رواية تؤام روح الفصل السادس بقلم يارا سمير
كان زين مترقب وصول كريم .. علم موعد وصوله وصادف إن في ذلك التوقيت سيكون هو ومريم يحضران دروسهم في السنتر مما يعني سيفوت لقاءه .. يوم الخميس مريم وزين يجلسان في السنتر يحضران الدرس الأول معًا كعادتهما ، الجميع مشغول بالشرح ولكن زين مشغول بالنظر في الساعة ومتابعة خط سير كريم من القاهرة الى الاسكندرية غير محادثة الواتساب .. في الاستراحة وقف برفقه مريم وقالت وهي تنظر الى الملازمة في يدها :
_ مستر محمود هيسأل فى الجزء دا صح ؟
لم يستمع زين جيدًا وكان يتحدث مع كريم عبر المحادثة ، القت مريم نظرها سريعًا :
_ انت بتكلم مين .. كريم ؟
_ ايه دخله المخبرين دي .. أيوه كريم هيكون مين يعني ؟
_ يعني افتكرت تكون كريمة ولا حليمة ولا فوزية
_ فوزية دي تبقى ستك ام ابوكي .
_ يا عسل .. كنت مركز مع كريم كدا ليه فى حاجة ؟
_ اصله جاى
_ ايه دا هو جاى انهاردة بجد .
نظر اليها متعجبًا :
_ ايه السعادة دي من وصول كريم ..خير .؟
_ طبعًا هفرح .. يعني معني كدا هنسهر انهاردة للصبح ومحدش في البيت هيعترض .
_ محرومة انتى من السهر ، دا اغلب حياتك بنسهر مع بعض ولا انا شفاف .
_ ايه جابك لكريم .. انا وانت اخيرنا السطح اللى في البيت يا فى بيوت بعض ولو خرجنا برا البيت بيبقى في وقت محدد نرجع فيه وانت اللى بتقفش نرجع وتقولي نكمل على السطح لكن لما بنخرج مع كريم بننطلق براحتنا للصبح برا البيت مفيش حد بيتكلم .
_ ايه يا بنتى نبرة الحرمان دي .. في غيرك مبيخركش من أوضته مش للسطح بطلي نمرده بجد حاجة عجيبة .
حدقت به تعجبت من حديثه :
_ مالك في ايه ؟
_ في ايه ازاي يعني ؟
_ يعني عمال تعارضني في كل حاجة رغم اننا كنا متفقين فيها ، ع فكرة كريم دا عمك ومتربين احنا التلاتة مع بعض من صغرنا .
_ عارف انه عمي وعمك صح ؟
_ عمي ( ضحكت) ايه النكته البايخة دي ازاى عمي يعني .
_ اومال انتى شايفاه ازاى ؟
_ شايفاه كريم ..كيمو .
_ كيمو كونو
اقتربت احدى صديقات مريم :
_ يلا يا ميما الدرس هيبدء .
_ هحصلك انا وزين ( نظرت اليه ) ممكن توقف ألشك الرخم دا و يلا بينا ندخل الدرس..
_ لا ادخلي انتي وانا هحصلك ..
_ اوكيه متتأخرش ..
توجهت مريم الى الداخل وتأكد زين من دخولها لقاعة الدرس وتحرك للخارج مغادر السنتر مسرعًا ، قطع الطريق الى المطعم بخطى ثابتة كأنه يحمل في قلبه مهمة واحدة هامة وهي مقابلة كريم قبل ان يقابل والده .. وصل الى المطعم وما أن فتح باب المطعم حتى تفاجأ كلا من محمود وسوسن بوجوده المبكر .. نظرت اليه سوسن بدهشة غريبة قالت :
_ في حاجة ولا ايه ؟
_ لا مفيش ..
_ بتنهج ليه كدا ..
القت بنظرها عند الباب :
_ انت جيت لوحدك فين مريم ؟
_ في الدرس بتحضر الدرس التاني ..
_ وانت جيت ليه .. مبتحضرش ليه ؟
نظر اليها فى حالة صمت للحظات وفجأة وضع يده على رأسه :
_ صداع ابن لذينه استلمني يا ماما كنت قاعد مش مركز وقولت اجاى تديني حاجة .
قلقت سوسن من رؤيته يتألم :
_ من القهوة اللى شربتها الصبح قولتلك بلاش وافطر الأول .
_ ماهو كان لازم افوق ..
_ طيب استني هعملك حاجة خفيفة تاكلها وبعدين اديك حبوب للصداع .
_ اه يا ماما بسرعة الصداع هيفرتك دماغي ..
_ سلامتك يا حبيبي .. حاضر ثواني .
تحدث محمود:
_ لو تعبان اوي تعالي نروح نكشف
_ ها .. لا هاخد المسكن وهبقى كويس ولو طول هروح أكشف .
_ متأكد ؟
_ ايوه بجد ..مش وقت تعب وراحة يا حودا عندنا امتحانات ثانوية عامة مهمة مش عاوزين تشتيت ولا مواضيع تضيع تركيزنا .
_ هو انك تكشف عشان تعبان دا هيشتت تركيزك ؟
_ طبعًا .. مش هروح واقعد استنى دوري ودكتور هيتكلم وانا هحاول اشرحله كل دا مجهود محسوب عليا المذاكرة اولى به ولا ايه ؟
حدق به محمود متعجبًا من حديثه وصمت واستكمل زين :
_ متقلقش هاخد المسكن وهبقى كويس انا متاكد .
_ طيب .. انا هدخل المكتب اعمل تليفون عقبال ما كريم يجي .
_ ايه دا هو جاى انهاردة ؟
تعجب محمود من رد فعل زين المفاجئ :
_ ما انت عارف ليه متفاجئ ؟
_ بجد .. نسيت .. المذاكرة والثانوية مش مخليين اى حاجة تانية تثبت في دماغي .
_ ربنا يستر عليك تخلص الامتحانات ناسي اسمك .
ضحك زين :
_ ربنا يستر .. روح اعمل تليفونك ولو جه كريم هعرفك ..
عادت سوسن بطبق طعام ووضعته امام زين :
_ يلا كل السندوتش دا وبعده خد المسكن دا ..
لمح اشعار رسالة على هاتفه من كريم :
_ 10 دقائق وهكون في المطعم .
امسك الطبق :
_ انا هاكل برا في الهوا هيساعدني اكتر ..
تحرك مغادر للخارج وجلس في الحديقة الخارجية للمطعم حيث الهواء والهدوء ومراقبة طريق الى المطعم .. لكن رغم هدوء المكان كان داخله مشحونًا بالانتظار والترقب .. جلس على المقعد الخشبي وراح يحدق فى الطريق امامه .. عيناه لا تكف عن البحث كأنهما تفتشان عن ظل يعرفه جيدًا ..
مرت الدقائق وكل لحظة تمر تزيد من توتره .. التفت نحو الطريق مرارًا وفي كل مرة يعود بنظرة خاليًا من الأمل حتى لحظة بعينها رآه من بعيد وهو يقترب بخطوات هادئه يتحدث فى الهاتف .. نهض زين فورًا من مكانه ثم أسرع بخطوات حاسمة نحو الاتجاه المقابل حيث يقترب كريم .. اقترب اكثر ثم وقف امامه مباشرة :
_ لحقتك أخيرًا ..
بوجه باسم :
_ انت كنت بتجري ولا ايه ؟
_ لو في ماراثون مش هجري كدا
بملامح مضطربة قال كريم :
_ ليه ؟ في حاجة ولا ايه ؟ محمود كويس ؟
_ متقلقش كلهم بخير ..
_ في ايه طيب
_ تعالي نقعد واعزمني على حاجة يلا ..
جلسوا في مقهي قريب من المطعم :
_ ها .. شربت واكلت ناوي ع ايه اعشيك كمان .
_ وماله ياعم كيمو.. مش انا ابن اخوك الوحيد ولا عندك حد غيري اهم .
_ انت بتستغل حبي لك استغلال سئ ، انا منمتش من امبارح وجاى من سفر اخرك معايا حاجة ساقعة والوافل اللى قدامك دا .. العشاء دا مع ميما عشان متزعلش .
ترك من يده طبق الوافل وقال :
_ ميما .. هي ميما دي .
_ مالها ميما ؟
_ كنت عاوز اسألك سؤال وتجاوبني بصراحة منتاهية بدون احراج ولا كسوف ولا خجل ، بص اكنك واقف قصاد المرايا بتكلم نفسك .
_ ايه كل الرغي دا في ايه ؟
حدق به للحظات وكان مترددا من طرح السؤال ليتفاجئ هو بالاجابة .. تحدث كريم ؟
_ انطق يابني في ايه ؟
استجمع شجاعته وقال :
_ انت .. انت كريم يعني ... مريم بالنسبالك ايه ؟
ضحك كريم :
_ ايه السؤال الغبي دا ..؟
_ ياعم خدني ع اد غبائي ورد عليا .. مريم بالنسبالك ايه ؟
_ انت رد عليا .. انت بالنسبالي ايه ؟
_ انا ابن اخوك ..
_ هي كمان ...خلاص .
_ لا مش خلاص انا مش هينفع تتجوزني بس ممكن تتجوزها هي .
حينما سمع كريم تلك الكلمات اطلق ضحكة بصوت مرتفع وقال :
_ انت بتقول ايه ؟ انت سامع كلامك كويس ؟
_ مش انا .. اخوك هو ومراته اللى قالوا وكنت زيك كدا لما سمعت ..وعلى فكرة هما مستنينك فى المطعم عشان يتكلموا معاك بعيد عن كرم وسناء ومريم .
تفاجئ كريم :
_ بتتكلم بجد ولا بتهزر ..
_ انت شايف بعد الاكشن دا انى اسيب مريم لوحدها فى الدرس ومحضرش ودا وقت مراجعات قبل الامتحانات اللى قربت عشان اقعد القعدة دي اتكلم معاك قبلهم دا يبقى هزار ؟
اعتدل كريم في جلسته واختفت الابتسامة من وجه وحل مكانها ملامح جادة :
_ لا فهمني واحدة واحدة ..
سرد له ما سمعه من حوار سوسن ومحمود وما دار بينهم وضحك كريم ضحكة سخرية :
_ هو لسه فى حد اهله بيختاروله يتجوز مين ؟
_ ايوه .. اخوك ومراته .
_ وانت ايه رايك ؟
_ انا مش موافق طبعًا .
_ ياااه طبعًا ..
_ ايوه .. لاسباب كتير اهمهم ان انتم الاتنين مختلفين جدًا رغم قربكم لبعض ، لا هي هتعرف تتأقلم مع دماغك ولا انت هتفهم دماغها .. وبعدين مفيش مشاعر بينكم غير اللى بينا احنا التلاته صح ف ازاي يعني تتجوزو .
_ يااه دا انت فكرت فى الموضوع بتعمق وطلعت اسباب كمان لعدم توافقنا .
_ دا جواز ومش جواز اى حد .. مريم .
_ وهي رأيها ايه ؟
_ لا لا لا .. هي متعرفش حاجة خالص ، الكلام كان انهم ياخدوا موافقتك الأول وبناء عليه بعد الامتحانات يفتحوا الموضوع مع كرم وسناء ومريم .
_ لكن انا ..
قاطع حديثه :
_ مش موافق اكيد.. انا قولت كريم مش هيوافق ولا في دماغه كلامهم دا .
نظر اليه بخبث:
_ مش يمكن محتاج افكر .
نظر اليه متفاجئ:
_ تفكر في ايه .. في مريم؟
_ هو في عروسة تانية .. وبصراحة عندهم حق مريم كبرت مبقتش الطفلة الصغيرة وبقت انسة جميلة داخله الجامعة .
_ دا بالنسبالكم لكن مريم لسه طفلة صغيرة مكبرتش حتى لما تتخرج مش هتكبر .
_ وهو في احلى من كدا انى ارتبط بواحدة مبتكبرش ولا هتكبرني دي نعمة .
_ دا استهبال .
تفاجئ من طريقته في الحديث واستكمل زين حديثه:
_ بصراحة كدا من الأخر انت متنفعش لمريم مش عشان عمي هطبلك والبس البنت فى حيطه .
_ نعم .. ودا ليه ان شاء الله ؟
_ لأنك غير مناسب ليها زي ما قولتلك مش هتقدر وجودها معاك هتتعامل معاها أمر مسلم به ، مريم تستحق حد احسن منك .
_ زيك كدا .
_ مفيش زي ؟
_ ما انت موجود اهو .
_ هنهزر بقى في المواضيع اللى مينفعش نهزر فيها دي .
ضحك كريم وقال :
_ عارف يا زين .. لو مكنتش اعرف حوار الرضاعة اللى حصلت كنت قولت انك بتحبها .
_ ماهو انا بحبها وهي بتحبني دا مش محتاجين نتأكد منه ولا نسأل بعض لاننا اخوات ملناش غير بعض من صغرنا مع بعض للحظة دي وفي المستقبل مع بعض .. ف من واجبي عليها وحقها عليا انى موافقش انها ترتبط باى حد وخلاص لمجرد انها كبرت .. لا مريم هتكون مع اللى يستحقها ويقدرها كويس .. مش ترتبط بواحد مقضي حياته علاقات وغير مستقر .
_ تقصدني انا ..ماشي ماشي لما هيتكلم معايا محمود هوافق ايه رايك .؟
_ لا لا استنى عليا يا كيمو.. انت قفشت ليه كدا يا صاحبي ..
_ دلواقتي صاحبك ..
_ ما دا اللى بيحصل اومال قاعد فى الجامعة لدلواقتي ليه بتحضر دكتوراه .. وبعدين فكر فيها كدا انت عمي وهي اختى ومن صغري انتم في وشي ف هتتجوزوا وتجيبوا عيال شبهكم يعني نسخ مكرره ممله هيبقى زي اللى دخل متاهه وفتح باب لقي نفسه عند الباب اللى دخل منه ولفي بينا يا دنيا .. فين الجديد .. التخيل نفسه فصلني لو حصل هتبقى معاناة لينا كلنا ، العيلة محتاجة تغيير كل واحد فينا يساعد العيلة تخرج من الدايرة اللى اتحشرنا فيها من صغرنا دي ونجيب نسخ جديدة غير مكررة على الفرازة .
_ لا عندك وجهه نظر تحترم.. انا موافق ع كلامك .
ابتسم زين واعتدل في جلسته واسترخي وقال :
_ ايوه كدا .. ف انت لما محمود يكلمك قوله انك مرتبط او مريم اختك ومش شايفها غير كدا اى كلام تحرمها عليك.
ضحك كريم:
_ حاضر يا زيزو.. اى طلبات تانيه .
_ لا مفيش ..
_ طيب يلا نرجع المطعم .
القى بنظره الى الساعة :
_ لا يادوب ارجع السنتر الحق مريم ... يلا سلام وشكرًا على العزومة تتردلك مع اول مرتب اقبضه بعد التخرج .
ضحك كريم ع كلماته واسرع زين فى خطواته وتوجه الى السنتر وبالفعل كان الدرس انتهى وقابل مريم عند الباب .. نظرت اليه بغضب وبنبرة حادة قالت :
_ كنت فين ومبتردش ع رسائل الواتساب ليه ؟
_ كريم كان محتاج حاجة روحت اجيبهاله وقعدنا نرغي ونسيت .
_ نسيت الدرس؟
_ كانت مراجعة يا ميما مفيش شرح، وبعدين انتى هتقوليلي الملخص .
_ اه .. ماشي هتجيبلي ايه ؟
_ مفيش حاجة لله كدا ..
_ مجهود ولا مش مجهود اللى هعمله .
_ لا مجهود ..ايه رايك نروح نضرب بيتزا على السريع قبل ما نروح المطعم .
ابتسمت :
_ ايوه كدا دا الكلام .. يلا بينا .
في المطعم يجلس كريم برفقة محمود وسوسن يحاولان أن يتحدثا معه فى موضوع مريم ، ظلا يتبادلا النظرات ولاحظ كريم :
_ هو في حاجة عاوزين تقولوها ليا .
تحدث محمود بنبرة جادة :
_ احم .. بص يا كريم .. انت عارف انا مش معتبرك اخويا ، انت ابني البكر صح ؟
_ ايوه صح .. في ايه بقى ؟
_ يعني زي ما انا مهتم بمستقبل زين ف مستقبلك ميقلش اهتمام عنه .
_ انتم هتخرجوني من المطعم ولا ايه ؟
_ لا لا نسبتك موجوده زي ماهي متقلقش ..
_ فى ايه يا حودا بالظبط قلقتني ..
_ اصل .. اصل ..
نظر الى سوسن وتحدثت بتلقائية :
_ بص يا كريم.. احنا عاوزين نفرح بك بقى ومتقولش لما القى بنت الحلال لانها موجوده ومش هتعرف تلقى زيها وانت عارفها كويس .
_ مين دي ؟
_ مريم .. مريم بنت كرم وسناء .. ايه رايك ؟
- انتم بتتكلموا بجد... ميما ؟
_ ايوه ميما .. مش هتلقى زيها، احنا عارفينها ومربينها يعني مننا وفينا .
ابتسم كريم ونظر اليهم، كانت اعينهم معلقة به تترقب ما سيقوله ، اطلق تنهيده صغيرة وقال :
_ للاسف مش هينفع ..
_ ليه بس ؟
_ لاسباب كتير واهمهم ، ان مريم اختى ، من واحنا صغيرين وانتم فضلتوا تقولوا لينا احنا الثلاثه اننا اخوات ، نكون مع بعض ونسند بعض ومنسيبش بعض ابدا لاننا ملناش غير بعض .. انا كبرت وشايف مريم اختى الصغيرة وزين اخويا الصغير اكتر من انه ابن اخويا .. مريم اختى ومش هعرف اشوفها حاجة تانية .
تحدثت سوسن :
_ احنا قولنا كدا عشان تفضلوا مع بعض بس مريم مش اختك يا كريم يعني فكر .
_ لو كان في مجال لتفكير صدقوني كنت اقولكم هفكر ، بس حقيقي مفيش اى احساس مختلف اتجاهها غير انها اختى الصغيرة اللى انا وزين هنفضل معاها وجنبها طول عمرها .
تحدث محمود:
_ يعني دا اخر كلام ..مش محتاج فرصة تفكر ؟
_ ايوه .. وبعدين متستعجلوش في يوم هتلاقوني جاي اقولكم انا عاوز اتجوز فلانه وتفرحوا وافرح وكلنا هنفرح وع رأي زين اهو نخرج برا الدايرة المقفولة علينا ونستقطب من الخارج .
ضحك محمود وقال :
_ هو زين اتكلم معاك ؟
_ هو قالي وانا مصدقتش بصراحة .
_ ليكون هو اللى لعب في دماغك وخلاك ترفض .
_ يا حودا انا لو في مشاعر ولو بسيطة عكس اللى حاسه اتجاه مريم مفيش حد هيقدر يغير رأي ويبعدني ، بس بجد مفيش .. مريم اختى زي ماهي اخت زين بالظبط .
تنهدت سوسن :
_ يا خسارة كنا هنفرح كلنا .
تحدث اليها كريم:
_ هتفرحوا متستعجلوش .
_ طيب انا قايمة اشوف المطبخ .
تحركت سوسن وابتعدت خطوات نظر محمود الى كريم وقال :
_ اسالك سؤال وتجاوبني بصراحة ؟
_ اكيد يا حودا من امتى انا هخبي عليك ؟
_ انت منستش لسه وبسبب كدا رافض ترتبط .
صمت كريم للحظات ثم إبتسم :
_ يااه يا محمود .. الموضوع عدي عليه سنين اكيد نسيت انت ازاى فاكر .. لا اطمن انا مش فاكر حاجة ولا بفكر فى حاجة ..انا في انهاردة وبكرة ، وع الارتباط صدقني اول ما هقابل بنت الحلال همسكها من ايديها واجيلك اقولك هى دي يا حودا .
تنهد محمود وقال :
_ وانا مستني يا كريم اللحظة دي ، انت وزين ومريم اهم 3 أشخاص في حياتنا واحنا كلنا يهمنا نشوفكم مرتاحين سعداء ..
وضع كريم يده على يد محمود وقال :
_ طول ماانتم محاوطين علينا بكل الحب والدفئ دا اتاكدوا اننا اسعد ناس فى الدنيا .
تحرك كريم من مكانه وتوجه وارتمي بجسده بين ذراعي محمود وضمه وقال :
_ محمود انت بالنسبالي ابويا مش اخويا .. ربنا يخليك لينا .
_ ويخليكوا ليا ..
فى نهاية اليوم يدخل زين الى المنزل وهو منتشي بالسعادة ويدندن استوقفته سوسن :
_ ايه الروقان دا كله يا زيزو .
_ مساء السوسن يا احلى سوسن .
_ انت جاى منين كدا ؟
_ من السطح كنت بذاكر انا وميما الامتحانات قربت يا سوسن ولازم نطحن نفسنا .
_ ربنا يكرمكم ويوفقكم ع خير يا حبيبي .
_ يلا انا هدخل انام بقى .. تصبحي ع خير .
_ تصبح ع خير ..
وقف مكانه والتفت اليها :
_ مقولتليش ايه حصل كلمتوا كريم ؟
_ ايوه .. مش حاطط الموضوع فى دماغة وقالنا بالنص مريم اختى زي ماهي اخت زين .
_ جدع كيمو دا بيفهم والله .
_ ياسلام.. على فكرة مريم مش هنحنطها ، كدا كدا هتتجوز ع فكرة مش هتقعد جنبك .
_ عارف لكن لسه بدررري ع الكلام دا لما يجي وقتها نحطهم قدامنا كدا ونختار براحتنا واحنا حاطين رجل ع رجل نختار .
_ وانت هتسيبنا نختار .
_ مش اى حد يقول عاوزها نقوله اتفضل .. في اختبارات وامتحانات لو فضل عايش هيبقى هو الكسبان ولو فطس مننا هو الخسران والرجاء المحاولة فى مكان تاني .
_ والبنت ايه ذنبها تبقى زي الشوكه كدا فى طريقها ؟
_ بنتنا طول ما هي معانا هى الكسبانه حتى لو متجوزتش .. يلا انا داخل انام .
توجه الى غرفته واثناء طريقه كان يدندن مرة اخري .. عادت سوسن الى غرفتها وهي تتحدث مع نفسها..تحدث محمود :
_ في ايه بتتكلمي مع نفسك ليه ؟
_ زين امره غريب يا محمود ..
_ ليه ماله ؟
جلست بجانبه :
_ مش عاوز دبانه تقرب من مريم واقف بالمرصاد كدا قدامها .
ضحك محمود:
_ ودا مضايقك ولا ايه اوعي تكوني غيرانه دي مريم ..
_ لا طبعًا مش هغير .. بس ابنك هيكون سبب في مشاكل كتير فى حياة مريم وخصوصًا لو ظهر حد في حياتها دا لو زين سمح انه يظهر اصلا ..
_ على فكره مريم كمان بتعمل مع زين كدا بالظبط يعني متبادل ودا من هما صغيرين .
_ وهما صغيرين أطفال ولوحدهم فكان عادي تعلقهم ببعض لكن كبروا ودا هيسبب مشاكل .
_ لاحظى ان مفيش غيرهم وكريم ودا اللى احنا كنا عاوزينه يحصل انهم يكونوا قريبين لبعض بالشكل دا والحمدلله واحنا بعاد عنهم مطمنين طول ماهما مع بعض ..متكبريش المواضيع انتى بس ويلا طفي النور واستعيذي من الشيطان ونامي ..
حلت أيام الامتحانات النهائية ، كانت الاجواء تمتلئ بالتوتر والقلق ، وفي الليلة التي تسبق أول أمتحان جلست مريم مع زين في منزلها كعادتهما يراجعان سويًا .. كانت الكتب مفتوحة والاوراق متناثرة حولهما وكل منهما يحاول التركيز ويطمئن الاخر لكن القلق كان حاضرًا بقوة .. مرت دقائق من الصمت وفجاءه قالت مريم :
_ انا رايحة الحمام ..
بعد لحظات من خروج مريم ذهب زين الى الحمام هو الاخر ، ظلا بعض الوقت يتنأوبوا على دخول الحمام .. دخل زين الحمام وطول به .. وقفت مريم خلف باب الحمام تنقر ع الباب :
_ انجز يا زين عاوزة الحمام ..
خرج زين ودخلت مريم مسرعة واطالت هي الاخر سمعت نقر على باب الحمام :
_ انجزي يا ميما بدل ما ازروطلكم الشقة ..انجزي .
ظلا يترددا على الحمام وكانا يشاهدهما سوسن وسناء .. تحدثت سناء :
_ هما اكلوا ايه .. مالهم ؟
ضحكت سوسن :
_ ليلة الامتحان يا سناء .. انتى ناسية هما بيكونوا عاملين ازاى ليلة اول امتحان ، يعدى بكرة وبعد كدا هيبقوا كويسين .
_ بس المرادي حاسه الموضوع زايد شويا .
_ ثانوية عامة .. خوف وقلق وتوتر الله يكون فى عونهم ..
نظرت اليهم سناء نظرة حزينة على حالهم واقتربت اليهم وقالت :
_ متضغطوش على نفسكم يا ولاد.. اعملوا اللى تقدروا عليه وخلاص
تحدثت مريم :
_ يا ماما لا لازم نضغط ع نفسنا دى سنة تحديد المصير ولا ايه يا زيزو ..
_ والله انا موافق بمعهد خدمة .
امسكت كتاب بجانبها وخبطته فى راسه :
_ بطل عبط احنا حددنا كلية فنون جميلة ان شاء الله .
_ خلاص يا بيكاسو عارفين
تحدثت سناء :
_ ميما يا حبيببتي المهم انتم مش مهم اى حاجة تانية ..
تحدث زين :
_ انا بقول كدا بجد حد يفهمها ..
قالت مريم :
_ لا يا ماما انا على اخري وهو مهيصدق وهيريح ..سيبنا نكمل مراجعة .
_ حاضر يا حبيببتي .
تركتهم وابتعدت وبعد نص ساعة سمع زين همهمة مريم ، القى بنظرة نحوها كانت ملامحها حزينة ومقبلة على البكاء .. :
_ ايه دا .. في ايه ؟
التفتت نحوه وقالت :
_ انا حاسه انى ناسيه كل حاجة ذاكرتها يا زين
_ نعم ..؟
_ حاسه انى مش فاكرة حاجة خالص ..
وبدأت تتساقط دموعها :
_ لا لا استهدى بالله كدا ، دا انتى اللى بتقويني وحسستنيني ان الامتحان فى جيبنا خلاص ..
بدأت فى البكاء واقترب سوسن وسناء الى مريم :
_ فى ايه يا ميما اهدى كدا متخافيش .
حاولت سناء وسوسن بكل لطف تهدئه مريم لكن دموعها لم تتوقف ..وجهها ممتلئ بالخوف والقلق من الامتحان وعيناها تلمعان من شدة التوتر .. كل كلمة طمأنة لم تكن كافية وكأن الخوف غلف قلبها بالكامل .. نظر نحوها زين بصمت بعينين مليئتين بالحزن والعجز لرؤيتها بهذة الحالة ، لم يقل شيئا فقط وقف بعد لحظات غادر المنزل بهدوء ...
مرت ساعة وكانت مريم لا تزال في غرفتها تحاول أن تراجع ما تستطيع وتركز .. فجأة اهتز هاتفها كانت رسالة عبر الواتساب من زين :
_ تعالى السطح بسرعة متتأخريش ..
حالا ..
بسرعة يلا ..
ترددت لثواني ثم تنهدت ووقفت ببطء بدلت ملابسها ثم صعدت السلالم بخطوات بطيئة تجر رجلها ، كل حركة منها كانت تعكس التعب والضغط وعندما وصلت الى السطح كان في عينيها حزن واضح كأنها خرجت من عالم مثقل بالقلق ..
وصلت مريم الى السطح بخطوات هادئة وعيناها لا تزالان تحملان أثار البكاء .. رفعت نظرها فرأته واقفًا فى الطرف المقابل ينتظرها .. تقدمت نحوه قليلًا ووقفت وضعت يدها فى جيب بنطالها وقالت بصوت مبحوح يشوبه الارهاق :
_ عاوز ايه يا زيزو .
كانت يداها داخل جيب بنطالها .. اقترب منها بهدوء ومد يده بلطف وأخرج يديها من الجيب ثم أمسك بيدها وسحبها بخفة نحو الطاولة القريبة .. كانت هناك طاولة بسيطة مغطاة بمفرش صغير وعليها علبة بيتزا الحجم الكبير وبعض الحلويات ومشروب صودا المفضل لديهم .. نظر اليها وهو يبتسم وقال :
_ هنتعشى سوا ..
وقفت مريم تنظر اليه بتعجب :
_ نتعشى ..دلواقتي ؟
_ هو العشا له وقت .. ايوه هناكل يلا
نظرت الى الطاولة وعيناها ممتلئتان بالامتنان لمحاولاته من تهدئها .. وقفت مكانها دون حراك فجذبها واجلسها امام الطاولة ثم جلس بجوارها :
_ لا مش وقت فرجة هتبرد ومش هقدر انزل اسخن ..حلوتها وهي سخنة .
_ بس انا مش جعانة .
_ لا انتى جعانة بس مش حاسة اسمعي مني .
_ ياسلام وانت هتعرف اكتر مني ؟
_ ايوه لانى انا جعان وطول ماانا جعان انتى جعانه والعكس صحيح ولا ايه .
_ بجد مش قادرة اكل .. وبعدين اكل ايه احنا عندنا امتحان الصبح .
_ عارف والله .. وبعدين اللى عنده امتحان مياكلش ولا ايه هو ممنوع الوزارة قالت مش هيدخلوا الامتحان اللى هياكل ليلة الامتحان ..
_ والله انت رايق ..
_ وانتى كمان روقي ..انتى قولتي اهو الامتحان الصبح يعني لسه بدري .
ضحكت مريم:
_ بتتكلم بجد..الصبح يعني لسه بدري ؟
التفت نحوها وقال :
_ ايوه.. الساعة كام دلواقتي 11 صح .. والامتحان الساعة 9 صح يعني قدامنا يجي 10 ساعات .. في ال10 ساعات دول ممكن يحصل فيهم حاجات كتير اوي .. فى ناس بتموت وناس بتتولد وناس بتسافر وناس هتنام وناس هتصحي وناس بتشتغل وناس عاطله قاعدة على القهوة او في البيت بيقلبوا في الموبيل او ناس هتاكل زينا .. في حاجات كتير هتحصل ف لسه بدري .
_ اقنعتني ..
_ شوفتي بقى غاوية بس تفرهديني .. يلا بينا ناكل دلواقتي ومنفكرش في اى حاجة تانيه غير البيتزا الاكسترا تشيز دي ..
القت مريم بنظرها الى البيتزا الموضوعة امامها كانت تبدو شهية وتفوح منها رائحة مميزة ابهجتها .. أخذ زين قطعة ووضعها بلطف امامها :
_ يلا كلي ولا ااكلك يا نونه .
ابتسمت مريم :
_ لا مش لدرجة هاكل .
بدأت تتناول أول قطمة ببطء وبدأت تتذوقها وبدأ وجهها يسترخي وتبتسم .. كان زين يراقبها بصمت وينظر الى ملامحها وهي تتذوق البيتزا بترقب كان فى حالة من الترقب ليطمئن انه نجح من اخراجها من الضيق والتوتر الذي شعرت به .. ارتسمت ابتسامة على وجهها أخيرًا وابتسم هو الاخر ابتسامة ارتياح ثم أمسك بقطعة بيتزا وبدأ يتناولها فى هدوء .. تحدثت مريم :
_ والله احنا مجانين مش طبيعين .
_ ليه عشان بناكل بيتزا ..
_ لا عشان عندنا امتحان الصبح واول امتحان اللى المفروض نراجع فى الوقت دا .
التفت اليها :
_ ما احنا من الساعة 2 بعد الضهر بعد ما رجعنا من المراجعة واحنا بنراجع كانت النتيجة ايه زهايمر جالك المعلومات بخ طارت .. وبعدين انا متاكد انك كنتى قاعده بتراجعي ها ايه النتيجة نفس الحال صح ؟
_ لا لا متقنعنيش احنا لازم نذاكر ونعمل كل حاجة .
_ هو انا قولت منعملش حاجة .. احنا دلواقتي في استراحة فصل من الضغط اللى احنا فيه وبعدين هتنزلي تراجعي تاني وصدقيني الوضع هتلاقيه احسن .
_ وانت مش هتراجع ؟
_ هبص بصه كدا اصل اللى مكتوب يحصلي هيحصلي
كانت مريم تحدق به ولاحظ ذلك ف ضحك وقال :
_ اكيد يعني هراجع للصبح دا مستقبلي لازم اعمل كل حاجة اقدر عليه طبعًا .
_ ايوه طبعًا ..
_ مش عارف ليه مش اسمك زينة ولا انا اسمي مراد .
_ ليه ؟
_ كنا هنبقى مع بعض في نفس اللجنة نساعد بعض سؤال عندك وسؤال من عندي كنا قفلنا الامتحان .. اصل امتحان كامل على واحد مش فير بصراحة .
ضحكت مريم :
_ الاسماء دي أسال فيها أهلنا معملوش هما حساب حاجة زي كدا ليه ؟
_ ايوه فعلًا .. الله يسامحهم .
اخذت مريم قطعة البيتزا من امام زين وتناولتها وانهتها :
_ الحمدلله ..
نظر زين الى البيتزا بتعجب وقال :
_ الف هنا .. لو عاوزة تاكليني كوليني وقال ايه مش جعانه اومال لو جعانه كنت هتعملى ايه ؟
_صدقني مش جعانه بس انت عارف ان البيتزا مبقدرش اقاومها .
_ انا قولت حاجة .. تحبي انزل اجبلك تاني ؟
_ لا كفاية كدا .. لو عوزت هقولك اكيد .
_ واخداني من اول ما جيتي ع الدنيا استحقاق ضربتي اللبن بتاعي ومن وقتها بتضربي اى حاجة حتى حته البيتزا اليتيمة اللى سلكتها منك متهنتش عليها .
_ انت قولت من واحنا اد كدا ان اى حاجة بتاعتك تكون بتاعتي صح هترجع في كلامك .
_ لا خالص انا اقدر وبعدين بعد ايه .. خلصتي على اللبن وعلى فلوسي وعلى البيتزا فداكي الدنيا يا ياشق المهم الفيل الصغنن يكون راضي ورايق .
_ يارخم كمل جملة للاخر عدلة .. بس عاوز اقولك كان معاك حق انا حاسة انى احسن .
_ زيزو عمره ما يقول كلام غلط ..انتى اسمعي مني وخليكي معايا وانتى ساكته .
_ على اساس لو اتكلمت هتسيبني .
_ لا هقنعك .
_ لا وحياة اغلى حاجة عندك مش قادرة لفرهدة انت صح .
_ ايوه كدا .. يلا بينا ننزل .
_ يلا ..
تحركا من مكانهم وعادوا الى منازلهم وقبل ان يدخل زين الى منزله استوقفته مريم :
_ زين ..
_ ايوه
_ شكرًا .. على البيتزا والساعة الفصل .
_ زيزو دايما موجود
ضحكت مريم وتحدث زين:
_ بصراحة مكنتش هعرف انام وانا عارف انك بالحالة دي وانا جو التطيب بالكلام دا بحسه مبياكلش عيش فقولت البيتزا هي اللى هتظبطلك الدنيا وكمان لما اجيبها انا صح ؟
ابتسمت مريم :
_ صح .. بكره انا عازماك بعد الامتحان على كبده وسجق يلا .
_ بلاش بعد الامتحان هتكوني متحولة عارفك .
_ حتى لو متحولة هكون محتاجة افصل وانت بتقدر تفصلني .. يلا تصبح ع خير وراجع قبل ما تنام .
_ وانتى من اهله .. حاضر ..
دخل كل منهما الى منزله .. مريم جلست على مكتبها في غرفتها وزين فعل نفس الشئ .. فتحا دفاتر المراجعة وهذه المرة كان الجو العام مختلف عن الوقت السابق النفسية أهدأ والقلق أقل وكأن الوقت الذي قضياه معًا كان كفيلًا بتهدئة العاصفة التي كانت داخلهم .. بينما مريم كانت تقلب الصفحات رفعت هاتفها وأرسلت رسالة قصيرة لزين :
_ صاحي بتراجع ولا نمت ؟
رأى زين الرسالة وأبتسم ثم أمسك هاتفه وقام بالتقاط صورة سريعة له وهو جالس أمام أوراق المراجعة وأرسلها اليها وكتب تحتها :
_ صاحي ومسحول اهو .
ضحكت مريم عندما رأت الصورة كان زين مفتعل بوجهه وجه كوميدي لاضحاكها ، ردت بصورة مماثلة لها وهي تمسك قلمها :
_ مسحولين ..
رأى زين الصورة وأرتسمت على وجهه أبتسامة هادئة ثم أعاد نظره ألى أوراقه وعاد كلاهما لمتابعة مذاكرتهما بقلب أخف وعقل أكثر تركيزًا وروح تحمل دفء المشاركة ..
استيقظت مريم أستعدادًا للذهاب الى المدرسة للامتحان .. تجهزت بهدوء وملامح جادة ونفسية لا تزال تحمل شيئًا من التوتر .. كانت سناء اعدت لها وجبه الافطار :
_ يلا يا ميما افطري ..
_ لا مش قادرة يا ماما ..انا وزين هنفطر اى حاجة فى الطريق .
_ كنت عارفه هتقولي كدا .. انا عملتلكم سندوتشات وانا متاكدة ان سوسن هتعمل سواء انا او هي لازم تفطروا .
_ حاضر .. حاضر .
القت بنظرها على الساعة المعلقة :
_ هو اتاخر ليه كدا .. انا رايحة لزين يلا سلام .
_ ربنا معاكم وان شاء الله هتحلى حلو .
_ ان شاء الله يا ماما .
في الجهه الاخري كان زين يقف فى وسط منزله يرتدي ملابسه ببطء ويحاول ان يخفي توتره عن سوسن وحتى عن نفسه .. قلبه يخفق بسرعة ويدأن تعبثان في أوراق لم يعد لها فائدة :
_ اهدى يا زين .. اهدى يا حبيبي
_ انا هادي يا ماما مفيش حاجة .. دا امتحان هحطه فى شوال واجاى
ضحكت سوسن وخرج محمود قائلًا :
_ ياخوفي ليحطك أنت في شوال
_ يا بابا بقى ..
حاولت سوسن اخفاء ضحكتها :
_ بس يا محمود .. هو ناقص توتر
قال محمود وهويرتشف قهوته ويدخن سيجارة :
_ اهو دا وقت الحقيقة .. لعبه وسرمحته طول السنة مع البنات هيحاسب عليها اهو .
تحدث زين :
_ انت فاكرني قلقان لا عادي دا بس هيبة اول امتحان
ضحكوا :
_ ايوه ايوه ..
رن جرس الباب ونظر اليهم :
_ دى مريم.. حودا حبيبي بلاش كلامك دا انا مصلبها امبارح بالعافية مش وقت هزار دا لنرجعلكم احنا الاتنين في شوال فعلًا .
_ لا مريم حبيبيتي مش هقولها حاجة روح افتح .
فتح زين الباب وجد بالفعل مريم امامه تحمل حقيبتها ورغم هدوئها ولكن كان يظهر على ملامحها التوتر .. ابتسم لها :
_ صباح الفل ..
_ يلا يا زين هنتأخر ..
تحدث محمود من الداخل :
_ صباح الفل يا ميما
دخلت لداخل المنزل :
_ صباح الخير ..
_ ان شاء الله الامتحان هيبقى جميل متقلقيش .
_ ان شاء الله دعواتكم ..
اقتربت اليها سوسن بحقيبة صغيرة بها صندوق طعام:
_ دا سندوتشات تفطروا بيها في الطريق لاني واثقة انكم مفطرتوش .
_ ماما ادتني اهو ..
_ الزيادة خير ابقو وزعوها على اصحابكم .
_ يلا يا زيزو ..
_ يلا ..
حاول زين ان يتماسك وأخفي توتره خلف ابتسامة صغيرة .. نزلًا معًا يسيران الى المدرسة القريبة من المنزل وكانا يتحدثان وكأن كلا منهما يستمد من الاخر بعضًا من القوة .. وصلوا امام بوابة المدرسة وتوقفت مريم فجأة .. نظرت الى الباب ثم الى زين ولم تتحرك .. كانت لحظة صامتة لكنها مليئة بالمشاعر المضطربة مزيج من القلق والخوف والتوتر .. لحظة مواجهه حقيقية بين خوفها والامتحان .. وقف زين ينظر اليها :
_ وقفتي ليه .. يلا ندخل .
تحرك خطوتين ونظر بجانبه يجدها فى الخلف مكانها .. عاد اليها رأها تنظر الى بوابة المدرسة وكأنها تنظر الى جبل عال تخاف ان تتسلقه .. كان في عينيها تردد وقلق
_ في ايه مالك ؟
_ حاسه انى مش هعرف احل
تبدلت ملامحه وزاد توتره ضعف ولكنه حاول ان يتماسك امامها ويشجعها :
_ هتحلي متخافيش .. الرهبة الاولي دي واول ما هتشوفي ورقة الاسئلة وتمسكي القلم كل اللى ذاكرتيه هتكتبيه .. استعيذي من الشيطان بس كدا ويلا.. انتى قدها يا ميما مش امتحان يعمل فيكي كدا .
التفتت اليه :
_ انا بجد خايفة يا زيزو .
_ بصي اهدى كدا وركزي ومتهمتيش ب اى حد حواليكي ولا المكان ، بصي غمضي عينك ل10 ثواني خدى شهيق وزفير كدا وقولي لنفسك انك بتمتحني على جزيرة لوحدك وتخيلي دا وابتدى حلى ... جربي ماشي .
حدقت به ولاحظت هدوئه :
_ انت مش خايف ؟
_ انا هموت من الخوف بس احنا لازم ندخل ارض المعركة هندخل يعني هندخل .. يلا استهدي بالله خلى اليوم يعدي وهجبلك ايس كريم كمان ايه رايك ...
_ لو محلتش كويس ودا اول امتحان .؟
وقف امامها وقال :
_ مريم .. انا متاكد انك هتحلي كويس واحسن مني بكتير كمان عارفه ليه ؟ لانك اشطر مني .. لا انتى اشطر بنت انا شوفتها ،هتحلى وكل حاجة هتبقى كويس وهيبقى اول امتحان بداية حلوة للباقي .. ولو حتى محلتيش كويس مفيهاش حاجة لأنك عملتي للى عليكي وتعبتي وذاكرتي ... انا فخور بيكي يا مريم فى كل خطوة بتعمليها وهتعمليها انا معاكي ومع بعض ( مد يده نحوها ) يلا ..
نظرت الى يده للحظة ثم ابتسمت بخفة ومدت يدها هي الاخرى وتقدما سويًا نحو البوابة .. قابلت بعض صديقاتها ووقفت تراجع معهم بعض الاجزاء قبل دخول الامتحان .. ودخلت مريم الامتحان وجلست وتذكرت كلمات زين ان تتخيل انها بمفردها في جزيزة وان تتنفس بهدوء وبالفعل فعلت ذلك ووضع امامها ورق الاسئلة وبدأت ان تجاوب عليها ... بعد الوقت المحدد كان زين ينتظرها بتوتر وقلق حتى ظهرت واقتربت نحوه :
_ ها ايه الاخبار ؟
ابتسمت :
_ الحمدلله .. وانت طمني ؟
_ فى شوال معايا متقلقيش .
_ هو اللى معاك ولا العكس
_ هو انتى اتكلمتى مع محمود الصبح من ورايا ولا كنتى بتتصنتي علينا .
ضحكت مريم:
_ ولا دا ولا دا بس تخمينه .
_ النتيجة هتبين مين اللى اخد التاني .. يلا
_ انا جعانه ..
_ يلا ناكل عاوزة ايه بيتزا ..
قاطعت حديثه:
_ لا احنا اتفقنا هعزمك على كبده وسجق يلا بينا .
_ بتدخليلي من ثغراتي مش هرفض طبعًا انا يما بعزمك ومفلساني فكي كيسك شويا يلا ..
ودعوا اصدقائهم امام المدرسة وخرجًا معًا يسيران في الطريق يناكفان بعض .. وصلا الى العربة الشهيرة بسندوتشات الكبدة والسجق التي اعتادوا الوقوف امامها دائما .. وقفا امامها يضحكان ويتبادلان الحديث وتعلو اصوات ضحكاتهم مع كل نكته يسردها زين تضحك مريم بقوة .. كانت الكبدة والسجق مشطشطين كما يحبها زين ورغم عدم حب مريم لطعام الحار مثل زين ولكنها شاركته بقدر بسيط حيث كان هو يلتهم السندوتشات بشراهه ومتعة .. كانت البهجة فى تفاصيل اللحظة فى بساطة المكان ودفء الصحبة ..
مرت الايام التالية على نفس الوتيرة .. وواصل زين ومريم تقديم الامتحانات جنبًا الى جنب يتشاركان التوتر والمذاكرة والضحك والاحاديث المطولة والطعام .. اخر يوم الامتحانات مع اخر ورقه أغلقت تنفسا كل منهما الصعداء ، شعر كلاهما وكأن صخرة ضخمة زيحت عن صدريهما .. انتهت الامتحانات وانتهي معها القلق والضغط الذي كان يلازمهما فى كل لحظة .. ولكن فرحة الاجازة لم تكتمل اذ سرعان ما عاد كل منعمها الى العمل في المطعم .. ايام الاجازة لم تكن للراحة بل كانت مزدحمة بالعمل والحركة ويمر النهار سريعًا بين الطاولات والمطبخ وأصوات الزبائن .. في يوم زين فى المطبخ امام الحوض يغسل الصحون والكوبيات اقترب نحوه مريم وهى تحمل صينيه عليها أطباق متسخة :
_ خد دول بالمره
_ انا مبلحقش ايه دا وع فكرة كدا مش عدل خالص
_ ليه ؟
_ ليه انا 4 ايام فى المطبخ قدام الحوض وانتى يومين بس ؟
_ عشان الذكر بحق انثتين .
_ لا يا شيخة .. افادكم الله .
ضحكت مريم :
_ مش انت الراجل .. وتشيل عني ، يرضيك ايدي الجميلة دي تبوش ، يعني بدل ما ارسم تبوش من الصابون والمايه .
_ فى جلافز ع فكرة .
_ زيزو الجدع اخويا الشق اللى مليش غيره .
_ ايوه ايوه ثبتيني بالجملتين دول ، مش بقولك واخداني بكدج استحقاق .
_ يلا يلا هانت النتيجة تظهر ونهرب منهم .
اقترب اليها هامسًا :
_ ما تيجي نهرب دلواقتي ؟
_ ينفع ؟
_ المكان هادى وبعدين ساعتين وهيقفلوا مفرقتش كتير .
_ وهنهرب ازاى انت ناسي حودا قفشنا وادانا انذار هيتخصم من مرتبنا لو كررناها تاني .
_ بطنك وجعتك وانا اخدتك وروحنا بسيطة اكيد مش هيسيبوكي تعبانه يعني هنا .
_ بس انا بطني مش وجعاني وكويسة اهو ؟
_ انتى الثانوية اخدت كل ذكائك... مثلي .. مثلي زي ما بتمثلي عليا عشان تصعبي عليا
_ يا رخم .. ولو اتقفشت هتعوضني الخصم
_ مثلي عدل الاول وانا هظبطك بيتزايه كدا من اللى قلبك بيحبها .
_ بتغريني ... ماشي .. امتى ؟
_ 10 دقائق اخرجي برا وابدئي .
_ اوكيه ..
بالفعل بعد 10 دقائق بدأت مريم بالتمثلية بوضع يدها على بطنها تتألم من الوجع مما اصاب الجميع الذعر ، واصتحابها زين للمنزل ونجحت خطة الهروب .. قاموا بشراء الطعام وذهبا الى السطح سريعًا ..رغم انشغالهما كان يسرقان لحظات قصيرة من يومهما ويصعدان الى غرفتهما السرية على السطح .. المكان الوحيد الذي يشعران فيه أن العالم يتوقف قليلًا حيث لا صخب ولا توتر ولا مسؤؤليات بل فقط ضحك وتناول الطعام ويستلقى على الارض بضهرهما ينظران الى السماء .. هناك تحت السماء المفتوحة كانا يجدان الراحة الحقيقية بعيدًا عن كل شئ ..
جاء يوم اعلان نتيجة الثانوية العامة وكان التوتر يخيم على الجميع لكنه كان مضاعفًا لدى مريم .. منذ الصباح وهي تتحرك في منزلها بلا هدف .. تنتقل بين الاركان تمسك هاتفها وتعيد النظر فيه كل بضع دقائق ثم تتركه لتعود اليه من جديد .. الخوف كان ظاهرًا على وجهها وكأنها تخشي أن تواجه مصير تعب شهور طويلة ..
اقترح زين عليها ان يتولي هو مهمة معرفة النتيجة ويبلغها بنفسه ووافقت رغم قلقها وجلست تنتظر .. فى منزله كان زين يحدق في شاشة الهاتف بعد أن ظهرت .. نظر اليها مطولًا وعيناه تتحركان بين الارقام واسماء المواد الدراسية ثم اخذ نفسًا عميقًا وتحرك متجه الى منزل مريم ليخبرها النتيجة .. رن جرس وقفزت مريم من مكانها نحو الباب وفتحته بسرعة ، كان زين واقف امامها ينظر اليها بصمت غير معتاد ملامحه هادئه لكنها لا تحمل تلك الابتسامة التى كانت تراها دائما وكانت تتوقعها .. عيناه بدأ فيهما شئ من الجدية :
_ في ايه .. النتيجة ايه ؟