رواية لعنة الضريح الفصل السادس بقلم منى حارس
امام باب المدرسة وقفت ريهام صديقة اينور تنتظر والدها أمام باب المدرسة بضيق ، وظلت تنظر إلى ساعة يدها كلما مرت دقائق ، ولكن تأخر الأب كثيرا عن موعده فشعرت بالقلق وحاولت الاتصال به كثيرًا ، ولكنها فوجئت برسالة غريبة والصوت الألي يردد "تأكد من الرقم الصحيح، هذا الرقم غير موجود بالخدمة "كانت ستجن فكيف يكون الرقم غير موجود بالخدمة وهي تتصل يوميًّا بذلك الرقم لا تفهم.
حاولت الاتصال مرارًا وتكرارا ولكنها نفس الرسالة الصوتية،
فهمست لنفسها:
أكيد في مشكلة في الشبكة او التليفون فصل شحن ، قررت الاتصال بأمها لتخبرها بما حدث ، لكنها لم تسمع إلا صوت جرس الهاتف , واحدهم فتح الهاتف وهنا اخذت هي تنادي على أمها ولكنها سمعت صوت غريب وضحكة عالية و هنا صرخت برعبٍ وهي تنادي على أمها بخوف :
يا ماما ردى عليا أنا ريهام ولم تسمع إلا اصوات غريبة متداخله وشوشرة عالية لم تفهم منها شيء ، وشعرت بالبرودة الشديدة تسري في اوصالها , فأغلقت الهاتف الجوال بسرعة وهي تطمئن نفسها :
اكيد الشبكة وحشة , اركب الأتوبيس وخلاص واروَّح لوحدي ، وظهبت الى موقف الحافلات تنتظر الحافلة في المكان المخصص أمام باب المدرسة، واخذت تلفتت يمينًا ويسارًا وهي تنتظر ظهور الحافلة، ولكنها لاحظت شيء غريب ومريب , ولم تعتاده من قبل فلقد كان الشارع خالي من المارة ومن حولها وغريب
فقالت تحدث نفسها بتعجب:
هي الناس كلها راحت فين والشارع ليه فاضي , نظرت لساعه يدها وهي تكمل بتوتر :
دي الساعة لسة تلاتة ونصف المفروض الكل راجع من شغله دلوقتي .
وهنا شاهدت الحافلة تقترب من بعيد وشعرت بالارتياح والسعادة فقالت بارتياح :
الحمد لله، الأتوبيس وصل اخيرا ، و لكنها تعجبت من لون الحافلة فقالت:
أتوبيس لونه اسود و بنفسجي غامق ، أول مرة اشوف اللون دا غريبة وفي تلك الحظة جال بخاطرها صديقتها أينور عندما تغيَّر لون عينيها للون البنفسجي وهو نفس لون الحافلة التي امامها الآن ، وشعرت بالغرابة من تلك الصورة على جانبي الحافلة وهي لا تفهم ما هي .
فلم ترَ الفتاة المقابر من قبل ، وتوقفت الحافلة أمامها ولاحظت الفتاة بأنه أنها خالية من الركاب فهمست لنفسها:
أنا مش هركب الأتوبيس فاضي ، ماما دايما تقولي متركبيش مواصلة فاضية لوحدك أبدًا.
فجلست الفتاة مكانها على المقعد منتظرة الحافلة الاخرى , ولكن الغريب بالامر فلقد ظلت الحافلة مكانها ولم تتحرك لتكمل طريقها , وهنا شعرت بالقلق فتحركت هي قليلًا من مكانها ، وهنا تحركت الحافلة وراءها ببطىء ، شعرت بالخوف الشديد والفزع فوقفت برعب واخذت تركض للخلف بتوتر ، واخذت الحافلة ترجع للخلف وكأنها تتبعها وتراقب خطواتها , شعرت الفتاة بالخوف الشديد والتوتر وهمست لنفسها :
الاحسن اروح أقول للسواق يمشي أنا مش هركب الأتوبيس لوحدي ، ونادت بصوت عالي على السائق , لتخبرة أن يرحل فهي ستنتظر والدها، واقتربت اكثر و أكثر وفي تلك اللحظة ظهرت تلك الايادي السوداء الكثيرة المشعرة من اسفل الارض فجذبتها بالقوة إلى داخل الأتوبيس , صرخت الصغيرة بصوت عالي تستغيث :
إلحقوو...
ولكنها لم تكمل باقي كلمتها ، فلقد تحركت الشاحنة سريعًا تسابق الريح وظهرت الصورة الكبيرة المرسومة على جانبيها بوضوح كبير ؛ فكانت صورة كبيرة للمقابر وكُتِبَ تحتها كلمة (الشواهد) .
وبعدها اختفت في لمح البصر تاركه خلفها بقعة دماء صغيرة على الأرض ، وبجوارها قطعة لحم حمراء تشبه اللسان تمامًا ربما سرقته قطة جائعة من محل جزارة قريب من المدرسة .
" هتندمي على إللي عملتيه وكلامك الكتير ولسانك دا هيتقطع ويتقص.."
*****
كان فهمي يقف أمام باب المصعد بغضب ينادي على البواب العجوز إمام ، ويسأله إن كان المصعد به عطل فهو لا يستجيب للنداء ، فتعجب البواب العجوز قائلًا:
لا يا أستاذ فهمي الأسانسير شغال، دي لسه بنتك الصغيرة طالعة من ثواني.
وفي هذا الوقت وأثناء الحوار مع حارس البناية ، ظهر رجل في منتصف الأربعينات من عمره يمتلك عيون ثاقبة وشعر أسود كثيف وكرش كبير وكان قصير القامة وشعره أصلع قليلا يرجع للخلف من الامام ، يبدوا أحد ساكني العقار وتساءل الرجل بحيرة قائلًا:
إيه يا امام الأسانسير لسه عطلان من امبارح متصلتش بالصيانة ؟
فرد الحارس بدهشة وهو يضرب كفًّا بكف:
والله الأبلة بنت الأستاذ لسه طالعة يا أستاذ فتحي وكان زي الفل، حاجة غريبه لحق يعطل في ثواني، هروح اتصل بمهندس الصيانة.
نظر الرجل إلى فهمي موجِّهًا حديثه :
حضرتك الساكن الجديد في الرابع نورت العمارة، معاك فتحي المصري محامي وساكن في الشقة اللي تحتك في التالت اتشرفت بمعرفتك يا أستاذ...
فابتسم فهمي ومدَّ يدة ليصافحه قائلًا:
فهمي السيد محاسب في شركة...
وهنا يبتسم فتحي بترحاب قائلًا:
معقول دا ابن عمي شغَّال في نفس الشركة، عماد محمود المصري حضرتك تعرفه يا أستاذ فهمي؟
فردَّ فهمي باندهاش:
معقول عماد ابن عمك دا أعز أصحابي ، مجبليش سيرة ان ليه قرايب في نفس العمارة غريبة ..
وبعد التعارف وصعود الدرج معا ، كان فهمي سعيد بالتعرف على الرجل كثيرا فهو خفيف الظل واجتماعي الطبع ، أصر الرجل على اصطحاب فهمي إلى داخل شقته بالدور الثالث حتى يستريح من صعود الدرج ويتعرف على والده وابنه الصغير، وكانت شقته بالدور الثالث أسفل شقة فهمي مباشرة , وافق فهمي ودخل الاثنان إلى الشقة ، و بداخل الشقة شعر فهمي بالحيرة الكبيرة والذهول وكانت المفاجأة المرعبة تنتظره لتغير كيانه وحياته وتقلبها راسا على عقب , وتغَّير وجه فهمي عند الدخول إلى الصالة في شقة جاره المحامي ، لقد كانت الشقة مختلفة تماما عن شقته فهي نفس مساحة شقته تقريبًا ونفس النظام ، ونفس الحجم للصالة , إلا أن هناك شيئًا ناقصًا بالشقة شيء هام جدا .
نعم هناك شيء ناقص بتلك الشقة ومختلف تماما عن شقته ، فهناك غرفة ناقصة أو بمعنى آخر لم تكن موجودة من الاساس ، وكان هذا واضح فليس هناك أي أثر لغرفة إبنته أينور بالمكان .
وكأنها كرسي او شيء ليس له قيمه وتم إبعاده عن الطريق ، لم تكن الغرفة موجودة بالشقة ، بل كان مكانها عبارة عن شرفة صغيرة .
شعر فهمي بالدهشة فدخل الشرفة وهو مرتبك ويشعر بالدوار لا يفهم ما الذي يحدث ، وكانت الشرفة تطل على الشارع العمومي والسيارات تسير مسرعة على الجانبين، ويحاول بعض المارة عبور الطريق فصرخ فهمي برعب قائلا لنفسة :
إيه دا والشارع دا جه منين وفين المقابر وفين أوضة أينور..؟
فنادى فهمي بارتباك يتساءل:
أستاذ فتحي فين الأوضة اللي هنا مكان البلكونة دي ؟
فينظر له فتحي باستغراب قائلًا:
أوضة إيه اللي بتتكلم عنها يا أستاذ فهمي هي الشقة كدة أوضتين ورسيبشن .
فهمي:
ازاي بس انا عندي تلات أوض مش اتنين ونفس حجم الصالة تقريبا وفي هنا مكان البلكونه دي أوضة واشار بيديه الى البلكونه ، كان ينظر إلى جاره بذهولٍ وعدم تصديق.
فردَّ الجار بشكٍّ:
احتمال يكون أخد جزء من الرسبشن قفله أوضة تالتة يا أستاذ فهمي.
بس الصالة عندي نفس المساحة تقريبا ، ومفيش بلكونة دا شباك بيبص على المقابر وأكمل فهمي متعجبًا:
هي كل العمارة في نفس الصف بلكونات وشقتي الوحيدة هي اللي شباك !
ودخل بعدها الشرفة منفعلًا حائرًا يشعر بالدوار ، ولم ينتظر رد جاره ، وأخذ ينظر إلى أعلى المبنى ليتأكد من نظريته ، فوجد المبنى كله شرفات واسعة ذات سور دائري ، والغريب في الأمر بأن شقته هي الأخرى كانت تحتوي على شرفه كبيرة واسعه كباقي الأدوار وليست نافذة ، و شهق فهمي برعب وهو يشاهد ابنته أينور في الشرفة بالطابق الذي فوقه مباشرة وتنظر له بتحدٍّ وبعينين بنفسجيتيْ اللون وتبتسم بمكرٍ.
صرخ فزعًا عند رؤيته لأبنته ودخل سريعًا إلى الشقة ونظر برعب إلى جاره ثم تساءل عن مكان المقابر الذي تطل عليه شقته .
فقال فتحي متعجبًا:
مقابر إيه اللي بتتكلم عنها يا فهمي المنطقة هنا مفيش فيها مقابر على ما أعتقد ،
المفروض بتركب مواصلة لأنها بعيدة شوية عن المساكن ، وهسألَّك والدي يمكن يكون في جبّانة قريبة من المنطقة وانا معرفش أصلي كنت عايش في أمريكا سنين طويله ولسه راجع من كام سنه .
وفي تلك اللحظة دخل رجلٌ مسِنّ يتسند على عكاز خشبي ويسير بصعوبة ، ومعه طفل صغير ورحب الرجل بفهمي وقدَّمه الجار وهو يبتسم بأنه الحاج المصري والده، والطفل الصغير هو ابنه عمر .
فقال الرجل العجوز :
أهلًا أهلًا يا ابني نورتنا فتحي بيقول إنك لسه ساكن جديد بالعمارة ، ساكن في أي دور من العمارة السادس ولا الخامس ؟
فردَّ فتحي بتوتر قائلًا:
ساكن في الشقة اللي فوقينا في الرابع يا بابا.
وهنا تغيَّر لون وجه الأب قليلًا وظهر عليه التوتر واستأذن ليستريح مدعيًا بإصابته بنوبة مفاجئة من المرض،
فقال فتحي بحرجٍ وهو يذهب خلف ابيه للداخل :
أنا آسف يا فهمي، بس بابا مريض بالقلب وبتجيله النوبة دي علطول بعد اذنك البيت بيتك.
فردَّ فهمي بحيرة قائلًا:
ألف سلامة عليه ربنا يشفيه يارب هستئذن انا ..
وبعدها خرج مسرعًا ورأسه ستنفجر من التفكير ويهمس قائلًا:
"معقول اكون بحلم، معقول ميكونش فيه أوضة تالتة في الشقة وأينور إيه اللي موقّفها في البلكونة ودخلت ازاي والمقابر دي إيه حكايتها وهي فين هتجنن "
ولم يتحمل فهمي التفكير والصراع النفسي في اعماقه ، وأسرع يركض إلى شقته والحيرة والقلق يمزقان كيانه فاستقبلته زوجته بقلقٍ شديد وتساءلت عن حاله ، ولماذا يبدو عليه القلق ووجهه شاحب بتلك الطريقة الغريبة هتفت هناء بقلقٍ قائلة:
فهمي مالك لونك مخطوف كدة ليه حصل حاجة ؟
لم يجِب فهمي أو يهتم لأمرها وتساءل:
هي فين أينور يا هناء ؟
فردَّت هناء بقلقٍ:
نايمة من ساعة مارجعت من المدرسة في حاجة طمني عليك .
فقال فهمي بشكٍّ:
نايمة ازاي يعني، أنا لسه شايفها واقفة... وقطع كلامه وأسرع ليتأكد بنفسه من نومها ، ففتح باب غرفة ابنته بقوة فوجدها نائمة وألقى نظرة إلى النافذة ، فوجدها مغلقة فاقترب وفتحها بقوة وشاهد المقابر بمنظرها الكئيب وشواهدها العالية المرعبة الكئيبة ، أغلق الأب النافذة بقوة وهو يزفر بغضب وألقى نظرة أخيرة على ابنته النائمة بهدوء شديد ثم ذهب إلى غرفته لينام ولكنه تساءل بقلق هل سيستطيع النوم بعد ما رأه اليوم فما الذي يحدث في تلك الشقة ومع ابنته يا ترى ؟.