رواية ترانيم في درب الهوى الفصل السادس 6 بقلم دودو محمد


 رواية ترانيم في درب الهوى الفصل السادس 

في صباح يوم جديد، استيقظ سلطان على يد مجنونته الصغيرة، التي لطالما اعتبرها مصيبة قلبه كما يطلق عليها. تكلم سلطان بأعين مغلقة، محاولاً استعادة وعيه من غفوة ليلية عميقة، قائلاً:  
"عايزة أيه يا مصيبة؟" 
ردت عليه بضيق، وعلامات الاستفهام ترتسم على وجهها كما لو كانت تحاول فك شفرة معقدة:  
"عملت أيه في موضوع الشغل يا سلطان؟ انت قولتلي هنزلك من بكره تشتغلي في المستشفى اللي عايزاها، ومن يومها وانت قفلت على الموضوع وسافرت ورجعت ومجبتش سيرة. أنا زهقاانه وعايزة أنزل الشغل."  
كان صوتها مُفعماً بالإحباط.
اعتدل سلطان على فراشه، ونظر إليها باستغراب، مجرد فكرة الاستدراك تحيره: 
"طيب هتنزلي الشغل ازاي وانتي الفترة الجاية هتكوني بتحضري لفرحنا؟"  
فجأة، ردت عليه بنبرة متحمسة، متجاهلة تساؤلاته:  
"عادي يا سلطان، هو يوم واحد هننزل فيه أنا وأنت ونختار الفرش، ويوم تاني هننزل أنا وماما وسميه نشتري الهدوم ولوازم الفرح. مش هنقعد شهر بحاله يعني."  
كان توهج عينيها يجعل عذوبة حديثها أكثر إقناعًا، لكن سلطان استشعر عبء تحضيرات الزفاف يتزايد.
كان يضيء السيجارة ويفكر بعمق، ثم سأل بفضول:  
"طيب ومين هيفرش الشقة إن شاء الله؟" 
أجابته بنفاذ صبر:  
"ماما وخالتو يا سلطان، أنا أصلاً مليش في شغل البيت ده. ماما مكاني، وافق بقى علشان خاطري."  
زفر بضيق، متأثراً بالتعب والحيرة:  
"روحي دلوقتي يا ترنيم، انتي صحتيني من النوم ولسه مش فايق. لما أفوق، نبقى نتكلم براحتنا."  
حركت رأسها بالرفض، مضيفة بصرامة: 
"علشان خاطري، وافق يا سلطان. أنا زهقانه أوي من قاعدة البيت دي."  
شعرت كأن جدران المنزل تزداد ضيقا مع كل لحظة تمر، وكانت تحتاج إلى هواء جديد.
زفر مجددًا وقال بنفاذ صبر:  
"تررنيم، روحي دلوقتي ولما أفوق نبقى نتكلم، قولتلك."  
نظرت له بلؤم، مع استخدام أسلحتها التي تلجأ إليها لتأثير عليه، اقتربت منه ونظرت في عينيه بعمق، كأنها تحاول أن تقرأ أفكاره دون أن يتحدث. جعلت صوتها همسًا رقيقًا، يتسلل إلى قلبه مثل نسمة هواء منعشة: 
"وغلاوتي عندك يا سلطان، وافق انزل اشتغل دلوقتي. متقلقش، كل حاجة هتكون جاهزة على الفرح، حتى أنا هكون جاهزة ليك يا سلطان قلبي."  
كانت كلماتها كفيلة بأن تثير بداخله شجنًا لطيفًا، لكنها حملت في طياتها طلبًا ملحًا للانطلاق من روتين عزلتها. 
نظر إلى شفتيها بتوتر، وأغلق عينيه حتى لا ينجرف خلف مشاعره، فهو يدرك تماماً أنها تلجأ لكل الحيل لتؤثر عليه. لكن هذه الحيل تحتل مكانًا خاصًا في قلبه. حاول أن يخرج صوته بصعوبة، قائلاً:  
"اتلمي يا ترنيم، وبلاش طريقتك المجنونة دي. عندي استعداد أخليكي مراتي دلوقتي، ومحدش هيقدر يمنعني."  
كانت تلك الكلمات بمثابة سلاح ذو حدين؛ فهي تلامس شفافية الحب في قلوبهما، لكن تصعدهما إلى قمة النزاع في ذات الوقت. 
زفرت بضيق وابتعدت عنه، مملوءة بالتذمر: 
"يووه بقى يا سلطان، أنت بارد وغلس، وأنا بكرهك."  
رغم ما كانت تشعر به من انزعاج، لكن كان هناك شعور مختبئ وراء تلك الكلمات؛ فقد كانت في ذلك التذمر تعبر عن حبها بطريقة غير مباشرة. أنهت كلامها واستقامت بجسدها، ثم خرجت من الغرفة بغضب شديد، كما لو كانت تحاول الهروب من مشاعرها المتضاربة. نظر سلطان إلى أثرها، وابتسم بحب على طريقتها التي يعشقها، فكان هذا الابتسامة انعكاسًا لشغفٍ وحماسٍ يكمن في قلبه. ثم نهض من سريره وخرج من غرفته.
وجدها تجلس على الأريكة بوجه متجهم، كفراشة محتجزة في قفص، فتحدث بمزاح:
"افرضيها على الصبح علشان ربنا يفتحها علينا."  
تمنى أن تُضفي تلك الدعابة شيئًا من البهجة على يومها، ليكسر جليد التوتر بينهما. أنهى كلامه واتجه إلى المرحاض. بينما نظرت ترنيم بضيق إلى أثره، ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغرها إثر كلماته لها، رغم عنادها ورغبتها في أن تبقى غاضبة. كان قلبها يدرك أن سلطان هو الشخص الذي يضيء حياتها، حتى في أحلك لحظاتها.
               **********************
وصلت سميه إلى الشركه، ولكن تلك المرة بحماس أقل. شعرت بقليل من التوتر خاصة بعد المعاملة غير المريحة التي تلقتها من حسام في اليوم السابق. صعدت إلى المكتب الخاص بها وجلست على مقعدها، تنتظر بقلق وأعصاب مشدودة. أثرت تلك المعاملة الفظة في نفسيتها، مما جعلها تفكر في كل كلمة قالها حسام وتتساءل عن علاقته بها. هل حقًا هو شخص قاسي أم أن لديه أسلوبه الخاص في العمل؟ بعد ثوانٍ، سمعت صوت طرقات على الباب، مما جعلها تنتفض في مكانها وتبتلع ريقها بصعوبة، وكأن قلبها بعث بإشارات تحذيرية. همست بصوت خافت: 
"ا ادخل."
فتح حسام الباب ودخل، قائلاً بنبرة رجولية: 
"صباح الخير يا أنسه سمية." 
كان يبدو أكثر ارتياحًا اليوم، لكن سميه لم تتمكن من إخفاء مشاعرها. ردت عليه بتلعثم، ونبرة صوتها ترتجف: 
"ص صباح النور." 
لاحظ حسام توتر سميه ورعشة صوتها، فتحدث باستغراب بينما ينزع سترته ويضعها بعناية على علاقة الملابس: 
"خير يا أنسه سميه؟ متوترة ليه؟" 
كان يسأل بصدق، وكأن دعوته للحديث معها كانت حقيقية، وليس مجرد مناسبة اجتماعية. حركت رأسها بالنفي، محاولة إخفاء مشاعرها، وقالت: 
"م مافيش، ا أنا جاهزه علشان نبدأ الشغل."
لكنها كانت تعرف في قلبها أن الأمور لم تكن بخير.
فهم حسام سبب خوفها وتوترها، فجلس على المقعد وتحدث بنبرة هادئة مطمئنة:
"أنا آسف يا انسه يا سميه على الطريقة اللي اتكلمت معاكي بيها امبارح. مش عايزك تغيري نظرتك ليا، أنا بس بحب شغلي أوي وبحب يبقى كل حاجه تمام ومفيهاش غلطة. علشان كده حاولت أوصلك كلامي ده امبارح، بس طريقتي كانت قاسية شويه."
انتبهت سميه لمزيج من الندم والتفاني في صوته، مما جعلها تشعر بأن هناك إنسانًا خلف تلك القسوة.
نظرت له بحزن وتأثرت بكلماته، وأومأت برأسها ببطء: 
"ح حاضر." فابتسم لها بحنان، وكأن تلك الابتسامة كانت مفتاحًا لقفل قلبها المليء بالتوتر. وتحدث بنبرة أكثر هدوء: 
"اهو كام دقيقه راحوا مننا في الكلام بس مش خسارة فيكي نبدأ بقى شغلنا." 
في ذلك اللحظة، كان شعور التضامن يملأ الغرفة، مما جعلها تشعر بأن هناك أملًا في تحسين العلاقة بينهما.
ابتسمت له على كلماته، وأومأت برأسها بالموافقة، وبدأوا يتابعوا العمل مرة أخرى. عاد الحماس إلى قلبها بعد أن فهمت وجهة نظر حسام، لكن أثناء العمل، سألها بتساؤل مفعم بالفضول: 
"انتي كنتي زعلانه مني علشان كده مفتحتيش الشباك بتاع اوضك امبارح صح؟" 
كانت لهجته توحي بأنه يهتم برأيها، مما جعلها تشعر بأهمية ما تخفيه.
انتبهت له، وابتلعت ريقها بصعوبة، وقالت:
"ها...ل لا عادي ب بس روحت تعبانه امبارح ونمت على طول." 
كان حديثها يحمل بعض الارتباك، وكأنها تريد أن تبرر عواطفها لنفسها أولاً. ابتسم لها حسام بمزاح، قائلاً: 
"انتي فاشلة أوي في الكدب يا أنسه سميه."
اندلعت ضحكتها بغضب خفيف، وكأن تلك الملاحظة جعلتها تدرك أنها ليست وحدها في هذا الوضع.
نظرت له بضيق، وتكلمت بصوت مختنق:
"الصراحة بقى، اضايقت من طريقتك معايا امبارح. أنا مكنتش متخيلة أنك صعب كده." 
كانت تعبر عن خيبة أملها، مما منحها شعورًا بالتحرر من عبء كذبة السلام.
أخذ نفساً عميقاً، وتحدث بتوضيح: 
"أنا مش هعيد الكلام اللي قولته ليكي، بس عايزك تتفهمي وضعي. المعلم سلطان معتمد عليا في كل حاجه، والشركه مسؤوله مني. وعلشان كده لازم أكون قد المسؤولية دي وقد ثقت المعلم سلطان فيا. فهمتي يا أنسه سمية؟" 
بدت سميه وكأنها تستوعب بين ثنايا كلمات حسام، حيث كانت تدرك تمامًا أن الضغط الذي يتعرض له هو جزء من عمله.
أومأت برأسها بتفهم، وقالت: 
"فهمت يا بشمهندس حسام، وإن شاء الله هكون عند ثقتك فيا." 
كان إقرارها بالثقة بمثابة خطوة نحو بناء علاقة جديدة بينهما، مبنية على الفهم المتبادل.
ابتسم لها بهدوء، متحدثاً: 
"وانا واثق فيكي. نكمل؟" 
كان صوته يحمل نبرة من التعاون، وكأنهما يتفقان على بداية فصل جديد في شروط العلاقة بينهما.
ابتسمت له بخجل، وأجابت: 
"نكمل." وعادوا مرة أخرى يتابعوا العمل، بينما بدأت الضغوطات تتلاشى بينهما تدريجياً، مما سمح لهما بالبناء على علاقة جديدة من التعاون والاحترام، حيث أصبح كل منهما يدرك قيمة الآخر ويعمل على تعزيز تلك القيم من خلال العمل المشترك.
          ************************
في المساء...

صعد سلطان إلى المنزل منهكاً، وقد ألقى تحية قصيرة على الجميع قبل أن ينهار على الأريكة بجوار والدته. كانت عينيه تبحثان عن ترنيم، لكنها لم تكن هناك. تساءل بتشوش: 
"فين المصيبه بتاعتي؟" 
ابتسمت والدته لكلماته ونظرت إليه برفق، قائلة: 
"من ساعة ما أنت نزلت، وهي راحت على شقتهم ومن وقتها مشفتهاش." 
نظر إلى سميه بعيون متوسلة وطلب بنفاذ صبر: 
"روحي ناديها يا سميه." 
أومأت سميه موافقة وانطلقت نحو شقة وفاء. طرقت على الباب وفتحته خالتها، فسألتها بقلق: 
"فين ترنيم يا فوفه؟" 
تساءل الجميع في المنزل عما قد يكون جعل ترنيم تنعزل في غرفتها. هل كان الأمر مجرد مزاج سيء أم أن فيها شيئًا عميقًا يستحق الاستكشاف؟
ردت عليها بقلق: 
"من الصبح وهي قاعدة في أوضتها، معرفش مالها." 
كانت أمها قد لاحظت عدم رغبتها في التحدث، لكن لم يكن لديها تفسيرٌ واضح لما يجري في ذهنها. 
ابتسمت سميه في محاولة لرفع المعنويات، وذكرتها بمزاح: 
"متقلقيش، دلوقتي هتفرفش لما أقولها إن سلطان عايزها." 
تحركت سميه نحو الداخل وطرقت على باب غرفة ترنيم، قائلة: 
"ترنيم، ترنيمو، افتحي يا بت، سلطان عايزك ضروري." 
فتحت لها ترنيم الباب بنظرة ضيق، قائلة:
"وأنا مش عايزة أكلمه، أصلاً، أصلاً أنا مخصماه." 
كان غموض مشاعرها يظهر جليًا في حركاتها وتعبيرات وجهها.
تعالت ضحكات سميه، ووجهت لها كلمة مضحكة: 
"أصلاً، أصلاً. امشي يا هبلة، طفلة، أقسم بالله." 
أنهت حديثها ودفعتها لتجبرها على التحرك معاً إلى سلطان. دخلت ترنيم وجهها متجهم، وجلست على المقعد دون أن تنظر إليه. إذ يبدو أن غضبها الطفولي لم يكن شيئًا يستحق الاستهانة به، بل ربما كان تعبيرًا عن مشاعر مختلطة.
ابتسم سلطان على زعلها الطفولي، وتحدث بسخرية: 
"ده على أساس أنك كده أخده مني موقف وبترغميني أنفذلك اللي أنتي عايزاه؟" 
أجابت سميه بضحك: 
"هي أصلاً، أصلاً مخصماك يا سلطان." 
نظرت ترنيم إليهم بوجه مصطنع الضيق، قائلة: 
"متتريقوش عليا علشان متزعلوش مني، ماشي؟" 
وكما عرف الجميع، فإن خلف انزعاجها كان قلبٌ متوتر مشغول عن كيفية التعبير عن مشاعرها بشكل صحيح.
تعالت ضحكات سميه وسلطان. نهض سلطان من الأريكة ووقف أمام ترنيم، وإلزامها على الوقوف، وتحدث بنبرة عاشقة: 
"حقك على قلبي يا بنت قلبي، متزعليش. ومن بكرة هتنزلي تشتغلي في أحسن مستشفى." 
كانت كلماته تحتوي على وعد، عتمة الكآبة التي تسيطر ليس فقط على غرفة الجلوس، بل أيضًا على قلب ترنيم.
نظرت له غير مصدقة، وسألت: 
"بجد يا سلطان؟ ولا بتقول كده علشان تصالحني؟" 
طغت على صوتها البراءة، وكأنها بحاجة ماسة للإيمان بهذا الوعد.
حرك أصابعه على وجنتيها بحذر، قائلاً: "وانا من إمتى ضحكت عليكي يا ترنيم؟ الصبح هخدك بنفسي أوصلك للمستشفى اللي هتستلمي فيها الشغل." 
قفزت ترنيم نحو أحضانه، تمسكت به بسعادة وهتفت: 
"أنا بحبك أووي يا سلطان، أنت أعظم راجل في الدنيا كلها." 
كانت تلك اللحظة تشير إلى عبور حدود من التوتر إلى الأمان والحب، اللذان يعززان الشغف الأعمق في قلوبهم.
أمسكها سلطان بذراعه بسعادة، وتحدث بصوت هامس: 
"اهدي يا مجنونة، إحنا قدام أمي وأختي."
ولكن في العمق، كان يشعر بأنه بعد كل خطوة تأخذها، يذوب أكثر في عشقها، مما يحجزه في دوامة من المشاعر.
في تلك اللحظة، دخلت وفاء، وتفاجأت برؤية ابنتها في تلك الوضعية، وعبَّرت عن نفاذ صبرها: 
"مالها القردة لابيبه متشعلقه في الراجل كده ليه؟" 
تعالت ضحكات الجميع على كلماتها، بينما نزل سلطان ترنيم من أحضانه، وفسر الموقف: 
"ملهاش يا فوفة، هي بس فرحانة علشان من بكرة هتنزل تستلم الشغل في المستشفى."
ردت وفاء باستغراب: 
"تستلم الشغل من بكرة؟ ده وقته يا ابن أختي، طيب كنت خليها بعد الفرح ونكون خلصنا من التجهيزات بتاعتكم." 
كان الجدل حول التوقيت جيدًا، لكنه لا يغير من حقيقة ما عانت منه ترنيم.
تحدثت ترنيم بسرعة ودون تردد، قائلة بضيق: 
"لا طبعاً، أنا عايزة أنزل الشغل، مليش دعوة، وكده كده إنتوا اللي هتجهزوا كل حاجة. أنا ما عليا غير أن أختار وأقول رأي وبس." 
ردت والدتها بغضب: 
"تصدقي يا بت، أنتي باردة ومعندكيش ريحة الدم، يعني عايزة تهدينا إحنا علشان جنابك تشتغلي في الوقت ده؟"
تدخل سلطان بضيق، قائلاً: 
"ما تهدي شوية على البت يا فوفة، سبيها تعمل اللي هي عايزاه. ولو على تعبكم، أنا هشوف كذا بنت تيجي تساعدكم في تنضيف الشقة وفرشها." 
حتى وسط الحوارات الساخنة، كان سلطان يحاول الموازنة بين العلاقات، مما زاد من شعور ترنيم بالراحة.
تمسكت ترنيم بذراعه قائلة: 
"قلبي وعمره، انت يا سلطان زماني." 
تحدثت سميه بنفاذ صبر: 
"الرحمة شويه يا أختي، المرارة مش مستحملة الدلع المرق ده." 
ضمَّها سلطان بذراعه، قائلاً بنفاذ صبر: 
"ما تهدوا عليها شويه، فيه أيه؟ سيبوها تعمل اللي هي عايزاه وتدلع براحتها، إحنا عندنا كام ترنيم في البيت." 
كان هذا تعبيرًا عن حمايته لها.
حركت وفاء رأسها بعدم رضا، قائلة: 
"آهه منك انت يا سلطان، عمال تدلع فيها لحد ما محدش مننا قادرها وترجع تتعصب من أفعالها وتهد البيت كله فوق دماغنا بسببها." 
أمسكت ترنيم به بقوة، قائلة: 
"اطلعوا منها، انتوا محدش ليه دعوة، أنا وسلطان حبيبي حرين." 
تحدثت سميه بنفاذ صبر: 
"تصبحوا على خير، أحسن الواحد نفسه جزعة من الدلع بتاعها ده." 
دفعتها ترنيم بقوة وهي تمر من جوارها، وقالت: 
"بلاش أنتي يا بتاعة المثلث والمنقله والبرجل، خليني ساكته أحسنلك." 
ضغطت على أسنانها، قائلة: 
"ماشي يا أوزعه، هوريكي لما نبقى لوحدنا."
أنهت كلامها ودلفت غرفتها.
تحدثت وفاء وهي تنظر لصباح، قائلة:
"عجبك اللي بيحصل ده يا أختي؟" 
ابتسمت صباح بسعادة، قائلة: 
"ربنا يسعدهم يا وفاء، سبيهم يعيشوا أيامهم." 
كان في كلماتها دعمًا موجهًا نحو علاقة تستحق السعادة، رغم التقلبات.
قبل سلطان رأس ترنيم، قائلاً: 
"يلا يا حبيبي، ادخلي نامي بدري علشان تصحي الصبح فايقة." 
حركت رأسها بتذمر: 
"أنام إيه؟ لسه بدري أوي، وبعدين انت وعدتني إنك هتسهر معايا النهاردة نتفرج على فيلم سوا." 
تحدث بأرهاق شديد: 
"معلش يا ترنيم، تعبان، خليها بكره."
نظرت له بضيق، قائلة: "
والله العظيم غلس وبارد، وأنا بكرهك."
كانت تعبيراتها تحمل الطابع الطفولي.
وعادت إلى شقتهم.
ابتسم سلطان على حركاتها الطفولية، قائلاً:
"يلا تصبحوا على خير." 
دلف إلى غرفته، ونزع ملابسه بعشوائية، ودخل المرحاض يأخذ حمامًا دافئًا. بعد قليل، خرج وهو يضع المنشفة حول خصره، لكن تفاجأ بترنيم تقتحم عليه الغرفة. أغلق عينيه بنفاذ صبر، وقال: 
"هو أنا كام مرة أقولك، خبطي على الباب قبل ما تدخلي يا مصيبة قلبي." 
كان يتمنى أن يُبقي الأمور في حدود معينة، ولكن الأمور قد خرجت عن السيطرة.
احمرت وجنتها بخجل وتحدثت بتلعثم: 
"ها م ما أنا كنت جايه أوريك الطقم اللي هلبسه الصبح، ما معرفش انك كنت بتاخد شاور." 
كانت كلماتها تعكس خجلها وقلقها.
اقترب منها، وأغلق الباب، وأسندها عليه، وتحدث بصوت هامس: 
"أنا لو أكلتك دلوقتي بخدودك الحمرا دي، محدش هيلومني. أحمدي ربنا إنك دخلتي قبل ما أشيل البشكير، لأن لو ده كان حصل كان زمانك اغمى عليكي دلوقتي." 
كانت هذه اللحظة تحمل في طياتها الكثير من المشاعر المتناقضة.
وضعت يدها على وجهها وتكلمت بخجل:
"س سلطان بقى، ق قولتلك م معرفش انك كده، سيبني أخرج من الأوضة." 
لكن الآن، كان الإحساس المتزايد بينهما يخترق الحواجز.
شعر بأنفاسه تتعالى بشدة من فرط إحساسه. ابتعد عنها قبل أن يفعل شيئًا يندم عليه، واتجه إلى خزانة ملابسه، ليأخذ ما يرتديه. بينما كان يتجه إلى المرحاض، قال: 
"أقعدي استنيني لحد ما ألبس هدومي، وأجيلك." 
أنهى كلامه وأغلق الباب خلفه. جلست على السرير تنتظر خروجه، ومع كل دقيقة تمر، كانت القلوب تزداد توترًا وعواطفًا.
ابتلعت ريقها بصعوبة، وهي تتذكر قربه منها. أغلقت عينيها عدة ثواني حتى تهدأ، لكنها تفاجأت بسلطان يضع قبلة على وجنتيها ويتحدث بمزاح: 
"فتحي عيونك يا قلبي، وبلاش تفكري كتير علشان ده غلط عليكي." 
كانت هذه اللمسة الخفيفة قادرة على تحريك كل شيء داخلها.
فتحت عينيها بصدمة وضربته بيدها الصغيرة على صدره، قائلة بخجل: 
"سلطان، اتلم وبلاش غلاسه." 
كان يضحك لتلك الطريقة المحببة له، مما زاد من توتر الموقف، لكنه لم يكن يملك القدرة على المقاومة.
تعالت ضحكاته الرجولية، وقال: 
"خلاص يا مجنونة، اهدي بهزر معاكي."
كانت تلك الكلمات تغذّي شغفهما بالمغامرة العاطفية.
عقدت ذراعيها على صدرها، قائلة بتذمر طفولي: 
"بارد وغلس، وأنا بكرهك." 
وكما هو معتاد، لم يكن هناك شىء يمكن أن يمنع هذا التفاعل البشري الرائع بينهما.
ابتسم على حركاتها وتحدث بعشق خالص: "أهي طفولتك دي اللي بتخليني أعشقك كل يوم أكتر من اللي قبله، مجنونة وطَّقه ودماغ طفلة." 
بدا حبه لها كما لو كان ملاذًا من العالم الخارجي، حيث يمكنهما الهروب معًا.
ثم حرك يده ببطء على جسدها، وقال: 
"بس موجودين جوه جسم مكتمل الأنوثة، بيتوه عقل الواحد منه." 
كانت كلماته تعبيرًا عن مشاعر عميقة، لكنها تحمل غموضًا لا يعرف مقدار تأثيره.
ابتلعت ريقها بصعوبة وتحدثت بتلعثم: 
"س سلطان ب بس بقى." 
كانت هذه الكلمات تحمل إشارات التحذير، حيث كان يجب عليهما توخي الحذر.
أخذ نفسًا عميقًا حتى يهدأ، وابتعد عنها. أسند رأسه على ظهر السرير وعقد ذراعيه على صدره، وقال: 
"أمم... ماشي، وريني الطقم اللي انتي عاملاه حجة علشان متخلنيش أنام وأسهر معاكي." 
استقامت بجسدها وبدأت تظهر ملابسها أمام سلطان، وتحدثت ببراءة: 
"أنا برضه يا سلطان، بعمل كده، خالص ظلمني. أنا جيت علشان تشوفه، ومتجيش الصبح بعد ما ألبسه تشوفه وتزعقلي وتقوللي ادخلي غيري." 
كانت في كلماتها مزيج من التظاهر والصدق، مما يجعل الموقف أكثر تعقيدًا.
نظر إلى ما بيديها بتمعن، وقال: 
"انتي عارفة إن أنا رافض تلبسي جينز مقطع يا ترنيم، ومع ذلك جايبة ليا أشوفه ومستنية مني أقولك موافق صح؟" 
كانت هذه الكلمات كفيلة باحتواء المشاعر المتباينة بينهم.
تكلمت بتذمر وبتوضيح: 
"مسمهوش جينز مقطع يا سلطان، اسمه بنطلون وايد ليج، وأنا بحبه أوي، بليز، وافق عليه." 
أكدت جرأتها في التعبير، مما جعل سلطنة الرغبة تتزايد.
رد عليها بتهكم: 
"ممكن أوافق عليه في حالة واحدة بس، لو خيطي المقطوع ده، أو لبستي بنطلون تحته يداري جسمك." 
بخفة دم، لكن تحت السطح كانت تسكن مشاعر عميقة.
وضعت يدها على وجهها بنفاذ صبر، وقالت:
"يا ربي بقى، تيجي إزاي كده يا سلطان؟ خلاص، مش هتزفت وألبسه. ممكن تيجي معايا أوضتي وتختار انت اللي هلبسه بنفسك، علشان متجيش الصبح وتنكد عليا." 
فبين الارتباك والجرأة، كانت الأمور تتطور بإيقاع أسرع من المتوقع.
تمددت على السرير بإرهاق، وقال: 
"مش قادر، عايز أنام، روحي دلوقتي، والصبح نبقى نشوف الموضوع ده." 
هبطت بقدميها على الأرض، وتحدثت بتذمر: 
"يوووه، الصبح تقولي سبيني، علشان لسه صاحي من النوم ومش فايق، وبليل تقولي سبيني أنام علشان تعبان، وفي نص النهار في الحارة مشغول ومش فاضي ليا، أنا زهقت يا سلطان." 
أغلق عينه بنفاذ صبر، وقال: 
"بطلي زن الأطفال ده، وروحي يلا أوضك، عايز أنام."
لكن هذا بالطبع لم يكن هو الخاتمة التي يرغب فيها.
عقدت ذراعيها على صدرها، وقالت بعند:
"مش رايحة يا سلطان ومش هسيبك تنام، ها بقى." 
لكن فجأة اتسعت عيناها بصدمة عندما تفاجأت بيد سلطان تسقطها بجواره على السرير، ليأخذها داخل أحضانه، وهو يتحدث بنفاذ صبر: 
"يبقى خليكي، وأنا هعرف أنيمك غصب عنك." 
كانت اللحظة مغرية بشكل لا يوصف، مما جعل القلوب تتزاحم مع المشاعر.
أنهى كلامه وأدخلها داخل أحضانه مقبلًا رأسها وأغلق عينيه. كانت حبات القلب تتدفق بينهما، كأن العالم الخارجي قد اختفى تمامًا.
تكلمت بصعوبة، قائلة: 
"س سلطان، سيبني." 
لكنها لم تكن تعرف أن سلطان أيضًا يشعر بالاحتياج.
تحدث بصوت هامس وهو مغلق عينيه: 
"لا مش هسيبك، أنا تعبان وعايز أنام، وأنتي شغالة زن فوق راسي، يبقى أنيمك زي ما كنت بعمل معاكي زمان. أخدك في حضني تنامي على طول." 
كانت لحظات بسيطة تحمل معنى عميقًا.
أدخلت رأسها داخل صدره بخجل، وتكلمت بتلعثم: 
"ب بس أ أنا مش صغيرة دلوقتي يا سلطان و وبتكسف." 
كانت كلماتها مخلوطة بين استعادة الطفولة والنضوج.
فتح عينيه ونظر لها بحب، وتحدث بصوت هامس: 
"موضوع إنك مش صغيرة ده أشك فيه، إنما الكسوف ده اللي متأكد منه، لأن في دماغك دلوقتي فاهمة كل حاجة، وعندك مشاعر وإحساس داخلي." 
كانت تلك الكلمات توضح عمق العلاقة بينهما وقوة عواطفهم.
ابتلعت ريقها بصعوبة، ونظرت له بعينيها، وتعالت أنفاسها بقوة، وتحدثت بصوت متقطع: 
"س سلطان، أ انت قولتلي ع عايز تحافظ عليا ل لحد ما أبقى م مراتك، والوضع كده هيخرج مننا عن السيطرة." 
ويبدو أن كلماتها تعكس الصورة العاطفية المكتوبة في قلوبهم.
انتبه لحالته رغم فرط المشاعر التي سيطرت عليه. ابتعد عنها، وابتلع ريقه بصعوبة، قائلًا: 
"روحي أوضك، علشان طول ما انتي قصادي، بفقد السيطرة على نفسي يا ترنيم. لا وبقول لفوفة متخافيش عليها، أنا بعرف أتحكم في نفسي، بلا خيبة. المفروض أقولها، خبي بنتك من قصادي اليومين دول، علشان هفترسها لو طولتها قبل الفرح." 
اتسعت عين ترنيم بصدمه من كلمات سلطان. استقامت سريعًا، وركضت نحو الباب، لكنها اصطدمت برأسها بقوة، مما جعل سلطان ينتفض من مكانه بقلق، واطمأن عليها قائلاً: 
"يا مجنونة، مش تخلي بالك." 
وبينما كانت عواطفهم ملتهبة، أضاف هذا لحظة جديدة لعالمهم المتداخل.
نظرت إلى الأرض بخجل، وتكلمت بصعوبة:
"ا أنا كويسة، متقلقش يا سلطان، بس سيبني أمشي." 
يعلم كل منهما أن تلك اللحظة لن تُنسى بسهولة.
أنهت كلامها وتحركت سريعًا إلى خارج الغرفة، وركضت نحو شقتهم. في كل خطوة، كانت تقلل من التوتر المتزايد في قلبها؛ ومع ذلك، كانت تدرك أن هناك صراعًا يتطلب مغامرة أكبر.
نظر سلطان إلى أثرها، وارتسمت ابتسامة على ثغره، وعاد مرة أخرى للتمدد على السرير، منتشيًا بالتجربة. تنهد بعمق، قائلاً:
"ربنا يقرب البعيد، وتبقى معايا يا ترنيم، علشان خلاص مش قادر على بعدك عني أكتر من كده." 
وفي تلك اللحظات، كان قد بات مقتنعًا أن الحب يتطلب مواجهات حتى لو كانت مؤلمة.
ثم تذكر فريدة وابنته، شعر بوخزة في قلبه عكرت عليه هذه اللحظة. كان خائفًا من اللحظة التي ستعلم فيها ترنيم بوجودهم وتبتعد عنه. وبسبب هذا الأمر، عجل بالزفاف ليطمئن قلبه أنها سوف تبقى بجانبه ولن تبتعد، ليغلق عينيه مستسلماً لهدوء اللحظة، محاولاً الهروب من الحقيقة التي أصبحت شيئًا يؤرق عليه حياته في أسعد اللحظات.
            *********************
دخلت سميه غرفتها، وفي قلبها تتدفق ذكريات حديثها مع حسام، مما جعل مشاعرها تتأرجح بين السعادة والخجل. استولت عليها لحظات من الفرح في تأمل حديثهم، وكأنها كانت تعيش في حلم لم يكن لها أن تتوقعه. تحركت صوب النافذة، وفتحتها قليلاً لتطل بنظرة خجولة نحو نافذته، محملة بذكرى تلك الابتسامة التي لها طابع خاص في قلبها. لم يكن قد غاب، بل وجدته يقف هناك، عينيه تلاحقان اتجاهها بعينين مشعّتين، وكأنهما تفيض بأمل اللقاء، في انتظار ظهورها. تراجعت بسرعة، وضعت يدها على قلبها المندفع في صدرها، كأنها تحاول تهدئة دقاته المتسارعة التي كانت تتسابق في صدرها وكأنها تؤدي عرضاً موسيقياً غنياً بالعواطف. ارتسمت ابتسامة عريضة على شفتيها، وعادت مرة أخرى لفتح النافذة، تنظر إليه بتوتر متزايد، وكانت تشعر بأن كل جزء من جسدها يتجاوب مع تلك اللحظة السحرية. 
ابتسم لها حسام، وصوته هامساً كنسمة رقيقة: 
“مساء الخير يا ست البنات، منمتيش ليه؟” 
تنحنحت بتوتر، وخجلت قائلة: 
“ها...ك كنت قاعده معاهم بره ولسه داخله اهو وهنام.” 
نظر إليها بحب، ثم لاحظ حالة الارتباك التي كانت عليها، فتحدث سريعًا: 
“وأنا كمان هدخل أنام، بس حبيت أشوفك الأول، وقفت استنيت لحد ما تفتحي الشباك.” 
تضاعفت دقات قلبها فرحًا، وتحدثت بخجل واضح: 
“ا استنيت ف في الشباك ع علشان ت تشوفني ا أنا؟” 
ابتسم لها بهدوء، وقال: 
“ايوه يا ست البنات، ومش أول مرة أعمل كده. طول عمري بقف استناكي في الشباك زي ما انتي بتقفي تبصي عليا من وراه من زمان أوي.” 
اتسعت عيناها بصدمة، وامتلأت وجنتاها بخجل، ليتسلل صوتها مسرعًا ومتعثرًا: 
“ا أنا لازم أ ادخل أنام، تصبح على خير.” 
أنهت كلامها وأغلقت النافذة بسرعة، ثم ركضت إلى الداخل وجلست على سريرها، وضعَت يدها على وجهها غير مصدقة ما حدث، وهمست لنفسها في حيرة: 
“يا لهوي، ده طلع عارف إنّي بقف أبص عليه من وراه الشباك! يا لهوي على الكسوف! هتعامل معاه إزاي تاني ده؟ أنا غبية وحمارة، كشفت نفسي بسهولة.” 
بينما تتصاعد أفكارها، بدأت تتخيل كيف ستنظر إليه في المرة القادمة، وما سيكون عليه شعورها عندما تراه، وكيف ستتفاعل مع تلك الجملة التي تركت بصمة في قلبها، فتنهض بخطى مترددة، في خيالها للمرة الأولى، ترسم صورة مستقبلهما معًا، مما جعل خفقان قلبها يزداد مرة أخرى، ولكن هذه المرة كان شعور الأمل يملأها.
أنهت حديثها وتسطحت على السرير، وعندما تذكرت حديثهم، ارتسمت ابتسامة واسعة على شفتيها، فقد كان هذا الحديث بمثابة حلم تحقق بعد ليالٍ طويلة من التفكير فيه ورغبتها العميقة في التقرب منه. استرجعت في ذاكرتها كيف كانت تنظر إليه من وراء النافذة، وكيف كانت خفقات قلبها تتزايد كلما لمحته. أغلقت عينيها، وتمنت من الله أن يجمعها معه في أقرب وقت. في خيالها، تخيلت العديد من السيناريوهات التي قد تجمعهما معًا؛ كانت تنسج في خيالها حوارًا مليئًا بالضحك والمشاعر الصادقة. أتت اللحظة التي تراها فيها عيونه البنية تتأملها، ولم تستطع مقاومة الخجل الذي ملأ وجهها باللون الأحمر. شعرت بأنها مستعدة لمواجهة كل ما قد يأتي به القدر، فقط لتكون قريبة منه.
             **********************
في صباح يوم جديد، استيقظت ترنيم وهي تشعر بالنشاط والحيوية، كأن شعاع الشمس يترقرق بشكل خاص من خلال نافذتها، ليُعطيها دفعة من الأمل والتفاؤل. نهضت بسعادة من فراشها الدافئ، متوجهةً إلى المرحاض، حيث استقبلت نفسها تحت قطرات الماء الدافئة في حمام منعش. استنشقت رائحة الشامبو وزهرة اللافندر المنعشة، مما ساعدها على التخلص من أي شعور بالكسل، واستعدادًا لصفحة جديدة في حياتها. ارتدت ملابسها الأنيقة التي اختارتها بعناية، فتبدت كأنها قد خرجت للتو من عرض أزياء، وخرجت من غرفتها بفخر، وتحدثت بصوت مرتفع، متغنيةً بالفرح:
“أنا ماشيه يا فوفه دعواتك!”
خرجت وفاء، والدتها، سريعة من غرفتها، قائلةً بتوتر:
“بت يا ترنيم، خلي بالك على نفسك وكلي كويس، ولو فيه أي حاجه اتصلي على سلطان على طول، وركزي في شغلك كويس، دي أرواح ناس هتبقى تحت إيدك يعني مش لعبة. إياكي تستهتري بالموضوع ده يا بنتي.”
ابتسمت لها بحب، وبدت وكأن عينيها تلمعان بشغف الحياة، وأجابت باستغراب:
“فيه أيه بس يا ماما؟ مالك قلقانه عليا كأني أول مرة أخرج من البيت. وبعدين متقلقيش، السبع سنين اللي قضيتهم في الدراسة مش هفاء، يا فوفه، أنا طالعة التانية على دفعتي بلا فخر يعني. أنا طالعة من تحت إيد سلطان وتربيته، تتوقعي هكون ازاي؟ اهدي يا حبيبتي ومتخافيش عليا.”
أنهت كلامها وقبلت خدها بحب، حاملةً معها كل الأمان والطمأنينة التي تطمئن بها قلب والدتها، ثم ركضت سريعًا نحو شقة صباح. دقت الباب ودخلت وهي تقول بحماس:
“صباح القشطه يا صبوحه، سلطان صحي ولا لسه نايم؟!”
ابتسمت بهدوء، وقالت بنبرة حنونة تكاد تعكس مشاعر الأمومة:
“لسه نايم يا مجنونة، ادخلي صحيه.”
قبلت وجنَّتها بابتسامة واضحة تعكس المحبه لها، ودخلت تركض إلى غرفة سلطان، الذي كان يغمره النوم كطفل ضعيف. وجدته مازال نائمًا، فجلست بجواره بحذر، ورُبت على ظهره قائلةً:
“سلطان، اصحى يلا، هنتأخر كل ده نوم.”
زفر بضيق، وتحدث بصوت محشرج من النوم وكأنه يعود من عالم بعيد:
“ترنيم، اطلعي بره وبطلي زن شويه.”
صفعته على ظهره العاري بضيق، قائلةً:
“اصحى بقى وبطل كسل يا سلطان، مش المفروض نكون في المستشفى دلوقتي؟”
انتفض في مكانه بغضب، وأمسك يدها بتحذير، قائلاً بصوت محشرج: 
“قسما بالله يا ترنيم، لو مخرجتيش من الأوضه دلوقتي حالاً لأكون قطعلك لسانك اللي مش بيفصل ده.” 
كانت كلماته تنطلق كالرصاص، لكن قلبه كان يتألم جراء هذه المواجهة. كان يعلم أن أسلوبه هذا قد يكون قاسيًا، لكنه كان النوم مسيطر عليه.
نظرت له بدموع، وحاولت سحب يدها من قبضة يده بغضب، لكن وجوده القوي منعها من ذلك، ثم، وبعنف، خرجت من الغرفة تركض، وتركته وحده يواجه مشاعره المتضاربة. زفر بضيق، ووضع يده على وجهه بغضب، كأنه يحاول تهدئة عواطفه المتضاربة. لقد كان يعلم أن كل ما يفعله هو بدافع الحب، لكن كيف يمكنها أن تفهم ذلك إذا كان يحارب تصرفاتها العصبية المتزايدة؟ ثم نهض من السرير متوجهًا إلى المرحاض، يحاول أن يجد بعض السكون في تلك اللحظة المضطربة.
بعد وقت، خرج وبدل ملابسه بتحد، ثم هتف بصوت مرتفع، محاولاً استعادة السيطرة على الوضع: “ترررنيم.”
لكنه لم يجد استجابة، ففتح الباب وخرج ليجدها تجلس على الأريكة بوجه متجهم، وكأن العالم بأسره قد وقع على كاهلها. اتجه إليها وجلس بجوارها، محاولًا أن يكون ليّنًا ويراعي مشاعرها. ثم قال بصوت هادئ: “مش بنادي على أمك، أنا مش بتردي ليه؟”
تكلمت بغضب، واستاءت من كلماته: 
“مليش مزاج أرد، أنا حرة.” 
لقد كانت تلك اللحظة فاصلًا بين ما كانت تشعر به وما أرادته في حياتها. كان الغضب يتسرب بين كلماتهما مثل غاز سام، وكل جهة تحاول التأكيد على حقها في النطق في هذا الصراع المستمر.
ضغط على أسنانه بغضب، وقال بصوت عالٍ: 
“اعدلي رقبتك وردي كويس بدل ما أكسرهالك!”. 
كان يتمنى لو كان بمقدوره أن يعبر بطريقة تختلف عن تلك، لكنه وقع في فخ الغضب. كانت تتحداه.
عقدت ذراعيها على صدرها، ونظرت في الاتجاه الآخر، ولم تجبه.
تكلم بغضب شديد، محاولاً استعادة زمام الأمور:
“يا صبر أيوب، ربنا يصبرني عليكي يا ترنيم، قومي يلا.”
نهضت بغضب من الأريكة، عازمةً على عدم الخضوع لمشاعرها المتضاربة. تحركت أمامه بصمت، وكأن كل كلمة كانت تتردد في داخلها لكنها لم تُحسّن اتخاذ خطوات للحديث عنها. نظر إليها بنفاد صبر، قلبه مليء بالتوتر، وتحرك خلفها دون أن يفقد الأمل في تصحيح الموقف. هبطوا إلى الأسفل، وصعدوا السيارة، وانطلق بها سريعاً حتى وصلت السيارة أمام المستشفى. الطريق كان مفعماً بالصمت، صمت مخيم كالغيمة الثقيلة، حيث كان كل واحد منهما محاصراً بأفكاره ومشاعره المتضاربة.
فتحت الباب، وكان يبدو عليها الاستعداد للرحيل، لكن قبل أن تنزل، أغلق الباب مرة أخرى وسحبها داخل أحضانه بقوة. كانت لحظة فريدة اختلطت فيها الأعصاب بالحب، وزفر بها صوت هامس: 
“متزعليش مني، حقك على قلبي يا بنت قلبي. غصب عني اتعصبت عليكي لأن أنا منمتش طول الليل بفكر في لحظة قربك مني، ولعتي فيّا النار وهربتي مني.” 
جاء صوته كأنما ينقل مزيجًا من الشوق والاعتذار، يجعل كل كلمة قوية تختصر المسافات بينهما.
تكلمت بخجل، واهتزت نبرتها بصوت هامس، 
“خلاص مش زعلانه يا سلطان، بس ابعد بقى، إحنا في العربية.” 
كان حديثها كنسمة رقيقة، ابتعد عنها، ونظر في عينيها، تلك العيون التي كانت تعبر عن كل ما لم يُقال بعد، ثم قال بعمق: 
“بحبك يا ترنيم، وزعلك غالي على قلبي أوي.” 
كل كلمة من كلماته كانت تُشعل أملًا جديدًا في قلبها، وقد شعرت بمزيج من السعادة والقلق.
ابتسمت له بحب، وكانت الابتسامة تعبر عن فهمها العميق لمشاعره، ثم قالت بنبرة عاشقة، مليئة بالإخلاص: 
“وأنا بعشقك يا سلطان قلبي وزماني.” كانت هذه الكلمات كالعطر الذي يفوح في الأجواء، يحيط بهما ويجعلهما يستشعران متعة اللحظة، حتى وإن كانت الأحداث من حولهما تبدو غير مستقرة. كانت هذه اللحظة وكأنهما قد نسيا كل شيء آخر، ووقف الزمن عند هذا التصالح بين قلبيهما.
قبل رأسها بحب، ثم ابتعد عنها وهبط من السيارة وسط ضوء الصباح الذي كان يغمر المكان بألوانه الذهبية. فتح لها الباب بلطف، وتلك اللحظة كانت كفيلة بإشعال شغفها من جديد. ترجلت ترنيم منه، وأمسك يدها برفق كأنما يخاف أن يجرحها، ثم تحركا معًا نحو الداخل، حيث كان الوقت يبدو وكأنه يتباطأ في حضرة اللحظات الهامة.
اتجه إلى مكتب المدير، وهو مكان ينبض بالحيوية ويتسم بجو من الجدية والتفاؤل في آن واحد. استقبلهم الدكتور عصام بابتسامة مرتاحة تعكس شخصيته الدافئة. رحب بهم بحفاوة، مؤكدًا لهم أن وجودهم هو أمر محط تقدير خاص. جلس سلطان بابتسامة واثقة، وعينه لم تفارق عيني ترنيم، ثم قال:
“دكتور عصام، دي دكتورة ترنيم، خطيبتي اللي كلمتك عنها.” 
كان الفخر في صوته واضحًا، حيث حرص على أن ينقل أهمية هذا اللقاء، ثم أضاف بنبرة جادة:
“عايزك بقى تخلي بالك منها، ومش عايز أي حد يضايقها.”
رد الدكتور عصام بترحاب واضح، حيث نظر إلى ترنيم بغضٍ لقبولها:
“أهلا وسهلا يا دكتور ترنيم، متقلقش عليها، الأنسه في عينينا يا معلم سلطان. أنت خيرك علينا وطول عمرك جدع معانا.”
استقام سلطان بجسده وصافح المدير بقوة وعزيمة، ثم نظر إلى ترنيم برفق، كأنه يريد أن يمنحها بعض الدعم النفسي في تلك اللحظة. وبكل جدية، قال:
“تعالي يا بابا، عايزك.”
أومأت برأسها بخجل، وخرجت معه بتوتر يملأ قلبها، وقالت بصوتٍ منخفض:
“أنا خايفه أوي يا سلطان.”
أمسك يدها برفق، وكأنما يحاول تضميد جراح قلقها، ثم ربت عليها بحنو، وتحدث بنبرة هادئة:
“اهدي يا قلبي، متخافيش. مش خطيبة سلطان الدسوقي اللي تخاف، انتي قدها أقوى.”
أومأت برأسها، بحذر لكنها كانت تبحث عن الطمأنينة في عينيه، ثم قالت:
“حاضر يا سلطان، خليك شويه متمشيش.”
ابتسم لها، وقال بنبرة عاشقة وفخورة وكأنه يتحدث عن واحدة من أعظم إنجازاته:
“مينفعش يا دكتورة، اعقلي بقى وبلاش شغل الأطفال ده. أنا ورايا شغل وسايبه علشان أكون جنبك وقت ما تستسلمي شغلك الجديد، بس لازم أمشي دلوقتي.”
أخذت نفسًا عميقًا، شعرت بالدفء الذي تركه كلماته في قلبها، وأخرجته بهدوء. ثم قالت بحسٍّ من القوة:
“خلاص، ماشي تقدر تمشي.”
كاد أن يتحدث ويعبر عن مدى حبه وحنينه، لكن اتسعت عيناه بصدمه عندما رأى زوجته وابنته يتحركون إلى داخل المستشفى. توقف الكلام في حلقه، وظل نظره مثبته عليهم، وكأنما الزمن قد توقف في تلك اللحظة، تجمدت مشاعره بين الحب والإحباط، والتردد المحتدم في قلبه.
انتبهت ترنيم لحالة سلطان واستدارت باتجاه نظراته، حيث بدأت تدرك أن هناك شيئًا غير عادي يحدث. تساءلت عن سبب هذا القلق المفاجئ الذي ارتسم على ملامحه، وكأنهما في وسط مشهد غير متوقع يغيّر مجرى علاقتهما وأحلامهما معًا.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1