إنتي قلتي إنِّ جوزها سابها وخد ابنها وسافر؟
سكتت للحظات، ثمَّ زفرت بألم، وبدأت تحكي له القصة كاملة..
ضرب بيده على سطحِ المكتب بعصبية:
– إزاي تخبِّي عليَّا تفاصيل بالشكل ده؟! دي حاجات خطيرة.
أشارت إليه بيدها تقاطعه:
– اسمعني…وبلاش تتنرفز بسرعة
ابتسم رغمًا عنه، وقال مستسلمًا:
– حاضر…قولي ياستِّ الدكتورة..
قالت بصوتٍ مبحوح بالإصرار:
– البنتِ دي رافضة ترجع لهم…مش عايزة تشوفهم، بس أنا مش هسكت، هفوَّقها.
أشار إليها الطبيب:
-فيه حل يخلِّيها تتكلِّم يانعيمة بس هيكون مؤلم شوية عليها.
صمتت تتطلَّعُ إليه منتظرةً حديثه:
-بنتها، في صورة موت.
ضربت على صدرها:
-إنتَ عايز تموِّت البنت!..
-ياأما تتصلي بجوزها تعرَّفيه حالتها.
بمنزلِ إسحاق..
دار حول ابنه الصغير ثمَّ حملهُ فوق ظهره، ارتفعت ضحكاتُ الطفل بالمكان، رفع عينيهِ إلى دينا التي توقَّفت تعقدُ ذراعيها:
-يالَّه يابابي الغدا جهز.
اعتدل بنصفِ ظهره، والتقط طفلهِ الذي بلغ من العمرِ سنتين:
-خدي عمران خلِّيهم يجهِّزوه هوَّ وحمزة هنروح لأرسلان.
-حاضر، قوم اتغدى لحدِّ ماالولاد يجهزوا.
نهض متَّجهًا إليها، حاوط أكتافها واتَّجه إلى طاولةِ الطعام:
-عملتي إيه النهاردة؟.
جذبت المقعد وجلست مبتسمة:
-هعمل مصدَّقاك وأقول إنَّك مش عارف، وأحكي لك..
بص ياسيدي، خلَّصنا الديكورات بتاعة الشركة، ناقص بس المكن.
-ربِّنا يوفَّقك حبيبتي، أنا خلِّيت أرسلان يتعاقد مع كام شركة كدا، وعلى أوَّل الشهر هتلاقي أحسن مكن.
ربتت على كفِّه تنظرُ إليه بحب:
-ربِّنا يخلِّيك ليَّا ياحبيبي يارب، لسة هنزِّل إعلان بقى علشان أشوف ديزاينر كويسين..
فرد محرمة الطعام وقال:
-شوفي بنت تكون كويسة معاكي، مينفعشِ كلِّ حاجة إنتي تتابعيها.
-أنا اتكلِّمت مع غادة السيوفي فعلًا، أرسلان أقنعني بيها، والبتِّ شكلها مجتهدة، بس دي هتكون خاصَّة بالحسابات.
كان يستمعُ إليها باهتمام إلى أن انتهت حتى رفع عينيهِ إليها:
-المهم الوظايف الحساسة دي، لازم تكون على ناس ثقة وخبرة، ودائمًا حطِّي سقف للتعامل حتى مع أقرب الأشخاص..
مرَّ الوقت حتى انتهى من الطعام، وتوقَّف قائلًا:
-هشرب قهوتي مع أرسلان بقى حبيبي وإنتي كمِّلي شغلك، قالها وانحنى يلثمُ وجنتيها وخرج..
-ابعتي حمزة وعمران هستنَّاهم في العربية..
أمسكت كفِّه:
-أرسلان لسة مابيروحش القصر؟.
هزَّ رأسهِ بالنفي وقال مؤكدًا:
-معرفشِ إيه اللي حصل حاولت أفهم بس كلِّ اللي قاله أنا حاسس بقيت غريب بعد أحلام مارجعت.
قطبت جبينها متسائلة:
-طيب ماسألتش صفية؟.
-قالت نفس اللي قاله، حتى البنت الشغالة حاولت أوقَّعها في الكلام..
-معقولة علاقة أرسلان بيهم اتقطعت كدا!!.
جمع خصلاتها على جنبٍ وابتسم:
-لا حبيبتي، صفية بتروح كلِّ فترة والولاد كمان بيروحوا بس طبعًا فين وفين..
وبيقول بيشوف فاروق ساعات عنده في النادي.
-وإنتَ مصدَّقه ياإسحاق؟.
ارتدى نظَّارتهِ ورد:
-أنا عامل إنِّي مصدَّقه، علشان خايف أعرف الحقيقة واتصدم يادينا، عارف فيه شرخ كبير حصل بين فاروق وأرسلان وصفية، بس إيه هوَّ معرفش..
ربت على كتفها وأشار للداخل:
-هاتي الولاد اتأخَّرنا.
بعد فترة في منزل أرسلان..
اتَّجه إليه أرسلان وهو يحملُ قهوته، ثمَّ وضعها أمامه:
-طيب عملت إيه في موضوع الدكتور دا؟.
أخرج سجائرهِ وقام بإشعالها ونفث رمادها ينظرُ للخارج:
-الدكتور نضيف أوي ياأرسلان، أنا بعت حد من السفارة وقابلته فعلًا، قالِّي معرفهاش، دي واحدة حد ضربها بالعربية وكان معاها شخص بيحاول يسرقها.
رفع أرسلان عينيهِ متسائلاً:
-يعني إيه ياعمُّو مش فاهم؟.
الدكتور دا كان شغَّال في المستشفى دي، ميرال كان حد بيجري وراها وكانت لسة حامل..المهم الراجل عربية موِّتته، وهيَّ حد نقلها المستشفى، الأوَّل رفضوا الحالة وكانوا عايزين يحوِّلوها الجامعة بس كانت بتنزف جامد، طبعًا الدكتور لمَّا شاف إنَّها حامل صعبت عليه وقال أنا هكون مسؤول عنها، وفعلًا فضلت تعبانة..صمت ثمَّ أردف:
-دخلت غيبوبة.
شهق أرسلان..
ابتعد إسحاق بنظرهِ وهو ينفث رماد سجائرهِ وتذكَّر حديثهِ مع حمدي
بإحدى المشافي بالعاصمة الأمريكية نيويورك، استمع حمدي إلى طرقاتٍ خفيفة على باب مكتبه، أذن بالدخول..
-دكتور حمدي الربيع؟.
-أيوة أنا حمدي الربيع، فيه حاجة؟.
قالها باللهجة الإنجليزية.
فأخرج الرجل بطاقةً تعريفية أنَّه يمثِّل السفارة المصرية قائلًا:
-اتكلِّم عربي أنا من السفارة المصرية، وعايزين حضرتك حالًا.
-ليه بقى؟..
-لو سمحت يادكتور ..تنهَّد بضيق وتحرَّك بعدما أيقن أنَّ هذا الرجل أتى لما يخصُّ ميرال.
وصل بعد قليل وجد إسحاق يجلسُ بمكتبٍ من مكاتبَ السفارة مع أحد المسؤولين، أشار إليه بالدخول، فتوقَّف المسؤول وقال:
-سيادة العقيد إسحاق الجارحي هيسألك عن حاجة، مفيش داعي للخوف.
بعد عدَّةِ دقائق، أخرج إسحاق بطاقتهِ وقال:
-طبعًا عرفت أنا مين..
-سعيد بشخص حضرتك، بس برضو معرفشِ أنا هنا ليه؟.
أخرج إسحاق صورة ميرال ووضعها أمامهِ يشير إليه:
-تعرفها؟.
أومأ برأسهِ قائلًا:
-أيوة..دي مصرية، اتحجزت فترة في مستشفى بالإسكندرية.
ذُهلَ من حديثه، عندما ظنَّ أنَّه سيراوده، وينفي معرفتهِ بها، اقترب مستندًا على المكتب:
-تعرفها منين؟..قصَّ لهُ حمدي حادثة ميرال وحسين، ببعض مااتَّفق به مع نعيمة.
أخرجه من شرودهِ صوتُ أرسلان:
-وبعدين إيه اللي حصل؟.
-ميرال ولدت وهيَّ في الغيبوبة، كانوا هياخدوا البنت ملجأ لحدِّ ماأمَّها تفوق، وخاصَّةً بعد مالدكاترة فقدوا الأمل إنَّها تصحى، هوَّ رفض وكتبها على اسمه.
ارتفعت دقَّاتُ قلب أرسلان بفزغ ثمَّ قال:
-يعني إيه؟.
-يعني ميرال فضلت فترة طويلة في الغيبوبة.
أومأ له وتابع حديثه:
-أنا اتأكِّدت بنفسي، وفعلًا لمَّا فاقت طلبت تسجَّلها باسمِ أبوها.
-طيب ليه مااتَّصلش بإلياس؟.
-دا دكتور ومالوش في الحوارات دي ولا يعرف حاجة، هيَّ فاقت وهوَّ إدلها بنتها على أساس الكلام اللي قالته، جوزها مسافر وبينهم مشاكل وبيتها اتحرق بكلِّ اساسه، علشان كدا طلَّعت بدل فاقد بشهادة ميلاد وبطاقة..
حاسس الكلام دا ناقصه حاجة، مش مقتنع بيه.
أومأ له بتفهُّم وقال:
-أنا كمان قولت زيك كدا، وسألت في المستشفى وكمان عرفت فعلًا إنِّ الحادث كان بسبب واحد.
-يعني اتأكِّدت؟.
زفر بيأس وأومأ له:
-بص ككلام مقتنعتش، لكن كأحداث اقتنعت، ماهو مش معقول هيكون على علاقة، ويسبها في مصر.
-طيب مش قلَّك هيَّ فين؟.
لا..قالِّي خرجت من المستشفى ببنتها وقالت هتروح بيتها، وطبعًا هوَّ مالوش يسألها.
مسح على وجههِ بإرهاق يهمسُ بخفوت:
-وبعدين إلياس هيتجنِّن، إزاي مش عارفين نوصلَّها.
-بص ياأرسلان، ميرال مبقتش عايزة ترجع لأخوك، من الآخر كدا الحياة بينهم انتهت، أنا شايف ينسى الموضوع لحدِّ ماترجع.
-واللهِ ياعمُّو!..
اعتدل بجلوسهِ وأشار إليه:
-يابني البنت مش عايزة ترجع، وهيَّ مشيت وعملت إنَّها ميتة علشان محدش يوصلَّها، أنا لو مكان أخوك أنساها.
حدقهُ بتردُّد وابتلع غصَّته:
-لو نسي ميرال هيقدر ينسى أنُّه له بنت ميعرفشِ عنها حاجة؟.
عند إلياس
جلس في الحديقةِ الخلفية لمنزلهِ على المقعد الخشبي، يتابعُ بنظراتٍ شاردة طفلهِ وهو يلهو مع أبناء عمومته..بلال، ضي، وآسر..
تراجع برأسهٍ وأسند ظهرهِ إلى المقعد، رافعًا عينيه نحو السماء المرصَّعة بنجومها كحبَّاتِ الضوءِ المتناثرة، لتلوحَ في مخيِّلته صورتها..ميرال، بابتسامتها التي طالما أحبَّها، وكأنَّها تهمسُ له:
“مازلتُ حاضرة..رغم الغياب.”
شعر بوخزٍ غائرٍ في صدره، وكأنَّ نصلًا حادًا قد غُرس فيه، كلَّما تذكَّر أنَّها لا تزالِ على قيد الحياة..رافضةً العودة،
ومضات من الذكريات اخترقت ذهنه كسكاكين..
قطع شروده رنينُ الهاتف، رمقه بنظرةٍ باهتة، وجد اسم رؤى، ثمَّ أعاد بصره إلى السماء متجاهلًا الهاتف، إلى أن جاء صوت ابنهِ يتعاركُ مع بلال..
نهض بخطواتٍ ثقيلة واتَّجه إليهما:
– فيه إيه؟ بتتخانقوا ليه؟
– أنا اللي كسبت، وهو بيقول إنُّه كسبني..
– لأ أنا اللي كسبت.
تفاقم النزاع، فصرخ فيهما:
– بس إنتَ وهوَّ لو مش عارفين تتفاهموا ماتلعبوش سوا.
ثمَّ نظر إلى يوسف بحزم:
– شايف صوتك بيعلى كتير، فاكره الحق لمَّا تعلِّي صوتك؟
لكن الرد جاء كصفعة:
– أحسن من إنِّي أكون كذَّاب.
قالها يوسف وركض للداخل، بينما تجمَّد إلياس في مكانه، وكأنَّ الكلمات صُبَّت على قلبهِ كحمم..
اقترب منه بلال وقال بخجل:
– آسف ياعمُّو…يوسف عنده حق، أنا اللي كنت عايز أكسب بأيِّ طريقة.
ربت على رأسهِ برفق:
– متعملش كده تاني يابلال، الغش مش بس غلط…دا الرسول قال: “من غشَّنا فليس منَّا”.
– حاضر..هروح أعتذر له.
– سيبه دلوقتي، بكرة اعتذر له، تمام؟
– تمام..بعد إذنك، همشي علشان مامي هتزعل.
– ماشي..خُد آسر معاك، عَدِّيه على عمُّو يزن.
– حاضر.
بعد قليل…
صعد إلياس إلى غرفةِ يوسف، فوجده جالسًا أمام التلفاز،، تناول آلة التحكُّم، وأغلق الجهاز، ثمَّ نظر في ساعته:
– يلَّا نام، عندك مدرسة.
– مش عايز أنام دلوقتي.
– لمَّا أقولَّك حاجة…تتنفذ من غير نقاش.
رفع يوسف رأسه، وعيناهُ تتحديان:
– وأنا ليه أسمع كلام حضرتك؟! يمكن تكون بتضحك عليَّا..زي ما ضحكت في موضوع ماما.
شهق إلياس بغضب، واقترب منه يزمُّ شفتيه:
– عارف لو سمعتك بتتكلِّم بالطريقة دي تاني..هزعَّلك سمعت؟
ثمَّ أشار للفراش بحدَّة:
– نام، ولمَّا أتكلِّم…ماتردش.
وإياك..صوتك يعلى تاني.
-انا عايز خالتو دلوقتي، مش هنام غير معاها.
-نام يالا..قالها إلياس صارخا حتى أفزع طفله، فاتجه إلى فراشه ببكاء، جعل قلبهِ يرتجفُ من الحزن،
خرج سريعًا، قابلتهُ رؤى أمام منزله:
-إلياس..يوسف نام؟..كلِّمته من شوية وكان صوته مضايق.
اقترب منها ثمَّ اطبق على ذراعيها:
-لو مبطلتيش نغمة خوفك على الولد وتملِّي راسه بحاجات هندِّمك، سمعتيني، ودلوقتي امشي غوري من قدَّامي.
إلياس اسمعني.
-اخرسي، أسمع إيه، إنتي ليه كدا، عايزة توصلي لإيه بالظبط، مفكَّرة إنِّك ممكن تاخدي مكانها؟.
-إلياس لو سمحت إنتَ فاهم غلط.
رفع كفَّيه أمامها:
-مش عايز أغلط فيكي، أنا بسكت عليكي علشان ميرال، بس ابني هفعصك سمعتيني.
-اسكت بقى إنتَ مفكَّر نفسك إيه، أنا علشان ميرال بحاول مخليش يوسف يحتاج لحد..
أنا بروح له المدرسة وبشوف نظراته للأمهات اللي بتنتظر أطفالها قدَّام المدرسة، بحاول أحسِّسه بالحنان اللي مبقاش لقيه معاك ومع أمُّه اللي رمته وهوَّ بالسنِّ دا، ميرال أختي أه، بس أنا لو مكانها مستحيل أكون متخلِّفة كدا، عندي ولد يساوي الدنيا كلَّها، وراجل بيموت فيَّا، إيه ياحضرة الظابط، فيه حد يبقى عنده كدا ويترك دا علشان أوهام مرضية؟..
اقترب خطوة منها وغرز عينيهِ بعينيها مردفًا:
-عندك حق يارؤى، ورغم اللي قولتيه بس بحبَّها، ولو ظهرت قدَّامي هشفي أوهامها المرضية، أنا فعلًا بحمد ربِّنا إنَّها ماخدتش من راجح اللي إنتي أخدتيه..قالها واتَّجه إلى سيارته دون حديثٍ آخر، تصنَّمت بوقوفها تتطلَّع إلى خروجهِ المجنون بالسيارة.
بمنزل أرسلان..
كانت تغفو فوق كتفهِ وهو يعمل على جهازه، وضع الجهاز بهدوء، ثمَّ أعدل رأسها بعدما علم بنومها، ثمَّ ساعدها للتمدُّد على الفراش، رفعت ذراعيها تعانقُ رقبته:
-أرسو حبيبي..انحنى يقبِّلها..
-روح قلب أرسو، نامي حبيبي عندي شوية شغل ..أغمضت عينيها وابتسمت ذاهبةً بنومها، ثمَّ تحرَّك للخارج، استمع إلى رنينِ هاتفه بالخارج، توقَّف ينظر بشاشةِ هاتفه للحظات، ثمَّ رفعه:
-أيوة…
ردَّ على الجانبِ الآخر فاروق:
-وحشتني ياحبيبي مش هتعدِّي على أبوك تشوفه؟.
-آسف عندي شغل، وكمان مشغول مع أخويا.
-أرسلان لسة مش عايز تغفر لأبوك؟.
-أنا مش زعلان من حضرتك، بس مشغول.
-ليه مقولتش لإسحاق على اللي حصل؟.
صمت للحظاتٍ ثمَّ قال بنبرةٍ ثقيلة:
-علشان مفيش ابن يشتكي أبوه لأبوه التاني، على العموم لمَّا أفضى هعدِّي على حضرتك، آسف مضطر أقفل.
-تصبح على خير ياحبيبي.
-وإنتَ من أهله.
عند ميرال..
توقَّفت بالمطبخِ بجوار نعيمة تشاهدها وهي تطهو الطعام، همست بخفوت:
-هوَّ عنده حق، لازم يتجوز واحدة ترفع من شأنه، أنا ليه زعلانة في حاجة من حقُّه.
استدارت نعيمة تشهقُ بفرحة:
-حبيبتي إنتي بتتكلِّمي!!.
نظرت إليها بضياعٍ مع دموعها:
-أنا مش لازم أزعل، أنا سبته علشان كدا، ليه زعلانة..قالتها وتحرَّكت للخارجِ بخطواتٍ مرتعشة، وهي تتمتمُ بمرارة لنفسها:
-ميرال هو صح إنتي ميِّتة عند الكل، خلِّيهم فرحانين..دلفت إلى داخل الغرفة استمعت إلى صوتِ طفلتها مع هند وهي تلاغيها
-ماما..بابا
ردَّدت الطفلة بضحكاتٍ مرتفعة، ظلَّت تنظرُ إليها لبعض الوقت:
-شكلي هكرَّر اللي ماما فريدة عملته، لازم نعتمد على نفسنا حبيبتي، حظِّك يابنتي هيكون زي حظِّ أمِّك، آسفة بس هحاول أسعدك على قدِّ ماأقدر
عند إلياس
دلف إلى السجن الذي تُحتجز فيه رانيا، ينتظرها بملامح جامدة وقلبٍ يضج بالحسابات القديمة. ولجت إلى غرفة الزيارة، خطواتها متثاقلة، لكنها تحمل ما يكفي من العناد لتُخفي هشاشتها. تغيرت كثيرًا، وكأن الإجرام نحت ملامح وجهها.
توقفت تنظر إليه بنظرات متفجرة بالكره:
– إنت! لو كنت أعرف إنك اللي جاي، ماكنتش وافقت أشوفك.
ألقى بسيجارته أرضًا، ونصب جلسته واقفًا، متصلب العود، متجمد بنظراته
– إزيك يا رانيا، عاملة إيه؟ ولا أقولك يا “حماتي”
انحنت والتقطت بقايا السيجارة الملقاة، وبدأت تنفث دخانها نحوه بسخرية:
– ده حالي يا ابن جمال. بس وعد من حماتك، هخرج قريب، وهجيب حقي منك ومن أمك.
اقتربت منه وهمست بقسوة مشوبة بالحنق:
– حقي ده بنتي يا ابن السيوفي… بنتي اللي افترَيت عليا وحرمتني منها، ووعد، لأحصرك على كل دقيقة رميتني فيها في السجن.
دفع المقعد بقدمه، ثم ألقى بجسده عليه، واضعًا ساقًا فوق الأخرى، وضرب كفيه على فخذيه، يطالعها بابتسامة ساخرة:
– البقاء لله يا مدام رانيا.
ضيّقت عينيها باستفهام مرتبك:
– إنت تقصد مين؟!
مال للأمام، أسند ذراعيه على الطاولة، وحدّجها بنظراتٍ تنطق بالشرر:
– بنتك… مي… را… ل.
لفظ حروف اسمها ببطء كأنه يريد القضاء عليها
ثم نهض بهدوء، أغلق سترته وقال ببرود قاتل:
– جيت أشمت فيكي يا “حماتي”… يلا، ربنا يرحمها.
زاغت عيناها في كل اتجاه، كأنها صُفعت ، تهمهم بجنون:
– ميرال مين؟ لأ… لأ…
هزت رأسها بعنف، ثم هرولت إليه تتشبث بملابسه:
– إنت عملت إيه في بنتي؟! والله لاموّتك، والله لاموّتك يا ابن جمال
راقب انفعالاتها… أهي حقيقية؟ أم مجرد تمثيل رديء؟ دفعها بقسوة بعدما تأكد أنها لا تعلم بمصير ميرال.
خرج من الغرفة وهو يهمس لأحد الضباط المرافقين:
– راقبها كويس، وشوف هتتصل بمين.
– أوامرك يا إلياس باشا.
سنة أخرى مرت سريعًا على الجميع والحال كما هو
استمعت نعيمة إلى طرقات على باب منزلها، اتجهت إليه وفتحته، توقفت تطلع لتلك التي تحمل طفلتها قائلة
-هسيب معاكي شمس ساعتين وراجعة
-ليه حبيبتي رايحة فين، مش قولنا هنشتغل في الدروس
حركت الطفلة ساقيها بعنف تصرخ باسم هند
-هند ..انزلتها ميرال ضاحكة عليها وهي تركض إلى هند، امسكتها نعيمة من ذراعيها
-رايحة فين ياميرال
التفتت إليها متمتمة:
-مروة ياابلة نعيمة، ميرال دفنتها مع حياتها، لو سمحتي مش عايزة ميرال دي
-حبيبتي ازاي بس
-انا بكره ميرال، اللي دمرت حياتها بايدها، لو بتحبيني بجد مش عايزة ميرال دي
-يابنتي اسمعيني
-طنط نعيمة، ميرال هتكون خاصة ياالياس وطول مابتقولي ميرال هقولك فين إلياس ..فين عيلتي وابني
-تمام ..تمام ..قالتها وهي تربت على ذراعيها ثم تسائلت:
-رايحة فين طيب..؟!
-النهاردة اول يوم ليوسف في المدرسة، عايزة اشوفه
شهقت نعيمة تطالعها بذهول:
-انتي بتقولي ايه يابنتي
اخرجت نقاب من حقيبتها ترفعه بين أناملها:
-بدا، ابني لازم اشوفه وانا لابسة دا، لحد ما اشوف القدر مخبي لي ايه
طيب استني هاجي معاكي
هزت رأسها بالرفض:
-لا لا..خليكي متخافيش عليا
-قولت ولا كلمة، انتي عارفة المسافة من هنا لهناك كام، هتركبي ايه اصلًا
-كنت هاخد تاكسي
ضربت نعيمة على كفيها وهي متحركة للداخل
-تاكسي ايه يابنتي، عايزة تخلصي فلوسك في أول يومين في الشهر، استني لحظة وجاية
بعد فترة ترجلت من اتوبيس عام توقف على بعد عدد من الكيلومترات من المدرسة التي توجد بأحد الاماكن الراقية، أشارت نعيمة إلى سيارة أجرة
-من هنا ناخد تاكسي، مش من هناك
ابتسمت بألم قائلة:
-صدقيني مش هتفرق
ركبت بجوارها قائلة:
-لا …هتفرق يابنتي، انتي معاكي بنت لازم تاخدي بالك، فلوس الدروس مش هتغطي دا كله
اومأت بصمت، إلى أن وصلت السيارة أمام المدرسة
بمنزل إلياس قبل قليل
جلس يتناول قهوته بمقابلة طفله الذي يتناول إفطاره بتأفف، استمع الى حركة شفتيه المعترضة
-انا عايز امشي، اكلت كل الاكل زي ما حضرتك طلبت
-مسمعتش الحمد لله
-الحمد لله ..رفع حاجبه باعتراض وتمتم:
-فيه حد بيرد كدا على نعم ربنا
حدج والده بامتعاض
-هو حضرتك عايز تتخانق معايا وخلاص
نهض إلياس ملقيا محرمة طعامه:
-لا حضرتي بتربى على ايد حضرتك
امشي على العربية لما اجيب شنطتي
-حاضر..قالها وفتح باب المنزل متجها للخارج ..تصنم بمكانه وهو يرى غادة تترجل من سيارتها
-اوووه عمتو القمر جت
أشارت إليه تفتح ذراعيها
-اووه ابن إلياس ابو لسانين اهو
ضحك بصوت مرتفع متجه إليها، بخروج ارسلان بجوار بلال
-ازيك ياغادة
-الحمد لله ياابيه ..
اتجه بنظراته إلى يوسف
-هتيجي معايا ياجو ولا بابا هيوصلك..قالها بخروج إلياس
-لا حبيبي انا هوصله، دي أوامر عليا التفت إلى غادة ينظر إليها باستفهام
هزت رأسها بابتسامة
-اوامر عليا من ماما فريدة اوصل معاك يوسف
-هي خالتو رؤى مش هتيجي معانا
-انا جيت اهو ياحبيبي..قالتها رؤى المقبلة عليهم تنظر إلى غادة
-غادة بتعملي ايه هنا
فتحت باب سيارة إلياس وقالت
-ماما ياستي مصحياني من الفجر لازم اوصل الاستاذ الصغير
-كنت هوديها حبيبتي ، المشوار طويل عليكي
-بقولك ايه انتي وهي، روحوا انا هوصل ابني
ارتفعت ضحكات ارسلان وهو يلوح بيده
-ربنا يعينك يارب
ضحك غادة واتت لتركب سيارته، أشار إلى سيارتها:
-اركبي عربيتك، عندي شغل ومين هيوصلك، ثم اتجه الى رؤى
-وانتي مفيش داعي انك تيجي اصلا
أمسك يوسف كفيها وقال
-لا ..خالتو لازم تيجي معايا، انا مش هدخل الكلاس من غيرها، ماما كانت بتعمل كدا
-اركب يالا مسمعش صوتك
-خلاص حبيبي..اركب وانا معاك

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1