رواية هالة الفصل السادس بقلم جميلة القحطاني
من بعيد.
كانت لابسة فستان بسيط بلون الزهر، وشعرها ملموم وملامحها بريئة.
بصّت بعشق ناحية سيف، ابن عمها، وهو واقف في طرف الجنينة بيضحك على حاجة في موبايله.
سيف، الطويل الأسمر، كان دايمًا ليه كاريزما تخطف القلب من غير ما يحاول.
ابتسامته كانت دايمًا موجودة، وصوته عالي، ومفيش مكان بيدخله إلا وينوّر.
وفي لحظة، جري ناحيته يحيى، ابن عمهم الأصغر، وخطف منه الموبايل:هاهااا! أكيد بتكلمها تاني يا ابن الدمنهوري!
ضحك يحيى وهو بيجري، وسيف وراه بيضحك ومش زعلان أصلًا.
ليلى ابتسمت، بس ابتسامتها كانت فيها وجع…
لأنها كانت عارفة إن الضحكة دي مش ليها…
وإن سيف… مش بيبص لها زي ما هي بتبص له.
وفي وسط كل ده…
رنّ جرس الباب الرئيسي.
الكل سكت…
لحظة صمت كأن الزمن وقف…
الجد جاي!
صرخت واحدة من البنات.
الكل جري ناحية الباب، حتى نعيمة نفسها خرجت من المطبخ تمسح إيديها في المريلة.
الباب اتفتح ببطء…
ودخل الحاج عاصم الدمنهوري، طويل، شامخ، شعره أبيض، وعينيه لسه فيها النظرة اللي بتخوف وبتطمن في نفس الوقت.
كان شايل شنطة جلد، وفي إيده ظرف بني كبير…
نظرة عينه سكنت الكل…
بس محدش كان يعرف إن الظرف ده…
هيقلب حياتهم كلها.
حمدالله عالسلامة يا جدي!
قالها سيف وهو بيحضن الجد، وصوته فيه فرحة حقيقية.
الجد عاصم ما ردش بكلام، بس حضنه جامد بإيده الكبيرة وقال بصوته الخشن:رجعت لعيالي… ريحة الدار مش ليا فيها غُنا.
ورا سيف، جري يحيى وضحك:ها؟ جبتلنا معاك سكر صعيدي ولا جِمَال؟
ضحك الجد، لأول مرة، وقال:جِمال؟! إنت ناقص تعمل سيرك في الجنينة! خدت بالك مني ولا من الشنطة؟
الشنطة الجلد كانت دايمًا معاه… محدش يجرؤ يفتحها. حتى نعيمة، مراته، بصّت لها بنظرة سريعة ومشيت من غير ما تسأل.
الكل دخل الفيلا.
الصالون الكبير كان ريحته قهوة وبهارات ومسك.
ليلى كانت قاعدة على الكنبة تحاول تبين هادية، لكن عينيها على سيف، وهو بيحكي للجد عن الشغل والناس، وهي تحاول تسرق لحظة تركيز منه.
سيف كان بيحب الجد بصدق، وكان نفسه دايمًا يكون قد ثقته، عكس يحيى اللي كان بيتظاهر إنه مش فارق معاه.
يحيى دخل بالموبايل وبصوت عالي:جدو، أنا داخل كلية فنون جميلة! مش دكتور ولا مهندس… بس هبقى مشهور، ومحدش هيضحك عليا تاني!
الجد سكت…
بص له، وما قالش كلمة…
بس ابتسم.
وكانت دي أول مرة الجد يبتسم ليحيى من زمان طويل.
في المطبخ، كانت نعيمة بتقطع السلطة وهي بتكلم.
